روايات

رواية الشيطان شاهين الفصل السادس عشر 16 بقلم ياسمين عزيز

رواية الشيطان شاهين الفصل السادس عشر 16 بقلم ياسمين عزيز

رواية الشيطان شاهين البارت السادس عشر

رواية الشيطان شاهين الجزء السادس عشر

الشيطان شاهين
الشيطان شاهين

رواية الشيطان شاهين الحلقة السادسة عشر

لم يكن يشعر بها و هي تئن بين ذراعيه متألمة ترجوه بكل الطرق ان يرحمها و يتركها….مرت ساعات طويلة بدت لها و كأنها لن تنتهي أبدا و كان الوقت توقف و هو لا يتوقف يأخذها مرارا و تكرارا…لا يمل و لايكتفي منها و كأنه لم يلمس في حياته إمرأة قبلها….
كان في عالم آخر من النشوة و الاستمتاع …حاولت دفعه لكنه ظل متحجرا مكانه… لمساته التي تتغير كل لحظة… ناعمة حنونة و مراعية في بعض الأحيان و خشنة قاسية أحيانا أخرى… شخصين يتصاراعان داخله بقوة أحدهم يعاملها كقطعة ألماس نادرة لا يوجد لها مثيل و أخر يذكره بالماضي…
بتلك اللتي كان يخاف عليها من نسمة هواء، كيف سحقت حبه العظيم الذي كان يكنه لها تحت قدميها دون تردد…
إبتعد عنها أخيرا بأنفاس لاهثة لتشهق كاميليا بقوة كغريق كان يصارع بحرا هائجا لمدة ساعات حتى ظن انه سيلقى حتفه….
إنكمشت على نفسها تبكي بألم و هي تدثر جسدها العاري عن مرأى عينيه اللتين كأننا تتفرسان علاماته الحمراء التي إنتشرت على كامل بشرتها البيضاء اللامعة بأعين مستمتعة….
استند على السرير و هو يرسم ملامح الجمود على وجهه ببراعة… جذب علبة السجائر من جانبه ليشعل إحدى سجائرة و ينفث دخانها الذي انتشرت رائحته النفاذة في كامل أرجاء الغرفة ليزيد من إختناق أنفاس تلك المسكينة التي كانت ترتعش بجانبه من شدة الألم….
كتمت أنفاسها المختنقة بدموعها لتغلق عينيها بإرهاق لا ترغب في شيئ سوى في الموت لعل الحياة ترحمها مرة واحدة.. لم تعد تحتمل أكثر رغم انه لم يمضي على زواجها سوى ساعات قليلة فكيف بأيام او أشهر و ربما سنوات….
رفع شاهين سيجارته أمام لينظر لها بشرود قبل أن يسحقها داخل المطفئة الزجاجية و هو يراقب دخانها الذي إنطفئ رويدا رويدا…
التفت لكاميليا التي كانت بدورها غير واعية بما يحصل حولها تشعر بالخواء و الضعف…كل عضلة في جسدها تصرخ وجعا…لكن وجع قلبها أكبر، ليلة العمر التي مرت عليها و كأنها جحيم….
أغمضت عينيها بقوة و كأنها تمنع صوته من التسلل إلى أذنها…عندما قال بلهجة آمرة :”قومي عشان تاخذي شاور.. المية الدافية حتساعدك عشان ترتاحي…
تجاهلته بينما ظلت ساكنة مكانها لم تتحرك إنشا واحدا…لم تعد لها قوة لتحرك إصبعا واحدا فكيف ستحرك كامل جسدها لتصل إلى الحمام….
زفر شاهين أنفاسه الغاضبة و هو يتفرس ظهرها الساكن قبل أن يقوم من مكانه متجها إلى الحمام لينعم بحمام دافئ….
دخل كابينة الاستحمام ثم فتح الصنبور لتتسابق قطرات المياه الباردة نحو جسده الذي تمددت عضلاته باسترخاء….
أغمض عينيه لتتسلل صور ليلته معها إلى مخيلته من جديد…لينفجر ضحكا بدون سبب و كأنه مختل عقلي…تذكر كم كانت هشةو رقيقة… مستسلمة بين يديه دون مقاومة…صوتها الباكي و هي ترجوه ان يتركها مازال يرن في أذنيه، يبدو أنه قد أحسن الاختيار هذه المرة فحتى زوجته السابقة مها لم تكن بهذه البراءة و النقاء…
مرت سنوات كثيرة لم يلمس فيها فتاة عذراء..لا خبرة لها في تلك الأمور،قلب وجهه باشمئزاز عندما تذكر كم كن رخيصات و هو من تحت أقدامه يتأوهن بكل زيف و عهر حتى يحصلن على رضاه…
أغلق الصنبور لتتوقف المياه و يفتح عينيه القاتمة التي عاد لونها المتوهج، لف جسده بمنشفة سوداء كبيرة قبل أن يضع أخرى أصغر حجما على رأسه ثم خرج و هو يدندن باستمتاع لحنا إيطاليا قديم….
مكث عدة دقائق في غرفة الملابس قبل أن يخرج و هو يرتدي بنطالا قطنيا باللون الأسود…نظر إلى الساعة الفخمة المعلقة على الجدار ليجدها تشير إلى الساعة الثالثة صباحا…
رمى المنشفة التي كانت على رقبته ثم دلف إلى الحمام مرة أخرى…ملأ الحوض بالماء الدافئ ثم سكب سائل الاستحمام برائحة اللافندر الذي إختاره لها لتنتشر رائحته المنعشة…
عاد إلى كاميليا التي كانت لاتزال متصنمة مكانها ترفض التحرك و لو إنشا واحدا مخافة ان يزيد ألمها…
صعد إلى الفراش بجانبها ليضع يده على ظهرها ليشعر بارتعاش جسدها و أنفاسها التي تسارعت حتى تحولت إلى سعال…
ربت على كتفيها حتى تهدأ و هو يقول بهدوء حتى لاتفزع منه اكثر:”انا حضرتلك الحمام…حتبقي كويسة بعد ماتاخذي شاور دافي…. يلا بلاش دلع هي اول مرة بتبقى كده صعبة شوية بس بعدين حتتعودي….
توقف عن الكلام عندما هزت كاميليا رأسها برفض و دموعها لا تكاد تتوقف عن النزول…ثم حركت ذراعيها بصعوبة تحتضن جسدها بحماية…سعلت بقوة مرة أخرى عندما إختنقت بشهقاتها مما جعل شاهين يتراجع بنفاذ صبر ثم يحسم أمره ليحملها بصعوبة بسبب مقاومتها الهستيرية و يتجه بها نحو الحمام….
وضعها بحرص في حوض الاستحمام الذي أعده سابقا لها و هو يهتف بتذمر بسبب تبلل ملابسه أثناء مقاومتها :”ما تهدي بقى احسنلك…. انا لسه مقدر الحالة اللي إنت فيها و الا كنت دفنتك مكانك… غبية”.
رمقته كاميليا بعيون حمراء ذابلة و هو يغادر المكان
و يصفق الباب بعنف وراءه لترخي جسدها داخل الحوض و هي تطلق العنان لدموعها من جديد…
مظهرها كان كارثيا شعرها مبعثر و عيناها محمرة من البكاء و جسدها مليئ بالعلامات و الكدمات التي تبين عنف ماتعرضت له.
في اليوم التالي……..
إستيقظت كاميليا على صوت فتحية التي كانت تهزها برفق و تنادي بإسمها :” كاميليا هانم….من فضلك إصحي الست ثريا و شاهين بيه مستنيينك تحت…. الساعة بقت واحدة و انت لسه نايمة…
فتحت عينيها بصعوبة ثم أغمضتها بسبب أشعة الشمس التي تسللت إلى كامل الغرفة… رمشت عدة مرات حتى تتعود عليها قبل أن تنظر إلى فتحية التي كانت تقف أمامها قائلة بصوت مبحوح من أثار النوم و البكاء:” صباح الخير يا فتحية…
فتحية بلهفة :” صباح الخير يا كاميليا هانم…..
كاميليا بفتور :”إسمي كاميليا يا فتحية…. كاميليا بلاش هانم دي…..
فتحية بابتسامة :” ميصحش انت خلاص بقيتي مرات شاهين بيه و لو سمعني بناديكي باسمك حاف كده حيطين عيشتي….
تأوهت كاميليا بألم و هي تحاول التحرك من مكانها لتقول بصعوبة:”خلاص لما نبقى لوحدنا ناديني كاميليا و لما تبقي قدامه ناديني باللي إنت عاوزاه… آآآه”.
عظت على شفتيها بألم و هي تحاول الاستناد على يديها للوقوف لتسارع فتحية نحوها بهلع و هي تتساءل:”فيكي إيه؟؟؟ مالك؟؟”.
إستندت كاميليا على جانبها قبل أن تنزل قدميها لتغوصا داخل السجادة ذات الفراء الكثيف و هي تهتف بصعوبة :” ارجوكي يا فتحية ساعديني و بلاش أسئلة… انا مش قادرة أتحرك خطوة لوحدي….جسمي كله مكسر،
سكتت فتحية بعد أن فهمت لوحدها ما حصل لتلف ذراعها حول جسد كاميليا و تساعدها للدخول إلى الحمام…
بعد نصف ساعة نزلت كاميليا الدرج بخطوات بطيئة بعد أن إرتدت روب ناعم من اللون الأبيض تتخلله بعض الورود الحمراء، بكم طويل حتى تخفي تلك العلامات التي إستحال لونها إلى الأزرق و البنفسجي أما بقية الآثار فقد حاولت إخفاءها بمساحيق التجميل…
توجهت إلى الصالون لتجد ثريا التي إبتسمت لها بحب حالما رأتها و هي تقول :”بسم الله مشاء الله….. قمر يا بنتي ربنا يحميكي ويحفظك”.
عانقتها كاميليا ثم قبلت جبينها و هي تقول :”صباح الخير يا ثريا هانم…
أمسكت ثريا بيديها و هي تمسح على رأسها بحنان قائلة:” صباح الهناء يا حبيبتي…انا خلاص بقيت ماما ثريا بلاش هانم دي…
إبتسمت لها كاميليا و هي تومئ بطاعة :” حاضر…
تابعت طريقها لتجلس على طرف الكنبة بعيدا عن شاهين الذي كان يخفي نظرات الإعجاب بجمالها الساحر الذي يزداد يوما بعد يوم…
إبتسم بتسلية و هو يراقب تحركاتها الخجولة المرتبكة و هي تتناول كوب قهوتها و تترشفه بتردد… كاد ان ينفلت من يدها و ينسكب عليها عندما سمعت
ثريا تسأل شاهين :”هو انتو حتروحوا إمتى شهر العسل….
ليجيبها الآخر :” لا إحنا حنفضل هنا أحسن…..أنا عندي شغل و مش فاضي….
رمقت ثريا إبنها باستنكار و هي تهتف معترضة:”شغل إيه يا إبني انا بكلمك على شهر العسل… مراتك لسه عروسة و من حقها تخرج و تتفسح، من أولها حتقعدها في البيت “.
وضعت كاميليا كوبها على الطاولة ثم نظرت إلى شاهين الذي كان مشغولا بهاتفه قبل أن تحول نظراتها إلى ثريا و تبتسم لها برقة و هي تجيبها بهدوء محاولة تجنب وقوع مشكلة بينهما بسببها:” معلش يا ثريا هانم هو عنده حق…انا كمان ورايا دراسة و قريب جدا حتبدأ الامتحانات….
توقفت عن الكلام عندما سمعت ضحكات زوجها الساخرة قبل أن يهتف بلهجته الآمرة التي لا تفارقه:” أهو سمعتيها بنفسك يا ماما هي عندها دراسة و انا عندي شغل…مش فاضيين للكلام الفارغ داه….
وضع هاتفه في جيب سترته ثم إعتدل واقفا و هو يكمل :” كملي فطارك و تعالي على المكتب… عاوزك في حاجة مهمة”.
تأففت ثريا بضيق من بروده لتتمتم :” معلش يا بنتي بكره حيروق و حيرجع في قراره…كملي فطارك تلاقيكي مأكلتيش حاجة من إمبارح الصبح….
نفت كاميليا برأسها و هي تقف من أمامها :” لا معلش انا مليش نفس دلوقتي حبقى آكل بعدين… انا لازم أروح أشوفه عاوز إيه عن إذنك”.
ثريا بنظرات عطوفة:” إذنك معاكي يا حبيبتي….
راقبتها و هي تتحرك ببطئ نحو المكتب و لم تخفى عنها نظراتها الخائفة التي تحاول إخفائها بابتساماتها المزيفة لتحدث نفسها متسائلة:”يا ترى عملت إيه البنت دي في دنيتها علشان توقع في إيد إبني….انا السبب انا اللي خليتها تشتغل هنا كان لازم أمشيها من يومها… انا إزاي عملت كده….ربنا يهديك يا شاهين يحنن قلبك عليها دي باين عليها غلبانة و مش حمل اللي بيعمله فيها….
ظلت تحدث نفسها طويلا إلى أن رأت فادي يطل من باب الفيلا و تتبعه زينب متجهين نحوها…
في المكتب……
دخلت كاميليا لتجد شاهين يجلس بشموخ وراء مكتبه الفاخر و هو يتابع بعض الأعمال بواسطة حاسوبه المحمول….
أشار لها بأن تجلس على الكرسي المقابل للمكتب…أخفت إستغرابها لأنه لم يطلب منها الجلوس تحت قدميه كعادته…و هي تتذكر كلام هبة عندما أخبرتها بإمكانية تغيير معاملته لها بعد أن أصبحت زوجته…
أخفضت رأسها بإرتباك بعد أن إنتبهت إلى نظراته الحادة التي تتفرس كل إنش منها و هو يقول بوقاحة :”حلو أوي الفستان…مغطي كل العلامات بتاعة إمبارح….
ظلت صامتة ليسترسل في حديثه :” طيب انا جبتك هنا عشان أقلك على شوية حاجات ياريت تنفذيهم بالحرف الواحد علشان حياتنا تستمر بهدوء و مين غير مشاكل…و مش عايز افكرك انا حعمل إيه لو خالفتي أوامري….
أومأت له برأسها و هي تتحاشى النظر إليه ليكمل….
أول حاجة ممنوع تخرجي من الفيلا لأي سبب من الأسباب…لا تقوليلي صاحبتي و لا عيلتي و لا أي حد أي حاجة انت عايزاها قوليلي و انا حجيبهالك لحد عندك ….ثانيا فادي… تهتمي كويس و مش عاوزه يزعل لأي سبب و انت فاهماني طبعا…ثالثا تلفونك….
انا حسيبهولك تتكلمي بيه براحتك بس مش عاوز اشوف فيه رقم غريب “.
تنحنحت كاميليا لتنظف حلقها لتردف بصوت متلعثم :” طيب و دراستي… انا عندي جامعة…
قاطعها بصوته القوي الذي أثار خوفها مرة أخرى قائلا بنبرة لا تحتمل النقاش :”قلتلك مفيش خروج من الفيلا… لأي سبب، انا إديتك عشرة مليون جنيه… متهيألي مبلغ زي داه حيخليكي تنسي الجامعة و الدراسة كلها….
كاميليا باستعطاف:” ارجوك انا حنفذ كل اللي انت عاوزه بس بلاش الجامعة….انا من حقي اكمل دراستي… انت مش عارف انا قد تعبت علشان اوصل…
رمى شاهين القلم على المكتب ثم مرر يديه على وجهه كاتما غضبه الذي بدأ يتصاعد بسبب عنادها…لتقرر كاميليا السكوت و تأجيل حديثها في هذا الموضوع تجنبا لثورة أخرى من ثورات غضبه لتهتف بصعوبة :”حاضر انا حعمل كل اللي بتقول عليه بس بلاش تزعل…
رمقها الاخر بعدم رضا قبل أن يقول ببرود :” لعلمك دي آخر مرة…و دلوقتي تعالي….
انتفض جسدها و ازدردت ريقها بصعوبها قبل أن تتحرك نحوه بخطوات بطيئة ليزفر الاخر بملل و يصرخ بوجهها :”ساعة عشان تيجي….
توقفت مكانها من الرعب و هي تنكس رأسها و قد تسارعت دقات قلبها من الخوف و هي تتذكر ماحصل معها البارحة…لم تعي بعدها كيف طارت من مكانها و أصبحت تجلس على ركبتيه بعد أن حملها و جلس بها على الاريكة….
رفعت عيناها لتنظر له بخوف كقطة مذعورة في حضرة أسد شرس…
ملامح وجهها الطفولية ببشرة بيضاء نقية تذكره بطفله فادي و عينان زرقاوان ذات نظرات بريئة و جسدها الصغير الذي يضج إثارة و إغراء….
لم يستطع شاهين السيطرة على نفسه لينحني برأسه لا إراديا و يقبل رقبتها قبلات كثيرة و يتنفس بعمق رائحة اللافندر التي كانت تفوح منها…
لم يتوقف إلى هذا الحد و بدأ بالصعود إلى وجنتيها و شعرها و أخيرا شفتيها…بدا كالمغيب و هو يتمتم بخفوت :”مش قادر أكتفي منك يا كاميليا…. انت عملتي فيا إيه….
كان يعتصرها حرفيا بين يديه بينما ظلت كاميليا مستسلمة و تدعو في سرها ان يتركها.. لم تكن تستطيع التحدث مخافة ان تثير غضبه أكثر….
لم تشعر بكل هذا الضعف في حياتها كل ما تستطيع فعله هو الاستسلام و البكاء… و تحمل الألم مرة أخرى… إنعدمت الرؤية امامها بسبب دموعها التي إنهمرت كشلال…
شعرت به يتوقف عن تقبيلها لترفع عينيها الدامعتين ليقابلها وجهه المحمر و هو يلهث بشدة بسبب المشاعر المختلطة التي سيطرت على جسده…
لحظات مرت قبل أن يسيطر على نفسه و يعود لطبيعته من جديد و يضمها برفق غريب إلى صدره كطفلة صغيرة مما أثار دهشتها خاصة بعد أن سمعته يقول :”روحي كملي فطارك انا عارف انك مكلتيش و بعدها إطلعي نامي جسمك لسه تعبان…
ظلت جامدة مكانها حتى بعد أن أرخى ذراعيه حولها ليضحك شاهين بخفوت قبل أن يهتف بنبرة لعوبة :” إيه عجبك حضني للدرجة دي…. انا ممكن اغير رأيي على فكرة و مش حخبي عليكي انا ماسك نفسي عليكي بالعافية “.
قفزت كاميليا من أحضانه رغم دهشتها من نبرته المرحة التي لم تعتادها منها و هي تسترد انفاسها
المسلوبة بارتياح….قبل أن تتوجه سريعا إلى جناحهما لتنال قسطا من الراحة….
بينما بقى شاهين مكانه و هو ينظر إلى أثرها و يبتسم بشرود…و قد أحس أخيرا بدقات قلبه المتجر تعود رويدا رويدا إلى الحياة على يد هذه الطفلة التي لا يكاد يصل طولها إلى كتفه…
في فيلا البحيري…
دخلت ليليان غرفة نومها بعد تناول وجبة الغداء صحبة عائلة عمها ليلحقها أيهم و هو يصرخ عليها بغضب:”إنت ياهانم…إيه الكلام الفارغ اللي كنتي بتقوليه تحت داه..
جلست ليليان على طرف السرير و هي ترمقه بحدة قبل أن تهتف بجرأة:” انا مش بكذب على فكرة كل اللي قلته حصل…. إمبارح مفيش ست فلتت من إيدك في الفرح… عمال تضحك و معاهم و بتعملوا حركات مش بتاعة واحد متزوج و مراته جنبه….إيه مش قادر تعيش أسبوع ثاني بعيد على القرف اللي أنت كنت فيه….
فاجأها بصفعة قوية على وجنتها لتشهق ليليان بألم و لكنها لم تصمت بل تابعت شتمه بحدة أكبر و هي ترمقه باشمئزاز :” حتوقع من واحد زبالة زيك إيه… طول عمرك كده و مش حتتغير بس متقلقش قريب اوي حيجي اليوم اللي اتخلص فيه منك…..
قاطعها أيهم صارخا بجنون :” إخرسي مش عاوز اسمع صوتك…
بدأ يدور داخل الغرفة كالثور الهائج و قد إمتدت يداه لتكسر كل غرض يقع تحت يديه…
قاطع صراخه طرقات عنيفة على باب الغرفة و أصوات محمد و سيف و والدته في الخارج يدعونهم لفتح الباب…
تجاهلهم أيهم الذي إلتفت إلى ليليان لتتفاجئ بنظراته الحارقة و قد انتفخت أوداجه و ظهرت عروق رقبته التي تدل على غضبه العارم مما جعلها تتراجع إلى الخلف نحو الباب محاولة الهرب من بين براثنه…..انتبه لها ليقفز بخفة و يعترض طريقها ليمسك بذراعيها يهزها بقوة قبل أن يهتف متوعدا :”حقتلك يا ليليان لو فكرتي في يوم انك تبعدي عني…مش حسيبك يا بنت عمي لأخر نفس فيا…
في إحدى النوادي….
جففت ميرهان وجهها و رقبتها من العرق بعد أن ظلت حوالي ساعتين تقوم بتمارينها الرياضية المعتادة… نزعت سماعة الاغاني من أذنيها ثم نزلت من على آلة المشي و إتجهت نحو كرسي في جانب القاعة لتجلس عليه لترتاح قليلا من الوقت قبل أن تتجه إلى أحد الحمامات لتغير ملابسها الرياضية إلى أخرى مناسبة….
بعد حوالي نصف ساعة إتجهت إلى مقهى النادي لتناول مشروبا ما… إنتبهت إلى وجود صديقتها سيدرا و التي كانت تدخن سيجارتها و ملامح الضيق بادية على وجهها….
ميرهان و هي تجلس على الكرسي المقابل :”مالك يا بنتي وشك بيقول إن في مصيبة حصلت….
سيدرا بضيق:” يعني انت مش عارفة إن شاهين الألفي إتجوز إمبارح؟؟؟
مدت ميرهان يدها لتناول سيجارة من العلبة الفاخرة الموجودة على الطاولة و هي تقول :”عارفة…. و هو أصلا في حد في مصر معرفش بالخبر داه… دي كل السوشيال ميديا و الأخبار مقلوبة على الفرح الخرافي اللي عمله إمبارح….
صمتت قليلا لتشعل السيجارة و تنفث دخانها بغضب ثم تكمل :” و إلا مراته…بنت المحظوظة لفت عليه و وقعته واحدة زيها إزاي قدرت توقع شاهين الألفي أنا مش قادرة أفهم…. انا حتى عمري ماشفتها قبل كده، هي عرفته إزاي….
سيدرا :” مفيش حد يعرف غير إنها طالبة في كلية الهندسة…يعني هما الاثنين في نفس المجال…
ميرهان باستدراك:” صح هو كمان بيشتغل في مجال الهندسة و المباني…بس هي كده تبقى أصغر منه بكثير….
سيدرا و هي تقلب شفتيها بسخرية:”و لو…واحد زي شاهين داه مفيش بنت تقدر ترفضه و بعدين الفرق بينهم يعتبر عادي عشرة او إحداشر سنة مش كثير… مافي ياما بنات بيتجوزوا رجالة كبار في السن علشان الفلوس إنت ناسية سالي صحبتها اللي متجوزة فاروق بيه صاحب ابوكي….داه أكبر منها بأكثر من خمسة و عشرين سنة…و بيري و كارمن و كثير غيرهم…كله يهون علشان الفلوس يا قلبي”.
ميرهان بتذكر:”أيوا عندك حق بس أنا حتجنن داه انا كنت خلاص حوقعه لولا الغبي فريد….
سيدرا بضحك :” فريد…. ما أنا قلتلك إنه صايع و مفيش في دماغه غير البنات… بس يستاهل العلقة اللي أخذها من البحيري…خليه يتربى… رايح يعاكس في خطيبته قدامه فاكره زيه معندوش أخلاق و نخوة….
ميرهان بضيق من تلميحات صديقتها :”سيبينا من فريد دلوقتي و بعدين انت متعرفيش أيهم كويس داه شبه فريد بالظبط واحد واطي و مفيش في دماغه غير السهر و النسوان و مش بعيد تلاقيه دلوقتي في حضن واحده من نسوانه….
سيدرا بتعجب :” بس داه لسه متجوز جديد و بعدين مراته زي القمر و دكتورة و كمان بنت عمه….
قاطعتها ميرهان و هي تنفث دخان سيجارتها قائلة بحقد:” الرجالة اللي زي أيهم و فريد دول ميملاش عينيهم غير التراب…. الخيانة بتجري في دمهم حتي لو الواحد منهم إتجوز ملكة جمال الكون بيفضل يدور على القرف و القذارة اللي زيه برا بيته…
سيدرا :” ماكل الرجالة كده…
نفت ميرهان مؤكدة:”لا طبعا انت غلطانة امال أنا متمسكة بشاهين الألفي ليه…. علشان مش زيهم داه ممكن يعمل كل حاجة إنت متخيلاها في دماغك إلا إنه يخون مراته…هو صحيح كانت عنده علاقات كثيرة و غريبة قبل الجواز بس بعد ما اتجوز مستحيل حيبص لست ثانية غير مراته علشان كده انا فقدت الأمل إني أوقعه….
حدقت بها سيدرا بتعجب قبل أن تهتف :”انا بصراحة مش مقتنعة بالكلام اللي انت بتقوليه و مفيش حل غير اننا نستنى شوية وقت و حنشوف صحة كلامك….
ميرهان بثقة :” و نستنى ليه… النهاردة بالليل حخليكي تتأكدي من الكلام داه بنفسك…
سيدرا :”إزاي…
ميرهان بغموض:” الليلة حتعرفي كل حاجة…بقلك إيه أنا جعت حطلب غداء تأكلي إيه….
_________________________
مساء ……
تعالت أصوات صراخ في تلك الحارة الشعبية و تحديدا في تلك الشقة القديمة التي تسكنها عائلة منصور والد هبة….
انتفض منصور من مكانه غاضبا ليصرخ في وجه زوجته المسكينة التي تولت مهمة إخباره:”إنت قلتي إيه؟؟ عمر إبن الدكتور عاوز يخطب مين؟؟ هبة بنتي…
نجوى بتلعثم:” أيوا يا خويا و مالو و هو انت حتلاقي أحسن منه فين لبنتك…داه كفاية ابوه اللي خيره مغرق الحارة كلها…
منصور بصراخ:”أديكي قلتيها ابوه.. طيب و أمه اللي جات زمان و فضحتنا في الحارة كلها و إتهمت بنتك إنها عاوزة توقع البيه إبنها و تتجوزه علشان تأخذ فلوسه….
نجوى وهي تحاول إختيار الكلمات المناسبة لإقناعه بهدوء:” زمان غير دلوقتي يا بو ثامر…و أكيد عيلته مش حتعارض جوازه من بنتنا…
هب منصور من مكانه خارجا من الغرفة متجها إلى غرفة هبة و زوجته تتبعه بخوف..
في هذه الاثناء كانت هبة تحادث عمر من خلال رسائل نصية… إنتفضت بهلع و سقط الهاتف من يدها عندما إنفتح باب غرفتها بعنف و رأت والدها أمامها و هيئته الغاضبة لا تبشر بالخير…
قفزت فوق سريرها عندما تقدم ناحيتها لكنه كان أسرع منها ليجذبها بعنف من ذراعها و يسقطها على الأرض بعد أن صفعها بقوة و هو يصرخ غضبا عليها :” قابلتيه فين إنطقي يا فا… يا قليلة الرباية و الله لقتلك و أشرب من دمك….
صاحت هبة بألم و هي تضع يديها على رأسها ووجهها لتحمي نفسها من صفعات والدها الذي ما انفك يصرخ قائلا:
:”بنتك عاوزة تجيبلي العار … انا الغلطان الي سمعت كلامك زمان و رجعتها المدرسة يا ريتني كنت قتلتها بإيدي و إستريحت منها و من فضايحها….
صرخت نجوى زوجته بدورها و هي تحاول إنقاذ إبنتها من يدي زوجها الذي تملك منه الغضب الشديد حتى أصبح لا يرى أمامه..
يا راجل سيب البنت حتموت في إيدك… هي عملت إيه لكل داه؟؟ “.
دفعها على الأرض ثم بدأ بركلها و ضربها على كافة أنحاء جسدها و هو يصيح بهيجان و عيناه المحمرتان ترمقانها بحدة:” تستاهل القتل.. قليلة الرباية…من النهاردة مفيش خروج من البيت و حجوزك لأول واحد يطلب إيدك إنشاء الله شحات….
إرتمت نجوى على الأرض لتحمي جسد إبنتها من ضربات زوجها الغاضب و هي تصرخ و ترجوه بالتوقف…ليمسكها من شعرها بقوة محاولا إبعادها عن هبة ليعاود ضربها من جديد….لكنها تمسكت بها بقوة
توقف منصور مبتعدا عنها و هو يلهث بشدة متوعدا بشر:” بنتك تنسى سيرة البني آدم داه خالص مش عاوز أسمع إسمه في للبيت داه ثاني أحسن و الله لقتلها و ارتاح منها…. كفاية فضايحها زمان….
هبة ببكاء :” حرام عليك يا بابا انا معملتش حاجة عيب…
منصور بجنون :”إخرسي يا كلبة… إخرسي خالص و ليكي عين تتكلمي بعد اللي عملتيه… البنات رايحة الجامعة علشان تتعلم و تدرس و إنت رايحة علشان تقابلي الرجالة….
إبتعدت نجوى عن إبنتها ثم إقتربت من زوجها لتدفعه بخفة خارج الغرفة محاولة تهدءته قائلة :” خلاص يا خويا خلاص كل اللي إنت عاوزه حيحصيل بس كفاية فضائح أبوس إيدك… أصواتنا سمعت الحارة كلها…
نفض منصور يدها بعيدا و هو يرمقها بغضب قبل أن يهتف:” شفتي آخر دلعك فيها… كل ما أجي أربيها توقفي في وشي زي الحيطة…
لملمت نجوى شعرها و أعادت ترتيب ملابسها التي تمزق بعضها و هي تجيبه:” و هي كل حاجة حتتحل بالضرب…حرام عليك يا راجل دي بنتك يعني لحمك و دمك و إنت اللي مربيها و عارف أخلاقها كويس…مستحيل تغلط او تعمل حاجة من ورانا و بعدين إبن الدكتور كمان….
إرتشف منصور كوب الشاي الذي أعدته له زوجته قبل المشاجرة لتمتعض ملامح وجهه تقززا ليردف :”حتى الشاي برد و بقى يقرف…
وضعه على الطاولة بجانبه ثم قام من مكانه ليرتدي حذائه إستعدادا للخروج إلى المقهى و هو يحدث زوجته بلهجة آمرة:” بقلك إيه يا ولية كثرة كلام مش عاوز… هي كلمة واحدة و مش حكررها ثاني… عقلي بنتك و فهميها تبعد عن الجدع داه…إحنا ناس فقراء و على قد حالنا و محيلتناش غير شرفنا و سمعتنا و مش قد إبن الدكتور و عيلته….
هرولت نجوى لتلحقه أمام الباب متسائلة:” طيب إنت رايح فين دلوقتي….
منصور بلامبالاة:” و إنت مالك بتسألي ليه غوري جنب بنتك….
لوت الأخرى شفتيها بضيق من تصرفات زوجها الجافة معها و طباعه الخشنة مع أفراد عائلته ثم أغلقت الباب و إستندت عليه قبل أن تتنهد قائلة بدعاء:”أسترها معانا يا رب…
تحاملت هبة على نفسها و هي تجهش ببكاء أليم ثم إستندت يكفيها على حافة سريرها لترفع جسدها بألم لتصل إلى هاتفها الذي لم يتوقف عن الإهتزاز منذ دقائق طويلة …
حمدت الله في سرها انها غيرت إعداداته و جعلته على وضع الإهتزاز و إلا لعلم والدها بإتصال عمر بها…
قرأت بصعوبة إسم عمر الذي كان يضيئ شاشة الهاتف بسبب دموعها الغزيرة التي غطت الرؤية أمامها لتضغط أخيرا على زر إنهاء المكالمة لعدم قدرتها على الحديث او التكلم…
رمت الهاتف بجانبها ثم رفعت اصابعها إلى وجهها لتتحسس موضع صفعات والدها لتشعر بألم شديد جعل عبراتها تنهمر على وجنتيها بغزارة من جديد…
بعدة عدة دقائق من البكاء شعرت بألم شديد يكاد يفتك برأسها…جففت دموعها بحذر متجنبة موضع الكدمات التي إنتشرت على كامل وجهها و جسدها ثم أعادت ترتيب خصلات شعرها و أمسكت بهاتفها لتجدة عدة رسائل من عمر يطلب منها ان تجيبه… فتحت آخر رسالة لتتفاجئ به يخبرها أنه في طريقه إلى منزلها…
شهقت برعب و هي تفكر في حجم المصيبة التي سيتسبب فيها دون أن يشعر… لتعاود الاتصال به من جديد…
ثوان و جائها صوته المتلهف و هو يقول:”هبة… حبيبتي إنت فين و مش بتردي عليا ليه… إنت كويسة”.
ضغطت على شفتيها بقوة رغم ألمها لتمنع بكائها من جديد و هي تجيبه بصوت مرتعش:”انا كويسة يا عمر….
إنتفض عمر بصدمة و هو يستمع إلى صوتها الضعيف ثم أوقف سيارته على حافة الطريق قبل أن يسألها من جديد:” ماله صوتك… إنت كنتي بتبكي؟؟؟ ابوكي عملك حاجة؟؟
أبعدت هبة الهاتف عن أدنها قليلا قبل أن يسمع شهقاتها المتألمة التي كانت تكتمها ثم أعادته لتقول :” لا مفيش حاجة… صدقني انا بس كنت بعيط شوية…. عشان هو موافقش على جوازنا….
عمر بشك :”يعني ما عمليكيش حاجة…
هبة بنفي كاذب:”لا لا هو بس زعق شوية و بعدين خرج….
عمر بعدم تصديق :” طيب انا حشوفك بكرة علشان أتأكد…
هبة و هي تتحدث بصعوبة :”هو منعني إني أخرج…
قاطعها عمر بصراخ قائلا :”يعني إيه منعك إنك تخرجي.. هو ناوي يحبسك في البيت… ابوكي ضربك يا هبة بس إنت اللي مخبية عني….
هبة ببكاء :” حرام عليك يا عمر متضغطش عليا أكثر من كده انا مش ناقصة… قلتلك مضربنيش إنت مش عاوز تصدقني ليه؟؟؟
تنهد عمر بنفاذ صبر و هو يشتم والد هبة في سره و يتوعده بشدة لأنه أذى حبيبته…قبل أن يجيبها بصوت حنون:” طب خلاص يا قلبي متعطيش… انا بس زعلت علشان كنتي عاوزة تخبي عني إنه أذاكي….طب قوليلي انت كويسة….
زفر بضيق من غباء سؤاله قبل أن يضيف باستدراك:” طبعا مش كويسة انا حاجي دلوقتي حاخذك المستشفى…
صمت عندما قاطعته هبة و هي ترجوه بصوت باك:”لا يا عمر أرجوك متعملش كده…. عشان خاطري متجيش صدقني انا كويسة متقلقش عليا… إنت لو جيت دلوقتي حتزود المشكلة و حتخلي بابا يعند اكثر…..
ضرب عمر عجلة القيادة بقبضته و هو يحس بالعجز للمرة الثانية و لنفس السبب… المرة الأولى كانت قبل سنوات عندما وجد نفسه ضعيفا أمام رفض عائلته لعلاقته بحبيبته وقتها كان مازال صغيرا و في بداية حياته و ما جعله يتخلى عنها هو معرفته بأنه لن يكون قادرا على تحمل المسؤولية إذا إرتبط بها…
لكن الآن كل شيئ تغير و لن يقف مكتوف الأيدي و هو يرى حبيبته تعاني بسببه و لا يستطيع مساعدتها….
همس بصوت حنون و مغمضا عينيه بألم و هو يتخيل حجم ما مرت به من معاناة :”طيب إهدي….بلاش تعيطي إنت مش عارفة انا بيحصل فيا إيه و انا شايف نفسي عاجز كده مش بإيدي حاجة أعملهالك…
هبة ببكاء :” متقلقش انا شوية و حبقى كويسة…المهم إنت متجيش هنا…. أوعدني يا عمر إنك مش حتيجي و مش حتكلم بابا….
عمر بصعوبة :”خلاص يا حبيبتي أوعدك…بس إنت خلي بالك من نفسك و لو حصلت حاجة كلميني و أنا إنشاء الله حلاقي حل في أسرع وقت…. إنت إرتاحي و حاولي تنامي شوية و متفكريش في حاجة….
هبة و هي تمسح دموعها :” حاضر أنا حنام شوية و لما حصحى حبقى أكلمك….
عمر بنبرة عاشقة :”ماشي و انا حستناكي…هبة.. بيبة…
نادى عمر عليها قبل أن تنهي المكالمة..
أيوا…ياعمر..
إبتسم بتلقائية و هو يتلذذ بسماع أحرف إسمه التي نطقتها من بين شفتيها قائلا بصدق:”بحبك أوي…
لم تجبه هبة فورا بل ظلت صامتة لبعض الوقت قبل أن تجيبه بتردد:” و انا كمان…..
رمى عمر الهاتف بجانبه على كرسي السيارة ثم قبض على المقود بيديه حتى كاد يقلعه من مكانه…
طوال المكالمة و هو يخفي غضبه الجحيمي عنها بعد أن علم بما تعرضت له من ضرب و إهانة…وعدها بعدم التدخل أو التحدث مع والدها فقط لأنه لم يكن ان يشغل بالها و يألمها أكثر….
لكن داخله كان يتوعد له بأسوأ العقاب يتمنى لو كان أمامه لكان قتله لتجرأه فقط على إيذائها…
قاد سيارته أخيرا عائدا إلى منزله بعد أن حسم قراره……
……………..
في نفس الوقت في فيلا الألفي ..
نزل شاهين الدرج بخطوات سريعة متجها إلى الخارج و هو يتحدث مع شخص ما عبر هاتفه…
أسرعت فتحية من أمامه و هي تخفض رأسها باحترام متجهة إلى المطبخ حيث تجلس كامليا مع خديجة تتحاذبان أطراف الحديث بعد أن تركت فادي مع يلهو مع جدته في الصالون…
جلست الأخرى قربها على أحد الكراسي المتحلقة على الطاولة الرخامية قائلة بهمس:”أنا شفت البيه من شوية طالع و كان بيزعق في التلفون…
طالعتها كامليا بنظرات متسائلة قبل أن تنطق:” هو خرج؟؟؟
فتحية بتأكيد :”أيوا طلع من شوية بس شكله كان بيخوف كأنه ناوي يقتل حد…
قالتها بهمس لتنكمش كامليا على نفسها قليلا قبل أن تتمالك نفسها و تجيبها :” و إحنا مالنا يا فتحية…إوعي تعيدي الكلام داه ثاني لأحسن إنت عارفة كويس حيحصلك إيه…
إرتجفت فتحية خوفا دون شعور منها خاصة بعد أن تذكرت هيئته الغاضبة منذ قليل لتصمت و هي تومئ برأسها بإيجاب و تضع أصبعها على شفتيها كعلامة سكوت قبل أن تنقل بصرها إلى خديجة التي كانت منشغلة بإخراج بعض الأغراض من الثلاجة العملاقة….
________________
بعد حوالي الساعة وصل شاهين إلى وجهته… مخزن قديم مهترئ يحتوي على آلات و قطع من الحديد القديمة… تملأه الحجارة و الاتربة و الغبار…. دلف شاهين إلى الداخل ليعترضه أحد الحراس و ينحني أمامه منتظرا أوامره بينما إنتشر عدة رجال آخرون في المكان….
شاهين بنبرة صارمة و هو يفتح أزرار كمي قميصه
متجاهلا برودة الطقس… فهو حرفيا كان يغلي من الغضب…:”هو فين؟؟
إرتجف الحارس من صوته قبل أن يجيبه بتوضيح:” هو جو يا شاهين بيه بس لسه مش عاوز يعترف….
أكمل شاهين سيره إلى الداخل بخطوات سريعة دون أن يلتفت إلى الحارس الذي تبعه في صمت…
دخل إلى حجرة جانبية ليجد رجلا يجلس على كرسي يظهر للوهلة الأولى انه ميت بسبب منظر الدماء الذي كان يغطي ملامحه و ثيابه….
أصدر الرجل أنينا خافتا بسبب الضرب المبرح و التعذيب الذي تعرض له على يد رجال شاهين ليعترف بمكان ماركوس(عشيق مها زوجته السابقة)
الذي يبحث عنه من سنوات دون ملل او تراجع…
ركله شاهين بخفة على ساقه لإفاقته…ليحرك الرجل رأسه بصعوبة و يفتح جفنيه المتورمين و ينظر ناحيته…. رمقه شاهين بسخرية عندما لاحظ توسع عينيه بخوف لمعرفته هوية الرجل الواقف أمامه…
صرخ الرجل ببكاء :”ارجوك يا بيه انا مليش دعوة… معرفش حاجة….
قاطعه شاهين ببرود و هو يشعل أحد سجائره قائلا ببرود قاتل :” شششش قلي انت إسمك إيه الأول؟؟؟
الرجل بارتجاف :”علي.. إسمي علي يا بيه
جلس شاهين على الكرسي أمامه ثم نظر له طويلا ليبتلع الاخر ريقه بصعوبة رغم الآلام المبرحة التي تأكل جسده….إلا أن نظرات الشيطان الذي أمامه أكثر رعبا و ألما و هو يرمقه بتفحص بعينيه الناريتين…
قطع شاهين الصمت ليسأله مجددا :” طيب يا علي… انت عارفني طبعا….
أومأ له المسكين بإيجاب غير قادر على النطق من شده هلعه و تفكيره في ما سيحصل….
شاهين ببرود أكثر عكس النيران التي كانت تعصف داخله :” طيب و لما إنت عارف انا مين مش راضي تتكلم ليه؟؟؟؟
علي ببكاء و هو يراقب كل تحركات شاهين بخوف :” و الله ماأعرف حاجة… انا بشتغل في شركة حراسة و كنت من ضمن طاقم الحراسة اللي عينته الشركة عشان حماية ماركوس… و الله يا بيه كان زيه زي أي زبون عادي….
قرب شاهين كرسيه فجأة من كرسي الرجل حتى أصبح أمامه مباشرة ليتصنم الاخر و يحاول التراجع إلى الوراء ليعجز عن التحرك إنشا واحدا بسبب الحبال التي كانت تربط جسده على الكرسي و تشله عن الحركة….تحركت مقلتيه برعب و هو يراقب شاهين الذي إنحنى برأسه ليهمس في أذنه قائلا ببساطة و كأنه يحكي حكاية ما :”عارف يا علي… من حوالي أسبوع زميلك كان ضيف عندي… زيك كده بس خسارة نهايته كانت تحت عجل العربية بتاعتي…عارف ليه عشان هو بردو قال نفس الكلام داه…
تجاهل ببرود تغير ملامح المسكين و هو يكمل بنبرة جحيمية:” ماركوس راح فين لما وصلتوه المطار….
أحابه سعيد بتلعثم و توهان :” مقدرش أقول يا بيه دي أسرار……
لما يستطع إكمال كلامه ليصرخ بأعلى صوته بسبب الألم القاتل الذي شعر به في عينه اليسرى بعد أن أطفأ شاهين سيجارته بها ثم ركله بقوة ليسقط على الأرض و يهو يتلوى من شدة الألم….
أشار الشيطان لأحد رجاله ليهرول مسرعا و يوقف على أمامه من جديد ثم تركه مبتعدا ليعود إلى مكانه من جديد….
تلفت شاهين إلى الجهة الأخرى و هو يزفر بقلة صبر قبل أن يصرخ فجأة :”على…..آخر فرصة ليك عشان تطلع من هنا عايش… الكلب ماركوس سافر على فين؟؟؟
روما…. إي.. طاليا؟ ؟؟
نطق على بهذه الكلمات قبل أن يغمى عليه من ألم عينيه… بينما إرتسمت على ثغر شاهين إبتسامة خبيثة و هو يتمتم بتوعد :” و أخيرا…قربت نهايتك يا ماركوس…
خرج سريعا من المخزن بعد أن أمر بعض رجاله بأخذ على إلى المستشفى…ثم ركب سيارته متجها إلى الفيلا…
دخلت نجوى غرفة هبة لتجدها مازالت جالسة على الأرضية بجانب السرير.. أغلقت الباب ورائها ثم وضعت الكوب على الكومودينو لتجلس بجانب إبنتها و احتضنها برفق قائلة بحنان أموي:”حقك عليا يا ضنايا انا معرفتش أحوشه عنك…بس متزعليش دي آخر مرة إنشاء الله و مش حتتكرر ثاني”.
رمقتها هبة بنظرات منكسرة و هي تجيبها بصوت مبحوح من كثرة بكائها:”إنت ملكيش ذنب يا ماما…. بس هو طول عمره كده مابيعرفش يتفاهم غير بالضرب….
إبتسمت نجوى بغير مرح و هي تربت على ظهر إبنتها قائلة :”ربنا يهديه و يحنن قلبه عليكي يا حبيبتي…. إنت إرتاحي و متفكريش في حاجة و انا إنشاء الله حقنعه…
إبتعدت عنها هبة ناظرة إليها بخوف :” لا ياماما و النبي كفاية لحد كده…متجيبيش سيرة عمر قدامه مرة ثانية لحسن يرجع يضربني و يبهدلني و مش بعيد يجوزني زي ماقال….
أعادتها نجوى من جديد إلى أحضانها محاولة تهدئتها من جديد :” لا طبعا داه هو قال كده بس عشان يخوفك… انا عملتلك كباية الشكلاطة السخنة اللي إنت بتحبيها عشان تروقي أعصابك….
إبتسمت هبة رغما عنها قبل أن تدفن وجهها من جديد لتنعم بحضن والدتها الآمن….
_________________________
ليلا……
في أحد الملاهي الليلية جلست صوفيا مكانها و هي تلهث بشدة بعد أن ظلت ترقص طويلا على موسيقى الاغاني الغربية التي كانت تصدح بصوت يصم الآذان…
أشارت للنادل ان يحظر لها مشروبا جديدا… قلبت عيناها بإهتمام في أرجاء المكان و كأنها تبحث عن شخص ما، إبتسمت بخفة ثم رفعت يدها إلى الأعلى لتشير إلى الفتاتين القادمتين من بعيد تعلمهما بمكانها بسبب الاضائة الخافتة للمكان….
سلمت عليهما بود زائف و هي تدعوهما إلى الجلوس…
:”تشربوا إيه يا بنات…انا طلبت كوكتيل…
وضعت ميرهان حقيبته الفاخرة بجانبها ثم رتبت فستانها المنفوش القصير
ثم أجابتها :” انا كمان حطلب زيك…
أومأت لها صوفيا بإيجاب ثم نقلت بصرها إلى سيدرا لتسألها…
سيدرا :”لا انا حطلب لمون….
بعد دقائق من الحديث الجانبي الغير مهم…..
وضع النادل الاكواب على الطاولة ثم إنصرف لتأخذ كل واحدة من الفتيات مشروبها و تترشفه باستمتاع…
تنحنحت ميرهان بعد أن غمزتها سيدرا دون أن تنتبه لهما صوفيا ثم قالت :” هو انت حتعملي إيه دلوقتي يا صوفي… قصدي بعد ما شاهين بيه إتجوز… بصراحة انا متأكدة انه مستحيل حيستغنى عنك…
صوفيا بنفي :” لا انا دلوقتي مليش أي علاقة بشاهين بيه…من قبل ما يتجوز بأسبوع إتفقنا ان كل واحد حيروح لحاله و إن أنا حرة في تصرفاتي….
سيدرا و هي تكتم سخريتها :” واضح إنك مبسوطة بعد ما سابك….
رمقتها صوفيا بنظرة مطولة قبل أن تردف :”لا مش مبسوطة طبعا بس انا كنت عارفة من زمان إن علاقتنا حتنتهي في يوم من الايام…. لما يتجوز….
ميرهان بخبث:”طيب و إيه يعني إتجوز…انتم مع بعض بقالكم مدة طويلة يعني أكيد مش حيقدر يستغنى عنك بسهولة “.
صوفيا بضحكة تملؤها السخرية :” و أبقى مين انا عشان واحد زي شاهين بيه ميقدرش يستغنى عني….اتا عذراكي عشان إنت متعرفيهوش كويس… هو يقدر يستغني بسهولة و مين غير تفكير على أي حد مش من عيلته….
سيدرا بضيق:”طيب و انت حتستسلمي كده….داه شاهين الألفي انا لو زيك مستحيل أفرط فيه لأي سبب و حعمل كل للي أقدر عليه علشان يفضل معايا….
صوفيا :” بس هو مش عاوز و مفيش ح حيقدر يجبره إنه يعمل حاجة مش عايزها….
ميرهان :”يعني هو سابك علشان إتجوز….
نفخت صوفيا وجنتيها بضيق من أسئلة الفتاتين التي لا تكاد تنتهي و لم يخفى عليها طبعا مقصدهما من ذلك فهي على علم بمحاولات ميرهان البائسة للفت إنتباه عشيقها
لتقول بحدة :”أيوا شاهين مستحيل يخون مراته و انصحك تدوري على حد غيره علشان توقعيه يا ميرهان…. عشان اللي إنت بتفكري فيه مستحيل يحصل….
نظرت ميرهان لسيدرا بنظرات ذات مغزى و كأنها تخبرها بصحة كلامها صباحا…لتبادلها الأخرى بنظرات حائرة قبل أن تعود لارتشاف مشروبها…..
في فيلا شاهين…
تعالت ضحكات شاهين و هو يقرأ رسالة صوفيا التي أرسلتها له تخبره عن حوارها مع الفتاتين…. رمى هاتفه على المكتب ثم وقف من مكانه ليفتح الباب و ينادي على الخادمة زينب التي جاءته سريعا :”أيوا يا بيه….
شاهين و قد إرتسمت على شفتيه إبتسامة لعوبة :” نادي للهانم… قلها تيجي حالا….
اومأت له زينب بطاعة قبل أن تهرول إلى الصالون لإستدعاء كاميليا….
عاد شاهين إلى الداخل متجها إلى ناحية البار ليختار إحدى زجاجات النبيذ المعتق و معها كأسين ثم يعود إلى الاريكة…. وضع الزجاجة أمامه ليفتحها لتصدر صوتها المتعارف عليها و يتناثر القليل منها على الطاولة…
طرقات خفيفة على باب المكتب…تلاه صوت خطوات ناعمة متعثرة و عطر هادئ تسلل إلى أرجاء الغرفة….
إبتسم شاهين داخله ثم أشار لها بالتقدم و هو يصب القليل من المشروب في كل كأس…
رفع رأسه ليجدها تنظر له بإستغراب لم يدم طويلا بعد أن جذبها فجأة ليجلسها على ساقيه و يلصق شفتيه على شفتيها بقبلة طويلة عنيفة…الفصل السادس عشر
لم يكن يشعر بها و هي تئن بين ذراعيه متألمة ترجوه بكل الطرق ان يرحمها و يتركها….مرت ساعات طويلة بدت لها و كأنها لن تنتهي أبدا و كان الوقت توقف و هو لا يتوقف يأخذها مرارا و تكرارا…لا يمل و لايكتفي منها و كأنه لم يلمس في حياته إمرأة قبلها….
كان في عالم آخر من النشوة و الاستمتاع …حاولت دفعه لكنه ظل متحجرا مكانه… لمساته التي تتغير كل لحظة… ناعمة حنونة و مراعية في بعض الأحيان و خشنة قاسية أحيانا أخرى… شخصين يتصاراعان داخله بقوة أحدهم يعاملها كقطعة ألماس نادرة لا يوجد لها مثيل و أخر يذكره بالماضي…
بتلك اللتي كان يخاف عليها من نسمة هواء، كيف سحقت حبه العظيم الذي كان يكنه لها تحت قدميها دون تردد…
إبتعد عنها أخيرا بأنفاس لاهثة لتشهق كاميليا بقوة كغريق كان يصارع بحرا هائجا لمدة ساعات حتى ظن انه سيلقى حتفه….
إنكمشت على نفسها تبكي بألم و هي تدثر جسدها العاري عن مرأى عينيه اللتين كأننا تتفرسان علاماته الحمراء التي إنتشرت على كامل بشرتها البيضاء اللامعة بأعين مستمتعة….
استند على السرير و هو يرسم ملامح الجمود على وجهه ببراعة… جذب علبة السجائر من جانبه ليشعل إحدى سجائرة و ينفث دخانها الذي انتشرت رائحته النفاذة في كامل أرجاء الغرفة ليزيد من إختناق أنفاس تلك المسكينة التي كانت ترتعش بجانبه من شدة الألم….
كتمت أنفاسها المختنقة بدموعها لتغلق عينيها بإرهاق لا ترغب في شيئ سوى في الموت لعل الحياة ترحمها مرة واحدة.. لم تعد تحتمل أكثر رغم انه لم يمضي على زواجها سوى ساعات قليلة فكيف بأيام او أشهر و ربما سنوات….
رفع شاهين سيجارته أمام لينظر لها بشرود قبل أن يسحقها داخل المطفئة الزجاجية و هو يراقب دخانها الذي إنطفئ رويدا رويدا…
التفت لكاميليا التي كانت بدورها غير واعية بما يحصل حولها تشعر بالخواء و الضعف…كل عضلة في جسدها تصرخ وجعا…لكن وجع قلبها أكبر، ليلة العمر التي مرت عليها و كأنها جحيم….
أغمضت عينيها بقوة و كأنها تمنع صوته من التسلل إلى أذنها…عندما قال بلهجة آمرة :”قومي عشان تاخذي شاور.. المية الدافية حتساعدك عشان ترتاحي…
تجاهلته بينما ظلت ساكنة مكانها لم تتحرك إنشا واحدا…لم تعد لها قوة لتحرك إصبعا واحدا فكيف ستحرك كامل جسدها لتصل إلى الحمام….
زفر شاهين أنفاسه الغاضبة و هو يتفرس ظهرها الساكن قبل أن يقوم من مكانه متجها إلى الحمام لينعم بحمام دافئ….
دخل كابينة الاستحمام ثم فتح الصنبور لتتسابق قطرات المياه الباردة نحو جسده الذي تمددت عضلاته باسترخاء….
أغمض عينيه لتتسلل صور ليلته معها إلى مخيلته من جديد…لينفجر ضحكا بدون سبب و كأنه مختل عقلي…تذكر كم كانت هشةو رقيقة… مستسلمة بين يديه دون مقاومة…صوتها الباكي و هي ترجوه ان يتركها مازال يرن في أذنيه، يبدو أنه قد أحسن الاختيار هذه المرة فحتى زوجته السابقة مها لم تكن بهذه البراءة و النقاء…
مرت سنوات كثيرة لم يلمس فيها فتاة عذراء..لا خبرة لها في تلك الأمور،قلب وجهه باشمئزاز عندما تذكر كم كن رخيصات و هو من تحت أقدامه يتأوهن بكل زيف و عهر حتى يحصلن على رضاه…
أغلق الصنبور لتتوقف المياه و يفتح عينيه القاتمة التي عاد لونها المتوهج، لف جسده بمنشفة سوداء كبيرة قبل أن يضع أخرى أصغر حجما على رأسه ثم خرج و هو يدندن باستمتاع لحنا إيطاليا قديم….
مكث عدة دقائق في غرفة الملابس قبل أن يخرج و هو يرتدي بنطالا قطنيا باللون الأسود…نظر إلى الساعة الفخمة المعلقة على الجدار ليجدها تشير إلى الساعة الثالثة صباحا…
رمى المنشفة التي كانت على رقبته ثم دلف إلى الحمام مرة أخرى…ملأ الحوض بالماء الدافئ ثم سكب سائل الاستحمام برائحة اللافندر الذي إختاره لها لتنتشر رائحته المنعشة…
عاد إلى كاميليا التي كانت لاتزال متصنمة مكانها ترفض التحرك و لو إنشا واحدا مخافة ان يزيد ألمها…
صعد إلى الفراش بجانبها ليضع يده على ظهرها ليشعر بارتعاش جسدها و أنفاسها التي تسارعت حتى تحولت إلى سعال…
ربت على كتفيها حتى تهدأ و هو يقول بهدوء حتى لاتفزع منه اكثر:”انا حضرتلك الحمام…حتبقي كويسة بعد ماتاخذي شاور دافي…. يلا بلاش دلع هي اول مرة بتبقى كده صعبة شوية بس بعدين حتتعودي….
توقف عن الكلام عندما هزت كاميليا رأسها برفض و دموعها لا تكاد تتوقف عن النزول…ثم حركت ذراعيها بصعوبة تحتضن جسدها بحماية…سعلت بقوة مرة أخرى عندما إختنقت بشهقاتها مما جعل شاهين يتراجع بنفاذ صبر ثم يحسم أمره ليحملها بصعوبة بسبب مقاومتها الهستيرية و يتجه بها نحو الحمام….
وضعها بحرص في حوض الاستحمام الذي أعده سابقا لها و هو يهتف بتذمر بسبب تبلل ملابسه أثناء مقاومتها :”ما تهدي بقى احسنلك…. انا لسه مقدر الحالة اللي إنت فيها و الا كنت دفنتك مكانك… غبية”.
رمقته كاميليا بعيون حمراء ذابلة و هو يغادر المكان
و يصفق الباب بعنف وراءه لترخي جسدها داخل الحوض و هي تطلق العنان لدموعها من جديد…
مظهرها كان كارثيا شعرها مبعثر و عيناها محمرة من البكاء و جسدها مليئ بالعلامات و الكدمات التي تبين عنف ماتعرضت له.
في اليوم التالي……..
إستيقظت كاميليا على صوت فتحية التي كانت تهزها برفق و تنادي بإسمها :” كاميليا هانم….من فضلك إصحي الست ثريا و شاهين بيه مستنيينك تحت…. الساعة بقت واحدة و انت لسه نايمة…
فتحت عينيها بصعوبة ثم أغمضتها بسبب أشعة الشمس التي تسللت إلى كامل الغرفة… رمشت عدة مرات حتى تتعود

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الشيطان شاهين)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى