روايات

رواية بأمر الحب الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم تميمة نبيل

رواية بأمر الحب الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم تميمة نبيل

رواية بأمر الحب البارت الثامن والعشرون

رواية بأمر الحب الجزء الثامن والعشرون

بأمر الحب
بأمر الحب

رواية بأمر الحب الحلقة الثامنة والعشرون

يذرع الممر الطويل جيئة و ذهابا و هو على حافة بركان، مضى على خروجها من غرفة الجراحة بضع دقائق و لم يخرج أحد من غرفتها حتى الآن…
انه يوشك على أن يقتل الجميع في سبيل الإطمئنان عليها
يالهي، متى أصبحت بمثل تلك الأهمية اليه، متى أصبحت روحه التي تسكن جسدا غير جسده…
هل حدث هذا بين يومٍ وليلة، أم حدث منذ سنواتٍ و سنوات…
خرج أخيرا الطبيب من غرفة حنين، فاندفع جاسر اليه بقوة دون أن يجرؤ على السؤال، فربت الطبيب على كتفه برفق وهو يقول (انها بخير الآن، التصادم كون لها تجمع دموي لكن تم التخلص منه، أما الجنين فللأسف لم نستطع انقاذه، لقد كان في أسابيعه الأولى و لم يصمد الحمل أمام تلك الردة القوية…
أنتما لازلتما شابين. فليعوضكما الله خيرا).
اهتزت حدقتا جاسر و نبض قلبه بأسى و قسوة، ثم قال أخيرا بصوتٍ متحشرج (هل يمكنني أن أراها؟)
اومأ الطبيب وهو يقول (نعم، لكن لدقائق فقط، انها مجهدة الآن، بالإضافة الى حالتها النفسية السيئة، لذا ستحتاج الى الدعم منك حاليا)
أومأ جاسر برأسه، سيعطيها حياته و ليس دعمه فقط…
أخذ نفسا عميقا وهو يدخل الغرفة لينظر بوجوم و قلب مثقل إلى طفلته الصغيرة التي ترقد في فراش المشفى…
ابتلع ريقه بصمت وهو يراها بعينيها المتسعتين حتى كادتا أن تبتلعا وجهها الصغير كله، شاحبة لدرجة مخيفة جدا…
يالهي، كم اختلف وجهها الآن عنه في الصباح حين كانت مشرقة و متوردة كوردة نضرة، هل اجتماعه بها له مثل ذلك الأثر القاتل عليها…
الن تكتفي من الكوارث التي يسببها لها، لو لم يأتِ لرؤيتها صباحا لما عبرت الطريق دون حرص هربا منه…
كان مشتاقا اليها، فقط كان مشتاقا اليها و يود رؤيتها…
اقترب منها ببطء وهو يخشى أن يخيفها أو يرعبها بمعنى أصح، نقل عينيه منها الى الممرضة التي كانت تتأكد من تثبيت ابرة المحلول في كفها الصغير، و الذي رقد بضعف على بطنها المصابة…
ابتسمت له الممرضة بعطف ثم أومأت له بخروجها كي تمنحه بعض الوقت مع زوجته…
بعد خروجها أقترب جاسر أكثر، يكاد أن يلامس الأرض البيضاء حتى وصل اليها، ينظر اليها دون أن تنظر اليه…
اهتزت عضلة في وجهه و هو يحاول احكام سيطرته على انفعالاته، ثم همس قبل أن يستطيع منع نفسه (حنين)
لم يبدو عليها أنها قد سمعته للحظات، ثم ببطء حولت عينيها المتسعتين اليه دون أن تتكلم، فانحنى اليها بلهفة يمرر كفه على رأسها برفق، يبتسم لعينيها المحدقتين به، ثم همس أكثر خفوتا (كيف حالك الآن؟)
لم ترد، طبعا و ماذا ينتظر ردا على سؤالٍ غبي كهذا، لكنها على الأقل لم تنفجر في وجهه، الحمد لله.
لكن هل هذا فألا طيبا أم العكس؟..
تنهد بتوتر قبل أن يبتسم لها بحنان ناقض خشونة وجهه وهو يمشط مقدمة شعرها بأصابعه هامسا (لا بأس، لا تخافي، المهم أنكِ بخير)
ظلت تنظر إلى عينيه قليلا قبل أن ترتجف شفتيها بعجز و تبدأ عينيها في البكاء و هزت رأسها نفيا بضعف وهي تهمس بصوتٍ لم يسمعه للوهلة الأولى (لا، لست بخير)
ثم أغمضت عينيها و اهتزت كتفيها في نحيب مضنٍ صامت، أفزعه على الرغم من نعومته…
لذا لم يتمالك نفسه وهو يستلق بجوارها، رافعا اياها قليلا بحرص ليضمها بين ذراعيه إلى صدره بقوةٍ، تأوهت قليلا الا أنه لم يبالِ وهو يشعر أن ضمها له الآن أهم من أي ألم جسدي تشعر به…
و ما أن سقط رأسها على صدره حتى انفجرت باكية بعنف كما لم تبكِ من قبل…
تعلقت بعنقه بضعف و هي تبكي و تبكي، بينما أخذ هو يضمها إلى صدره بأقصى ما يستطيع في حدود مراعاته لكدماتها، بينما أغمض عينيه بألم يسند ذقنه الى قمة رأسها…
غير مصدق بأنها تقبل بأن تشاركه ألمها في تلك اللحظة، و لولا قسوة فقده للجنين الذي طالما تمناه منها بهذه الطريقة المرعبة و على حين غفلة، لكان طار فرحا بلجوئها اليه و افضائها بدموعها اليه هو دون غيره…
أقسم في داخله انه لن يخذلها مجددا طالما في صدره نفس يتردد…
لكن الآن، كيف يواسيها؟، أنه ليس ضليعا في مثل تلك الأمور، لذا لم يجد سوى أن شدد من ضمها اليه و
اخذ يتخلل خصلات شعرها بأصابعه و هو يتمتم لها بهمسٍ مختنق في أذنها…
بمرور الدقائق كانت عاصفة البكاء قد هدأت قليلا، لتتحول الى تنهيداتٍ ناعمة بعد أن بللت قميصه تماما…
وهو يلامس بشرتها المبللة كذلك بنعومة لكي تهدأ تماما…
و أخيرا حين شعر بأنها على استعدادٍ لأن تسمع بضع كلمات، همس لها بخفوت (لا بأس حنينتي، انها ليست نهاية العالم، يمكننا انجاب عشرة أطفال، بل اثنا عشر، حسب قدرتك على التحمل)
لم يسمع منها ردا، فشجعه ذلك في حد ذاته لأن يتابع بهدوء (احد عشر ذكرا، و بنت، لتساعدكِ في شؤون البيت و يمكنك تربيتها كما تحبين، طالما أنها لن تخرج من باب البيت…
أما الذكور فأنا من سأتولى تربيتهم، سيخرجون الى العمل معي بجانب الدراسة، سأصنع منهم رجالا أشداء
أيعجبك ذلك؟
أنتِ فقط تعافي و أنا سأجعلك لا تلاحقين على كثرة الأطفال)
سمع حركة عند باب الغرفة. فنظر بطرف عينه ليجد عاصم واقفا مكفهر الوجه على وشكِ طرده من جوار حنين، لذا انتظر هجومه وهو يقسم لو أزعج حنين حاليا فلن يكفيه عمره لحظتها…
الا أن عاصم ظل ينظر اليه بغضب لكن يتخلل ادراك غامض، قبل أن يخرج من الغرفة دون كلمة واحدة…
عاد جاسر لينظر الى حنين التي كانت على وشكِ أن تغفو على صدره، فابتسم لها بمرارة وهو يقاوم الغصة المؤلمة في حلقه، قبل أنه يقول لها هامسا (هل تريدين النوم؟)
ظن أنه يكلم نفسه لمجرد أن يهدئها صوته، الا أنه صدم للمرة الثانية برؤية رأسها يتحرك و هي تومىء له موافقة بضعف و عينيها تكاد تنغلقان…
شعر في تلك اللحظة بتضخم في قلبه، و عرف بأنه لن ينسى تلك اللحظة أبدا، دون أن يعرف سببا لتميزها عن غيرها من ملايين اللحظات بينهما…
فابتسم أكثر قليلا دون أن يفارق الحزن عينيه وهو يهمس (حسنا، نامي، لن أتركك أبدا).
أغمضت حنين عينيها و كأنها كانت تنتظر أمره الهاديء لتستلم للهروب في سباتٍ عميق. لكن آخر ما سمعته قبل أن تغيب عن الوعي، هو صوته البعيد جدا وهو يقول (لقد كنت أريد هذا الطفل أكثر من أي شيء في هذه الدنيا، و لا يزال سيظل المفضل عندي أبدا)
ثم شعرت بملمس شفتين على كفها قبل أن يضيع العالم من حولها…
خرج جاسر من الغرفة رغما عنه لعدم ثقته في مشاعره وهو معها أكثر من ذلك، فوجد عاصم مستندا الى جدار الممر واضعا يديه في جيبي بنطاله مطرقا برأسه…
و ما أن شعر بخروج جاسر حتى رفع رأسه ليقول بخفوت (كيف هي الآن؟)
أخذ جاسر نفسا مرتجفا قبل أن يقول بثبات زائف (ستكون بخير)
أومأ عاصم برأسه. ثم قال بصرامة (كيف حدث ما حدث تحديدا؟).
استند جاسر بظهره إلى الجدار المقابل، ملقيا وزنه اليه بتعب وهو يحكي لعاصم ما حدث في ايجاز، الا أنه تعجب حين لم تظهر الدهشة على عاصم الذي بدا متجهما لكن، متفهما، على عكس ما توقع…
فقال جاسر بوجوم و كأنه يحدث نفسه (تبدو و كأنك تعلم حالة غياب الوعي التي أصابتها)
مضت فترة قبل أن يقول عاصم بجفاء، (انها عادة ما تغيب عن الوعي ما أن ترى حادثا أو تسمع صيحة أو صراخا، انها كذلك منذ).
توقف عاصم عن المتابعة، فسأل جاسر يحثه (منذ؟)
قال عاصم بصوتٍ خافت (منذ، حادثة أختك)
تثلجت عينا جاسر و الألم البعيد يعود اليه في لحظةٍ خاطفة، ليعود و يتوارى خلف الحاضر، حيث حنين…
لما لم يفكر من قبل بتأثير المنظر الذي رأته في طفولتها عليها، لأنه يحتاج أن يكون قد صنع من حجر كي ينسى ما أصاب أخته، و يفكر في تأثير ما حدث على أخرى…
منذ سنوات وهو يحاسب نفسه على ترككه لها و ما تبع زواجهما من كوارث و ما فعله بها…
لكنه أغلف تماما تلك الطفلة التي أطلت من فوق سور السطح لتنظر برعب إلى الأسفل حيث…
ابتلع ريقه بمرارة و هو يغمض عينيه محاولا تناسي الأمر من جديد، و كل ما يفكر به حاليا هو حنين و التي من الواضع أنها لم تتجاوز الأمر بعد كل تلك السنوات…
أفاق على صوت عاصم الذي يسأله بخشونة (لقد فقدت الجنين).
هل كان هذا سؤال أم اقرار واقع، أم أنه أكثر من ذلك.
شعر جاسر بحقيقة الموقف لأول مرة منذ أن سقطت حنين أمامه، لقد فقدت الرابط الوحيد بينهما و الذي من أجله كانت ستتنازل و تقبل بالعودة اليه…
فما الذي سيجبرها الآن على العودة!، أو يجبر عاصم على الموافقة من جديد!
هل عادا إلى نقطة الصفر من جديد؟، لا والله لن يحدث، لن يسمح بأن تكون الصلة بينهما متمثلة في جنين واحد لم تقدر له الحياة.
لذا رد بجملةٍ واحدة على عبارة عاصم رشوان بلهجةٍ قاطعة (ولكنها لم تفقدني أنا بعد)
في اليوم التالي دخل جاسر الى المشفى صباحا بعد أن تركها لمدة ساعة واحدة لا أكثر، لقد أمضى ليلته معها، دون أن يبالي باعتراض عاصم، أو حتى زوجة عمها الباكية و التي جائت تتعثر في خطواتها…
الا أنه أصر عليها في الليل أن تغادر مع عاصم لأنه الأولى في المبيت معها…
حينها تجهم عاصم و هتف بصلابة بأن هذا لا يجوز و أنه لا مكان له هنا حاليا نظرا للظروف، و تواجده مثير للشبهات…
الا أن جاسر كان حاسما وهو يرد بنبرةٍ قاطعة (بل إن عدم تواجدي هو الأكثر ضررا لها، فضلا عن أنها تحتاج لوجودي بجوارها، فهي تتعافى من اصابات نتج عنها حالة اجهاض، لذا وجود زوجها معها أمام أي أحد يعلم بوجودها هنا افضل من بقائها بمفردها، و أنا الآن آخر اهتمامي هو تفسير وقت زواجنا الغير معلن).
تذمر عاصم و هو ينظر اليه بغضبٍ بالغ. وهو يشعر مجددا بأنه مقيدا بذلك الأحمق الذي دمر حياة ابنة عمه ولا يزال يدمرها، الا أنه لم يجد بدا من الرضوخ و تركه معها، كزوجها…
و أصطحب أمه الباكية المنتحبة معه بصعوبة تكاد تكون آمرة…
و هكذا أمضى جاسر ليلته معها، جالسا على الكرسي الصغير المجاور لسريرها، لم تغفل عيناه عنها للحظة، …
يراقبها و كأنه يخشى إن نام لدقيقة واحدة فسيفتح عينيه ليجدها قد هربت منه…
لم يستطع ليلة أمس أن يمنع نفسه من النهوض اليها بين حينٍ و آخر، لينحني اليها مداعبا شعرها كي يتأكد من نومها، فينحني اكثر، ليشبع جوعه بقبلاتٍ كادت أن تمزقه من شوقه اليها، و مقدار سيطرته على نفسه كي لا يتجاوز حدوده فيوقظها، لتجده يقبلها بشوق ٍ فترتعب منه…
ليلةٍ كاملة وهو يغدو ما بين الكرسي و سريرها، يشبعها قبلاتٍ لا تشبعه، يبتسم بشوقٍ لشفتيها القريبتين من شفتيه…
لا تسلم وجنتيها و عنقها من غزو شفتيه كذلك…
لو ترك نفسه لهواها، لاندفع اليها مغرقا اياها في نوبةِ عشقٍ لا قرار لها، كيف تثير مشاعره الهمجية وهي في وضعٍ كهذا، ضعيفة، مصابة. ، عاجزة كل العجز…
تثيره قوتها و جنونها في محاربته، و يثيره ضعفها و غيابها عنه بنفس القدر…
تتأوه قليلا من فترةٍ لأخرى، فيعتبرها تناديه لينهض اليها بسرعة منحنيا إلى اذنها هامسا باسمها، لكنها تئن قليلا قبل أن تستسلم للسباتِ من جديد، فيحررها مبتسما دون أن ينسى قبلته بعد عناء المسافةِ من كرسيه لسريرها…
و حين أطل الصباح، بقى الى جوارها و هي لا تزال نائمة كطفلة مجهدة، يتطلع اليها في ضوء أشعة الشمس الخجولة، ثم اتخذ قراره بأن يسعدها قليلا، فانصرف بسرعة ليعود بأسرع ما يمكنه قبل أن تستيقظ فترتعب لوجودها وحيدة…
وها هو الآن يدخل من باب المشفى تلحقه أعين الممرضات بفرحٍ و سعادة و غيرة…
بينما كان يشعر بداخله بالإمتعاض من منظره المخزي الذي تهور به دون تفكير طويل…
دخل ممرات المشفى بحرج و استياء، فمن كان يتخيل أن يرى جاسر رشيد، يمسك في قبضة يده خيوط العشرات من البالونات الملونة المتطايرة في الهواء، و مربوطة معا بشريط أحمر كبير لامع، في منتصفه دمية دب بني ناعم الفراء، متمسك هو الآخر بالخيوط جيدا كي لا تطير لأعلى…
انه يبدو حاليا بمنتهى الغباء، كانت فكرة فاشلة لا تتفتق الا عن المساكين ذهنيا…
هذا كله نتيجة ليلة أمس العاطفية الحزينة والتي قضاها معها وهو يقبلها بحرية دون أن يمنعه أحد، ليستيقظ وهو مصاب بتلك النوبة الشاعرية الحمقاء و الرغبة في رؤية ابتسامتها…
لكنه إن كان متأملا في أن يرى ابتسامتها، فقد خاب أمله…
فما أن دخل غرفتها حتى فوجىء بها مستيقظةٍ ما بين الرقود و الجلوس، تتطلع الى النافذة بشرود، و ما أن رأته حتى تجهمت و ارتدت نفس نظرة الكره العتادة له.
تنهد جاسر باحباط، على الأقل قد عادت إلى طبيعتها و هذا مؤشر حسن لصحتها…
دخل جارا البالونات خلفه و التي ما أن رأتها حتى اتسعت عيناها بصدمة وهي تنظر بتوجس إلى ما ينتويه بتلك البالونات…
اقترب منها جاسر ليهمس بحبور (صباح الخير، كيف حالك اليوم؟)
أخذ نفسها يتعالى بكرهٍ وهي تنظر اليه شزرا ثم قالت تبصق الكلمات في وجهه (مالذي أتى بك إلى هنا؟، أملت أن أكون قد تخلصت منك للأبد).
تجمدت ملامحه و تسمر مكانه بلا أي تعبير، وهو يسمعها تلقي بأكبر مخاوفه حاليا عفويا و دون قصد…
الا أنه أخفى مشاعره بمهارةٍ وهو يتصنع المرح مقربا البالونات بجوار سريرها
فألقى الدمية الدب أرضا، لتستقر جالسة هناك ممسكة بالخيوط و تمنع البالونات من التطاير بالغاز الخفيف حتى سقف الغرفة…
نظرت حنين إلى البالونات بطرفِ عينيها ثم هتفت بجنون (ما تلك الأشياء السخيفة التي تحملها معك، أتظن نفسك مضحكا؟).
تظاهر جاسر بالدهشة وهو ينظر بخاطرٍ منكسر منها إلى البالونات، ثم اقترب ليجلس بجوارها على السرير دون استئذان، ليلف ذراعه خلف ظهرها، جاذبا اياها إلى صدره مفاجئا إياها، لكنها صرخت ما أن وجدت صوتها، (ابتعد عني)
الا أن حركتها أوجعت جروحها المتخلفة عن الإجهاض بالإضافة إلى بطنها المصابة بكدمة داخلية، فتأوهت مغمضة عينيها…
حينها شدها إلى صدره أكثر و برفق، مبعدا شعرها المتساقط على وجهها بأصابعه هامسا بجديةٍ في أذنها (توقفي عن إيذاء نفسك)
صرخت وهي تحاول التلوي بضعف بين ذراعيه (ما يؤذيني هو قربك مني، ابتعد عني، لا أطيق لمستك لي)
ابتلع ألمه بصعوبة، انها ناجحة تماما في رميه بكلماتها السامة و التي تصيبه في مقتل، لا بأس…
المهم أنها بخير، هذا كل ما يهم حاليا…
فشدها إلى صدره برفق وهو يلامس بيده الأخرى خيوط البالونات فتتلاعب برقةٍ حول بعضها…
ضم رأسها بكفه إلى كتفه بالقوة وهو يدعوها للنظر إلى البالونات، ثم قال متأملا وهو ينظر اليها كذلك (الا تعجبك؟)
هتفت حنين بغضب و هي تحاول أن تنزع رأسها الا أن كفه كانت تعوق حركتها اليائسة (انها مقرفة).
تظاهر جاسر بالجرح و هو ينظر اليها مقطبا، ثم عاد لينظر إلى البالونات بحزن ليقول (كنت أظن أنها ستعجبك، لكن طالما أنها تثير غضبك بهذا الشكل يمكننا التخلص منها ببساطة)
و قبل أن تسأله عما يقصده، كان قد أخرج مديته من جيب بنطاله، و دون انتظار فجر احدى البالونات بطرف سنها…
انتفضت حنين من تحت ذراعه من صوت انفجارها…
ثم انتفضتت مرة أخرى حين فجر واحدة ثانية، فصرخت بحنق (توقف عن ذلك).
الا أنه فجر واحدة أخرى، ثم اثنتين معا، حينها انهارت أعصاب حنين و هي تهتف بجنون (توقف، توقف، لا أحب ذلك الصوت)
توقف جاسر عما يفعل لينظر اليها مبتسما وهو يقول ببشاشة (اذن، هل تريدينها، ام أتخلص من الباقي؟)
قالت من بين أسنانها تتميز حنقا و غيظا (اتركها في أي زاوية، و ابتعد عني من فضلك، الا ترى أنني متعبة، الا يوجد في قلبك ذرة رحمة؟)
ادخل مديته في جيبه، ليمد يده و يرفع ذقنها لتنظر اليه…
مرت عدة لحظات و عيناه تسبحان في خضار عينيها الداكن السري، و رأسه ينخفض اليها ببطء، فتسمرت مكانها ترتعد و شفتاها ترتجفان بوضوح…
لكنه لم يقبلها، بل توقف على بعدِ شعرةٍ من شفتيها ليهمس بهدوء (حين أجلب لكِ شيئا مجددا، تشكريني بكل أدب ووداعة، لا أحب أن أرى أمتعاضك هذا كثيرا)
ثم كشر بفظاظةٍ مداعبا، لعينيها الخائفتين، فابتلعت ريقها بضعف…
ورفع كفها الضعيفة و المنغرزة ابرة المحلول بظاهرها، إلى شفتيه ليقبلها برقةٍ ليتبع تلك القبلة بعدة قبلاتٍ على كلِ اصبعٍ من أصابعها…
كم هو متفائل، وماذا يقصد؟، أنه سيجلب لها الكثير من الأشياء؟..
نعم، فهو يجلب لها الأذى و المرار، و رفع ضغط الدم، بالإضافة إلى القدرة الخارقة التي تنبعث بداخلها على كره انسان، وهو ما لم تعرفه مع احدٍ سواه…
ليلة أمس، ليست واضحة أمامها تماما، لكن بعض اللحظات الخاطفة تتراءى لها، كلما فتحت عينيها، تصطدم برؤيته جالسا يحدق بها من على كرسيه، لكنها لا تتذكر شيئا بعد تلك اللقطات، سوى بعض الأحلام، وهو ينحني اليها ليداعبها و…
عقدت حاجبيها بفزع و هي تنفض الفكرة من رأسها، لن يجرؤ على ذلك، مهما بلغت حقارته…
أن يتقرب منها و هي في غير وعيٍ منها، لكنها تقريبا تشعر بملمس، شفتينِ تغزوانِ شفتيها، مرارا…
نبض قلبها بعنف و هي تعلم بيقين أنها لن تتأكد يوما إن كان ذلك حقيقة، ام مجرد كابوس…
همست بقوةٍ وهي تحاول الهروب مما تفكر به، ومن وجوده بقربها، (متى سأخرج من هنا، أريد العودة إلى بيتي)
للحظاتٍ لم تسمع منه ردا، فتجرأت على النظر اليه، لتجده ينظر اليها بتعبيرٍ غامض غير مقروء، و حين تكلم أخيرا، قال بصوته العميق (و بيتك ينتظر عودة صاحبته بفارغ الصبر).
عضت على شفتها بقلق وهي تنظر اليه بغضب ثم قالت حين لم تستطع أن تمنع نفسها (أي بيتٍ تقصد؟)
قال دون أن تهتز عضلةٍ في وجهه الصلب (وهل لكِ سوى بيتٍ واحد؟، انه البيت الذي طالبتي بأن يكون ملكك)
هتفت حنين بخوف وهي تحاول التحرر من ذراعه الحديدية (أنت تتوهم إن ظننت بأنني سأخرج من هنا إلى بيتك).
الا أنه شدد عليها أكثر و ازدادت ملامحه قسوةٍ في لحظةٍ خاطفة. فارتعدت، لكنه لم يلبث أن أرخى ملامحه و ذراعه حول كتفيها قليلا و قال مصححا بهدوء (بيتك أنتِ، و لو كنتِ كريمة الأخلاق فستسمحين لي بتلقيبه، بيتنا).
تشنج جسدها لا اراديا. فاحنى رأسه ليقبل جبهتها برقةٍ وهو يهمس ملامسا بشرتها بشفتيه الدافئتين (لا بأس، لا داعى للتوتر حاليا، لم نسأل الطبيب بعد عن موعد خروجك، حينها سوف نقرر بهدوء متى ستعودين معي إلى بيتنا)
أغمضت عينيها بتشنج، و جسدها يتحول إلى لوحٍ جليدي بين ذراعيه، ثم همست بتوتر من بين أسنانها (أين عمتى؟، و اين عاصم، لماذا لم يبقى أحدا منهما معي).
ربت على وجنتها بنعومةٍ يهدئها ثم قال بخفوت (لقد أصريت عليهما أن يغادرا لأبقى أنا معكِ، حيث مكاني المنطقي)
تأففت حنين بقوةٍ و نفاذ صبر، بينما قلبها المرتجف لا يتناسب مع فظاظتها الظاهرية…
بينما تابع جاسر مغيرا الموضوع وهو يهمس بين خصلاتِ شعرها المتناثرة حول وجهها المحني هربا منه، (أتعلمين، لقد اضفت بعض التعديلات للبيت، ستأسرك ما أن ترينها، أتريدين معرفة بعضها؟).
لم ترد حنين، و لم ترفع راسها اليه، لكن تغير سرعة نفسها و خفقان قلبها تحت كفه مباشرة شجعه على أن يتابع بهدوء (لقد أضفت السمك الملون للنافورة في الحديقة الخلفية، و التي تطل عليها غرفتنا، ستستيقظين كل يومٍ لترينه أمامك، كما وضعت طائري كانريا صفراوي اللون في فقصٍ مزين بغرفتنا كذلك، لكنهما مزعجين للغاية لذا فقد قررت نقلهما للطابق السفلي، يمكنك اللعب معهما صباحا…
و صنعت أرجوحة لكِ، و يمكنك أن تسمحي للصغار بأن يتأرجحون بها إن أردتِ…
أما في الطابق العلوي، فقد جهزت غرفة أطفال كاملة، لم أجهزها بنفسي، بل أسندت الأمر لأحسن مصمم في البلد…
ما أن دخلتها حتى خاطبت ابني سرا و قلت له أصبحت لك غرفة، لم يحلم أباك بدخول مثلها يوما أيها الوغد الصغير).
رفعت رأسها اليه تنظر له بشراراتٍ حانقة، فابتسم لعينيها و تابع بهدوء فظ (اسمعي، أنا لست بارعا في أمور المواساة و تجنب الاحاديث المؤلمة و كل تلك الأمور العاطفية السخيفة…
لذا لن أمتنع عن وصف الغرفة لكِ لمجرد أنكِ قد فقدتِ الطفل
ستكون هذه الغرفة من نصيب طفل محظوظ جديد، ثم آخر، ثم آخر، ثم أخرى، إلى أن نقسم يوما أننا قد اكتفينا أطفالا).
تنهدت بغضب و همست بفحيح من بين أسنانها (الا تمتلك ذرة مشاعر انسانية، لقد فقدت طفلة للتو، و ها أنت تكلمني عن المزيد من الأطفال، منك أنت!)
عقد جاسر حاجبيه وهو يقول بحيرة (ممن اذن؟)
تأففت حنين و أدارت وجهها إلى النافذة و همست بمرارة (وفر كل ذلك العناء عن نفسك، لم يصبح هذا البيت بيتي بعد).
مد جاسر يده الى ذقنها ليعيد وجهها اليه قائلا بصوتٍ عميق ارسل رجفة في أوصالها (سيصبح خلال أيام، ما أن تستعيدين صحتك بالكامل، سأفي بوعدي، و أنتِ؟)
تجرأت على النظر اليه لتهمس بكره (أنا ماذا؟)
رد جاسر بلهجةٍ تحمل ألف معنى (هل ستفين بوعدك، و تعودين اليّ أمام العالم كله؟).
صمتت لفترة طويلة و هي تطالع عينيه المدققتين فيها بقسوة، و حين طال صمتها قال بهدوء حاسم (مكانك ليس معهم يا حنين، أيامك في بيت رشوان أصبحت أيام ضيافة منذ قترة طويلة، و أنتِ تزيدينها يوما بعد يوم، بينما بيتك ينتظرك مفتوح الأبواب لكِ)
ثم قال بهدوء ظللته بعض القسوة (و فقدانك الجنين لن يغير شيء من قبولك).
هل هذا تهديد؟، ارتعد جسدها الهش بين ذراعيه و اتسعت عينيها للحظة، فابتسم بمرح و تحولت نظراته لنظرات عميقة السواد كادت أن تبتلعها وقال بصوتٍ عاد إلى صفائه (اليس كذلك؟)
خرج نفس مرتجف خائف من بين شفتيها المرتجفتين ثم أغمضت عينيها يأسا وهي ترجع رأسها للخلف بتعب، لكنها لم تجد ظهر السرير، بل كانت كتفه في انتظارها، مما زاد يأسها…
تنظر إلى اسمه المضاء ليلا في ظلمة غرفتها، منذ اسبوع وهو يتجاهلها تماما، وكأنه علم بالأمر!..
من ذلك اليوم الذي اعادت فيه خاتم الخطبة إلى اصبعها ليلا، و خلعته صباحا…
حين اتجهت للعمل، لم تجد منه اي ترحيب. ولا حتى معاملة عادية كأي زميلة له، مما جعلها شعورها باهتمامه بها يتقوى أكثر و أكثر…
هل ما تفعله يعتبر دنيئا إلى تلك الدرجة التي تجعلها تشعر بالحقارة من نفسها و لا تطيق أن تنظر إلى صورتها في المرآة…
لكنها كلما أعادت التفكير في الأمر، أعادت لنفسها سؤال حور المنطقي…
لماذا تشعر بالحقارة؟، ومن تخون؟..
فليس بينها و بين عمر أي شيء لتخون به نائل، و أيضا ليس بينهما شيئ يجعل عودتها لنائل تعد خيانة لعمر…
انها لا تخون كليهما اطلاقا، و اخفاء امر خطبتها تعتبره فترة اختبار لنائل جزاءا لما فعله بها الى أن يثبت بأنه أهلا لها…
اليس كذلك؟
مدت اصابعها المرتجفة تريد أن تلقي عليه التحية و التي ضن عليها بها طوال اليوم، الا أنها كانت خائفة من أن يصدها، و هي لم تعد تحتمل المزيد من القسوة من أي انسان…
ارجعت يدها مرة ثانية، مستلقية على جانبها، تحدق في الشاشة المضيئة بقوة في الظلام…
تكلم، اكتب اي شيء، عاتبني، اصرخ بي أو افعل أي شيء…
لا تكن كلوح الخشب…
حين شعرت بأن أعصابها على وشكِ الانهيار، مدت يدها مجددا سريعا ثم كتبت قبل أن تتردد (مرحبا!)
انتظرت قليلا، طويلا، طويلا، وهي ترى كلمة (تمت رؤية الرسالة)

لكن لا اجابة…
يجب على موقع التواصل الاجتماعي أن يوفر تلك الجملة التابعة (تمت رؤية الرسالة. الا أن المرسل اليه لم يهتم و لم يعبرك بالرد).
انتظرت و انتظرت، لكن بلا أمل، حتى امتلأت عينيها بالدموع التي شوشت الرؤية أمامها تماما حتى اختلطت الحروف ببعضها…
ثم فجأة رأت الكلمة التي زادت من ضربات قلبها حد الألم وهي (جاري الكتابة)
استقامت جالسة تنتفض، انه يرد عليها، انتظرت، انتظرت…
ماذا يكتب كل ذلك؟، قصيدة أم معلقة؟، هل يعاتبها بمنتهى الشوق؟، أم هل سيترجاها مطولا و مستعرضا…
انتظرت، وهي تقضم أصابعها بخوف الى أن وصلتها رسالته أخيرا (مرحبا).
مرحبا!، هل هذا هو ما أبدع في كتابته عمرا بأكمله حتى أتلف أعصابها…
ردت عليه بأعصاب مستنزفة (كيف حالك؟، لم يعد يتسنى لنا الحديث طويلا في العمل)
اضطرت للانتظار مطولا، حتى رد عليها مجددا (لا أحب أن أشغلك عن عملك، و عن حياتك)
و عن حياتك، جاءت في سطرٍ منفرد و كأنه يريد أن يخبرها بقراره في الخروج من حياتها…
لم تستطع تحمل الألم وهي تكتب له برجفة حزن (لم تعد تسألني عن أحوالي، و عن حياتي، و عن، آخر ما آلت اليه أموري)
رد عليها (تركت لكِ الوقت لتقرري)
كتبت له بارتجاف (لكني، كنت أحتاج لرأيك)
فرد عليها بحروفٍ جليدية (انها حياتك، و أنتِ وحدك من تستطيعين مساعدة نفسك، لن يساعدك أحد، ولا حتى أيا من (فرصك العديدة)
الزواج ليس عبارة عن عملية انقاذ)
ابتسمت بحزن وعشق، حتى وهو يلفظها من حياته، ينصحها للمرة الأخيرة.
كتبت له بترجي (أرجوك، لا تتركني هكذا، حتى لو لم ترد أن تشاركني في قراري لكن على الأقل لا تحرمني من صداقتك)
انتظرت قليلا تكاد تلتهم الثواني التي تفصلها عن رده، الى أن وصلها أخيرا (أنا بجوارك دائما يا رنيم، ما أن تحتاجيني، ستجديني أمامك في لمح البصر)
ابتسمت و أفلتت منها ضحكة معذبة قصيرة، في نفس اللحظة التي افلتت منها دموعها و شهقة بكاء مختنقة…
ما أن دخلت الممر المؤدي إلى مكتبها صباحا حتى تسمرت مكانها و هي تجده واقفا عند الباب في انتظارها يتكىء على الجدار…
ارتجفت و نبض قلبها بعنف ما أن رأته ينظر اليها مبتسما بحنانٍ خشن، لم تكد تمر بضع ساعات على محادثتهما سويا…
عادت لسيرها متعثرة و هي تشعر بأن عرجها أصبح شديد الوضوح أمام عينيه المحدقتين بها…
تطوفان بها من أولها لآخرها، و تشعرانها بأنها أميرة تتهادى، دون أن يشعرها بأنه ينهش من جسدها، احساس غريب و كأنه يرى روحها تتهادى…
و عيناه تبتسمان أكثر مع كلِ خطوةٍ تخطوها تجاهه…
بينما احمر وجهها أكثر و أكثر حتى بدت مثيرة للشفقة، و كي تكمل صورتها الحمقاء كل زوايا الغباء، ما أن وصلت اليه و ابتسم لها مرحبا ابتسامته الأخاذة حتى اختارت تلك اللحظة لتتعثر ساقها السليمة في ساقها العرجاء فانكبت عليه وهي تعلم في جزءٍ من اللحظة أنها ستقع على الأرض لا محالة…
لكنها وجدته في لمح يندفع ليمسك بها من تحت ذراعيها كالأطفال، الا أنها كانت قد انزلقت بفعل كعبي ساقيها العاليين وهما يخدشان الأرض المصقولة بجنون و هي تحارب للتوازن دون جدوى…
بينما كان عمر منحنيا وهو تقريبا يحملها من تحت ذراعيها ضاحكا بمرحٍ بم تره على ملامحه من قبل، مما أثار جنون غضبها وهي تصرخ (توقف عن الضحك و دعني أستقيم).
قال عمر بصعوبةٍ من بين ضحكه العالي حتى دمعت عيناه (ربما إن توقفتِ عن المحاربة و التزلج على الأرض بهاذين السنّين الرفيعين كإبرتين، ستستطيعين النهوض حينها)
زفرت رنيم بنفاذ صبر و تشبثت بذراعيه وهو لا يزال ممسكا بها الأطفال، و نجحت أخيرا في تثبيت كعبي حذائها كمخالب القطة على الأسطح الناعمة في أفلام الكارتون، ليحملها عمر في حركة واحدة بكفيه حتى استقامت واقفة تلهث أخيرا…
كان عمر لا يزال يضحك و قد فقد القدرة على التوقف، حتى ضربته رنيم على ذراعه بقسوة وهي تهتف بغضب (توقف، هذا ليس مضحكا، أنت تسخر من اصابتي)
ازال عمر يديه على مضضٍ لم تلحظه و اللتين انزلقتا إلى خصرها ما أن وقفت، فأخذت تعدل من سترتها بنفاذ صبر و هي تزفر غضبا، ثم دون كلام تجاوزته لتدخل إلى مكتبها متجهمة محمرة الوجه…
الا أنه لحقها بسرعةٍ وهو يقول ببساطة (أنتِ يا آنسة، ماذا فعلت لتتركيني هكذا؟، هل هذا جزائي لإنقاذك من الوقوع على وجهك، من يرك الآن لا يسمعك بالأمس و أنتِ تترجينني قائلة
أرجوك يا عمر لا تتركني، أرجوك يا عمر لا تتخلى عني)
قال الجملتين الأخيرتين وهو يقلد صوتها الأنثوي بدلالٍ و طفولية…
فنظرت اليه مذهولة وقد تحول احمرار وجهها إلى احمرار غضب و جنون و هي تهتف (أنا لم أقل ذلك، و أنا لا أتكلم بتلك الطريقة السخيفة، نحن لم نتكلم أصلا بالأمس، لقد كنا نتحدث كتابة، فكيف سمعت صوتي و أنا أتكلم بتلك الطريقة الحمقاء)
عاد عمر للضحك عاليا وهو يراها توشك على فقد أعصابها من استفزازه لها و الذي نجح بمنتهى البساطة…
تأففت رنيم مجددا و هي تتركه لتلقي بأغراضها على سطح المكتب…
وهمت بأن تجلس و تتجاهله، الا أنه أمسك بذراعها ما أن مرت بجواره، ليديرها اليه برفق و قد خفت ضحكه الا أن الابتسامة لم تهرب من عينيه و من على شفتيه وهو ينظر في عمق عينيها المذهولتين المرفوعتين اليه
ظل ينظر اليها قليلا قبل أن يهمس بحنان (أنتِ تعلمين طبعا أنني من المستحيل أن أسخر من اصابتك، اليس كذلك؟)
أومأت رنيم برأسها دون وعي و كأنها منومة مغنطيسيا بفعل قربه منها و امساكه بها قبل أن تهمس بطاعة (نعم).
أومأ عمر برأسه هو الآخر مبتسما ثم قال بخفوت (جيد)
ثم سكت قليلا قبل أن يقول بلهجةٍ لم تسمعها منه قبلا (لأنني على العكس تماما، اراكِ مميزة بطريقة تثير الاعجاب)
همست رنيم وهي لا تزال خارج نطاق المنطق (توقف عن ذلك)
مد يده ليبعد خصلة شارده متطايرة من شعرها، دون أن يلمسها حقا، لكن الخصلة الناعمة تطايرت للخلف من بين اصبعيه لترتاح مع باقي شعرها…
ثم همس بهدوء واثق (لما أتوقف؟، أنا معجبا بكِ، الا تعلمين ذلك؟)
همست رنيم دون فهم، لكن بصراخ قلبٍ عاجز (لا)
تابع عمر مبتسما (اذن يجب أن تعلمي بأنني معجبا بكل ما يحيط بكِ، مشيتك التي تكاد تلامس الأرض و تمايلك الذي لا تملكين القدرة على ايقافه و أنتِ بكل حماقة تظنينه عيبا…
و)
كادت أن تستغيث باكية متضرعة حين توقف فجأة وهي تقول بلهفة لم تستطع اخفاؤها (و، ماذا؟، لماذا توقفت؟).
اتسعت ابتسامة عمر وهو يقول ببشاشة (الم تطلبي مني أن أتوقف، اذن يجب أن أمتثل لطلباتك، يكفيكِ اليوم هذا القدر من المعلومات، لا تكوني طماعة)
ثم تركها ليخرج الا أنها نادته بعذاب (عمر)
وحين التفت اليها، همست بتضرع (ماذا تقصد؟، أنا لا أفهمك)
شملت ابتسامته كل ذرةٍ من ملامحه وهو يقول بخفوت متنهد (سأعمل منذ اليوم على إفهامك ما أقصد، و ما أريد).
ثم انصرف خارجا، تاركا إياها تلهث من عنف مشاعرها، من ذعرٍ و ذهول، و عدم تصديق، أو ذعرا من التصديق، لا يمكن أن تكون تتوهم الآن، مستحيل…
جرت على ملاذها دون تفكير، لترتمي على كرسيها، ملتقطة هاتفها تبحث بعشوائية عن اسم، حوور…
بعد مرور عدة أيام قليلة من بقائها في المشفى، بناءا على رغبة زوجها و اصراره، على الرغم من أنها كان من الممكن أن تخرج قبل هذا الموعد بيومين…
الا أنه حين أصر حازما صارما، لم يستطع أحد منعه، حتى عاصم رشوان، الذي فضل القبول بغضبٍ موقود على أن يستلم لعندٍ لا مبرر له حاليا وقد يكون في غير مصلحة حنين…
بينما لم يعلم أحد أن السبب الحقيقي في اصرار الزوج بشراسةٍ على بقائها يومين آخرين، هو استمتاعه بتلك الساعات التي يسرقها من الزمن ببقائه معها و مراقبتها ليلا و هي نائمة…
علي الرغم من استعادتها لرفضها و نفورها منه، الا أنها لم تكن لتفتعل فضيحة في المشفى، خاصة و قد أعلن للجميع، حتى عاملات النظافة، أنها زوجته، و كأنهم كانوا يحتاجون الى تأكيده من الأساس!
كانت تراقب مرحه و انبساطته وهي تتميز غيظا و قهرا، لا أحد يشعر بها، لا أحد يدرك ما تعانيه…
لقد فقدت طفلة للتو، وها هو يتعامل بكل أريحية مع الجميع دون أن يحمل للدنيا ذرة هم…
لكن بعد أن مر اليومان كحلمٍ سريع بالنسبة له، و ككابوس مريع بالنسبةِ لها، لم يستطع أن يمنع خروجها.
وكم تغير مرحه و انطفأ شعاع عينيه، و عاد ليرتدي القناع الحجري من جديد…
كانت حنين جالسة على حافة فراشها ظهرا، و هي تنتظر أن يأتي عاصم أو مالك، مع زوجة عمها لإصطحابها، لكن مرت ساعة قبل أن أن يحضر أيا منهم…
كان الوقت يمر ببطء فظيع و هي جالسة بوجوم مطرقة برأسها، تتدلى ضفيرتها الطويلة على أحد كتفيها، تلك الضفيرة التي عرضت عليها الممرضة الطيبة المتوسطة العمر أن تضفرها لها ما أن رأت حنين تجاهد مع شعرها الطويل حتى تعبت ذراعاها المنهكتان المصابتان بالكدمات…
و ما أن انتهت حتى ساعدتها على ارتداء ثوبها البسيط الذي جلبته لها زوجة عمها من يومين…
و كم بدت شديدة الهشاشة و الضعف، و هي محنية الرأس كزهرةٍ ذابلة، و هي جالسة على الحافة بجوار حقيبتها الصغيرة المحتوية على بعض أغراضها…
هذا هو ما فكر به و هو يتأملها خلسة قبل أن تنتبه لوجوده، كان يشعر و كأنه سيقتلع جزءا من روحه وهو يرجعها الآن لبيت عمها من جديد…
كم كانت الليالي الماضية غالية على قلبه، اعتاد أن يراقبها أثناء نومها و يسمع تنهداتها و أنينها…
طبعا هذا بعد أن يعود للغرفة، بعد نومها، و بعد طردها له من الغرفة كل ليلة، فلا يعود الا بعد أن يطمئن لأنها قد راحت في سباتٍ عميق، حينها يأتي وقته الخاص معها، وهو يجلس على كرسيه المجاور لها، مسندا ظهره، مكتفا ذراعيه، مادا ساقيه…
يراقبها بشبه باتسامة حزينة، بعد أن يكون قد تحرر من قيود المرح الزائف الذي يفرضه على نفسه طوال اليوم كي يرفه عنها دون جدوى…
تماما كما يراقبها الآن، لكن الفارق انها مستيقظة، ذابلة، هشة و قابلة للعطب، هذا إن كان فيها شيئا ما لا يزال سليما قابلا للعطب حتى الآن…
كم تبدو وحيدة و حزينة، و كم يرغب لو أخفاها بين ضلوعه لعله يمتص ألمها ليأخذه هو بدلا منها…
اعتدل في فوقفته، ليقرر أن يدخل اليها بعد أن أشفق عليها تماما من طول انتظارها وحيدة…
رفعت حنين رأسها اليه ما أن أحست بخطواته الى الغرفة…
حينها راقب انطباعاتها، من دهشة، لتقطيب، لغضب، و حتى الانكسار المعهود اليه الذي يراه في عينيها كلما نظرت اليه…
ابتلع بؤسه وهو يرسم قناع المرح الأحمق قائلا بثقة (هل تأخرت عليكِ؟)
قالت مباشرة بلهجةٍ جافة، مخدوشة (اين عاصم و عمتي؟، لماذا لم يحضرا لإصطحابي؟).
اتسعت ابتسامة جاسر، الا أنه هز كتفيه بلا مبالاة. وهو يقول ببساطة (لقد كان عاصم منشغلا، لذا رحب بأن أقلك أنا، بينما زوجة عمك فضلت أن تنتظرك بالبيت، خاصة أن عاصم لن يأتي و هي لا تطيقني، لتوافق بأن أحضرها معي الى هنا)
اقترب حاجبي حنين قليلا دون أن ينعقدا، بينما مالت عيناها بشرودٍ مرير و ارتجفت شفتاها قليلا و هي لا تجد القدرة على الرد، بينما الإحراج بدا و كأنه سيلتهمها و الحزن يسانده…
حينها لم يطاوعه قلبه وهو يندفع اليها ليجثو أمامها ممسكا بركبتيها قائلا بابتسامة حنونة (حسنا، أنتِ طيبة و تقعين في الفخ بسهولة، ليست تلك حقيقة الأمور، في الواقع لقد نشب بيني و بين عاصم شجارا مجددا حول من سيصطحبك للبيت، و كان هو مصرا بأنه لا يريد رؤيتي مجددا، فأخبرته بأن يأخذ رغبته تلك ليبللها و يشربها، و سأعفيك من باقي الألفاظ، لذا اضطر في النهاية للتسليم بأن زوجك هو من يجب أن يحضرك من المشفى، ثم اخذ على عاتقه مهمة اقناع أمه).
عقدت حنين حاجبيها و ضيقت عينيها بكرهٍ عاد لينبعث في عينيها بكل قوة ثم مدت كلتا يديها كي تدفعه لعله يسقط أرضا الا أنه بدا كسورٍ حجري ضاحك بخفوت، فهتفت بمرارة (اولا، أنت، أنت، أنت)
ابتسم جاسر بعطف و شفقة قبل أن يساعدها وهو يجذبها من ضفيرتها قليلا (ما رأيك بأن تدخلي على ثانيا، قبل أن تسبب أولا، اختناقك).
عادت لتدفعه بجنون (ثانيا اسمها والدته، و ليست أمه، إنها زوجة عمي و هي بمثابة أمي، لذا يجب عليك أن تحترمها و لا تقلل من شأنها من الآن فصاعدا)
لم يضحك بحماقة كما تعودت منه، و حين طال صمت مريب نظرت الى عينيه لتجده صامتا محدقا بها بجدية بينما عيناه تبرقان بسعادة غريبة، و يده تتحرك ببطء على نعومة الضفيرة.
الى أن قال أخيرا مبددا الصمت، (تريديني أن أحسن معاملتي لأمك من الآن فصاعدا، هل هذا معناه أنكِ قررتِ متابعة مشروع زواجنا برغبتك رغم ما حدث؟)
لم ترد حنين لفترة طويلة وهي تنظر اليه بقسوة، ثم قالت أخيرا متهكمة بسخرية مريرة (قررت، متابعة مشروع زواجنا؟)
ثم تابعت بأشد قسوة (وهل تركت لي أي مجال لاتخاذ أي قرار بإرادتي؟، أم أنك نسيت بأنك قد تكرمت و تابعت بنفسك مشروع زواجنا قولا و فعلا).
تجمدت عيناه و تسمر مكانه، و شعرت بيده تشتد على ضفيرتها قليلا حتى خافت أن يقتلعها، ثم قال بلا تعبير بعد صمت طويل (أنتِ لا تنوين ترك الأمر اليس كذلك؟، تنتهزين كل فرصة لطعني به منتهى السادية، حتى بدأت أشعر بأنني اختطفت فتاة و اغتصبتها)
رفعت عينيها الى عينيه، لتنظر اليه بعدم استيعاب، ثم همست بقسوةٍ مريرة (وهذا ما فعلته، فلا توهم نفسك بغير ذلك).
مد يديه ليمسك بذراعيها بقوةٍ وهو يهزها قليلا، قائلا بنفس القسوة (أنتِ زوجتي، زوجتي، آن الأوان لتضعي تلك الكلمة بقلبك و تغلقي عليها الأبواب كي تقتنعي بها، قد أكون أخطأت بحقك، الا أنني لم أرتكب جريمة لأني استعدتك، الجريمة لم تكن مني يا حنين، لقد سامحتِ الجميع و رفضتِ أن تسامحينني، فأي عدلٍ هذا؟).
نظرت اليه بعدم تصديق و هي تهز رأسها قليلا، ثم أغمضت عينيها أخيرا و همست بعد فترة طويلة بتعب (أريد أن أعود إلى بيتي، أرجوك).
لم يجادلها وهو يرفع يده ليبعد بضع خصلاتٍ متناثرة على جانب وجهها المحني بانهزام، ثم همس اخيرا (مضطرا أنا لإعادتك لبيت عمك مؤقتا حتى تتعافين تماما، لكن لو أحببتِ، فقد اطلبي و أنا آخذك إلى بيتك، بعيدا عن الجميع، انه أنا حنين، أنه أنا من تشبثتِ بعنقي و نمتِ على صدري حين فقدت طفلتنا).
وضع يده على بطنها و كأنه يخفف من ألمها، الا أن شهقة بكاء صغيرة أفلتت من بين شفتيها، و انسابت الدموع من تحت جفنيها المطبقين…
حينها احاط وجهها بكفيه ليجذبه لأسفل حتى وصل إلى وجهه، فقبل شفتيها المرتجفتين بكاءا بعمقٍ أذاب بها شيئا ما لم تستطع تحديده، الا أن رجفتها المعتادة كانت أقوى و هي تئن هامسة ببكاء (ارجوك ابتعد عني).
فجذب ذراعيها اليه ليضمها كلها إلى صدره رغم ممانعتها الضعيفة وأخذ يهمس فوق صدغها وهو يدلك ظهرها بقوة (لا بأس، لا بأس، لن يظل الألم طويلا، و سترين ذلك)
كم يوم مر منذ آخر مرة رآها فيها؟، منذ أن…
تأوه مالك بداخله مجددا وهو يتجول في الحي خارجا الى الطريق العام، صباحا ككل يوم عله يراها…
حتى تلك اللحظة لا يزال يسأل نفسه، ما الذي دهاه ليتصرف بذلك الشكل الحيواني، و معها هي بالذات…
شتم نفسه سرا للمرة ال، لقد فقد حتى عد المرات التي شتم نفسه بها.
انه لم يجرؤ حتى على الذهاب لأحلام و مواجهتها هناك، كان ينتظر على سطحه ربما يراها على سطح نوار دون جدوى…
كان يتباطأ كل يوم وهو يسير صباحا خارجا للطريق العام عله يراها لكن أيضا دون جدوى…
و كأنها اختفت تماما…
لم تمر ليلة الا وهو مستلقيا على فراشه يحدق بالسقف المظلم، يسترجع تلك اللحظات الدنيئة في حياته، بكافة تفاصيلها، و التي لم تتعدى بضع لحظات…
بدلا من أن يحاول نسيانها، كان شيئا ما يجعله يسترجعها مجددا ليلة بعد ليلة، و أكثر ما يقتله…
أنه كان مستمتعا بتلك اللحظات!، لذا لا يجد القدرة على نسيانها…
هذا ما كان واضحا وضوح الشمس بجانب الشعور بالذنب الذي ينهشه نهشا…
يستعيد تلك اللحظات المعدودة التي لامس فيها نعومة بشرتها…
حين ضاقت عيناه و كادتا أن تنطبقا، الا أنه لمح زرقة عينيها و هي تزداد تشبعا في زرقتها، مع مشاعرها التي ارتجفت حين لامسها…
لقد شعر بجسدها الغض كله ينتفض قريبا منه، و ليس من الخوف…
يالهي، شاب تعدى الثلاثين و يقف عاجزا محللا للمشاعر التي انتابته حي لامس فتاة!، ربما للمرة الأولى في حياته…
بمشاعر رجل، و ليس كما كان يحمل نوار سابقا، حتى حين كبرت قليلا و امتنع عن تلك التصرفات، كان ذلك لمجرد أن يدللها و يشعرها بأنها قد نضجت قليلا…
الا أن مشاعره الحسية لم تتجه نحوها بتلك الطريقة أبدا، و بعدها، بدا و كأنه قد أغلق الباب بأكمله…
انه انسان طبيعي تماما، و له رغباته، لكنه لم يغذيها يوما بنظرةٍ محرمة الى فتاة، او صورة، أو مشهد…
دائما ما كان يسيطر على ذلك الجانب بقوة التزامه، بجانب شيئا آخر أفقده الرغبة في السعادة…
فما الذي دهاه، ما الذي دهاه، ركل حصوة بغضب و هو يسير هائما، كفيه في جيبي بنطاله…
أخذ يسير من زقاقٍ إلى زقاق، دون أن يخرج للطريق العام، و دون أن يدري، سحبته قدماه إلى بيتٍ على بعدِ عدة أزقة متشابكة…
لا يعلم بأنه ما أن مر مبتعدا، حتى خرجت هي من باب بيت أحلام ترتجف…
استأذنت لتمر بين سيدتين تقفان عند باب البيت تتحدثان، فأفسحا لها قليلا فتجاوزتهما متوترة وهي تشعر بأن أعينهما تكاد تخترقها حيث صمتتا تماما و تبعتاها بنظراتهما وهي تسير مهرولة عنهما…
همست احدى السيدتين الى الأخرى (هذه هي، الفتاة التي تسكن مع احلام، و التي نزلت باكية من السطح، لقد تصنعت بانني دخلت و أغلقت الباب، الى أن اطمأن و نزل خلفها يظن بأن أحدا لم يره).
همست الأخرى بفضول وهي تربت على صدرها برعب زائف مقيت (يا حفيظ، يا حفيظ، من كان يظن أن ابن رشوان الصغير بهذه الأخلاق، لقد كان أفضلهم)
همست السيدة الأولى (استغفر الله العظيم، لا أريد أن أتكلم فأنا لدي بنات، لكنها لسيت المرة الأولى التي يتقابلان فيها سرا، فوق السطح و أحيانا يذهب اليها حين تخرج أحلام لتقضي غرضا، و قد رآهما ابني يتقابلان خارج الحي عند أول الطريق عدة مرات).
سكتت لحظة ثم جذبت الأخرى من ذراعها لتهمس وهي تفشي سرا (و اسكتي ماذا، لقد أخذ يعصر تفكيره أين رآها من قبل، الى أن تذكر أخيرا أنه رآها مرة تعمل في مكان مشبوه)
شهقت الأخرى و هي تضرب صدرها بكفها، لتقول مذعورة (شقق أم ماذا؟، و لماذا يذهب ابنك الى هذه الأماكن؟).
قالت ألأولى بسرعة (انه مكان يقدمون فيه المشروبات الروحية، و أنتى تعلمين ابني يشربها من حين لآخر على نحوٍ خفيف، المهم أن هذا المكان والله أعلم، ستارا لأعمال مشبوهة)
شهقت صديقتها وهي تمسك بذرعها لتقول بضميرٍ حي (كفى، كفى يا حفيظة، لدينا بنات، استغفر الله، لكن اخبريني، أتعلم أحلام بما يدور في بيتها؟
أصلا من زمن و انا أقول بأن دخوله وخروجه من عندها ليس تصرفا سليما، خاصة و أنها امرأة تسكن بمفردها، الخطأ يجر الخطأ، استغفر الله العظيم)
ابتسمت وهي تطعمه بينما هو يتدلل عليها كعادته، على الرغم من انها تجلسه على الطاولة امامها كما يحب تماما، الا انه عاد و تمرد على الطعام مجددا، بينما خفة ظله و شقاوته منعتاها من الشدة عليه كي يأكل…
نظرت اليه بتأمل محب، ثم مدت يدها لتجذب خصلة ناعمة من شعره متساقطة فوق عينيه و همست مبتسمة (يجب أن تحلق شعرك، لقد أصبح كشعر الفتيات)
(هذا ما أظنه أيضا، غدا سآخذه ليحلق شعره)
لم تستدير الى باب المطبخ بعد أن سمعت صوته الهادىء من خلفها، و طبعا لم ترد…
وصلتها تنهيدته الغاضبة قليلا، قبل أن يدخل قائلا بخفوت (هل ستستمرين بحرب الصمت تلك طويلا؟).
لم ترد و لم تنظر اليه و هي تتابع محاولة اطعام معتز، قال أخيرا بنفاذ صبر وهو يستند الى رخام المغسلة بيديه ناظرا اليها (حسنا، كنت غاضبا، و أي رجل في مكاني كان ليغضب من ذلك المشهد)
لم تنظر اليه، و لم تتحرك عضلة في ملاحها المتصلبة، فقال بقساوة (حووور، إن كنت لا أطيق شيئا في حياتي، فهو أن أكلم أحدا و لا يرد علي)
نظرت اليه بطرف عينيها للحظةٍ ثم أعادت نظرها الى معتز…
شعرت به يقترب منها، ينظر الى كليهما، و خاصة معتز الذي يبادله النظر مبتسما، فضحك له نادر…
ثم بعد فترة، مد يده وشعث مقدمة شعر حور مداعبا كما يفعل مع معتز وهو يقول (ما رأيك أن نخرج ثلاثتنا اليوم؟)
نظرت اليه رافعة احد حاجبيها بسخرية غير مصدقة الكرم الفائض، فعبس من نظرتها، و قال مهددا (انزعي تلك النظرة أو اسحب عرضي)
اصدرت صوت امتعاض شعبي اصيل بشفتيها المكتنزتين، فأثارت غضبه و…
تأفف نادر من شدة الكبت الذي يعانيه من أيام، تعجب في أنه لم يكن يشعر بصعوبة الأمر بنفس الدرجة في فترة انفصالهما ما يقرب من العامين، كما يشعر به الآن، و في تلك اللحظة تحديدا…
بصراحة بعد شجارهما الأخير و ما أن هدأ قليلا، حتى ندم قليلا على تهوره معها، فحتى ان كانت قد أخطأت، فلم يجب عليه أن يحول الأمر إلى تلك الصورة…
و كان ندمه أكبر على الشك الذي انتابه لعدة لحظات في ساعة تهور، و لابد و أنها قد شعرت بذلك
انه يع
ضحكت و هي تهز رأسها يأسا منه، ثم همست دون أن تنظر اليه (بل كانت عيني عليك طوال الوقت، لم أرى رجلا أجمل منك من قبل، لا في الحفل و لا غيره)
لم يرد عليها لفترة، ثم قال أخيرا بصوت أجش وهو يمد يده ليمسك بكفها (تعالي، سأريكِ غرفتي).
جرها خلفه وهي تتبعه بقلبٍ وجلٍ مرتعب بينما تعض على شفتها بارتباك، و ما أن دخلت معه الى غرفته، حتى جذبها للداخل و أغلق الباب بخبث…
الا أنها كانت قد نسيت الخجل و هي تتلفت حولها مبتسمة لتنظر إلى الغرفة الأنيقة الذكورية السوداء…
كانت قاسية بعض الشيء الا أنها أنيقة، لكنها تحتاج الى بضع لمساتٍ منها، ربما بعض المسحات الأرجوانية الداكنة، ستضفي اليها بعض الروح…
شد عمر على كفها لينبهها لوجوده فنظرت اليه مبتسمة لتقول بنعومة (غرفتك رائعة، مثلك تماما)
اشتعلت عينا عمر دون أن يبذل أي جهد في اخفاء مشاعره مجددا بعد أن أصبحا بمفردهما أخيرا، فجذبها من خصرها اليه حتى ارتمت على صدره هاتفة اسمه باعتراض و خجل، فقال بخشونة (هل تعرفين ماذا يفعل بي كلامك هذا؟، عن كوني رائعا و جميلا ووسيما و).
أمالت رأسها جانبا و هي تنظر اليه بمكرٍ لتهمس مكملة كلامه بخبث (و تخطف الأنفاس؟، لا، لا أعرف، أخبرني)
جذبها اليه أكثر و أكثر وهو ينظر إلى عينيها المشعتين، ثم رفع يديه عن خصرها ليضعهما أعلى ذراعيها ليخلع عنها سترتها برفق، بينما اختفت ابتسامتها وهي تمانع قليلا هامسة (لا، لا يا عمر، أفضل البقاء، بها)
الا أنه لم يعر كلامها اي اهتمام، حتى رمى السترة بعيدا و هي تئن معترضة…
كانت ترتدي تحتها قميصا أنثويا رائعا من الدانتيل الأبيض، مشكلته الوحيدة أنه كان قصير الأكمام، و التي تتعدى استدارة كتفيها ببضع سانتيمترات لا أكثر…
كتفت رنيم ذراعيها و هي تخفض رأسها بحزن و توتر، بينما كفيها الممسكين بذراعيها لم يتمكنا من اخفاء العديد من آثار الحروق و الندوب المتبقية حتى بعد جراحات التجميل العديدة التي قامت بها…
امسك عمر بذراعيها و توقف للحظة، قبل أن يهبط يداه ببطءٍ على طول ذراعيها حتى أمسك بكفيها و جذبها وهويهمس بصوتٍ أجش (تعالي، سأريك ماذا يفعل بي كلامك)
استسلمت له بعجز وهو يجذبها إلى الأريكة في غرفته، حتى أجلسها و جلس قريبا منها، قريبا جدا، وهو لا يزال ممسكا بكفيها، و لا تزال هي مخفضة رأسها…
لقد حانت اللحظة، أصعب لحظة ستمر عليها على الإطلاق…
أخذت نفسا عميقا، وهي تتذكر كلمات حور لها، و على الرغم من أنها آلمتها بشدة الا انها كانت محقة، فالألم الآن أفضل بكثير في الألم فيما بعد…
لذا عادت لتتنفس بصعوبة، ثم همست بهدوء و هي تقوي حالها (عمر)
لم يرد عليها للحظة وهو ينظر إلى رأسها ذو الشعر الحريري و المحني أمامه، فاقترب منها ليحيط خصرها باحدى ذراعيه يقربها من صدره…
فابتلعت رنيم الغصة في حلقها لتهمس متابعة (عمر، أعرف أنني تأخرت فيما سأ، فيما سأقوله لك الآن، خاصة بعد عقد القران، لكن كل شيء جاء سريعا، و لم يتسن لي أن)
سكتت و قد اختنق صوتها بالكلمات، ثم أخذت نفسا و همست بقوة قبل أن تضعف (أنت حتى الآن لم تطلع على عمق اصاباتي حتى الآن، و هي ليست بهينة. ، حيث أن عشرات من جراحات التجميل أنهكتني الى أن حصلت على النتيجة الأخيرة، ثم تعبت من كل ذلك…
لذا، لذا، أنا أفضل أن، لو، أن تراني والدتك، أو أيا من شقيقاتك، ل)
توقف كلامها فجأة وشعرت بأنها قد قالت كل ما تستطيع النطق به، فطال الصمت الذي كاد أن يقتلها، الى أن قال أخيرا بصوتٍ غامض (تراكِ، كيف تحديدا؟)
أغمضت عينيها بيأس، الأمر أكثر صعوبة مما تصورت، لكنها تمكحنت أخيرا من الهمس بشجاعة (تراني و أنا)
(أخرسي).
اجفلتها الكلمة القوية التي قاطعت كلامها قبل أن تنطق به، فنبض قلبها بقوة وخوف، و هي تتجرأ على رفع عينيها لتصطدما بعينيه اللتين تحولتا الى شرٍ كامن…
ثم قال أخيرا بصوتٍ خافت مخيف (أردت الى أي مدى ستتملكك الجرأة على النطق بما كنت تريدين قوله)
عضت رنيم على شفتها و هي تهمس بأنين (لكن يا عمر أنت لا تعرف)
عاد صوته ليقصف قلبها (أخرسي).
ثم مد يده ليمسك بذقنها يرفع وجهها اليه بقوةٍ ليقول بصرامة (لن يراكِ أحد غيري، أفهمتِ ذلك؟، و لن أقبل بأن أسمع المزيد من هذه الوقاحة)
اهتزت حدقتاها برعب و قد أخطأت فهمه، فهمست بتلجلج (لن، لن أستطيع، ليس أنت، ليس قبل).
مد عمر كلتا يديه ليحيط بهما وجهها و يقربه منها، ليقول ببطء كي تستوعب كل حرف مما ينطق به (أنتِ لستِ بضاعة بالنسبة لي سيتم معاينتها قبل التسليم، أنتِ أغلى و اجمل و أروع من ذلك، و لن أسمح لكِ بأن تهيني نفسك و تبخسيها حقها على هذا النحو مجددا، أفهمتِ؟).
انسابت الدموع من عينيها بألم فاغمضتهما لتداري عنها عذابها ثم همست باكية بنعومة (لقد حدث هذا من قبل، و أنا، أنا آسفة، آسفة جدا، لم أكن أعرفك حينها، و لم أكن أعرف أنني أهدرت كل ذرة كرامة تملكها الانسانة التي ستحمل اسمك)
سمعت صوت أنفاسه الغاضبة الساخنة التي لفحت وجهها و كأنه يحاول جاهدا أن يسيطر على غضبه، ثم دون كلمة جذبها اليه، ليبثها غضبه بقوةٍ تضاهيها قوة شوقه لها بعد طول انتظار…
مقبلا الجرح الوردي الذي طالما نظر اليه وحلم بأن يشبعه شوقا، ارتجفت رنيم بقوةٍ بين ذراعيه، تئن من هول هجومه عليها، الا أنه ما أن شعر ببوادر معارضتها حتى شدد ذراعيه من حولها و سحق أي مقاومةٍ ضعيفة تذكر، ولم تستطع بعد لحظات سوى أن ترفع ذراعيها لتحيط بهما عنقه وهي تنهل من ذلك الشوق الذي لم تعرفه قبلا…
حين وجد عمر صوته أخيرا همس بخشونة و بمشاعر جارفه مهووسة (كم حلمت بتقبيل ذلك الوشم الوردي و الذي كان يمنع عني التركيز في سواه، لكن الواقع فاق الحلم بمراحل عديدة)
همست ببكاءٍ مختنق بينما قلبها يحاكي قلبه و يناديه بترجي (عمر، أرجوك)
الا أنه كان يقبل عنقها بشغف، لتتحرك يده على أزرار قميصها الأبيض، مقبلا الجرح الذي امتد من عظم الترقوة التي تهشمت من قبل بفظاعة…
و حين شعرت بأنها لن تحتمل المزيد، جاء طرق مدوي على باب الغرفة ليجعلهما ينتفضان معا حيث بدا كطرق مطرقة فولاذية…
يتبعه صوت علا المهلل (يا عمر، أمي تقول أن الشاي جاهز)
شتم عمر بخفوت وهو يشعر بالرغبة في الخروج اليها و الامساك بشعرها ليطرق رأسها في الحائط…
بينما انتفضت رنيم بقوة وهي تهرب من ذراعيه لتقفز واقفة وهي تعدل قميصها الذي هو السبب الحقيقي في كل ذلك، بوجه كثمرة الفراولة…
نهض عمر وهو ينظر اليها بيأس وهي تتحاشى النظر اليه، فقال هامسا بغضب (الى أن يأتي يوم زفافنا، سأكون قد قتلتها و ارتحت منها)
ضحكت رنيم بوجهٍ يشتعل، ثم همست بمرح (على الأقل تمكنت من غلق الباب بالمفتاح)
تخلل شعره بأصابعه الغير ثابتة بعد، وهو يقول بغيظ (حين تعيشين حياتك بين تلك القبائل الهمجية الأنثوية، يجب عليكِ أخذ احتياطاتك).
ضحكت رنيم بخجل يكاد أن يفترسها، بينما اتجه عمر الى الباب، حيث الطرقات لم تتوقف، بل تحولت إلى بطيئة تعزف رتم معين…
فتح عمر الباب بقوة ليجد علا شاردة مستندة بكتفها الى اطار الباب. تغني أغنية رتيبة حلت على تفكيرها من حيث اللا مكان فانشغلت بعزف ألحانها على الباب بواسطة معلقة الغرف الكبيرة التي كانت ممسكة بها…
نظر اليها عمر بغضب مجنون وهو يهتف (ماذا؟).
عقدت علا حاجبيها لتقول بغضب مماثل (جئت أخبرك بأن الشاي سيبرد و لن نعد غيره)
ثم استدارت منصرفة تتبعها شتائم عمر الهامسة، ثم التفت الى رنيم التي أوشكت على الوقوع أرضا من الضحك خجلا وهي تغطي وجنتيها الحمراوين، فابتسم اليها رغما عنه بجفاء ومد يده اليها، فمدت يدها تمسك بها بلهفة، تتشبث بها بقوةٍ بحثا عن الأمان…
كانت جالسة على حافة فراشها المواجهة للنافذة المفتوحة على مصرعيها، تتطاير الستائر الخفيفة و تصل اليها الرياح الناعمة لتطير شعرها قليلا كما تحب أن تشعر دائما…
و كأنها تهرب فوق الرياح بتلك الطريقة بعيدا عن واقعها…
سمعت صوت الباب يفتح. الا أنها لم تهتم بالنظر، من المؤكد ستعلن عمتها عن وجودها حالا…
لكن لا صوت، ظلت مغمضة عينيها تتمتع بملمس النسيم البارد على وجهها، الى أن شعرت بأن الصمت المريب قد طال أكثر من اللازم…
فتحت حنين عينيها و استدارت لتنظر بفتور إلى الباب، الا أنها لم تلبث أن شهقت عاليا و انتفضت واقفة بهلع و هي تشهر بأنها بدأت تهذى و تراه في وساوس و هواجس و في كل مكان!
أغمضت عينيها ثم فتحتهما مجددا لتتأكد مما تراه، حيث يقف مستندا بكتفه الى اطار باب غرفتها مكتفا ذراعيه، ناظرا اليها بابتسامةٍ عبثية، لكن ما لا تعرفه بأنها ابتسامة وليدة اللحظة، سبقتها أخرى حزينة ونظرة شاردة بشعرها المتطاير نحوه وهي جالسة تعطيه ظهرها…
هتفت حنين همسا برعب وهي تتطاول لتنظر خلف (كيف، كيف، كيف دخلت البيت؟، و كيف وصلت لغرفتي؟، ماذا فعلت بعمتي؟).
لم يرد جاسر للحظة وهو ينظر اليها مدققا بكلِ تفصيلة منها الى أن انفجر ضاحكا مما قالته…
ثم استقام وهو يقترب منها ببطء بينما هي تبتعد عنه بسرعةٍ حتى وصلت بظهرها للنافذة، فتوقف جاسر مكانه ولم يتقدم أكثر…
أخذ وقته قبل أن يرد بهدوء (دخلت من الباب كأي صهر محترم، زوجة عمك سيدة طيبة للغاية، على الرغم من كرهها لي و الذي بدا جليا في عينيها، الا أنني ما أن طلبت بكل أدب و هدوء أن أرى زوجتي، حتى احمر وجهها و ارتبكت و أشارت لي بأن أصعد، انها من أمهات الزمن الماضي، حيث الزواج لديهن هي الكلمة السحرية التي لها احترامها، و التي تفتح لها الأبواب، حتى ولو بعدم رضا، لكن هذا لم يمنع أن تنبهني بحرج أن أخرج قبل أن يعود عاصم لأنها لا تريد المزيد من المصائب).
أخذت تلهث ما بين غضب و ذعر وهي تتلفت حولها. قبل أن تقول من بين أسنانها (أخرج من هنا حالا، هذه غرفتي و ليس لك الحق في تدنيسها بوجودك)
اخذ جاسر ينظر إلى الغرفة الطفولية البسيطة بابتسامة غريبة، قبل أن يعود بنظره اليها و يقول بهدوء بعد فترة (لما لا تبتعدين عن النافذة قليلا).
لم تفهم عم يتحدث ذلك الانسان الآن، كل ما كانت تفكر به هو أنها تريده خارج حدود غرفتها في التو و اللحظة، حتى و إن استضافوه و أكرموه، لكن المهم أن يكون ذلك خارج حدود غرفتها الآمنة…
فصرخت وهي تفقد السيطرة على نفسها (؛ أخرج من هنا، اليس لديك كرامة؟، أخرج)
استشرى البرود في عينيه و منها الى ملامح وجهه الا أنه لم يرد على طردها له، لكنه قال بهدوء (جئت لأتفق معك على موعد زواجنا).
عقدت حاجبيها وهي تقول بعدم فهم (أي زواج أيها الأحمق؟، انسيت أننا متزوجان لسببٍ مأسوي لا أعلم عنه حتى الآن سوى أن حظي التعيس أوقعك في حياتي البائسة)
أخفض جاسر نظراته قليلا و رأت صدره يتعالى قليلا، فعلمت أنه يحاول أن يحميها من نفسه أو على الأقل يحاول السيطرة على غضبه…
و تسائلت بحيرة عن سبب سيطرته تلك، لكنها لم تطل التساؤل و لم تهتم أصلا، كل ما أرادته هو أن تلحق به المزيد من الجروح…
لكنه بادرها قائلا بصوتٍ بارد (نسيت أن أخبرك، بأنه ليس زواج، بل زفاف، لقد اتفقت مع ابن عمك أن أقيم لكِ زفافا ضخما للإشهار، و ليعلم الجميع بزواجنا أخيرا بأنسب الطرق، و لنضع حدا لأي كلمة)
نظرت اليه حنين بذهول ثم صرخت (زفاف؟، أي زفافٍ هذا؟، هل جننتما؟، أما آن لتلك المسرحية الهزلية أن تنتهي؟، ثم أن الإشهار لا يتطلب ذلك الزفاف الضخم الذي تريدان به الحفاظ على المظاهر الخادعة).
نظر جاسر اليها قليلا، ثم قال بصوتٍ غامض (؛ لا، لا يتطلب، لكني أريد أن أراك بثوبٍ أبيض ضخم، و ترحة عروس، و زفة من مشاعل و طبلٍ توصلك الي)
لم ترد عليه حنين طويلا، ثم همست اخيرا (أنت غير طبيعي أبدا)
ابتسم جاسر ولم يرد، لكنه اتجه إلى باب الغرفة، فظنت بأنه سيغادر أخيرا، لكنها عبست حين رأته ينحني عند الباب، ليلتقط حقيبة هدايا من على الأرض…
ما لبث أن عاد للغرفة و فتحها أمامها ليخرج منها الدمية الدب التي كان قد جلبها لها في المشفى، ثم قال مبتسما بعطف للدمية (انظري من نسيتِ في المشفى؟)
اتسعت عينا حنين بذهول، ثم اقتربت منه بسرعةٍ في خطوتين. لتختطف الدمية من يده و رفعتها إلى وجهها لتكلمها بمنتهى الشراسة (أهلا وسهلا، تشرفنا، أنا آسفة أنني قد نسيتك فقد فقدت طفلتي و كان بالي مشغولا قليلا).
ثم لم تلبث أن استدارت الى النافذة و طوحت ذراعها للخلف بسرعة ثم قذفت الدب من النافذة بأقصى ما عندها من قوة…
لتستدير بعدها لجاسر الذي كان يراقبها بلا أي تعبير، فكتفت ذراعيها وهي تلهث هامسة بدون حياة (لن يكون أغلى عندي من طفلتي).
أخفض جاسر رأسه ثم ابتسم وهو يهز كتفه بلامبالاة دون أن يعلق على الأمر، ليخرج من جعبته شيئا آخر وهو علبة مخملية حمراء، فتحهها لها. لتجد بها طقما من الذهب مرصع بالماسات مذهل بكل تفاصيله الدقيقة…
ليقول بهدوء ودون أي تعبير (شبكتك)
صرخت بغضب وهي تندفع اليه، وتتطاول راغبة في اختطافها منه هي الأخرى، الا أنه رفع يده عاليا حتى عجزت عن الوصول اليها بينما لف خصرها بذراعٍ من حديد ليلصقها بصدره بقوة…
ثم رمى العلبة على السرير و لف ذراعه الأخرى حولها وهي تقاوم بشراسة الا أنها لم تتمكن من الإفلات منه خاصة حين جذبت يده شعرها فارتفع رأسها للخلف حتى تأوهت ألما فهدر بها صارخا (اهدئي)
توقفت عن الحركة بعد أن انتفضت من صرخته التي أثارت الرجفة في أوصالها فسكنت ترتجف بين ذراعيه رافعة وجهها اليه بصمت، الا أنها كانت تنتفض داخليا…
قال جاسر أخيرا بصوتٍ خافت لفح وجهها بسخونته (الزفاف سيتم خلال أيام، وهذا أمر نهائي، بالحفل الذي أريده، و بالثوب الذي أريد أن أراه عليكِ، و بشبكتي تزين عنقك، انتهى الكلام في هذا الأمر)
لم ترد عليه وهي تتنفس بصعوبة، فقال بعد صمت طويل من تأمل وجهها المرفوع اليه بسكون لاهث (أتصدقين من يسابق الوقت أيضا كي يحضر زفافه خلال أيام؟، عمر، سيتزوج زميلتك التي اسمها رنيم و لقد قررنا أن نعد زفافا واحدا لكلينا).
ظل وجهها ساكنا كوجه تمثال شمعي أبيض أمام عينيه المفترستين كعيني الصقر…
فقط اهتزازة حدقة عينيها، و طرفة جفن تقريبا لم تُرى، ليغادر نفسا مرتجفا ضئيلا من بين شفتيها المرتجفتين، كأنينٍ بلا صوت…
حينها ارتفع صوت أنفاسه هو، و ازدادت قساوة عينيه، و نبض صدره بوحشية ليضرب جسدها الضئيل الملاصق له…
فرفع يده ليحيط بها عنقها المتراجع للخلف، وهمس بصوتٍ شرس خافت خطير، (ما رأيك؟).
ظلت صامتة عدة لحظات، قبل أن تهمس أخيرا (موافقة، ما أن نسجل البيت باسمي، حينها أفعل كل ما تريده)
ترك جاسر شعرها ليجذبها اليه بقوةٍ، مهاجما برودتها الظاهرية. و عذابها الداخلي، محاولا أن يبدد ألمها، و رغبته في قتلها حالا و في تلك اللحظة بالذات…
الا أنها كانت مستسلمة بين ذراعيه الهمجيتين تماما، و كأنها أسلمته زمام الأمور، عله يرضى عن نفسه…
أخبر شفتيها بعنف ما يكابده، و سحق أنينها الذي خرج منها مرتجفا ينادي قلبا غير قلبه…
و أوشك على أن يفقد نفسه بها تماما، الا أن رطوبة دموعها على وجهه، جعلته ينتفض مبتعدا عنها في لحظةٍ واحدة…
ليبتعد خطوة، خطوتين، ثلاثة، حتى يأتمن نفسه عليها، وقد وصل الى مرحلة السقوط من الهاوية، تماما كالمرة السابقة…
ظل ينظر اليها من بعيد. وهي واقفة في منتصف الغرفة بهيئتها الهشة الساكنة التي تثير جنونه، اكثر من جنونها منذ لحظات و الذي قضى عليه مجددا…
استدار جاسر ليغادر الغرفة، الا انه التفت اليها ليقول بصوتٍ مجهد، (خلال خمس أيام، ستكونين لي، أمام العالم أجمع)
ثم خرج من الغرفة تاركا إياها خلفه، لا تكاد تقوى على البكاء حتى…
كان ضرب الطبول يقصف بأعماقها، يهزها هزا و كأنه صفعات ختمها الزمان على وجهها.
أدارت عينيها بين وجوه كثيرة، كثيرة جدا، لا تتذكر منهم سوى اقل القليل
و لا تعرف أغلب الحاضرين لكن تبدو عليهم سمات الوقار و الأهمية، ليختلطون و يتماوجون بوجوهٍ أخرى بسيطة مألوفة من أيام الطفولة، ممعنة مددقة
لم تظن يوما بأن تكون بمثل هذه الأهمية، ليأتي اليها كل هذا الكم من البشر.
بعضهم مجامل بخيلاء. و بعضهم يرغب في الحصول على بعض المعلومات الإضافية التي تروي عطشه للمزيد من القصة المموهة المعالم بالنسبة اليه
و كان الجميع ينظرون اليها
كانت محط أنظار الجميع دون استثناء و كأنهم يضعون خاتمة لشخصية لا أهمية لها في الحياة، فمن هنا نبعت اهميتها بإثارة فضول الجميع
و ربما هي ملامح الرعب المكتوم و الساكن في عينيها الكحيلتين بفتنة.
و ارتجافة ثغرها المكتنز، لتشاركه أصابعها و هي تنقبض على طبقاتٍ و طبقات بيضاء…
اهتزت حدقتاها وهي تبحث عمن تحتمي به، عن شخصٍ يمنحها الأمان و يخبرها بعينيه بأنه هنا، بجوارها، و لن يخذلها أبدا
و رغما عنها حادت عيناها للعريس الطويل الشديد الجاذبيه
ذلك اللذي كان يوما يمنحها أقصى درجات الثقة و الأمان من مجرد نظرة
وها هو اليوم، ينشغل عنها، لا تراها عيناه.
لأنهما تضحكان بمشاعر عشق لا تتذكر أنها قد رأت مثلها من قبل…
مالت عيناها بحزنٍ موجع و هي تحدق بسعادته التي زادت من وسامته أكثر ألف مرة من آخر مرةٍ رأته فيها
انه ذلك الشعور الذي كانت تحمله له يوما، و ها هي الآن تراه على وجهه
مزيج من البلاهة و الجمال، بعينين هائمتين، تحملان نبعين من الحنان
نبض قلبها بعنف بشعورٍ مألوف لديها…
رغبة…
نعم رغبة عنيفة في أن تنهل من هذا الحنان الدافق.
تحتاجه جدا لكي يمنحها ولو قطرة
كم كانت تريد حنانه و تتمناه
شوشت على رؤيتها له، غيمة بيضاء متقافزة ضاحكة، تدور من حوله و هي ترفع بيديها اكوام و أكوام من الحرير الأبيض، تماما كما تنقبض أصابعها هي على مثلها
لكن الفرق بينهما شاسع
لم تفارق الضحكات المذهولة شفتيها، و عينيها
و كأنها قد نالت للتو أحد نجوم السماء.
رمت كل كل وقار العروس و هي تدور راقصة من حول عريسها الهائم بها، حتى أنه أمسكها عدة مرات يحاول أن يمنعها من الرقص وهو يحذرها من أنه لا يحب ذلك على الملأ
فتنصاع قليلا ثم تفقد قدرتها على المقاومة و تعاود الرقص من أجل عينيه الغاضبتين من جديد (لحظة)
صدح ذلك الصوت الذي تعرفه جيدا و تخشاه كما تخشى الألم
صدح بقوةٍ وهيمنة ليفرض سطوته على القاعة المزدحمة، حتى أنه علا على صوت الأغاني و البشر المتواجدين.
فأوقف مشغل الاغاني الصوت، و الكل ينظرون الى العريس الثاني و الذي تنبع منه سيماء الخطورة من كل حركةٍ من حركاته
ينتظرون منه ما سيتلو كلمته الوحيدة بعد أن رفع كفه عاليا
و حين استمر الصمت للحظات، جعلت الخوف يدب أكثر في أعماقها وهي تتوقع منه أي حركة غدر في أية لحظة
هل سيطلقها علنا، ليدمغها بفضيحة بشعة؟
هل سيفعلها؟، انتقلت عينيها بالفطرة لابني عمها وهي تستمد منهما الدعم، فوجدت من من منظرهما أنهما قد فكرا بنفس ما يجول في خاطرها، فوقفا و قد تشنجت ملامحهما بتوتر، و بدت عليهما علامات التحفز للقتال في أي لحظة…
انقبض قلبها و انقبض كفها فوق صدرها اللاهث محاولة أن تهدئه
الى أن عادت عيناها فاصطدمتا بعينيه…
و كأنهما قد نفذتا الى أعماقها، نظرتهما غريبة و مخيفة، بهما بريق الانتصار و الظفر، ممتزجا بلمحةٍ من سخرية معروفة لا تفارقه
و ظلال عميقة، تكاد تكون غير ظاهرة من، اقناع، محاولة اقناع
كم هي العيون لغز و لغة!
علا صوته أخيرا ليرحمها من خوفها (لن يكون عرسا محليا على حق إن لم أرقص رقصة المُدى ( المطاوي )
لعروسي)
خلع سترة عرسه أمام عينيها الجليديتين ليرميها دون اهتمام لتحط على احدى الطاولات.
و أخذ يقترب منها بخطوات حيوان مفترس يوشك القفز على فريسته قبل أن تفر هاربة
وما أن وقف أمامها حيث بدا كأحد الهمج، أمام ملكة صغيرة متوجة، جالسة مكانها ترفض النهوض من مكانها بثوبها الأبيض الضخم
عيناها مثبتتان على عينيه لحظة بلحظة
ثم أشهر من جيبيه مديتين في حركةٍ واحدة قاطعهما في الهواء لتنفتحا أمام عينيها
و الشفرتان تصدران صوت قطعهما للهواء أمام وجهها.
فانتفضت بحركةٍ غير ظاهرة الا لعينيه فقط، حتى أنها أغمضت عينيها للحظةٍ ترتجف
و عادت تفتحهما لعدم ثقتها به
حينها بدأ الرقص أمامها تلك الرقصة الشهيرة. ليتبعه كل رجاله. ثم رجال عاصم رشوان كإداء للواجب و مجاملة له
فتحولت القاعة في لحظة واحدة الى ساحة من رقص المطاوي
و الجميع يهللون لهم
بينما هو عيناه لا تبارحان عينيها، بكل احساسٍ بالفوز، ضاحكا بسعادة، خاصة حين اقترب منه صديقه (العريس الآخر).
ليربت على كتفه بقوةٍ فيتعانقان ضاربين صدريهما ببعضهما، ضاحكان بقوة وكأنهما قد نالا معا ما حلم حياتيهما
لكن شتان…
افاقت من شرودها الجليدي الباهت على نظرته المحدقة
ليتوقف قليلا لاهثا، مهتز الابتسامة لكن دون أن تنمحي تماما
و كأنه قد قرأ أفكارها كلها
ثم ترك مديتيه ليقترب منها مجددا. مشيرا لها بحركةٍ آمرة من يده أن تنهض.
الا أنها رفضت و اشاحت بوجهها عنه بلا مبالاةٍ زائفة، لكن لحظة فقط مرت قبل أن تشعر بنفسها مخطوفة من خصرها بذراعٍ حديدية انتزعتها انتزاعا عن مقعدها المتوج
فصرخت محتجة بينما الجميع يضحكون و يزيدون من تهليلهم وكأنهم قبائل من الهمج و الرعاع في نظرها. بينما هي تقاومه وهو يراقصها ممسكا بخصرها برقصة ما بين شرقية و غربية على لحنٍ شرقي معدل.
يبدعدها عنه بدفعةٍ قوية، فتتعثر للخلف عدة خطوات من بين أكوام الحرير و التل الأبيض
و بينما هي تنفث نارا زيتونية من عينيها المكحلتين و خصلاتها البراقة السوداء المتناثرة هنا و هناك مفلتتة من ربطتها التي كانت أنيقة
يعود هو اليها سريعا و يعتقل خصرها مجددا بذراعٍ واحدة ليدور بها راقصا و هي تحاول تثبيت كعبيها رفضا في الأرض
الا أنه يرفعها فيحفا بسطح الأرض حتى أنها سمعت صوتهما.
و الكل يضحك بسادية، يستمتعون و يلهون على حساب كرامتها و جرحها
تقاومه بعنف، لكن دون جدوى. يدور بها. محررا خصرها من ذراعٍ لتلقفها الأخرى وهي غير قادرة على متابعة خطواته الرجولية الضاربة في الأرض بقوة
ثم ضمها مجددا لصدره قاضيا على صعود صدرها بعضلات صدره الخانقة، محركا يديه على ظهرها بإمتلاكٍ مخيف أثار رعبها و فوران غضبها
فهمست مختنقة لأذنه فقط (أكرهك، أكرهك).
أبعد رأسه عنها، ليرفع ذقنها بيده ناظرا لعينيها الجميلتين بشكلٍ غير اعتيادي
تلمعان، ثم يزدان لمعانهما، الذي يزداد فيتحول ببطءٍ غريب الى طبقةٍ من سائل شفاف رائق. تزداد و تتكاثف ببطء
فيثقل وزنها عند زاويتي عينيها، شيئا فشيئا، فتكونان ماستين عند كل زاوية
تتجمعانِ في شكلِ قطرتين، تكبران قليلا الا أن عجزتا عيناها عن احتجازهما أكثر
فانفجرتا بصمتٍ رقيق مهلك لتنسابا على وجنتيها بنعومةٍ تشق الحجر
وهو.
هو كان يراقب تلك اللوحة المتحركة بتعبيرٍ شبه مبهور الى أن تمكن من الهمس أمام شفتيها أخيرا وهو يتمايل بها، معتقلها (ما أبهاكِ، أين كنتِ تخفين كل ذلك السحر، أشتهي كل ما فيكِ كلما نظرت اليك، عيناك الداكنتان، شفتاكِ الشهيتان، تكوينك الهش الأكبر بقليل من طفلة، و أخيرا أصبحتِ لي على مرأى و مسمع من العالم أجمع، دون أن أضطر لسرقتك عنوة، أنتِ لي، أخيرا أنتِ لي، و سأريكِ معنى كل حرفٍ منها).
حين ارتعش جسدها الضئيل بين ذراعيه، شدد من ضمها لصدره وهو يهمس ملامسا وجنتها الناعمة بشفتيه وهو يهمس ضاحكا باختناق (إنها ثالث مرة نتزوج بها، الا يدلك ذلك على شيء؟، أن كل طرقك تعيدك الي، إلى أحضاني حنينتي الصغيرة ذات الضفائر المحلولة
أعدك أنني سأعوضك عما ضاع منا، و سأمحو ألم تلك اللحظات)
انتفض قلبها بوجع غير محتمل وهو يذكرها بما فقداه…
فتركته يراقصها متمايلا بها و كأنه يهدهد طفلة رضيعة، لم تكن رقصة معروفة لأي أحد، بل كانت رقصة جاسر رشيد الخاصة لليلة زفافه
وهو يهدهد عروسه وكأنه يساعدها على النوم على ترنيمة غريبة و هي مستكينة بين ذراعيه المعتقلين لخصرها
و مرت عدة لحظات قبل أن تجد القوة لترفع ذراعيها و تحيط بهما عنقه، فتصلبت عضلاته باحساسٍ ذكوري، و توقف و كل أعصابه تشعر بتجاوبها الغريب عليه.
الى أن استطالت على أطراف قدميها لتصل إلى اذنه فهمست بصوت هامس مبحوح (وأنا أعدك، أعدك بأن تندم على اليوم الذي عرفتني به)
صمت و لم يرد عليها طويلا وهو يتمايل بها بلا تعبير، الى أن ضحك بصوتٍ خافت دافىء وصل الى أذنها فأثار رجفتها وهو يهمس (لن أندم أبدا مهما فعلتِ، لا بأس، حاربيني كما تريدين، المهم أن تكوني بين أحضاني و أنت تبذلين كل جهدك في ذلك).
أما صديقه فكان ينظر إلى العروسين المتمايلين، مبتسما، سعيدا من أعمق أعماقه. و أعز أصدقاؤه قد نال للتو سلامه مع نفسه و حظى بحياته من جديد
فحياة جاسر رشيد متعلقة بحنين رشوان الصغيرة
و يده تتحرك بنعومةٍ على خصر أميرته الناعمة التي تستكين مريحة رأسها على كتفه، و التي أصبح اليوم زوجته أخيرا بعد طول عناء…
أخفض نظره اليها يريد أن يشبع من ملامحها الناعمة مجددا، وهو يمني نفسه باللحظة التي سيشبع فيها جرح شفتيها تقبيلا ما أن يصبحا بمفردهما
لكنه حين نظر اليها، وجدها تنظر بعيدا، تعض على شفتها و عيناها تنضحان قلقا، لا بل خوفا و فزعا
فقربها منه على الفور وهو يقول بقلق حنون (ماذا بكِ حبيبتي؟)
رفعت عينين جزعتين الى عينيه، و دون تردد أسرعت لتهمس بخوف (عمر، سامحني أرجوك).

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بأمر الحب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى