رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الخامس والأربعون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الخامس والأربعون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الخامسة والأربعون
اشترت الخضروات التي طلبت والدتها أن تحضرها أثناء عودتها من الصالون، فتحت باب منزلها الصغير ووضعت الأكياس وهي تتذمر بضيق من ثقلها .. على مسافة قصيرة لفت نظرها شخص يرتدي قبعة تخفي ملامحه يخرج من المسجد القريب منهم، قطبت جبينها باستغراب وهي تنفي شكها في شخصه، لكن كيف تمنع نفسها من التطفل ؟!
أغلقت ساره باب منزلها مجددًا وتحركت خلف الرجل إلى أن اقتربت من باب مصنع المعلم سالم… أسرعت بخطواتها تدفعه من كتفه بعد أن تأكدت من هويته واردفت بغنج :
شوف انا عيني متخيبش أبدا ولقطتك من الأول
فزع سيف من طريقتها، نظر حوله بخوف من كشف هويته في القرية ستكون ورطة لا يعرف عواقبها .. انتبهت ساره إلى القلق الذي أصابه فقالت بخبث :
مالك مش على بعضك ليه وكأنك عامل عَمله
: ولا عامل ولا منيل، أنا معرفش ايه وقعك قدامي
لاعبة ساره حاجبيها متمتمه بغرور :
من حظك ونصيبك
قبض سيف على معصمها وهمس بتوسل :
أبوس إيدك لو حد منهم عرفني هروح فيها مع عمر
لاحظ عمر وهو يقف حارس على البوابة مع رجلين آخرين أن ساره تترصد إلى سيف، أسرع إليهما وسألها بثبات مزيف :
في ايه يا ساره مش لاقيه حاجه تمسكها فيها غيرنا ؟!
لوكلة العلكة وقالت باستفزاز :
آه ملقتش غيركم قدامي، تيجي نشوف الريس مرتضى والريس سالم هيعملوا ايه لما يعرفوا أني كشفت خطتكم
عكس ما يشعر به رد عليها بلامبالاة :
برحتك، بناقص اليومية الزيادة اللي تذلنا ليكي
والتفت إلى سيف يسأله بضيق طفيف:
كنت فين؟! مش قولتلك خلص الورديه وامشي ؟؟
هز سيف رأسه مردفًا بصدق :
كنت بصلي العصر وقولت أرجع اعمل ورديه كمان
ضيقت ساره عينيها بشك متسائلة ببلاهة :
أنت قولت تصلي ؟؟
تابعت تسأله بجدية :
سمعلي أركان الإسلام الخمسة كده
انكمشت قسمات وجه سيف من سخريتها البالغة، بينما همس عمر برجاء :
ساره وحياة أغلى حاجه عندك إحنا محتاجين اليوميات دي واي فلوس هتساعدنا، أنا لما سمعت الريس مرتضى عايز عمال طلبت من سيف يجي وكله مشغول محدش هياخد باله منه
واستكمل باستياء :
بلاش علشانا افتكري زياد ويزيد ولوجينا، مرتبي مقضينا عيش وجبنه بالعافية
نظرت إليه بتفحص وسألته باهتمام :
هو كان بيصلي فعلاً ولا دي اشتغاله ؟!
زجرها سيف بسخط وانفعال بدى على طريقته :
وأنا هشتغلك ليه
تركهما واتجه لداخل المصنع فهتف عمر بتعجب بعض الشيء:
كنت زيك كده أول مرة شوفته ماسك سجادة الصلاة
: ولسا هنشوف العجب
تنهد عمر براحة عندما وجدها تعود في طريق منزلها .. حمل أزيح من على صدره لو علم أحد بوجود سيف، أول شيء سيفكرون به أنهم يخططون لمؤامرة ما، لو ظل يجزم إليهم بحسن نواياهم …
؛**********
”لمَّا تبَدَّتْ مِن الأستارِ قلتُ لها:
سُبحانَ سُبحانَ ربِّي خالقَ الصُّوَرِ
ما كنتُ أحسبُ شمسًا غيرَ واحدةٍ
حتَّى رأيتُ لها أختًا مِنَ البشَرِ
كأنَّها هيَ، إلا أنْ يُفَضِّلُهَا
حُسنُ الدَّلالِ، وطرفٌ فاتِرُ النَّظَرِ.”
لقائله
اعتقل لسانها عن الكلام وهي تقف بثبات غير مستوعبة أنه مقابل لها، رمشت بأهدابها بأنفاس غير منتظمة من اضطرابها.. دهشة، ارتباك، توتر، عدم فهم، مشاعر متناقضة تتغلغل بداخلها، وكالعادة تخفي ذلك وراء ملامحها المقتضبة التي تنجح في رسمها .. بكبرياء نظرت في المجلس قائلة بتساؤل :
بتعمل ايه هنا ؟!!!
رفع يعقوب حاجبيه باستنكار لسرعة تبديل شخصيتها من الخجولة التي لا تقوى على رفع رأسها، والآن قطة مشاكسة تقف بغرور وتسأله بثقة :
كنتي زي الكتكوت المبلول من شوية
عادت تسأله بهدوء متجاهلة سخريته:
هو قريبك ؟! غريبه اومال لما كلمتك علشان أسألك عنه مقولتش ليه !!
خرجت قهقه خافته وهو يتطلع إليها بتفحص، ينتظر أن تفعل كل ما يخطر على بالها وهو مستعد لاستقبال ساذجتها .. على الجهة الأخرى لا تملك حكمة التصرف لصدمة كتلك، لم تتوقع قط أن تقابله الآن :
والسكوت ده زعل إني طلعت العريس ولا لسا مش مصدقه
انتبهت إليه وقالت بجمود :
مش هيفرق في الحالتين
: كذابة
هتف بها بصرامة جعلتها تحدقه بكدر، لم يبالي يعقوب بحنقها وقال بتجهم :
كذابة وكذبك وعنادك اللي وصلنا لكده
ابتسمت باستياء متمته بحنق :
وانت ايه يغصبك تيجي تاني للكذب والعِند
أدام يرمقها لبرهة ثم غمغم بشغف :
جيت علشان اللي أنا وأنتِ متأكدين منه بس بتخبيه
واسترسل بلهجة متيمه بغرام يغمره :
جيت لأنك لا هتكوني لغيري ولا هكون لغيرك
وصلت أجنحة سعادتها إلى عنان السماء، أرتجف قلبها ولكن تلك المرة لم يكن قلقًا بل كان مستهام بفراشات تلمع حولها من كلماته … اعتراف صريح يبرز مشاعره المكنونة وما حاجتها بعد ذلك لبرهان!!
: وكان فين الكلام ده من الأول
تساءلت بنبرة يغلبها العتاب واللوم .. عقد يعقوب بين حاجبيه وسألها هو الآخر بسخرية :
الأول بالنسبالك لما دخلتي رميتي الدبلة في وشي ؟! ولا لما مقدرتيش اي حاجه ليا ؟!
تابع بانفعال ووجه عابس :
حسناء أنا جيت تاني بعد ما قليتي مني قدام نفسي قبل أبويا وابوكي
بانفعال مماثل أشارت إليه مردده بضيق :
أنت السبب ومحدش غيرك مسؤول عن اللي حصل، ومفيش حاجه هتتغير طول ما أنت مستهتر بيا
: وهو أنا لو مستهتر بيكي هتفرقي معايا أصلا!! في عز ما أنا مضغوط سبتيني وكل اللي بعمله علشانك، صدمتني في نظرتي اللي خابت فيكي وطلعتني مغفل وغبي
على قدر سعادتها منذ قليل إلا أنها تمنت أن لا تتصادم معه لتفوهه بأسلوب فج غير مقدر احاسيسها المرهفة، يثبت إليها ندمه على الارتباط بها وذلك واضح من بادٍ من أسلوبه .. وكي لا يطول الجدال تمتمت بلا اكتراث :
حقيقي أنا مش فاهمه أنت ليه موجود دلوقتي بكلامك ده
هز رأسه بالنفي مردفًا بجمود:
مش كل مره هتنهي الموضوع بمزاجك
: الموضوع انتهى وخلاص
ورفعت كتفيها بحيره مستكملة :
هنفضل نلف في نفس الدايره ومش هنطلع منها، وأنا مش هقدر أعيش في صراع، يمكن أزعل دلوقتي بس هرتاح بعدين
إذا عزمت على قرارها لا يقع اللوم عليها، ومن يتحمل في كل مشكلة وإن كانت تافهة فتح الدفاتر القديمة واحياء أسئلة الشك وعدم الثقة .. مسح وجهه بملل وقال باعتذار :
عارف إني وعدتك مش هفتح موضوع خروجك بليل وخلفت وعدي لكن وقتها كنت بفهمك أنك تقفلي على اسألتك عن خديجه لأني معنديش اجابه
حركت رأسها بعدم تصديق متسائلة باهتمام :
يعني ايه مفيش اجابه ؟؟ مين يجاوبني ويفهمني ؟!!
رد عليها بصرامة وحزم :
يعني الإجابة تتقفل فإني قولت مفيش اجابه
لم تُعقب وظلت تنظر للسجادة بشرود، أخذ أنفاسه بهدوء وتمتم بحنكة كي لا تخرج الأمور عن مجراها:
يوم ما اديت لابوكي كلمة فإني أكمل معاكي من غير ما أفتح الموضوع تاني واكتفيت بأنه قال هو عارف أنتِ كنتي فين وسبب خروجك شئ خاص مليش ادخل فيه ويعلم ربنا إني مشكتش في أخلاقك يومها لكن الفضول هو اللي خلاني اكون حازم معاكي شويه على أساس أفهم، بس بعدها خلاص شلت ايدي لأن الكلام واضح أن في خصوصية زيادة
رآها تصغى إليه بترقب فواصل برزانة :
يبقا تفكري بعقل وننهي الجدل في موضوع خديجه ليه تعمل معايا كده
نظرت إليه باستنكار وسألته باقتضاب :
يعني لازم أقفل بوقي متكلمش لأنك سكت ؟!!!
: يا بنتي ده مثال بقربلك بيه، وبعدين اهقولك ايه وانا أصلا معرفش هي عملت كده ليه، ودلوقتي بقا ايه الحل بعد ما ماتت المفروض مني اثبتلك ازاي أنتِ وابويا؟!
علت نبرته بضيق وهو يهدر بانزعاج، فعقدت ذراعيها مردده باستهزاء :
نرفزتك وصوتك العالي يدل على ضعف موقفك
صاح بصوت عال والضيق يتمكن منه كلياً:
متجننيش أمي، ضعف موقف ايه هو أنا واقف في محكمة
ولج المعلم سالم الذي كان يجلس خارجًا :
أنت بتعلي صوتك !!!
همهم يعقوب وهو يعتدل مردفًا بإحراج :
ما هي قاعده بعيد ومش سامعه
جلس على أحد المقاعد ووضع عصاه جانبًا، ثم عاد يتطلع إليهما بنفاذ صبر .. عم السكون لدقائق معدودة قدمت بهم نجاة العصير، قطع الصمت سؤاله المقتصر :
أحب أعرف وصلتوا لايه ؟؟
لم يرد أحدهما فاستكمل بملل :
أعيد السؤال بصيغة تانيه، ايه قراركم ؟؟
جاوبه يعقوب وهو ينظر إليها :
قراري معروف من ساعة ما دخلت هنا تاني
رمق حسناء منتظر اجابتها التي كانت بتلعثم :
بابا المشكلة مش هتتحل لأنه شايفني عيله صغيره ومستهتر بيا، غير انه حاكم عليا ولا اتكلم ولا ليا حق اعاتبه ولا أسأله علشان هو معدي موقف بينا احترام لكلامك
: طيب والله بعد كلامك ده أنتِ فعلاً عَيله وعقلك صغير
قال يعقوب جملته بانفعال ومن ثمّ هتف باستهجان :
دي فاضل شويه وتقول معلق ليا حبل المشنقة
تطلع إلى المعلم سالم الجالس يستمع إليهما وأكمل بعدم فهم اتهامه بكل هذا :
يا معلم سالم هو أنا لو مستهتر بيها كنت طلبت ايدها تاني!! ولا كنت هتعب نفسي ليه في حوار معها بس علشان أفهمها الغلط اللي حصل!! لو فعلاً زي هي ما بتقول كنت حطيت كرامتي في البداية وعمري ما فكرت فيها تاني
: كرامتك!! وأنا عملت ايه يهين كرامتك !!
: أنتِ حتى مهنش عليكي تنهي الموضوع بيني وبينك وتعرفي المغفل اللي واقف في قلب بيتك أنك قررتي تفسخي الخطوبة
: لو حضرتك جيت على نفسك وتطمنتني زي ما طمنت أهلك بعد غيابك طول اليوم لكن لا مقدرتش مشاعري ولا خوفي عليك وزي الغريبه كلمت أختك اسالها عليك
ضرب المعلم سالم على الطاولة وهدر بحده:
ما أنا لو قعدت طول النهار أسمع من كل واحد التاني غلط في ايه مش هخلص على أول السنه
واسترسل وهو يحدج يعقوب بترقب :
سؤال يا آه يا لا ونكون وفرنا على نفسنا وقت ومجهود
أنصت إليه باهتمام شديد وحواسه متأهبة بفضول .. تسأل المعلم سالم باقتصار:
بتثق فيها ؟؟
: أكيد
هتف بها بتلقائية دون تفكير، فنقل المعلم سالم نظره إلى حسناء واعاد نفس السؤال.. اضطربت وهي ترد بتلجلج :
ايوا بس …
أشار إليها بالصمت مغمغمًا بحكمة:
أول كلمة تكفي الإجابة على كل اللي بتناهدوا بعض فيه، العلاقة بتتبني على الثقة، الاحترام، المودة والرحمة، وبعدين الحب
تابع بحصافة نتجت من مرور الزمن:
وليه قولت الحب أخر حاجه لأن لو مفيش ثقة مفيش حب، لو مفيش احترام وتقدير مفيش حب، لو مفيش مودة ورحمة في التعامل مفيش حب، ولو مفيش حب مفيش حياة
ابتسمت حسناء بإعجاب شديد لرجاحة والدها في فن اقتناء كلماته الصائبة .. وعلى حين غرة تفاجأت بالعاشق الولهان يهتف بهيام وهو يرمقها مبتسمًا :
وعند يعقوب لو مفيش حسناء مفيش حياة
كست الحمرة وجنتيها واخفضت رأسها تخفي بسمتها بحياء، بعد نصيحة والدها ومن المؤكد لن يجعله يجلس أمامها إلا وأنه على يقين من اختياره المناسب، وجهة نظره دائماً صحيحة ومدحه في شخص يعقوب الوقور لن تكون هباءً ..
: لا ممكن يكون مفيش حياة ليعقوب دلوقتي حقيقي
تنحنح بخشونة فقد خانته مشاعره ودفعته ببلاهة ولم يعي جيداً لِما قاله، حتى وإن كانت الحقيقة التي تكمن بين حنايا قلبه عليه مراعاة كل حرف ينطق به .. تطلع المعلم سالم إلى حسناء الخجولة وقال بتهكم :
ضحك عليكي بكلمتين وصدقتيه
توسعت حدقتها وهي تنقل نظرها بينهما مردده بذهول:
ايوا يعني المفروض مني أوافق ولا أرفض!! ولا انضحك عليا بجد ولا أنا مش فاهمه!!
ردد يعقوب بضجر وهو رمق المعلم سالم الذي ابتسم إليه بخبث :
ليه كده أنا ريقي نشف
: مزاجي
قالها ثم طلب من حسناء أن تعد فنجان قهوة قبل أن يأتي موسى وعامر وسفيان كما أخبر مرتضى أن يصحبهم .. بجدية ظهرت على وجهه قال بهدوء :
يعقوب أنا معنديش أغلى من بناتي واللي هيكون ليه نصيب واحده فيهم لازم يقدرهم، مش هضغط عليك في الكلام لأن دا جواز وبطلب منك لو عندك شك ١٪ في حسناء إحنا لسا على البر وهحترم جدا قرارك اللي هيريحكم انتو الاتنين في المستقبل
حرك رأسه بتفهم مرددًا بنبرة حثيثة:
لا مقدرها ومحترم وجودها ومعنديش شك، أوعدك إني أقفل الموضوع خالص وأبدأ من جديدة
جاء صوت مرتضى يستأذن بالدخول ومعه الشباب، فنهض المعلم سالم وولج لداخل المنزل يخبرهم بعدم ازعاجه، ولا يقدموا الضيافة إلى أن يعطيهم إذن …
تهللت اسرار الشباب بفرحة كبيرة بذلك الخبر السعيد، لم يعترض أحد منهم على موعد عقد القران الذي حدده المعلم سالم في يوم الجمعة المقبل بعد صلاة العصر .. كما أنه أثنى اليهم بالشكر لما قدموه في غيابه مع بناته، ولأن ليس هناك ما يقدمه إليهم تعبيرًا عن شكره لم يرى شئ يستحقوه سوى بإتمام زواجهم ..
؛**********
لم يعرف كيف يتأكد من هوية صاحبة الاسم، تارة يفكر في أنه مجرد تشابه أسماء، وتارة أخرى يستنكر ذلك الاحتمال، فلا يوجد اختلاط بين والده والجيران من الأساس.. وإذا لم تكن زوجة خاله فمن يتواصل مع والده من القرية؟!
انتفض من فراشه وهو يلقي الوسادة بضجر، لن يتحمل الفضول أكثر وعقله لن يكف عن تصور التوقعات التي أثارت ضجة داخله .. وجده يجلس يقرأ كتاب ما، بحث بعينيه عن هاتفه واتجه يمسكه يأتي برقمها :
دي رحاب مرات خالي عبده؟!!!
دار إبراهيم برأسه ينظر إليه بتعجب، ومن ثمّ استقام ينتشل هاتفه من يده وهو يصيح باقتضاب:
لا، ومين قالك تاخد تلفوني
فقه يونس من ردت فعله أن هناك أمر ما يخيفه عنه، جلس على مقعد قريب منه مردفًا بترقب :
بابا دي رحاب مرات خالي وأنا اتأكدت بنفسي
لم يأخذ إبراهيم وقت للضغط وقال بسلاسة:
آه هي، عايز ايه؟؟
حرك رأسه بهدوء فقد توهم أنه سينكر ولكن ربما لن يقضي إلا قليلاً ويفهم كل شيء، سأله مستفسرًا:
ومن أمته وأنت ليك صلة بحد من البلد؟؟ واشمعنا مرات خالي عبده بالذات!!!
لم يرد عليه وتعابيره بهتت وكأنه يبحث عن إجابة تعفيه من أسئلته.. هتف يونس عندما طال انتظاره :
في سكوت يبقا الموضوع كبير
رفع إبراهيم كتفيه متمتم بلامبالاة :
ولا كبير ولا صغير مفيش حاجه أساساً، كان معايا رقمها من زمان وقولت أجرب اكلمها اسألها عليك لما شكيت أنك مش مع صاحبك
رفع يده يدلك خصلاته شعره مرددًا بجدية:
آه يعني كلمتها صدفة
هز إبراهيم رأسه بتأكد، فصاح يونس باستهجان :
وأنا المفروض عيل صغير هصدق ده، بابا بلاش نلف وندور على بعض احكيلي..
: يونس أنا شايف إن البلد باللي فيها خدوا أكبر من حجمهم في حياتنا وأنا زهقت، مش هعيش في وجع دماغ لما أمك كانت عايشه واعيده معاك
بإصرار غمغم يونس بأريحية أيقن منها إبراهيم أنه لن يتنازل عن الحقيقة:
خلينا صريحين بما إننا ملناش غير بعض
صمت للحظات ثم قال بقلة حيلة :
فاكر الحاجه مبروكه!؟
أشار يونس إليه والفضول يتضاعف على وجهه، تابع إبراهيم حديثه باستعطاف وتأثر :
الست دي شافت رحاب وصباح وهما بيحاولوا يخطفوا ابن خالك سالم من مراته ناديه لكن مات قبل ما يعملوا كده
جحظت مقلتي يونس بصدمه فلم يكن يعلم أن رحاب ولدت في نفس اليوم التي ولدت به ناديه!!
وأنت ايه دخلك ؟؟ وليه مبروكه مقلتش لخالي الكلام ده!! وازاى أنت عرفته ؟!
سأله يونس بعدم تصديق واستغراب، فأجابه إبراهيم بهدوء ولؤم :
عرفته لأني يومها كنت نازل البلد اقابل خالك سالم وعرفت إن مراته بتولد وحالتها صعبة ونقولها للمستشفى، لما روحت سمعت اتنين في الطرقة بيتكلموا ومبروكه واقفه قصادهم الناحية التانية
واستطرد بتدبير :
سمعت صباح بتهدد مبروكه لو نطقت بحرف هترميها بره البلد وكله عارف صباح عند المعلم سالم ايه
أعاد يونس يسأله باهتمام شديد :
وبعدين ؟؟؟ ازاي متعرفش ماما بحاجه زي دي ولا تقول لخالي ؟!
ضحك بسخرية متمتم ببرود :
أمك كانت ماتت من زمن، وكلامي مكنش هيفرق لأن الولد مات أصلا وتوأمه عاشت
: مش يمكن هما اللي قتلوه ؟؟؟
إذا استمر بالتفكير بتلك الطريقة سيخرج عن البئر الذي ألقاه به .. وربما يقلب السحر على الساحر ويضعه في مصيبة بتحليله :
لا محدش قتله لأنه كان مع خالك سالم وخرجوا بعدها قالوا إنه اتوفى لوحده
صمت يونس بشرود يستوعب بصعوبة بالغة :
معنى كلامك إن دي الحاجه اللي مبروكه كانت عايزه تقولها ليا، بس هتعرفني أنا ليه!!! ومعقول خالي مكشفش حقيقة صباح العمر ده كله؟! شكلها غير كده خالص!!!
: ملناش دعوة بقا يكشف ولا لا ومبروكه ماتت متشغلش بالك بالقديم وركز في حياتك البلد مش بيجي من وراها غير وجع دماغ
وقف وهو يردف بتأييد، متعمد إثارة قلق والده :
فعلاً شكلها مش هيجي من وراها غير كده
ابتسم إبراهيم بسمة مشرقة فاستكمل يونس بلا اكتراث:
وانا بموت في وجع الدماغ
بهتت ملامحه واختفت بسمته وسأله بجمود :
تقصد ايه ؟؟؟
لن يأخذ قرارًا في وقته الحالي خاصةً أن كلام والده غير منطقي، وكأنه يريد إغلاق الأبواب في وجهه عنوة حتى لا يتيح إليه مجال في المحاولة للعودة للقرية، أو لأنه يخبئ طورته في شيء ما جعله يختفي تلك الأعوام عن عائلة والدته… وإذا كان بالفعل إبراهيم محق في حديثه، فلن يعيقه لأنه لا يهتم بكل هذا من الأساس ولا يثير فضوله اي شيء سوى شعور الالفة والتقرب من أفراد عائلته مثلما فعل عامر وأصبح فرد منهم …
عقد إبراهيم حاجبيه عندما رآه يتبسم بطريقة مريبة وهو يدلف لغرفته مغمغمًا بلامبالاة:
مالها مايه البطيخ على رأي عامر
أغلق باب غرفته وأخرج هاتفه بعبوس، تذكر أخر رسالة اتت من مروه .. لن يستطيع مراسلتها كي لا يسبب إليها الازعاج، وها هو والده يحاول بشتى الطرق أن يبعده عن القرية، وما كان ينقصه أن تدخل تلك الرحاب لتضيق عليه الخناق .. من المؤكد أن الاثنين ورائهم أمر إذا كشفه سيساعده في تقبل إبراهيم قراره وإلا سيلجأ إلى خاله !!!!
؛**********
جلس مرتضى بجوار مها يتحدثان في أمور مختلفة، هدنة طويلة بعد غياب نسرين عن حياتهم .. شعور السلام والهدوء عم عليهما دون جدال مستمر في إفساد يومهم، أصبح كل شيء طبيعي في اختفاء الحرباء موقتاً!!
بجانبهم كان عامر وخيريه التي لم تتحكم في توترها الذي لاحظه عامر وسألها عن سبب مرارًا .. لا تريد تعكير صفوه وسعادته بتحديد عقد قرانهم واضحة إليها، لكن عليها الاطمئنان بسماع وعده للمرة الثانية :
عامر أنت وعدتني إننا هنعيش هنا صح ؟؟
هز رأسه بتأكيد متعجبًا من سؤالها، فقالت بارتباك وتلعثم :
أوعى بعد كتب الكتاب تغير كلامك وتجبرني أسافر معاك والله وقتها هزعل وعمري ما هسامحك
نظر إليها لبرهة وعلى حين غرة انفجر ضاحكًا وهو يصفق على يديه بذهول غير مبالي بمن يجلسون معهم في المجلس :
أنا مش عارف انتوا يا بنات بتفكروا إزاي!! هي اي حاجه تعكننوا بيها على نفسكم !!!
انكمشت في جلستها بضيق فقال برفق :
متقلقيش ياستي فاهم إني الراجل بيتحاسب من لسانه، وأنا عمري ما هجبرك على حاجه ولا هرجع في كلمتي
ابتسمت بهدوء متمته بخجل :
فيها ايه لما تقول كده من الأول
ردد بهمس متغزل بها وهي تخفض رأسها:
أهو صوتك ده اللي دوخني السبع دوخات من غير ما أعرفك ولا أشوفك حتى
تفاجأ بـ سامر يقف قباله يحدجه بثبات، فقال عامر بكدر :
هو مرتضى مسلط الولد ده علينا والواحد مش عارف
يقول كلمتين
نطق سامر بصوت مرتفع وصل إلى والده:
بابا قالي روح ألعب وأنا بلعب
صاح مرتضى يؤيد حديث سامر بعبث :
شاطر حبيب أبوك
: عيل غتت
همس بها يعقوب من بين أسنانه فقالت حسناء بانزعاج :
متقولش على سامر كده، ده عسل
حدجها بمكر مردفًا بعبث :
هو عسل فعلاً
دارت بوجهها بعيدًا وهي تسأله بتلجلج :
هو عمو عزيز يعرف أنك هنا ؟؟
أخرج من جيبه الخاتم الألماسي ووضعه بينهما :
عمو عزيز عارف إني هنا آه
ضغطت على شفتيها بغيظ من سخريته بأسلوبها، تعمدت تجاهل الخاتم كي تثير ضيقه واردفت ببرود :
لا الخاتم ده وشه مش حلو عليا مش هلبسه تاني
: مش يمكن جعفر اللي وشه مش حلو!!!
التفت ترمقه بأعين غاضبة ووجه محتقن، لاعب حاجبيه مغمغم غامزًا :
أعرف اخليكي تبصيلي كويس
حدجته شزرًا فقد عاد كلاً منهما إلى مكانه، لا تخلو جلستهم من الشجار والمراوغة المحببة لقلب يعقوب الذي شعر بأنه قد عاد للحياة مرة أخرى، كابوس مزعج لا يتمنى العيش فيه مجددًا بفراقها .. أيام قاسية حاول أن يتخطها وعجز، كل الطرق تؤدي إلى حسناء.. وحياته تعني حسناء،
اعتذر سفيان وأبدى أسفه الشديد لِما فعله طلال، في البداية لم تتجاوب معه أمل والعبوس حل ملامحها البريئة، إلى أن هدأت وأخذت بنصيحة والدها … لن يكون من العدل أن يعاقب ويحمل نتيجة تصرفات أخوه الأكبر، مادام أنها متأكدة من عدم معرفته بتلك الساذجة، عليها التحلي بالحكمة وتجاهل الأمر لتتكمن من التعامل معه بطبيعة .. كي تخفف من توتر الأجواء بينهما سألته عن أخبار عمله في مكتب المحاماة الخاص به، استجاب سيفان بترحاب جلي ومن حين لآخر يطلب منها بأن تعود أمل السابقة ولا تقسو عليه….
وأخيرًا الثنائي الأخير،
شاردة الذهن تنظر للفراغ، ترمش بأهدابها الكثيفة بتوتر وقلق واضح من حركة يدها اللاإرادية .. في كل دقيقه تحدق بيدها المصابة وهي تزدرد ريقها بصعوبة، كل هذا يلاحظه منذ أن أخبرها بطلب عمه زيارتهم ليتعرفوا أفراد العائلة عليها :
مالك يا هند؟؟ هما هياكلوا يا بنتي الموضوع مش مستاهل كل ده !!
مسحت وجهها وهي تتنفس بصوت مسموع فقال موسى بجدية :
أنا هطلب منهم محدش يجي ولا أشوفك كده أبدا
هزت رأسها بالنفي وسألته بتفكير :
مش هما عارفين إني مطلقة ؟؟!
قبل أن يرد عليها تمتمت تتحدث مع نفسها تهدأ من روعها:
خلاص عادي مفيش داعي للقلق، وأصلا أنا مش بخرج من غير الشاش الطبي ولو سألوا ايه ده نقول إني وقعت على أيدي ولا اي حاجه من دي
نظرت إليه وتابعت بحماس :
واشتري فستان كمامه طويله وممكن جوانتي تقيل فوق الشاش ومحدش هيلاحظ
تأملها لثوان وهتف بصرامة :
مين يهمك أنا ولا هما
ابتعدت بوجهها عنه بحنق فقد عاد إلى الحديث الذي لن يجدي نفعًا، لو كان كل شيء سهل تقبله كما يتقبلها هو لكان العالم تغير من وجهة نظرها ..
: ليه كل ده ؟! مش مصدق إن هند اللي كانت واقفه في وش محمود وموقفه عمال المصنع قدامها زي الألف هي هند اللي بتدور ازاي تستخبى من عيون الناس
دون أن تلتفت إليه غمغمت بضيق طفيف:
عيون الناس دي أهلك اللي هما ميعرفوش عني حاجه
أشار إلى الضمادة الملفوفة حول يدها وردد ببسالة :
برحتك بس بعد كده مفيش حاجه هتلبسيها على ايدك، الجرح ده وأثره هما اللي كانوا سبب في معرفتي بيكي وزي ما أنا قابل ده أنتِ كمان تقبليه
: أنت بتزعق لخالتو ليه
ابتسمت هند رغمًا عنها وسحبت سامر من يده تعانقه بقوة وتقبله، فنظر موسى إلى مرتضى وقال بتبرم :
ما تلم ابنك
ضحك مرتضي وصاح بغرور :
في بيت جدو وبيلعب
مجيء سامر مفر قدم إليها في الوقت المناسب.. لا تتخيل أن يرى أثار إصابتها البشعة وهي تشعر بالاشمئزاز والنفور إذا ظلت يدها مكشوفة، تخجل من الخروج أمام إخوتها ووالديها دون المضادة التي أصبحت جزء منها ..
حدقته يمازح مرتضى ويعقوب غير مصدقة أنه خلال أيام سيكون زوجها!! ستبدأ بتجربة زواج جديدة لا تعلم ما يخفيه قدرها بعدها … هل ستجد ما ظنته مستحيل ؟؟
أم يكتب عليها الالم الحزن من جديد ؟؟؟
؛*************
انتفض من الفراش بغضب متوعد إليها لعدم الانصات إلى أمره والابتعاد عنه .. فتح الباب وعينيه تطلق شرار معتقد أنها من صاحبة الطرقات، وجد ابنه يقف على الباب وفي يده طبق شطائر مرددًا بابتسامة :
جبتلك سندوتشات كتير عشان تاكل
ابتسم محمود إليه وقال برفق :
مش أنا قولت محدش يخبط عليا يا راغب
: ما أنت مش راضي تاكل معانا فقولت لماما تعملك السندوتشات واجبها لك
أخذ منه الطبق ومال بجزعه يقبل رأسه، ابتسم راغب وأشار إلى أخته أن تتقدم .. تفاجأ محمود بصغيرته تركض إليه وهي تعطيه زجاجة بها عصير، ضحك على خجلها وحملها يقبلها بحنو، فتح الباب إليهما وشرع في تناول الشطائر معهم، نسى حزنه وشرد في عالم طفولي برئ، غفل عن ضيقه صدره وانشقت بسمته الصافية وهو يلاعب أطفاله .. ربما ذلك ما كان يحتاجه ليتذكر نعمة الله عليه بوجودهم في حياته،
على صعيد آخر راقبته مياده من خلف الباب وهي تشعر بالغضب الشديد، رفض منها أي طعام وعنفها عندما دخلت للغرفة دون أن تستأذن، ولم تلاحظ أنها ردة فعل طبيعية عندما تسخر منه بتشفي وشماتة بادية على ضحكتها …
تعجبت من تمسك أطفالها بمحمود رغم أنه لا يعرف معنى الحنان والحب من وجهة نظرها وهذا ما يؤكد إليها أنه لا يستحق كل هذا الحب من أطفالهم …
؛********** بقلم حسناء محمد سويلم
: انا خلاص تعبت وفاض بيا
نطق جابر بغضب وهو يتطلع إلى ابنه الساكن منذ دخوله، علم بشروط عودة نيره من والدها الذي اتصل يعاتبه ويلومه على ذلك الحديث ..
: نيره جايه في الطريق مع أبوها
قالها المعلم سالم بعد أن أغلق المكالمة مع والد نيره، سأله جابر باستغراب :
هو قالك كده بنفسه ؟؟!
أومأ إليه فصاح سالم بحده :
يا عمي أنا مش هرجع في كلامي ونيره مش هتدخل البيت غير على شرطي
رد عليه المعلم سالم ببرود :
وهو حد قالك ارجع في كلامك
نظر جابر إليه بعدم فهم وسأله باستفسار :
يعني أنت متكلمتش مع أبوها ؟؟؟
: راجعه على شرط ابنك
صدمة طاغية على ملامح جابر وكذلك سالم الذي هتف بشك :
مفيش خلفة تاني نهائي!!
: كلامي واضح، ومتستغربش لو كمان سنه ولا سنتين لقيت مراتك حامل أصل وقتها هتكون حملت صدفة
تسمر سالم محله غير مستوعب ما قاله عمه .. لهذا وافقت على شرطه !! تضعه أمام الأمر الواقع ؟؟ زمجر من بين أسنانه بسخط :
تنزله أنا منضربش على قفايا
عنفه جابر بحده ونبرته جلجلت في الإرجاء :
دا أنا اطردك واعملك عزا ولا تدخلي بيت بعدها لو عدت كلامك الخايب ده تاني
نكس سالم رأسه هامسًا بأسى قد فاض من لهجته:
محدش عاش اللي عيشته ولسا مكمل فيه
نظر جابر إليه وشعوره بالعجز في مساعدة ابنه قيده بانكسار .. هتف المعلم سالم بهدوء :
أبوها قال إنها راجعه على شرطك، أقفل الموضوع على كده وعيشوا ويمكن أنت من نفسك تغير رأيك أو هي تغيره ليك أو ابنكم يغيركم انتوا الاتنين
واستطرد باقتصار :
عايز أبوك لوحدينا
أخذ هاتفه وخرج ينتظر عودتها على أحر من الجمر، شعور متناقض لا يفهمه واشتياقه إلى ابنه لا مثيل له .. في الداخل نطق جابر بحيره :
وبعدين ايه العمل !!
: تعرف أبوها كلامه، علشان متأكد أنها راجعه وفي أقرب فرصة هتقول أنا حامل، ومتزعلش مني يا جابر الموضوع كله مش عاجبني سواء ابنك أو مراته
استمع إلى صوت أذان العشاء فاستكمل بعجلة كي لا تفوتهما الصلاة :
جابر مروه امانه في رقبتك لحد ما تلاقي عريس مناسب
قطب جابر جبينه باستفهام وسأله بدهشة :
في ايه يا أبو هند ؟!
رد عليه بتلقائية:
مفيش بس كلمتين قولت افكرك بيهم، بعد كتب كتاب البنات مش هيفضل غير مروه ورحمه، لو الدنيا وقفت محمود ميقربش من بيتي
: في ايه يا سالم ؟؟ أنت بتتكلم كده ليه؟؟
لم يتحمل جابر طريقته التي انتابته بالقلق الشديد، فواصل المعلم سالم بحنو متجاهل اسألته :
بلاش تضغط على رحمه هي حساسه ومش عارفه هي عايزه ايه، سيبها على راحتها ولو عبده اتعرض ليها أقفله
بعد أن أنهى حديثه رأى الخشية والتعجب بادً على تعابير جابر ولخوفه على صحته قال بتوضيح :
سافرت يومين حالهم اتقلب وبعد اللي محمود عمله خلاني افكر مية مرة في كل حساباتي من جديد، لما اللي أنا مربيه يعمل كده الغريب هيعمل ايه !!!
تنفس جابر براحة متمتم بتودد :
ولا غريب ولا قريب يقدروا يعملوا يا أبو هند
واسترسل بمزاح :
اللي بناتك عملوه يخوف اللي ميخفش
؛***********
وضعت الصينية على المائدة ثم أخذت أكواب العصير توزعها على الأطفال المندمجين مع فيلم الكارتون في التلفاز .. قدمت إليه كوب الشاي، وأخذت فنجان القهوة خاصتها واتجهت إلى المقعد القريب منه، انتظرت خمس دقائق عله ينتهي من حساباته وقالت بتردد :
ربيع عايز اجيب هدية لخلود قبل متسافر
دون أن يرفع عينيه من الأوراق تمتمتم بعفوية :
ومالو خُدي العيال وروحي اقعدي الأسبوع اللي فاضلها
عقدت بين حاجبيها بعدم فهم متسائلة بحيره :
وبعد ما اقعد الأسبوع ؟؟ ايه دخل ده في الهديه ؟!
: هو في هديه أغلى من إنك تقعدي مع اختك
رفعت مي حاجبها بتهكمًا مردده بسخرية:
تصدق كانت رايحه عن بالي
ابتسم ربيع بزهو وارتشف من كوب الشاي، ثم وضعه جانبًا وبدأ يعد حزم النقود بتركيز.. اعتقد أنها اقتنعت بفكرته وما أن تأكد من مبلغ النقود وكاد أن يضعها في ظرف ورقي :
يا أخ أنت بقولك عايزه أجيب هديه لأختي
رفع نظره يطالعها بحنق:
متعرفيش أن كلمة فلوس للراجل بتنقص من عمره
ردت عليه ببرود وهي تضع قدم فوق الاخرى بغرور :
لا أعرف إن ممكن أخد عمر ربيع ولا أخد فلوس منه
حدجها بانبهار مردفًا بإعجاب :
ايه الشطارة دي امشي على المبدأ ده بقا على طول
رمقته بضيق فأخرج مبلغ نقود كبير ووضعه على المائدة بغيظ وهو يبرطم بتبرم .. رسمت مي بسمة عريضة على ثغرها برضا وألقت إليه قبلة بخفوت كي لا تلفت نظر الأطفال، لملم أوراق الحساب والنقود وأخذ الكوب وهو يرمقها بحده ثم قال بانزعاج :
مش هاين عليكي تجيبي طبق في قرص من بتاعت امبارح
” قرص!!! ” رددها مي باستنكار وهي تضع يدها على رأسها، ثم نهضت باستياء وعادت بطبق به بعض المخبوزات :
اسمه كرواسون مش قرص
اخذ الطبق يتأمل المخبوزات مردفًا بضجر :
قرص، اي حاجه بتتخبز في الفرن غير العيش قرص
حركت رأسها فلن تدخل معه في نقاش يستنزف كل طاقتها .. عم الصمت لدقائق ثم سالته بفضول:
هو أنت نسيت أنك قولتي هنجدد الشقة بعد ٣ شهور؟؟؟
بجدية هتف وهو ينظر إليها بثبات :
لا منستش
اصغت إلى باقية الحديث بلهفة فقد شعرت بملل من نظام وأساس الشقة، كما أنها تود أن تختار وتأسس المكان التي تعيش فيه بذوقها :
مش عايز اجي جنب أي حاجه في الشقة هنا واحتفظ بيها زي ما هي بكل ذكرياتها من غير تغير
خاب أملها وشعرت بأنها ستنفجر بالبكاء والصراخ، فاسترسل ربيع برجاء :
تستني سنه كمان وبدل ما كنتي هتجددي الشقة جددي بيتك، عيالي ملهمش اي ذكرى من امهم غير الشقة دي ونفسي اسيبها ليهم، وخلال سنه واحده فوق المزرعة هبني بيت أكبر من الشقة مرتين وجهزيه زي ما تحبي
رأت في مقلتيه وميض الفراق، يتظاهر بالثبات وهو يتحدث لكن نبرته المختنقة عكست كل شيء .. دهشتها في طريقة تفكيره جعلتها تسأله بترقب :
كنت بتحبها يا ربيع ؟؟؟
: كنت لازم احبها، ام عيالي عشت معاها ٨ سنين مشفتهاش مكشره في وشي مرة، استحملتني في بداية حياتي ومتكلمتش كانت فيها حنيه الدنيا، طيبه وغلبانة ونفسها تخلف عيال كتير لكن ملحقتش
لم تراها مي في حياتها سوى بعض اللقطات في البوم الصور، ولم يذكر ربيع عنها إلا في وقتهم هذا .. كل دقيقة تمر عليها تكتشف شخصيته التي لم تتخيل أبدا أن تعجب بها مهما حدث، صوته الغليظ وطريقته الفظة تخفي قلب رقيق بمشاعر حساسة، كم كانت مخطئة في الحكم عليه دون أن ترى حقيقته …
: أنت جميل أوي يا ربيع
قالتها بنعومة كي تخرجه من دوامة أفكاره الشارد بها، نظر إليها ومبتسمًا فضحكت مستكملة بمزاح :
أنا عارفه انك مولود بصوتك بس مش متخيلاك رومنسي بيه كنت بتقولها بحبك ازاي
انكمشت قسمات وجهه بضيق فاعتذرت منه وهي تضحك، رمق ضحكتها وهمس بنبرة نابعة بمشاعر فياضة :
بـحـبك
توقفت مي عن الضحك واستقامة في جلستها وهي تنظر إليه بخجل، ثم نهضت مردده بمراوغة :
آه يا لئيم
تطلع إلى أطفاله وأخذ الورق والنقود يضعها في أحد الإدراج وولج إليها مغمغمًا بعبث وهو يقترب منها بمكر :
ما تعملي اتنين ملوخيه من اللي أنتِ بتشربيها
لم تتعجب مي من وصفه لمشروب الماتشا بالملوخية فتلك عادته منذ أن رآها تشربه.. سحبته من معصمه للمطبخ وجلست أمامه وهو ترغمه على أن يعدها بنفسه وهي تباشر الخطوات ولا تخلو جلستهما من المزاح والمشاكسة …
؛***********
كانت تشاهد التلفاز تتابع المسلسل التركي المدبلج المفضل لديها .. صدح صوت جرس المنزل فنهضت معتقده انه عمر، ابتسمت برضا لأنها صنعت إليه إناء من المحشي كما اشتهى أخر مرة جاء لزيارتها، فتحت الباب وقالت بضجر:
أنا مش قولتلك تبدر شوية بدل ما بتضيع عليا المسلسل
: ماما
توسعت عينيها بعدم تصديق وصاحت بلهفة :
منير
؛************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)