رواية الحب أولا الفصل العاشر 10 بقلم دهب عطية
رواية الحب أولا الجزء العاشر
رواية الحب أولا البارت العاشر
رواية الحب أولا الحلقة العاشرة
قطع حمزة المسافات بينهما ووقف امامها يواجهها بعيناه الضارية سائلاً إياها بهدوء ماقبل
العاصفة….. “كنتي فين……”
قالت بغصة مختنقة…….
“في المكتب……كان عندنا شغل كتير و… ”
“وكمان كدابة……..”
صوت الصفعة التي تلقتها على وجنتها اخترقت الصمت من حولهما فتسمرت الفتيات بصدمة متسعين الأعين……حتى هرولت شهد نحو اختها شاهقة بخوف عليها……تخبئها في احضانها خوفاً من
بطش اخيها مجدداً……كذلك اقتربت قمر تقف
جوار كيان تدعمها وهي ترمق حمزة بازدراء…
فمن قال انه لا يضرب النساء…يصفع اخته
بمنتهى القسوة معرضها للمهانة أمامهم………..
صاح حمزة غاضباً وهو يقلب عيناه
بصرامة بين شقيقتيه……
“أختك اللي اتفاقتي معاها تغطي عليكي… لم
اتأخرتي قالت انك روحتي عيد ميلاد واحده صاحبتك………الكلام ده صح….ولا بتداري
عليكي في حاجة تانيه……..”
نظرت كيان لشهد مستفسرة بعينيها فأومات شهد برأسها في الخفاء…. فعادت كيان لعينا اخيها
العاصفة واكدت ويدها مزالت تخفي وجنتها
الملتهبة والتي رسم عليها اصابعه ببراعة……
“أيوا…….”
سالها بضراوة غير متهاون…..
“وليه مقولتليش……..مش مالي عينك…….”
تلجلجت وهي تقول…….
“مكنتش هترضى عشان صاحبتي عملى الحفلة
في فندق…….”
رفع حاجباه بعضبٍ هائل…..
“فقررتي تروحي من ورايا مش كده……”
لم ترد وكذلك فعلت شهد….اما قمر فظلت تتابع
بصمت فكان غضبه مهيباً قد لجمها…..
صاح حمزة مقهوراً من افعالهن المستجدة عليه….
فلم يكونوا متمردين هكذا عليه….لماذا الجام
فلت من بين يداه وأصبحت كل فرسة منهن جامحة متمردة تتحداه دون حديث…..تفعل دون الرجوع
اليه……..وكأنهما احرار ولم يكونوا يوماً الأقرب
لبعضهم…….
“مفيش حد فيكم مقدرني…..اختي الكبيرة العاقلة مشت اللي في دماغها وراحت اشتغلت في بيت عاصم الصاوي….والتانيه رجعالي من حفلة في
فندق….والكبيرة بداري عليها وبتكدب عليا…في اي تاني مخبينوا عني…….انا ***بنسبلكم…..صح…..”
ابعدت شهد اختها عنها برفق واقتربت من اخيها
محاولة تهدأته…….
“حمزة………أهدى….عشان خاطري……احنا غلطنا… بس صدقني للضروره أحكام…….واحنا مش بنعمل حاجة غلط….. اختك راحت عيد ميلاد صاحبتها ورجعت الساعة تمانية……..مفهاش حاجة….. ”
ابتسم هازئاً….
“مفهاش حاجة صح…..”ثم نظر الى كيان بقسوة
واقترب منها بملامح متصلبة ثم قبض على
ذراعها هاتفاً بفحيح مهيباً……..بينما عيناه
تقدح شراراً نحوها……..
” بعد كده الخروج ليكي انتي بذات هيكون بحساب…..وبنسبة لشغلك…..انا اللي هوصلك وهجيبك منه……معنتيش هتخرجي تاني غير معايا….وهترجعي برضو معايا….. سااامعه…..”
لكزها في كتفها بقوة…
حاولت كيان التملص من بين قبضته القوية
وهي تئن متألمة……..
“ساامعه حاضر………ساامعه…….”
القى عليها نظرة مزدية ثم دفعها بعيداً
عنه…..
“غوري في داهية على اوضتك……..مش عايز
اشوف وشك……. ”
بالفعل اتجهت الى غرفتها الخاصة واغلقت الباب عليها متجاهلة مبيت قمر بها….فهي تريدها اليوم
حتى لا ينكشف أمرها امام اختها وتعرف ماذا
حدث في الحفلة……وماذا شربت………
ضربت كيان على وجنتيها وهي تسب نفسها
بأقذع الشتائم……فبسبب غباءها……جعلت
الجميع ينظر لها بازدراء….. ويضعها في
خانة الشك…….قد خيبة امال الجميع
وهي اولهم………
……………………………………………………………
توقفت عن الذهاب للمكتب لمدة أسبوع……مكتفية
بالانعزال في غرفتها…..وعدم التحدث مع حمزة
الذي مزال منزعج منها يتجاهل وجودها….
كانت تصر شهد كل صباح عليها ان تذهب الى المكتب وتباشر عملها…..فهي في السابق سعت
لها بشدة مستغلية معرفتها ببعض الزبائن الأثرياء
حتى تجلب لها منهن وسيطاً يُمكنها من دخول
مكتب (سليم الجندي….) والعمل معه…..
لكن رغم الحاح شهد كانت كيان تتحجج بتعب…….أتصل بها سليم خلال الاسبوع اكثر من مرة….وكل مرة ترد بحجة جديدة هروباً من مواجهته بعد هذايانها المخزي في الحفل….
لا تتذكر بضبط ماقالته لكنها تعرف انها قالت أشياء
تكره التحدث بها بينها حتى وبين نفسها ؟!…
في صباح يوماً جديد قررت الذهاب الى المكتب وحضرت أمس ورقة الاستقالة واخفتها في
حقيبتها…..لم تخبر أحد بهذا القرار……حتى لا تكثر
الشكوك والاسئلة حولها……فمن الغبي الذي يستقيل من مكتب مشهور ، ويفر من محامي ناجح
كسليم الجندي………
لها أسبابها الخاصة……وهي تريد ان تلحق نفسها قبل
ان تنغرس أكثر به……..ويستحوذ هو عليها….. كحالة
مع كل أمرأه تقع عينيها عليه………
أوصلها حمزة بسيارته امام العمارة القابع بها المكتب……ولم يتحدث كلمة واحدة طوال
الطريق….وحتى عندما ترجلت من السيارة
متجهة الى المصعد واستقلت به… انطلق هو
بسيارته بعنف معبرٍ….
بداخل المصعد تجمعة غمامة من الدموع في
مقلتاها محجبة عنها الرؤية فانحنت براسها
منهزمة تجش من البكاء وحلقها يموج بحزنٍ
مرير ، كوردة مائلة……أهمل الجميع وجودها
في موسم الربيع ؟!……
…………………………………………………………..
أطرقت على باب مكتبة فسمح لها بالدخول وهو جالس خلف مكتبة ينتظرها بعينين ثاقبتين متلهفتين لرؤيتها…….فلأول مرة منذ ان توظفة هنا ان تبتعد
عنه بهذا القدر…..فكم أشتاق…….وكم مولع برؤيتها
الآن…..
عندما ابصرها واصبحت تحت سطوة عيناه عقد
حاجباه وهو يراها كم كانت باهتة النظرات….حزينة
الملامح…….بعينين حمراوين……..وجسد هزيل من
الحزن……….
لم يتحرك من مكانه بل انتظر….أنتظرها بصبر السبعة
أيام الماضية دونها…..
اقتربت كيان منه بخطوات مستقيمة…..حتى وقفت
امام المكتب وانحنت تضع امامه تلك الورقة البيضاء المطوية…….
وقد خانتها عيناها عند تلك الانحاءه ونظرت اليه عن قرب…..فرأت عيناه كانت تنتظرها وألف قصائد من العتاب تسايرها……..فبلعت ريقها بتوتر وهي تستقيم
واقفة………
نظر سليم للورقة سائلاً اياها دون ان تحيد عيناه عنها…….
“اي دا ياكيان……..”
قالت بشجاعة…… “استقالتي يا استاذ………”
نظر لها بقوة ورمش بعيناه متسائلاً….
فتمسكت بتلك الجسارة داخلها وهي تواجهه
خزيها بقوة……..
“مينفعش افضل بعد اللي حصل…. أرجوك ياستاذ
اقبل استقالتي…….”
اتقصد العناق ؟!…. هذا العناق الذي لا ينتمي للحميمية بصلة بل كان احتواء…. ظن انها بحاجة
أليه ففعلة في لحظة تهور منه….. لكن بعد ان أرتاح على كتفها علم انه هو الظمأءٍ لهذا الدفء الانثوي
….والاحتواء الفطري التي تتمتع به……
يقسم داخله انه لم يستشعر يوماً في احضان ايتن
بهذه المشاعر النادرة، بل كان كل ملامسة بينهما تنقلب لرغبة اجساد جامحة…….
مسك سليم الورقة ودون ان يفتحها قطعها امام
عينيها الحزينتين التي اتسعت بعد ثواني بذهولاً
هاتفه…….
“اي اللي بتعملوا دا يا استاذ………”
قال وعيناه تكتسحان ككلماته…
“كيان….انا نسيت اللي حصل في الحفلة…ولازم
انتي كمان تنسيه………”
اسبلت اهدابها مذعنة بينما قالت بحرج
شديد…
“اكدب عليك لو قولتلك اني هقدر انسى…وهكون كدابة اكتر لو قولت اني فاكرة كل حاجة حصلت…..”
ثم اخرجت تنهيدة ثقيلة على صدرها
وقالت بحرج……
“بس مينفعش اكمل ياستاذ كده أحسن……”
لانت نظراته قليلاً قائلاً من اعماقة….
“انا محتاجك ياكيان…….”
رفعت وجهها اكثر مشدوهة…..فانتبه هو
لتلك الجملة العفوية و التي تحمل معنى
واحد فقط……فصحح مغمغماً……
“محتاجك في المكتب…….والاستقالة مرفوضة…”
هزت كيان راسها وهي تقول
بوجوم….
“يا استاذ اسمعني……..”
قاطعها سليم بخشونة هاتفاً…..
“أنسي اللي حصل ياكيان…..وخليكي……اتفقنا…..”
رفضت عرضة السخي بصرامة…..
“انا مصممة على الاستقالة….انا اسفة مش هقدر اكمل هنا……..”
زم سليم شفتيه متعجباً بينما قال
بعنجهية…..
“مفيش حد عاقل يرفض يشتغل معايا……”
قالت بجزع…..
“قدرني مجنونة…….واقبل استقالتي…….”
سالها سليم بفظاظة…..
“طالما اعصابك تعبانه اوي كده…..اي اللي جابك…”
إجابة بنظرة باردة…..
“عشان اقدم استقالتي اللي انت قطعتها…..”
“هو ده بس اللي جابك……”سالها ببحة خاصة اوصلت الرجفة لجسدها فتلجلجت سائلة
“تقصد إيه…….”
هز راسه نافراً…… “ولا حاجة…….”ثم مسك احد الملفات وادعى الانشغال بها وهو يقول بحزم….
“اعتبريني موافق على الاستقالة مبدايا…..لحد
ماجيب محامية شاطرة او سكرتيرة تشيل الشغل
مكانك……..”
سالته بتردد… “والموضوع ده هيطول يا استاذ…..”
مط سليم شفتيه بعدم إهتمام…..
“على حسب…ممكن شهر…. اتنين….لحد مالاقي….”
قالت كيان سريعاً….
“مش هينفع يااستاذ….انا اخري الشهر ده وهمشي….”
رفع عيناه عليها بقوة…..
“شكلك شوفتي مكان جديد……”
اومات برأسها مجيبة ببساطه….
“أيوا بصراحة….هشتغل مع نائل زميلي….في مكتب المحامي خليل السواح……….”
نهض عن مقعده وتخطى المسافة بينهما… قائلاً بملامح تنذر بالشر…..
“آآه نائل……..قولتيلي……هو انتوا بتكلموا……”
ترجعت كيان تلقائياً للخلف وهي ترمش بعينيها
عدة مرات متوجسة من هجومة المفاجئ……..
“ودا يخصك في ايه يا استاذ…….”
وقف مكانه بعد ردها وأشار على الباب بنفاذ
صبر…. “على مكتبك ياكيان……..”
قالت بأسلوب استفزه اكثر من السابق….
“تمام بس انا اخري معاك الشهر ده……وهمشي..
فحاول تلحق تجيب حد يشيل الشغل مكاني….”
اشار لها مجدداً بتحذير فهو أصبح على حافة التهور… “على مكتبك ياكيان….على مكتبك…..”
لوحت بيدها بتمرد…. “انت بتزعق كدا ليه……”
قطع المسافة بينهما فواجهها بعينين عاصفتين
بينما صدره تضخم من شدة الغضب والغيرة……
هتف من بين اسنانه المطبق عليها بقوة….
” متستفزنيش كيان……”
نظرت اليه بخوف بينما صدرها كان يرتفع
وينخفض من شدة الانفعال….
“بستفزك بأيه مش فاهمة……..”
مالى عليها براسه صارخاً باسمها بسطوة
مفجعة… “كــيــااااااان……..”
فاغمضت عينيها مرتعبة منه….هامسة بضعف….
“آسفه…..آسفة خلاص……..”
لم يحتاج الأمر منه أكثر من دقيقتين حتى
انسحب ثم اولاها ظهره قائلاً بصوتٍ متحشرج
من شدة الانفعال….. “اخرجي….اخرجي ياكيان…….”
اومات براسها بخوف وهي تركض على الباب المفتوح لتجد نفسها ترتطم بشاب ذات عطر
قوي ….رفعت فيروزيتاها عليه…لتجده
يبتسم لها قائلاً بعبث…..
“خدي بالك ياقطة……..”
استدارت تنظر الى سليم العاصف فوجدته يشير
لها بعيناه ان تخرج….ففعلت متجاهلة الرد على
هذا الزج……
استقبله سليم بملامح
واجمة…..
“خير ياشادي اي اللي جابك……”
دخل شادي المكتب وتخطاه ثم جلس على
الاريكة بصلف قائلاً بسماجة……..
“اي الاستقبال ده… دا انا أول مرة حتى اجي
مكتبك……..”
رد سليم بملل وهو يمسح على وجهه
بكفه….
“جاي لي ياشادي….. أخلص عشان عندي شغل
في المحكمة كمان نص ساعة……..”
ابتسم شادي بعبث قائلاً بلهجة لعوبة…..
“اوكي… روح المحكمة وخلص شغلك وانا هستناك
هنا…. مش السكرتيرة هتفضل برضو هنا…..”
جز سليم على اسنانه والغضب يتفاقم داخله
كمن يحترق على صفيح ساخن……
“شادي…. كيان محامية تحت التدريب وبتروح معايا
المشاوير اللي زي دي……. انت بقا عايزة إيه…..”
رد شادي بابتسامة سميكة……
“انا جايلك في قضية كبيرة تخص والد واحد صاحبي…. وانا بصرحة شكرت فيك وقولت انك الوحيد اللي هطلعه من القضية دي…..”
جلس سليم على المقعد المجاور للاريكة متسائلا ببرود….. “نوعها اي القضية دي……”
رد شادي ببساطه……. “مخدرات……”
أفصح سليم برفضٍ تام……
“انا مبشتغلش في قضايا مشبوهة…..انا محامي وليه اسمي….دور على غيري ياشادي……”
“مفيش مشكلة….القضايا كتير…..وانا لازم انفعك…
مش يمكن اكون السبب في اني اشهر المحاميه
القمر اللي قاعده برا دي……..”كان غليظ بطريقة استفزت سليم اكثر من الازم مما جعله يهدر بنفاذ صبر عليه…
“شادي…..كيان خط أحمر…….”
ضحك شادي بلؤم وهو يقول
ساخراً….
“غريبه……ايتن خط أحمر….. وكيان خط أحمر….
هو انت كل الستات اللي حوليك خط أحمر ولا
إيه….أرحم ياسليم….احنا كمان لينا نفس ندوق…”
اندفع الغضب داخله دفعة واحده فسحبه
من ياقة قميصة وجذبة إليه قائلاً بصوتٍ
أشبه بزئير الأسد…….
“انت عارف لولا انك في مكتبي…..انا كنت عملت فيك إيه………”
اهتزت حدقتي شادي بخوف ولم يقدر على السؤال فتابع سليم بعينين غاضبتين…مستهينتين……
“حظك حلو اني خايف على شكلي وسمعتي قدام
الناس….اخرج برا…….برا……….”
دفعه بقوة بعيداً عنه….فعدل شادي قميصة متوعدا
له…….بينما هدر سليم ينادي عليها بقوة…..
“كيااااان……..”
اتت كيان مهرولة بقلبٍ مزعور…ووقفت امامه
شاحبة الوجه بوجل…….
فاشار لها بان تجلب له أحد كتب القانون من
المكتبه الواقفة جوارها..ففعلت بحاجب معقود
وفم فاغر….كل هذا الصراخ لأجل كتاب !!….
بينما على الناحية الأخرى أشار هو لشادي بصرامة
بأن يخرج……بعد ان ضمن تواجدها امام عيناه…..
……………………………………………………………
كانت تسير في شارع الصاوي في طريقها للمطعم
بعد ان جلبت بعض المنتجات الغذائية التي ستحتاجها أليوم……
واثناء طريقها انتبهت لمشادة كلامية بين سيدة عجوزة بائعة خضار على الرصيف وبين المدعو (مرعي…)
تاففت في سرها مستغفرة الله ثم أسبلت
هدابها متجاهلة الأمر……….
لكن بكاء السيدة أوجاع قلبها واشعل الدماء في عروقها…خصوصاً وسيدة تبكي وتقسم بانها ليس
معها إلا ثمن الخبز لصغارها…..
والمدعو (مرعي..)يهددها بمنتهى الجحود بان يلقى فرشتها خارج الشارع ويمنعها من الدخول لهنا
وكاننا عودنا لزمن النبوت وفتوة الحي…والافتراء
على الغلابة أصبح من شيم القوة والسلطة لديهم……..
جزت على اسنانها وهي تعود ادراجها إليه….ثم
وقفت امامه تسأله بهدوء…..
“في اي بتزعق للست كدا ليه….مابراحة دي قد أمك……”
لوح مرعي لشهد بيده وهو يرمقها شزراً…..
“ماتخليكي في حالك ياست شهد……وبلاش تدخلي نفسك في مشاكل انتي في غنى عنها……”
بكت السيدة العجوز والتي ترتدي عباءة سوداء ووشاح رأس مماثل لها….كانت نحيفة الجسد قصيرة القامة……. التجعيد تملئ وجه شاب من كثرة الهموم والفقر……..
صرخ مرعي فيها قائلاً باسلوب بذيئ…
“ما تبطلي كهن يامرا….ودفعي اللي عليكي ماهي مش تكيه ابوكم…….المكان اللي واقفه فيها يخصني
وانا خليتك تقفي فيه تسترزقي وانا كمان استرزق
هتبوقي وتتكهني….قسما بالله اجبلك الخضار دا
كله على الأرض…….وهتدفعي برضو…. ”
قالت السيدة باكية وهي تمد له يدها
بمبلغ زهيد….
“والله يابني ما جمعت اللي دول…….”
نظر للأوراق المهترية بيدها ثم صاح
بجحود…
“يعمل اي دول….. دا ميجبوش علبة سجاير….”
قالت السيدة بحسرة وهي تنظر لفرشتها….
“وانت شايفني فرشة ووقفه بأيه يابني….دا
خس وجرجير وكزبرة…..ابوس إيدك يتاخد دول
يا تفوت النهاردة وانا والله هجبلك فلوسك
بكرة…….”
“بقا كده؟!…. يبقا انتي بقا اللي جبتيه لنفسك…….”
مالى مرعي على الخضار ينوي طرحه أرضا…..لكن شهد وقفت امامه تمنع الخراب ببسالة وبنظرة
حاسمة…….
“استنى…….انا هديك الفلوس………”
توقف مرعي وهو ينظر اليها بحاجب
مرفوع…
“قد القول….. ولا اي كلام……..”
زفرة شهد بقرف وهي تسأله بحنق
شديد….
“اخلص عايز كام…….”
اخبرها بالمبالغ الذي يريده فاخرجت من محفظتها عدة أوراق مالية واعطاتها له قائلة بازدراء…..
“اتفضل وياريت تبعد عن الست وتسبها تسترزق.. خلي في عينك حصوة ملح ياخي………”
ابتسم من زاوية واحدة قائلاً بجشاعة….
“عنيه ليكي ياست شهد انتي تأمري….بس شكل الآشية بقت معدن….والبلية لعبت معاكي…..”
ارتدت شهد القناع الحازم وهي تقول
بصرامة…….
“ميخصكش………ورينا عرض كتافك……”
“ماشي مصيرنا نتقابل تاني…هنروح من بعض فين……..”قالها وهو يبتعد عن ابصارها بمنتهى
الثقة والغرور…….يمشي مشيت المفتخر
بذنوبة…….
مسحت السيدة دموعها ونظرت لشهد بامتنان..
“كتر خيرك يابنتي…….ان شآء الله لما أبيع
الخضار دا هردهملك………”
“سيبك من دا كله…وقوليلي اي الخضار الأخضر
الحلو ده…..شكله صابح…..”قالتها شهد وهي
تنحني على الخضرة لتاخذ ما تريده…..
قالت السيدة وهي تجلس امام
فرشتها البسيطه…..
“أيوا والله بجيبوا كل يوم صابح…….”
أخذت شهد ما تحتاجة ثم استقامت واقفه
تقول….. “طب انا هاخد دول…حسابهم كام…….”
ضربت السيدة على صدرها شاهقة…..
“ياخبر…..بعد اللي عملتيه…..مش عايزة حاجة دول
عشانك ولو انهم أقل بكتير من اللي دفعتيه……”
قالت شهد بامتناع وهي تخرج من محفظتها
عدة ورقات مالية…….
“لا طبعاً الشغل شغل….خدي دول…….”
اخذتهم منه السيدة باستحياء…..
“بس دول اكتر من تمن الخضار…….”
اهدتها شهد إبتسامة رقيقة…..
“بتمنهم…….صباحك ورد………”
ابتعدت فدعت لها السيدة بمحبة…….
“صباحك فل وياسمين…..ربنا يجبر بخاطرك ربنا يسعدك….وينصرك على مين يعديكي……..”
عندما وصلت المطعم دخلت المطبخ سريعاً ووضعت
الاكياس على الرخامة بعصبية…..
فنظرت لها خلود بتعجب…..
“مالك جايه قلبه بوزك كدا ليه……..في حاجه حصلت……”
رفعت شهد شعرها للأعلى بعنف….
“الزفت اللي اسمه مرعي…مش ناوي يجبها لبر…”
سالتها خلود بتعجب…….
“ماله ومالك….ماهو بياخد اللي هو عاوزه….
عايزة اي تاني…”
تحركت شفتي شهد بشراسة…..
“ماهو عشان بياخد اللي هو عاوزة سايق فيها…”
مطت خلود شفتيها بعدم فهم…. “عملك إيه؟…..”
هزت شهد راسها وهي تسرد الموقف
ممتعضة الشفاة…
“مش انا ياخلود…قعد يرزاي في ست غلبانه فرشة بشوية جرجير في الشارع…راسه والف سيف يرمي حاجتها في الشارع…….قال ايه مدفعتش تمن وقفتها…. “برقة شهد بعينيها بشراسة
مضيفة…….
“وهو مال اهل….. مالك الشارع واحنا منعرفش…..”
سالته خلود بحذر….. “اوعي تكوني ادخلتي……”
اومات شهد برأسها ببسالة……
“طبعاً ادخلت…..الست صعبت عليا…مقدرتش امشي
وسيبها مذلولة لكلب زي ده….خصوصاً اني اقدر اساعدها………”
عقبت خلود بسخرية……
“وطبعاً خدتي البطولة ورحتي دفعتي الفلوس
من جيبك…….”
تعجبت شهد من هذا التعقيب المعاتب في
نفس الوقت……..
“امال عايزاني اعمل اي ياخلود…ست غلبانه هيرمي
فرشتها في الشارع….هو احنا قلبنا بقا حجر كدا ليه……”
قالت خلود بالامبالاة…..
“الحياة بقت صعبة وكله بقا بياكل في كله….”
انحنت شهد بكفها على الرخامة تقول
مفكرة بجدية…….
“مش مبرر…….انا عايزه احكي لعاصم على اللي بيحصل اهو يتصرف هو وكبار الشارع…ويلموا
الواد ده…….حرام اللي بيحصل ده والله..طب
احنا معانا ندفع غيرنا مش معاه يعمل إيه…….”
اجابتها خلود باستهانه…..
“ميعملش حاجة يشوفله مكان تاني يفرش فيه….”
هزت شهد راسها مستهجنة……
“اهو نظام نفسي نفسي ده….هو اللي مخلي واحد
زي ده يتنطط علينا….لو كلنا حطينا ايدينا في ايدينا
بعض هيحرم يبلطج علينا……”
حذرتها خلود قائلة بالهجة خطِرة…….
“شهد احنا مش عايزين مشاكل خافي على اكل عيشك….واياكي تقولي حاجة لعاصم….الدنيا هتولع
في الشارع من تاني…وانتي أول واحده هتتاخدي في رجلين لانك فتنتي عليه……اتقي شر مرعي دا
ابن حرام وملوش عزيز ولا غالي………”
اصرت شهد بعناد…..
“انا برضو مش هرتاح غير لما اجيب مناخيره
الأرض انا مش عجبني اللي بيحصل ده….دا ظلم……”
زفرة خلود مستغفرة ثم اخبرتها بقلة
صبر……..
“مين بيرضى الظلم ياشهد…محدش راضي عن عمايله المهببه…. بس اللي زي دول لو وقفتي قصادهم قولي على روحك يارحمن يارحيم….”
قالت شهد بشجاعة….
“ومين قالك اني خايفه منه…….”
قالت خلود بوجوم……
“بلاش تخافي على نفسك…خافي على اكل عيشك…
عليا وعلى جوزي والبنات الصغيرة اللي شغاله معاكي
خافي على أخوكي……..”
عند تلك النقطة تاففت شهد منزعجة وهي تغلق جفنيها لثانيتين ثم نظرة اليها قائلة بجزع….
“اقفلي على السيرة دي ياخلود…….وخلينا نركز
في شغلنا…….”
تنفسة خلود الصعداء وهي تخبرها بنبرة
عادية……
“عين العقل……… اسمعي بقا … في خمس اوردرات اتصله ورا بعض……. عايزين اي بقا ياستي…….
…………………………………………………………..
كانت تتنقل بين طاولة وأخرى توصل الطلبات
لزبائن المطعم………..
كانت تتحرك بحيوية ترتدي تنورة طويلةٍ سوداء
وكنزة صيفية انيقة وفوقها المريول……….ترفع
شعرها للأعلى بفوضوية محببة للأعين بينما
تتناثر الغرة بنعومة وتغطي جبهتها بدلالٍ…..
كان يذيع الراديو حينها أغنية رائعة تتماشى بشدة
مع نشاط حركاتها المبهجة………
(سألته هل داء الولع كان الجواب صدّه
ساق الدلال ساق الدلع مفاتيح هواه صدّوا
ومشيت أوشوش في الودع ولا جاني ليه ردّه
اللي فتح باب الوجع واجب عليه ردّه…)
( يالا ويا لالا ويا لالا يالا ويالا لِلّي
يالا ويا لالا ويا لالا يالا ويالا لِلّي…)
وضعت شهد الاطباق وهي تلقي ابتسامة مشرقة لزبائنها….فدخل من باب المطعم عاصم..والذي كان
عابس الوجه يستحلف لها بان يقتص منها كل
ما تفعله به………وخصوصاً الحيرة في فهمها….
رفعت عسليتاها عليه وعندما ابصرته خفق قلبها
بشدة وهي تخصه بإبتسامة دافئة مشرقة ملكاً له واحدُ…..سرعان ما تبدل حالة ولان قلبه اليها ولوهلة نسى مالشيء الذي كان يغضبهُ منها منذ لحظات…….
هل تلك الجميلة صاحبة العيون العسلية المتلألأة
تستحق عناء العتاب….يالك من جلف؟!……
دوى صوت المذياع من جديد والعيون متعانقة
بألق عاطفياً…………بينما القلوب تحترق
صَبَابَة…..
(بعيونه بضرب مية مثل أول ما بيطلّوا
دَوقّته من طعم الغَزَل دوقّني من ذلّه
وبحبه أنا مهما حصل طب مين بقي يقول له
ماهو لو حبيبك كان عسل متخلّصوش كلّه….)
ظلت واقفه جانباً بانتظاره حتى قطع المسافات هو بخطى ثابته نحوها….وعندما وقف امامه نظر لها
بضيق……
“اي اللي عملتي امبارح دا ياشهد…….”
تاملت ملامحه العابسة ولحيته الحالكة….
وعيناه المظلم بالدفء ؟!….فبلعت ريقها وهي
تبحث عن صوتها امام هيبة حضوره………
“طب صباح الخير الأول….مالك مضايق كدا ليه….”
رد قاطعاً…….. “منك…..”
رمشت جافلة للحظات……. “انا ؟!…. لي كده…….”
اغمض عيناه زافراً ثم عاد اليها كاظم
الغيظ………
“اي حكاية فلوس الايجار اللي ادتيه للحاجة….هو مش الشغل دا بينا….بدخلي الحاجة نصرة فيه
ليه….”
قالت شهد مختصرة…..
“ببساطه لانك مش راضي تاخد فلوس الإيجار……”
رفع حاجب ضارياً…… “تقومي تدهولها……..”
بملامح ثابته اوضحة وجهة نظرها…..
“الشغل شغل ياعاصم….وطالما انا متحرجتش وخدت حقي بعد ماليوم خلص….انت كمان متتحرجش تاخد مني إيجار المطعم……..”
زمجر عاصم….. “حد قالك اني محتاج…….”
بهت وجهها في لحظة وسالته……
“قصدك اننا اللي محتاجة…عشان كده خدت حقي..”
قال بثبات انفعاليّ…..”انت لسه قايله حقك…….”
ردت بصلابة……”وفلوس الايجار حقك انت كمان…….”
تافف عاصم بحنق شديد…..
“انا تعبت معاكي مبقتش فهمك ياشــهــد……”
خفق قلبها بشدة مع سماع اسمها بايقاع يطرب
مشاعرها……..
ومع ذلك عقدة ساعديها امام صدرها وبدت في
أوج الهدوء وهي تخبره…..
“انا اللي مش فاهمه اي اللي مضايقك……مفهاش حاجة خالص لو اتعملنا في الشغل كده…..ملهاش
علاقة باي حاجة في دماغك…….”
سالها متزمراً……. “واي هو اللي في دماغي…….”
بعفوية إجابة…….. “انا……”
نظر لها بقوة وقد اشتعلت وجنتيها بعد ردها السخيف……لكنه لم يمهل عقلها فرصةٍ للتبرير فأكد بنظرة مهيمنة……..”كويس انك عارفة…….”
رمشت عدت مرات وهي تهرب من عيناه القوية ولكن ازدادت سلطة نظراته عليها فسالته بنبرة مهتزة…..
“بتبصلي كدا ليه…….”
رد بلهجة خطِرة….. “عايز اتكلم معاكي……..”
نظرة للمطعم الذي يعج بالزبائن والتي بدأت تركز معاهما بعد تعابير وجوههما ونظراتهما المعبرة كذلك…..
“ينفع اخر النهار بعد الشغل……”
هز عاصم راسه غير مرحب بالفكرة……
“اخوكي هيكون هنا…ولي عايز اكلمك فيه مش عايز
حد يسمعه غيرنا….على الاقل دلوقتي……”
سيطر الفضول عليها لذا قالت مقترحة…
“تحب نتكلم دلوقتي…….”
رفض قائلاً بخشونة…….
“هعدي عليكي كمان ساعة…..في نفس المكان اللي
بنتقابل فيه…….”
قالت سريعا…… “هسبقك على هناك……….”
اوما لها بالموافقة وهو يتعمق في كهرمان
عينيها……..ثم اخبره بعيون مداعبة…….
“صحيح………صباحك زي الشهد……ياشـهـد…….”
ابتعد مغادراً المكان تارك قلبها يشتعل في حضورة
ويحترق في بعاده…….فأين الخلاص منك ياسيدي..
……………………………………………………………..
جلست على أحد الصخور الحجرية الموجوده على سطح البحر من ناحية اليابسة……..
مدت يدها في الماء وحركتها على مهل وهي شاردة في جمال الكون….وابداع الخالق……..والماء يداعب
يديها ويعانقها على مهل………..
بينما الجلوس امام زُرقة المياء يصفي ذهنها ويريح
بالها قليلاً وكانها في مكانها المناسب……….اغمضت عينيها تاركه احساسها يعلو فوق السحب…..وصورة الوسيم ذات الحضور المهيب والاهتمام الحاني….. ونظراته الدافئة نحوها…. تحرك مشاعرها الى المجهول…….
تستشعر انها تغرق معه….ومع ذلك سعيدة….بل لولا
انها نست كيف تعبر عن سعادتها لكانت فعلت….
انها نست كيف تكون السعادة…..لكنها تشعر بها معه…
وحتى ان فشلت في التعبير عن مايجول بخاطرها
هي تشعر انها تلامس نجمة من السماء معه…..
لكن الماضي….والدها ….إلهام…..الانتكاسات الكبرى التي حصلت من خلفهما…….كيف ستتخطاها….
هي وشقيقيها………
وحالياً….. شقيقة الهام رُفيدة طليقة عاصم……كيف
ستتخطى هذا الأمر…..وقد رأت في عينيها بصورة
صريحة انها لا تنوي خيراً……..
وماذا عن خطط المستقبل…..احلامها…ما تطمع اليه وتود الوصل له…الاستقلال…. البعد عن كنف الرجال من جبروة وجحود وقسوة تظلل قلوبهم………..
اين ذهبت…..المشاعر تأرجح قرارتها يميناً ويساراً
وأصبحت ضائعة……. مشتته………تاركه نفسها
للاحداث تحركها دون ان تبدي قراراً قاطعاً
بها…..
“اتأخرت عليكي…..”
اتى صوت عاصم ليطفئ نيران افكارها….ويشعل نيران مشاعرها…….فنظرة اليه بصمت وعادت تتلبسها
تلك المرأه الكارهة للحياة ، الفظة مع بني آدم….
“خير كنت عايزني في إيه…….”
انعقد حاجبي عاصم سريعاً معقبا
بارتياب…
“سؤال بس…… هو انتي ملبوسة…….”
“إيه……”اتسعت عينا شهد نحوه
بصدمة….فاكد هو بوجوم…..
“انتي مش طبيعيه ياشهد…….مش طبيعية…..”
احتدت نظراتها عليه….. “قصدك اني مجنونة…..”
رد بفظاظة عليها….
“ياريت كانوا جلستين كهربا فوقوكي…..”
“انا ماشية……” تزمرت بمنتهى الانفعال وكادت ان تنهض من مكانها…..لولا يد عاصم التي قبضة على
معصمها تمنع تحركها بينما هو يخبرها بعنف
ونظرات متوهجة………
“قعدي هنا……….اسمعي ياللي لحد دلوقتي مش
فاهم فيكي غير أسمك……كلك كلكيع ومش مفهومه
ومع ذلك عجباني…..إزاي بقا معرفش…تقريباً الواحد قُرب الاربعين مخه بيسيح ………زي مابيقوله كده شاب وخاب…..وانا شِبت وخِبت….وعايز اتجوزك…..
يامجنونة…..”
تسمرت مكانها كتمثال مجسم لا تبدي اية ردة فعل…
فقط حدقتيها تهتز باتساع جفنيها أكثر… تنظر اليه بعينين غير مستوعبتين… غاضبتين…مرتبكتين
وعندما طالت نظراتها الممزوجة بمشاعر عديدة
سألها ببطئ……بينما عيناه تجري على تعابير
وجهها الصريح…….
“بتصيلي كدا ليه…….. موافقة…….”
هزت راسها بسرعة… “لا…….”
لم يبدو عليه الانزعاج من ردها المتسرع وكانه
فهم حالة العِته التي تزورها بين الحين
والآخر…….
“كنت متأكد انك هتقوليها…… قلبك حجر…. لا
ليه ؟!……”
حاولت ان تتجازو حالة الذهول التي تلبستها
تلك……وقد عادت الى رشدها بتدريج…
فاطرقت براسها قائلة……..
“عاصم…….. انا مش مستعده للجواز…….”
رد هو ببساطه…. “ولا أنا………”
رفعت عينيها عليه بصدمة ممزوجة بسوء
الظن…… “يعني إيه……..”
فهم مغزى نظراتها وسؤالها المرتاب فقال
بجدية…….
“اي النظرة دي…. اكيد عايزك في الحلال… بس انا قصدي نعمل فترة خطوبة… ونتعرف فيها اكتر على بعض……. ونقرب المسافات بينا…… ”
سالته جافلة……. “خطوبة؟!…….”
اوما براسه متسائلاً…. “أيوا………. ساكته ليه……..”
نظرة اليه مستفسرة…. “طب والمطعم؟……..”
سالها بحيرة…… “ماله المطعم ؟!!…….”
قالت شهد بجدية شديدة…..
“انا مش هسيب شغلي في المطعم ياعاصم… العقد
لمدة سنة…….”
ضيق عيناه في خطٍ مستقيم….. “يعني إيه……”
قالت بمنتهى العملية……
“يعني دي خطوبة…. فترة تعارف…. احتمال كبير نفشل…. فبلاش توقف اكل عيشي…. انا مصدقت
عملت زبون في المكان…….”
انزعج جداً من تعلقها بهذا الأمر فقال
بوجوم…….
“وشكلي قدام الناس ياشهد…. يرضيكي……”
هزت راسها بغير استيعاب وكانه صفعها على
حين غرة….
“قصدك إيه…… انت مستعر مني ومن شغلي…..”
اكفهر وجه عاصم وقال مستنكراً……
“اي العبط ده… لو مستعر منك هبقا عايز اتجوزك ليه……..اعقليها ياشهد… انا ليا اسمي في سوق والشارع كله… عارف مين هو عاصم الصاوي… ”
عقدت ساعديها امام صدرها…متصلبة الرأي….
“شغلي ميعبكش ياعاصم…. ودا شرط أساسي
قبل ما أرد عليك…….”
ابتسم ساخراً وهو ينظر لها بانفعال
مكبوت….
“ويترى لو ربنا وفقنا…… واتجوزنا….. هتفضلي
برضو شغاله في المطعم…….”
نظرة اليه بطرف عينيها قائلة……
“لم يجي وقتها…….واطمنلك………”
انزعج جداً من ردها فعلق واجماً……
“مش فاهم……. انتي مش حسى بحاجة ناحيتي…”
خفق قلبها بشدة…..فحلت وثاق ذراعيها حول
صدرها…..فوضعت كفيها على ساقيها وبدأت
تفركهم في بعضهما بتوتر بينما وجهها مشعٍ
خجل من نوع آخر……….
“شــهــد………”فنادها عاصم وهو يمسك كفها لأول مرة بطريقة خاصة……فعندما تمكن منه بدأ يحرك أصابعه على ظهر يدها الناعم مداعباً اياها بحركة دائرية حانية….
ارتجف جسدها من تلك المسة الحانية والرجفة
وصلت عبر لمسة يده فابتسم هو…..وهو يحارب
معها حتى يلتقي بكنفة الامن……عينيها……..
حاولت سحب يدها وهي تهمس بضعف استوطن
فؤادها……بلمسة…… وهمسة منه…..
“عـاصـم…….”
فنظرت اليه وقد خضعت لتوهج عيناه النابضة بمشاعر عنيفة جميعها تصب على قلبها فتزداد
الأمور صعوبة معها……..همس عاصم بصوتٍ
أجش بينما يدهُ تلمس ظهر كفها بشكلاً
عاطفي….
“انا دايب ياشهد…..دايب فيكي…. من أول مرة وقعت عيني عليكي وانتي خطفاني…….معقول مش حسى
بحاجة ناحيتي…….”
اين طوق النجاة الان….تقسم انها تحتبر معه أشياء
لم تفكر فيها يوماً طوال سنوات عمرها…….
كيف تسمح لهُ بمسك يدها هكذا…. بل كيف تترك نفسها تسمع اعتراف يُرهق قلبها نبضاً…….يُشغل
عقلها ليلاً……ويُسهر عينيها حتى الصباح………
سحبت يدها بقوة وهي تهرب منها ناهضة
من مكانها….. “عـاصم……..انا اتاخرت… ”
وقفا على الصخور معاً يمنعها عن الرحيل
قائلاً بلهفة…..
“استني ياشهد قولي انك موافقة……….”
ترددت بصدق امام لهفة
عيناه…..
“مش عارفه…. اديني فرصة…….”
اخبرها عاصم بتفهم…..
“فكري في فترة الخطوبة ومديها زي مانتي عايزة..
لحد ماتطمني…..”
تلاقت اعينهما مجدداً فاضاف بحسم….
“هستنا ردك بليل………”
رمشت بعينيها عدت مرات وقالت
بنفي مرتبكة……..
“عاصم الموضيع اللي زي…. مش بتتاخد بالسرعة دي…….”
قال بتململ وهو يرجع خصلات شعره
للخلف….
“عايزة قد ايه عشان تفكري…….”
مطت شفتيها مفكرة…… “شهر مثلاً……..”
رفع حاجباه مصدوماً…..ليرد عليها هازئاً……..
“شهر؟!!….. وليه الاستعجال ده…. ماتردي عليا السنة
الجايه……”
اومات براسها ببرود…… “زي ماتحب…….”
“متستفزنيش ياشـهـد…….”جز على اسنانه بقلة
صبر معها…..لذا قالت هي بتبرم…….
“كمان اسبوعين كده كويس……..”
هز راسه بتزمت وقال بصلابة…….
“لا…….خير الأمور الوسط…… يومين بظبط وهكلمك……. وهعرف ردك النهائية وفي اليومين
دول هبعد عنك خالص… عشان متقوليش اني
بأثر عليكي……. فكري براحتك… وردي عليا برضو براحتك…. بس مش اسبوعين كفاية يومين….. اتفقنا……..”
اومات برأسها…. “اتفقنا………يلا نرجع شغلنا…. ”
“خلينا قعدين شوية….. ربع ساعة كمان…….”أشار لها بان تجلس….فسالته بحيرة
“وليه بقا؟……”
“يمكن لانك هتغيبي عن عيني يومين بحالهم…”
رغم جمال المعنى المتخفي خلف جملته إلا انه
كان عابساً…..متجهم النظرات…….
مما جعلها تطاوعه وتجلس قائلة
بمناغشة…
“تعرف انك شاطر أوي في الكلام…….”
جلس جوارها ورد بوقاحة دون النظر
لعينيها…. “وفي الأفعال كمان……..”
احمرت وجنتيها سريعاً وتغاضيت عن التعليق…
فنظر هو لها بطرف عيناه…..ثم لانت ملامحه
وتغزل بها قائلاً…….
“بتبقي حلوة اوي لما بتكسفي فجأه….ولما
بتضحكي على غافلة…….خليكي كده أحلى
بكتير……. من….”
نظرت اليه مستفسرة…… “من إيه…..”
عاد لجمال عينيها يأسرها قائلاً……
“انتي عارفه…. لما بتسرحي وتقلبي من غير سبب
بترمي كلمتين دبش…… وبتهربي……..”
سالته بلهجة مريرة……
“ومين قالك اني بقلب من غير سبب…….”
رد رداً قاطعاً…..
“بكرة اعرف السبب واعلجه…….”
ابتسمت ساخرة…. “ملوش علاج……….”
اشار على نفسه بغرورٍ……
“عند العبد لله……… كل حاجة موجودة…….”
نظرت امامها للبحر…. بملامح باهته
كروحها…….
“حلوه الثقة دي…….. بس انت هتتعب بسرعة وهتمشي في اقرب وقت……”
رد بثقة أكبر وعيناه لا تفارق جانب
وجهها….
“أكيد يوم ما همشي هتكوني معايا….على كتافي..”
مطت شفتيها يائسة…… “دا انت مصمم بقا……”
رد بصبرٍ أكبر….
“بالي طويل……. ومصمم أوي……..”
قالت بنبرة واهية… “هتتعب……..”
رد بثقة غير منتهية….. “مصيري أتعود…….”
اومات برأسها مضيفة بأسى….. “هتزهق……..”
تغزل في عسليتاها البراقة
قائلاً….
“قدام العيون الحلوة دي…. مظنش…..”
ببسمة لم تصل لعينيها قالت
بحزن….. “مع الايام هتمل مني………”
“مع الأيام هتعلق بيكي أكتر……..”أكد بنظرة صادقة
تعبر لها عن الكثير…..فاطرقت برأسها حينها هاربة
فناداها عاصم كما تحب وكما هو يفضل متكأ على الأحرف الثلاثة وكانما يتذوقهما لأول مرة على لسانه……….
“شـهـد…….”
نظرت اليه بقلبٍ نابض بالوجع…..فسالها هو حائراً
من أمرها……… “انتي خايفه من إيه…….”
(خايفة أحبك………)
لم تقدر على ان تتفوه بها….أكبر مخاوفها ان تقع
في الحب……….وهو يجذبها كالمغناطيس لأكبر مخاوفها……دون اي رأفة بحالها………
عندما طال صمتها……حاول عاصم بث الطمأنينة بقلبها المرتاع……. فقال على مهل…..
“سبيها بظروفها…. انا معاكي للآخر……..”
……………………………………………………………..
كانت تتمايل أمامه باغواء على أوتار شعبية صاخبة
بينما هو يجلس يستريح على الاريكة ويأكل من حبات العنب بين يده بتلذذ بينما عيناه الشهوانية
تلاحق مفاتنها المهتزة بانتشاء……
اما هي فكانت تسعى لاغواءه بكل الطرق….. فربما تمكنة من قلبه ولامست نقاط ضعفة ثم تضمن
بعدها جزءاً من املاكه !…..
هذهِ هي اهدافها في العلاقة….. بعض الضمانات المادية فأذا مل منها يوماً والقاها خارج محيطه
تجد ما يعولها من بعده………
صدح جرس الباب في تلك الأوقات أوقف
لحظاتهما الخاصة……. فحلت مهجة الوشاح من
حول خصرها……قائلة بميوعة…….
“الباب بيخبط ياسيد الرجالة…….”
هتف عثمان وهو يتحسس صدره بحرارة….
“سيبك منه وتعالي…….”
ابتسمت بمراوغة….. قائلة بدلال….
“اجي فين هنا؟!…. على الكنبة……”
“تغيير يابت…. تعالي…….”سحبها لاحضانه ومالى حتى يقبلها لكن الطارق ازداد الحاحاً…. فتركها
عثمان على مضض متاففاً بنزق…..
” وبعدين بقا في وجع الدماغ ده……دي اكيد واحده من الجيران اللي فتحالهم الشقة على البحري…… ”
هزت مهجة راسها مرتعده…..
“لا ونبي ياخويا…. دا انا قاطعتهم كلهم عشان
خاطرك….”
سالها بملامح شيطانية……. “أمال مين……”
“هروح اشوف روق ياسيد الرجالة…. ثواني وجايه……..”قالتها برجاء وهي تبتعد عنه……
وقبل وصولها للباب غمغمت بحنق…..
“منك لله ياللي على الباب… هطفش الراجل
مني…..”
فتحت الباب بتجهم….. ناوية افتعال المشاكل مع هذا
الضيف الغير مرغوب به الآن………
شل لسانها وجفلت متفحصة تلك السيدة الانيقة
التي تقف على اعتاب بيتها…… امرأة شقراء
الشعر….ترتدي طاقم كلاسيكي انيق وتقف امامها باستعلاء…… جميلة الملامح لكن عينيها الزرقاء كالجمر المشتعل تلقي نظرات نارية عدائية عليها
بدون سبب وجيه…..
عندما ذأبت الصدمة من على وجه مهجة……
سألتها باستفهام…..
“خير ياهانم…….عايزة حاجة…….”
بمنتهى العجرفة دفعتها المرأة من امامها ودخلت الشقة بخطوات متشنجة ثم وقفت في الردهة…….تنادي بعزم مافيها هائجة بجنون………
“عثماااان…….عثماااان…….”
اغلقت مهجة الباب بقوة واتجهت اليها صارخة
فيها بغضب……..
“هو اي اصله ده…….هي وكالة من غير بواب….”
زمت المرأة شفتيها مشمئزة……
“اركني على جنب…مبقاش غير الخدامين كمان اللي هتكلم معايا…….”
اتسعت عينا مهجة بغضب وسريعاً فتحت ذراعيها الاثنين شاهقة……..
“خدامين….خدامين مين ياعووووووومر…..دا انا مرات سيدك وسيد الناس كلها….مرات عثمان الدسوقي على سن ورمح……..”
لم يرف لها جفن وكأن هذه الأمور اعتادت
سماعها عنه… فمن يوم ان تركته وهو يلهو في
اجساد النساء حتى ينساها…..وهذا يرضي
غرورها…. قالت بتعالي مهينة إياها……
“مراته ؟!….يااي……ذوقه بقا بلدي أوي……”
“ماتحترمي نفسك ياوليه….هو محدش مالي عينك ولا إيه………”صاحت مهجة بنفاذ صبر وهي على وشك صفعها….
لكن نداء عثمان القوي اوقف تلك المهزلة……
“مهجة………”
لم تنظر اليه المرأه بل انتظرت بفارغ الصبر ان
تتبخر تلك الخرقاء حتى تبدأ بالتحدث معه على انفراد…..
اتجهت اليه مهجة تشتكي…….
“كويس انك جيت ياسي عثمان……الست دي داخله
كده من غير لا إحم ولا دستور…….لا وبتهزقني…”
أمرها عثمان بنظرة مهيبة….
“ادخلي على اوضتك يامهجة….ومتطلعيش منها…….غير بأمر مني…”
تعجبت مهجة من رده فقالت….
“بس ياسي عثمان……….”
بتر جملتها وهو يرمقها
شزراً ….
“مهجة…..مش هعيد الكلمة مرتين…..”
ارتعدت داخلين لذا قالت
مذعنة……
“انت تأمر ياسيد الناس……..اومرك……”
دلفت غرفتها واغلقت الباب عليها….فنظر عثمان
للمرأة من أول رأسها حتى اخمص قدميها…..
تلك المرأة التي اشتهاها قبل سبعة وعشرون عاماً
ومزال يشتهي قربها وكأن المشاعر مزالت وليدة
داخله لم تتلاشى بعد……
تلك المرأة التي اشتهاها بشدة….ترك كل شيءٍ لاجلها
زوجته أولاده….وضع كل شيءٍ تحت اقدامها….لكنها
لم تقدم تنازل واحداً ليكونوا معاً……..
كانت أنانية وحقيرة معه….ولم تكتفي بذلك بل تابعت
حياتها وتزوجت من غيره……..الأكثر سلطه ومالاً….
تلك المرأة التي اشتهاها بشدة… مزال يسعى للوصول اليها انتقاماً وحباً……وها قد اتت
بعد ان القى الطُعم لها !!…….
“متغيرتيش كتير يا إلهام…. لسه زي مانتي….”
نظرت الهام اليه فوجدته ينظر لجسدها بوقاحة
فابتسمت بغرور قائلة ببرود…..
“بس انت بقا عجزت اوي…. لا وكمان ذوقك بقا بلدي…….”
ابتسم عثمان بسماجة……. “غيرانه…….”
رفعت انفها بترفع……
“دا كان زمان…. دلوقتي انا الهانم إلهام…. مراة مسعد الصاوي……..”
ضحك هازئاً……
“آه فكرتيني…. وياترى جوزك عارف انك جيالي شقتي…”
احتدت زُرقة عينيها فقالت بتهكم….
“انا مش جايه للي في دماغك….. انا عيزاك
في موضوع مهم…… موضوع يخص شهد بنتك…
اللي رميتها في سكتي عشان تخطف…. جوز
اختي عاصم الصاوي ابن اخو جوزي ياعثمان..”
اقترح عثمان بهدوء شديد….وكان الخبر
قديم بنسبة له……….
“يبقا نتكلم جوا…….. عشان الحيطان ليها ودان…”
اتجهت إلهام بمنتهى العصبية الى الغرفة الذي أشار عليها…..بينما على الناحية الأخرى لحقت بهم
(مُهجة) ترهف السمع من خلف الباب المغلق
بحرصٍ شديد….
……………………………………………………………
عندما جلست على الاريكة نظرة اليه بعينين تقدحان
شرراً……..وهتفت بصرامة قصوى….
“بنتك تبعد عن عاصم…..سامع……”
لوى شفتيه بابتسامة بذيئة….. “والمقابل……”
احتدت النظرات وهي تهتف بشراسة من بين
أسنانها……..
“ااه دا انتوا طبخنها سوا بقا…….يعني مش صدفة
ان الطباخة تبقا بنتك أنت……..”
تحسس عثمان ركبته قائلاً بثقة….
“مفيش حاجة تفوتني يا إلهام…….وشهد من أول
يوم دخلت فيها الشارع وانا على علم بكل حاجة
بتحصل معاها….”
حركت راسها متشدقة……. “يعني إيه…..”
رد عثمان بابتسامة متشفية……
“يعني انا رميت الطُعم….وابن أخو جوزك كله……
ودا اللي خلاكي تجيلي برجلك… ”
اضطرب جسدها لوهلة وهي تساله بشك….
“انت عايز إيه بظبط…….”
رد رداً قاطعاً بملامح قاتمة…….. “عايزك……”
رجعت براسها للخلف بعينين متفاجئتين من
جرأته….. “انت اتجننت…….انا متجوزه……”
رد عثمان بالامبالاة…..
“ومالوا اطلقي……ونتجوز……..”
اشارة عليه ذاهلة……..”اتجوزك…….”ثم تشدقت ضاحكة بسخرية سوداء………..
“والله دي أحلى نكته سمعتها…….اسيب كله الهيلمان
ده…..واتجوزك….دا انا أبقى واحده مبفهمش
….انسى….. “قالت آخر كلمة بحاجب مرفوع
بتحدي………
فهز عثمان راسه مجيباً ببرود جمدها…..
“ومالوا…….يبقا انا كمان هشاركك في الهيلمان ده…وهفضل ليكي زي اللقمة في الزور انا وبنتي….”
بصيحة متهورة صرحت…….
“يبقا هحكي لعاصم على كل حاجة وهقلب المعبد
على دماغكم……..”
أومأ عثمان براسه بثباتٍ وفي أوج الهدوء
اقترح بفطنةٍ………
“ساعتها لما يسألك عرفتي منين ابقي قوليلوا روحت
شقة حبيبي القديم……وعرفت منه…. اللي بيخطط
ليه هو وبنته……..”
نهضت من مكانها صارخة بجنون… “عثماااااان…..”
قفز من مكانه هو أيضاً يواجهها بجسارة….
“الهاااام……….متلعبيش بنار….وفكري كويس…انا عايزك في الحلال…..وهسامحك على كل حاجة
عملتيها معايا زمان….قولتي إيه…….”
هاجت الهام بعينين عاصفتين……
“انت جرا لمخك حاجة……..بقولك انا متجوزه
ومخلفة منه….يزن….اللى كمان كام سنة هيكون
دكتور قد الدنيا…….يزن وريث عيلة الصاوي……”
رد عثمان ببرود…….
“وعاصم…..جوز بنتي كبير عيلة الصاوي..بعد سبع
البرومبة جوزك……..”
ضحكة بسخرية وتشدقت بلؤم……
“قوام كده خليته جوز بنتك….أفرض بيتسلى بيها……ومش ناوي على جواز…….”
اظلمت عينا عثمان ورغم ذلك رد ببرود…..
“لا من ناحية دي اطمني…….انا عارف كويس بنتي
هتعمل إيه معاه……….”
اشاحت بوجهها للناحية الأخرى
متاففه بجزع….
“واضح ان الكلام معاك….ممنوش فايدة……”
لمعة عينا عثمان بنشوة وهو ينظر لوجهها
الغاضب واقترح بخساسة……
“فكري….باشارة منك……بكلمة واحده هوقف الجوازه…..وممكن بكلمة تانيه….امضي على عقد
جوازهم………”
تلونت شفتيها بإبتسامة حاقدة…..
“لعبتها صح ياعثمان…….”
اوما لها عثمان بزهوٍ…….
“مش كده مين يصدق…ان اللي بعدتنا عن بعض
زمان تقربنا دلوقتي……..”
“بتحلم…..انا لحمي مُر ياعثمان….وبنتك مش هتسلم مني……….”دوى صوتها كالرعد اجفله لبرهة……….
لكنه رد بصوتٍ كالجليد المسنن غير
مبالي…..
“ومالوا……….راحت شهد….تيجي كيان….هو انا مقولتلكيش ان عندي بنت تانيه…..غير شهد…”
نظرة له الهام بعدم تصديق….وكأنها لم تفعلها
مع أختها من قبل !!……
“وكلهم……عملهم طُعم عشان توصل للانت عايزوا..”
رفع عثمان قبضةٍ مضمومة أمامه بشدة قائلاً
بسطوة مرعبة…….
“كلهم…..كلهم تحت ايدي…. احركهم زي مانا عايز….احركهم لصلحي……لصلحي انا يا إلهام…….”
لوهلة خافت منه……فقد تحولت ملامحه الغير مبالية
لملامح شيطانية مرعبة…..تلبسه شيطان يعرف ماذا يريد……وماذا سيفعل مع عبيدُ !…………أولادهُ هم عبيدُ….هكذا أوضح الحديث…….مجرد عبيد يأمرهم
فيطيعوا……..
………………………………………………………………
كان يقف في الشرفة يستند على السور بكفه الصلب بينما باليد الاخرى يمسك السجارة بين أصابعه…
ينفث منها بمنتهى الشراهة وكأنه يتصارع معها….
مزال منزعج غاضب ، يحترق صدره كمرجل
ناري ، اعصابه تلفت…. وأصبح على غير هدى
يشعر ان العالم كله يحاربهُ…والده…. شقيقتيه
…العمل……الحبيبة السابقة…..والتي اتضح
مع الوقت انها كذبة كبيرة عاشها لعامين
وأكثر……..
زفر الدخان الرمادي في الهواء فخرج يتراقص امام
عيناه المظلمة……..
مزال يلوم نفسه على تلك الصفعة الذي القاها على صدغ كيان……للحظة تهيأ اليه انه أصبح نسخة مصغرة من (عثمان الدسوقي….)النسخة الاشد
قسوة وصعوبة…….التي تشربة من كل ماهو
سيء وسوداوي !….
لم يكن هكذآ….. لكن خوفه عليها قادة لتلك الفعلة
وصفعها على حين غرة…. وحينها نزلت الصفعة
على قلبه كسوط حاداً….. فقد رأى في عينيها…… شيءٍ من الذنب….. من الكذب…….من الإعتذار….من الندم….. اختلطت نظراتها نحوه بعد تلك الصفعة بمشاعر عديدة ومع ذلك لم يفهم أياً منهم…….كان كالمغيب وهو يدفعها بعيداً عنه حتى تتقِ شره
الآن….
دخلت قمر الى الشرفة تحمل صنية عليها قدحان
من القهوة……..ثم سعلت فجأه بعدما سحبت الى رئتاها كمية كبيرة من دخان السجار……….
فنظر لها حمزة بانزعاج فلا ينقصه وجودها الآن….
نظرة له قمر بضيق قائلة بتبرم……
“اتقي الله…….وبطل القرف اللي بتشربه ده…
الواحد شم الريحة بس اتخنق……”
رمى السجارة خارج الشرفة متاففاً
بجزع….
“قمر…….انا مش فايقلك……اطلعي من دماغي….”
وضعت الصنية جانباً على السور….وقالت
بوجوم…….
“الله……..مالك كاني بتمسح فيك…..جيبالك
قهوة انا غلطانه……..”
رد حمزة بفظاظة وهو ينظر للجهة
الأخرى…
“ااه غلطانه………خديها ومشي…….”
نظرة له بعدم تصديق…..ثم تقدمت منه بتلك العباءة البيتي الانيقة…..وبشعرها الأسود المتراقص على ظهرها بدلال……….بملامحها الانثوية الرقيقة
والتي تحمل جاذبية ليس لها مثيل…….
وقفت جواره ونظرة للشارع بالاسفل قائلة
بسخرية……
“يخربيتك متربي عشر مرات……مش عارفة
بصراحة اودي الأدب والأخلاق والذوق بتاعك
ده فين….لا بجد تتحسد……لازم ابخرك……”
لوى حمزة شفتيه معقباً…. “اي خفة الدم دي………”
مدت يدها واخذت قدح القهوة ثم قدمتها
إليه بابتسامة صفراء…..
“من بعض ماعندكم……خد القهوة……”
جز حمزة على اسنانه وهو ينظر لوجه القدح البني بين اصابعها البيضاء النحيلة ، والذي ينافس لونه بنيتاها الداكنة والتي تحدق به الان منتظرة…
فارة الدماء في عروقه بشكلاً مبالغ
فيه……
“مش عايز يابنتي…..انتي مابتفهميش……اطلعي
من دماغي عشان انا على أخري……….”
مطت قمر شفتيها بأسى قائلة بمسكنة أنثوية
لها تأثير فعال…….
“انا مده ايدي ياحمزة……..وعملهالك بنفسي…معقول
هتكسر بخاطري………”
رمش بعيناه بعدم تصديق….فقد تغيرت نظرتها
ونبرة صوتها في لحظة للحمل الوديع…مما جعله
ياخذهُ منها على مضض غير قادر على
كسر خاطرها……
“لا وإحنا نقدر نكسر بخاطر قمراية…….”
ابتسمت قمر بسعادة……واشرق صدرها فجأه وهي تشاركه الجلسة….احتست القهوة جواره…..تنظر
للسماء وللمباني الاماميه المحيطه بهم……والهواء يضرب وجهها ممزوج بنكهة البحر المميزة……….
تحب موقع الشقة جداً….فهو قريب من البحر ربما
لا ترى البحر بشكلاً مباشر لكن تشتشعره…..بصوت أمواجه الثائرة ليلاً مع الرياح الشديدة التي تمر عليهم بعد ان تمتزج برائحة البحر…….
بعد لحظتين من الصمت نظرة له قمر وقالت
بصوتٍ هادئ…… “بقولك يا حمزة……”
قاطعها بفظاظته المعتادة أمراً…..
“هشش….انا بحب اشرب القهوة بهدوء…..هترغي..
خدي القهوة بتاعتك ومشي…….”
توسعت عينيها بدهشة وتبدد الهدوء على
ملامحها الى امتعاض….فغمغمت بقرف وهي
تشيح بوجهها بعيداً عنه…..
“استغفر آلله العظيم…..اتكتمنا………أطفح وانت ساكت……..”
نظر لها حمزة بزهول….تلك الفتاة تطاول عليه بشكلاً
يستفزة ومع ذلك أحياناً يتغاضى عن الرد عليها…ولا يعرف لماذا………
هتف بصوتٍ متوعداً بالشر……
“أطفح ؟!…….والمصحف ارميها في وشك متستفزنيش………”
نظرت اليه قمر بنفاذ صبر….
“اعملها كده…… وانا افتح دماغك…….”
زهل حمزة من ردها……. فالوقع هو ليس مهذباً
أبداً….ويجيد الرد بأقذع الكلمات…….بل لديه
قاموس من الشتائم المتعارف عليها والغير متعارف……لكنه سيكبح غضبة ويعض على
لسانه فلا يصح الرد على النساء بأسلوبٍ
مماثل او أشد وطأة……
“اي يابت ده……..”
زمت شفتيها متعجبة…..
“اي عايز تكلم ومحدش يرد عليك…….”
هز راسه زافراً….. “والله انا غلطان…….غلطان………”
لوحت قمر بكفها بملل شديد….
“مش هنخلص بقا من السيرة دي……..”
قال حمزة باستفزاز……..
“دا هيفضل جميل متعلق في رقابتك ليوم الدين…”
قالت قمر بتهكم…….. “مصيري ارده……..”
هز رأسه ساخراً……..”آآه اما نشوف……..”
اخرجت قمر تنهيدة ثقيلة وهي تسأله
بحرصٍ….
“هو انت لسه مكلمتش كيان…….”
ظنت انه سيرد بفظاظة كالعادة…..لكنه اجابها
وهو يحتسي القهوة على مضض……
“لا……..”
عاتبتها قمر برفق……..
“على فكرة مش مستاهله كل اللي انت عملته ده…
فيها اي يعني…..لو راحت عيد ميلاد صاحبتها….ما
هي قالت لشهد وعرفتها………”
فالحقيقة هي من اقترحت على شهد تلك الفكرة
بان تخبرهُ بان كيان في حفلة ميلاد أحد اصدقائها
…فإن كان علم حقيقة الحفل….وذهابها برفقة محاميها في المكتب…لكان منعها من الخروج من البيت مدى الحياة…….وكانت خسرت عملها في هذا المكتب للأبد…..
فالحقيقة هي لا تشكك في أخلاق كيان او نوعية
تلك الحفلة…….لكن الرجال لهم حسابات أخرى
تختلف عنا كنساء……وكثيراً يسيئون الظن…..
بل ويختلقوا قصصٍ عدة……ومن خلفها
يشددواً الحصار على من يخصهم……….
قال حمزة بحنق شديد…….
“فيها انها مقلتليش……إزاي عايزاني اعدي
الموضوع عادي كده…. وكان محصلش حاجة…..”
بررت لها قمر……. “أكيد خافت انك متوفقش…….”
اوما حمزة بمنتهى العصبية قائلاً بحدة…..
“لا كنت هوافق….كنت هوديها وهجبها بنفسي…لكن هي حبت تبقا براحتها………”
أسبلت قمر اهدابها ثم قالت بشفقة
نحوها…
“اهي عرفت غلطها….وبعدين انت برضو…..مديت
ايدك عليها قدمنا…….ودا كان اكبر عقاب ليها….”
لم يرد حمزة بل ظلت ملامحه مظلمة
متحجرة….
فسالته قمر بتردد….. “مش هتصلحها……”
أشاح بوجهه مكفهراً….. “بعدين……بعدين… ”
صمتا معاً وقد انتهى الحديث هنا…..حتى
رغب هو في مناكفتها قليلاً فنظر الى العباءة
التي ترتديها…….بدأت ترتدي أشياءٍ واسعة
بعد ان نبهها للأمر من باب المزاح…..فالحقيقية
كان الأمر مزحة سخيفها للاستفزاز فقط…..فهي
لم تجذبة بأي شكلاً كان………
عادية هي…..ككل من عبروا حياته….من
أول لقاء وهو يراها كالعابرين الذين سبقوها
اليه ورحلوا مع الوقت كما ستفعل هي يوماً…
“حلوة العباية عليكي…..عقبال الحجاب……”
تغضنت زوايا شفتيها مجيبة عليه
بنظرة باردة….
“ربنا يهديني………. ويهديك……”
نظر لها حمزة بمشاكسة….
“وانتي شيفاني متعفرت……..مالك……”
نظرة له باستفسار مقلدة صوته…… “مالي……..”
نظر لها بغرور قائلاً بزهو……
“شكلك معجبه بيه…….قولي متكسفيش… ”
لاحت الدهشة على وجه قمر فقالت
مستنكرة……..
“يسلام……اي الثقة دي……..اي اللي يثبت اني
معجبه بيك…….”
قال غامزاً بوقاحة……
“عنيكي……..هتكليني بيهم…….”
ارتبكت قمر قليلاً…ثم قالت هازئة….
“والله…….بجد صعبان عليا….واخد في نفسك
قلم….”
غمز حمزة مجدداً مضيفاً بعنجهةٍ….
“اخرسي…….دا انا مفيش مني اتنين……”
لم ترد بل مالت بوجهها للناحية الآخرى
تخفي ارتكبها….فمد حمزة يده ومسك
ذقنها يديرها اليه مناغشاً إياها…….
“بصيلي…… بذمتك في زيي….. ”
بنظرة مدققة سارت بنيتاها على قسمات
وجهه……عيناه العسلية القاتمة في لمعانهما
ترى بريق من الاجرام….وآخر من الشقاوة…
بريق يخطف كل شيءٍ في طريقة……ولا يكتفي أبداً !!…ملامحه الرجولية الخشنة……..ولحية السوداء النابته……شعره الاسود الناعم من شدة نعومته تهبط بعض الخصل الرفيعة على جبهته فيزداد وسامة……
ضربة يده بقوة وادعت التجهم…..
“أبعد ايدك دي…….مفيش زيك بس فيه
أحلى منك……”
ابتسم حمزة وكانه حصل على إجابة ترضي
غرورة….
“يعني انا حلو……..اديكي اعترفتي…….”
قالت بغضب زائف….
“مغرور آوي……..هات الفنجان………”
اعطاها القدح قائلاً باقتضاب…..
“خدي……… القهوة كان طعمها وحش أصلا….”
مطت شفتيها هازئة قبل ان
ترحل…..
“عشان كده شربتها كلها…….ياحرام…. ”
عندما تركته ودخلت الصالون…ضحك حمزة وأرجع
خصلات شعره للخف….مستنشق الهواء بعمقاً…وهو
ينظر للشارع بالاسفل………
ليرى آخر شيءٍ يتمنى ان يراه الآن……
رأى نجلاء تستقل سيارة سامح بعد ان فتح لها الباب
بإبتسامة واسعة فبادلته هي بضحكة رنانة……
أغمض حمزة عيناه بقوة وتقلصت ملامحه بشدة
وقد تضخم صدره بمشاعر سوداوية يشوبها
الغضب قبض على يداه بقوة جبرية محاولاً معها
تمالك اعصابة…..حتى رحلت السيارة في تلك
اللحظة التالية….فشعر بان انفاسه تغادر معها…
……………………………………………………………
دلف من باب المنزل عصراً في وقت تناول الغداء…..
وعندما دخل شقة والديه بحث بعيناه عنها…..
تهرب منه منذ أيام……بالنهار تجلس في شقة والديه
كما اتفق معها وفي المساء تنعزل في غرفتها…
أصبح لا يراها إلا صدف……
سحب نفساً حار لرئتاه……. من يوم ان قبلها وضمها الى صدره وهو يشعر بنارٍ مستعارة تشتعل على ذكر اسمها فقط………و أن تلاقى بسوداويتاها الشقيتين
ينقلب حالة رأسٍ على عقب…….
كيف تسللت اليه بتلك السرعة… كانت دوماً في عيناه ابنة العم الصغيرة المدلله والتي في طرفت عين أصبحت امرأته !… امرأة متفجرة بالانوثة والشقاوة…..أمرأه بمذاق آلورد…….شهيه لأبعد حد……
كيف كانت في احضانه ذائبة كالهلام….رائعة في احضانه تعطي دون ان يطلب……
كانت عديمة الخبر نعم…. لكن كان رضاها وتناغمها
معه يفوق الوصف……..كانت ضائعة ضياع مقبول
في احضانه……..
حتى هو ضاع في تفصيلها المغوية…..مذاق شفتيها الفاتنة أثملة……أثملة لدرجة انه أنقض عليها أكثر كالاسد الجائع دون تفكير…. فاوقعها على الفراش ينهم من شفتيها وعنقها بجموح يفوق الوصف………
ومع ذلك كانت هي معه كقطعة السكر الذأبة أمام
نار أفعاله…..
فيزيد جموحة وتنفجر هي رغباتها معه….وفي
غفلة اللذة انتزعت نفسها من احضانه وهربت
بجبن تاركة النار المشتعلة تتغذى عليه وحدة……..
يومها تمدد على الفراش وحيداً ينفث في سجارته بعصبية شديدة ونار الرغبة تكوي جسده….وفي
منتصف الليل حينما فقد الأمل في خروجها من الغرفة نام على الفراش الذي جمعهما سوياً في لحظات حميمية لأول مرة…وللعجب كان الفراش
متشرب من عطرها الوردي………
كان الأمر وقتها بنسبة له مزعج…..لكن بعدما زال غضبه نام على الفراش يشتم عطرها المحبب
وهو يعناق الوسادة والغطاء كمراهق صغير عاد
للتو من موعد غرامي؟!……..
“واقف كدا ليه ياسلطان………”
فاق من شروده ورفع عيناه على أمه التي خرجت للتو من المطبخ وتفاجئت بوجوده…..
لانت ملامحه وتبسم لأمه ابتسامة دافئة
مشاكساً إياها….
“مفيش حمدالله على السلامة ياحنون……انا
واقع من الجوع على فكرة…… ”
ربتت على كتفه بمحبة قائلة……
“الاكل جاهز…….ابوك بس بيصلي العصر جواه….
صليت ولا لا……..”
اوما سلطان برأسه مجيباً…..
“دا سؤال…طبعاً صليت في الجامع……..بصي
جيبلك إيه…….”اخرج العلبة من الكيس الذي
يحمله منذ دخوله…….واخبرها غامزاً……
“كيلو مشاكل من الحلواني اللي بتحبيه…….”
نظرة امه للعلبة بفرحة…ومع ذلك لكزته في
كتفه موبخة اياه بلطف……..
“اي بتحبي دا ياواد ابوك يسمعك…….”
رفع سلطان حاجباه مدعي الدهشة وهو يميل
عليها بمناغشة…
“هو لسه عبدو بيغير عليك برضو ياجميل……”
ضحكت حنان بخجل والحب يشرق صدرها وكانها
شابة في العشرينات من عمرها….فالحقيقة قصة
حبهما اسطورية لأبعد حد…..فكان (عبد القادر) هو
ابن الجيران العابث الذي أوقعها في الهوى من أول يوم فتحت نافذة غرفتها على شرفة بيتهم……
وتتولى الأحداث ويقع في حبها في فترة الدراسة
ثم يتقدم لها بعد التخرج ويتزوجا……..ومن بعدها
ينجبا أربعة أولاد اكبرهم أميرة وسلطان….واصغرهما
ابنتين صغيرتين متزوجات في محافظة بعيدةٍ عنهما والزيارات دوماً تكون متباعدة…..
القريبة منهم هي الابنة الكبرى( أميرة) فهي تزوجت في( الساحة) لذلك هي وأولادها دوماً يتواجدوا هنا كمنزل ثاني لهم وهو كذلك بالفعل…..فحنان أمرأه حنونه تحب وتود جميع أولادها واحفادها…..
خرج والده من الغرفة قائلاً بمزاح……
“عبدو هيفضل يغير علطول……شيل ايدك من
عليها يا واد…………”
رفع سلطان عيناه على والده…..(عبد القادر)هناك
شبه كبير بينهم…….هو من يشبه والده بالجسد الضخم والطول الفارع…….ببعض الملامح الوسيمة لكن ملامحه هو أكثر خشونة وحدة ، ام والده
في على وجهه ترتسم البشاشة مثل طباعة فهو
سلسل المعاملة طيب المعاشرة عكسه تماماً……..
ربما هناك شبه كبير بينهم لكن طباعة هو لا تضاهي
أحد……فهو منفرد بطباعة الغليظة المتسلطه التي
لا تتحملها أنثى ؟!…..
أبعد سلطان يديه مدعي
الخوف….
“لمؤخذة ياحجيج مخدتش…….”
اقترب منه عبدالقادر واجماً…..
“انا عايز افهم حاجة…..هو انت مش اتجوزت….”
اوما سلطان براسه باعين عابسة….. “حصل…..”
تافف عبدالقادر بملل منه….
“طيب بتنطلنا ليه كل شوية…….”
ضحك سلطان بخبث وهو يفهم مقصد
والده….
“طبيعي ياحجيج انا ساكن فوق منك على فكرة…….وبعدين اديني بونسك انا والمدام….ولا انت عايز تستفرد بحنون…. لغيني بس انا ابنك برضو……”
لكزته حنان بحياء……. “بس ياواد عيب……..”
أحاط عبدالقادر بذراعه كتفيها قائلاً بمشاكسة
حلوة……..
“اي اللي عايبه ياحبيبتي…..أيوا انا عايز استفرد
بيكي…..”
ابعدت حنان ذراعه عنها قائلة
بتلعثم….
“جرالك إيه يابوا أميرة…… الواد……”
تجولت عينا سلطان مجدداً في الارجاء
سائلا بلهفة…….
“طب فين مراتي بقا…. عشان انا كمان عايز
استفرد بيها……”
قالت حنان برفق….
“فوق السطح بتاكل البط….. اطلعلها ياحبيبي.. وبالمرة قولها تنزل عشان تتغدوا….. انا هدخل
أسخن الأكل…….”
سالها عبد القادر قبل ان
ترحل…..
“عملتي السلطه ياحنون………”
قبل ان تدخل حنان الى المطبخ اجابته بابتسامة
شغوفة….
“لا تعالى اعملها انت…….. السلطلة من ايدك حاجة تانيه يا ابو أميرة…….”
أبتسم عبدالقادر بزهوٍ وأدار وجهه للناحية الأخرى
ليجد ابنه مزال يقف جواره…….فعندما ابصره
مط شفتيه ممتعضاً ليجد سلطان يقترح عليه
بخبثٍ…….
“مبلاش انت ياحجيج….. وسيبني انا اعملكم السلطه……”
امتنع عبدالقادر بوجوم……
“لا مش عايزين نتعبك وطلع شوف مراتك…وسبلي
انا السلطة……. ” استدار بعدها ذاهباً الى المطبخ خلف زوجته…..
فاوما سلطان براسه حاسداً والديه……
“ماشي ياحجيج……..واكلها ولعة…… ” ثم اتجه الى السلم وتخطى الدرج حتى يصل لامرأته
ومزال ماتبقى في الكيس بين يده…….
……………………………………………………………
عندما صعد أعلى السطح… بحث عنها بعيناه حتى
وجدها جالسه جوار عشة الدجاج الخشبية…….
وحولها بعض البطاط الصغيرات صفراء اللون تاكل
أمامها مصدره صوت بطبطة خفيضة لصغر
حجمها….
كانت داليدا مندمجة معهم جداً… لدرجة انها مسكت
واحده منهم وظلت تتحسس عنقها وظهرها بمداعبة لطيفة…..
لانت ملامح سلطان وهو يرى هذا المشهد فكم بدت لطيفة بريئة صغيرة…….
يذكره هذا المشهد بايام الصبى كانت هي فتاةٍ صغيرة بجديلة قصيرة على جنب….وفستان صغير رقيق……. تاتي لعندهم خلسة من خلف والديها
وتصعد على السطح لتلعب مع البط الصغير
وتظل تركض خلفه لساعات حتى تكسر أرجل الاغلبية منهم……فتصيح امه عليه حتى يصعد
وياتي بها قبل ان تنهي حياة الباقية منهم……
فياخذها عنوة عنها ويحملها على كتفه غصباً
فتبكي وتتحدث وهي فاقدة أول سنتين للبنيتين أماميتين……فتخرج الحروف مشوهة….
(تبني…..تبني ياتلطان……..العب مع البطة….)وكانت
تقصد…..(سبني…..سبني….ياسلطان……)
ضحك سلطان….ضحكة قوية عند تذكر تلك الفترة
في عمرها فكانت معظم الأحرف مشوهة ومضحكة
خصوصاً عندما تكون غاضبة وتتحدث بسرعة……
انتبهت داليدا اليه….فانتشرت الحمرة لوجنتيها وتوردت بشدة عند رؤياه…….
أصبح يربكها وجوده…..ويخيفها…..وتخجل بشدة عندما تتلاقى أعينهما…….فما حدث منذ أيام لا يفارق
عقلها لا ليلاً ولا نهاراً…….
ماحدث بينهما شيءٍ جميل لكن غريب….فهي لم تتوقع يوماً ان يكون بينهما قبلات حارة ولمسات جريئة…. حتى عندما تزوجا لم تتخيل يوماً ان
يحيا معاً كزوجين الأمر أشبه بمزحة……..مزحة ثقيلة……فكيف يحدث هذا مع من كانت تراه اخاها الكبير ؟!…
أخاكِ الكبير ؟!…
بالله عليكِ كيف تجرؤِ على نُطقها…كنتِ مسالمة معه
لدرجة تشيب شعر الرأس…….وكانكم زوجان منذ زمن بعيد كنتِ (كجيلاتين الكولا) يافتاة للينه وسهلت المضغ……
ضمك لاحضانه فانهارت اعصابك… امتزجت أنفاسه
بانفاسك فضاع المتبقي منكِ مع كل قبلة يدلل بها
شفتيكِ السخية ، احببتِ الدلال لدرجة انكِ تركتِ يده تسير باريحية على مفاتنك……وزاد جموحة عليكِ فاوقعك على الفراش وكنتِ في غاية السعادة والرضا منتظرة بحرارة الجولة الاكثر عمق وحميمية من ذلك……
اخاكِ الكبير ؟!….عفواً ولكن كيف كل تلك المشاعر
تكن لاخٍ كبير ؟!…….
سحبت الهواء لرئتيها باضطراب وهي تجلد نفسها مجدداً بعد استسلامها المخزي له منذ أيام….وكانها كانت تتلهف لهذا القرب اكثر منه ؟!….
نهضت من مكانها تنظر إليه وعقلها يفكر في الهروب…..أقترب سلطان منها بعينين
هادئتين…
“بتعملي اي ياداليدا……..”
زاد الاحمرار والتوتر بعد وقوفه امامها لكنها قالت
أخيراً وهي تهرب من النظر لعيناه…..
“بأكل البط…….”
اوما سلطان براسه بارتياح….
“الحمدلله انك بتأكليه مش بتجري وراه……”
عند تلك الذكرى تلونت شفتيها بابتسامة تشع حنين
لأيام الطفولة…. فكانت سفاحة صغيرة تلعب مع البط
بسادية حتى تنتهي حياة البعض منهم والاخر يكمل
المتبقي له أعرج……..
كم تشعر بذنب نحو ضحاياها من البط……حمداً لله
انها كبرت واصبحت تطعمهما بدلاً من ان تعذبهم…..
“دا كان زمان……. دلوقتي انا باكلهم……”
“كويس…… خدي…….”قدم لها الكيس…..
فاخذته منه ونظرة داخله
بفضول…..
“اي ده……شيبسي…… بالجبنة….” عادة لعيناه وقالت
بحرج………
“شكراً ياسلطان…”
عبست ملامحه قائلاً بمكر…. “شكراً حاف كده……”
فغرت شفتيها وخفق قلبها بخوف… “ها……”
راى شحوب وجهها فعقب بنبرة
مطمئنة….
“مالك وشك أصفر كدا ليه…. عايز بوسه هنا…”
اشار على خده…..فاهتزت حدقتاها بتردد
أكبر……
بينما قال سلطان وعيناه تأسرها……
“تيجي ننسى اليوم اللي فات ده وكانه مجاش….”
يكذب لن ينسى هذا اليوم أبداً فهذا أجمل شيءٍ
دافئ عاشه مع أمرأه وهي اخذت دور البطولة
أمامه فكيف ينسى ويتغافل عن البطولة المطلقة
التي خاضتها معه……
“ها اي رأيك…….”
اومات براسها وهي أيضاً تتشبث بالكذبة معه… مدعية نسيان الأمر……
فاشار سلطان على خده مجدداً منتظراً……فابتسمت
داليدا وهي تقفز عليه وتطبع قبلة سريعة على خده الخشن….
فشعر بنفحة من السعادة تضرب قلبه….فأبتسم على اثارها ونظر لعينيها المتلألأة…….
فابتعدت داليدا لأحد الأركان تستفرد بكيس البطاطا الكبير………فاقترب سلطان منها محاول
مشاكستها قائلاً……
“ماتجيبي واحدة يا دودا……”
نظرة له بطرف عينيها ثم هزت راسها
برفضٍ….
“لا هاكله لوحدي…….الكيس صغير أصلاً….”
فغر سلطان شفتيه مشدوهاً…
“صغير…… دا حجم عائلي يامفترية…….”
اومات براسها وهي تدس شريحة
منه بفمها….
“ماشي ماهو يدوبك يكفيني……”
رفع سلطان حاجبه هازئاً……
“يدوبك المرة الجاية هجبلك كرتونه بالحجم العائلي……”
قالت داليدا بإبتسامة
شقية….
“ساعتها انا بقا هديك واحدة……”
ضحك ساخراً……. “والله……”
“آآه…..”اومات برأسها وهي تضع شريحة من
البطاطا بفمها……..فخطف سلطان الكيس
منها في لحظة خاطفة راكضاً به للناحية
الأخرى……
انكمشت ملامح داليدا وكشرت عن انيابها بغضب وهي تركض خلفه……
“هات الكيس ياسلطان…..بتسرق في السن ده
مش عيب……”
قال سلطان بغلاظة…….
“مانا قولتلك هاتي واحده بذوق مش عاجبك…”
ضيقت عينيها وزفرة باهتياج متذكرة مضايقاتُ
القديمة لها…….. “من زمان وانت بتعمل كده……..”
أومأ براسه واستفزها قائلاً……
“كويس انك فكرة…….انك من زمان عينك فارغه…”
هزت راسها ببساطه مؤكدة وهي تحاول
إختطاف الكيس منه……
“اه انا عيني فارغه ملكش دعوة……هات الكيس…”
“لا…..”قالها وهو يدس شرائح البطاطا بفمه وهو ينظر اليها بعناد…..
فجزت على اسنانها وهي تمد يدها تحاول خطف الكيس مجدداً لكنه رفع ذراعه ببساطه لقصر قامة
طولها وقد اولاها ظهره قائلاً باستفزاز……
“انتي هبلة ولا إيه…….هتاخديه من ايدي……”
أحمر وجهها بشدة وهي تجن من حركاته تلك خصوصاً انه يأكل من الكيس غير مبالي بها….
وكانه اشتراه له……
لتكن في لحظة التالية وبدون تفكير يُحسب…تقفز على ظهره العريض محاولة إختطاف الكيس منه مزمجرة بحدة……
“هات الكيس كلته كله…… هات ياسلطان…….”
ضحك سلطان بشدة وهو يحاول التخلص منها
لكنها كانت متشبثه به بقوة تحيط عنقه بذراعها
تكاد تخنقه……
“يامجنونة خنقتيني انزلي…….”
قالت هائجة وهي مصممة على خطف
الكيس منه…..
“هات الكيس……..كلته كله….هات الكيس…..”
“هموت ياهبله……..انزلي…..”حاول سلطان فك
ذراعها من حول عنقه……..فصاحت هي
بتحدي…..
“هات الكيس الأول…….”
“اعوذ بالله خدي…….”اعطاه لها سلطان وهو يضحك
غير مصدق جنونها…….
كلما اغاظها بشيءٍ ولو بسيط تقفز فوقه هكذآ كالببغاء مزمجرة……..
“مينفعش الواحد يهزر معاكي…دانتي لاسعه….”
قلبت داليدا شفتيها بمقتاً….
“دا مش هزار دي رخامة……
” انا رخم ياداليدا……”رفع سلطان حاجباه وتبددت
ملامحه في لحظة….مما جعلها تقترب منه بشريحة
من البطاطا قائلة….
“افتح بؤك…….انا اللي هاكلك……”
“دا اي الحنية دي…. تتحسدي……..”فتح فمه فوضعتها في فمه مبتسمة له بدلال………
نظر سلطان لشفتاها التي تتحركان مع مضغ الشرائح المقرمشة فابعد عيناه عنها وهو يشير لأحد الأركان……….”تعالي نقعد هنا………”
لحقت به داليدا وجلست على أحد المقاعد جواره تأكل من شرائح البطاطا….وهي تنظر الى البطاط الصغيرات ياكلوا ويشربوا في أحد الزوايا القريبة منهما…….فعقبت بإبتسامة تقطر عسلاً………..
“حلو شكل البط أوي……..والفراخ كمان…….انا عرفت
مرات عمي بتحب التربية ليه…….”
نظر لها سلطان لبرهة ثم سالها
بفضول….
“وانتي بقا بتحبي إيه…….”
نظرة له وتفاجئت من سؤاله لكنها ردت بنظرات
حالمة……..
“انا…..انا بحب البحر اوي……..انا نفسي اتغدى في يوم على البحر………”
استغرب من طلبها….. “بس كده…….”
اضافت داليدا بعينين متلألئتين………
“واقضي اليوم كله على البحر…أجري ولعب ونزل المايه كمان…….”
قال سلطان ببساطه……
“نبقى نعملها في يوم انا وانتي….”
سألته بدهشة…… “بجد ياسلطان……”
هز راسه مؤكداً…
“أيوا نخرج سوا…….اي رأيك……”
هزت راسها بسعادة….. فهي اشتاقت للخروجات بشدة………. “موافقة طبعاً……”
“الغدى ياااااسلطان……..داليداااا…..”اتى صوت والدته من الأسفل تنادي عليهما بنفاذ صبر بعد ان تأخرا في النزول…….
ضرب سلطان على جبهته وهو ينهض من
مكانه متذكراً….
“نستيني……..أمي بتحضر الغدى تحت…وقالتلي انديلك……يلا عشان تحضري الأكل معاها…..على
ماطلع انا شقتنا أغير هدومي دي……”
نهضت داليدا بعده سائلة…..
“انت هتنزل تاني الورشة……”
أكد هو متعجباً من سؤالها…….
“آه…….زي كل يوم وهرجع بليل…….بتسألي ليه….”
يبدو ان الشوق غلبها…..فخرج السؤال
عفوي….لذا ارتبكت قليلاً وهي تخبره…..
“عادي….. سؤال عادي….انا هنزل انا بقا…….”
نزلت سريعاً قبل ان يوقفها فنظر هو لأثرها شاعراً
بقلبه يهفو معها أينما ذهبت…….
…………………………………………………………..
بعد عودته من الورشة…. في المساء……..
كان يجلس على الاريكة امام التلفاز يقلب بجهاز التحكم بملل…..حانت منه نظرة على الطاولة
ليجد أربعة اكواب من الشاي فارغة أمامه…
قد شربهم في خلال ساعة ونصف….حمل الاكواب وهو يجز على أسنانه من جديد…..واثناء ذهابة
للمطبخ نظر لغرفتها ليجد خطٍ من الاضاء يتسلل
من عقب الباب……يبدوا انها استيقظت أخيراً…
لماذا نامت اليوم مباكراً…..ام انها تدعي؟!….
وضع الاكواب على رخامة المطبخ ثم عاد وطرق الباب منادياً بخشونة…..
“داليدا…….عايز شاي……..”
مطت جسدها على الفراش للأمام بكسلاً وعلى شفتيها تلونت ابتسامة شقية……وقالت بخبث..
“وبنسبة للكوبيات اللي كانوا هتكسروا من شوية
وانت بتحطهم في المطبخ…….كانوا كوبيات ماية… ”
أكد بوجوم……. “آآه ماية………”
اتجهت داليدا الى باب غرفتها وفتحت إياه…ووقفت أمامه بمنامة قطنية رقيقة وشعر أسود ناعم كثيف منسدل على ظهرها……رمشت بعينيها عدت مرات
وهي تسأله بشك……
“ليه صاحي لحد دلوقتي……..”
نظر لها سلطان نظرة شاملة مدققة ثم سألها
باهتمام مستجد………
“انتي ليه نايمة دلوقتي….مش بتقولي انك بتنامي
سبعة الصبح……….”
هزة كتفيها مجيبه….”من الزهق نمت………”
أشاح بوجهه عنها قائلاً…..
“انا كمان زهقان…..بس مش عارف أنام……”
لمعة عينيها الشقية مقترحة……
“اي رأيك نتفرج على فيلم أجنبيّ…. رعب…..”
ادعى الاهتمام وهو يطوف على وجهها المشع
بعيناه… “تعرفي حاجة كويسة……..”
اومات براسها بحماسية مفرطة…..
“ياااه بالهبل……هخترلك حاجة على ذوقي هتعجبك…..بس هعملك شاي……وهعمل فشار
كمان اي رأيك….. ”
“ماشي……..هستناكي جوا……..”
اتجه الى الداخل بانتظارها…….وبالفعل بعد دقائق
قليلة توسطت الاريكة بجواره متمددة عليها معه
وفي حجرها طبق كبير من الفشار…..
أطفأت أنوار الشقة واكتفت بالاضاءة المنبعثة
من شاشة التلفاز الكبيرة والتي بدأت تعرض
فلماً مرعباً……..وقد ساعد الظلام المحيط
بهم الدخول في الأجواء والاندماج السريع…..
بنسبة لها……ام بنسبة له هو فكان ضائع في مراقبتها
عن قرب……لم يكن من محبي التفاصيل او مراقبة
أحد……لكن الأمر معها مختلف…….
يختلف لدرجة انه يرى التشويق الحقيقي بتلك العينين الشقيتين……..الاثارة في تلك الضحكة
الرنانة والتي اخرجتها الآن على غفلة مع أول
ظهور لصديق البطل الفكاهي……
المتعة هي مراقبتها بهذا الشكل……..هي منجذبة
الى الفيلم واحداثة وهو منجذب اليها والى تفاصيلها…..كلاهما راضياً بهذا القدر !………..
اثناء مشاهدة الفيلم ومراقبته لها…وجدها في أحد
المشاهد الحابسة للانفاس……ترجع ظهرها للخلف
منتفضة بخوف….وعندما ظهر الوحش من خلف
الظلام…….شهقت برعب والقت نفسها في احضانه
استغل سلطان تلك الفرصة فكم اشتاق لجسدها
بين ذراعيه…..ضمها بشدة وهو يهمس برفق….
“اهدي يادليدا……متخفيش……”
أغمضت داليدا عينيها براحة وهي ترتاح على كتفه
شاعره بالدفء يسري في عروقها……. وقلبها يخفق
بجنون……….لتجد سلطان يتحسس ظهرها
بحنان قائلاً بمزاح……..
” طلعتي جبانه وعملالي فيها قلبك جامد……..”
خرجت من احضانه مزمجرة……
“طبعاً قلبي جامد….. بس اتخضيت لم خرج من الضلمة……..”
نظرة داليدا لشاشة واتسعت عينيها برهبة….. “احيه…… دا كلها…….”
قال سلطان بلؤم وهو يفتح ذراعيه
لها في دعوة سخية…..
“تعالي في حضني قبل مايطلع يكلك انتي
كمان…”
ضحكت داليدا ولم تلبي دعوته بل قالت
بتردد……. “سلطان……..”
نظر لها مهتماً…. فقالت هي بحرج شديد…..
“انا آسفه…….”
سالها بعدم فهم…… “على إيه يادليدا…..”
بللت شفتيها امام عيناه ثم قالت بأسى…
“على السلسلة…… صدقني نسيت اشيل الصورة منها………”
“داليدا اتفرجي على الفيلم وانتي ساكته…..”
قاطعها سلطان بنبرة خشنة مهيبة….وقد
تبددت ملامح وجهه في لحظة وتحولت للحجر
الصلب…..ام عيناه فكانت قاسيتين منفعلتين
بشكلاً مبالغ مع ذكر السلسال…الذي ذكره
بالسبب الرئيسي الذي جمعهما كزوجين…..
شعرت داليدا بالاحباط وبغيمة من الحزن تعلو
رؤوسهما بعد اعتذارها السخيف والذي ليس
له اساسٍ من صحة……
هذا هذيان يا داليدا… فمن الغباء ان تذكري هذا
الأمر او حتى تعتذري عنه في ساعة صفاء
بينكم…..
الوضع حساس جداً…. ومزال هناك جدار يعزلكم
عن بعضكما ويبعدكما أكثر……. فكفاكِ تهور…. وتعقلِ…..
ظلا صامتين لنصف ساعة…..كلما نظرة اليه تجده
مثبت عيناه على الشاشة يشاهد بوجهاً مكفهرٍ
وتعابير صلبة غير مقروءة………
اغمضت عينيها تشتم نفسها للمرة المائة فهي تكره انقلابه عليها….. فعندما يغضب او يحزن منها
تشعر بعدم الارتياح وكان الحياة تخاصمها
معه !……
لا تعرف من أين اتتها الجرأة…. لكنها فعلت ماتشعر
انها بحاجة له…..
قد سحبت ذراعه بمنتهى البساطه واحاطت به خصرها من الخلف….. ثم اقتربت منه أكثر ومالت براسها على صدره العريض ترتاح في حضنة
ثم اغمضت عينيها هامسة ببراءة…….
“انا آسفه ياسلطان…… آسفه…..”
في اللحظة التالية من اعتذارها أغمض سلطان
عيناه….وهو يخرج نفساً متحشرج حارٍ…..
لم يبادلها العناق ولم يجد رداً على اعتذارها
الأهوج….
لكن هيهات قلبه وجسده كانوا متجاوبين معها
بكل جوارحهم….
لكنه تمالك اعصابة ولم يكشف عن ضعفه في قربها…..بل ظل صامتاً يتابع الفيلم بنفس الملامح المكفهرة المتحجرة……بينما داخلياً كان يهمس كل دقيقة بعذابٍ وهي ترتاح على صدره……
“الرحمة يا داليدا…….الرحمة يابنت عمي…..”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)
جميله
تحفه