رواية بيت القاسم الفصل العشرون 20 بقلم ريهام محمود
رواية بيت القاسم البارت العشرون
رواية بيت القاسم الجزء العشرون
رواية بيت القاسم الحلقة العشرون
دارت بعينيها بأرجاء المكان عاليهِ وأسفله فردت كفها أمامه بـ قلة حيلة..
– نفسي أقولك اتفضل، بس زي منتا شايف المكان ميليقش بيك..
كاد أن يجيب ولكن جارها الذي أتى وجاوره بوقفته يتحدث دون أن يكترث لوجوده بصوت مرتفع..
-لسه الراجل ده بيضايقك..
والاستفهام واتساع العينان والذهول كانو من نصيبه..
– راجل مين؟!
أطبقت عينيها بشدة، تضغط على شفتيها كانت لاتريد معرفة أكرم أو حتى تدخل منه..
التفت الجار له برأسه.. يدقق النظر به، ولم تسعفه ذاكرته بمعرفته فالتفت لنورهان بنظرات متسائلة عنه.. أجابت بهدوء مفتعل..
– ده أكرم ياعم حسين..
أكرم هكذا، مجرد من كلمة زوج حتى!
زاد الله من خيرها وأفاض..
دون أن تحمل عناء تعريف جارها لزوجها، فمد الرجل يده بحرج يعدل من نظارته ذات الإطار السميك أعلى أنفه..
– آسف يابني.. العتب ع النظر، مختش بالي منك..
ايماءة بسيطة حياه بها تنم عن قلة ذوقه، فازداد الرجل إحراجاً ولكن أكرم لم يهتم، استدار للآخرى مستفهماً. .
– راجل مين اللي بيضايقك.!
سألها بنبرة غاضبة فازدردت لعابها بتوتر، تمتمت بخفوت وهي تشير بوجهها لدكان قريب منها بالجهة المقابلة..
_ صاحب المحل ده..
نظر للمحل كانت وجهته من زجاج يحتل مكاناً كبيراً من الشارع، وللأسف كان مغلق..
هتف بانفعال قوي..
-بيضايقك ازاي يعني!!
طأطأت رأسها أرضاً،والتوتر احتل جسدها كله فارتجفت وارتجفت الصغيرة بين ذراعيها..
غامت عيناه بقتامة، واكفهرت ملامح وجهه.. سأل
-ومقولتليش ليه..؟
ووجود الجار أصبح محرج فانسحب والعرق يتصبب منه
-طب عنئذنكو أنا..
وابتعد عنهما، تجاهله ونظر باتجاهها هادراً، يضرب بكفه الفاصل الخشبي بينهما
-مقولتلييييش ليه!
انتفضت من زعقته..
-مش عايزة أكبر الموضوع
انتفخت اوداجه غضبا، ونيران سوداء اشتعلت بحدقتيه، يهدر بها
-جارك يبقى عارف ومهتم وجاي يسأل..
وانا جوزك واقف زي الأطرش ف الزفة!
ثم ارتفع صوته يصيح بها..
– هاتي ملك..
همست بخفوت متوتر.. ترجوه..
-ياأكرم سيبها…..
قاطعها بانفعال.. يلهث بعنف، كان قوب قوسين أو أدنى من تكسير الفاصل الخشبي بينهما كي يصل إليها ويكسر عظامها من فرط غيظه
– هااتي البنت..
ناولته الصغيرة بتردد، جذبها منها بعنف قوي فبكت الصغيرة وارتعبت هي..
رمقها بنظراتٍ حارقة وولاها ظهره.. يرمق الجهة الأخرى بغضب مستعر قبل أن يغادر الشارع بسيارته..
……………..
.. “بـ غرفة كمال”
.. كان يجلس على طرف فراشه رافعًا ساقيه، يرتدي بنطال بيتي مريح يعلوه قميص رمادي قطني، يراقب تحركاتها بعين متفحصة مهتمة، تجلس أمام ناظريه على الكرسي الصغير أمام المرآه تمسح كفيها وذراعيها بـ كريم مرطب.. تتجاهله، ترفض النظر إليه، وإن صادف وتقابلت نظراتهما تشيحها سريعاً عنه، منذ الأمس لم تتحدث معه بكلمة واحدة بعد أن ضايقها بكلامه على حسب روايتها هي..!
تتجاهله أو كما يُقال في عُرف النساء “مقموصة”..
حامت عيناه عليها كلها، جسدها ملتف بقميص نبيتي خفيف بالكاد يتجاوز ركبتيها، خصلاتها ذات الأطراف العسلية استطالت وكأنها تستفزه ليتلمسها وهنا تنهد بداخله واستغفر ودعا بالتماسك ..
ماله ينظر إليها ويراقب ماتفعله وكأنه مراهق أو شاب ببداية العشرينات!
قرر قطع الصمت الثقيل بينهما يتمتم بنبرة حانية وهو يرمق انعكاسها في المرآه..
-تعالى..
تطلعت إليه خلال المرآه بعبوس لطيف وحاجبين منعقدين، زفرت وهي تُلقي بالمرطب أمامها بنزق فارتطم بالمرآه، وتحركت من مكانها على مضض، جلست على الطرف الآخر من الفراش مما أثار ضحكته ليقول..
– تعالى اقعدي أودامي.. متخافيش مش هاكلك..
يتكلم بمرح ويده تشير أمامه يمسح بكفه على الفراش قبل أن تأتي..
كانت نبرته هادئة مما جعل حدة ملامحها تهدأ قليلا، بالأساس حين يحدثها بتلك النبرة وينظر لها بنظرته تلك تحدث بداخلها أشياء غريبة، كـ دقة قلب زائدة، وقشعريرة لذيذة تسير على طول عمودها الفقري واحمرار بشرة وجهها..
استدارت بلا مبالاه زائفة تجلس أمامه، ومازالت تتحاشي النظرات بينهما..
سأل بصوتٍ أجش ..
– ممكن أعرف إنتِ زعلانة ليه مني!!
رفعت حاجباها ترمقه باستنكار يُدّعي البلاهة أمامها وكأنه لايعرف السبب..
فضحك بخفة من نظرتها له فاكمل بملامح رائقة..
– مش هضحك عليكي وأقول إني متشدد، ممكن اقولك إني بغير..
ثم تابع وقد أسرها بنظرته
.. وده شيء ميقللش مني اني اعترفلك اني بغير عليكي..
احتقنت وجنتاها وخجلت، ورغم خجلها إلا أنها بدون تفكير ألقت سؤالها الذي استغربه لسانها قبل عقلها الغائب..
-وكنت بتغير كدة على خديجة الله يرحمها..
قطب حاجبيه، وتمتم بضيق..
– بلاش نتكلم في حاجات قديمة، بس اللي متأكد منه أن مشاعري ناحيتك مختلفة..
أنا.. أنا حاسس إني بحب..!
وضحك باتساع فاه، وجو الغرفة بات أكثر حرارة ، يهز رأسه باستنكار متعجباً..
– أنا راجل معدي الأربعين ولسه عارف يعني إيه حب..!
وانتقلت ضحكاته إليها.. تضحك بخجل، تزيغ بنظراتها بعيداً عن عينيه.. والجلسة بينهما صارت مريحة أكثر وأكثر..
اقترب منها فلامست ركبته ركبتها ، لم تبتعد ولا هو، ولكنه شعر برعشة سارت بينهما ..
لمعت عيناه وقد شجعه هدوئها وخجلها وتورد خديها لأن يسأل..
-أحنا هنفضل كدة لحد أمته..
لم تجيب، تفرك بكفيها بخجل وتوتر، رأسها محني لأسفل وخصلاتها معه..
همس بنبرة أبحة..
-طب انتي حاسة بنفور مني..
فوراً رفعت رأسها باندفاع صادق تنفي ادعاؤه..
-لأ..
تنهد بهدوء، كان يعلم الإجابة مسبقاً، فهي تتعامل معه بـ أريحية..
زفر هواء صدره كله قبل أن يسأل بضيق ظاهر بنبرته..
– قلبك مشغول بحد!
سكتت.. وكان سكوتها ثقيلاً يزيد من ضيقه، وخوفه..
غمغمت بخفوت بعد وقتٍ ليس بطويل..
-لأ…
ابتسم براحة ظهرت على ملامحه، تابع بنبرة حانية
-أومال منعاني عنك ليه؟
حنان نبرته جعلها ترفع رأسها إليه، تبتسم بدلال عفوي لنظرة الحنان التي تفيض من عينيه ويختصها بها..
همست بتلعثم خافت.. ناعم…
-مش منعاك ..!
وبجوابها أعطته زر القبول، لمعت عيناه وابتسم وهو يقترب من جلستها، يزيح خصلاتها عن وجهها بانامل مرتجفة من فرط اللهفة، زفر نفسا حارقاً قبل أن يميل برأسه مقبلا شفتيها فشهقت من مفاجأته، ولكنه كتم شهقتها ورفضها الواهن باطالة قبلته، قبلة بادئها كانت ناعمة رقيقة كـ رفرفة الفراشات ومع الوقت صارت أكثر تطلباً وعنفا ..
يداه تتحركان على كتفيها يجذبها إليه..
ليبدأ جسدها بالتراخي شيئآ فشيئاً بين يديه
لايترك لها فرصة للتنفس كي لا تتهرب كعادتها.. حتى مستسلمة ، مغمضة العينان لا تنوي الافاقة… ولا هو..!
………….
.. “يامتشعلقين بحبال الهوا الدايبة.. فوقوا”
جملة مكتوبة بلون أزرق باهت على جدار إحدى المباني القديمة.. وكأن من كتبها يعلم بأنها ستقف أمامها وتتقاسمه الوجع..
تقف بمكانها قرابة النصف ساعة تنتظر هنا، هنا التي تتهرب منها ولا تجيب اتصالاتها منذ أن أخبرتها بأن تبتعد عن رامي دون أن تذكر سبباً واحداً يهدأ من النيران التي تتأجج بصدرها..
وبعد أن يأست من اتصالها، قررت أن تأتي لبيتها، وقرب المنزل بعثت رسالة لها بأنها بالأسفل أن لم تنزل ستصعد هي..
تعلم جيداً برفض هنا لزيارة منزلها، هي تستحي من وضعهم المادي أمامها، تخجل من والدها العاطل وأمها المهملة ومنزلهما القديم المتهالك..
زفرت بملل، تنظر حولها باشمئزاز وتعالي، وبعضا من شباب الحي يتهامسون ويقتربون من وقفتها، وهي لاتهتم بالأساس..
هي لا تعلم إن كانت تحب رامي أم لا ، هي بتلك الفترة مشاعرها متخبطة، حائرة.. خائرة القوى..
متأكدة من أنها لاتريد أن تخسر كل شئ..
أخرجت هاتفها من حقيبتها المعلّقة على كتفها ترى الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحًا، كادت أن تطلب رقمها ولكنها ألغت الاتصال وهي تراها تأتي نحوها بعباءة بنية وحجاب ملقى على خصلاتها باهمال، هيئتها تلك تليق بالشارع الذي تقطن به..
سحبتها هنا من معصمها يبتعدا عن أعين الشباب المتلصصين بحارتها..
– ايه في ايه… مش قادرة تصبري لما نتقابل بكرة..
تهدر هنا بها بوقاحة، فجذبت حنين معصمها من بين كفها بعنف واقتربت منها تسألها بغضب ونبرة مرتفعة غير مهتمة بمن حولهما..
– حالاً تقوليلي ليه بتقولي كده ع رامي.. ايه اللي بينك وبينه!!
ردت بسرعة كاذبة..
– مفيش بيني وبينه حاجة..
قاطعتها بحدة..
– متكدبيش.. انا اعرف كويس أمته بتكدبي وأمته بتقولي الحقيقه..
-بدل ماتشغلي راسك برامي.. فكري في النتيجة اللي هتطلع كمان شوية دي..
صاحت بها حنين بنفاذ صبر..
-انطقي بدل والله هطلع لأهلك فوق وكلامنا هيبقى اودامهم..
.. مسحت هنا وجهها عدة مرات بتوتر، تعض أصابعها ندما بأنها حذرتها منه..
آه لو علم رامي بذلك سيقيم قيامتها ولن يرحمها..
عدلت من حجابها تتلمس منه بعضاً من قوة وهمية..
– رامي يبقى حبيبي.. أو كان، ومن فترة شافك وعجبتيه واتفق معايا إني
أوقعك فيه، لحد ماياخد اللي عايزه منك…
اتسعت عيناها بصدمة، غير مصدقة تهز رأسها
-إنتِ بتقولي إيه؟
تأففت بضيق ثم قالت بتبجح ..
بقولك الحقيقة.. خلاص انت عرفتي كل حاجة..
شعرت حنين وكان الأرض تهتز من تحتها، تنظر للأخرى بضبابية وكأنهما للمرة الأولى يتعارفان.. غصةاستوطنت حلقها.. زمت شفتيها في محاولة واهنة للعتاب، ولكنها اكتفت بالتحديق بعينيها تُلقي عليها اللوم كله .. تمتمت بعد مدة صمت قصيرة بصوت مختنق..
-مش عايزة أشوف وشك تاني..
وتركتها حانقة تحاول الابتعاد، الفرار.. ان تختبئ من هزيمتها..
فصدح صوت هنا من خلفها..
-ده بدل ماتشكريني.. كان ممكن اسيبك وف الآخر هتبقى زيي..
تشير بسبابتها على صدرها، ثم تابعت بمرارة..
…. أنا لحقتك… كنتِ هتبقى زيي…
التفت برأسها، ترمقها بخيبة، وألم، هزت رأسها وقد نزلت دمعة من عينها تبعتها أخرى..
تقول بخذلان العالم كله..
– أنا بكرهك ياهنااا..
وغادرت، متهدلة الأكتاف محبطة تهز رأسها بغير تصديق وللأسف مرة أخرى قاسم كان على صواب….
………….
.. دلف غرفته بهدوء مرتديا سروال جينز يعلوه قميص سماوي وقد عاد لتوّه من الخارج، يحمل بين يديه صينية مستطيلة بها مالذ وطاب من الطعام، والذي طلب من والدته إعداده اليوم بـ حُجة أن ريم اليوم متعبة، وأخذ أولاده الثلاثة بعد أن ساعدهم بارتداء ملابسهم وتجهيز حقيبة متوسطة بها أشياء خاصة بهم واوصلهم لجدتهم أم ريم، يخبرها بأن أولاده اشتاقوا لرؤيتها وطلبوا زيارتها وهو لبى طلبهم وسيبيتون الليلة لديها أيضًا ..
وضع الصينية على طاولة جانبية دون أن يصدر أي صوت كي لا يقلقها،
واستدار بجسده يتجه صوب الفراش، يراها تنام ببراءة وخصلاتها المشعثة الناعمة متناثرة حول وجهها الناعم،
ازدرد ريقه وهو يقترب منها يزيح خصلة أعلى عينيها برفق،
لمسته تلك جعلتها تتململ بدلال كقطة صغيرة، فاقترب بثغره يطبع قبلة على وجنتها فاستيقظت
ترفع رأسها قليلاً وقد شعرت بقبلته فتخضبت ووجنتيها بحمرة لذيذة.. ابتسمت تتمتم بصوت متحشرج إثر نومها..
-صباح الخير..
ضحك باتساع ولمعة عيناه تخبرها وتفضحه كم هو سعيد ..
– قصدك عصر الخير.. العصر أذّن من شوية..
شهقت منتفضة وتحركت من مكانها جالسة ومازالت متمسكة بالغطاء حول جزعها
تغمغم بعتاب..
-بتهزر ياكمال.. وسايبني نايمة كل ده..!
-أنا عارف انك تعبانة.. مرضيتش اصحيكي..
الوقح يلمح بكلامه ابتسامة ناعمة ارتسمت على ثغرها وهي تتذكر كيف كان لطيفا معها رقته وهدوئه، نظراته الولهة وكأنه لأول مرة يرى أمراة بقيا معا حتى الفجر لتتوسد صدره وتنام باحضانه..
اشتعل وجهها بحمرة قانية تحت نظراته العابثة المراقبة.. تهمهم بخجل..
-احم.. زمان الولاد دلوقتي…
قاطعها وهو يقترب بشفتيه من رقبتها يطبع قبلة رقيقة تلتها أخرى أرق وأطول
حاولت أن تبتعد قليلاً ولكنه تشبث بذراعها بتملك.. يهمس من بين قبلاته..
-الولاد لبستهم ووديتهم عند جدتهم عشان وحشاهم ..
وتابع غامزًا بعبث..
– عشان تفضيلي أنا وبس..
.. اعتراض واهن وهي تهمس باسمه..
-كمال….
زفر وهو على وضعه..
– عيونه..
والهاء تعود عليه والدلال لها، تقاوم، تحاول أن تتحرك من أسر ذراعيه لها
ولن يعطيها الفرصة.. دون كلمة مال يقبلها..
يكمل ما ينويه بشغف.. واشتياقٍ لها ،تبادله مشاعره وقبلاته، فيزيد ويزيد
وكأنه يعوض حرمان سنواته الماضية..
………….
.. جلسة عائلية بإمتياز.. ملتفون حول المائدة والعزيمة اليوم على شرف يارا ونجاحها بمجموع كبير، وأعدت لها فاطمة أصناف الطعام التي تحبها..
فاطمة تجلس بمقدمة المائدة بمقابلها أكرم وجوارها نيرة ويارا وقاسم..
قاسم الصامت غالب الوقت حتى وقت أن هنأ يارا اكتفي بايماءة وابتسامة جانبية،
احتضنت نيرة كتفها بحبور تبارك لها بسعادة حقيقية..
– مبروك يايارو .. مبروك ياحبيبتي..
ردت يارا بفرحة..
-الله يبارك فيكي يانونا..
هتف أكرم يشاكسها..
-آآه منك ياأروبة ميبانش عليكي أبدا انك دحيحة..
أجابت أمه تدافع..
-يارا طول عمرها شاطرة وذكية طالعة لمامتها..
تضحك وتناولها قطعة من اللحم المطهي وبعض أصابع من ورق العنب بطبقها..
سألتها نيرة بنبرة بدت غير مهتمة..
-ها.. زياد هيجيبلك هدية إيه؟
تذمرت يارا وعبست بطفولية.. تغمغم بحنق..
– لا زياد غضبان عليا مش هيجيبلي هدايا..
سألت نيرة بجدية..
-ليه..
تخبرها وقد تحولت ملامحها من عبوس لعبث..
– عشان كان اتفق معايا إني لو أقنعتك أنك ترجعيله هيجيبلي عربية ع بداية دخولي للجامعة..
انطلقت ضحكة أكرم مجلجلة، تحدث من بين ضحكاته..
– يخربيت سنينه فاضحني ف كل حته..
نظرت له نيرة بامتعاض.. ثم قالت بنزق
-مبسوط أوي طبعاً ماهو حبيب قلبك..
هتف ضاحكاً ..
– أصل بيصعب عليا.. كل ماشوف حالته بضحك..
رفعت ذقنها.. تسأله بحزن مفتعل..
-وأنا مبصعبش عليك يااكرم!
قال بشقاوة يختصها هي بها ، يغمز بعينه..
-دانا محدش واخد قلبي وقافل عليه غيرك يانونتي..
توردت ووجنتيها من تعمد مغازلته، ضحكت وقد لانت ملامحها..
– هقوم عشان أاكل ملك..
قالتها وهي تنهض من مكانها ليستكملو طعامهم.. وحديث مرح بينهما لم ينقطع سوى بسؤال عفوي القته فاطمة ليارا..
– وحنين عملت اي..؟
توقفت يد قاسم عن الطعام.. وسكن جسده عن الحركة وكأنه كان ينتظر، لم يلتفت أو يحرك رأسه ولكنه انتظر بصمت.. صمت فسره أكرم بشكل خاطئ.. فزجر أمه بحدة محذرًا بعينيه..
– ماما..!
يشير نحو شقيقه.. فارتبكت الأم وتلعثمت..
-أنا هقوم اشوف الكيكة لا شكلها اتحرقت..
وتحركت مسرعة وتبعها أكرم متعللاً بالجلوس مع صغيرته قليلاً قبل أن يخرج..
ظلت يارا بجوار قاسم الصامت.. كلا منهما يتلاعبان بطعامهما دون نية لتناوله..
قطعت الصمت يارا وهي تلتفت لقاسم.. تهمس بحزن ارتسم على ملامحها ..
– حنين هتعيد السنة..
كانت تريد اي ردة فعل منه.. ولكن عبس..
وضع شوكته جانبا.. ووقف متجاهلا حديثها..
مال بطوله قليلاً.. يربت على كتفها بملامسة طفيفة وشبح ابتسامة باردة لم تصل لعينيه..
-مبروك ع النجاح…
قالها وولاها ظهره يغادر الغرفة بل البيت كله.. تتطلع لمغادرته بصمتٍ ثقيل وألم، وبعدها عادت لشرودها وحزنها مرة أخرى…
…………….
. مستلقي على فراشه ممسكاً بهاتفه، والوقت تخطي منتصف الليل بساعة.. أمامه تطبيق الوتساب مفتوح.. وهي أيضاً مكتوب أنها نشط
.. لم يستطع تمالك نفسه وأرسل رسالة..
– أونلاين مع مين!؟
قرأت أمامها رسالة من زياد.. كانت تشاهد حالات الوتساب التابعة لاصدقائها بملل..
فتحت رسالته.. أرادت استفزازه فشاهدت الرسالة ولم تجب ..
وتجاهلها أغضبه أرسل أخرى بنفاذ صبر..
مبترديش ليه.. مرفقة بوجه غاضب..
ببرود كتبت.. – وانت مالك!
بعث رسالة أخرى..
– ماتتعدلي يانيرة
ثم ذيلها بأخرى .. – بتكلمي مين..؟
أعادت سؤاله إليه..
– وأنت أونلاين بتكلم مين؟
ببساطة كتب..
– لأ أنا براقبك.. مرفقة بوجهٍ يغمز..
أرسلت وجوه تضحك.. فكتب على الفور..
– دانا امي دعيالي انهارده.. ايوة كدة ياشيخه أضحكي وطريها..
ثم أكمل كتابة..
-عموماً أنا هعمل حفلة صغيرة ليارا ع أد عيلتنا.. هتيجي؟
– لأ..
دون سؤال أو مناقشة حتى.. فجابهها بالرفض..
– لأ هتيجي..
اعتدلت بجلستها تسأله..
-حفلة إيه.. لما سألت يارا مجبتش سيرة حفلة!
وأخذ مجرى الحديث لصالحه يكتب بشقاوة تقطر من بين حروفه..
– انت بتسأل عليا ياجميل؟! وارفقها بوجه به قلبين..
– طب مش تقول!!
هزت رأسها يائسة وضحكت.. أرسلت
– أنا هنام..
وكادت أن تغلق ولكنه ارسل بوجه يتوسل بكفيه..
– لأ استنى شوية والنبي إنتِ وحشتيني..
وتجاهلت..
-لأ هناام خلاص..
– طب هتيجي الحفلة صح!
– هشوف….
……………….
.. “بـ شارع نورهان”..
.. كانت تقف أمام المكتبة على إحدى درجات السلم يجاورها العم حسين جارها.. ينظران أمامهما للمحل الذي عُلق على بابه للتو بأنه معروض للبيع،
بالأمس كان مغلق وأول أمس أيضآ.. الأمر غريب، حتى الأحمق سيشك بالموضوع..
قال الجار بنبرة طيبة مؤمنة..
– مش قولتلك يانور يابنتي سيبيها ع ربنا.. اهي اتحلت من عنده أهو..
كانت تنظر للمحل نظرات غريبة.. على عكس جارها، نظرات ملؤها الشك.. شك تحول ليقين وهي ترى سيارة أكرم تركن جانبا ويترجل منها بثبات وجسد مشدود، يقترب نحوهما بعد أن ألقى نظرة ذات مغزى على المحل الواقفان أمامه ثم أعادها لوجه نورهان وثبتها بنظراتها المتسائلة..
ابتسم الجار له فرد ابتسامته بأخرى مجاملة، ثم اقترب منها يحدثها دون الآخر آمراً بصرامة..
-اقفلي المكتبة دي.. وتعالى نتكلم فوق..
ترددت بوقفتها تنظر له باستغراب، فحمحم الجار بحرج يدفعها نحو زوجها..
– اطلعي انتي يانور يابنتي.. وانا هخلي بالي من المكتبة..
اومأت للجار، وسارت باتجاه منزلها بخطى سريعة مرتبكة وكان خلفها مباشرة يتبعها كظلها.. قلبها يدق كطبول من قربه هكذا فأسرعت الخطى حتى كادت أن تتعثر فيمسك بخصرها يساعدها بخشونة..
فتحت باب منزلها.. تحمد الله بسرها أنها وأخيراً وصلت إليه..
وقفت بجانب الباب تمد ذراعها له تدعوه للدخول..
– اتفضل..
دخل بتأني.. ببطء، بروية متعمداً إثارة اعصابها يرمقها من علو..
ثم تجاوزها ودخل لمنتصف صالة منزلهم.. يقف ويأبى الجلوس
خلعت عن رأسها حجابها بعد أن زفرت براحة وقفت وراؤه كان يوليها ظهره
يوزع نظراته على جدران المنزل وأثاثه ، وشعر هو بوقوفها وراؤه فاستدار
ازدرد ريقه ببطء شديد وهو يراها أمامه هكذا فستان اسود واسع يحتوي جسدها الصغير الناعم، جميلة وفاتنة بعينيها الزيتونة الذائبة ببحرٍ من العسل، وخصلاتها البنية والتي جمعتها بربطة خلف رأسها.. تمنى لو مال واستنشق من عطر رحيقها.. تذكر أنه كان يحب التلاعب به..
سحب هواء المنزل كله أصدره ثم زفره مرة واحدة.. تحدث بحدة..
– أنا مش حابب شغلك ف المكتبة واللي رايح والي جاي يشوفك ويبقاله كلام معاكي..
هكذا دون مقدمات.. يصلها من وقفته شحنات غضبه وضيقه.. رفرفت باهدابها وسألته..
-أومال هصرف أنا ومجد منين؟!
هدر بها بنفاذ صبر..
-قولتلك انتِ واخوكي مسؤولين مني، وده مش شئ جديد يعني!!
ردت تعانده..
-وأنا قولتلك شكراً وكتر خيرك لحد هنا..
وانخفضت رأسها.. تحبس دموعها في حضوره،
تنهد بعمق محاولا بعد الغضب والتوتر عن محيطه، اقترب منها.. يشرف عليها بطوله، يقول بصوت أجش..
-لو سبتها هترجعيلي..
رفعت رأسها بغتةً كطلقة رصاص، اتسعت عيناها غير مصدقة ماسمعته للتو.. ملامحها قبل لسانها تهمس بسؤال خافت وملامح ذاهلة..
-انت قولت إيه؟
أن كانت اندهشت مما قاله قيراط، فاندهش هو أربع عشرين قيراط،
لسانه وعقله يأبيان التصديق بما تفوه به، وكانت الغلبة لقلبه..
زفر نفساً حارقا أتبعه بأخر.. ورؤيتها هكذا تقف بين ذراعيه وفي محيطه أعادت له الحياة من جديد.. أعاد كلامه وكأنه يوصله لعقله ولسانه من قبلها..
-بقولك لو سيبتها… هترجعيلي..!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت القاسم)