رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل السادس والعشرون 26 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء السادس والعشرون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت السادس والعشرون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة السادسة والعشرون
مش هينفع نعدي السنه من غير المعلم سالم ومشاكله قصدي بناته 😢
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته 💙
؛*****
تهجم وجه عزيز وهو ينظر إلى يعقوب الذي قال بضيق :
يعني هو أنا كنت بشم علي ضهر ايدي
صاح عزيز متسائلاً بغضب :
وأنت من أمته بتات بره !! واشمعنا الليلة دي ؟!
لم تروق إلى يعقوب نبرة الشك في سؤال والده، ولكنه تحلى بالصبر وقال بوجوم :
يابا قولتلك روحت المحجر ابات هناك لحد أنت ما تهدى ونتكلم في موضوعنا
لم يكن سوى عبدالله وعلي معهم في غرفة مركز الشرطة، للانفراد بيعقوب الذي استيقظ علي الشرطة المنتشرة في المحجر لوجود بلاغ ما قدمه أحدهم، بعد أن طلب الضابط تفتيش غرفتي العمال ويعقوب، وجد علبة مغلفة تحتوي على مواد مخدرة….
: مين دخل الاوضة قبلك ؟ أكيد هو اللي حط الحاجة دي
شرد يعقوب لبرهة ثم هتف بعدم تصديق:
محدش بيدخل الاوضة غيري، يإما بغير هدومي يإما بريح شويه
ضغط عزيز علي فكه بغيظ وهو يردد بسخرية :
يعني هتلبسها أنت
رد على بضيق :
يابا يلبس ايه لما يعقوب أساساً مش بيشرب سجاير
ولج في نفس الوقت المعلم سالم ومعه الضابط الذي قام بالقبض علي يعقوب، فقال عزيز بتبرم :
في تهمه تانيه عايز تلبسها لابني
رد عليه الضابط بهدوء :
أنا مقدر موقفكم يا ريس عزيز لكن دا شغلي وبعدين لولا أن عارف يعقوب مكنتش حاولت ادور معاكم عن حل
تحدث المعلم سالم بامتنان:
مشكور لتعبك وعزيز ميقصدش يقلل منك
حرك الضابط رأسه بتفهم ثم نظر إلى يعقوب مضيفاً:
بخدم هنا من ١٠ سنين ومشفتش منكم الا كل خير والريس عزيز خير سابق
واسترسل متسائلاً:
لكن تفتكر مين حطلك الحاجه دي ؟؟ شاكك في حد معين ؟!
رد عزيز بحيره :
الاوضة دي محدش بيدخلها من العمال ودا اللي محيرني
جال الضابط بنظره بينهم بحيره وأردف باستياء:
من رأي مفيش وقت للكلام لان الكمية اللي اتمكست هتتحول لاتجار بالمواد المخدرة ودي أقل حاجه ٧ سنين لو محامي شاطر
ومن ثمّ تحرك للخارج مستكملا:
هحاول مع رئيس المركز عشان يطلعوا بكفالة لحد ما التحقيق يخلص
نظر عزيز إلى يعقوب بضيق ثم لحق الضابط، بينما جلس المعلم سالم يسأله عن بعض الاشياء تساعدهم لكشف غموض تلك اللعبة….
؛******
امام إحدى المحاكم
خرج صبري قبل أن يودع أحمد الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ودفع مائتين وخمسين ألف جنيها والتكفل بكامل مصاريف علاج هند … وقف جابر وعبده أمام المحكمة منتظرين خروج معتصم ومحمود،
: على الله كان خد ١٠ سنين عشان يتربى
ظهر الحزن علي ملامح جابر وهو يرد عليه بأسى :
الواحد مش عارف يزعل على ابن أخته اللي متربي وسط عيلنا ولا يفرح عشان بنت أخوه الغلبانه اللي كانت هتموت بين أيده
ضحك عبده باستهزاء مغمغما بسخرية:
تزعل ايه لما أبوه مشى ومهنش عليه يستنى يودع ابنه
: ربنا يعينه علي اللي هو فيه، أنت عارف أن صبري راجل حقاني لكن زعلان عشان شكله وسط البلد
خرجوا الشباب وقفوا جانباً، وما هي إلا دقائق وظهر أحمد مكبل ويمكسه عسكري متجه به إلى سيارة الترحيلات…. نظر إليهم بتعبير خالية من المشاعر، ورفض أن يقف يودعهم كما فعل باقي المرحلين معه، كان الجمود يحتل قسمات وجهه، حتى نظراته القاتمة دليلاً على محاولته للتماسك، أو ربما لم يهتم للأمر من الأساس، حاول معتصم التحدث معه لكنه صعد إلى السيارة دون أن يلتفت إليه، فتحدث محمود متهكم :
مظنش أن الفترة دي هتأدب أخوك كفايا
جاء جابر وعبده من خلفهم فنظر معتصم إليهم وتسأل باستغراب :
هو أبويا فين ؟!
أجابه جابر باقتصار:
رفع معتصم حاجبيه باستنكار وغمغم بتعجب :
مشى قبل ما أحمد يطلع ؟!!
أومأ جابر إليه ثم قال بحزن :
يلا خلينا نرجع البيت زمان أمك هتموت بحسرتها
لم يضيف معتصم وخطى مع جابر فنظر عبده في المكان وسأل محمود مستفسرا:
أخوك فين ؟؟ مش كان معاكم !!
رد عليه محمود بلا اكتراث :
طلع من الباب التاني بيقول عنده مشوار
: كلمه يحصلنا على بيت عزيز بيقولوا إبنه طلع بكفالة
اقتضبت ملامح محمود وهو يهتف بكدر :
واحنا مالنا ولا هو وجع دماغ وخلاص
رمقه عبده من أسفل إلى أعلى مردد باشمئزاز :
ومرات أخوك دي مش ماليا عنيك عشان نكون أول ناس نقف معاهم
تحرك معه دون أن يُعقب، فتلك المرة الثانية التي يأجل فيها سفره إلى القاهرة لذلك الموعد الغرامي…
؛؛؛؛
علي صعيد آخر خرج عز من زنزانته لاستقبال زائره المجهول…. جلس أمامه على الأريكة وعلامات الاستفهام والدهشة ظاهرة على وجهه، لم يستطيع تحديد سبب زيارته الغربية فسأله باستهجان:
لا مش معقول اتحركت من جنب ندى عشاني ؟!
ابتسم سالم بهدوء وقال بسلاسة:
لو عليا متحركش من جنبها طول عمري
واستكمل بهدوء :
لكن كنت مأجل الزيارة ولما لقيت نفسي قريب من هنا قولت مبدهاش
: وياترى بقا عمك عارف بالزيارة دي ؟!
تغاضى سالم عن سخريته وهتف متهكم :
لا أصل عمي مش بيحبنا نختلط بأشكالكم
ضحك عز مردفاً بشراسة :
اظاهر اني غلط لما سبتك عايش المرة الفاتت
واستطرد ببسالة لا تتسم في موقفه بتاتاً:
لكن متقلقش كلها أيام وهطلع، والمره هأرمل ندى في كل الحالات
رسم سالم شبه بسمة علي شفتيه وهو يقول برجاحه :
كنت دايما مش بلاقي أجابه ليه عمي سالم مصمم محدش فينا يقرب منكم ؟ ليه عايز يبعدنا ؟ ليه لما عرف أننا متجمعين عشان نردولكم اللي انتو عملتوه منعنا ؟!
كانت أعين عز معلقة عليه بثبات تتابع حديثه فضول، فاستطرد سالم بتفكير :
وقتها ملقتش أجابه وحسيت بالضعف قصادك، لانك اخدت بضاعتي وضربتني، كل دا ذاد لما حرقتوا المصنع وعمايلكم ذادت عن حدها، والحقيقي مفهمتش غير دلوقتي لما شوفتك أنت فين وأنا فين
احتقن وجه عز وظهر الضيق علي تعبيره، لم يهتم سالم إلى ضيقه وأكمل حديثه بهدوء وكأنه جاء لإشعال النيران دون أن يكترث لما خلفها :
قعدت فكرت مع نفسي لو كنا كملنا مش كان ممكن حد فينا يموت أو علي الأقل يتأذي، لكن دلوقتي كل واحد فينا عايش حياته وانتم انتهيتوا، حياتنا رجعت بروتينها الهادي ولا كأنكم ظهرتوا من الأساس، كل التخطيط والقتل والسرقة وكل أحلامكم عمتًا اتردمت فوقيكم، واحنا لسا أحلامنا بتبدأ والمصنع بقا مجمع مصانع والبضاعة جه بدلها مخازن، وبيوتنا مفتوحة وبنربي عيالنا وكأن شىء لم يكن
لهيب نيران وضع فوقه مادة تساعده على الاشتغال… جرح غائر سكب داخله سُم يقتل ببطيء، خنجر غليظ إنهار عليه يغزوا جسده بوحشية… كل تلك المشاعر لا تصف ما يدور بداخله، لم يتحمل أكثر فقاطعه بتهجم :
تاعب نفسك وجاي تشمت
حرك سالم رأسه بالنفي وأردف مبتسماً :
يمكن كلامي يفوقك للواقع وتتوب قبل فوات الأوان
ردعه بنبرة حادة :
صدقني يا سالم لو هقضي هنا باقي عمري وفاضل يوم واحد في حياتي هقتلك وارجع أموت هنا
وقف يودعه وعلي ثغره ابتسامه صافيه :
بعد ٢٥ سنه هكون مستنيك تنورني
حرك ملقتيه مع خطاه وهو يبتعد عنه، تلك الحرية التي أصبحت حلم مستحيل بالنسبة إليه … نهض مع العسكري واتجه إلى زنزانته وصدى تلك الكلمات الحارقة تصدح في رأسه، جلس على فراشه وأعاد ظهره للخلف، شعر من شدة غيظه أن هناك خيط غليظ يلتف حول عنقه يمنعه من التنفس، كل يوم بل مع كل دقيقة تمر عليه داخل ذلك المكان يزداد حقده الغفير لتلك العائلة….
؛****** بقلم حسناء محمد سويلم
منذ أن جاءها الخبر وهي تبكي دون أن تتوقف، حاولت مها أن تهدأ من شهقاتها المرتفعة ولكن دون جدوى، ورغم غضب صباح بسبب عدم فهم بكائها…
: أنا عايزه افهم بتعيطي على اللي ميستهلش دا ليه، ولا إحنا مكتوب علينا وجع القلب
رتبت مها علي كتف صباح وهي تقول بهدوء :
سبيها تهدى الأول يا ماما
نظرت إليهم بقلة حيلة وخرجت مغلقة الباب خلفها بحرص، قلقاً من مجئ والدها ويرها بتلك الحالة المزرية… تطلعت مها إليها بحيرة ثم سألتها برفق :
ممكن تفهميني بس ايه سبب عياطك ؟!
رفعت هند عينيها المنتفخة متمتمه بصوت مختنق :
هو احنا مش متربيين سوا وفضلنا اربع سنين متجوزين ازاي مزعلش عليه
فتحت مها عينيها على وسعهم وهي تهتف باستنكار:
زعلانه على ايه دا كان عايز يقتلك، بقا دا يستاهل تفتكريه أساساً !!
ذادت في شهقاتها وهي تردف بتلجلج :
زعلانه على ذكرياتي معاه وعلى اللي هو وصله
اقتربت مها منها ترتب على كتفها برفق، ثم قالت بعدم استيعاب :
للدرجة دي يا هند مش عارفه تنسيه
واسترسلت بقلق :
اهدي بقا بدل بابا ما يجي ويشوفك كدا
ما أن أنهت جملتها وجدته يفتح الباب دون أن يطرق، اعتدلت هند ومسحت وجهها بسرعة، بينما نظر هو إلى مها وأشار إليها أن تخرج، انتظر حتى أغلقت الباب خلفها ثم أردف بجمود:
كنت عارف أن دا هيحصل
أخفضت رأسها دون أن ترد فاستطرد باستياء :
اومال لو كان بني آدم عِدل كنتي عملتي ايه
: الذكريات هتفضل حلوه حتى لو صحابها اتغيروا يا بابا
نظر إليها بيأس وهتف بحنو :
يا بنتي الذكريات اللي تكون بالشكل دا تغور مع صحابها
وضع عصاه جانباً ولف ذراعه حول كتفها ليقربها من أحضانه متمتما بشرود :
كل يوم بيزيد قلقي عليكم وكأني بلف في دوامة مش بتخلص
حاوطته بقوة وهي تهمس بصوت محشرج :
ربنا يخليك لينا وتفضل سندنا في الدنيا
ملس على خصلاتها وهو يردد بمزاح :
نفسي أشوف كل واحدة في بيت جوزها واخلص
ابتعدت عنه لترى ما إن كانت تعبيره جادة أم يمازحها، ولكنها فشلت لثباته أمام نظراتها المتفحصة :
يعني ما هي مها في بيت جوزها ومخلصتش منها
: اظاهر مش هخلص غير لما أموت
نظر إليها بحنان مسترسل بجدية:
عايزك تجمدي وتكوني سند لإخواتك، عارف أن ذكرياتك لسا معلقة معاكي رغم كل اللي حصل ودي مشاعرك مقدرش اغيرها، لكن هقولك علي مثل بسيط أعرفه من صغري ” الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح “، طالما الذكريات دي بتفكرك بوقت وقعتي فيه انسيها وافتكري الوقت اللي عافرتي ووقفتي من تاني
أومأت إليه بهدوء وهي تبتسم بخفة، وبعد أن مسحت وجهها سألته بتذكر :
حصل ايه مع يعقوب؟ هو فعلاً اتمسك ؟!
أجابها بحيره من ذلك الأمر:
ايوا اتمسك لكن طلعوه بكفالة والتحقيق لسا شغال
: وهو مش عارف مين ممكن يحطله الحاجه دي
حرك رأسه بالنفي مردد بتفكير :
مظنش لأنه قال إن الاوضة محدش بيدخلها غيره
استمع إلى صوت ضوضاء بالخارج فقالت هند بتوضيح :
دي ماما بتحضر الضيافة لان عمتو هانم جايه مع مرات عمو عبدالخالق وأكيد خيريه نسيت البوتجاز ولع
نهض يأخذ عصاه لكي يخرج فسألته هند بعجلة :
ممكن نرجع نمسك المصنع مع حضرتك ؟!!
رمقها لبرهة وأردف بهدوء :
حالياً أنتِ لسا مخلصتيش علاجك، ومها مشغولة في دراستها، وخيريه هيكون تركيزها مع فكرة مشروعها لحد ما يبدأ، ومروه عايزه تاخد كورس خياطة، وأمل مركزه في تجويد القرآن ربنا يبارك فيها، والست رحمه دماغها مش فيها، وحصلتها حسناء اللي زمانها في ملكوت يعقوب واللي حصله
ضحكت هند وهي تهتف بحب :
ازاي افتكرتنا كلنا في جملة واحدة
عانقته مسترسلة بعاطفة:
اتمنى نقدر نرد لو شوية من تعبك معانا
قبل جبينها مغمغما بحنو :
تعبي راحه طول ما انتو بخير يا هند
التفت يخرج مستكملا بحزم :
ومتنسيش هنسافر بعد بكرا عشان اعادتك كشفك
لحقته للخارج ولكن قبل أن تعترض وجدت هانم وزوجة عبدالخالق يصعدوا إلى طابقهم، عادت بسرعة إلى غرفتها قبل أن يرى أحد إصابتها …. ذهبت للخزانة تختار شال من القطيفة، وضعته على كتفيها واخفت ذراعها أسفله ثم خرجت تستقبلهم سريعاً لتلحق بوالدها قبل أن يرحل…
؛**
كانت تنتظر خروجه على أحر من الجمر، أصابها التوتر لعدم معرفتها لِما حدث … أصابها القلق بعد جملة ابن عمها، التي كانت كفيلة بجعل قلبها يتوجس من الارتباك على محبوبه، حاولت الاتصال عدة مرات بـ سميه ولكن دون جدوى، فكرت أن تتصل به وتطمئن ولكن خوفها من رد أحد غيره جعلها تبعد تلك الفكرة عن رأسها…
: بابا
التفت إليها مردفاً بتهكم :
دا قولت أنتِ أول وحده هتكوني في استقبالي عشان تعرفي الأخبار أول بأول
ضيقت عينيها وسألته بشك :
معنى أنك بتهزر يبقا هو متمسكش ؟!
: وأنا المفروض أعيط عشان هو اتمسك !!
اقتضبت ملامح حسناء وهي تهتف برجاء :
بالله عليك يا بابا تفهمني اللي حصل لان أعصابي مش مستحمله اللي أنا سمعته
سألها بعدم فهم :
وايه اللي سمعتيه ؟؟ هو حالا الكلام دار في البلد ؟!
ردت عليه بحنق :
هي البلد دي بتستر أبداً
واسترسلت بتوسل :
عرفني بقا
: لسا محدش يعرف حاجه عشان أعرفك وعلى العموم هو طلع بكفالة
ظهرت خيبة الأمل علي وجهها وهي تتمتم بحزن :
يعني صح أنهم لقوا كمية كبيرة من مخدر في المحجر
حرك رأسه نافياً فسرعان ما ظهرت البسمة على وجهها بسعادة، لكنها اختفت كما ظهرت بسرعة عندما قال بسخرية :
دا كل اللي يقفلها تأبيده كان موجود في المحجر
مطت شفتيها مردفه باقتضاب:
طيب وبعدين هو كدا خلاص هيتحبس
رفع كتفيه بقلة حيلة قائلاً بتفكير :
اظاهر كدا هنطول الخطوبة ٢٠ سنه كمان لحد ما يجهز نفسه
ضحكت رغماً عنها فابتسم مردد بهدوء :
أن شاء الله خير
أشار إليها بأن تصعد لأنه ينتظر المهندس المسؤول عن تنظيم منزل عامر الجديد، ومن ثمّ سيذهب إلى منزل عزيز ليقف مع كبراء القرية للبحث عن خيط المجهول…
؛*******
: أنا لازم أقفل دلوقتي
جاء صوته المتعجب وهو يقول بتبرم :
تقفلي دا أنا ما صدقت أعرف اكلمك كلمتين بعيد عن رخامة اخوكي
دارت برأسها مندهشة من صوت البكاء الآتي من الخارج وهي تردف بتوتر :
معلش شويه كدا وهكلمك تاني
: ماشي يا خلود لما تخلصي كلميني
شعرت باستيائه من لهجته ولكن رغماً عنها أغلقت الهاتف، وخرجت تركض لغرفة المعيشة حيث يصدح أصوات متداخلة….. وجدت والدها وعمها يجلسان مع معتصم لتهدئة ذعر دولت، مطت شفتيها بتذمر لأنها أغلقت مع أكرم لأجل صياح عمتها الذي لا ينتهي …
: ما خلاص يا دولت، احمدي ربنا أنها جات على قد كدا
ضربت صدرها مردده ببكاء :
ضنايا هيبعد عني ٣ سنين وهيتحبس زي المجرمين
واسترسلت بنحيب :
كدا برده يا خويا تضيع ابني قصاد عيني
رد عليها معتصم بضيق :
لولا خالي كان زمان مدة أحمد الضعف ياما
لم تفهم دولت مقصد معتصم فأردف جابر :
لما ملقناش محامي كويس كلمت سالم يشوفلنا واحد
أكمل عبده بدلاً منه :
يعني المحامي اللي دافع عن ابنك اخوكي اللي موكله
واستطرد بتهكم:
وكمان حسبلك ورثك والفلوس موجوده تخديهم
صاحت من بين بكائها وهي تنظر إليهم بحسرة:
فلوس ايه بعد ابني ما راح
انكمش بين حاجبيي معتصم وهتف باستنكار :
راح ايه ياما دول هما ٣ سنين وعلى الله يتعلم الدرس فيهم
وقفت دولت وهي تصيح بحرقة في وجهه :
أنت شمتان في أخوك زيك زيهم
رفع جابر حاجبيه باستغراب وسألها باقتضاب:
إحنا شمتنين في ابنك يا دولت ؟؟
نظرت إليهم شزراً وتركتهم وولجت إلى غرفتها، تطلع معتصم إلى جابر وقال بحرج :
متزعلش يا خال هي أمى لما بتزعل مش بتعرف بتقول ايه
حرك جابر رأسه بلا اكتراث ونهض مغمغما باقتصار :
سيبها لوحدها شويه لحد ما نروح لي عزيز وابنه
: أنا هروح أطمن على ريهام أختي وبعدين احصلكم
خرجوا الثلاثة كلا منهم إلى واجهته، بينما عادت خلود إلى غرفتها تهاتف أكرم الذي أجابها في ثوان وكأنه ينتظر تلك المكالمة بلوعة، ليست هذه الساعة الثالثة في هذا اليوم التي تمر على تسامرهم، ليستغل غياب سالم الذي يجلس بجانب خلود ويزعجه بردوده المستفزة حتى يغلق،
؛*********
استأذن من المشرف وخرج من الباب الخلفي بجانب المصنع، أخرج الهاتف واجاب دون أن ينظر على المتصل، ظناً منه أنها عليا لكونها تتصل به مئة وخمسون مرة في الدقيقة، لكنه تفاجأ بصوت رجولي مألوف عليه …
: سيف ؟!!
رد الآخر مقتصراً :
كويس أن رقمك لسا شغال، هبعتلك عنوان ليلى لو عايز تطمن على عيال أختك قبل ما تسافر
قطب عمر جبينه باستفهام وسأله بعدم فهم :
عيال اختى هيسافروا ؟!
أكد سيف حديثه واضاف بتلجلج :
ياريت تقولها أنك عرفت العنوان من اي حد
لم يصدق عمر أنه يقول الحقيقة فسأله باستهجان :
ومن أمته وأنت فاعل خير اوي كدا ؟!!
ظهرت نبرته المهتزة وهو يتمتم بفتور :
اكتفيت بخسارة عيني وقولت يمكن أرد لي أماني جزء لما عيالها يكونوا معاك
أنهى جملته وأغلق المكالمة في نفس وقت وصول رسالة بالتفصيل لعنوان ما، احتفظ عمر بالرسالة ودلف للمشرف يستأذن منه بالمغادرة ليسرع إلى ذلك العنوان دون تفكير… على الجهة الأخرى دخل سيف من الشرفة، فوجد ليلى تقف عاقدة ذراعيها بوجه متهجم، تخطاها وعن يقول بجمود :
كدا أفضل ليكي وليهم بما أنك هتسافري
ردت عليه بحده وهي تلوح بيدها أمام وجهه :
أنت مين عشان تحدد كدا أفضل ولا لاء
واسترسلت بحنق :
يعني دي غلطتي أني وافقت أساعدك
توقف عن السير ودار إليها وهو يردف بصرامة :
دا غصب عنك ولا ليكون جوزك مكتوبله أملاك ابويا وأنا معرفش
اقتضبت قسمات وجهها وهي تهتف بنبرة مختنقة :
حقك تقول كدا ما أنت مش مسؤول عن اطفال ولا كل السكك قفلت في وشك
جلست على أقرب مقعد بإهمال فقال سيف بتعلثم :
ابعتي زياد ويزيد مع عمر وسبيهم معاه وسافري مع بنتك
: أسافر بعد ما شككتني في صاحب عز !! أنا منمتش من امبارح وبفكر في كلامك لو منتصر دا طلع انسان مش كويس، وهتصرف ازاي لو حصلي حاجه في بلد غريبة مع بنتي واحنا لوحدنا
وضعت يدها على رأسها مستكملة ببكاء :
أنا تايهه ومش عارفه أفكر
زفر بوهن ثم جلس على المقعد المقابل لها وهو يتمتم بضجر :
ارجعي لأهلك طالما مش عارفه تقرري
رفعت وجهها تنظر إليه بقلق وقالت باضطراب :
بابا مات بعد ما اتجوزت عز بأسبوع وماما من زعلها فضلت تعبانه سنه واتوفت، ماليش غير أخت ومتجوزة وليها حياتها مع عيالها الأربعة
: متقفلة من جميع الجهات يعني
أمسكت مرفقه وهتفت برجاء :
متسبينش يا سيف أنا بفضل صاحيه طول الليل من يوم ما عز اتقبض عليه
توتر سيف من حركتها المفاجأة فنهض مغمغما بارتباك :
مقدرش استنى أكتر من كدا
نهضت خلفه تسأله بتوجس :
هتروح فين ؟!
ابتعدت بنظره عنها مردد بخفوت :
هسافر لأبعد مكان عن هنا وأشوف شغل ومكان أعيش فيه
لم يسمح إليها عز بالنزول للتسوق منذ أن تزوجها، خصص مبلغ نقدى إلى زوجة العامل بالعقار كي تجلب كل طلباتها، لم تخطو قدمها خارج الشقة دون مرافقته … وكأنها داخل حصن آمن هُدم على حين غرة لتصبح أمام وحوش مفترسة تقترب لالتهامها، كذلك رسم عز حياته معها، ولكن ماذا بعد أن اختفى عز ؟؟ ما يوجد خلف أسوار السكينة والطمأنينة الذي رسمها بفرشاة الحب داخل قلبها ؟!!
: خلاص هسيب زياد ويزيد مع خالهم وأجي معاك أنا ولوجينا بعد ما نبيع الشقة دي وناخد فلوسها
هربت الأحرف من جوفه وهو يحدجها بذهول، لم يتوقع أن يصل بها التفكير إلى ذلك الاقتراح، وقبل أن يبدي موافقته أو عكسها تحركت ليلى من أمامه وهي تهتف بعجلة :
هاروح اكلم البواب يشوف مشتري للشقة تكون فلوسه جاهزة
تدلى فم سيف مندهشا من سير الأمور بشكل مريب، لا يفهم ما يحدث معه، ولا يتوقع ما هو قادم، وها هو الآن يقع في مأزق يعرقل بدايته بعيداً عن تلك العائلة، التي أصبح يصفها بسبب عجزه ….
؛*********
داخل شقة المهندس طلال عادل، كما وصفة اللائحة خارجها…. جلس سفيان بجانب والدته، ومقابل لهم والد سوزان ووالدتها، وفي المنتصف العروسان والمأذون، جرت مراسم عقد القران بشكل طبيعي، وانتهت بتوقيع العروس، التي رسم على وجهها معالم الفرحة ببسمة مشرقة، وأخيراً بعد عناء طرقت السعادة بابها، لتستقبلها بحفاوة وشوق، فكانت مشقة للحصول على أقل حقوقها …
نهضت والدة طلال بعد أن رحل والد سوزان مع المأذون وقالت بجمود وهي تشير إلى سفيان :
احنا هنشمي عشان نلحق نوصل البلد قبل الليل ما يحل
نظر إليها طلال دون أن يرد فأردفت سوزان برجاء :
خليكم معانا انهارده على الأقل
ردت عليها باقتصار وهي تحدج طلال بضيق :
مقدرش اسيب هيفاء في البيت لوحدها
أخدت حقيبتها وخطت مستنده على يد سفيان للخارج، انتظر طلال يتأكد من ابتعادهم بقدر كافً، وتطلع إلى والدة سوزان مردفاً بملل :
مطوله معانا يا حماتي
ابتسمت الأم بحرج ونهضت تعانق ابنتها وخرجت بعجلة دون أن تتفوه بكلمة مع ذلك السليط … التفت سوزان إليه وسألته بعدم تصديق :
ايه اللي أنت عملته دا ؟!!
أخرج لفافة تبغ مردد بلامبالاة :
دماغي مصدع ومش عايز اسمع صوت
حدقته بضيق فصاح متبرم :
هتفضلي مبحلقة كدا، امشي اعملي فنجان قهوه
تحركت من أمامه وقد تحولت السعادة إلى حزن غير مفهوم سببه، لا تعلم متى سيعود إلى طبعه، تحاول بقدر المستطاع أن تفكر فقط في جنينها وأنها أخيراً وفرت إليه مستقبل وسيولد باسم والده …. على الجهة الأخرى زفر طلال دخان التبغ بشراهة، كلما نظر إلى وجهها رأي والده يقف يحدجه بضيق، لا يستمع إلى صوتها بل تصدح نبرة والده الغاضبة عندما علم بعلاقتهم، تحولت حياته لذلك المشهد الذي أصبح يراوده ليلاً ونهاراً …. مسح دمعه هاربه مع ذكرى مؤلمة وضعته أمام والده وهو يسقط أمام عينيه يفارق الحياة حزناً على أفعاله،
؛********
داخل منزل عبدالخالق
جلس فادي مع ابنة خاله التي لم تتعدى السادس عشر من عمرها، فانضم إليهم حسام وهو يقول بغرور :
وأنتِ نورا ولا أسماء يا شاطرة
نظرت إليه الفتاة بتعجب وردت عليه بعفوية :
أنا نورا
ابتسم بسمة عريضة وهو يهتف بكبرياء :
هوافق اني اتجوزك بما أن سنك قريب مني
جحظت أعين نورا من جراءته ونهضت تركض للداخل، فأردف فادي بضيق :
محدش بيقول كدا للبنت اللي عايز يتجوزها
ألقى حسام وسادة صغيرة في وجهه مغمغما بسخرية :
روح شوفلك حاجه العب بيها
في الغرفة المجاورة كانت هانم تجلس على فراش علاء، الذي وقف أمام النافذة يتأمل المارة باشمئزاز وهو يرتشف من مشروبه الخاص الذي جاء به من السعودية بكمية كبيرة تكفي لمدة إجازته هنا ….
: اسمع كلامي اي واحده من بنات سالم هتورث فلوس ملهاش عدد
ابتسم بسخرية وهو يقول باستنكار :
وأنتِ واثقة اوي أن سالم دا هيوافق ؟!!
واسترسل حديثه الساخر وهو يتطلع إليها:
وبعدين احنا كلنا وخدين بالنا أنك عايزه تتجوزيه
ضحكت هانم بخفة وقالت بلا اكتراث:
وايه يعني هو دا يزعلكم، دا انتو هتتنقلوا في مكان تاني لو دا حصل
رفع علاء حاجبيها بدهشة مصطنعة، ثم ارتشف من كوبه متمتم بشرود :
طيب واخويا اللي أنتِ ناسيه أنه موقف علاج بقاله فتره وحالته بدأت ترجع اسوء
انتفضت من جلستها واقتربت منه وهو تهمس بصوت منخفض :
اوعوا تقعوا بلسانكم قدام حد هنا أنه بيتعلاج، وبعد ما يتجوز نبقا نصراح الكل
: بقولك حالته بدأت تسوء
رتبت على كتفه برفق مردده بخبث :
يا حبيبي أنت بتقول كدا عشان عارف حالة أخوك إنما اللي ميعرفش مش هيلاخظ كل الكلام دا
واستطردت بدهاء :
وسيبك من كل الكلام دا لاني عارفه أنك مش بيهمك الماديات عشان كدا اخترتلك أحلى بنت فيهم
قطب جبينه متعجباً وسألها ببرود :
يمكن مش ذوقي ؟!
أخرجت هاتفها تعبث فيه لثوان، ومن ثمّ رفعته أمام وجهه :
أخدت الصور من أسماء بنت خالك من غير ما تاخد بالها
رأى مجموعة من الفتيات وكأنهم في حفل ما أو شابه، لم يدرك أي فتاة تقصدها والدتها فسألها بحيره :
مين فيهم ؟؟
أشارت على احداهن وهو تقول بمكر :
رحمه
لم يهتم بها وأشار على من تقف جوارها، مطت هانم شفتيها بملل :
ريح نفسك دي مخطوبة
حرك رأسه بلا مبالاة مردد بضجر :
مش هتفرق أهي واحده تطبخ وتغسل والسلام
ضيقت هانم عينيها وهي تحدجه بغيظ، ثم سألته مستفسرة :
فين ضياء ومحمد ؟؟ عايزه اوريهم البنات
: ضياء طلع يتمشى ومحمد خرج يشتري سجاير
؛****
وضع يده في جيب معطفه الأسود، وسار داخل شوارع القرية يتأملها وهو يستمع إلى الموسيقى المفضلة لديه بواسطة سماعات الأذن…. ولسوء حظه توقف أمام منزل ما ينظف حذائه، وعلى حين غرة شعر بأحدهم يسكب دلو ماء متسخ بالقرب منه، التفت بفزع يعود للخلف وهو يتطلع إلى ثيابه بخضة، تنهد براحة عندما وجد بعض النقاط على حذائه فقط، رفع نظره إلى الجهة التي أتت منها الماء وعلى وجهه علامات الضيق … وجد فتاة تقف على باب منزلها ممشوقة الجسد، تلوك علكة بطريقة مستفزة كأحمر الشفاه الصارخ التي رسمة به شفتيها،
: يقطعني كنت هعك الدنيا
ألقت الدلو بعيداً واقتربت منه وهي تلملم خصلاتها الحمراء بشكل عشوائي :
معلش يا حلو مخدتش بالي منك
در عليها ضياء باقتصار :
حصل خير
ابتسمت وهي تسأله بفضول :
مين الجميل ؟؟ أنت قريب حد هنا أصل اول مره أشوفك
في البلد ؟!
: جاي زيارة لخالي
رفعت حاجبيها باستنكار وسألته مستفسرة :
خالك مين ؟؟
قطب ضياء جبينه باستفهام وقال متسائلاً باستنكار :
ودا يهمك في ايه ؟!!
ضربته بخفة على كتفه مردده بمراوغة :
شكلك لسا زعلان
قدمت يدها تصافحه مستكملة بميوعة :
أنا ساره أبو الفضل
تعجب ضياء من تصرفاتها فأومأ إليها بهدوء وتحرك يخطو من أمامها باستغراب … تقدمت ساره منه وسألته بفضول :
هو أنت رايح فين ؟؟
لوهلة شعر أنه محاصر بأسألتها فهتف بعدم فهم :
بتمشى شويه
التفت تعود إلى منزلها تجلب شئ ما من خلف الباب، ثم عادت إليه وهي ترتدي عباءة سوداء ذات الطراز المفتوح من الأمام لتسهيل ارتدائها فوق الملابس المنزلية، ووضعت حجاب فوق رأسها بإهمال :
وأنا كمان كنت خارجه اتمشى بس زهقانه أمشي لوحدي
اقتربت منه بحركة مفاجأة جعلته يعود خطوة للخلف وسألته بدلال:
ولا ليكون هضايقك ولا اكون متطفلة ؟!
حرك رأسه نافياً وهو تطلع إلى عينيها المرسومة باحترافية بالكحل العربي، سارت بجانبه وهي تهمس لنفسها بزهو :
يتكم خيبه رجاله هبله
نظرت إليه متسائلة باستفسار :
ها قولي بقا مين قريبك في البلد ؟ واسمك ايه ؟ وشغال فين ؟ عرفني عن نفسك أصلي اجتماعية شويه
” شويه !! ” رددها ضياء بتعجب لوصفها، وضحك بعدم تصديق أنه سيجيبها بالفعل، ولأول مره يخرج عن صمته ويتحدث مع فتاة !! …. أخذته ساره في جولة داخل وخارج القرية وهي تروي فضولها عن حياته، رغم أنها حاولت مراراً أن تتحكم في حديثها مع الأشخاص، إلا أنها لا تتحمل أن تترك شخص جديد داخل القرية دون أن تعرف قصته منذ أن ولد ….
؛********
بعد أن غادر المهندس تحدث إلى عامر بأن يأتي ليرى التصميم هو الآخر، أمسك الورقة الكبيرة المصمم بها المنزل وقال بانبهار:
بصراحة المهندس يعتبر ناسخ البيت بنفس الألوان
نظر إليه المعلم سالم وهو يردف متسائلاً :
معنى كدا أنه يبدأ ؟!
: طبعاً، وبعدين حضرتك قولت نفس البيت يعني مليش أعلق اي ملاحظات
لم يعقب على حديثه مما ذاد تعجب عامر من تغير معاملته منذ أن جاء وطريقته الجافة :
هو حضرتك مضايق مني ؟!
رمقه بثبات مرددا بجمود :
ليه هو أنت عملت حاجه تضايقني
حرك عامر رأسه نافياً وغمغم باستغراب :
ما عشان كدا بسأل ؟! حاسس أن حضرتك متغير معايا
واسترسل وهو يخرج ظرف مغلق من جيبه :
قبل ما أنسى دا نصيب ٣ شهور، الحمدلله النتيجة فوق ما كنت متوقع والفرق بين اني اشتري الخضار من الوكالة والفلاحين نقل المشروع للأفضل بكتير، ودا كله يرجع لفضل حضرتك بعد ربنا
أشار المعلم سالم إليه بأن يعيد الظرف وهو يهتف بوقار :
بفرح لما أشوف شاب بيعافر ويجتهد وبيبني نفسه من الصفر وبيكبر بذكاء، وأنت شاب مجتهد يا عامر وهتجمع ثمار تعبك
واستكمل وهو ينهض من مقعده وجلس مقابل له :
الفلوس دي خليها واعتبرها عربون لآلات التجميد
ابتسم عامر بسعادة غامرة وقال بحماس :
متحمس للفكرة دي جدا وحاسس أنها هتفرق
واسترسل وهو ينهض :
أن شاء الله مسافر بكرا عشان أروح عنوان عمي القديم يمكن يكونوا لسا هناك ومش هرجع غير وأنا جايب لحضرتك كل التفاصيل
أومأ المعلم سالم إليه بهدوء، فأخذ هاتفه ومفاتيح السيارة وخرج متنهد براحة، ظناً منه أن الأمور تسير كما هو مطلوب …. بينما تلك الأمور تمشي كما يريد الآخر، الذي جلس متكأ بمرفقه على المكتب، وهو يحدق في عدة صور إرسالها أيمن إليه باكراً، ابتسم بسخرية على سذاجة عامر، ونهض ملغق الباب خلفه …
صعد إلى أول طابق، ليجد أن جميعهن يجلس في غرفة المعيشة… طلب من نجاة كوب نعناع، ودلف يبدل ثيابه ويأدي فرضه قبل أن يفوته …. بعد ربع ساعة خرج يرتدي سروال أبيض ومعه جاكيت من نفس اللون، فقد قرر إنهاء تلك الليلة باكراً لينعم بوقت راحه قبل أن يخلد للنوم،
: خير، قعدتكم دي مش من فراغ
قدمت نجاة كوب النعناع الدافئ إليه، بينما قالت ناديه بفرحة :
دا كل الخير من قعدتنا يا حاج
ارتشف من الكوب بهدوء فأكملت ناديه بسعادة :
في عرسان متقدمة للبنات
” عرسان !! ” رددها بدهشة، فأردفت صباح بتوضيح :
أصلهم عريسين لي مروه ورحمه
رسم شبه بسمة مصطنعة على شفتيه مغمغما بتهكم :
ولاد هانم أكيد
أكدت ناديه إليه مضيفة بفخر :
صح يا خويا، وايه ما شاء الله شباب زي الورد
ارتشف من الكوب دون أن يرد عليهن، فسألته صباح بقلق :
ايه يا حاج مردتش علينا يعني ؟؟ ولا ليكون عبدالخالق قالك حاجه عليهم ؟!
: مردتش عشان ردي مش هيعجبكم
ظهرت خيبة الأمل على وجه ناديه التي بدأت في تجهيز زفاف بناتها، نظرت صباح إليها بتوجس ثم سألته بتعجب :
ليه يا خويا ؟!
قاطعها صوت رنين هاتف حسناء التي ارتبكت عندما رأت اسم المتصل، فقال المعلم سالم بخبث :
ما تردي
ابتسمت بتوتر مردفه بتعلثم :
مش مهم
صدح صوت رنين الهاتف مجدداً فهتف بإصرار :
لا معلش ردي يمكن عايز يقول كلمتين مهمين
ضحكت الفتيات بصوت عالٍ فرمقتهم حسناء بضيق، ومن ثم تمتمت بتلعثم :
هو .. هو يعني كان باعت رسالة بيقولي أنه تحت قدام الباب
دهش من طلبه فأشار إليها بأن تبدل ثيابها وتهبط لرؤيته، بينما نظر هو إلى ناديه وأردف بأمر لا يحتمل النقاش :
أنا مش موافق على عيال هانم والموضوع يتقفل
وقفت ناديه متسائلة باستنكار :
ولحد أمته بناتي هيفضلوا قعدين كدا !!
التفت يرمقها مردد باستهجان :
هما قعدين فوق راسك
وأشار على الفتيات مستكملا بسخرية :
أنا مش هجوزهم وهقعدهم جنبي
جال بنظره بين بناته متسائلاً بجدية :
عاجبكم يا بنات
حركوا رأسهم بالموافقة فابتسم مغمغما بحنو :
حبايب ابوكوا
والتفت يخرج ليهبط خلف حسناء، نظرت ناديه إلى الفتيات بحده وهدرت بغضب :
خليكم قعدين يتكم خيبة
ضحكت صباح وأردفت بجدية :
بكرا نتكلم معاه تاني يمكن يغير رأيه
قفزت خيريه تركض باتجاه النافذة، تشاهد يعقوب وحسناء يقفن في البهو أسفل المنزل، لحقتها مروه وأمل ورحمه، بينما ولجت هند إلى غرفتها ….
فتحت الخزانة بحرص وأخرجت ذلك الدفتر، الذي أصبح روتين يومي بالنسبة إليها… باتت تلامس أحرف الغزل وكأنها تشعر بنعومتها على حنايا قلبها، ترتسم البسمة على وجهها مع نسمة هواء منعشة تعيد إلى صدرها الحياة … شعرت وأن صاحب ذلك الدفتر يقصد أن يعيد الحياة إليها بعد أن فارقتها بقسوة …
لا تصدق أنها جاءت إلى آخر ورقة وكأنها تنتهي مع انتهاء ذلك الدفتر، بدأت في قراءة أول سطورها بقلب يرتجف من الشغف :
” اسمحي لي بأن أخذك في جولة قصيرة داخل قلبي قبل أن أغلق صفحات كُتبت بحروف الاشتياق، أولاً أود أن أذكرك أنني لا أعلم متي وقعت في غرامك، وكيف أصبحت لا أفكر في سواك، ربما كانت صدفة ولكنها غيرت كياني، لم أصدق يوم عن قصص الحب الغريبة، ولكن ها أنا اليوم وقعت في احداهن معك يا عزيزتي، كنت أشعر بالسخرية عندما استمع إلى أحدهم يذكر أنه أعجب بفتاة من النظرة الأولى، ليكون قدري أن انهمر داخل غرامك يا هند،
تهدجت أنفاسها مع وشعرت أنها تنصهر من حرارة جسدها، أخذت نفس عميق وبدأت في تكملة السطور :
قرأت في دفتر يومياتك أنكِ تحبين القراءة، لأجد نفسي اشتري عدة كتب وأبدأ في قارئتها رغم أنني لا أستمتع بذلك، ولكن فقط لأن تلك العادة تذكرني بك، عند عودتي إلى غرفتي صنعت أحواض للزهور في الشرفة، لأنكِ تفضلي وقت فراغك بالاعتناء بالزهور، هل تجدي تفسير لِما يحدث معي ؟!
لا أتقن كلمات الحب المعسول، ولا أجيد التمثيل، ولكن من الممكن أن أصف شعوري المتوهج لرؤيتك، لوعة الفراق وكأننا أحبة منذ سنوات، عينيكِ التي قتلت قلبِ بأسهم بُنيتها، هل لديك مساحة كافية لاصف جمال بساطتك عزيزتي ؟!
أرفقِ بي يا هند، دعيني انتشلك من بقاع ظلام خادع، وارفعك إلى سمائي لتكوني القمر الذي ينير ظلماتي، دعيني أحاول أن أبذل جهدي لتعويضك عن خسارتك، أشفي جرح تسبب جاهل سفيه لا يقدر مكانة امرأة مثلك في حياته، اسمحي لي أن أكون عونك لِما هو قادم، وتكوني حبً صنع بواسطة المهلبية ”
من مغرمك
توسعت ملقتيها وهى تغلق الدفتر بذهول، ثم حركت رأسها بعدم استيعاب وهي تتمتم بدهشة :
موسى !!!!
؛******
في الأسفل جلس يعقوب على الأريكة دون أن يتحدث منذ مجيئه، فسألته الأخرى بتذمر :
هو أنت جاي تتأمل الجنينة ؟!!
دار برأسه يرمقها بجمود ورد عليها باقتصار :
محستش بالهدوء دا من ليلة امبارح
: لسا معرفتش مين عمل كدا ؟؟
حرك رأسه نافياً وغمغم بضجر :
اللي عمل كدا عارف أن ملهاش مخرج
حدجها بعاطفة مستكملا بهدوء :
ملقتش غيرك أعرف افوق معها شويه
ابتسمت بخجل وهي تردف بخفوت :
أن شاء الله هتخرج منها انا واثقة فيك
: وأنا كمان
دار الاثنين إلى مصدر الصوت، ليجدوا سالم جابر يستند على الحائط متطلع إليهما بسخرية، زفر يعقوب بملل وقال بضيق :
أنت ايه اللي جابك
اقترب منهما مرددا بمراوغة :
جيت في الوقت المناسب أنا عارف
جلس بينهما مسترسل بغيظ :
يعني أبوك وأخواتك بيلفوا حاولين نفسهم عشان يشوفوا حل وأنت هنا
تنهد يعقوب بصوت مسموع :
بجدد طاقتي
نظر سالم إلى حسناء وهمس بمكر :
بتجدد طاقتك قولتلي
وكزته حسناء بحده متمتمه من بين أسنانها :
أنت عايز ايه، ما تقوم تشوف رايح فين
: وعمي يعرف أن رد السجون دا هنا
احتقن وجه يعقوب من وصفه، فابتسم سالم بتسليه بينما همست حسناء باقتصار :
ايوا عارف
تجاهلها ورمق يعقوب متسائلاً بجدية :
أنت جاي هنا ليه ؟؟
عقد الآخر ذراعيه والتفت للجهة الأخرى دون أن يرد، فقال سالم بخبث :
برحتك أصل كنت جاي عشان أبلغ عمي بموضوع مهم جدا بخصوص حسناء ومش عايزك تسمعه
دار يحدجه بفضول عندما سألته حسناء بعدم فهم :
موضوع ايه ؟!
ضربها سالم على مقدمة رأسها مغمغما بسعادة بالغة :
كبرتي وبقا يجيلك عرسان يا سون سون
وقف يعقوب مزمجرًا بوجوم :
عرسان !!! واللي جنبك دا كيس جوافة
ضحك سالم وهتف ببسالة :
قعدت أفهمه كدا واقوله يابني دي مخطوبة، يقولي أبداً أختي شايفه أيدها فاضيه ومفيش دبله، وقعد بقا يكلمني عن إعجابه بيها وبأخلاقها …..
ردعته حسناء ليتوقف عن مزاحه السخيفة :
بلاش رخامة يا سالم
ضغط يعقوب على فكه بحده، في نفس الوقت خرج المعلم سالم وهو يهدر بصرامة :
وأنت كنت فرحان وراجل بيتغزل في بنت عمك
صدم سالم من وجود عمه بينما ابتسمت حسناء بشماته، علم حينها أنها كانت تعلم بوجوده :
أكيد لو كان اتخطى حدوده كنت وقفته إنما الراجل اتكلم بكل احترام وكان عايز معاد يجي يتقدم رسمي
سأله يعقوب بوعيد :
ودا مين صاحب النصيب ؟؟
قبل أن يتفوه سالم زجره عمه قائلاً بحزم :
مش هيفرق طالما عرف أنها مخطوبة
واسترسل بحده :
وبعدين أنت في ايه ولا ايه، المفروض تكون بتفكر في المشكلة اللي أنت فيها
نظر إليه بقتامة وهدر بغضب :
مفيش حل لأن اللي عمل كدا قاصد يأذيني
ردت عليه حسناء بحنو متغافلة عن والدها وابن عمها :
بعد الشر عليك يا يعقوب، أن شاء الله ربنا هيخرجك منها على خير
رمقها والدها وردد بسخرية :
طول عمرك حنينه
ثم تطلع إلى يعقوب الذي ابتسم بخفة وهو يحدجها بعاطفة وصاح بنفاذ صبر :
أمشي شوفلك صرفه في اللي أنت فيه وتعالى حب براحتك
تنحنح يعقوب بحرج بينما ولجت حسناء إلى الداخل واستكمل بحزم :
مشوفش وشك هنا تاني غير ومعاك حد من حريمكم ومش هتقعد معها غير وواحد من عيال عممها يكونوا معاكم
: طيب ما نعمل سيلك شائك عشان لو حاولت اقعد جنبها
كتم سالم ضحكاته في حين رد عمه بجدية :
وليه طيب ما نقطع التواصل لحد كتب الكتاب
واستطرد بتهكم :
يابني أنت من يوم ما اتخطبتوا والمصايب مش صابره تاخد نفسك ما تسيبها يمكن قدمكم علي بعض وحش
نظر يعقوب إليه بفزع وهتف بحزن :
ويرضيك تكسر قلبي
حرك رأسه نافياً مزمجرًا بضيق :
يرضيني اكسر دماغك لو مختفتش
ضحك يعقوب ودار مغادرا إلى منزله، عليه الآن التحلي بالصبر لمقابلة والده وكلماته القاسية، ويتسم بالهدوء لاستقبال صياح والدته وإخوته، ربما عليه تقبل الآخرين لحين وجود من يتقبل نوبة غضبه القادمة…. عندما فشل في محاولة الشك اتجاه من وضع العلبة داخل غرفته، ترك الأمور تسير كما تشاء، فلن يجدي نفعا كل المحاولات البائسة، لا يوجد دليل ولا حتى شك بسيط اتجاه أحد، ود أن ينفصل عن تلك المشاكل بالذهاب لرؤيتها، فهو لا يعلم متى سيعود ويحظى ببعض الوقت مجدداً، ولكن ربما حظه أراد شيء آخر ليعكر صفوه بسبب حديث سالم،
؛***********
الساعة العاشرة ليلاً
أغلقت أخر حقيبة وهي تهتف بحماس :
أخيراً خلصت
اعتدل ربيع في الفراش متسائلاً بكدر :
أنا مش فاهم ايه لازمة ٣ شنط وأحنا مسافرين يومين
أخذت مي المنشفة وقبل أن تتجه إلى المرحاض ردت عليه بسعادة :
أول اجازة نسافرها مع بعض وعايزه استمتع بيها
: وافرضي العيال عرفوا، دول هيفضلوا يعيطوا للسنه الجايه عشان سافرت من غيرهم
صمتت لبرهة تفكر في رد مناسب ثم قالت متأففة:
هو حرام اتبسط شويه من غير تعب قلب
واسترسلت بملل :
وبعدين المرة الجايه ابقا خدهم وسافر لوحدك يا سيدى
لوي جانب شفتيه مغمغما بسخرية :
ليه هو أنا أقدر أغيب كل شويه عن العجول
: ياريتك ياخي بتهتم بيا ربع اهتمامك بالبهايم
ضحك على انفعالها وتمتم غامزا :
دا أنت أولهم يا عجل فريزي
ضربت الأرض بقدمها وهي تصيح بغيظ، ثم اتجهت إلى المرحاض وهي تهتف بحنق :
ياريتك ما دلعتني يا شيخ
جاء صوته الغليظ وهو يصيح بتهكم :
هو انتو الحريم كدا مش بيعجبكم العجب
؛******
عودة إلى منزل المعلم سالم
: تحب نعمل ايه علي الغدا بكرا
أشار إليها بأن تجلس بجانبه :
سيبك من الغدا دلوقتي
واسترسل متسائلاً وهو يتطلع إلى تعبيرها :
ايه اللي بينك وبين العمه مبروكه يا صباح ؟!
ضحكت صباح بخفة وأردفت بعفوية :
السؤال دا لازم اتسأله كل مره بعد ما بتزورها
واستطردت بهدوء :
يا خويا دي ست كبيرة وأنا مش باخد على كلامها
ابتسم إليها وغمغم ساخراً :
لكن أنا باخد بكلامها
: يا حاج دي مفكره اني كنت سبب في انك تهد السرايا وتبيعها بعد موت أبويا عثمان
أومأ إليها بهدوء وتحرك الى فراشه مرددا بجمود :
سبب مدخلش دماغي لكن هعديها
أغلقت المصابيح وهو تتمتم بفتور :
كنت عايزه اروح لاخويا بكرا
أشار إليها بالموافقة فخرجت إلى تدعي على تلك العجوز التي لا تزال تنشر سمها داخل رأسه، رغم ما مر من العمر!!!
؛********
أمسك نصل السكين الصغير الذي دفع للحصول عليه مبلغ ضخم، وضعه على رسغه بيد مرتعشة …. رأى حياته خلال الخمس وعشرون عاماً داخل ظلام السجن، رأى نفسه يأخذ آخر أنفاسه وهو يعتلي ذلك الفراش، أحلامه تحترق وهو يقف مكتوف اليدين، أمواله الضائعة كسراب أوهامه … حرك النصل بوحشية في كلتي يديه، وهو يريد أن يمحي تلك الأفكار من رأسه، جال بنظره بين أسرة السجناء بقرف، مشمئز من وجوده بينهم، ثم أغمض عينيه وهو يشعر بدوار حاد يعصف بجسده … لتمر تلك الليلة بانتهاء شر مرسوم على هيئة إنسان، لتنتهي أحلامه الجشعة مع نهاية حياته بواسطته، لم تتحمل نفسه المريضة بالطمع والجشع أن يتوب عن أفعاله، وصورت إليه أنه يستحق الموت بكبرياء، استطاع أن ينهي حياته ببسالة لأنه يدرك من وجود نسختين نشأوا علي يده ليكملوا مسيرة الثأر، واختفى الليل بانتهاء منصور عزب !!!
؛*******
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)