رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثامن عشر 18 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الثامن عشر
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الثامن عشر
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الثامنة عشر
لم أُدرك عواقب خطأي إلا بعد فوات الأوان، حينها فهمت أنني كنت اتوهم بأحبال الضياع، وأصبحت أمنيتي الوحيدة والمستحيلة أن أعود لذلك الوقت، وأردع نفسي عن خطأ ستكون نتائجه تلاحقني طيلة حياتي….
؛ ******
مكالمة كفلية بجعلها تفكر في كل ما هو سيء، بل تجمعت كل مخاوفها ووقفت أمامها، وكأنها تخبرها توقعي حدوث أي منا…. مرت عليها الساعات الليلية وهي تجلس جسد بلا روح، تنظر للفراغ أمامها منتظرة من سيحكم عليها بالموت، تلك الرجفة لا تفارق قلبها حتى أنها شعرت بسباق دقاته كطبول تعزف على ألحان الرعب…… عجزت عن اعتقاد شخصية ذلك المجهول، حتي أنها ظنت أن مصطفى لم يموت، وعاد كي يلعب معها في الخفاء، لكن ماذا يريد؟؟
زفرت بوهن وهي تشعر بثقل يكتم علي أنفاسها المضطربة، محاولة السيطرة على شخصها أمام ربيع كي لا يصيبه الشك اتجاهها حين استعمت الي حمحمته الخشنة، ثوان ورأته يدلف الي غرفتها كما توقعت، فاعتدلت في جلستها مصطنعة النهوض من نعاسها للتو…
: لما أنتِ صاحية مطلعتيش ليه تمشي العيال للمدرسة
ظهر الارتباك عليها وهي تجول بنظرها بعيدا عنه، ثم تمتمت بتلجلج :
راحت عليا نومه، هقوم امشيهم
اتجه الي الفراش مشيراً إليها بأن تجلس مجدداً، وردد بلامبالاة :
خلاص أنا مشيتهم
واسترسل يسألها بجمود :
أنتِ رجعتي تنامي لوحدك هنا؟؟
اجابته بفتور وهي تفرك في يدها :
لا، بس مكنتش عارفه أنام وخوفت اقلقك وجيت هنا
حرك رأسه بتفهم ونهض مردفا بحنو :
كملي نومك، ولما تفوقي الفطار في المطبخ، ولبن الولا ربيع علي البوتجاز
ضغط على جرحها بلطفه التي اعتدته مؤخراً، وانتظرت خروجه ثم سحبت الغطاء على رأسها، تكتم شهقاتها الحارقة كي لا يستمع إليها…. كادت أن تبدأ حياة جديدة تأقلمت عليها في مدة قصيرة، ليبدأ ناقوس الخطر يحوم حولها، لتعيش لحظات الهلع وكأنها أعوام….
؛ **********
في الجهة الثانية من منزل المعلم سالم
ألقت مفاجأتها مصفقه بحرارة، وهي ترمقهم بسعادة تتراقص على قسمات ملامحها ، فنظرت كوثر إليها تارة وهي ابنها الساكن تارة، ومن ثم سألتها بعدم تصديق :
عليا الحاجات دي مفيهاش هزار حبيبتي، وأنتِ بتهزري صح؟؟
رفعت عليا حاجبيها باستغراب وهي تهتف بجدية :
مامي أنا عارفه كويس أن مفيش تهريج في كلام زي دا
وأخيراً تحدث موسى مضيفاً باستهزاء :
والله فيكي الخير إنك عرفتينا بدري كدا عشان نلحق نجهز لبسنا
حاولت كوثر تهدأته قبل أن يثور، ونظرت بعتاب الي عليا قائلة بهدوء :
ودا كلام يخرج من بنت محمد الصفوان برده يا عليا
قاطعها موسى باستهجان وقد بدى الانفعال في طريقته :
هي سابت ايه لي تربية محمد الصفوان من أساسه
واستطرد بحده وهو ينقل نظره الي عليا :
لكن العيب مش عليكي، دي آخرة الدلع الزيادة
كاد أن يصاب بالجنون وهو يرى تعبيرها الغير مكترثة لحديثه، وكأنها قالت إليهم شيء عادي للتو، وأن طلبها للزواج من عمر أمر بسيط لا يستعدي أن تخبرهم…..
حركت عليا رأسها بعدم فهم وهي تسأله بدهشة :
إيه الاڨورة دي ياجماعه؟! مش المفروض تفرحوا برده!!
ضحك موسى بسخرية وغمغم بتهكم :
تصدقي ملناش حق
ثم استكمل بضيق وأمر صارم :
أنسى يا عليا كل الكلام الفاضي الانتِ قولتيه لأنه مش هيحصل
جالت بنظرها بينهما وهي تردد بعدم فهم :
أنا مش فاهمه في ايه، انتو زعلانين عشان هتجوز
وقفت كوثر تقترب منها وهي ترد عليها بحكمة لم تفهما عليا :
حبيبتي عمر مش مناسب ليكي، ولا ظروفه مناسبة، وبعدين مفكرتيش أنك أكبر منه، وغير كل دا أنتِ اللي طلبتي منه الجواز
رفعت عليا كتفيها ببراءة متمتمه باستماته :
عادي واحد أعجبت بيه ومش فارق معايا السن أساساً
رفعت كوثر تنظر الي موسي بخوف من هيئته الثائرة، فكست حمرة الغضب ملقتيه وهو يهدر بغضب :
ومن أمته وأنتِ بجحه اوي كدا
انكمش بين حاجبيي كوثر من أسلوبه الجاف، وكلماته الجارحة التي لن تسمح بها، فزجرته بحده :
موسي مينفعش تكلم أختك بالطريقة دي
وقف لثوان يفهم ما تريده والدته، بدلاً من ردعها علي تصرفاتها الهوجاء، تقف أمامه هو وكأنها تخبرها بأن تتمادى في أفعالها …
: يا أمي تساهلك معها وصلنا لأنها تيجي تقولنا أنها طلبت تتجوز من عيل، مش كفايا لبسها وخروجها
قاطعته كوثر بحده مشيرة إليه بأن يصمت :
تلبس وتعمل اللي هي عايزاه برحتها، ومتنساش أن أبوها الله يرحمه موصيني عليها ومش هسمحلك تزعلها وأنا عايشه
منذ أن دلفت عليا الي حياتهم مع والدها، لم يشعر بفرق علاقتهم سوي الآن، كان دائماً يرها أخته الصغرى المدللة، لم يعتقد أن تتعامل معه والدته بتلك الطريقة المؤسفة بينهما، وكأنه غريب عنها، لم يبدر منه الانفعال إلا خوفاً علي أخته، التي ابتسمت بانتصار علي كلمات كوثر، لتخبره بتأييدها الي حديثها ولا علاقة له بشأنها…
شعر موسي بالضيق الشديد وخرج من أمامهم دون أن يُعقب، مقرر العودة إلي القاهرة، وتركهن يفعلوا ما يحلو إليهن دون التدخل …. وعندما تخطي الباب الفاصل بين الجهتين، وجد مروه تقف أمامه لتسد طريقه قائلة ببسمة :
كويس إني لقيتك
عقد موسي حاجبيه بعدم فهم، فاستكملت مروه حديثها، وهي تشير الي أحدي أركان بهو منزلهم :
ممكن بس تساعدنا في تعليق الفرع دا، لأننا مش عارفين
من مقته لم يلفت انتباه وجود فتيات المنزل في البهو، وكل واحدة تمسك بزينة مختلفة وكأنهم يستعدون لاحتفال ما … أخذ الزينة من مروه متسائلاً باقتصار :
اعقله فين ؟!
أشارت إلي احدي الزوايا، فاتجه الي السلم الخشبي وأخذ المطرقة من أمام هند، ثم صعد تحت نظرات هند المتعجبة من تعبيره المقتضبة…. طرق بعنف يفرغ كل ضيقه، فتمتمت هند بسخرية :
دا أنت مغلول أوي
التفت إليها مردد بغيظ :
فوق ما تتخيلي
أخفضت رأسها وهي تردف بجدية :
لو عطلناك ممكن تمشي واحنا هنتصرف
أجابها وهو يكمل وضع الزينة :
ياريت كل العطله تكون عشانك يا هند
ألقت ما بيدها بضيق، فقد طفح الكيل من أسلوبه الغير مفهوم بالنسبة إليها، وغمغمت باضطراب بسبب عينيه المعلقة عليها :
هو أنت لازم تدايقني كل ما تشوفني
هبط بعد أن انتهي من الفرع الأول، ثم وقف أمامها يحدجها بثبات، جعلها تلتفت حولها بتوتر لعلها تجد من ينقذها من مأزقها، ولكن الجميع منشغل في إنهاء مهمته قبل أن يعود والدهن …. فاصطنعت الانشغال في تنظيم الطاولة لتهرب من عينيه، ولكن إصرار موسي في ارتباكها جعله يدور ليقف أمامه متسائلاً بخفوت :
هو أنا فعلاً بدايقك ؟!!
لا تعلم لِما انعقد لسانها الآن، وكأنها تتعلم الحديث مجدداً وهي تمتمتم بتعلثم :
ايوا، ومش عارفه ليه
لم يأخذ كثير من الوقت ورد عليها بسلاسة :
طيب ما تديني فرصة وأنتِ تعرفي ليه
رفعت ملقتها ترمقه بحده وهي تهتف بصرامة :
لا، ولازم تعرف أنه ولا هيكون دلوقتي ولا بعدين
واستكملت بحنق :
سواء كنت بتتسلى أو غيره، أنت متعرفش أنا مريت بأيه ولا جوايا ايه عشان تطلب فرصة بكل سهولة وكأني واحدة عادية
غرق في سحر ملقتيها البُنيه، ليرفع رايته البيضاء ويعلن وقوعه في حبها للمرة العاشرة … لم يدرك أنه يتأملها بهيام، إلا عندما ابتعدت بعينيها عنه خجلاً، فقال قبل أن ترحل من أمامه :
أنا عارف أنك تعبتي من المعافرة، وأنك نفسك تعيطي الفاضل من عمرك علي اللي شوفتيه ومريتي بيه، وأنك حزينه علي كل مره انكسر بخاطرك، وعلي كل فرحه معرفتيش تفرحي، ومش قادرة تصدقي الحب اللي راح هدر، وأنك تعبتي من الخوف والقلق والتفكير الزيادة، ونفسك تحسي بالأمان وتخفي الفترات دي من حياتك وتنسيها
لمعت العبرات في ملقتيها وهي تستمع الي كلماتها النازفة من جرح غائر في حنايا روحها، ولم تعتقد أنه قرأ دفتر يومياتها في تلك المدة القصيرة، تمتمت بتلجلج ممزوج بحزن عميق يضرب قلبها:
بما أنك قرأت دفتري كله يبقا فهمت أنا في ايه ومفيش داعي تضيع وقتك
اقترب خطوة وهو يهتف بنبرة عاشق ولهان :
اتقابلنا في وقت صعب، لكنك علقتيني بيكي بدون مجهود لا مني ولا منك
عادت خطوة للخلف مردده بصوت محشرج:
مسألة وقت وأول ما تمشي هتنسي كل دا
ودارت تدلف للداخل قبل أن تنهار كطفل صغير فقد والدته، لن تحتمل نظرة الشفقة في عينيه، متعاطف مع سوء حالها لا أكثر ….. فعاد موسي يعلق ما تبقي عندما رأي نظرات الاستغراب تعتلي وجه الفتيات، الا رحمه التي كانت تراقبهم منذ بداية الحديث، وارادت أن تتيح إليها الفرصة كي تتحدث مع موسي كي تتأكد من مشاعره اتجاهه هند، وحين إذا ستفتح طريق جديد إليهما….
؛********
في منزل عزيز
جلس شريف منتظر رد زوجته بملل، فمنذ ساعتين ينتظر منها أن تنتهض وتجهز حقائبهم كي يعدوا الي شقتهم بجانب عمله، لكن من الواضح أن اليوم لن يمر بهدوء أبداً …
: وبعدين يا مايسه هفضل قاعد جنبك طول اليوم اتحايل عليكي عشان تقومي
لم ترد عليه واكتفت بالنظر إليه ببرود، فصاح بنفاذ صبر :
لا بقولك ايه أنا جبت أخري
جاءت علي صوته حسنية وهي تهتف بمزاح :
دي عين وصابتكو
واستكملت بحنو :
اقعد بس يا شريف وهي هتقوم دي بتدلع عليك
تحدثت مايسه وكأنها مُصرة علي تدمير ما تبقي لها :
لا مش بدلع، انا مش عايزه أسافر هو عافيه
أشار شريف علي نفسه مغمغم باقتضاب :
يعني دي غلطتي اني نزلتك تحضري المناسبة مع أهلك
حركت رأسها بتأكيد وهي تضيف باستفزاز :
آه غلطتك
كان يجلس سليمان في الغرفة المجاورة منتظر نزول فايزة من شقتهم، للذهاب للطبيبة لشعور فايزة ببعض الألم… ولارتفاع صوتهم استمع للحديث من البداية، فخرج مردد بحنق وهي يرمق شريف :
يا عم أنا لو منك ارمي عليها اليمين واخليها عند أبوها طول العمر
شهقت حسنية بصدمة وهي تقول بعتاب :
اخص عليك يا سليمان بدل ما تقول كلمة عدله
أشار سليمان علي شريف ورد عليها بسخرية :
يا حاجه اللي زي شريف ليه الجنه علي العيشة دي
انتفضت مايسه بعنف، ثم تخصرت وهي تهدر بصوت مرتفع :
ومالها العيشة دي إن شاء الله يا سليمان بيه، ليكون الإقامة مش عجبه حضرتك
تمكن الغضب من شريف بسبب حركتها المستفزة أمام زوج أختها، وتماديها في قلة الأدب رغم وجوده… وحتي لا يتصرف دون وعي بسبب غضبه، أخذ معطفه وخرج من المنزل، متجاهل نداء عزيز الذي قابله مع أولاده أمام الباب …. فنظر عزيز الي أولاده مردد باقتضاب :
اقطع دارعي لو ما كانت وش الفقر عكننت علي الراجل
أنهي جملته عندما استمع إلي سليمان وهو يقول بجمود:
الاقامة اللي أنتِ بتتكلمي عليها دي أنا دافع فيها ومحدش ليه جمايل عليا
عقد عزيز جبينه متعجباً من كلمات سليمان، بينما فهم يعقوب أن الأمر لن يخرج من نطاق مايسه … لكن عبدالله أراد أن يفهم أكثر فسألهم باستغراب :
في ايه ؟؟!
أرادت حسنية أن تصلح الوضع ولكن أسرع سليمان في قص ما حدث بكل التفاصيل…. فصاح عزيز بحده :
لو أنتِ ملاحقه علي كله، هلاحقك أنا منين
واستطرد متحدث إلي يعقوب:
روح شوف شريف يا بني قبل ما يطلع من البلد
أمأ يعقوب إليه وتحرك وهي يرمق مايسه بريبه، متعجباً من قدرتها علي إفساد كل علاقات من حولها، وما جعله يشعر بالتوجس ماذا ستفعل مع حسناء ؟؟ ربما لم تفكر مايسه أنها بتلك الطريقة جعلت يعقوب يخرج عن نسق والده، ويفكر في حل يجعله في أمان بعيداً عن تلك المشاكل…. ليكون شرارة انقلاب منزل عزيز الجبراوي،
؛*********
في المشفى
جلس في الطرقة يحمل تلك الحقيبة بخشية، حتي وقته هذا لا يصدق ما يمتلكه بين يديه … كل ما دار في مخيلته أن هاديه تخبئ بعض الأوراق أو شئ مشابه، ولكن فاقت كل توقعاته، عندما ذهب إلي الطريق الموصوف في الورقة، والذي ادي الي منزل مهجور ليس بعيداً عن قرية آل عزب، وبالفعل وجد آلة تساعده علي الحفر في منتصف الغرفة…. وكما وصفت هادية بالتفصيل، عثر علي حقيبة جلدية سوداء، ثقيلة الوزن جدا … وبعفوية فتح الحقيبة بعجلة ليري ما تخفيه والدته،
سبائك من الذهب الخالص، وحزم من النقود بالعملات الأجنبية، لم يستطيع تخيل قيمتها… قبض علي الحقيبة بارتباك، منتظر خروج الممرضة من غرفة والدته، للسماح إليه بالدخول، لن يتمكن من الاحتفاظ بتلك الحقيبة مهما حدث، حتي أنه لا يعرف ما مصدر تلك النقود، ومن أين أتت بتلك السبائك الذهبية القيمة…
عندما خرجت الممرضة، وقف مستعد للدخول، فأوقفته الممرضة وهي تهتف بصرامة :
لو سمحت هي رافضة دخول اي حد ليها
احتدت نبرته وهو يقول بجمود :
لكن أنا ابنها، ومن حقي أطمن عليها
ردت عليه الممرضة بلامبالاة :
وهي قالت إنها مش عايزه تشوفك، وبتقولك ادفع حساب المستشفى
يتفهم عمر شعور هاديه بالعجز، وأنها لا تريد رؤية الشفقة بعد أن كان الجبروت يرافق اسمها، ولكن ليس لتلك الدرجة الساخطة…. نظر عمر الي الحقيبة وهو يسأل الممرضة بخفوت :
هي المستشفى بتقبل الدفع بالدولار
رمقته الممرضة من أسفل إلى أعلى بشك، وأشارت إليه بأن يذهب الي مكتب الحسابات للتأكد بنفسه ….. ومن لبخته لم يشعر بذلك المتربص خلفه، وما أن أبتعد قال باستهجان :
دولار مره واحده يا بن هاديه
واستطرد وهو ينظر إلي غرفة هاديه :
اظاهر هاخد نصيبك يا عباس ولا ايه
؛*********** بقلم حسناء محمد سويلم
دلف من البهو بوجه خالي من التعابير، وخلفه مرتضي الذي لم يختلف حاله عنه كثيراً … توقف فجأة ينظر إلي المكان محاولا رسم بسمة طفيفة، الزينة معلقة في كل مكان بشكل مبهج، وطاولة متوسطة تعتليها كيكة كبيرة تحمل صورته،
اقتربت خيريه من تمسك كفه قائلة بحماس:
قولنا نحتفل معاك ونغير مودك يا حجوج
ابتسم سالم إليها وضمها بحنو، ثم نظر إليهن مردفاً بعاطفة:
مقدر تعبكم، لكن متعوضة إن شاء الله
وتركهم ودلف إلي المنزل تحت نظراتهم المتعجبة، فاقتربت مها من مرتضي تسأله بقلق :
في ايه يا مرتضي؟؟ بابا ماله ؟!
أجابها بأسي :
الحاج عادل توفاه الله
شخصت أعينهم بخضة، فسألته أمل بصدمه :
أمته ؟؟ دا كان عندنا امبارح ؟!!
: بيقولوا تعب فجأة امبارح بليل، ونقلوه علي المستشفي لكن كان اتوفى
تجمعت العبرات في أعينهم متمين الدعاء للمتوفي، فاستأذن مرتضي بالذهاب هو الآخر لتبديل ثيابه قبل أن تخرج الجنازة …. فأسرعت أمل تبحث عن هاتفها كي تتحدث مع سفيان كي لا تتركه وحده في ذلك الوقت، بينما ظهرت الحيرة علي مروه، وأنها لا تستطيع أخذ قرار، فساعدتها هند وأخبرتها أن تتصل بطلال حتي وإن كانت علي خلاف معه، علي الأقل تقدر مشاعره في فقد عزيز عليه،
؛***
لم يكن اي عزيز عليه، ولا حتي وفاته أمر طبيعي، لكنه يعلم أنه السبب في وفاته، هو السبب في غضبه…. احتضن جثمانه بقوة وهو يكرر تلك الكلمات منذ أن خرج الطبيب واخبرهم بوفاته :
يقوم يا بابا ومش هعصي كلمتك، قوم وأنا والله هنفذ كل كلامك
بكي بحرقة وهو يحرك الجثمان بعدم تصديق، فحاول أعمامه أبعاده عن الفراش يحسونه علي الهدوء، ولكن لم يكن يستمع إلي أحد، ولا يري سواه …. زادت شهقاته وهو يصرخ بكل قوته غير مستوعب بما حدث، لا يصدق أنه سبب في انفعاله، وأنه فارق الحياة وهو غاضب منه،
في آخر الغرفة وقف سفيان بضعف، تارك العنان لعبراته أن تنهمر في صمت، لا يقدر علي إيقاف طلال، ولا يصدق هو الآخر رحيل والدهم….
؛**********
في مكان بعيداً عن القرية
منذ أن وصلا ليلة أمس الي الغردقة، وهو يمسك هاتفه ويلعب تلك اللعبة السخيفة، غير مهتم لقضاء عطلة لطيفة معها …. علي الرغم أنها أتت إليهم علي طبق من فضة…
جالت بنظرها في المقهى بملل، ثم نظرت إليه بضيق وقالت باقتضاب:
هو إحنا نزلين من الفندق عشان تمسك تلفونك
لم يكترث إليها وظل نظره مثبت علي شاشة هاتفه مردد ببرود:
اتعدلي يا نيره وخالي اليومين دول يعدوا
برطمت بحديث غير مفهوم دليلاً علي تذمرها، فرفع نظره مغمغم بصرامة :
برطمي كتير عشان ألغي اليومين وارجعك البلد
لفت انتباهه عبر الزجاج الشفاف خلفها سيارة سوداء تقف خارج المقهي، دقق نظره عبر الزجاج محدق في سائقها …. فوقف فجأة تارك نيره تثرثر، ودار للجهة الأخرى يتأكد من شكوكه، ظل ثوان يرمقه بعدم تصديق، ثم أخرج هاتفه يلتقط عدة صور للسيارة مردفاً بخبث :
هو دا جُحرك بقا يا ابن عزب
عاد للخلف يراقب تلك الفتاة الجميلة وهي تصعد بجانبه ومعها ثلاث أطفال، وبعدها تحركت السيارة، وبتلقائية ركض الي أحدي سيارات الأجرة يطلب منه اللحاق به، غافلاً عن وجود نيره معه بالداخل … كل ما يشغله أن يفلت ذلك الأرعن من يده، بعد أن وجده بصدفة غريبة،
علي الجهة الأخرى جلست الأخرى تبكي في سكون، ظنا منها أنه تركها ورحل…. فتطلعت حولها بخوف، لا تعرف حتي طريق العودة إلي الفندق، ولأنها تغلق عقلها أحيانا، نسيت هاتفها الموجود أمامها علي الطاولة، ومن الممكن أن تتصل به بكل سهولة وتعرف أين ذهب،
؛**********
وقف بجانبها يحاول أن يتعلم منها أي شيء كي يساعدها، وعندما فاض به ألقي الأرز وهو يهتف بتذمر :
ايه دا مالو محشي الكوسه أسهل وأخف من العك دا
التفت ندي إليه وهي تهمس بتهكم :
محشي ورق العنب بقا عك
واسترسلت بحذر :
وبعدين وطي صوتك أحسن أمك تسمعنا
قطب سالم جبينه باستفهام وسألها بسخرية :
يا بنتي لو حد مفهمك أننا متجوزين في السر عرفيني ؟!
فتحت ندي عينيها علي وسعهم مردده بفزع :
أنت عايز أمك تشوفك واقف معايا في المطبخ، وكمان بتساعدني
انكمشت ملامحه مغمغم بوجوم وهو يتجه الي الأطباق المتسخة كي يغسلهم :
ما هي أمي طلبتها غريبة برده، محشي وبط ومكرونه بشاميل ولا كأنها عقيقة ابن العمده
ضحكت ندي بخفوت، ثم اتجهت إليه تغسل يدها، فحاوطها بذراعيه مردد بعبث :
بس ايه الحلاوة دي
رمقته ممتعضده لتصرفاته الصبيانية:
أحترم سنك
“سني” رددها سالم باستنكار، ولحسن حظهم دلفت رحاب الي المطبخ بعد أن ابتعدت ندي عنه :
أنت بتعمل ايه هنا يا سالم
رسم شبه بسمة علي شفتيه مغمغما بمكر :
بطمن علي البطه
كتمت ندي ضحكاتها مصطنعة الانشغال في تقليب الأرز …. لوت رحاب شفتيها بخسريه وهي تضرب علي كتفه بحده :
واطمنت يا آخرة صبري
أشار إليها بهدوء، فاستكملت حديثها بحنق:
طيب ما تروح يا خويا تشوف شغلك بدل ما أنت قاعد كدا
ابتسم إليها بسماجة قائلاً:
لا أنا قاعد ومحمود لو احتاجني هروحله
ثم سأل زوجته باقتصار:
فين سبت الغسيل
احتدت نظرات ندي وهي تضغط علي فكها بغيظ، حرصت علي التأكيد من تصرفاته أمام والدته لتجنب المشاكل… ضيقت رحاب عينيها وهي تسأله بشك :
وأنت عايز سبت الغسيل ليه ؟؟
: أكيد مش هلعب بيه، هلم الغسيل
رفعت رحاب يدها وهي تهدر باستهجان :
ومتنساش تطبقه كمان يا سالم
رد عليها بسلاسة ربما كادت أن تصيبها بهبوط حاد :
مش بيعجب ندي وبتقول بكروت
ثم تحرك يهبط الي الطابق الأول، كي يخبر سمر بأن تصعد لتناول وجبة الغذاء بعد ربع ساعة…. وتترك محمود دون طعام، فليست ملزمة أن تخدمه في وجود زوجته، ومن المستحيل أن يطلب محمود من ميادة لأن شرطها كان واضح، بعدم اقترابه من باب الشقة التي تمكث فيها مهما حدث….. ومن المؤكد لن يتطفل علي سعد في أول أيام زواجه، ولن يسمح والدهم بأن تساعده سحر فقد طفح كيل الجميع منه،
؛*********
في منزل آخر داخل القرية
ذهبت تفتح الباب باقتضاب وهي تهتف بملل :
هو أنا هطير ما تصبر يا خويا
تسمرت محلها وهي تري ذلك الملثم الذي دفعها برفق ودلف إلي داخل المنزل بسرعة، وهو يضع يده علي فمها يمنع صراختها … ثم أزاح الشال من علي وجهه مردد بهمس :
اسكتي لو حد سمعك هيعرفوا أنا مين
تمتمت من تحت قبضته بعد أن علمت هويته، لم يكن من الصعب فهم سابها البذيء… ابتعد سيف عنها قائلا بتوسل :
بلاش تصرخي
صحيح أنها لم تصرخ، ولكنها انقضت عليه بألفاظ وقحة وعند انتهائها سألته بشراسة:
ايه يا عنيا مكتفتوش تولعوا في محلي جايين البيت
: ساعديني
قالها برجاء، ومن ثمّ استكمل بتوسل :
من أول امبارح في الشارع، مليش مكان اروحه ولا معايا فلوس
حدجته بشك وهتفت ببرود :
ودي لعبة جديدة من أفكار أخوك
بلع سيف لعابه بقلق وقال باضطراب :
عز طردني وهددني لو قربت منه هيقتلني
عم الهدوء ثوان، ولم يكسره سوى ضحكاتها الصاخبة وهي تردف بميوعة :
لو دا من وحي خيالك براڤو، ولو دا بجد حقيقي فرحانه من قلبي لروح قلبي
ودفعته بعنف للخارج مغمغمه بتشفي :
وعلي الله تخلصوا علي بعض ونرتاح من اشكالكم
لم يريد سيف أن يجادلها خوفاً من معرفة أحد وجوده ويخبر المعلم سالم، فوضع الشال علي وجهه واتجه خلف منزل ساره، الموجود بالقرب من الأراضي الزراعية، يختبئ حين حلول المساء ويطلب منها المساعدة مرة أخري… بقلم حسناء محمد سويلم
؛**********
إلي من كففه طمعه، وأصبح رهين لجشعة، تحول من إنسان يتحكم في مشاعره، الي لعبة خشبية تحركها المشاعر الشهوة كما تشاء، سيطر الحقد علي تفكيره، وأصبح غليله مشتعل بنيران هائجة، لم يستطيع السيطرة عليها واحرقته قبل أن تحرق من حوله …
: محدش من عيالك بيرد علي مكالماتي، ووصلني كلام أن عز بيحضر ورقه وهيسافر، يعني خلاص هما كدا استغنوا عن وجودك يا منصور
لم تتغير تعبيره الحادة، ورد عليه بجمود :
طلعني أنت
ضحك الآخر بسخرية وهمس بخفوت :
اطلعك ازاي، وليه أصلا
نظر منصور إلي العسكري الذي يقف علي بُعد منهم، وهمس بحذر :
أنت المحامي بتاعي ولو عرفت تهربني، هيكون ليك نص صندوق مليان سبائك دهب
شخصت ملقتي المحامي بذهول، ثم تمالك علي صدمته وهو يسأله بشك :
وايه يضمن أنك مش كذاب ؟؟ وفين الصندوق دا لما الحكومة حطت أيدها علي أرض الجناين باللي فيها ؟!!!
رد عليها باقتصار :
أخرج الأول وبعدين تعرف فين الصندوق
وقف المحامي يأخذ حقيبته مغمغم بوجوم :
هفكر وارد عليك
فاقترب العسكري يأخذ منصور يعيده الي زنزانته …
؛*******
وإلي ذاك اللئيم الذي بدأ في إرسال الصور الي مي، وهو يشعر بالتسلية من كم رسائلها التي تترجاه أن يكف عن إرسال تلك الصور، ولا يرسلها الي أحد وأنها ستنفذ ما يطلبه منها، ومستعدة لإرسال اي مبلغ نقود يطلبه ….
؛******
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)