روايات

رواية بكاء في ليلة عرس الفصل الثاني 2 بقلم إيمان كمال

رواية بكاء في ليلة عرس الفصل الثاني 2 بقلم إيمان كمال

رواية بكاء في ليلة عرس الجزء الثاني

رواية بكاء في ليلة عرس البارت الثاني

رواية بكاء في ليلة عرس الحلقة الثانية

فاقت “سكينة” من شرودها على صوت عتاب اخاها الذي يصغرها ببعض أعوام، لكنه كان يتسم بطباع مختلفه عن اختيه، فقد كان رهيف القلب، شديد التسامح، فحين زاد من عتابه ولومه، وقفت اخته وانهت حواره معه بقوة، وربتت على كتفها لتواسيها مما هي فيه، جففت دموعها، وحين شاهدت انهيار ابنتها قالت لها بنبره باكيه:

– حرام عليكي يا بتي ليه عتظلميني بس، اني كان كل حلمي استتك مع راجل عيصونك و يكون مقتدر، معاطي هو اللي كدب علينا في الأول، و ما دام الراجل عيكدب يبقى ملوش أمان يا بتي، دخل علينا بالحنجل و المنجل و صدقناه، لكن كله إلا الكدب.
حقك عليا يا ضنايا، و بكره عيجيلك اللي عيستهلك و احسن منيه الف مره.

كانت تسمعها “بسملة” و بداخلها تريد ان تصم حتى لا تسمع ما تقوله، فهي ارغمت بقوة على ترك حبيبها “معاطي” اول انسان دق على باب جدران قلبها وتربع بداخله، وضعت يداها على عيناها واغمضتهما حتى توأد هذا الوميض الذي راودها أمام عيونها و اصعب لحظات هاجمتها بكل قسوة تتهش ذاكرتها حين نزعت من اصبعها البنصر خاتم خطوبتها وحتم عليهما بالفراق المميت فـ شردت غصب عنها في هذا اليوم الصعيب…

فقد كان واقفًا “معاطي” مطأطأ الرأس لأسفل خجلا من معرفة حقيقته الكاذبه، فـ لم يستطع مواجهة والدة خطيبته، التي رمقته بغضب يكاد ان يطيح به لمفترق الطرق، فـ وجهت حديثها له بحزم:

– بجى انت يا معاطي عتفتكر إني عشان مَره قولت اضحك عليها وارسم على بتها أنك من الاعيان، وصاحب فدادين واطيان، قوم ربك كشف كدبتك فاكرك انها عتمشي عليا، لع فوق ياولد الطحاوي مش سكينة اللي عيل كيفك راح يلبسها الطاجيه ويغفلها، ده اني اشتريك انت واهلك كلاتهم.

كان يستمع كل اهانتها و لا يتفوه ثغره بحرف، كأنه خرس للتو، عيناه تلمع من الحزن لافتضاح أمره في وقت قصير، فـ هو لم تلحقه الأيام ان يمتع عيناه ويحيا فترة اطول مع صغيرته التي احبها منذ سنوات في صمت ولم يستطع البوح بعشقه خوفًا من رفضه لفقره الذي وصم به، فاق على سماع احب صوت لقلبه قائلة:

– جول حاچة يامعاطي، اونطق وكدب الحديت ده !! جول محوصلش واصل اللي بتقوله اماي !!
جول ان ابن النجعاوي بيتبلى عليك، وانك عفيف و عمرك ما عتكدب عليا واصل ؟! بلاش تسكت أكده كيف الصنم، حرام عليك انت معرفش سكوتك ده عيعمل فيا ايه ؟! أني روحي عتطلع من جتتي بالبطئ يا معاطي.

قالت حديثها و هي تبكي مقتربه منه وتضربه في صدره بقوة ليفيق من حالته ويبرئ نفسه؛ لكنه كان واقفًا كالصنم لا يتحرك، يحترق داخليًا على حالتها وحالته، وما وصلت بهم الأيام وتوهمه بأن بهذه الكذبه البيضاء سينولها، لكن لسوء حظه ان والدتها رفضت عقد القرآن برغم تصميمه في طلبه، ربما لو كانت مقترنه باسمه الآن لما تركها حتى لو دفع حياته ثمنا لاحتفاظه بها، فهي بالنسبه له الوطن الذي على اتم استعداد ان يفديه بروحه.
وقعت “بسملة” ارضًا فـ قدماها لم تسعفها ان تقف عليهما، و اكتفت بنظرات اللوم و العتاب له، بينما والدتها حاولت مساعدتها للنهوض مره اخرى مردده لها بنبره قويه:

– قومي يا بنيتي واجمدي أكده، مفيش راجل يتساهل البكا والنويح ده عاد، ده معيستهلش دمعه واحده عتنزل من عيونك عليه ، انسيه وارميه الكداب ده واكل ناسه، وشدي حيلك واقفي على رچليكِ وانشفي، انتي لساكي صغيرة وعودك طري، وياما راح عتشوفي من الدنيا، اخلعي دبلته وارميها يا بتي بطول دراعك، وارمي معاها كل همومك و احزانك.

رفعت عيناها الدامعه في عدم تصديق لما تقول، و تمسكت بتلك الحلقه التي تطوق بنصرها كأنه هو طوق نجاتها لاخر لحظه، وبحركه لا إراديه تشبثت به وعيونها متعلقه بعيناه الدامعه من اجلها، تترجاها بالا تفعلها، لكن امسكت والدتها بجمود يدها ونزعت بقوة هذا الخاتم ورمته في وجهه، شعرت “بسملة” حينها بأنها كادت ان تنزع عنها روحها بكل ما اوتت من قوة وتركتها للتو جسد بدون روح، وعند هذه اللحظه استفاق “معاطي” وقال وهو راكعا نحوها مردد:

– لع اياكِ تهمليني بالسهولة دي يا بسملة، هان عليكي كل اللي ما بينا ؟!

ردت بنحيب وصوتها مخنوق قائلة:

– مهنش عليا اني ياحبة القلب ولا كان عمره عيهون، لكن انت اللي هان عليك وعتحطنا في اصعب موقف، انت السبب يا معاطي مش أني.
– والله وحياة محبتك اللي اتزرعت في چلبي؛ كان غصب عني، مكنش جدامي طريقة عشان انولك غير أكده، سامحيني يا حبيبتي ومعتتخليش عني اني من غيرك عموت.

صرخت والدتها وامسكته من تلابيب جلبابه بقوة لتزيحه من امامها، فأستقام مترنحًا، وقالت بحده وعجرفه:

– بعد عنها ملكش صالح بيها تاني عاد، واللي عندنا اخدته، دبلتك والشبكه حداك، ياريت تورينا عرض اكتافك وتوقفل الباب وراك، وبلاها الحديث الماسخ ده ملهوش عازه دلوجيت كل واحد مناتكوا راح لحال طريقه.

ازاح يدها بقوة لا يعلم كيف جاءت له ورمقها بشرار وقال موجهه حديثه للتي لاحول لها ولا قوة :

– لع مش راح اسيب روحي اهنه وافارق، طريقنا لسه واحد يا بسملة، جولي لامك تهملنا لحالنا، نعيش سوا على قد الحال، اني مش عايز من الدنيا دي كلاتها غير انتي يا بت الناس.

عجبًا فقد انقلبت الأوضاع في ثانيه، وهي التي اصبحت صامته هذه المره لا تستطيع معارضة والدتها التي ربتها بعد طلاقها من والدها الذي لا تعلم عنه شيء منذ ان تزوج من سيدة اسكندرانيه وتركها وترك والدتها من اجلها، ومنذ ذلك الحين أصبحت هي والدتها و والدها وكل شيء، لذا كانت لابد والدتها ان تتسم بالشده والحزم، فهي امرأه ربت صغيرتها بمفردها ولابد ان تكون شديده لتقف امام الجميع ولا أحد يقترب منها ويظلمها وينهش فيها، فنحن في زمن الضعيف يدهس تحت الاقدام ولا يوجد له ديه ، لهذا كان الجواب هو سيول ادمعها فقط تبكي في صمت، و حين رآها “معاطي” هكذا انسحب دون حديث، لملم الباقي من كرامته التي تبعثرت و خرج وبداخله خذلان من الدنيا كلها، وليس منها فقط، أغلق الباب بكل قوته انتفضت على اثرها “بسملة” وعادت من شرودها لواقعها المرير تذكر اسم حبيبها بكل نبضة بداخل قلبها.

وفي اثناء عقد القران منذ قليل؛ كان “معاطي” واقفًا مذبوحًا في قلبه من سهام الهوى تطعن به بلا رحمه وهو يرى حبيبته خطفت من بين يده ويعقد قرانها لغيره، وهو مكبل الأيدي يفرفر مثل الذبيحه ولا يجد من يتم نحره وينهي لحظات حياته ربما يرتاح من هذا العذاب، سند بيده على هذا الجذع الكبير الذي طالما تجمعا هو وهي اسفله اثناء فترة خطوبتهما القصيرة، وكم شهد أسعد اللحظات بينهما، و لم يتخيل لحظه انه سيشهد ايضًا على كل أوجاعه مره أخرى، كأن الحال تبدل ومن بعد الفرح انقبلت عليه دنياه واذاقته من مرار الفراق كؤوس دفعه واحده دون ان تنظر بعين الرأفة و تسأل هل سيتحمل كل هذا العذاب ام لا ؟!
ظل هكذا ينعي حظه دون ان يشعر به أحد.

و بعد مرور وقت طويل، ما زال “شوقي” يسير في كل الطرقات يسأل عن صديقه و ابن عمه “معاطي” كل من يراه، و لا أحد استطاع اجابته بمكانه، ظل يجوب هنا و هناك، حتى تذكر المكان المفضل لقلبه، عند تلك الشجره العتيقة التي تبعد عن منزل حبيبته “بسملة” فكان يحدثه عنها كثيرا، و انه يجد روحه هناك، ركض مهرولا نحوه بفرحه ليزف له أجمل بشاره، وحين وجده يبكي وحيدًا مثل من توفى له غالي وعزيز على قلبه، قال بصوت فرح مهلل:

– انت قاعد اهنه تنعي حظك يا حزين، و اني بلف عليك كيف النحله بجالي اكتر من نص ساعة يا ولد الفرطوس أنت.

رفع رأسه و نظر له بحزن، ثم نكسها مره ثانية دون أي تعقيب، فـ أثار غضب “شوقي” فقال:

– بقى أكده معترضش عليا وسيبني اتحدد مع حالي كيف المكذوب، والله خساره فيك الخبر الزين اللي بلف عشان ابشرك بيه يا معاطي.

انتبه لحديثه و سأل بلهفه غريق يحتاج لقشه تنجده من غرقه و ترسيه لبر الأمان :

– جول طوالي خبر إيه الزين اللي عتتحدد عنه ده ؟!
– لع مقايلش متستهلش عاد.
– شوقي مش وقتوا تهزروا هزارك الماسخ ده دلوجيت، يا تجول خبر ايه، يا تفارجني لحزني في حالي.

نظر له بشفقه وجلس بجواره ارضًا ثم قال:

– خلاص هجول و افرحك لونك لسانك طويل ومتستهلش؛ حبيبة القلب بسملة.
قاطعه برعب حقيقي ولهفه :

– مالها لبه القلب والروح؟
– الفرح اتفشكل، واتطلقت بعد ما المأذون كتب الكتاب بهبابه.

قال حروفه دفعه واحده كـ رصاصات فرح خرجت للتو من فهوتها لترقص في الهواء فرحًا، فنشرح قلب “معاطي” و حدقه بصدمه اعتلت وجهه، برغم السعاده التي يشعر بها، ثم استوعب ما قاله، وامسكه من تلابيب جلبابه و قال:

– اية اللي عتقوله ده؟ كيف حوصل؟ انت باينك شارب بكل الجرشنات اللي حداك يا ولد عمي، اوزن حديتك زين امال، انا قلبي راح يقف من الفرحه.

ازاح يده و قال بابتسامة :

– بقى أكده يا معاطي، ماشي يا ولد عمي مقبولة منيك برضو، بس اني جولت اللي حوصل من هابه، و اول ما الخبر وصلني فرحت جوي وفضلت اسأل عنك طوب الأرض عشان افرحك.

حاول “معاطي” تنظيم انفاسه بهدوء فقد كان قلبه من وجفته يشعر انه سيقف للتو، احقًا صدقًا ما قاله ابن عمه ؟! هل يعقل ان حبيبة قلبه من الممكن ان تعود له من جديد، لقد تجدد الأمل وترعرع مره ثانيه بداخله، وعليه ان يحاول مع والدتها مئات المرات لكسب رضاها من جديد، وقف و عانق “شوقي” بحب و قبله لهذه البشرى ثم تركه وركض مهرولا نحو بيتها على أمل ان يشاهدها واقفه في شرفتها مثلما يفعل كل يوم؛ يمر اسفلها لعله يخطف نظره منها تبرد نيران شوقه ولهفته، من بعد ان كان له الحق في مشاهدتها كيفما شاء، أصبحت الآن محرمه عليه و بعيده بعد السماء عن الأرض.
انتظرها كثيرًا وحين طال انتظاره، امسك هاتفه يهاتفها لعله يبرد من نيران اشواقه بسماع صوتها، بينما “بسملة” مستلقية على فراشها حزينة على ماحدث، وإذا بها تسمع صديح هاتفها وتلمح مكتوب على شاشته “حبة القلب”.
امسكته بيد مرتعشه، رامقه لحروف اسمه، متردده هل ترد وتفتح على قلبها سيل من الآلام من جديد، ام انها تلبي نداء القلب وتغرق في محبته وتوصل احبال الهوى التي انقطعت بسبب الطمع وحب المال .

ياترى بسملة، هترد عليه وهتقدر تقف قصاد جبروت امها وترجع لمعاطي؟ ولا جبروتها هيكون اقوى من حبهم لبعض؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بكاء في ليلة عرس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى