رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الثالث والثلاثون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الثالث والثلاثون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الثالثة والثلاثون

؛*************
بخطى ثابتة تحرك الاثنين بحذر شديد نحو تلك الملقاة أرضاً، امرأه تفترش الأرض فاقدة الوعي أو فارقة الحياة!! لا يصدر منهما سوى صوت أنفاسهم المتصاعدة وهما يتقربا منها بحرص ..
: أنا جاي من الطريق دا ومكنش فيه حد !!
همس مرتضى بتلك الجملة وهو يرمق يعقوب بذهول، بينما الآخر تفحص المغيبة عن الوعي مردد بخشية:
دي ميته ولا عايشه ؟؟ وايه العمل فيها كدا ؟!
مال مرتضى يرفع يدها التي أخفت وجهها متأملاً ملامحها، توسعت مقلته بصدمه وهو يهتف باسمها :
خديجه !!!!
أخذ يضرب على وجنتيها برفق يحاول افاقتها، فسأله يعقوب بعدم فهم :
مش دي البنت اللي شغاله عندك في المصنع ؟؟؟
أومأ مرتضى إليه مردفاً بعدم استيعاب، تعمل تحت إشرافه منذ أن جاءت للقرية تحتمي في المعلم سالم من سخط عز وهاديه عندما علموا بنقلها لتفاصيل تخصهم إلى سالم جابر :
أنا مش فاهم ايه جبها هنا ؟! متأكد أن مفيش حد في الطريق من ثواني !!
تنهد الاثنين براحة عندما همهمت خديجه بهمس، وهي تجاهد في فتح عينيها بتثاقل .. بعد دقيقتين بدأت تستعيد وعيها تدريجياً، فكان أول سؤال وجه إليها من مرتضى :
ايه حصلك يا خديجه ؟؟؟
نظرت إليه بأعين دامعة ثم همست بصوت مرتعش :
مش عارفه
ساعدها مرتضى على الوقوف متسائلاً بتعجب :
يعني ايه مش عارفه ؟! الساعة ٣ الفجر ومرميه في نص طريق الأراضي ومش عارفه ؟؟؟
بكت بحرقة وهي تتمتم بحيره :
كنت نايمه مع أختي وسمعت صوت جاي من بره بحسبها أمي لما قومت شوفت خيال بيجري في وسط البيت، لفت انتباهي ان الباب مفتوح روحت اقفله بسرعة بس لقيت واحد قدامي مغمي وشه كتم نفسي وبعدها محستش بحاجه غير دلوقتي
هنا سألها يعقوب بعدم اقتناع لِما سردته :
وهو الحرامي هيخطف لنص الطريق ويكسل يكمل ؟!!
نظرت إليه وهي تبكي مردده بضعف :
معرفش، ومش عارفه هو حرامي ولا مين
تطلع يعقوب إلى مرتضى بشك، فلمح إليه بأن يتركها الآن:
امشي دلوقتي يا خديجه واطمني على أهلك
انصاعت إليه والتفت تركض للطريق المؤدي إلى شوراع القرية، عندما اختفى أثرها نظر مرتضى إلى يعقوب مغمغم بشرود :
يحصل كدا يوم هروب عز
حدجه يعقوب باستغراب وهو يسأله بسخرية :
وعز رجع في كلامه بعد ما جه بيها لحد هنا ؟؟
واستطرد بريبه:
عز يقتلها مش يخطفها
: ولو حرامي هيخطفها ليه ؟؟! وسبها هنا!!! معقول يكون اللي أنا شوفته ورا البيت زميله وخاف يتكشف؟؟
رفع يعقوب كتفيه قائلاً باستياء :
معنديش اجابه لان كلامها مش مقنع بالنسبالي من أصله
حرك مرتضى رأسه ينفي ما يدور في رأس يعقوب :
لا اللي في دماغك مش مظبوط، خديجه من يوم ما وصلت البلد وهي من المصنع للبيت ومش بتختلط مع حد نهائي ومش منطقي أنها تتذكى دلوقتي بعد المدة دي
رمقه يعقوب بعدم اقتناع، ماذا سيجبر السارق على تركها إن أراد خطفها؟! ولِما تركها هنا!!
: أنت مش راجع البيت؟؟
حرك يعقوب رأسه بالنفي واردف بتبرم:
رايح المحجر
نظر إليه مرتضى مغمغم بتهكم:
يا بني ريح نفسك هو أكيد مش بالغباء أنه يحاول يدخل المحاجر تاني
رد عليه باقتصار وهو يتجه إلى طريق المحجر:
اشوفك بكره
سار مرتضى باتجاه المعاكس، لا يجد تفسير سوى ان الشخص الذي رآه حول منزله صديق السارق الذي حاول سرقة منزل خديجه.. ولكن هل كان ينوي السرقة أم خطف خديجه من الأساس؟؟ أغلق باب منزله وصعد إلى غرفته وهو يتثاءب بنعاس، سحب الغطاء فوق رأسه وغط في نوم عميق، غير مهتم للحادثة الغريبة عكس يعقوب الذي ظل طيلة مراقبته للمحجر يفكر في الامر،
؛**************
التاسعة صباحًا
التفوا حول مائدة الإفطار منتظرين قدوم صباح بالخبز، كانت ثوان كفيلة بجعل هند تتذكر جلستها مع والدها فجر اليوم .. لم تأخذ وقت لتحدد رسالته الصريحة في كلماته،
« فلاش باك »
أدت صلاة الفجر وصنعت مشروب دافئ تحتسيه قبل أن تخلد للنوم، وجدت والدها يطرق الباب بعد أن عاد من المسجد وطلب منها الخروج إلى غرفة مكتبه .. بدون أي مقدمات وضح لها مدى استيائه لأسلوبها الفظ مع رحمه أمام أفراد الأسرة وأنها خيبة أمله في رزانة عقلها،
تعجبت هند من موقف والدها فسألته باستغراب:
بس حضرتك متعرفش أنا عملت كدا ليه ؟؟!
: حتى لو الحق معاكي ورحمه غلطانه هعتبك أنتِ
حاولت هند أن تبرر نفسها فقاطعها مستكملًا بحنو :
كان ممكن تخديها وتدخلي اوضتكم ووقتها رحمه كانت هتتعتذر منك برده، إنما ليه توقفيها زي العيله الصغيرة بينكم وأنتِ فاهمه ومتأكده أنها بتفكر من منظور تاني
أخفضت هند رأسها بخجل وهو يعاتبها برفق :
أنا بعتب عليكي من غير ما أعرف اللي حصل بينكم لاني أقدر أفهم هند بنتي شيفاني ازاي لكن مقدرش اعتب على رحمه لأني ظالم في نظرها
رفعت هند نظرها وهي تقول بتوضيح :
لا يا بابا رحمه مش شيفاك كدا بس هي حساسة زيادة حتى معانا ومع ماما ناديه
ابتسم ورفع يده يرتب على خصلاتها قائلاً بلطف :
المهم دلوقتي تصلحي اللي حصل
« باك »
تطلعت إلى الجميع بعد أن انضمت صباح وقالت بثبات :
عايزه أقول حاجه قبل ما نفطر بعد اذنك يا بابا
أنصتوا إليها باستغراب واضح على وجوههم إلا والدها الذي أدرك أن حديثه لن يضيع هباء .. نظرت إلى رحمه وهتفت مبتسمة :
أنا بعتذر لي رحمه على أسلوبي امبارح، كنت زهقانه ومقدرتش اتحكم في عصبيتي، عشان كدا أنا بتأسف ليها لأن مقدرش على زعلها
انتقلت الأنظار إلى رحمه التي همست بخفوت :
لا خلاص مش زعلانه
واسترسلت وهي ترمق والدتها :
بس مضايقه من ماما لأنها حتى مكلفتش نفسها تعرف اللي حصل وعلى طول طلعتني غلطانه
حدجتها ناديه شزرًا مردده بانفعال :
ليه هو أنا تايهه عن لسانك الطويل
: هو مش أنتِ دايما تقولي أنك واقعه في النص بين كبيرة البيت ومسك الختام
وضع المعلم سالم الخبز من يده وعاد يسند ظهره على المعقد وهو يرمقهم بتفحص، بينما ضغطت ناديه على فكها بغيظ متوعدة إلى رحمه التي لم تكف وأردف باستهجان:
مش برده كلامك أنك تايهه في النص بينهم وبناتك شبهك
تطلعت ناديه إلى المعلم سالم الذي رفع حاجبيه بتعجب وهو يبتسم بعدم تصديق، ردت مروه على رحمه باستنكار:
وهو أنتِ كمان هتقرري عن بناتها !!
أضافت أمل بتوضيح :
المفروض يا رحمه تحددي وقت الهزار من الجد
عم السكون مع وقوفه وهو يرمقهم بجمود، فسألته صباح بقلق :
رايح فين يا حاج ؟؟ مش هتفطر ؟!
رد عليها وهو يأخذ عصاه متجه للخارج :
مش جاي على الغدا عشان متستنوش
انتظرت تتأكد من خروجه وصاحت بحنق :
ارتحتوا لما طفشتوه
استرسلت بضيق وهو تنهض لإحدى الغرف :
هو مش هيلاقي راحه ولا هنا ولا بره
شعرت ناديه بأنها ستفقد أعصابها فوقفت تهدر بشراسة :
أنا عارفه أن طلاقي من أبوكي على ايدك يا بنت بطني
وغادرت هي الأخرى تصعد إلى طابقها وهي تبرطم بصوت مسموع، حين إذًا نظرت نجاة إلى الفتيات وهي تقول بهدوئها المعتاد :
افطروا يا بنات أبوكم شويه وهيجي عادي
عقدت مروه ذراعيها مردده بكدر :
النكد بيجري في دمها
فتحت رحمه فمها لتردعها فأسرعت نجاة تقطع الوصلة التي ستبدأ :
لو سمحتوا يا بنات احترموا وجودي وسطكم
: شوفتي أمي بتقول لو سمحتوا إنما لو ماما صباح كانت سمعت بينا البلد كلها
قالتها حسناء وهي تضحك فقالت نجاة باقتصار:
كبرتوا الموضوع وأصلاً سالم حنون ومش بيقدر يزعل منكم ولا بيستحمل الهوا عليكم
وضعت خيريه يدها أسفل ذقنها مستندة على الطاولة وهي تقول بهيام :
حنون وايه كمان
ضحكوا على ملامح خيريه حتى رحمه ابتسمت بخفوت، فأردفت نجاة وهي تنهض بخجل :
لما تخلصي تعالي عندي يا رحمه
لم تسمح مها بواحدة منهن أن تتحرك إلا بعد أن تتناول وجبتها، سكبت الشاي وأخذت تتحدث في أمور مختلفة لتغير مجرى الحديث وتخفيف التوتر،
؛***********
في المصنع
اقتحمت خديجه المخزن الأول وهي تصيح بسخط :
هو أنت أطرش ولا بتستهبل
التفت عمر إليها وهو يمسك ورقة المراجعة :
بتكلميني أنا !!!
جالت بنظرها في المكان متمتمه بسخرية :
هو في حد تاني هنا غيرك
ألقت ملف في وجهه وهي تستكمل بحده :
بقالك ساعتين في ورقة بتراجع فيها، هتخلص الباقي على أمته
حدجها عمر بوجوم ومن ثمّ دار يكمل عمله قاصد تجاهلها، شعرت خديجه حينها بالاستفزاز فقالت باستغراب مصطنع :
هو صحيح يا عمر أنت لسا مش عارف مكان أمك ؟؟!
لم يعيرها اهتمام فعادة تسأله باستخفاف :
حقيقي مش قادره استوعب ازاي المعلم سالم سامحلك تكون وسطينا ؟؟! هو ابن هاديه هيكون ايه غير شيطان !!
ابتسم وردد باستخفاف مماثل لنبرتها :
زي ما سمح لشغالة هاديه تكون وسطهم
دار يرمقها مستكمل بتخمين :
ولا يمكن نسيتي أنك الشغالة لبيت عزب
: هي عليا تعرف أنك متبهدل في الشغل كدا ؟؟!
قطب عمر جبينه باستفهام وهو يتطلع إليها بعدم فهم، غيرت مجرى الحديث في ثوان وكأنها تريد ازعاجه, ولِما تتعمد التقليل منه !! رد عليها باقتصار وهو يعود لعمله :
ملكيش فيه
ضغطت على شفتيها بكدر وهو تهدر باستهجان :
بكره ترميك بعد ما تزهق منك
لم يعطيها اهتمام فخرجت وهي تسبه بلامبالاة، دهشه اعتلت على وجه عمر باستغراب شديد، تلك الفتاة اللطيفة لا يصدق أنها نفس غليظة اللسان … أهذا جزاءه على مساعدتها في الهروب من عز ؟! شعر عمر بالضيق الشديد لتذكره يوم وفاة أخته، التي توقف قلبها رعبً من ذلك الذئب الذي كان يستمتع برؤية الخوف في عينيها ..
كان يقف بالخارج متعمد أن يستمع إليهما، بالفعل رده على يعقوب أمس كان على يقين منه، لكنه ليس بالساذج إلى تلك الدرجة ليصدق ما قلته ليلة أمس .. تعجب مرتضى من أسلوب خديجه الذي تغير كلياً عن السابق، فظل يقف خلف الحائط ختى غادرت وولج إلى عمر، بعد سأله عن عمله، طلب منه ترك الأوراق جانبًا لدقيقة:
متعرفش قرايب خديجه فى عزبة عزب ؟
حرك عمر رأسه بالنفي مردفًا بقلق :
لا مش عارف
ابتسم مرتضى متسائلاً بهدوء :
مالك قلقان كدا ليه ؟؟!
واسترسل موضحًا:
في واحد شغال معانا وكان عايز يخطبها من أهلها بما إننا منعرفش غير والدتها وأختها
: أكيد ليها أهل هناك لأني أول ما وصلت من السفر أختي قالت إنها شغاله في بيت خالي من زمان
أومأ مرتضى إليه بتفهم وردد بدهاء :
غريبه أن أهلها ميسألوش عليها
رد عليه عمر بامتعاض :
لا مش غريبه لأنهم أكيد هيقطعوه العلاقة بينهم خوف من منصور وولاده
تقدم يساعده في إنجاز المراجعة غير متهم بالأمر أمامه، فقد عثر عن الإجابة…. من المؤكد أن أحد أقاربها جاء لزيارتها سرًا، وكي لا تثير الشك حول وجود أحد من عزبة عزب اصطنعت وجود سارق،
؛**********
: ليه بتقولي كده يا ساره ؟؟
نظرت للجهة الأخرى مغمغمه بفتور :
بصراحه كدا يا ضياء جبت أخرى من أمك
ابتسم بخفة مردد بمزاح :
يعني هتستسلمي بدري
لوت جانب شفتيها مردفه بتبرم :
لا يا خويا أنا مش داخله حرب عشان استسلم، بس خلاص أمك مش طيقاني وبترمي عليا بالكلام ومفيش جوازة بتم بمشاكل من أولها
رفع كتفيه بقلة حيلة وهو يقول باستياء:
حاولت معها بكل الطرق بس مفيش فايدة
: خلاص نفضها سيره واحنا لسا على البر
زفر ضياء بضيق ثم هتف بتفكير :
الغي الفكره دي من دماغك وأنا ليا كلام تاني مع أمي
اصطنعت ساره عدم الفهم متسائلة ببلاهة:
هتعمل ايه يعني ما أنت قولت اتكلمت كتير ؟؟!
استرسلت بصوت محشرج :
شكلي أنا اللي مليش حظ في أي حاجه اختارها
مسح دمعتها بطرف أنامله مردفًا بهمس :
لا متقوليش كده أنا معاكي ومش هسيبك
لم يرى ضياء والدته التي تقف خلف النافذة تراقبه بغضب، بينما ابتسامة ساره الواثقة تدل أنها لن تتركه بسهولة، معلنة التحدي الصريح لأخذ ابنها من بين يديها دوم عناء..
: ما خلاص يا ماما هو ضياء صغير
أضاف عبدالخالق على حديث علاء :
وابنك مش واقع على اي بنت دي ساره يعني تلعبنا كلنا على أصابعها من غير ما ترمش حتى
تطلعت هانم إليه وصاحت بكدر :
أهو مش بشوف منك غير الكلام يا عبدالخالق
رد عليها باستنكار :
وهو أنا اللي هحكم على عيالك
لوحت بيدها بحنق ثم سألته بتذكر :
أنت جهزت الزيارة ولا نسيت ؟؟
تطلع علاء إلى خاله وأردف بتوجس :
لا أوعى يا خالي دي أول زيارة ليا وهيكون شكلي وحش
: مع أن سالم مش بيفرق معاه الحاجات دي بس حضرت كل اللي طلبتوه
رفعت هانم رأسها بتفاخر وهي تتمتم بغرور:
لازم علاء يكون الوحيد والمميز عند اجواز بنات سالم
ابتسم الابن إلى أمه بكبر، من وجهة نظره أنه فرصة ذهبية لا يستحقه اي أحد، لذلك ما يقدم منه لابد أن يكون مختلف .. وبالطبع سعادة هانم لا توصف لوجود اسم لها داخل منزل المعلم سالم، ليس كما اعتقدت وبعدها لم تصبح زوجته، لكنها فرصة مناسبة للتقرب أكثر!!
؛*********
نهضت حسنيه تحتضن سميه بعد أن أكدت إليها بالفعل تعافي سعد تماماً، باركتها فايزه وزوجات اخوياها متمنين بأن تنعم بحياة سعيدة معه… بينما لم يروق إلى مايسه السرعة العجيبة في حالة سعد، فقالت بتهكم :
في يوم وليلة يقوم مره واحده دا احنا بنشوف العجب
نظرت إليها سميه متسائلة بدهشة :
ليه حاسه إنك مش فرحانه ليا؟!!
ضحكت مايسه باستهزاء ورددت بضجر :
شوف أنا بقول ايه وأنتِ بتقولي ايه
استرسلت سمومها بحنق :
هو ايه القام مره واحده زي العفريت
دارت سميه ترمق والدتها وهي تهتف باقتضاب :
يرضيكي كدا يا ماما، هو حرام تقول كلمة عدله واحنا مبسوطين
قطع حديثهم دلوف عبدالله بوجه عابس، نهضت حسنيه بلهفة تسأله عن سبب المشاجرة بينه وبين والده، لكن نظره كان معلق على زوجته التي شعرت بالتوتر من وجوده .. وقفت مسرعة تود الولوج إلى أقرب غرفة، فأمسكها عبدالله قبل أن تتحرك وهو يقول من بين أسنانه :
اطلعي قدامي على الشقة، عندي كلمتين عايزك تسمعيهم
حاولت ميمونه الفرار من قبضته مردده باضطراب:
مفيش كلام بينا دلوقتي
نهضت منال بجانب أختها وهي تهتف بهدوء :
سيبها يا عبدالله ولما تهدى اتكلموا مع بعض
ضغط على قبضته وهو يهدر من بين أسنانه :
امشي قدامي أحسن ما اتصرف تصرف مش هيعجبك
رتبت حسنيه على يده مردده برجاء :
دي ساعة شيطان يا بني بلاش تكبر الدنيا على الفاضي
تنهدت ميمونه براحه عندما هبط علي من شقته على أصواتهم، رمق أخيه بضيق وهو يسأله باقتصار :
أبويا يعرف بوجودك ؟!
ترك عبدالله يد ميمونه وصاح بحده :
هو أنا هستأذن قبل ما ادخل بيتي كمان
: كلام صاحب البيت كان واضح لما طردك منه
قالها علي وهو يجلس على المعقد ببرود، فشعر عبدالله بالانزعاج من هدوء أعصابه وحتى لا تتعقد الأمور مع يعقوب الذي استيقظ للتو، صعد يغير ثيابه ويرحل قبل أن يشتبك مع أحد أفراد الأسرة،
لم يهتم يعقوب لأحد سوى سميه، احتضانها بقوة وهو يعاتبها على فترة غيابها لزيارتهم، وأخبارها أنه سيؤدي فرضه ويأتي للتحدث معها .. في حينها جاءت سميه بعدة صور بعثتها حسناء إليها من يومها مع يعقوب، بكت حسنيه بفرحة وهي تدعي الله بأن يوفق حالهما وترى صور زواجهم .. لفت نظر مايسه خاتم مختلف عن باقي الذهب، فتساءلت بحيره :
بس هو ليه الخاتم دا مختلف عن الباقي
رسمت سميه بسمة على شفتيها وهي تهتف بحماس :
دا خاتم ألماس يعقوب جايبه هديه لي حسناء فوق الدهب
!!!!!
؛*************
في مكان آخر بعيدًا عن القاهرة ما يقارب ثلاث ساعات، مدينة ساحلية تلقب باسم “المدينة الباسلة” .. في إحدى شقق الايجار ببورسعيد، نفذ صبره من نحيبها منذ ليلة أمس، لا يفهم ماذا ستستفيد من بكاءها في حل المصيبة التي حلت عليهم،
زفر بضجر ونهض يأخذ نظارته الشمسية التي أصبحت جزء منه، يخفي خلفها جرح لن يشفى، أثر جعل الشاب الوسيم صاحب العينين السحارتين يختبئ من مظهره .. رفعت الأخرى مقلتيها وهي تهدر بذعر :
أنت رايح مش هتنزل وتسيبني
رمقها سيف في انعكاس المرآه مغمغم بضيق :
هقعد اعيط جنبك ولا اجبلك مناديل
وقفت ليلى تسأله بصوت مرتعش :
عز ممكن يلقينا ؟؟؟ معقول هرب عشان يقتلني ؟!
لوى سيف جانب شفتيه مردفاً بوجوم :
مش عز دا برده اللي بيحبك ومستحيل يأذيكي
ذاد بكاءها وهي تقول بهلع :
أنا اللي غلطانه علشان مسمتعش كلامه وسافرت
: خلاص ارجعي وسافري
ألقت بنفسها فوق المعقد وهي تبكي بقلة حيلة، اقترب سيف من مقعدها وهو يتمتم باستياء :
عياطك دا ملوش لازمه، إحنا في مكان صعب عز يتوقعه واساسا الحكومة بتدور عليه
استكمل وهو يشير على هاتفها :
أهم حاجه متفتحيش على اي رقم يتصل عليكي لحد ما نشوف مكان نشتري منه خطوط جديدة
حرك رأسها بوهن وهي تسأله بهمس :
أنت رايح فين ؟!
أجابها وهو يأخذ مفاتيح الشقة ويرتدي قبعة شبابية :
هنزل أشوف المنقطة ويمكن ألاقي شغل قريب مننا
توقف قبل أن يفتح الباب وقال بحرص :
متفتحيش الباب لحد نهائي ولو حد من الجيران أنا مفهمهم أنك مراتي
لم تروق تلك الكذبة إليها، ولكن لم يوافق صاحب البناية تسليم الشقة بتلك السرعة ودون إثبات إلا عندما أخبره أنه جاء لعلاج ابنته عند طبيب في المنطقة وسرقت حقيبتهم الموجود بها البطاقة الشخصية أثناء سفرهم،
لا يقل خوفه وقلقه عن ليلى شيء، وبمشقة يحاول إخفاء تلك المشاعر أمامها .. لا أحد يعلم تفكير عز مثله، وهذا ما يجعله متأكد أنه لن يمر اختفاء ليلى إلا بالعثور عليها، أو بطوي صفحتها مدى الحياة…..
؛********
أصر جابر على رفض العمودية أن تدخل العائلة ما دام لن تكون من نصيب المعلم سالم، وبالتالي لن يقف عبده أمام كبراء القرية ويطلبها، حينها سيثبت انشقاق الإخوة الثلاثة في التفكير .. أما الباقية رفضوا ذلك المنصب احترامً لأنفسهم، لأنهم متيقنين أن من سيكون العمدة سيصبح أسمً على الأوراق فقط،
: بما إننا كلنا اتفقنا هكلم الحاج صبري بعد العشا ونخلص الموضوع بكره بإذن الله
أردف أحد الجالسين بتبرم :
نستنى شويه يمكن المعلم سالم يغير رأيه
رد عليه المعلم سالم بحزم :
لا رأي مش هيتغير، وبلاش تأخير أكتر من كده
حسم الأمر أمام نبرته، استأذن الجمع بالخروج وانتظر جابر وعبده في المجلس .. كان الحديث الدائر حول أرض تم عرضها للبيع من قبل أحد سكان القرية وود جابر أن يشتريها، عند أخذ القرار هتف جابر بحزن عميق احتل ملامحه قبل نبرته :
كلمت أبو نيره وقال هيجي بعد صلاة المغرب
سأله عبده بعدم فهم :
وأنت هتعمل ايه مع أبوها ؟؟!
: يعني أقعد لحد ما ألاقي ابني طلقها
هتف المعلم سالم بعتاب :
يا جابر قولتلك بلاش تتكلم غير لما نيره تقوم بالسلامه
واستكمل بهدوء :
ابوها مش هيقدر يديك كلمه لأن ببساطة هتقول تعبانه، وبعدين صاحب الشأن اللي يتكلم لو مضرر
اقتضبت قسمات وجه جابر وهو يغمغم بسخط :
هو مش هيتكلم بعد آخر مره راح ليها، وأنا مش هقف اتفرج لما يتعود على غيابها ولا يهمه عيل ولا غيره، دا أنا ما صدقت ربنا كرمهم يا أبو هند
تمتم عبده بضجر :
ولا اللي معاه عيال مريح ولا اللي معوش مريح دول وجع دماغ ياخي
شعر المعلم سالم بصحة عبارة عبده، ربما لأنه لا يجد للراحة عنوان تلك الفترة، أو لأن بناته يحتاجوا إلى اهتمام زائد عن السابق… قطب جبينه متعجباً عندما فتح باب المجلس على مصراعيه وظهرت من خلفه مبروكه مستند على عصاها، وقف يسألها بقلق واضح :
عمه مبروكه !! ايه اللي جابك ؟!
جلست على الأريكة وهي تتأمل المجلس :
أبوك كان عامل مجلس كبير زي ده في السرايا
تطلع جابر إلى عبده الذي ضحك بخفوت، فسألته مبروكه بتهكم :
بتضحك علي ايه يا بن خيريه ؟؟ كنت فاكره رحاب منكده عليك ؟!!
حينها ابتسم جابر بتشفي بينما هتف عبده بسخرية :
الزمن عدى وأمي ماتت ولسا لسانك يا عمه زي ما هو
: يا عمه قوليلي ايه الجابك وسيبك من عبده
نظرت مبروكه إلى المعلم سالم وهو تهتف باستغراب :
بلاش اجي عندك يا سالم ولا عايز تحبسني في داري
يعلم أن هناك سبب ما جاء بها، ولكنه قرر أن يسير على طريقتها :
البيت بيتك ووجودك فوق راسي
لمح عبده إلى جابر كي يلحقه للخارج وتركوا مبروكه تنتظر المعلم سالم الذي دلف يخبر بناته للخروج ومقابلة العجوز الذي جاءت لقلب حياتهم …..
عقدت صباح ذراعيها أمام صدرها بامتعاض وهي ترمق مبروكه تتفحص الفتيات واحده تلو الأخرى، إذا قررت إفشاء ما أخفاه الزمن ستكون نهاية سطور البعض لا محال،
: هو ابن أختك مجاش تاني
أشار المعلم سالم إلى بناته بالجلوس مغمغم باقتصار :
لا مجاش
نظرت مبروكه إلى صباح تسألها بخبث :
وأنتِ مكلمتهوش يجي تاني ليه
قطب المعلم سالم جبينه باستفهام متسائلاً باستنكار :
وصباح مالها بيه ؟؟!
: مش يمكن تحس بتأنيب الضيمر بعد العمر الضاع
ردت عليها صباح بتوجس من نظرات سالم :
وأنا هحس بتأنيب الضمير ليه
حدجتها مبروكه بسخرية وهي تهتف بكدر :
يمكن عشان أنتِ السبب في ان ابرهيم ياخد حنان ويهرب من البلد أو الورق اللي انسرق من الحاج عثمان معاكي
توسعت مقلتي صباح بفزع وهي تردف بصدمه :
ايه الهبل اللي بتقوليه ديه وأنا مالي ومال ابراهيم وورق ايه اللي انسرق ومعايا
تطلعت مبروكه إلى المعلم سالم وأردفت بصرامة :
مراتك هي اللي راحت بلغت ابراهيم أن أبوك هياخد حنان وابنه منه وهيسجنه بالوصلات اللي معاه وفي نفس الليله سافر من البلد ومحدش عرف مكانهم غير لما أختك تعبت
وقفت صباح تصيح بعدم تصديق :
محصلش كذب كل الكلام دا كذب أنا مشفتش حنان من قبل ما تختفي باسبوعين
ابتسمت مبروكه مردده بحنق :
بس شوفتي ابراهيم وهدتيه
حركت صباح رأسها بالنفي وهي ترمق المعلم سالم برجاء، بينما وقفت هند ترتب على كتف والدتها رغم أنها لا تفهم شئ مما يدور بينهم .. استكملت مبروكه ما تخفيه بتشفي :
لما كله راح من ايدها مقدرتش تستحمل
نظر المعلم سالم إلى بناته وطلب منهن الخروج على الفور، أغلق الباب خلفهم ورمق مبروكه متسائلاً بحيره :
وايه بقا اللي راح من ايدها يا عمه ؟؟!
ظهر صوت صباح وهي تبكي بحرقة فاسترسل المعلم سالم حديثه محدجها بجمود :
قصدك لما ابراهيم رفض يديها ابنه ولا على ورق الورث اللي أبويا كتبه لحنان قبل ما يموت
وضعت صباح وجهها بين كفيها خجلاً من ماضي اعترفت به ولكن مازال يلاحقها .. صدمه طغت على وجه مبروكه وهي تردد بدهشة :
أنت عارف ؟؟!!
حرك رأسه مؤكداً قائلاً بضيق :
الغريب أنك لسا فاكره تقولي بعد العمر الضاع زي ما قولتي يا عمه
استكمل بتهجم :
صباح رجعت الورق قبل أربعين أبويا ما يعدي وعرفتني كل اللي حصل، وفكرة أنها تاخد يونس تخبيه على الأسبوعين ما يعدو وتولد خيريه وتقول أنهم تؤام فكرة أمي الله يرحمها وبراءتها قدامي قبل ما تموت
استعاب مبروكه جعلها تلتفت إليهما بعدم تصديق وهي تردف بتلجلج :
ازاي تأمن واحده فكرة تاخد عيل مش ابنها وتنسبه ليك
ردت عليها صباح وهي تبكي :
حرام عليكي أنتِ تعرفي أنا ندمت ازاي ولا كنتي بتشوفني وأنا بدعي ربنا يغفر ليا ويسامحني
عقب المعلم سالم بجفاء :
لو على صباح كلنا بنغلط وشوفت بعيني ندمها، أما بالنسبة للورث اللي أبويا كتبه لحنان حقها موجود في رقبتي من يومها
انتظر لبرهة ثم سألها باستغراب:
ليه دلوقتي فكرتي تعرفيني يا عمه ؟؟!
شعرت بضيق في التنفس فقالت بتعلثم :
خلاص مبقاش في قد اللي راح
وقف يسكب كوب ماء وقدمه إليها، فأبعدت يده وهي تهمس بوهن :
اسمعني الأول
بدى وجهها شاحب اللون فأخرج المعلم سالم هاتفه يطلب ابن أخوه بالمجيء بالسيارة، بينما مسحت صباح وجهها واقتربت تسندها بعد أن خارت قوة مبروكه وأصبحت تتهته بحديث غير مفهوم … عشر دقائق هبط سالم يساعد عمه في توصيل مبروكه إلى السيارة، ثم اتجهوا إلى أقرب مشفى،
؛************
أخذت سحر كوب الماء من عبده واتجهت إلى المبطخ مع سمر وندى ومياده، أما رحاب كانت تأكل بعض التسالي أمام التلفاز وهي تسأل عبده بضجر :
مش قولت هتتأخر عند أخوك ؟
رمقها بطرف عينه مغمغم بحنق :
الوليه اللي اسمها مبروكه جات زي القضا المستعجل
وقفت قطعت حلوى في حنجرة رحاب وأخذت تسعل بشدة فصاح عبده بسخرية :
براحه مش لازم تاكلي كل الطبق مره واحده
وضعت رحاب الطبق جانبًا وسألته بأهمية بصوت مبحوح :
وكانت عايزه ايه ؟؟ هو مش أخوك بيروح ليها دايما ايه جابها عنده ؟؟ قالت ايه وانت هناك ؟؟
عقد بين حاجبيه باستغراب مغمغمًا بدهشة :
حيلك حيلك ايه كل الأسئلة دي
رفع كتفيه بلامبالاة مستكمل بلا اكتراث:
معلش مش هعرف اريح فضولك المره دي لأني مشيت مع جابر بعد ما دخلت
ارتشفت القليل من كوب العصير التي جاءت به ندى للتو وقالت بدهاء :
أصلك متعرفش مبروكه بتكره صباح مرات أخوك ازاي
لوى جانب فمه مغمغم بتهكم :
حوشي الحب مقطع بعضه بينكم
تغاضى عن نظراتها الممتعضة وصاح ينادي سحر التي جاءت تلبي ندائه باحترام :
سيبي اللي في ايدك وتعالي
وضعت رحاب يدها في خصرها متمتم بحنق :
ومين أن شاء الله هيكمل الأكل وبعدين عايزها ليه
وقف عبده وأخذ سحر من يدها مردد بعبث :
تدلك ضهري أصل مبقاش الألم يخف غير على ايدها
ابتسم بانتصار وهو يصعد الدرج فقالت سحر بعتاب :
ليه كدا ما كنت قولت هكوي الجلابية وخلاص
ضحك بتسليه مردفًا بسعادة :
واتحرم من شكلها وهي كدا دي فاضل تكه وطلع دخان من ودانها
: ما هي بتنكد عليا وأنت مش موجود
حدجها بضيق وقال بحزم :
اجمدي شويه وهي مش هتقدر تتكلم معاكي
اتبعته للأعلى متنهدة بعدم ارتياح، رحاب تستغل عدم وجود عبده أو سالم وتتفن في إلقاء كلماتها القاسية .. ورغم هذا فهي تعيش أسعد أيامها بعيدًا عن الوحدة التي كتبت عليها منذ طلاقها،
؛********* بقلم حسناء محمد سويلم
ابتسمت برضا مع آخر لمساتها في طلتها الجذابة، نثرت عطرها النسائي وهي تتأمل انعكاس صورتها في المرآه…. تحركت للمطبخ تتأكد من ضيافتها، تلك أول مرة تستضيف أصدقائها في منزلها وتتمنى أن تسير الأمور كما خططت،
خرج ربيع من المرحاض يجفف وجهه، استنشق العطر بانبهار قاده إلى المطبخ .. قطب جبينه متعجباً من هيئتها الجميلة، فستان باللون الأحمر يصل إلى منتصف ساقها بأكمام شفافة، وخصلاتها المصففه بعناية مزينة بطوق من اللؤلؤ، مساحيق التجميل التي رسمت ملامحها بنعومة مع أحمر شفاه صارخ… تدلى فم ربيع ببلاهة وهو يرمق حذائها المكشوف الذي جعلها ترتفع عنه بعض سنتمترات،
: أنتِ رايحه فين !!!
التفت تنظر إليه متسائلة باستنكار :
ايه رايحه فين دي ؟! ولسا منزلتش لحد دلوقتي !!
حدجها بثبات مردد بشك :
وأنتِ عايزه انزل ليه وبعدين مقولتيش رايحه فين باللبس ده
: صحابي جايين يزورني وزمانهم على وصول
فتح عينيه على وسعهم باندهاش :
وهتقابليهم بالمنظر ده
تطلعت مي إلى فستانها وهي تسأله بتوتر :
شكلي وحش ؟؟ الفستان مش حلو ؟؟!
رد عليها بمشاكسة :
حلو بس ليا مش ليهم
اقتضبت قسمات وجهها وهي تبتسم بسماجة، ثم دارت تكمل ما تبقى وهي تردف بضجر :
نزلت رشدي ومؤمن وحنان عند أمك وربيع نايم، ويلا أنت كمان أنزل شوف هتعمل ايه مش عايزهم يجوا وأنت هنا
ضيق بين حاجبيه وتمتم بكدر :
على فكره أنا صاحب البيت اللي هما دخلينه ومش هيمشوني على مزجهم
ألقت مي الكوب من يدها بعنف وصاحت بتبرم :
قعدت بنات ومش هناخد راحتنا وأنت موجود
استمعت إلى رنين هاتفها، فأسرعت تجفف يدها وهي تدفعه بعجلة :
انزل بسرعة هما وصلوا قدام البيت
أبعد يدها وتحرك لممر الغرف :
داخل أنام واعتبروني مش موجود
لم يمهلها الاعتراض وطرق الباب يرتفع، أخذت نفس عميق وهي ترتب خصلاتها ومن ثمّ اتجهت تفتح الباب ببسمة مشرقة…. اختلس ربيع النظر من خلف باب غرفته، رأى ثلاث فتيات من أعمار مي كل واحده منهن تتأمل الشقة بتفحص، ركض يعود إلى فراشه عندما وجد مي في طريقها إليه، وكأنها كانت تريد التأكد من نومه ثم اتجهت للمطبخ تقدم الضيافة التي جمعت كل أنواع الشكولاتة المميزة وحلويات مختلفة لا يعرف حتى من اي أتت بكل هذا دون علمه،
مرت نصف ساعة وبدأ يشعر بالملل من حديثهم، أسئلة لا تنتهي عن ماركات الملابس وأنواع المجوهرات ومستحضرات التجميل أيهم أفضل، وأخيراً خرجت احداهن عن الحديث بسؤال جعل فضوله يزداد لمعرفة جواب مي ..
: احكلنا يا مي عامله ايه مع جيش العيال ؟؟!
ابتسمت مي متجاهلة نبرتها الساخرة وهي تقول بنعومة :
خلاص مبقتش أعرف أقعد من غيرهم
ربما لم تجد الإجابة التي توقعتها فسألتها بتهكم :
يا شيخه !! طيب وأبوهم تاجر البهايم بيعرف يتعامل معاكي ؟؟!
واستكملت قبل أن تتفوه مي :
بصراحه احنا لحد دلوقتي مش مصدقين إن مي جابر اتجوزت واحد زي ربيع صدمه كبيره أوي
ردت أخرى بحرج شديد :
عيب كده احنا جينا نقعد شويه مش ندخل في حياتها
حركت مي رأسها بالنفي وأردفت بارتباك :
لا عادي أنا أصلاً ساعات مش بصدق
بلعت لعابها وهي تسترسل بعاطفة :
في الأول مكنتش متقبله بس ربيع كويس جداً وحنون عليا وبيحاول يشوف ايه بيرضيني ويعمله، حتى ولاده هاديين وبيسمعوا الكلام هما صحيح كانوا عايزين يطفشوني وبعدين اتفاهمت معاهم وحبوني وحبيتهم
ظهر الاستغراب على وجوههن فقالت احداهن باستهتار :
كلامك جميل بس هي الواحدة عايزه ايه غير راجل ذوق وشيك ويملى عينها ومتزعليش ربيع لبسه انقرض واستايله من أيام أبويا وسواء دلوقتي ولا بكره هتحسي بالفرق بينكم
تعجبت من عدم شعورها بالنفور أو الخجل وهي تردد بفخر واعتزاز :
المهم مالي عيني أنا ومش مهم حد تاني
انكمشت تعابير ربيع وهو يبتعد عن الباب ويتجه للمرآه، تأمل نفسه مستنكرًا وصفهن، فهو يحرص على شراء ثياب تناسبه بعناية غير مكترث لأسعارها، ورغم عمله في كتاجر مواشي إلا أنه يهتم بمظهره بدقه !! ابتسم بغرور وهو يتذكر كلمات مي ثم ألقى بجسده فوق الفراش مدندن بسعادة غامرة، فاقت ظنه ليبدأ التفكير في هدية قيمة تعبير عن فرحته بتغييرها…
؛**********
ثبت الهاتف على آخر صورة ارسلتها إليه وهي تعبر عن مدى امتنانها لمفاجأته الغير متوقعة بتاتاً… تأمل يعقوب الخاتم المعلق بين أصابعها وهو يبتسم بخفة متذكر هيئتها المذهولة عندما رأت الخاتم غير منتبه إلى من تحدجه بامتعاض، منذ أن علمت من سميه أمر ذلك الخاتم وهي تتجول في المنزل تصيح بحرقة غير مستوعبة ما فعله، في المقابل رد مؤكدًا عليها أنه ود أن يشتري طقم كامل من الألماس ولكن لضيق الوقت اكتفى بالخاتم،
: يعقوب ممكن تسيب التلفون من ايدك
لم يرفع نظره مغمغم بلامبالاة :
لسا مخلصتيش هري يا مايسه من الصبح
نظرت مايسه إلى والدها مردفه بسخط :
شوفت يابابا طريقته عامله ازاي معايا
رمقه بطرف عينه ومن ثمّ رد عليها باقتصار :
اعملي حسابك بكره من الصبح هتروحي لبيت أهل شريف تقضي معاه ومع عيالك الإجازة
رفعت مايسه حاجبيها بتعجب وتمتمت بحنق :
بس أنا مش عايزه أروح وبعدين مش لما هو يعتذر
احتقن وجهه وهو يهدر بحده :
مش هعيد كلامي معاكي يا مايسه لاني جبت اخري، واياكي تتحركي لاي مكان غير بموافقة جوزك
نظرت مايسه إلى والدتها تستنجد بها، ولكن الأخرى كانت على علم بقرار زوجها ولم يتقبل اي نقاش منها .. حين إذًا تطلع عزيز إلى يعقوب قائلاً بجمود :
وأنت ازاي متعرفنيش بالخاتم ده ولا دلوقتي معاك فلوس وبتوزع فيها برحتك
أغلق يعقوب الهاتف بأدب وهتف باستغراب:
مش فلوس الأرض دي تخصني
: وهو أنت بعتها عشان تخلص فلوسها في الهوا ؟؟!
رفع يعقوب كتفيه ببراءة وتمتم بقلة حيلة:
أنا مش عارف أعمل ايه تاني يابا عشان اريحك
تحدثت حسنيه بمحاولة تهدأت الوضع :
أبوك عايز مصلحتك يا حبيبي أنت لسا عايز عفش وتشوف ايه اللي ناقص شقتك وتجهيزات الفرح
حرك رأسه بتفهم وقال بوجوم :
أنا خاطب أربع سنين مش أربع شهور يا أمي
ضحك عزيز بسخرية وهو يردف بتهكم :
لتكون فاكر نفسك صغير
أشار على أولاد علي وعبدالله مستكملًا:
عيال اخواتك اللي أصغر منك منهم داخل المدرسة السنه الجايه
لم يعقب يعقوب فقال عزيز باستياء :
معرفش ايه اللي صابك من يوم ما خطبت بنت سالم
نظر إليه لبرهة وقال باحترام :
اللي تشوفه يابا
ونهض مستأذن بالخروج لتوصيل سميه لمنزلها، غضب والده يصب على رأسه حتى وإن كان ليس المخطئ، وقلقه من عدم تحمله أكثر يجعله يقلل الجلسات التي تجمعه معه لحين غير معلوم بالنسبة إليه…
؛************
بعد أن اطمأن على حالتها المستقرة عاد إلى منزله في وقت متأخر، فقد أبلغه الطبيب أن باقي الفحوصات ستكون جاهزة غدًا ومن المحتمل أن تحتجز داخل العناية حتى استقرار وضعها بكل مجمل،
صعد المعلم سالم إلى طابقه الأخير وهو يتجول في كل طابق يطمئن على نسائه… اتجه إلى غرفته يأخذ ثيابه ويتجه للمرحاض، ولكنه تسمر محله عندما وجد نجاة مع رحمه تجلسان أمام التلفاز، شعر بالضيق من ارتباكها الواضح فولج ملقي التحية بآليه، ردت بهمس وهي تتحرك بعشوائية في جلستها بعدم راحة فقالت نجاة بقلق :
الحاجه مبروكه عامله ايه ؟! رجعت البيت ؟؟
رد عليها بفتور :
اتحجزت لحد بكره لما التحليل تطلع والأشعة
جال بنظره في المكان متسائلاً بلهفة :
فين حسناء ؟؟!
أجابته نجاة وهي ترمق رحمه بسعادة :
نامت من بدري ورحمه قعده معايا بدل ما أكون لوحدي
رمق رحمه وسألها مستفسرًا:
هانم جات انهارده ؟!
خرج صوتها المهزوز وهي تقول بتلجلج :
جات مع علاء بعد العشا شويه
وقفت نجاة مردده بعجلة :
هعملك كوباية نعناع قبل ما تدخل تغير
تعمدت تركهما بمفردهم لتسمح إلى رحمه في التحدث بأريحية… بينما كادت الأخرى أن تتعلق في طرف ملابسها كي لا تتركها، تشعر بأنها فقدت النطق، أو ربما نسيت كل الكلمات المرتبة التي قررت أن تبدأ بها، كان الأمر أسهل بكثير عندما رتبت حديثها وتخيلت أنها تتفوه به أمامه… فتح إليها مجال التحدث عندما سألها بأهمية :
مرتاحة مع علاء ؟؟!
بعفوية شديده أردفت بتلقائية :
قعدت معاه شويه وقالي شوفي عايزه ايه هدايا لما يسافر يبعتها
نظر إليها متسائلاً بهدوء جعلها تهدأ من روعها :
وطلبتي ايه ؟!
: قولتله إني مش محتاجه لأن بابا مش مخلي حاجه نقصاني
واسترسلت تروي ما حدث ببراءة :
بس طنط هانم أصرت وبتقول أن الهدايا من خطيبي غير بابا، معرفتش أقول ايه وماما صباح ردت عليها
أومأ إليها دون أن يرد فانتظرت لثوان وقالت بكدر :
بابا هو أنت ممكن تنزل تبات معانا تحت انهارده
رمقها بعدم فهم فاستطردت بندم :
ماما قاعده في الصالة مستنيه أنزل
: أنتِ من الصبح هنا ؟!
سألها بدهشة فتمتمت بخفوت :
ماما نجاة طلعتني معاها ومن ساعتها مش عارفه أنزل
كاد أن يضحك على أفعال ناديه التي ستصيبه يوماً ما بالجنون، تنهد بصوت مسموع وغمغم بصرامة :
ادخلي مع حسناء الليلة دي وبكره ليا كلام معاكم
نهض متجه إلى غرفته فلحقته نجاة متسائلة بقلق :
في ايه ؟! حصل حاجه ؟؟ رحمه فين !!
مر بجانبها دون أن يرد، عقدت جبينها باستغراب وعادت تسأل رحمه التي دخلت إلى غرفة حسناء وصعدت بجانبها على الفراش … عندما رأتها تسحب الغطاء فوق رأسها وتشترك مع حسناء، أغلقت باب الغرفة بهدوء ورحلت للمطبخ تسكب كوب النعناع وتنتظر سالم الذي خرج بعد وقت قصير واتجه هو الآخر للفراش بسكون،
: مالك يا سالم ؟! أنت هتنام ؟؟
رد عليها وهو يسحب الغطاء فوق رأسه مثلما يفعلن بناته :
لا بجرب السرير
لم يسمع صوتها فأخرج رأسه باستغراب، ابتسم بخفة عندما وجدها تحدجه باقتضاب… أشار إلى جواره قائلاً برفق :
الوقت أتأخر نامي عشان تعرفي تصحي تصلي الفجر
تحركت تطفئ الإضاءة بضيق طفيف، منذ فترة لم يجلس يتسامر معها كعادته، أصبح جلوسه في المنزل مقتصر على أوقات تناول الوجبات أو مكوثه في مكتبه … ظلت تفكر في جلسته مع رحمه وما نتيجة الحديث المتبادل بينهما حتى غفلت في سبات عميق،
؛*********
احتقن وجهه بغضب شديد وهو يتساءل باستهجان :
يعني ايه مش هتسافر ؟؟ هو كلام عيال ؟
سكون مريب يحل حولهم، ظلام دامس لا يفسده سوى إضاءة خافته من مصباح صغير بجواره… دقات عقارب الساعة لها صدى صوت مزعج مع هدوء الليل، صمته يدل على عدم رضاه على طريقته وأسلوبه الذي تخطى الحدود المسموح بها،
: هو أنت ملقتش غير المكان المقرف ده
رفع الآخر حاجبيها بدهشة وردد باستغراب :
دا بدل ما تحمد ربنا إني عرفت اتصرف وأنك قاعد قدامي بره السجن
حدجه شزرًا مغمغم بشراسة :
حاسك نسيت نفسك وبقا صوتك يطلع
: لا يا عز بس لحد هنا وكفايا، مش هقدر أساعدك ولا في ايدي حاجه تانيه من أصله لو مسافرتش في المعاد يبقا تنسى طريقي وأنت حر
ابتسم عز ببرود وهو يهتف بمكر :
بس أنت مش حر وورقك والفيديوهات موجودين على فلاشه هتلف مصر في ثانيه بس لما مزاجي يطلب
بلع لعابه الجاف متمتم بتوتر :
اتفاقنا اساعدك تهرب وتسافر وبعد كدا تمسح كل الفلاشه
حرك عن رأسه بحزن مصطنع :
غيرت رأي ولغيت الإتفاق
كاد أن يفتح فمه فانتفض يمسكه من تلابيب قميصه ومن ثمّ جذبه من المقعد ليكون أمامه مباشرةً وهو يزمجر بنبرة ماقته :
صوتك ميطلعش غير لما اسمحلك وقدامك ٢٤ ساعة تكون اتصرفت في خطين ليا وليك عشان أعرف اتواصل معاك ولحد ما أفكر هعمل ايه مش عايز أشوف وشك
دفعه مع نهايته لحديثه فوقف المحامي يهندم ملابسه وهو يتمتم بتعلثم :
أنا تعبت لما لقيت سفينه تقدر تسافر فيها ايطاليا وبعد كل ده بتقول مش هتسافر اومال هتفضل لحد ما تتمسك
وضع قدمه فوق الطاولة وردد بلامبالاة :
اصفي حسابي وأعرف ليلى فين الأول
: ليلى طالما هربت تبقا عايزه تختفي مع بنتها وأنت متعرفش ليها قرايب يعني هتدور على ابره في كوم قش
أشار إليه بالخروج مردفًا بوجوم :
وأنا هخفيها من الدنيا كلها
زفر المحامي بضيق وأخذ حقيبته متجه للخارج، أفسد كل خططه بتيبس رأسه العنيد .. ظن أنه على وشك إغلاق صفحات تلك العائلة الملعونة، ويحظى بحريته التي أصبحت في يد شخص بغيض مثل عز، التفت في الإرجاء بحذر وتحرك بخطوات ثابته خارج البناية، فلن يثير الشكوك لوجوده في عقار يمتلكه وأخته تسكن في إحدى شققه، ولحسن حظه أنه أخبر الحارس المسؤول أنه جاء بأغراض قديمة تخص مكتبه ووضعها في غرفة صغيرة على السطح حتى لا يقترب منها … قاد السيارة وهو يفكر في طريقة لكسب ثقة عز أكثر ليخبره بما يدور في رأسه وتتضح الصورة أمامه ويفهم ما ينوي عليه، ولِما أصر على مقابلة تلك البلهاء ليلة أمس!!!!!
؛***************
في الصباح الباكر وقبل أن يستيقظ الباقية، كانت تقف بلهفة تنتظر هبوطه من الأعلى، لم تعرف عينيها طريق النوم من الأمس، من كثرة تضارب أفكارها في رأسها ظلت طيلة الليل تترقب سطوع قرص الشمس ..
أسرعت صباح تفتح باب شقتها عندما استمعت إلى خطواته، ابتسمت بتوتر وألقت التحية بصوت مهزوز :
كنت مستنياك من بدري
رفع حاجبيه باستغراب ثم سألها بعدم فهم :
بدري عن الساعة سبعه ؟! مالكم ؟!
أفسحت إليه الطريق وهي تقول بتوجس:
طلعت امبارح قبل ما تتكلم معايا ودي مش عوايدك يا حاج
: مالك يا صباح ؟؟!
هيئتا المتوترة وحركتها المفرطة جعلته يقلق من وجود أمر ما اصابهن ليلة أمس، ردت عليه بصوت محشرج :
أكيد زعلت من كلام مبروكه امبارح وفكرتك باللي عملته ..
قاطعها بصرامة وردد بحده طفيفة :
مش عايز اسمع كلام في الموضوع ده ولا حتى تفكري فيه بينك وبين نفسك
أشار إليها بالجلوس مستكملًا برفق :
عمه مبروكه اتكلمت لما يونس رجع ودا لان محدش كان يعرف طريقه ولا حتى أنا، اللي حصل بقا زمان ملوش علاقه غير أنها متعرفش أنك قولتي على كل حاجه، وأنا مش معصوم من الغلط ولا حياتي خاليه من أخطاء عشان اقفلك ويكفي أنك رجعتي ورق الورث وقتها وندمتي أنك كنتي هتساعدي أمي في أمر يونس
حركت صباح رأسها مغمغمه بندم :
الحاجه خيريه وقتها أقنعت حنان أنها تسيب ابنها ولا بنتها ليا وأنا هربيها بدل متلقيش تعيشها هي وإبراهيم ومعرفش ايه الحصل بعد كده وفجأة اختفوا
لم يعقب وظل شارد الذهن فسألته ببكاء :
شكلك افتكرت وزعلت وأنا ندمت واستغفرت ربنا كتير يسامحني ولا مش مصدقني يا حاج؟؟!
حدجها لبرهة وهتف باقتضاب :
زعلت وقتها وخلاص كنت مقرر اطلقك بس قولت استنى تولدي وهاخد بناتي والمولود وامشيكي
تغيرت نبرته واسترسل بلين :
ولما ولدتي معرفتش اعمل كده ولقيت نفسي بنسى وكل يوم بيعدي زعلي بيخف لحد ما شوفت منك الندم وقفلت الصفحة من يومها ومش عايزها تنفتح تاني
أومأت بهدوء ومسحت وجهها فنهض مردد بتذكر :
لو هند صاحيه عرفيها إني مستنيها في المكتب تحت
؛************
‏إذا جِئتُها صدتْ حَياءً بوَجهها
فتهجرني هجراً أَلذ منَ الوصلِ
وإن حكمَتْ جارَت عليَّ بِحكمها
ولكن ذاكَ الجور أشهى منَ العَدلِ
أقولُ لقلبي كلما ضامَه الأَسى :
إذا أبيتَ العزَّ فاصبِرْ على الذُّلِّ
ابن عبدربه الأندلسي
أعاد أبيات الشعر الأندلسي مرارًا ليدرك معانيها بقلبه الهائم بصاحبة الذوق الرهيف التي دونت تلك الأبيات داخل مذكراتها اليومية … مازال يحتفظ بتلك الأوراق التي دون بها كل ما وجده في الدفتر، كلما قرر إلقائه بعيدًا لينسى أمرها يجد نفسه يزداد شغفً في معرفة ما يدور بداخلها ودونته بين السطور،
: موسى
توقف على الدرج دون أن ينظر إليها، تساءلت الأخرى باستغراب :
خارج دلوقتي ؟!!
انتبه لسؤالها بتعجب لاستيقاظها في ذلك الوقت الباكر فقال بدهشة :
معقول عليا صاحيه دلوقتي
: مش عارفه أنام قولت أنزل اقعد مع ماما بس لسا مصحيتش
ضيق عينيه بشك وأردف بعدم تصديق :
هعديها مع اني مش مصدق
واسترسل وهو يهبط الدرج :
في ورق هخلصه في المكتب وبعدين هسافر إسكندرية وهرجع آخر النهار
أسرعت تعترض طريقه وهي تتمتم بدلال :
كنت هخرج أعمل شوبنج ومحتاجك معايا
قطب جبينه باستفهام متسائلاً باستنكار :
وأنا هخرج معاكي عشان شوبنج ليه ؟؟! شوفي واحده من صحابك ولا ماما
انكمشت تعابير وجهها مردده باعتراض :
مش عايزه صحابي ولا ماما لأنك الوحيد هتقدر تساعدني
واستكملت توضح مقصدها :
لما قعدنا يومين عند المعلم سالم عشان تعبت، هند بعتت لبس مروه بحكم أنها قريبه مني وعجبني استايل اللبس اوي، حتى عمر عجبه وقالي ياريت يكون لبسك كله كدا وأنا مش عارفه اختار اون لاين فقولت تيجي معايا لأنك شوفت لبس البنات أكتر من مره تقدر تختار معايا
ابتسم موسى بخفة وغمغم بحنو :
حبيبتي مش من يوم وليله هتقدري تغيري استايلك ومتأكد أنك يومين وهتزهقي
حركت رأسها بالنفي وأردفت بإصرار:
كنت فاكره أنك أول واحد هتشجعني لأنك دايما تتخانق معايا على لبسي، وبعدين البنطلون الواسع والشميز الطويل مكنش وحش زي ما كنت متخيله
وضع يده فوق كتفها مغمغم بحكمة :
أنتِ اللي مش متخيله فرحتي قد ايه بكلامك، واليوم اللي أشوفك فيه بعيد عن اللبس المكشوف والضيق هيكون أسعد يوم في حياتي لأنك أخيراً نضجتي وفهمتي وياسلام لما أشوفك بالحجاب لكن مش عايز ترجعي بعدها وتندمي وتقولي لا عليا القديمة أحلى
: لا صدقني أنا مقتنعة وكمان عمر عجبه
اقتضبت ملامحه وهو يبعدها من أمامه :
اسم الشئ دا بيعصبني
رسمت الانزعاج على وجهها وهي تقول باقتصار :
هستناك تيجي معايا بكره
أومأ إليها بقلة حيلة كي يستطيع الرحيل قبل أن يتأخر، يعلم أن والدته توافق عليا على كل قراراتها.. وتغضب منه إذا اعترض أو تحدث معها بأسلوب جاف، حتى إن حاول نصحها بقساوة خوفاً من تصرفاتها الهوجاء، تقف والدته إليه بصلابة اعتقاد أنها تحافظ على أمانة والدها غير مدركه أن الدلال الزائد يخرب كل ما تحاول الحفاظ عليه،
؛******** بقلم حسناء محمد سويلم
انتهى من مراجعة الفواتير بمساعدة هند وجهزها للتسليم، ومن ثمّ صعد معها بعد أن انتهت ناديه وصباح من تجهيز المائدة في حين تكفلت نجاة بإيقاظ الفتيات،
التفوا حول المائدة بهدوء منتظرين قدومه، في خلال دقيقة جاء بعد أن أبدل ثيابه ووضع مسبح?

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)