روايات

رواية احذر من يطرق باب القلب الفصل الخامس عشر 15 بقلم رضوى جاويش

رواية احذر من يطرق باب القلب الفصل الخامس عشر 15 بقلم رضوى جاويش

رواية احذر من يطرق باب القلب الجزء الخامس عشر

رواية احذر من يطرق باب القلب البارت الخامس عشر

رواية احذر من يطرق باب القلب الحلقة الخامسة عشر

**الخاتمة**
القواعد الذهبية .. للست المصرية..
تطلع نحوها في عشق، الآن وللأبد، هي شريكة حياته، وونيس أيامه، ما عاد ينقصه من الدنيا شيء وهي جواره.. صاحبة الفرحة، التي أدخرها الزمان لأجله، بعد سنوات من الوجع والتيه..
مد كفه، دافعا خصلة من شعرها عن خدها، لتتململ في رقة، جعلته يهمس من أجل إيقاظها، لترفرف أهدابها في تشوش، قبل أن تبتسم ما أن طالعها محياه، لتسأل أول سؤال جال بخاطرها: هي الساعة كام!
أكد أيوب باسما: خمسة الصبح!
تطلعت نحوه بأعين اتسعت دهشة، قبل أن تنقلب سحنتها، جاذبة الغطاء حتى رقبتها، هاتفة مدعية الحنق: خامسة الصبح! أيوب يا نورسي! نام.. وقول يا صبح.
هتف متعجبا: على فكرة أنا ملحقتش أعمل زي بقية الرجالة وصباحية مباركة يا عروسة والكلام ده! هو فين! مش ميعاد الفقرة دي أول ما العرايس بيصحوا من النوم ولا أنا الترتيب عندي فيه غلط!
هتفت مؤكدة: لا صح، بس لما يصحوا ع الضهر.. ع العصر.. مش الفجر! يعني ملحقوش يناموا أصلا.. صباحية ايه! دي فجرية! ده الصبح لسه مطلعش من أساسه يا أيوب!
قهقه مؤكدا: طب أعمل إيه! ما..
قاطعته مغمضة عينيها، مقترحة: أنا أقولك تعمل ايه! تسبني أنام.. وكله هايبقى تمام..
هتف أيوب معترضا: إيه ده! محدش قالي إن الجواز هايبقى كده!
رفعت سلمى جزعها قليلا، هاتفة في مزاح: ده عشان سقف توقعاتك العالي، اللي بيتهبد على دماغنا دلوقت، بس نصيحة بقى، أنا هديك القواعد الذهبية للست المصرية، قاعدة رقم (١).. اوعى .. هااا اوعى.. تصحيها من النوم لأي سبب.. بتقلب أمنا الغولة على طول..
أكد أيوب مازحا بدوره: ما هو واضح قدامي أهو..
أشارت هاتفة: طب ياللاه اقفل الابجورة اللي جنبك دي، واستهدى بالله كده، ونام ..
أطاع في هدوء، متمددا جوارها، متطلعا نحوها، هامسا في عشق: بس أنتِ وحشتيني على فكرة!
تطلعت نحوه لبرهة، ثم بدأت في الاقتراب منه، حتى التصقت به، واضعة رأسها في وجل على صدره، ليهمس مازحا: القاعدة رقم (١) راحت فين!
همست مازحة بدورها: احفظ عندك القاعدة رقم (٢).. كلمة زي وحشتيني دي قادرة تخلي أي ست مصرية تطلع تطلع وتنزل على مفيش، وتكسر كل القواعد عشان خاطر جنابك.. وتولع القواعد كلها فدا جوزي قرة عيني..
قهقه أيوب وهو يضمها بين ذراعيه، هامسا في وله: صباحية مباركة يا عروسة..
همست باسمة: ده أنت مُصر بقى!.. ما ده أخرة اللي تقبل بواحد اتقدم لها الساعة ٧ الصبح!
ارتفعت قهقهات أيوب، متسائلا: أنتِ مش هاتنسي بقى!
أكدت وقد اتسعت ابتسامتها: حد ينسى حاجة زي دي.. دي حكاية العمر كله ..
ضمها أيوب إليه أكثر، هامسا في مجون: اللي ما يتنسيش صح، هو لحظة كتب الكتاب، واخوكِ بيصحح للمأذون، ويقوله لا.. البكر الرشيد.. أنتِ عارفة كان حالي إيه لحظتها! عارفة أنا عملت إيه!
هزت رأسها نفيا، وهي تخبيء هامتها تحت ذقنه، لا تنطق حرفا خجلا، ليستطرد مؤكدا: استأذنت لحظة، وخرجت البلكونة سجدت لله شكرا، لأني لومت نفسي كتير، بعد ما عرفت حقيقة وضعك مع ..
توقف للحظة، لا يرغب في نطق اسم مجدي، ليكمل وقد أدرك هو أنها فهمت مقصده: كنت بقول لنفسي، لو كنت عرفت حكايتها، كان يمكن قدرت تساعدها، كنت لحقتها من كل اللي حصل لها ده، ومكنتش شافت الوجع ده كله ولا اتحسبت الجوازة عليها جوازة والسلام، لكن القدر مبيتعاندش، وكنت راضي إني أكون معاكِ على أي حال، لكن ربنا كريم، صانك ليا عشان تنوري حياتي.
دمعت عيناها، ورفعت رأسها قليلا مقبلة ذقنه، ليخفض رأسه متطلعا لعمق عينيها: عارفة! أنا لما اكتشفت موضوع جوازك ده.. طلعت زي المجنون بالعربية، مش شايف قدامي، كل اللي شايفه قصاد عيني، إنك مع راجل غيري، وإني طلعت موهوم، واحساسي ناحيتك كله مجرد كدبة، واحساسي إن جواكِ مشاعر ليا، ده أكبر خداع خدعت به نفسي، أنا كنت بموت وبحيا، وأنا لا عارف أحبك لأنك زوجة ولا عارف أكرهك لأني بحبك، شايفة عملتي فيا إيه!
سالت دمعة صامتة على خدها تأثرا بكلامه، الذي لم تتوقع سماعه مطلقا، وقد أيقنت أنها كلما اقتربت من هذا الرجل أكثر، كلما أدركت أن الله يحبها أن أهداها محبته..
مد أيوب كفه اللحظة، مزيحا الدموع عن وجتيها، ضاما إياها لأحضانه، ينل ثأره من سبب العلة، ودوائها..
****************
سارت رياحين في اتجاه المطبخ، لتصنع لها كوبا من القهوة، في ذاك الصباح المبكر، لتستعد للعمل فها هو أيوب النورسي، العازب الأشهر على الاطلاق قد تزوج، ابتسمت عندما تداعت ذكريات قصة سلمى وأيوب بمخيلتها، سعيدة لأجلهما، فأيوب قد عانى الكثير، ولم يهنأ بزواجه من هيفاء، التي تركت طفلها الرضيع بين ذراعيه، وظلت تقفز من بلد لبلد، ومن أحضان رجل لذراع آخر، دون أي رادع أو شعور بالمسؤولية تجاه طفلها الذي كانوا قد اكتشفوا لتوهم حالته، بل إنها ازدادت بعدا ونفورا بعدما أعلنوا لها الحالة، فنسيت أو تناست أنها أم وعليها ما على الأمهات في مثل هذه الحالة، كم اشفقت على أيوب وهو يحمل عبء ساجد وحالته وحيدا، حتى جاءت سلمى وقلبت الموازين، وأصبحت أما حقيقية لولده، وتحسنت حاله على يدها، ليقع في حبها، الذي توج بالزواج أخيرا، بعد كل ما جرى من تداعيات.. الآن عليها اللحاق بالشركة، لأن عليها حمل عبء كبير على كاهلها في غياب أيوب في رحلته لشهر العسل..
دخلت المطبخ فتفاجأت بوجود ثناء، لتسألها متعجبة: ليش متيقظة بهاي الساعة المبكرة! باقى أكثر من ساعة لتبدأي دوامك!
هتفت ثناء ووجها يحمل ملامح مفعمة بالكآبة: مجاليش نوم يا هانم، قلت أقوم اشغل روحي، بدل ما اتجنن..
تطلعت لها رياحين متعجبة: ايش اللي جرى! ما خلصنا!
سالت دموع ثناء هاتفة: خايفة أكون شايلة ذنب مجدي، وكلامي له في الرسالة اللي بعتهاله، هو السبب في انتحاره!
تطلعت رياحين صوب ثناء، كأنها امرأة فاقدة للعقل، هاتفة: أنتِ مصدقة حالك! مجدي هاد كان بيحس من الأصل، ليتأثر بكلامك في رسالة قرأها! مجدي دي كانت نهايته المحسومة بعد كل ظلمه ومتاجرته بالاعراض.. ده ذنبك وذنب سلمى وبنات كثيرات سبقوكن.. راح خلاص، ربي يتولاه..
ترددت ثناء للحظة، قبل أن تهمس: أنا عايزة أقولك على حاجة، بس متزعليش مني، كان غصب عني والله!
هتفت رياحين، مشيرة لماكينة صنع القهوة: اصنعي كوب من القهوة، وقولي اللي يخطر ببالك، وربي يستر هاد المرة..
أقرت ثناء: أنا مش حامل، وموضوع ال..
قاطعتها رياحين متفهمة: إيه.. عارفة إن ما في حمل، ولا يحزنون .. وإنك ادعيتي حملك لأهتم أكثر في تأكيد زواجك من مجدي.. عرفت من أول ما حكيتي، وكنت راح أساعدك على أي حال..
وضعت ثناء القهوة قبالة موضع جلوس رياحين على الطاولة، لتبدأ في ارتشافها باستمتاع، تحضر برأسها جدول أعمال اليوم..
*******************
كان يقف خلفها، مطوقا خصرها، يتطلعا سويا من خلف زجاج نافذة حجرتهما، هاتفا يسألها في مرح: ها.. إيه رأيك يا سلامات! برج إيه بقى اللي قدامك ده!
هتفت تدعي الجهل: برج بيزا المائل!
هتف أيوب مقهقها: والله ما حد مال إلا حظي!
قهقهت سلمى بدورها ساخرة: أهو لطم بالبلدي حفيد شيرين باشا!
هتف أيوب باسما: شيرين باشا! تفتكري كان هيعمل ايه لو كان عايش، وشاف حفيده قاعد بياكل كرشة وممبار فالحسين، زي ما بتتمني!
أكدت سلمى ضاحكة: هيعمل ايه يعني! كان هيجي ياكل معانا.. وكنا قعدناه فتكية الباشا، عشان المقامات محفوظة وكده..
ارتفعت ضحكات أيوب، متسائلا: طب مقلتيش بقى! تحبي تروحي فين بعد باريس!
هتفت سلمى بلا تفكير: اسكندرية!
تعجب أيوب: كل الناس فمصر راحت اسكندرية! وأنتِ اكيد روحتي، ما نروح مكان جديد بالنسبة لك.
أكدت سلمى في شوق: لا هي اسكندرية، بقالي كتير ما رحتش، كان بابا بياخدنا على طول، لكن من بعد وفاته، مرحتهاش، وعايزة أروح معاك.
ابتسم أيوب: طيب، وماله نروح.
صفقت سلمى في جزل: يا سلام بقى ع البلاج، وحلة المحشي ال..
قاطعها أيوب مصعوقا: سلمى! هو مفيش حاجة من ذكرياتك إلا والمحشي موجود فيها!
هتفت ضاحكة: طبعا، ده العشق.
تطلع لها مصدوما، كيف تضع المحشي في هذه المنزلة، لتتنبه رافعة كفها، تؤدي التحية العسكرية هاتفة في مزاح: أكيد بعد سعادة أيوب باشا النورسي، ده العشق ذاته..
اتسعت ابتسامته، مطوقا خصرها من جديد، هاتفا وهو يضع ذقنه مسندا على كتفها: الصراحة المحشي بتاعك جميل فعلا، أنا مفتكرش كلت حاجة طعهما حلو كده من زمان، أقولك سر! يوم ما عملتيه، رجعت دورت عليه فالمطبخ، عشان أكل منه تاني، كان لا يقاوم، بس لقيته خلص..
قهقهت سلامات: لا مكنش خلص، ده أنا أمنت نفسي وخدت الباقي من الحلة، اتسلى به، مش كنت منبه عليا مخرجش من اوضتي من بعد الساعة ٩!. أهو حظر التجول اللي كنت عاملهولي، حرمك من جمال المحشي بتاعي، بس ولا يهمني..
واندفعت صوب الباب، ليهتف بها أيوب متسائلا في تعجب: رايحة فين!
هتفت سلمى: رايحة أطبق القاعدة رقم !! هو احنا وصلنا لكام لحد دلوقت!
اتسعت ابتسامة أيوب: مبعدش يا جيمي..
لتستطرد سلمى: القاعدة رقم (١٠) تقريبا، للست المصرية الأصيلة، أقرب طريق لقلب جوزك معدته، وأنا نازلة اعمل لك شوية محشي إنما إيه!
هتف أيوب يستوقفها ضاحكا: سلمى إحنا مش فالفيلا..
تنبهت لذلك، وقد نسيت حالها، ليستطرد أيوب: إحنا في أرقى أحياء باريس، وأغلى فندق فيها، وعايزة تنزلي تعملي عندهم محشي! ..لا وامتى! الساعة ٨ الصبح! ده الشيفات لسه نايمين..
هتفت سلمى مازحة: يصحوا، النايم يصحى، اومال اسيبك بجوعك، واتوه أنا فالسكة!..
قهقه أيوب: تتوهي فسكة ايه بس!
أكدت في جدية: مش أقصر طريق لقلبك معدتك، أنا عايزة اوصل بسرعة بقى أنا مش حمل فرهدة..
ارتفعت ضحكاته من جديد، جاذبا إياها لأحضانه من جديد، هامسا بعشق: سلمى! هو أنتِ لسه موصلتيش! ده أنتِ وصلتي من زمان أوي، ومن قبل ما أخد بالي أصلا، كنت هناك متربعة.. ومطار قلبي أعلن وصول رحلتك من بدري.
تطلعت نحوه ولم تستطع أن تنطق حرفا، ليضمها إليه هامسا من جديد: سلامات!
همسات بدورها: هااا!
ابتسم مؤكدا: حمدا لله ع السلامة.
ابتسمت في خجل: يا هلا بالغالي ..
قهقه من جديد وهو يضمها لأحضانه.
*****************
هتف أيوب مؤكدا، بعد أن وصلوا الاسكندرية: سلمى! مفيش محشي ع البلاج..
هتفت سلمى مازحة بكوبليه من إحدى الأغاني: عمري اللي فات والذكريات كانوا هنا! ..
أكد مصرا من جديد: أنسي.. مفيش محشي ع البحر، بس هعوضك..
تطلعت نحوه، ليستطرد باسما: أول ما نرجع الفيلا، اعملي المحشي اللي يعجبك، ونقعد ناكله واحنا فالبيسين، إيه رأيك!
هزت رأسها موافقة: ماشي كلامك..
ابتسم في سعادة، لاستطاعته ارضائها، لطالما كانت سريعة الارضاء، سهلة المعشر، فكان دوما قربها راحة، ووجودها ونس..
وصلا لمدخل إحدى شوارع بحري، متوقفا ليسأل أحد أصحاب المحال، في تردد: هو في حد ساكن هنا اسمه صفية القباري!
هتف الرجل مصححا: تقصد المعلمة صفية! اه طبعا، ومين فبحري كلها ميعرفهاش، آخر الشارع، تاني محل على إيدك اليمين.. اسمه ..عروسة البحر..
تطلع أيوب لسلمى، التي همست له: تفتكر هي!
همس أيوب: هيبان..
سارا حتى المحل المشار إليه، ليتداعى لاسماعهما صوت جهوري لامرأة ستينية، تأمر أحد صبيانها بوضع كمية معينة من وارد اليوم من خير البحر في الثلاجات، وإرسال الباقي لأحد المطاعم.
دخل أيوب ملقيا التحية، لتنتبه المرأة، قوية الملامح، ذات العيون الزيتونية، التي تعكس جمالا وجاذبية، حتى هذه اللحظة، والتي تؤكد أنها كانت في شبابها أية من جمال، متسائلة: تحت أمرك يا أستاذ!
أقر أيوب: بسأل عن الست صفية القباري!
أكدت المرأة، وقد نهضت من موضعها، تقترب منهما في توجس: أنا صفية القباري، خير يا حضرت!
همس أيوب: أنا أيوب النورسي، من طرف الشيخ عدنان، عدنان العت..
هتفت في فرحة تقاطعه: عدنان العتيبي! هو لسه عايش!
أكدت سلمى: ايوه ربنا يديله الصحة، وطولة العمر..
هتفت صفية، وهي تتطلع حولها في اضطراب: طب، تعالوا معايا..
وتطلعت لأحد صبيانها أمرة في حزم: خد بالك على ما أرجع..
خرجوا من المحل، ورائحة السمك واليود تعبق الأجواء، سارا خلفها، لتدخل بهما إلى بيت لم يكن يبعد عن مكان محلها سوى شارع طويل، قطعوه جميعا دون أن تتفوه بكلمة، صعدوا للدور الثاني، ومنه إلى إحدى الغرف التي على الرغم من بساطتها، كان يشملها الهدوء وتفوح منها راحة النظافة، والسكينة التي اكتملت بالبخور طيب الرائحة، وصوت أم كلثوم .. الذي أدرك أيوب، لم كانت حاضرة دوما في حجرة الشيخ، ووجدانه.. جلست تسأل في لهفة: عدنان عامل ايه!
ابتسم أيوب مؤكدا: الحمد لله، هو اللي باعتنا نطمن عليكِ، ونشوف لو محتاجة حاجة..
تنهدت في امتنان: فيه الخير، وعمرى ما شفت منه إلا كل خير، بس هو النصيب، الله يرحمه أخويا بقى، ميجوزش عليه إلا الرحمة.. والحمد لله أهي ماشية..
هتف أيوب: يعني أنتِ بجد مش محتاجة أي حاجة، اطلبي اللي يسعدك، واحنا تحت أمرك!
قهقهت صفية في وجع: يسعدني! خلاص اللي كان يسعدني مبقاش ينفع يا أستاذ..
تطلعت لأيوب، وكأن لهفتها في السؤال عن عدنان، انستها أصول اللياقة: لا مؤاخذة، مسألتكوش تشربوا إيه!
هتفت سلمى: ولا حاجة، إحنا جايين نسأل عليكِ، ونمشي على طول..
هتفت صفية في تردد لأيوب: هو أنت ابنه! والحلوة دي مراتك!
أكد أيوب: اه دي سلمى مراتي، وممكن تعتبريني ابنه، الشيخ معندوش أولاد.. متجوزش بعد ما حصل اللي حصل، لحد ما رجع بلده، اتجوز ولدتي لسبع سنين، كانت زوجة أخوه الأكبر، ومن بعدها، تعب جامد .. وهو تقريبا مش بيتحرك إلا على كرسي متحرك..
شهقت صفية في قهر، واضعة كفها فوق صدرها، كأنها تحاول أن تهديء من روع ذاك الضجيج الكائن بين ضلوعها.. هاتفة في نبرة مترددة: معاكم صورة له!
هزت سلمى رأسها في إيجاب، فقد كانت دوما ما تمازح الشيخ، ملتقطة له الصور، وفتحت جوالها، تبحث عن صورة عدنان، حتى إذا ما وجدتها، دفعت بالهاتف نحو يد صفية، التي كانت كفها ممدودة بلهفة.. تطلعت للصورة بحب، جعلت عينى أيوب تدمع، بينما نهضت سلمى، تجلس قرب صفية، تربت على كتفها في ود، لتهتف صفية بعد برهة: متغيرش، ولا عمره هيتغير، زي ما شفته أول مرة ع البحر، أصل أنا شيفاه بعيون قلبي، اللي عمرها ما شافت ولا هتشوف غيره..
سال دمع صفية، الذي كانت تحاول مداراته، لتشاركها سلمى الدموع، بينما نكس أيوب رأسه ولم يعقب بحرف.
هتفت صفية تحاول التماسك: لما جوزوني غصب، كنت بموت وبحيا، وفكرت أموت روحي، بس عرفت إني حامل، قلت خلاص، مبقتش روح واحدة اللي هتروح، ومن ساعتها، وأنا مش عايشة، عيل ورا التاني، وصفية عايشة ميتة، ربيت وكبرت وجوزت، وأبو العيال مات، ومن وراه أخويا، وفضلت صفية بطولها، المعلمة صفية، اللي رجالة بشنبات بتعمل لها ألف حساب، واللي مفيش كلمة من واحد فيهم، مشيت على رقبتها ولا قدرت تكسرها، بس كلمة واحدة بس من عدنان، كانت مكفياني اعيش عليها العمر كله، واتونس بالحاجة الوحيدة اللي فضلت لي من ريحته..
وأشارت لسلسال ذهبي، أخرجته من بين طيات ثيابها، يحمل شكل وردة تحتضن قلبا، مبتسمة في براءة طفلة فالسادسة: جبهولي يوم ما قالي إنه هايتقدم لي، وخد عليا العهد مقلعهوش من رقبتي، وحصل، طمنوه إن صفية لسه ع العهد .. وإن كانت الوشوش صعب تتقابل، لكن الأرواح لسه بتسلم.. وإن أمانته هتفضل فرقبتي، وهتدفن معايا زي ما كتبت فوصيتي يوم ما أموت..
ارتفع صوت نداء، بصوت رجولي من الداخل، ليظهر فجأة شاب تخطى الخامسة والعشرين، مقعد على كرسى مدولب، يقف متطلعا نحوهم على عتبة الباب، ثم أخيرا تجاهل وجود أيوب وسلمى، متطلعا لأمه، في نظرة مستعطفة، مشيرا لها لتأتيه على عجل، فعلي ما يبدو، يحتاج لقضاء حاجته، انتفضت صفية، متوجهة صوبه، هاتفة به: حاضر يا عيون أمك، جاية أهو..
واستدارت صوب أيوب وسلمى مؤكدة: انتوا هتتغدوا معايا النهاردة، ومفيش كلام بعد كده، كفاية انكم من ريحة الغالي، خليني اتونس بكم، كأني معاه..
هز أيوب رأسه موافقا، لتعود سلمى لتجاوره، بعد أن خرجت صفية ملبية نداء ولدها المعلول، ركنت سلمى رأسها على كتف أيوب، محتضنة ذراعه، تبكي في صمت، رابتا على كفيها المعقودتين حول عضده، وأم كلثوم المترنم صوتها قادما من الردهة الداخلية للمنزل، يهيج المزيد من الشجن:
وإذا الدنيا كما نعرفها، وإذا الأحباب كلٌ فى طريق..
أيـهـا السـاهـر تغفو، تذكـر العهـد وتصـحـو..
وإذا مـا الـتـأم جــرح جــدّ بالتـذكـار جــرح..
‏ *****************
رن هاتفها عدة رنات متعاقبة، فردت في حماس: السلام عليكم، إزيك يا خيرية!
هتفت خيرية في مرح: إزيك أنتِ ياختي! إحنا قلنا نسيبك شوية، قبل ما نتصل ونطمن على العرسان، عاملة إيه!
هتفت سلمى في سعادة: الحمد لله..
هتفت خيرية، دافعة الهاتف لصبحي: خدي أخوكِ عايز يسلم عليكِ، وبعدين ابقى انم معاكِ..
التقط صبحي الهاتف في لهفة، متسائلا: ازيك يا سلمى! أنتِ كويسة! وكله تمام!
أكدت سلمى: الحمد لله يا صبحي، والله زي الفل..
استطرد متسائلا من جديد: وأيوب بيه أخباره ايه!
أكدت سلمى: تمام والله وييسلم عليكم كلكم..
أعطى صبحي الهاتف لخيرية، هامسا: يا رب دايما سامعين عنكم كل خير..
جذبت خيرية الهاتف، تمازح سلمى: قولي بقى، الجواز حلو!
قهقهت سلمى، هاتفة: طب ايه رأيك أنتِ!
هتفت خيرية معاتبة: ليه كده يا سلمى، بتجريني اعترف، واخوكِ لسه جنبي، الطيب أحسن..
نهض صبحي ليجيب على هاتفه، لتهتف خيرية بجدية: قوليلي بقى، اهو أخوكِ قام، أنتِ كويسة بجد!
أكدت سلمى في فرحة: مفيش أحسن من كده..
تنهدت خيرية: طب الحمد لله، ده أخوكِ قاعد لا على حامي ولا على بارد، خايف عليكي بجد..
أكدت سلمى: أيوب راجل محترم، والحمد لله بيراضيني ومريحني..
هتفت خيرية: يا رب على طول، فكرتيني بالذي مضى يا سلمى.
قهقت سلمى مشاكسة: هو مضى برضو يا خوخة!
قهقهت خيرية، مؤكدة: نص نص، أما أروح اعيده، واطلع لي منه بكلمتين حلوين، مش هحله النهاردة إلا لو دلعني بسوق الفاكهة كله..
وأخذت تغني.. فكهاني وبحب الفاكهة..
ارتفعت ضحكات سلمى، هاتفة: طيب روحي، بس بقولك ايه يا خيرية! انتوا مش محتاجين حاجة!
هتفت خيرية: الحمد لله كله تمام، كفاية اللي بتعمليه مع الواد فتعبه..
هتفت سلمى: حبيب عمته، كله فداه المهم يكون بخير.. خلي بالك عليه، ولو عرفت انكم محتاجين حاجة ومقلتيش يا خيرية، هزعل بجد، ده بيني وبينك، صبحي ملوش دعوة، فهماني!
تنهدت خيرية في راحة: حاضر يا سلمى، ربنا يريح قلبك، ويراضيكي..
واستطردت بعد برهة من الصمت: روحي بقى شوفي العريس، وحطيه فعيونك يا سلمى، الست مننا لما تلاقي راجل كويس يراضيها ويحبها بجد، تحطه فعنيها، وتقفل عليه برموشها.. روحي بقى.. خليني استفرد ب أخوكِ..
ارتفعت ضحكات سلمى، منهية المكالمة، وقد أقرت على كلام خيرية، إنها تطالبها بوضع أيوب بعينيها، لا تدرك أنه وقر فالقلب، في أعمق نقطة بالروح..
******************
تطلعت المضيفات صوب تلك التي كانت تجلس بأحد مقاعد الدرجة الأولى، تتناول وجبتها في استمتاع، لتهتف إحداهن في غيرة واضحة: معقول دي مرات كابتن أيوب!
أكدت آخرى: اه، مالها! ما هي حلوة وشيك أهي!
هتفت آخرى: فعلا، ودمها خفيف موت، اتكلمت معاها شوية، فصلتني ضحك، بس هو في حد غيران شوية، وبيقول كده من غيظه!
أكدت المضيفة التي تأكلها الغيرة: هغير من دي! أنا بس مستغربة، بعد صبره ده كله، يفطر على دي!
هتفت احداهن: عجبته يا ستي، هو حر.. و..
قاطع حديثهن صرخات متوجعة، ليتنبهن لسلمى، التي بدأت تتأوه، فاندفعت إحداهن صوبها، بينما اندفعت آخرى نحو قمرة القيادة، لتخبر أيوب بما يجرى، هاتفة به: كابتن أيوب! واضح إن المدام في حالة وضع..
انتفض أيوب متوجها ناحية مقعد سلمى، التي بدأت تلتقط أنفاسها في تتابع، متسائلا في ذعر: فيه إيه! هو مش لسه شوية على ميعاد الولادة!
أكدت سلمى بإيماءة من رأسها: آه، لسه، ده أنا لسه عليا شوية، بس شكلي بولد يا أيوب، هيطلع ابن سبعة، ابن حفيد شيرين باشا هيطلعهم عليا..
قهقهت المضيفة التي كانت تقف بالقرب على كلام سلمى، ما دفع أيوب ليهتف بها في اضطراب: هو ده كل اللي همك! إنه هيطلع ابن سبعة! مش واخدة بالك أنتِ بتولدي فين يا سلمى!
هتفت سلمى مفسرة وهي تلهث: قاعدة الست المصرية رقم مش عارفة كام، رجلك على رجله مطرح ما يروح، يا مأمنة للرجل، يا مأمنة للماية فالغربال، أقوم اسيبك بقى أنا مع البنات الرفيعين الحلوين دول، وأنت زي القمر كده، لاااااا طبعا!
أمسكت المضيفة ضحكاتها بالكاد، عندما ارتفعت صرخات سلمى، هاتفة لأيوب تطمئنه: اتفضل حضرتك يا كابتن، إحنا لقينا دكتور وسط الركاب، هيساعدنا وإن شاء الله تقوم بالسلامة..
أكدت سلمى من بين شهقات وجعها: ايوه قوم، ركز فالطريق الله يسترك، شوف لنا الطيارة دي هتنزل فين!
لم تستطع المضيفة إمساك ضحكاتها، ولا الطبيب الذي ظهر لتوه، مقتربا يقدم خدماته في مساعدتها على إخراج طفلها للحياة..
لم يمر الكثير من الوقت، حتى علت صرخات الطفل، ليصفق الركاب في حرارة، بينما أطلقت إحداهن زغرودة قوية، ليندفع أيوب الذي كان يدعي التماسك، صوب موضع زوجه وابنه، مقتربا من سلمى يسألها في لهفة: أنتِ كويسة!
هزت رأسها مؤكدة، وعلى شفتيها ابتسامة واهنة، ليضع الطبيب الطفل بين ذراعي أيوب، والذي حمله في وجل، متطلعا نحوه في دهشة مضطربة، لا يستطيع تفسير ذاك الشعور الذي يكتنفه اللحظة، وقطعة منه بأحضانه، تذكر حين وضعوا ساجد بين كفيه، كان شعور الشفقة والرحمة، هو المسيطر عليه لحظتها، لكن مع ذاك الصغير، ذو الوجه الأحمر، الذي يقوم بحركات عجيبة مضحكة، مشاعره نحوه من نوع آخر، احساس مختلف تماما، دفع الدموع لمقلتيه، ما جعله ينحى بالصغير جانبا، وقد بدأ يبثه الأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في الأذن اليسرى، متمنيا له الصلاح.. فكان الاسم .. صالح..
***************
في أحد الأحياء الراقية بالقاهرة، وداخل شقة في أحد الأبراج الشاهقة، جلست خيرية، تضم لصدرها طبق من المكسرات والحلوى، تبحث عن قناة بعينها، هاتفة تنادي زوجها: ياللاه يا صبحي، أنا جبت القناة..
أكد صبحي: جاي أهو..
كان قد مر على زواج سلمى ثلاث سنوات، تبدل فيهم حال صبحي وعائلته تماما، فقد أعطاه أيوب توكيل لقطع غيار بعض أنواع من السيارات، التي تعمل شركات العتيبي على توريدها لمصر، فكان على قدر الثقة، واستطاع التوسع في افتتاح عدة مراكز بطول مصر وعرضها، وأصبح هو المشرف العام على إدارتها..
هتف صبحي وهو يهتف متسائلا: ها بدأ البرنامج!
هتفت خيرية، وهي تمد له يدها بطبع المقرمشات، ليمد كفه لقلب الصحن، متناولا بعضه، مؤكدة: لا لسه قدامهم بتاع خمس دقايق اعلانات.. برافو عليها سلمى والله، اهي بتكمل الدكتوراه، ومعاها ساجد وصالح، والثالث جاي فالسكة، وفتحت مركز لعلاج أطفال التوحد، الله أكبر.. أنا مش بحسد، بس بجد أختك دي جدعة وطول عمرها شاطرة..
تنهد صبحي مؤكدا: ربك بيعوض يا خيرية، كل اللي فاتها واللي مقدرتش تعمله السنين اللي فاتت، اهو ربنا كرمها به وعملته ف ٣ سنين بس، من ساعة جوازها بأيوب.. الصراحة جوازها بالراجل المحترم ده، فرق مع الكل.. واحنا من ضمن..
أكدت خيرية: اه والله صدقت فكل كلمة، هو راجل مفيش بعد كده، وسلمى كمان بنت حلال وتستاهل، ربنا يكرمهم ويوسعها عليهم كمان وكمان..
همس صبحي: يا رب..
انتفضت خيرية، ممسكة جهاز التحكم، لترفع الصوت، هاتفة في حماس: البرنامج بدأ أهو..لما نشوف سلمى فاللقاء هتقول إيه!
دخلت رياحين، تضع بعض الأوراق أمام أيوب في ذاك الاجتماع الهام، تميل عليه هامسة: أيوب بيه! في حدث هام لابد تعرفه.
تطلع أيوب لها في قلق، استأذن من الجمع المتحلق حول المائدة المستديرة، لينهض مبتعدا، وخلفه رياحين، التي بادرته متعجلة: مدام سلمى بتضع بالهوا..
هتف أيوب في ذعر: يعني بطلنا طيران، عشان ما تولد بالجو، أجرت طيارة تولد بها! اه يا سلمى طاح عقلي بسببك.
أمسكت رياحين ضحكاتها، مؤكدة: لا أيوب بيه، بقصد ع الهوا، بلقائها التليفزيوني على الهواء مباشرة.
زعق أيوب: هي ما بترتاح، إلا لو شهدت أمه لا إله إلا الله على الحدث الجلل! الأول بالطائرة والثاني على الهواء مباشرة..
واندفع أمرا رياحين: ابعتي لي لوكشن هالقناة بالله عليكِ، خليني أروح ألحق هال..
قاطعته رياحين: لا ما هي راحت المشفى، نقلوها على هناك.
زعق أيوب: طب تمام، بعرف المشفى، اعتذري من الناس بالاجتماع، قولي حدث طارئ.. وخليهم يجهزوا السيارة بلاقيها ع الباب.. سلام عليكم..
اندفع أيوب لداخل المشفى، ليتلقى إحدى الممرضات، يسأل عنها، فارشدته عن مكانها، هرول في اتجاه باب غرفتها، وما أن دلف للداخل، حتى تنهد في راحة، وقد وجدها تضم صغيرتها لأحضانها، فاندفع صوبها متطلعا إليهما في سعادة، هاتفا في نبرة حانية مرهقة: هتعملي فيا ايه تاني يا سلامات!
ابتسمت له في وهن، هاتفة وهي تشير لابنتهما: قاعدة المرأة المصرية رقم عشروميت الف.. يغلبك بالمال.. اغلبيه يا هبلة بالعيال.. شفت حلوة إزاي!
قهقه وهو يقترب، هاتفا وهو يحملها بين ذراعيه، مؤديا طقوسه، هامسا وهو يضعها من جديد، بين ذراعي أمها: هتطلع لمين! ربنا كرمني بنسخة تانية منك، بس يا رب تكون أعقل شوية!
هتفت سلامات معاتبة: قصدك إني مجنونة ولا ايه! ماشي يا بن طنط برلنتي..
قهقه أيوب، مقتربا منها، يميل ملثما جبينها، هامسا في عشق: والله أحلى مجنونة فالدنيا..
هتفت تشاكسه: ده أنت مصمم بقى!
هز رأسه موافقا والابتسامة تملأ وجهه، فابتسمت متسائلة: هتسميها ايه!
همس أيوب: سارة.. أنا ما دخل لحياتي إلا الصلاح والسرور من يوم ما شوفتك.. يا أم صالح..
دمعت عيناها فرحا، لا قدرة لها على صياغة العبارات الكافية، لتعبر له أن كل سعادات الدنيا ترتع بصدرها ما أن يهل عليها، ما دفعها لتمسك بكفه مقبلة باطنه في عشق، تودع بعض من امتنانها هناك..
*******************
دخلت لحجرة المكتب، تمد كفها المتغضن لزر الإضاءة، لتسطع الغرفة، اقتربت في هوادة للداخل، حاملة برواز ذهبي متوسط الحجم، وعلبة من القطيفة القرمزية، سارت نحو تلك الرفوف هناك، رفوف الانجازات كما يسميها أيوب.. لتضع العلبة القرمزية، فتحتها وبدأت في قراءة التكريم القيم المكتوب بحروف من ذهب، على ذاك القالب الخشبي الثمين، مبتسمة لنفسها في سعادة، لتحقيق إنجاز بهذا القدر، جائزة الدولة على كل مجهوداتها في مجال خدمة الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة المتوحدين منهم، وضع البرواز الخاص بشهادة التقدير جانبا، على أمل تعليقه بالحائط في وقت لاحق، وما أن همت بالخروج من الحجرة إلا وتوقفت تتطلع حولها في محبة، هل يمكن أن يعشق الإنسان مكانا ما، بكل هذا العمق، كما تعشق هي هذه الغرفة، التي تركت بها بعض من روح ذكرياتها العزيزة على قلبها، والتي ما تذكرتها يوما إلا وكانت سبب لسعادة ما!
همس أيوب في هدوء، وقد كان قد جاء من الخارج لتوه، فمر بها ما أن رأها تقف هكذا في تيه، متسائلا: ليه واقفة كده يا سلمى!
همست وقد عادت لداخل الغرفة من جديد: أبدا، افتكرت أد ايه الاوضة دي عزيزة عليا، وفيها ذكريات كتير حلوة أوي..
مر أيوب لداخل الغرفة، متطلعا حوله مؤكدا على كلامها: فعلا، الاوضة دي بالنسبة لي عالم لوحده، ليا فيها ذكريات حلوة معاكِ، فاكرة القهوة اللي كنتِ بتجبهالي بدل دادة نفيسة، عمري ما عرفت أشرب قهوة واستطعمها إلا من إيدك بعد ما دقتها..
ابتسمت مؤكدة: ولسه بجبها، مقدرش أبطل عادة حلوة جمعتنا سوا..
اقترب منها متسائلا: حضرتي نفسك عشان نسافر لحفلة تخرج ساجد!
أكدت: طبعا يا أيوب، وهي دي حاجة تتنسي! كلنا هنحضر، ودي عايزة كلام!
هتف أيوب مازحا: الحمد لله، المرة دي هنحضر حفلة تخرجه من الجامعة، ومفيش طلق كاذب، زي ما حصل فحفل الهجاء، وأنت قاعدة بتشجعيه بحماسة، وفجأة عليت صرخاتك، ولميتي علينا الخلق..
قهقهت سلمى هاتفة: قلبك أسود على فكرة، مش قادر تنسى إن مفيش ولادة من غير فضيحة!
هتف أيوب: انسى إنك اديتي لصالح جنسية دولة ملهاش مكان ع الخريطة لما ولدتيه فالجو! ..
قهقهت سلمى حتى دمعت عيناها، مؤكدة: مش بقول لك قلبك أسود! هي كانت اسمها ايه البلد دي!
أكد أيوب: مش فاكر، الله يكون بعونك يا صالح، ما خلص من تنمرك عليه بسبب البلد العجيبة دي..
أكدت وما زالت ضحكاتها مجلجلة: أيوه.. الله يكون في عونه بجد..
تحركت صوب رف ما، ومدت يدها جاذبة إحدى الروايات، لتعود إليه بها، متسائلة: فاكر الرواية دي!
هز رأسه نافيا لبرهة، قبل أن يمسكها مقلبا فيها، ليهتف أخيرا: ياااه، أنتِ لسه محتفظة بيها!
أكدت سلمى في عشق: طبعا، دي أول حاجة كانت منك، يمكن مكنتش تقصد تهاديهاني، لكن وجودها معايا في ساعات الوحدة بالمطار، فرق معايا كتير أوي..
تطلع نحو العنوان، وهمس: احذر من يطرق باب القلب..
همست سلمى، وهي تفتح الصفحة الأخيرة، تقرأ في نبرة ناعمة، آخر مقطع في الرواية:” لكن على الرغم من كل ما كان، لا حذر من الوقوع في الحب، فالحب مكتوب، ولا حذر يمنع من قدر، أروع الأقدار، وأجمل الأسفار، روح تتعلق، وقلب يلبي، وأنت لا تملك إلا الطاعة، مسلما مفاتيح القلب، لذاك الطارق، الذي كتبت الأيام، خطواته نحو بوابات قلبك، فلا مفر ..
كررت سلمى الكلمة الاخيرة، وهي تضع رأسها على كتف أيوب ، الذي كان وسيظل، صانع الأمان الأوحد بحياتها..
*****************
تمت بحمد الله وفضله

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية احذر من يطرق باب القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى