روايات

رواية أوهام الحب الوردية الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم بتول علي

رواية أوهام الحب الوردية الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم بتول علي

رواية أوهام الحب الوردية الجزء السابع والثلاثون

رواية أوهام الحب الوردية البارت السابع والثلاثون

رواية أوهام الحب الوردية الحلقة السابعة والثلاثون

استيقظ مهاب من غفوته، ووجد نفسه داخل غرفة غريبة لم يرها من قبل وهذا الأمر أثار حفيظته ودهشته؛ لأن أخر ما يتذكره هو وجوده داخل المستشفى ودخول ممرضة إلى الغرفة حقنته بعقار جعله يغيب عن الوعي.
نهض مهاب من فراشه وسار نحو الباب بخطوات بطيئة وقبل أن يقوم بفتحه تفاجأ به يتم فتحه من الخارج، ووجد أمامه ماريو يبتسم قائلا:
-“صح النوم يا عم مهاب، أنا مكنتش أعرف أن نومك تقيل أوي كده!!”
نظر له مهاب باستغراب قائلا:
-“إحنا فين بالظبط يا ماريو وإزاي قدرت تخرجني من المستشفى؟!”
ربت ماريو على كتف صديقه وهتف بتوضيح:
-“إحنا دلوقتي موجودين في عرض البحر وبالنسبة للطريقة اللي خرجتك بيها من المستشفى فأنا أديت قرشين لبعض العمال اللي بدلوك بواحد ميت وحطوك بداله في الصندوق، يعني أنت خرجت من المستشفى على أساس أنك شخص متوفي وعلى ما هما اكتشفوا الموضوع كنا خلاص هربنا وبعدنا ومحدش دلوقتي هيعرف يوصلنا”.
اتسعت عينا مهاب من فرطِ الدهشة وقال:
-“عرض البحر!! هو إحنا رايحين فين يا ماريو؟!”
أجلسه ماريو وجلس أمامه وهو يجيب:
-“رايحين على إيطاليا، وعايزك تطمن على الأخر، ماما مستنياني هناك في ميلانو وهي هتظبطلك كل حاجة بحيث أن يتعملك ورق وتكون إقامتك هناك بشكل قانوني، وكمان هي اتفقت مع واحدة هناك هتتجوزك جواز على ورق مقابل فلوس عشان تاخد الجنسية وتقدر تفضل هناك على طول وبعدها هتبقى تنفصل عنك”.
شعر مهاب بغصة مريرة في صدره بعدما تذكر حبيبة
التي لم يتمكن من توديعها وطلب السماح منها على ما فعله بها.
رأى ماريو الحزن المرتسم على وجه صاحبه فهتف بإشفاق قاصدا التهوين عليه:
-“انساها يا صاحبي، أنتم الاتنين عمركم ما هتكونوا لبعض لأنها مستحيل هتقدر تنسى أنك أنت اللي قتلت أخوها واتسببت في انتحار مراته اللي كانت أعز صديقة ليها”.
همس مهاب بحرقة وهو يحاول التحكم في دموعه:
-“أنا حبيتها أوي يا أيمن، عمري ما كنت أتخيل أن هيجي اليوم اللي هكون موجوع فيه أوي كده عشان خاطر واحدة سِت”.
نظر له ماريو بحزن فهو يفهم جيدا حجم الألم الذي يشعر به رفيقه وقرر أن يغير مجرى الحديث بأسلوبه المرح:
-“بص عليا يا مهاب وخدني نموذج يا سيدي، أنا كنت بحب تانيا بنت خالتي وهي كانت بسم الله ما شاء الله ملكة جمال وفي الأخر هي فضلت عليا الولد الأصفر اللي اسمه مارشيل وكنت مموت نفسي من الزعل بس قدرت في النهاية أتغلب على حزني وأنساها نهائي ومفكرتش أرجعلها بعد ما مارشيل سابها عشان خاطر البنت أم شعر برتقالي”.
رمقه مهاب باستنكار وهتف بنبرة ساخرة:
-“نعم يا أخويا!! بقى أنت كنت مموت نفسك على تانيا!! شوف والنبي حد تاني تضحك عليه بالكلمتين دول لأن أنا خابزك وعاجنك كويس وعارف أنك عمرك ما حبيت تانيا أصلا ولا حتى فكرت ترتبط بأي واحدة إيطالية أو أجنبية عموما”.
تظاهر ماريو بالإحراج وهو يشعر بداخله بسعادة كبيرة لأنه جعل صديقه يتناسى بشكل مؤقت أمر فراقه عن حبيبة:
-“يا ستار يا رب، هو أنت الواحد ميعرفش يضحك عليك أبدا!! يا أخي طيب كنت حتى اعمل نفسك مصدقني واقعد واسيني”.
ضحك مهاب بشدة على حديث ماريو وقال:
-“أعمل نفسي مصدقك إزاي!! أنت بتقول كلام مفيش واحد عاقل يصدقه، إحنا عارفين بعض من زمان أوي وكل اللي يعرفوك عارفين أنك رافض فكرة الجواز من واحدة إيطالية أو أجنبية بشكل عام عشان مش عايز تكرر تجربة أبوك وأمك”.
شعر ماريو بقليل من الأسى بعدما ذكره مهاب دون قصد بتجربة والده “عامر” الذي هاجر في شبابه إلى إيطاليا ووقع في غرام والدته التي تدعى “مونيكا” وقد كانت تتمتع في شبابها بجمال فاتن، وقد بادلته “مونيكا” مشاعر الحب ووافقت على الزواج به ولكنهما لم يتمكنا من الحفاظ على هذا الزواج، فعامر كان رجلا شرقيا بطبعه ولم يحتمل عادات مونيكا التي كانت تفقده صوابه بتحررها وعدم تقبلها لفكرة عدم الاختلاط بأصدقائها من الرجال، وكل هذه الأسباب أدت إلى فشل الزواج بعد عامين فقط، وكان عمر أيمن حينها بضعة أشهر.
بعد طلاق مونيكا من عامر أخذت منه أيمن الذي كانت تصر على تسميته بــ “ماريو” وأقسمت ألا تدع عامرًا يراه مرة أخرى كما أنها قررت أن تنتقم من طليقها بفعل أكثر شيء تعلم أنه سوف يُوجِعه ويكسره وهو أخذ ابنها إلى الكنيسة الكاثوليكية من أجل تعميده.
جن جنون عامر عندما علم بما تنويه مونيكا عن طريق أحد الأصدقاء المشتركين بينهما، وقرر ألا يدعها تقوم بتعميد ابنه المسلم مهما حدث حتى لو كان هذا الأمر سيجعله يفقد حياته.
انتظر عامر إلى أن أتى اليوم الذي ستذهب به مونيكا إلى الكنيسة الكاثوليكية من أجل التعميد، وقام باعتراض طريقها، واختطف منها طفله عنوة بعدما نثر في وجهها مادة مخدرة، ثم غادر إيطاليا برفقة أيمن عن طريق البحر بعدما ساعده أحد أصدقائه بالصعود بشكل سري على متن باخرة متوجهة إلى مصر.
قضت الشرطة الإيطالية وقتًا طويلًا في البحث عن عامر وعلموا في النهاية أنه قد عاد إلى موطنه ولم يتمكنوا من إعادة ماريو إلى والدته؛ لأنه يحمل الجنسية المصرية مثلما يحمل الجنسية الإيطالية.
فشلت المحاولات الدبلوماسية التي مارستها السفارة الإيطالية في القاهرة بسبب وجود بعض الخلافات في ذلك الوقت بين السلطات المصرية والإيطالية، ولهذا السبب رفضت السلطات المصرية إعادة ماريو معللة رفضها بأن وجوده مع والده الذي يحسن رعايته ويحرص على توفير سبل الراحة من أجله لا يعد اختطافًا.
ذهبت مونيكا إلى مصر بعدما شعرت باليأس، والتقت بعامر وطلبت منه أن يعيد لها ابنها ولكنه رفض طلبها هاتفا بحزم:
-“لن أدعكِ تأخذيه يا مونيكا، ابني سيظل بجانبي ولن يذهب معكِ مهما حدث”.
هتفت مونيكا برجاء وهي تبكي:
-“أرجوك يا عامر، هذا ليس عدلا، ماريو أيضا ابني مثلما هو ابنك”.
رد عامر بجمود أظهر عدم تأثره بدموعها؛ لأنها أرادت أن تحرمه من طفله الوحيد وكادت تنجح في ذلك لولا استخدامه للطرق الملتوية:
-“أنتِ من أخلفتِ الاتفاق بيننا يا مونيكا، أنا لم أخدعكِ وأخبرتكِ بمنتهى الصراحة قبل أن نتزوج أنه إذا رزقنا الله بطفل فسوف يكون مسلمًا مثلي وأنتِ لم تمانعي هذا الأمر ولكنك بعدما انفصلنا ضربتِ بهذا الاتفاق عرض الحائط وأردتِ أن تجعلي ابني كاثوليكيًا مثلك ولهذا السبب لن أرسله معكِ مهما حدث ولكن يمكنك أن تأتي إلى هنا من وقت لأخر من أجل رؤيته والاطمئنان عليه”.
لم يكن أمام مونيكا وسيلة لرؤية ابنها سوى بالموافقة على شروط طليقها، وبالفعل استمر التواصل بينها وبين ماريو عن طريق زيارات كانت تقوم بها إلى مصر ومع تطور وسائل الاتصالات وظهور مواقع التواصل الاجتماعي صار من السهل عليها أن تتحدث معه بشكل يومي إلى أن توفي عامر وكان ابنه في ذلك الوقت قد تجاوز العشرين من عمره.
سافر ماريو إلى إيطاليا لأول مرة بعد وفاة والده ولكنه لم يتمكن من التأقلم مع عائلة مونيكا التي دفعت نحوه “تانيا” ابنة شقيقتها حتى توقعه في حبها وتجعله يوافق على تغيير ديانته من أجلها ولكنه فهم كل هذه المحاولات وقام بصدها، فهو على الرغم من عدم تدينه وقلة تطبيقه لشعائر وأركان الإسلام إلا أنه لم يقبل بفكرة تغيير دينه واكتفى فقط باستخدام اسم “ماريو” بدلا من “أيمن” حتى يُرضي والدته.
ظل ماريو يتنقل بين مصر وإيطاليا إلى أن تورط في بعض الأمور الغير قانونية التي أجبرته على العمل مكرهًا لدى عزام ولكنه الآن لم يعد أمامه خيارا سوى الاستقرار في وطنه الثاني بعدما اشتبهت به الشرطة بأنه متورط في قتل عزام.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
جلست سمية أمام أخيها تخفض رأسها كالتلميذ المذنب الذي ينتظر توبيخا من معلمه بسبب سوء تصرفه.
حمحم محمد قبل أن يبدأ حديثه بنبرة صارمة:
-“جه دلوقتي الوقت اللي لازم نتكلم فيه عن كل التصرفات اللي أنتِ عملتيها يا سمية من ورايا، أولا أنتِ قابلتِ رامز أكتر من مرة وفهِّمتِ مامتك أنك كنتِ بتقابلي صاحبتك”.
تحدثت سمية بسرعة تحاول الدفاع عن نفسها:
-“المقابلات كانت بتبقى صدفة، يعني أنا كنت بقابل صاحبتي وهو كان بيبقى هناك”.
رمقها محمد بضيق وارتفع صوته قليلا وهو يقول بحزم:
-“هنفترض أنك قابلتيه على سبيل الصدفة أول مرة، طيب وبالنسبة للمرات اللي بعد كده هي كمان كانت صدفة؟!”
لم ترد سمية؛ لأنها تعلم جيدا أنه لا يوجد مبرر منطقي لما قامت به، فهي بالفعل كانت تتقصد مقابلة رامز في المرات الأخرى مثلما يقول شقيقها.
تنهد محمد ليحدثها بجدية:
-“بصي يا سمية، أنا مش هقعد أقولك أن اللي عملتيه ده مش صح لأنك أكيد عارفة كويس أوي أنه غلط ولكن أنا هتكلم معاكِ من منظور ديني وهسألك سؤال منطقي، شوفتك لرامز من ورا أهلك ومن غير ما يكون فيه رابط رسمي بينكم حلال ولا حرام؟!”
ردت سمية بخفوت وهي تشعر بالخجل الشديد من نفسها:
-“حرام وغلط ومكانش ينفع فعلا أننا نتقابل من غير ما نتخطب الأول ده غير أني لازم أقولك قبلها وأخد الإذن منك”.
ابتسم محمد ثم نهض من مكانه وجلس بجوار أخته واحتضنها قائلا بحنو:
-“وهو ده اللي أنا كنت عايز أسمعه، أنك تعترفي بغلطك وتقرري أنك متكررهوش مرة تانية وتكوني واثقة أني هكون دايما جانبك وأن أي حاجة بعملها حتى لو كانت ضد رغبتك إلا أنها بتكون في الأول وفي الأخر عشان مصلحتك”.
أومأت سمية قائلة بتأكيد بعدما تذكرت كثيرًا من المواقف التي كانت تعانده بها وكان يتضح لها في النهاية أنها على خطأ وهو على صواب:
-“عندك حق يا محمد، أنت طول عمرك بتفكر في مصلحتي وبتخاف عليا ولما كنت بتزعقلي وإحنا صغيرين بعدها كنت بتصالحني وبتتفاهم معايا وبتوضحلي غلطي بمنتهى الهدوء على عكس بابا الله يرحمه وعمو مأمون، هما اللي كانوا شداد جدا وأسلوبهم كان صعب أوي وعشان كده أنت كنت بتخبي عنهم المصايب اللي أنا كنت بعملها وساعات كنت بتتحمل اللوم بدالي”.
دمعت عينا محمد وهو يتذكر كثيرًا من مواقف الطفولة حيث إنه كان يخاف بشدة على سمية ويقوم بضرب أي طفل أخر يتعرض لها؛ لأنه يغار عليها بشدة فهي بالنسبة له جوهرة غالية ولا يمكنه التفريط بها:
-“أنا مش عايزك تخافي يا سمية، وخليكِ مطمئنة أني هفضل سند ليكِ طول ما أنا عايش ولو جِه يوم ورامز زعلك فيه ساعتها تعالي عندي وأنا هديله فوق دماغه”.
سمع كل منهما صوت ضحكات رامز الذي خرج من غرفة الفحص وسمع كلامهما:
-“اطمن يا أبو حميد ومتشيلش هم، أنا عمري ما هفكر أزعل سمية وأوعدك أني هحطها في عينيا بس أنت ترضى عننا وتوافق أننا نتجوز بسرعة”.
رفع محمد أحد حاجبيه ونظر إلى رامز قائلا ببرود:
-“مفيش جواز قبل ما يمر سنة على خطوبتكم ووقتها هشوف إذا كنت تستاهلها ولا لا”.
شعر رامز بالضيق وكاد يعطيه ردًا لا يعجبه ولكن نظرات سمية الصارمة جعلته يتراجع ويبتسم بتصنع قائلا:
-“وماله يا أبو نسب، اللي تشوفه يا أخويا، هو إحنا ينفع نقول رأي تاني بعد رأيك!!”
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
أخذت ميرڤت تلطم خديها بعدما علمت بما فعله كريم وأنه قد حاول قتل سمية.
صرخت ميرڤت بأعلى صوتها أمام اثنتين من جيرانها:
-“يا ميلة بختك في عيالك يا ميرڤت، الكبير اتقبض عليه في قضية مخدرات ومفيش أي وسيلة لخروجه منها، والصغير حاول يقتل سمية عشان ينتقم للي حصل في رجليه وهيتسجن هو كمان، أما البنت الوحيدة اللي كنت بدلعها فضحتني قدام الناس وانتحرت بعد ما حطت رأسي في الأرض بسبب بلوتها”.
نظرت لها واحدة من الاثنتين بشماتة وتمتمت بينها وبين نفسها:
-“تستاهلي أكتر من كده والله يا ميرڤت وأهو ربنا بيخلص منك في الدنيا ذنب الغلبانة اللي فضحتيها زمان واتبليتي عليها”.
لكزتها صاحبتها وهمست بجوار أذنها بنبرة مؤنبة:
-“مش وقته الكلام ده يا عايدة”.
برمت عايدة شفتيها وزفرت بتأفف قبل أن ترد بصوت خافت على صديقتها فهي تعلم جيدا أن ما فعلته ميرڤت في سمية تستحق عليه العقاب من الله عز وجل الذي لا يسامح في حق العباد إلا عندما يسامحون هم فيه:
-“لا وقته يا مروة، ميرڤت المفروض تحمد ربنا أنه بيخلص منها في الدنيا شوية من الذنب اللي عملته في سمية بدل ما تموت وهي شايلاه كله على كتفها وتفضل تتعذب بسببه في القبر وتتشوي عشانه في نار جهنم”.
نظرت مروة إلى ميرڤت التي تبكي بحسرة على أبنائها الثلاثة وهو تقر بداخلها بصحة حديث عايدة، فما فعلته ميرڤت في طليقة ابنها ذنب عظيم وكبيرة من الكبائر ومن رحمة الله بها أنه يعاقبها على هذا الذنب في الدنيا فمهما بلغت قسوة هذا العقاب الذي تتلقاه الآن إلا أنه يعد هينًا بالنسبة لعذاب الآخرة.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
مر ستة أشهر على هروب مهاب من مصر وقد شعرت حبيبة بالحسرة بسبب عدم حصوله على العقاب الذي يستحقه بعدما أزهق روح أخيها الوحيد.
وجهت شمس بصرها نحو صديقتها التي تنظر أمامها بشرود وهتفت بتساؤل وهي تشعر بالحزن على حال رفيقتها:
-“وبعدين معاكِ يا حبيبة، هتفضلي لحد إمتى شايلة الهم جواكِ؟!”
نظرت لها حبيبة قائلة بمرارة:
-“عايزاني أعمل إيه يا شمس بعد ما هرب مهاب اللي زمانه عايش دلوقتي حياته ومش حاسس بالذنب على اللي عمله في أشرف”.
ربتت شمس على كتفها وحاولت تخفيف حزنها بقولها:
-“ومين قالك أنه مش حاسس بالذنب يا حبيبة، هو مش طلب منك تسامحيه في الرسالة اللي بعتهالك بعد ما هرب ولما أنتِ طلبتِ منه يطلقك وافق على طلبك ونفذهولك”.
تذكرت حبيبة الرسالة التي أرسلها مهاب وأخبرها بها أنه يحبها للغاية وكان يتمنى أن يكمل حياته معها ولكنه يعلم جيدا أنها صارت تكرهه الآن ولا تطيق رؤية وجهه.
ردت حبيبة على رسالته وطلبت منه أن يطلقها وأخبرته أنها ستقتل نفسها في حال رفض تحقيق رغبتها.
أرسل لها مهاب رسالة نصية أخبرها بها:
“أنا بحبك أوي يا حبيبة وعشان كده أنا مستعد أحقق ليكِ أمنيتك وأحررك مني لو أنتِ صممتِ على طلبك، وأتمنى أن يجي اليوم اللي تقدري تسامحيني فيه”
أخذت حبيبة تبكي بشدة فاحتضنتها شمس وقالت:
-“بلاش تعملي كده في نفسك يا حبيبتي، انسيه وكملي حياتك لأنه ميستحقش تعملي في نفسك كده عشانه”.
هتفت حبيبة بقهر ناتج على الألم الحاد الذي تشعر به في قلبها الذي اختار من بين رجال الأرض قاتل أخيها ووقع في حبه:
-“أنسى!! الكلام سهل أوي يا شمس بس تنفيذه صعب جدا، أنا عمري ما هنسى أنه حط نفسه قدامي عشان ينقذني من مسدس مهران بس في نفس الوقت أنا هقتله لو شوفته تاني لأنه هو اللي قتل أشرف”.
كادت شمس تتحدث بكلمات تخفف بها عن رفيقتها ولكن أوقفها صوت رنين هاتفها، وابتسمت وردت على الفور بعدما رأت أن محمدًا هو من يتصل بها:
-“أيوة يا بنتي، أنتِ فين دلوقتي؟!”
نهضت شمس من جوار حبيبة وهمست بابتسامة وهي تنظر للأمام وكأنها تراه أمامها:
-“أيوة يا محمد، أنا موجودة دلوقتي عند حبيبة في شقتها”.
هتف محمد بجدية وهو ينظر إلى ساعته:
-“طيب يلا تعالي بسرعة، أنا مستنيكِ في الكافيتيريا اللي على البحر”.
تنهدت شمس وهي تبتسم على جنون زوجها الذي صار في الآونة الأخيرة يذهب أولا إلى الكافيتيريا ثم يخبرها بعدها أنه ينتظرها بداخلها:
-“حاضر يا محمد، أنا أصلا كنت خلاص هخرج دلوقتي من عند حبيبة”.
رفع محمد أحد حاجبيه متسائلا:
-“هي لسة لحد دلوقتي زعلانة على الزفت خطيبها اللي هرب برة مصر؟!”
أومأت شمس قائلة بأسف:
-“ربنا يكون في عونها، وضعها بصراحة صعب أوي لأنها واقعة بين نارين، نار حبها لمهاب، ونار كرهها ليه عشان اللي عمله في أخوها”.
أظهر محمد بعضًا من التعاطف في قوله:
-“إن شاء الله ربنا يقدرها وتنساه مع مرور الوقت؛ لأنها مستحيل تقدر تسامحه ولو فرضنا أنها سامحته فهي عمرها ما هتنسى أنه قاتل أخوها وهتفضل عايشة معاه في جحيم وعمرها ما هتبقى مبسوطة معاه”.
أومأت شمس مؤيدة وجهة نظره بقولها:
-“عندك حق فعلا في كل كلمة قولتها، أنا لو مكانها عمري ما كنت هقدر أسامح وأنسى الموضوع”.
خرجت شمس من منزل حبيبة بعدما ودعتها واستقلت سيارة أجرة حتى تذهب إلى محمد وهي تتذكر ما حدث في اليوم التالي لليوم الذي خرج به محمد من منزلها وتركها تبكي.
لقد اتصل بها وعندما رفضت الرد عليه أرسل لها رسالة نصية أخبرها بها صراحة أنه لن يتخلى عنها مهما حدث وأنه تركها بالأمس حتى تهدأ كي تتمكن من استيعاب حقيقة أنه سيظل بجوارها ولن يتركها إلى أن يقبض الله روحه.
ابتسمت شمس وهي تتذكر أخر جملة في تلك الرسالة التي أثلجت صدرها:
-“إوعي تكوني مفكرة أنك هتخلصي مني بالساهل بشوية الكلمتين بتوع طلقني وأنا بكرهك وهرمي نفسي من الشباك، لا يا حبيبتي أنا هفضل كابس على نفسك طول عمري وموضوع آدم خلاص هيتقفل ومش هيتفتح مرة تانية”.
أقام محمد وشمس حفل زفافهما بعد شهرين من تاريخ هذه الرسالة، وقد أوفى بوعده لها ولم يتحدث معها بشأن آدم منذ زواجهما كما أن المياه قد عادت إلى مجاريها بينه وبين ابن عمه الذي رزقه الله قبل يومين بفتاة جميلة أسماها عشق حتى يكون اسمها دليلا على حبه لوالدتها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ذهبت سمية إلى منزل آدم من أجل رؤية الصغيرة، وانبهرت بجمالها بعدما حملتها قائلة بإعجاب:
-“بسم الله ما شاء الله، بنتك يا نادين جميلة جدا”.
أومأت نادين قائلة بإيجاب:
-“هي فعلا اللهم بارك حلوة لأنها أصلا فيها شبه كبير أوي من آدم”.
داعبت سمية أنف الصغيرة قائلة بمرح:
-“شكلي كده والله أعلم هحجزها من دلوقتي للولد إسلام”.
انتشل آدم منها الصغيرة هاتفا باعتراض:
-“ده على جثتي، أنا عمري ما هجوز بنتي حبيبتي لابن رامز”.
نظرت كل من نادين وسمية إلى بعضهما البعض ثم انفجرتا في الضحك تحت نظرات آدم الحانقة منهما، والذي احتضن ابنته بحماية وكأنه يوجد أمامه شخص يريد أن يختطفها منه.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
مر عامين تزوج خلالهما رامز من سمية التي تعاملت مع إسلام على أساس أنه ابنها، وهو أيضا قد أحبها بشدة وصار يدعوها بـــ “ماما” بعد فترة قصيرة من زواجها بأبيه، وشعر بسعادة كبيرة بعدما أنجبت له أخا أطلق عليه رامز اسم “محمد” كمحاولة منه لكسب رضا نسيبه الذي لا يتوقف عن زيارة سمية والسؤال عن أحوالهما بشكل مبالغ به وكأنه يرى رامزًا غُولًا سوف يفترس أخته في حال غفل عنها لبعض الوقت.
خلال هذه المدة تم الحكم على مراد بالسجن لمدة خمسة عشر عاما، وغرامة مالية بقيمة خمسين ألف درهم حيث إن القانون الإماراتي ينص على هذه العقوبة لكل شخص يثبت اتهامه بالتجارة في المخدرات أو الترويج لها.
تذكرت سمية عندما أخبرها رامز بأنه تم الحكم على مراد في قضية المخدرات فقد شعرت حينها بسعادة لا توصف؛ لأن الله قد جلب لها حقها وانتقم ممن ظلمها واستباح شرفها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ارتدى محمد حلة أنيقة وحمل طفله الصغير الذي أسماه “أسامة” تيمنا بالصحابي الجليل “أسامة بن زيد” رضي الله عنه.
انتظر محمد انتهاء زوجته من ارتداء فستانها ثم أمسك بكفها وخرجوا من الشقة وصعدوا إلى سيارة آدم الذي كان ينتظرهم برفقة نادين أسفل البناية حتى يذهبوا إلى القاعة التي سيتم بها إقامة حفل زفاف وسام على حبيبة.
لم يكن من السهل على وسام أن يجعل حبيبة تقبل به، فقد تطلب هذا الأمر منه كثيرًا من الصبر إلى أن تمكنت من نسيان حبها لمهاب والحصول على الطلاق منه بشكل غيابي.
سلَّم كل من آدم ومحمد على صديقهما وباركا له وكذلك فعلت شمس مع رفيقتها ثم جلسوا جميعا على إحدى الطاولات أمام عيني هانيا التي كانت تنظر بحسرة وندم نحو محمد الذي يلاعب طفله.
كفكفت هانيا دموعها وخرجت من القاعة؛ لأنها لم تتمكن من احتمال رؤية محمد وهو سعيد مع زوجته في الوقت الذي تعاني به هي من الوحدة والتجاهل ممن هم حولها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
انتهى مهاب من أداء صلاة العصر في المسجد، وجلس في أحد الأركان يقرأ ما تيسر له من كتاب الله.
قضى مهاب أكثر من ساعتين في القراءة ثم أغلق المصحف، وخرج من المسجد متوجها نحو كافيتيريا قريبة اعتاد الجلوس بداخلها كل يوم ومشاهدة غروب الشمس.
فتح مهاب حسابه على الفيس بوك وأخذ ينظر بحزن إلى صور زفاف حبيبة وعلى الرغم من شعوره بالحسرة إلا أنه تمنى لها السعادة والتوفيق في حياتها.
وضع مهاب هاتفه على الطاولة وأخذ يفكر في حياته التي تغيرت كثيرا بعدما أتى إلى إيطاليا، فقد تعرف بعد فترة بسيطة من قدومه على أحد الدُعَاة والذي صار يلح عليه بالذهاب معه إلى المسجد ومنذ استجاب لنصيحته أول مرة وهو لم يتمكن من ترك المسجد مرة أخرى.
لقد أدرك حينها كم كان بعيدا عن ربه ودينه، ودعا الله كثيرا أن يقبل توبته ويسامحه على الذنوب الكثيرة التي اقترفها في الماضي.
إذا كان ابتعاده الأبدي عن حبيبة سيكون ثمنا لكي يقبل الله توبته فهو يقبل بدفع هذا الثمن عن طيب خاطر وسوف يتعايش طوال حياته مع ألم الفراق؛ لأنه يدرك جيدا أنه يستحق هذا الألم عقابًا له على جميع الفظائع التي ارتكبها في حق كثير من الناس.
مر بعض الوقت قبل أن يتم رفع أذان المغرب، فابتسم مهاب وعاد إلى المسجد حتى يؤدي الصلاة برفقة ماريو الذي بدأ مؤخرا في الالتزام بتعاليم دينه، وحضر هو الأخر إلى المسجد من أجل تأدية الصلاة في جماعة، فهذا الأمر يجعلهما يشعران بروح من المودة والألفة والراحة التي ظلا يبحثان عنها لوقت طويل ولم يعثرا عليها إلا بالمواظبة على الصلاة داخل بيت من بيوت الله عز وجل.
—النهاية—

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أوهام الحب الوردية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى