رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل السادس عشر 16 بقلم آية محمد رفعت
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء السادس عشر
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت السادس عشر
رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة السادسة عشر
رنين الهاتف صنع له موسيقى خاصة تطرب خطته الذي صنفها عبقرية لسرعة تحقيق رغباته دون عناء، تجاهل “أيان” أول مكالمة صادرة من هاتفه قصداً ثم جذب هاتفه حينما دق للمرة الثانية، رفعه لآذنيه ببطءٍ شديد ليستمع لصوتها الذي بات مألوف اليه، فردد بلهجته الثابتة:
_اكتشفتي اللي بين العيلتين بسرعة كبيرة أنا نفسي متوقعتهاش..
أتاه صوتها المتردد بالحديث:
_أيوه كان عندي فضول أعرف..
=ولقيتي أيه!
_اللي عرفته وترني وخلاني متلخبطة، بس أنا واثقة ان مهما حصل بينهم فأكيد في سوء تفاهم.
ابتسامة اعتلاها الشر بوسامٍ مخيف ارتسمت على شفتيه التي لفظت:
_مفيش سوء تفاهم يا روجينا جدك قتل أمي وأنا قتله بإيدي!
صدمت مما استمعت اليه، فباتت كلماتها غير مرتبة:
_اللي ماتت مامتك!
بفحيح الشر الخبيث نطق:
_يعني استغربتي اني ابنها ومستغربتيش اني قتلت جدك!
بقلبٍ مفطور بح نبرتها قالت:
_لاني ميهمنيش حاجه غيرك أنت يا أيان، أنا مستغربة انت عملت فيا أيه، ازاي قدرت أحبك بالسهولة دي بالرغم اني مع أحمد من سنين وعمري ما مشاعري اتحركت نحيته!
ازدادت ابتسامته، ومن ثم لف مقعده بعجرفةٍ اتبعت قوله الصريح:
_تقدري تقولي اني عندي سحري الخاص ولا ايه!
استمع صوت ضحكاتها، فقال قبل أن يغلق الهاتف:
_بكره هشوفك..
وأغلق الهاتف دون أن يخبرها بأي مكان سيلتقي بها او أي ساعة، تركها بحيرة أخرى تدفعها بالتفكير به كل ثانية وكأنها أحدى سمات شخصه الغامض ان يدفعها بالتفكير المجبر به!..
**********
توقفت سيارته أمام أحدى العيادات الخاصة بالنسا بعد تفكير عميق بتغير وجهته ليتابع مع الطبيب المعالج لحالة “ماسة”،ولكنه اقتنع بالاخير ان عليه قطع شكوكه باليقين أولاً قبل الذهاب إليه، هبط” يحيى” أولاً ثم فتح باب السيارة مشيراً لها بحنان:
_انزلي يا حبيبتي..
حملت “ماسة” الحلوى التي تحملها على قدميها ثم هبطت تستكشف المكان الذي أتى بها اليه، فذمت شفتيها باستياءٍ:
_فين الحديقة أنت قولتلي هتوديني!
أغلق باب السيارة ثم جذب يدها ليجيبها ببسمةٍ رسمها بالكد:
_انا عمري وعدتك بحاجه ومنفذتهاش.
هزت رأسها بالنفي، فاستطرد قائلاً:
_هنروح مشوار صغير وبعد كده هنروح، اتفقنا؟
ابتسمت لتشرق ظلام قلبه، فخرج صوتها رقيق ناعم:
_اتفقنا.
ابتسامته الهادئة خبئت خوفه العظيم مما سيجتازه بعد قليل، صعد بها للأعلى، فدون إسمها بدفتر الممرضة الخاص، ثم عاونها على الجلوس على الأريكة لجواره، تجاهل نظرات النساء لزوجته التي تبدو من الخارج كطفلة صغيرة غواها أحد الرجال الطالحين، لم يتجاهل نظراتهن قط بل العالم الذي توقف من حوله بأكمله ليستيقظ على صوت الممرضة التي تشير له لتلفت انتباهه:
_مدام “ماسة”، اتفضلي ..
انتصب بوقفته ثم جذبها وهو يردد بابتسامةٍ صغيرة:
_يلا يا حبيبتي..
اتابعته للداخل وعينيها تطوف بالمكان بتعجبٍ حتى حينما ولجت للداخل وفحصتها الطبيبة، اتبعت تعليماتها على وعد منه بإنه سيأخذها للحديقة فور الانتهاء مما تفعله، وبالفعل بعد فحص دقيق اتضح شكوك الطبيبة، فجلست على مقعدها ثم خلعت نظاراتها الطبية لتلقي حديث غير مهندم بطريقةٍ مقززة تحمل شكوك تجاهه:
_البنت حامل، ولو حضرتك فاكر انك جيت هنا عشان تحل الموضوع ده فتبقى غلطان انت في مكان محترم..
شكوكها ربما بمحلها فماسة تبدو كالطفلة الصغيرة وخاصة حينما خسرت من نصف وزنها تقريباً، والحلوى التي تتناولها وطريقتها بالحديث أضافت لها طفولة بعد بلوغها، فظنت تلك الطبيبة ومن بالخارج بأنه يستغل مرض تلك الفتاة، وبالطبع الحديث المسيء التي القته على مسمعه لم يكن من السهل على رجل شرقي، صعيدي تقبله بمنتهى البساطة، لذا ثارت حدقتيه في زقاقٍ مروع، فنهض عن مقعده قائلاً بحدةٍ:
_اللي قاعدة قدامك دي تبقى مراتي على سنة الله ورسوله..
وألقى بملفها الذي يحمل تفصيل دقيق لحالتها بوجه الطبيبة ثم استطرد بلهجة خشنة:
_لولا انك واحدة ست انا كنت ندمتك على الكلام اللي قولتيه ده.
وجذب يدها برفقٍ:
_يالا يا ماسة..
خرج من تلك العيادة وعقله مازال حبيس لتلك الكلمة التي كسرت شكوكه، بالبداية كانت مجرد شكوك ولكنها الان واقع بائس، فكيف لطفلة أن تحمل بطفلٍ أخر؟
لا يعلم كيف قاد السيارة تجاه الحديقة، فجلس على الاريكة المقابلة للارجيحة التي اعتلتها ماسة، نظراته مسلطة عليها ولكنه شارد باتجاه أخر، فأخرج هاتفه ثم طلب أحد الأرقام ورفع الهاتف اليه ينتظر سماع صوت المتصل به، فما ان اتاه صوت”آسر” حتى قال بصوتٍ واهن:
_شكوكي كانت بمحلها يا آسر، ماسة حامل!
*********
وضع “أحمد” الأكياس الممتلئة بالمؤكلات الطازجة بالمطبخ ثم قال بابتسامةٍ هادئة:
_جبتلك كل الطلبات اللي حضرتك قولتي عليها..
تناولت منه “نادين” الأكياس وببسمة ممتنة قالت:
_تسلم يا أحمد، انت عارف “بدر” راجع من اسكندرية تعبان ومش قادر يقف..
عاتبها بقوله:
_مفيش فرق بينا، هروح أشوف عمي لو محتاج حاجه عن أذن حضرتك..
رددت في ود:
_إذنك معاك يا حبيبي..
وكاد بالخروج، فتوقف محله حينما وجدها تقترب من المطبخ بالأكواب الفارغة التي تحملها، فما أن رأته حتى امتعضت معالمها بضيقٍ شديد وكأنها لم تود رؤيته، فشعر أحمد بذاك جيداً ولكنه تجاوز احساسه الدائم نحوها ثم قال بلهجةٍ شبه ساخرة:
_حمدلله على السلامة..
أجابته روجينا ببرودٍ، رغم لمساتها لسخريته الظاهرة:
_الله يسلمك شكراً..
منحها نظرة جافة وكأنما يعاتبها على جراءتها بالرد عليه وعدم اعترافها بأنها ارتكبت خطأ حينما سافرت دون إخباره، سئم معاتباتها الدائمة التي جعلته يمل من ذاته قبل أن يمل منها، لذا أكمل طريقه بالخروج دون أن يضيف حرفاً واحداً، بينما ولجت هي للداخل لتضع الاكواب، فاستوقفتها من راقبت الوضع بينهما بصمتٍ، فتساءلت بشكٍ:
_هو في حاجه بينكم يا بنتي، أحسن أحمد باين عليه انه متضايق من حاجة!
زفرت بتأففٍ شديد ثم قالت بعصبيةٍ:
_هو دايماً كده، أنا كرهته بسبب تحكماته.
بحكمةٍ ووعي تساءلت:
_طب بس قوليلي ايه اللي حصل؟
قالت بايجازٍ شديد:
_متضايق عشان سافرت اسكندرية من غير ما اقوله، عايز يفرض عليا تحكمات من دلوقتي!
ذهلت من تفكيرها الخاطئ تجاهه، فاستجمعت هدوائها أولاً ثم قالت:
_بس هو مش غلطان يا روجين، أحمد معاه حق لانه لازم يعرف كل حاجه عنك مش كلها كام شهر وهيبقى جوزك يا بنتي!
سماعها لتلك الحقيقة الملموسة جعلها تستشيط غضباً، فتهربت من هذا الحديث الذي سيفيقها من حلمها الذي يجمعها بفارس أحلامها الغامض، وكأنها ارتشفت كأس من النبذ لا تريد الافاقة منه، فاستأذنت منها قائلة:
_ورايا محاضرات كتير بكرة، تصبحي على خير.
وتركتها وغادرت لغرفتها سريعاً والاخرى تراقبها بنظراتٍ ساهمه تحاول بها التسلل لرأسها علها تفهم ما أصابها..
**********
بغرفة “حور”..
كانت ممددة على الفراش المجاور لها، تستمع اليها بحرصٍ شديد، وما أن انتهت” حور” من الحديث عن مشاعرها تجاه أحمد، حتى قالت تسنيم:
_بس كل ده غلط يا “حور”، لانه في الاول والأخر مش هيكون ليكي، واديكي نطقتي بلسانك ان فرحهم متحدد يعني تفكيرك فيه مش هيسببلك غير الوجع..
انزلقت الدمعات تباعاً من عينيها تأثراً بكلماتها الموجوعة، فخرج صوتها شبه مسموع من أثر البكاء:
_كل اللي بتقوليه ده انا عارفاه يا تسنيم، بس صدقيني غصب عني.
ثم ابتلعت ريقها على مهلٍ وهي تستطرد:
_بس اوعدك اني هحاول انساه واخرجه من تفكيري..
منحتها ابتسامة صغيرة محملة بالشفقة على حالها، فشعرت بحاجتها للإنفراد بذاتها لذا أغلقت عينيها باستسلام لنومٍ يصاحبه تفكير بالآسر الذي أسر قلبها المعقود بألف عقدة ومشوش بخوفٍ يهدده..
********
خيط الشمس الذهبي انسدل ليغطي ضوئه العالم المحيط بها، فانحدرت على تلك البقاع المتطرفة بالصعيد لتمنحها مظهر رباني مبدع، ومن بينهما منزل كبير الدهاشنة القابع بمنتصف الصعيد، فألتفت الكاميرا التي تنقل ذاك المشهد المهيب لتتسلط على الاسطبل القريب منه، حيث يجلس ذاك العاشق الذي بات قلبه يهاجمه بشراسةٍ ليجعله يفق لذاك الحب الذي ولد بداخله تجاهها، فحتى حينما يفكر بها ترسم البسمة على شفتيه القاسية، نعومة لمساته لذلك الفرس الصغير جعلته يشعر وكأنه يلامس وجهها الأبيض الرقيق، فازدادت ابتسامته الجذابة حينما تذكر ما حدث بالأمس، مازال يتذكر خوفها الشديد حينما هاجمها “همام” فتعلقت به بخوفٍ، مازال يذكر أصغر التفاصيل التي تتعلق بها، حتى ذاك اللقاء القصير قبل صعودها لسيارة عمه، نهض “آسر” عن مقعده بحزمٍ اتخذه بجدية، فصعد لظهر فرسه الجامح ليتجه ناحية المزارع، ومن خلالها سلك الطريق تجاه أرض العم “فضل”، فاتسعت ابتسامته حينما وجده يجلس بمكانه المعتاد ولجواره كان يقف رجل كبير بالعمرٍ وعلى ما بدى له بأنه من أقاربه، لا يعلم بانه من سلب النوم من أعين من أحب، وربما يكون السبب فيما سيواجهه من صراعٍ قاتل..
دنا “آسر” منه ثم قال بإبتسامةٍ عذباء:
_صباح الخير يا عم فضل..
برزت أسنان ذاك العجوز المبتسم وهو يجيبه بوقارٍ:
_صباح النور يا ولدي، اتفضل..
جلس آسر جواره فأشار فضل لمن يتابع ما يحدث قائلاً باهتمامٍ:
_ده بشمهندس آسر يا عباس ابن كبير الدهاشنة فهد بيه..
هز رأسه البغيض بتحيةٍ سريعة، ليستطرد العم فضل قائلاً:
_وده عباس نسيبي.
حياه آسر بتهذبٍ:
_أهلاً بحضرتك..
ثم عاد ليتطلع اليه بإرتباكٍ، لا يعلم بماذا سيبدأ بحديثه، فحك طرف أنفه وهو يردد:
_أنا كنت عايزك في موضوع يا عم فضل.
منحه العم اهتماماً كبيراً بسؤاله:
_انت تؤمر يا ولدي..
استجمع زمامه وهو يتحدث تلقائياً دون لف أو دوران حول الحديث المتلقى:
_أنا كنت بستأذنك أني أجيب والدي والعيلة ونيجي نطلب أيد بنتك..
رمش العم فضل عدة مرات وكأنه يحاول استيعاب ما استمع اليه لتو، فقال بتشتتٍ:
_بنتي أني!، لمين؟
ابتسم آسر ثم قال:
_أيه يا راجل يا طيب، أنا مش مالي عينك ولا أيه!
انتفض قائلاً:
_ده انت سيد الرجالة وتملى عين التخين، بس أني متفاجئ بالموضوع أنت عايز تتجوز بنتي أني!، يمكن اختلط عليك الأمر يا ولدي وتقصد حد تاني..
نهض آسر عن الأريكة المتهالكة ثم عدل من قميصه وهو يجيبه بجديةٍ:
_أنا طالب ايد بنتك تسنيم يا عم فضل، ولو مرحب بينا أجيب والدي ونيجي نزور حضرتك..
حاول النهوض هو الأخر فعاونه آسر، فردد الاخير بسعادةٍ:
_تنورونا وتشرفونا في أي وقت، احنا فديك الساعة اللي نناسب فيها فهد بيه الراجل المحترم اللي كلمته تهز الصعيد كلتها.
ربت على كتفيه وهو يمدحه:
_تسلم يا عم فضل، بكره بليل بعد العشا هنكون عندك.
وودعه ثم أنصرف والأخير مازال يراقبه بعدم تصديق، أما “عباس” فكانت عينيه تثور كبركان خمد لأعوام وحان موعد انفجاره!
**********
بشقة “يحيى”
استمع لطرقات باب شقته الغريبة، ففتح بابه ليجد من يقف أمامه طارقاً بابه بعصاه الانبوسية المذهبة، فارتسمت ابتسامته على وجهه ليحتضنه وهو يردد بفرحة:
_خال “سليم”!
احتضنه سليم هو الاخير ثم قال بضيقٍ مصطنع:
_لقيت واد أختى معيزش ينزل يسلم عليا فقولت نطلعوا ونشوفوا في ايه؟
طل” بدر”و”أحمد” و”عبد الرحمن” من خلفه، فأشار لهما بترحابٍ:
_متأخذنيش يا خال والله ما أعرف أن حضرتك وصلت، اتفضلوا..
ولجوا للداخل جميعاً، فقال “بدر” بتسليةٍ:
_وأنت هتعرف منين طول ما انت حابس نفسك هنا!
ارتسم الحزن بارزاً على تعابير وجهه، فقال:
_أنا امبارح مكنتش بالبيت انا وماسة..
سأله عبد الرحمن باستغرابٍ:
_أيوه صحيح انا روحتلك المصنع بعد العصر قالولي مشى من بدري كنت فين؟
رد عليه بألمٍ صاحب نبرته:
_كنت مع ماسة عند الدكتورة..
انتفض أحمد بلهفة:
_ليه مالها فيها أيه؟
ابتلع ريقه الجاف ببطءٍ، وقد طال صمته الذي زرع الشك بقلب أحمد تجاه تكرار فعلته، فكاد بأن يسأله مجدداً ولكن سبقه عمه حينما قال:
_مالها ماسة يا ولدي، طمنا!
وزع نظراته بينه وبين أحمد قبل أن ينطق ببطءٍ:
_”ماسة” حامل يا عمي!..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))