روايات

رواية بيت القاسم الفصل الثاني عشر 12 بقلم ريهام محمود

رواية بيت القاسم الفصل الثاني عشر 12 بقلم ريهام محمود

رواية بيت القاسم البارت الثاني عشر

رواية بيت القاسم الجزء الثاني عشر

رواية بيت القاسم
رواية بيت القاسم

رواية بيت القاسم الحلقة الثانية عشر

.. بعد أسبوع..

.. كانت ترتب الملابس علي الأرفف بذهن شارد،، أعصابها مشدودة منذ أن غادرت منزل أكرم.. وما يثير حنقها حزن أمها .. دائما ً تبكي وكأنها بطلاقها منه سينتهي العالم ،
حقيقةً لا تعلم لما المبالغة؟!
انقلب حالها وتغيرت حياتها .. والمفترض أن تشعر بالراحة فهي ورغم وضعها معه الا انها لا تقبل أن يشاركها به أخري ،
لازالت تحبه.. لن تنكر..!
ولكنها فضلت الحفاظ علي ماتبقي من كرامة لديها..
داعبت ذاكرتها ذكرى أول مرة رأته بها….
كان كالبدر في تمامه بملابسه الكلاسيكية.. وساعته الثمينة وعطره النفاذ والذي سرق خافقها فور تنشقه ، كانت هيئته عكس المكان الذي يجلس به ، فالمنزل جدرانه متهالكة وطلاؤه الجيري متساقط ، كان يجلس علي أريكة صغيرة منجدة بجوار جده وكأنه ملك.. منذ أن تشابكت نظراتهما معاً أحبته..
أحبته منذ اللحظة الأولى رغم تجهم ملامحه وقتها الا أن نظرته حينها كانت دافئة وكأنها تطمأنها، تربت علي قلبها ..
ليتها لم تنساق وراء احساسها.. فـ احساسهاا كان خاطئ ككل شئ خاطئ حدث من يومها ..
ابتسامة متألمة ارتسمت على ثغرها ، تنهدت بحزن وهي تمسك بهاتفها بعد أن جلست علي الفراش .. تريد الاطمئنان علي صغيرتها فمنذ رحيلها لم تراها ولكن تطمئن علي أخبارها من جدتها عبر الهاتف، وسماع همهمات الصغيرة وصوتها الطفولي لم يعد يكفيها.. فهي تريد احتضانها..
جائها رنين وتلك المرة لم يكن الإتصال للجده ولكن لأكرم..
زفرت بيأس وقد طال الرنين دون رد، وقبل أن ينتهي أتاهاصوته الأجش متمتماً بسلام بسيط.. التقطت أنفاسها وقد ارتبكت من نبرته،ويبدو من صوته أنه كان نائم.. وكم اشتاقت له ولنبرته ولكل شئ..
طاال صمتها فقال باهتمام.. أو هكذا خُيّل لها..

ـ عاملة ايه؟!

خفق قلبها بعنف، تمتمت شاكرة وقد أشتعلت خجلاً وكأنها لم تتمرد سابقاً..

ــ الحمدلله..
ثم صمتت قليلاً واستطردت بشجاعة مزيفة..
ـ عايزة ملك.. قصدي عايزة أشوفها..

ـطب وايه المشكلة.. تعالي شوفيها..

.. قالها هكذا ببساطة.. وكأن شئ لم يكن ،
ـ مينفعش أجي.. ينفع تجيبهالي ، أسفة؛ قصدي تبعتهالي..!

ومن تغير نبرته يبدو أنها استفزته وأخرجت المارد .. ف علا صوته وهتف بحدة..

ـليه مينفعش تيجي.. هو احنا خدامين عندك!!
عايزه بنتك تعالي شوفيها غير كده متحلميييش…

وردت تجابهه وقد اغتاظت منه ومن أفعاله وغروره..

ـ انت عارف اني مينفعش اجي.. فين المشكلة ف انك تبعتها..

همهم باحباط متعجباً..

ـ مشكلة..!! هو انتي طلباني عشان كدة؟

ـ ايوه.. اومال هطلبك ليه تاني!!

.. استعاد رباطة جأشه ثم قال بحسم..

ـ تمام.. ملك انتي عارفة مكانها عايزة تشوفيها تعالي
غير كدة بنتي مش هتخرج من بيتي..

وأغلق الهاتف بوجهها دون سلام.. وقد أثارت جنونه ألقي الهاتف علي طول ذراعه غاضباً.. يطحن ضروسه ببعضهما البعض.. لا يصدق برودها!!
هي والتي من نظرة واحدة منه كانت كفيلة باشتعالها.. كلمه بسيطة منه كانت كافية لاسعادها أيام..
حانق.. وبشدة، وما يثيره أكثر أنه لايعلم سبب حنقه…
يحدق فاللاشئ بقسمات مكفهرة ونظرات مشتعلة ، جسده متشنج ..
دقائق قليلة كان علي حاله ، ثم تحرك بآلية وانحني أرضاً ليمسك بهاتفه.. ضغطات بسيطة ورنين قصير قطعه صوت انثوي.. تجاهله هو وكأنه لا يسمعها
.. قاطعها بنبرة جامدة..

ـ حضري نفسك بالليل عشان هنروح نحيب الدِبل والشبكة …

،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،

.. .. يتبعها بخطوات ثابتة ، مدركاً حبها له حتي وان أنكرت ذلك وتظاهرت بالعكس،، وهو أيضاً يحبها ويحتاجها ولا داعِ لهدم بيتهما من أجل نزوة…!!
حسناً .. عدة نزوات صغيرة ، فهو رجل وله احتياجات لا تستوعبها هي.. مالت شفتيه بشبح ابتسامة فور تذكره لحديث أكرم “من أين يأتي بتبجحه”؟..
تسير أمامه بخطي متمهلة وكأنها متعبة، ترتدي سروال من الجينز الضيق يعلوه قميص فضفاض يصل لاعلى ركبتيها بقليل بلون زهري يتماشى لونه مع ربطة شعرها والذي جمعت خصلاته بشكل عشوائي أعلى رأسها..
تبدو لعينيه أكثر نحافة من ذي قبل، هشة قابلة للكسر بأي لحظة.. لوهلة أنبه ضميره لما فعله بها، ولكن هاهو موجود اليوم ليصلح كل شئ..
لحق بها ونادي باسمها بلهفة ظهرت جلياً بصوته..

ـ نيرة..

أجفلت من ندائه وكأنه ظهر من العدم.. ثوان بسيطة كانت تنظر له ببلاهه وفاه مفتوح غير مدركة وجوده هنا أمامها من الأساس.. تخطت صدمتها وقد استفاقت من زهولها سريعاً فولته ظهرها وتابعت سيرها بتوتر دون رد..
فلحق بها مسرعاً وأمسكها من ذراعها يديرها إليه بتملك..
نظراتهما تتقابل معاً.. يعلوها بطوله.. نظرتها ذابلة كانت تحمل عتاب تحاول ألا تظهره ، ونظرته مليئة بالرجاء
.. يحدق بها بعينين بنيتين متوسلتين..

ـ استني احنا لازم نتكلم..

.. زاغت بنظراتها عنه وعن ملامح وجهه والتي كانت تهيم بها عشقاً..
كتفت ذراعيها وحاولت أن تكون نبرتها ثابتة عكس مايجيش بصدرها من تخبط وحيرة..

ـ هنتكلم في ايه.. معتقدش ان لسه فيه كلام بينا يازياد..!!

ـ احنا متكلمناش اصلاً يانيرة ولا قعدنا مع بعض ،

.. ثم تابع بينما يراقب عينيها يحاول التأثير بها كما كان يفعل سابقاً..

ـ لو كنتي بتحبيني صحيح.. كنتي المفروض تعاتبيني، تسأليني انشالله ياستي تتخانقي معايا.. انما تسيبيني وتمشي وتطلبي الطلاق كده مرة واحدة..!!!!

.. رفعت حاجبيها باندهاش حقيقي.. هتفت غير مصدقة..

ـ زياد.. انت بجح أوي كده ليه..؟

كاد أن يضحك بداخله فيبدو أنه حقًا “بجح” وبشهادة الجميع..
ثم أكملت بمرارة كست نبرتها رغماً عنها..

ـ ولأ يازياد انا مطلبتش الطلاق مرة واحده أنا صبرت عليك سنتين.. وكنت حاسة ب كل حاجة .. بس كنت بكدب نفسي وبكدب تلقيحات الناس المحيطة بيا عشان بحبك ومش قادره ابعد عنك.. بس خلاص رصيدك في قلبي خلص..

.. مسد جسر أنفه بتعب.. وجد أن زمام الأمور بدأت أن تفلت من بين يديه.. فقال بهدوء يحاول أن يكسب بعض الوقت ..

ـ أنا شايف أن احنا نروح مكان هادي نتكلم فيه..!

ـ تتكلمو في إيه بالظبط، مش قولتلك ملكش كلام معاها وكلامك يبقي مع اخواتها الرجالة..

..انتفضا على زعيق قاسم والذي أشبه بطلقة نارية أخترقت وقفتهم.. مسح صفحة وجهه بحده وغضب ولم يكن هذا وقته بالأساس.. صرخ به وقد طفح الكيل منه ومن تدخله..

ـ إنت مالك إنت يابني ادم.. واحد ومراته وواقفين سوا بيتنيلو بيتكلمو سوا.. تتدخل بينهم ليه؟!

اقترب قاسم من وقفتهم وفصل بينهما بعرض جسده بالمنتصف.. يجابهه بطوله وحدة نظراته وخشونة نبرته..

ـ اتدخل ونص وتلت تربع.. هي سمحالي.. وبصراحة كده أنا مبقبلكش.. ويللا بقي من هنا..

فارت دماء الآخر من الغيظ، فدفعه بكفيه هادراً..

ـ انت بتطردني من الشارع انت عبيط يلا! ..

ـ عندك حق.. احنا اللي هنمشي ونسيبهولك ،، يللا يانونا..

أنهي قاسم كلامه وهو يسحب كف أخته بين كفه بقوة تاركاً الآخر يسب ويلعن وقد ضاعت منه الفرصة!!!….

……………… بعد قليل علي الدرج الرخامي للبيت .. كانت نيرة تجلس علي أحدى درجاته يعلوها قاسم بدرجتين.. يراقب ظهرها، حركاتها الخرقاء لمداراة ضعفها وتوترها.. تمسد خصلاتها بلا اهتمام حقيقي في محاولة فاشلة منها ان تتجنب مواجهته..
قرر قطع الصمت الثقيل بينهما فحمحم بخشونة وتسائل بمكر..

ـ لسه بتحبيه؟!..

تنهدت بضيق واكتفت بالتحديق بللاشئ أمامها.. فتابع هو يزم شفتيه يجيب بدلاً عنها.. لطالما عرف كم كانت مدلّهة بحبه..

ـ يبقي لسه بتحبيه…. بكرة تنسيه..

ضحكت نيرة ضحكة خفيفة تحاول إخفاء سخرية واضحة..

ـ ياريتها كانت بالسهولة دي ياقاسم..

ـ الغريبه ان دائماً كنا بنسألك بتحبيه؟ بس عمرنا ماسالنا هو بيحبك ولا لأ..
.. ثم تابع بحاجب مرفوع متسائلاً..

ـ هو بيحبك؟

ارتج قلبها بداخلها.. فأمسكت برباط شعرها تزيحه فانسدلت خصلاتها السوداء علي كتفيها بنعومة ، لم تلتفت له بل تحدثت

ـ الأمور مبتتاخدش كده ياقاسم.. حسابات القلب غير العقل خالص.. انت بس عشان مجربتش فمش حاسس بياا..

هتف دون أن يشعر وكأنه يحدث نفسه بمرارة..

ـ مجربتش!!.. هو انا ف حاجه جيبالي الكافيه غير قلبي..

دارت بوجهها تحدق بعينيه.. ويبدو أنها تولت المهمة وأصبحت مكانه..

ـ هسألك نفس السؤال.. بس ليك المرادي.. دايما بتقولي انت بتحب حنين.. بس عمرك ماسألت حنين بتحبك ولا لأ ..

وبنفس نبرته السابقة وذات الحاجب المرفوع سألت تتحداه بنظرتها..

ـ ها.. حنين بتحبك؟!

.. بهتت ملامحه في لحظة وتبدل مزاجه بوضوح .. ساد صمت قصير بينهما يقطعه أنفاسهما ولكنه قال بنبره جافة

ـ أكيد بتحبني ،، المفروض انها تكون بتحبني.. مين يلاقي حد بيحبه ومحافظ عليه زيي وميحبوش..؟!

هزت رأسها وقد أصابت الهدف..

ـ طالما قولت المفروض يبقي شكيت.. عرفت ان حسابات القلب بتختلف..

رد بعناد يجابهها علها تستفيق.. هو رجل ذات مبدأ لا يحبذ الرمادية ولا تستهويه ،،

ـ بس وضعك غييير.. كل شئ ف الحب ممكن الواحد يتغاضي عنه عشان المركب تمشي إلا الخيانه..

.. وتابع بيقين ونبرة جامدة يشدد علي حروفه..

ـالخيانة بتكسر اي حاجه حلوة ممكن أكون مخزنها ف قلبي.. الخيانة بتهد وبتجيب الآخر..

..ثم أكمل وقد قست نبرته..

ـ أنا لو مكانك عمري ماأسامح..

مالت برأسها.. تنظر له نظرة خاوية لأمرأه مجروحة، قالت بابتسامه متألمة..

ـ بلاش تبقي مكاني.. محبش ابداً ياقاسم انك تكون مكاني..

…… قطع خلوتهما صوت حنين والتي عادت منذ قليل واستمعت لمعظم حديثهما معاً، ولكن فضلت عدم الظهور فحديث قاسم عن الخيانة أزعجها.. أزعجها لدرجة انقباض قلبها.. ولا تعلم السبب..

ـ هاي..

ـ هاي ورحمة الله ياختي.. ايه هاي دي الناس بتقول سلام عليكم..
رد عليها متهكماً.. يرمقها بغير رضا بسبب ماترتديه من بنطال شديد الضيق وبلوزة تحتوي جزعها وتظهر معالم انوثتها بترحيب للناظرين ،، ولكنه تغاضي وقد هان الأمر وستصبح في عصمته قريباً وكلمته ستسري عليها سواء كانت راضية أم لا..
.. تأففت في وقفتها بملل.. وقلبت وجهها وقبل أن تنطق.. هتفت نيرة وهي تقف، تعدل من ثيابها والتي انثنت بفضل جلستها ، قالت مبتسمة بوجهها..

ـ أنا هطلع أنا قبل ماتبدأو ب وصلة الخناق بتاعكو..

ثم استدارت ونظرت لقاسم نظرة ذات مغزى وهي تشدد علي معصمه تهمس له دون الأخرى…

ـ بالراحة عليها.. ده لمصلحتك قبلها..

.. تراجع في ضيقه قليلاً.. ولانت ملامحه.. سألها بهدوء..

ـ كنتي فين..؟

ارتبكت قليلاً، ازدردت لعابها ثم قالت..

ـ هكون فين يعني.. كنت ف الدرس..

قال بضيق واضح في نبرته..

ـ مش ملاحظة ان دروسك كترت وبقيتي بتخرحي وتتأخري كتير؟

وزعت نظراتها هنا وهناك بعيداً عن نظراته المثبتة عليها .. كان يراقب كل خلجة بها.. يعلم متي تكذب ومتي تكون صادقة..
ودون انتظار ردها.. أكمل بتحذير..

ـ جدول الدروس بتاعتك يكون عندي بالليل.. مفهوم!!

هتفت باعتراض واضح والضيق ينضح من قسماتها..

ـ ليه بقي انشاء اللّٰه .. مين خلاك ولي أمري!

هنا فقد اخر ذرة من هدؤه وهو يصيح بها…

ـ ماتظبطي يابت بدل مااظبطك.. ردودك كلها مستفزة وانا مش هصبر اكتر من كده..

زفرت بضيق.. وتجاوزته تتخطاه.. فتحرك من جلسته يمسك بمعصمها قبل أن تتركه..
كان غاضباً منها ، بداخله شعور لا يعرف كنهه ولكنه شعور قبيح مقبض.. سيتغاضى عنه للأسف من أجل حسابات القلب سيتغاضي عن أي شعور قد يهز ثقته بها..
ثبت عينيه على نظراتها المستاءة.. ملامحها متوجعة من مسكته القاسية لمعصمها ، قال ونبرته تغيرت للجدية ..

ـ أبوكي هيجي اخر الشهر ده..

دبّ القلق بصدرها وظهر بعينيها .. فسألته بضعف تلقائياً..

ـ ليه؟

وكانت اجابته أكثر تلقائية ونبرته كانت ثابتة وقويه علي عكسها..

ـ انتي عارفه ليه..!!

نفض ذراعها عنه بعنف مثلما أمسك به.. تركها تصعد تحت ناظريه بخطي مترنحة غاضبة..
تركته متصلب مكانه والحيرة تأكل قلبه، وعقله يهتف بـ ألف سؤال وسؤال …

….. وفي غرفتها وأمام مرآتها.. كانت تراقب انعكاسها.. دموع عينيها والتي بدأت بالتساقط، وقد استائت من ضعفها .. فأمسكت بهاتفها وقد قررت تغيير واقعها وعليهم احترام ماتريده.. وعدة ضغطات علي الهاتف ثم رفعته علي أذنها ليأتيها الرد وتجيب هي بـ “ماما” …..

،،، ……………..

..(ليلاً)
بـ إحدى محلات الصاغة الشهيرة والتي اعتادت عائلته التعامل معه.. كان أكرم يجاور جيلان في وقفتها.. يختاران معاً خواتم الخطبة كما وعدها..
بريق الذهب أمامها خطف أنظارها رغم أنها ابنة وحيدة لأب ميسور الحال لم يقصر معها بشئ إلا أنها كانت دائماً تريد المزيد والمزيد ، أحلامها وطلباتها لاتنضب .. في روايات من عرفوها وعاشروها يقولون عنها طامعة ذات أعين فارغة لا يملئها سوى التراب .. ولكنها في روايتها هي طموحة ولا ضير في ذلك..
وهي الآن تعيش أكثر أحلامها روعة وجمالاً.. معها أكرم الذي يحبها ستجعله كالخاتم باصبعها سيلبي طلبها قبل ان تأمر به..
هي ليست حمقاء كي لا تشعر بتغيره وجفاؤه وتجهم قسماته.. ولكن كل شئ يهون، مع الوقت ستعيده أكرم القديم
.. أكرم الذي رسب لعاميين بالجامعة كي يظل معها وأمام ناظريه..
أفاقت من تخيلاتها الوردية علي صوت الصائغ..

ـ دي أحدث وأجمل خواتم موجودة في المحل ياأكرم.. نقي منها وعلى ضمانتي..

عيناها لاتتوقفان عن انبهارهما وهما تتجولان علي كل قطعة أمامها..
ابتسمت برقة وأعين منبهرة توجه حديثها لقاسم وهي تشير علي خاتم ماسي ..

ـ ايه رأيك في ده؟! خطفني أول ماشوفته..

يبادلها الابتسام بنظرة لا تفهمها.. بالأصح تتغاضى عنها.. يدقق باختيارها دون تركيز..

ـ جميل…

قالها ببرود.. غير مهتم وكأنه مجرد صديق ذهب معها ليعرض رأيه فقط..!!
استائت من بروده معها.. بلحظة تلاشت الابتسامة الرقيقة وحلت مكانها تكشيرة مصرية أصيلة.. تعلم أنه لايحب رؤية أحد حزين..
وقد أصابت فقد خلع عنه قناع البرود.. قال باهتمام..

ـ جميل بجد.. حقيقي يعني.. طالما عجبك أوكي ناخده

تمتمت بخفوت كي لا يسمعها من يقف أمامهما..

ـ مش المفروض نختار سوا.. هو انا غصبتك علي حاجة يااأكرم؟
ـ لا مش كده أكيد.. أنا بس بالي مشغول بالوضع في البيت عندي وكدة..

عادت بنظراتها للخواتم أمامها تختار وتقارن بعقلها ونظرتها، تسأله وقد رقت نبرتها واصطنعت براءة لا تناسبها..

ـ طب وأنا ذنبي إيه ياأكرم.. هو أنا اللي لخبطتلك الدنيا كده..!

.. حقاً عجز عن الرد.. بماذا يجيب!!
هو الآن بـ أسوء فتراته.. بل تلك الفترة هي الأسوأ بحياته..
تنحنح، يمسح علي لحيته الخفيفة بأنامله يخفي تيهه،
واعتبرت سكوته انتصاراً لها.. فابتسمت بوداعة وتابعا ماجاؤو لأجله..
مبتسم بطريقة غريبه ، وكأنه مسيّر أو مغيب، أو مضروب علي رأسه..
مبتسم بذبول .. وكأنه.. وكأنه رجلٌ بـ ورطة….

……………………………

.. أنهت ريم رص أطباق الطعام علي المائدة.. وقد قررت اليوم أن يكون العشاء خفيفاً وبمفردهما من اجل تهدئة الأمور بينها وبين كمال..
وقد غفا زين الصغير قبل قليل بأعجوبة ، ومراد وحاتم بغرفتهما يستذكران دروسهما..
ابتسامة رضا زينت ثغرها وهي تنظر للطاولة في الوقت ذاته دخل كمال ممسكاً هاتفه مدققاً به يكتب ويرسل أشياء تقريباً لها علاقة بعمله..
تجاهلها كعادته تلك الفترة وجلس مكانه دون ان يحيد بنظره عن الهاتف..
سحبت كرسيها وجلست تجاوره ومازالت ابتسامتها موجوده وملامحها هادئة لاتريد سوى أن تعود الحياه بينهما مثلما كانت..
ملأت له كوب من الماء ووضعته أمامه فتناوله دون شكر..
وأخيراً ترك الهاتف ووضعه أمامه علي الطاولة، فانتبه أنهما بمفرديهما دون أبناؤه.. فسأل..

ـ الولاد فين..؟

ـ زين نام، ومراد وحاتم اتعشو سندوتشات ودخلو يذاكرو…

أومأ برأسه متفهماً.. وبدأ بطعامه عاقداً حاجبيه ..
ساد الصمت بينهما عدا عن أصوات أدوات الطعام.. وقد ملت منه ومن صمته.. فقررت قطع سكون اللحظة ، أجلت حلقها وسألت بخفوت ..

ـ كمال ممكن اعرف انت متغير معايا ليه..

.. تستلهم، تحاول فك شفرته ، تجابهه بنظرتها ونعومة ملامحها..
زفر بحدة وقد تجهمت ملامحه وازداد مزاجه سوءً ، أجاب بجمود..

ـ مفيش حاجة.. معاملتي ليكي طبيعية جداً ..

صاحت به بانهيار..

ـ هو إيه اللي طبيعي.. انت يااما زعيق يااما مبتكلمنيش أصلاً..

هدر بها وقد تضاعف غضبه بسبب صوتها المرتفع..

ـ صوتك ميعلاش أحسنلك..

صمت لحظة وتعمد جرحها فهتف بـ لؤم لا يشبهه ..
ـ وبعدين إيه اللي مضايقك.. ولا انتي عايزة حاجه تانيه؟

.. فغرت فمها تنظر اليه بصدمة منه ومن وقاحته ، انعقد حاجبيها الرقيقين بشدة وهي تهتف مدافعة..

ـ أنا.. أنااااا…. أنا أكيد مقصدش….

.. ولم يقوى لسانها علي التكملة، فنهضت واقفة من مكانها بعصبية تنوي المغادرة بعد أن ألقت بوجهه أنه عديم الاحترام .. باللحظة ذاتها كان هو أيضاً يقف أمامها رأسه برأسها..
ومابين خجل وعتاب..
غضب وحيرة..
رغبة يريد وأدها وبراءة تزيد من اغوائها..
وتقول عنه عديم الاحترام إذاً فليريها مانعتته بها..
كانت الغلبة لجسده بعد أن حاوطها بذراعيه مستنداً علي ظهر كرسيها..
جزعه الخشن مقابل نعومتها،
أغمضت عينيها بشدة.. تشعر بتشنج جسده ، انحبست أنفاسها بصدرها وجسدها كله يشتعل خوفاً.. وخجلاً
كان يراقبها..صدرها يعلو ويهبط بذعر .. ملامحها الناعمة وخصلاتها الثائرة تأسرانه .. هي كلها ملك يمينه ولكن لا يريد..
لحظات وفتحت عينيها ببطء..ليتبادلا النظرات الصامتة واقتراب الأنفاس .. كانا بعالم آخر .. همست اسمه بنعومة تذيب الأعصاب..

ـ كماال…

وبنطقها لاسمه استفاق وانتفض بداخله ، سارع بكسر السحر النابض بعينيها وتظاهر بالقسوة واللامبالاه.. تابعت وقد تحول لون وجهها للأحمر القاني..

ـ أنا بس عيزاك تديني وقت…

رد متعمد احراجها بضحكة هازئة..

ـ أديكي وقت لايه..؟!
.. ثم تابع بصوت أجش ومازالت ابتسامته هازئة..

ـ اااه.. لأ أنا مش عايزك.. الرفض المرادي مني أنا..!

ثم تغيرت نبرته أصبحت أكثر سوداوية.. يهتف من بين أسنانه بشراسة..

ـ انتي هنا زي منتي قولتي قبل كده للولاد والخدمة وبس.. متتعشميش باكتر من كده ياريم.. وبالنسبالي لو هفني مزاجي ع الجواز ..!!هتجوز ياريم..

.. قطبت مابين حاحبيها، واستقامت بوقفتها رغم أنها مازالت بين الكرسي وذراعيه.. صاحت بوجهه..

ـ اللي بتقوله ده ف اي شرع بقى انشاءالله؟!

.. اجاب بجمود..

ـ اللي بقوله ده لا شرع ولا قانون.. اللي بقوله ده كان قرارك هنا ف البيت ده اللي متغيرش .. خليكي أد قرارك ولو مرة واحدة ياريم..

همست بصوت متحشرج..

ـ انت كده بتظلمني…!

أردف بقسوة..

ـ. انتي اللي ظلمتي نفسك..

.. وخلال ثانيه كان يبتعد عنها حانقاً، دخل غرفته سحب مفاتيحه… وتحرك. مغادرا كاعصار.. صافقا الباب خلفه بكل قوة.. ومع خروجه هوت بطولها أرضاً ترتجف، تدفن وجهها بين كفيها تبكي…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت القاسم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى