روايات

رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم مريم محمد غريب

رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم مريم محمد غريب

رواية أوصيك بقلبي عشقا الجزء التاسع والثلاثون

رواية أوصيك بقلبي عشقا البارت التاسع والثلاثون

رواية أوصيك بقلبي عشقا الحلقة التاسعة والثلاثون

“إن حبّك قد أهلكني… بصدق !”
_ إيمان
كان يظن بأنها ستدعم رأيه، بل إنه لم يشك في ثورة غضبها المتوقعة على إثر الطلب الذي تقّلياه منذ قليل، لكنها و لدهشته لم تبدي أيّ رفض، بل رحبّت و سمحت لعمة طفلتها بأن تأتي و تصطحبها لترى جدتها، ربما ستصل بعد دقائق، و الصغيرة بالفعل صارت جاهزة …
-لمى. زي ما اتفقنا. أي حد يسألك عليا أو على بابي مراد هاتقولي إيه ؟
وقفت الصغيرة بين يديّ أمها مصغية بعناية، و لكن بمكرها الثعلبي الذي ورثته عن أبيها البيولوجي تعلم بأنها سوف تتفوّه بعكس ما أُمرت به :
-هقول ماعرفش. مش بتتكلموا قصادي. و بقعد في أوضتي ألعب !
ابتسمت “إيمان” برضا، مسحت على رأسها بحنانٍ و هي تتأملها، كم هي جميلة طفلتها، الآن هي أكثر شبهًا بـ”مراد”.. الآن هي لا ترى “سيف” من خلالها …
-برافوا يا حبيبتي ! .. تمتمت “إيمان” باستحسان و هي ترتب لها ياقة ثوبها الزهري القصير
رفعت لها الجوارب السميكة و ضبطتها جيدًا، ثم ألبستها معطفها، عندما دوى زامور سيارة أمام المنزل، و جاء “مراد” بوجهٍ متصلّب هاتفًا :
-مايا وصلت !
أدارت “إيمان” رأسها صوبه و ردت :
-خلاص البنت جاهزة. بس معلش انت إللي هاتوصلها لعمتها يا مراد
أومأ “مراد” موافقًا دون يغيّر شيء من تعبيره، إلتفتت “إيمان” إلى صغيرتها ثانيةً و قالت مُنبهة :
-بفكرك تاني يا لولي. الساعة 9 بالظبط تكوني عندي هنا. قولي لمايا الكلام ده. أوكي ؟
لمى بطاعة :أوكي مامي !
صدّرت “إيمان” خدّها في متناول الصغيرة متمتمة :
-بوسة لمامي بقى !
دنت “لمى” من أمها مطوّقة إيّاها بذراعيها، و طبعت قبلة مطوّلة على خدّها، ضحكت “إيمان” و هي تضمها بحرارةٍ و تغدقها بمزيدٍ من العاطفة، ما غمر الصغيرة بمشاعر البنوّة التي افتقدتها بسبب الدخيل الذي هعو زوج أمها، لم تكن تود أن تفارق أحضان أمها الآن، و لكن عمتها تنتظرها بالخارج …
اضطرت “لمى” لإيداع يدها الصغيرة بكف “مراد” الكبير، و سارت معه دون أن تفه بكلمة إلى الخارج، لم تودعه أو تلقي عليه نظرة و هي تستقل سيارة عمتها، و لكن تلك الأخير شملته بنظرة فاحصة من أسفل نظارة الشمس خاصتها، بقيّ “مراد” محدقًا فيها بقوة مخيفة، لم تجسر على إطالة النظر إلى وجهه
شغّلت محرك السيارة و انطلقت، فعاد “مراد” إلى الداخل بمجرد أن توارت السيارة عن ناظريه، أقفل باب المنزل بعنفٍ و اتجه من جديد صوب غرفة المعيشة حيث تجلس زوجته مسترخية فوق الأريكة الواسعة، تستمتع بضوء النهار المنهمر و نسماته من خلال الشرفة المفتوحة على مصراعيها …
-ممكن أعرف معناه إيه إللي عملتيه !؟؟ .. صاح “مراد” بغلظةٍ و هو يقف أمام زوجته سادًا عليها مجرى الهواء
تطلعت “إيمان” إليه و لا زالت على استرخائها، ربتت على مكانٍ فارغ بجوارها و دعته برقةٍ :
-تعالى يا مراد.. تعالى هنا جمبي !
تضرج وجهه بحمرةٍ الغيظ و هو يهدر بغضب مضاعف :
-أنا فضلت ساكت من الصبح عشان البنت. و أدينا بقينا لوحدنا. لازم تديني سبب واحد للتصرف ده. قوليلي معناه إيه تتواصلي عادي مع الناس دول. الناس إللي دمروا حياتك. سيف و مالك نسيتي عملوا فيكي إيه ؟؟؟
أغمضت عينيها بشدة و كأنه صفعها بكلماته الأخيرة، لكنها ابتلعت مرارتها و استطردت بتضرعٍ :
-مراد.. تعالى جمبي. عشان خاطري.. تعالى يا حبيبي !!
لم يحرّك ساكنًا للحظاتٍ، ليتأفف بعصبيةٍ و يمضي ناحيتها بنزقٍ، جلس حيث أرادته إلى جانبها، فأزالت وسادة صغيرة بينهما، و أمالت جسدها تجاهه حتى استقرت رأسها على قدمه، أمسكت بيده و ضمتها إلى صدرها
اعتصرت جفنيها لتنزلق دمعة جانبية و هي تقول بلهجةٍ مرتعشة :
-أنا عارفة إنك مضّايق من إللي عملته. و عندك حق. أنا مانستش إللي حصل فيا من أي حد. و لا عمري هانسى… بس. أنا عملت كده عشان لمى. عمتها قالت لي راجية تعبانة و عايزة تشوفها. قولي دي لو جرالها حاجة. و جت مايا قالت لها في يوم من الأيام إني منعتها عنها. بنتي ردة فعلها هاتبقى إيه معايا يا مراد !؟
ظل صامتًا حتى بعد أن فرغت لدقيقةٍ.. و لعل كلماتها امتصّت شيئًا من غضبه …
تنهد بعمقٍ، ثم فرك جانب وجهه بقوةٍ قائلًا :
-طبعًا شيء مايزعلنيش أبدًا إهتمامك ببنتك. لكن أنا مش بالع قصة أي علاقة بينك و بينهم. قلت لك محدش فيهم يقدر يقرب لك طول مانا عايش. لا راجية و لا ولادها و هما عارفين أنا أقدر أعمل إيه.. مش عايز خضوعك المفاجئ ده يكون سببه خوفك منهم. ساعتها أزعل منك جدًا !!!
هزت رأسها و فتحت عيناها تقابل نظراته القوية، تنفست على مراحلٍ متساوية ثم قالت :
-أنا عمري ما أخاف و انت معايا. صدقني. الموضوع زي ما قلت لك. عشان لمى.. بس !
لوى “مراد” شفتيه مقنعًا نفسه بما تقول، و حاول إصراف عقله عن الأفكار السلبية، فغيّر مجرى الحديث :
-طيب. تحبي نعمل إيه دلوقتي. لسا بدري على ساعة رجوع لمى.. عاوزة نخرج و لا نفضل في البيت ؟
ابتسمت له و قالت بحب :
-لأ. خلّينا في البيت.. أنا هقوم أعمل لك غدا حلو. و بعدين نجيب فيلم حلو و نتفرج عليه سوا… الكلام ده مش بيفكرك بحاجة !؟
ابتسم على الفور، فقد ذكرته بلمحات ماضيه معها و الذي لا ينساه أبدًا …
__________
تلك الذكرى التي أشارت لها كان هو بطلها، إذ كانا ينتزّهان خلال نهار الدوام الدراسي بعد أن هربت “إيمان” و قابلته، أخذها إلى مكانهما السرّي، منطقة نائية من اكتشافه، على ضفاف النيل، لطالما جلسا هناك و تسامرا و تحابّا، يومها كانت أمامه، كالعادة لا تسمح له بلمسها و كان سيموت لو لم يمسك بيدها على الأقل، و هو ما فعله رغمًا عنها
قبض على يديها، يعتصرهما في قبضتيه غير عابئًا باحتجاجها …
-سيب إيدي يا مراد. قلت لك 100 مرة مابحبش كده لو ماسبتش إيدي هقوم أمشي !!
كان يبتسم قبالتها مراقبًا باستمتاع تعبيراتها الغاضبة، و قال فب غثر تهديدها ضاحكًا :
-هاتمشي تروحي فين و لسا باقي 3 ساعات على خروجك من المدرسة ؟ ماينفعش ترجعي المدرسة بعد ما زوّغتي. و ماينفعش تروّحي البيت. هاتقوليلهم إيه !؟
زفرت بحنقٍ هاتفة :
-طيب أنا غلطانة إني سمعت كلامك. ماكنش لازم أرضى بكده و أجي أقعد معاك هنا. و ممكن أصلُا حد يشوفنا و بابا يقتلني !!
طمأنها على الفور :
-ماتخافيش. محدش ممكن يشوفنا هنا. و بعدين لو حد شافنا مش مشكلة. أنا هاتصرف. و هاخلي ماما تدّخل كمان و هاقنعها تقول إنها راحت لك المدرسة لأي سبب و انا كنت معاها. ماتخافيش يا إيمان.. محدش يقدر يئذيكي طول مانا معاكي !
قاومت ابتسامة تتراقص على ثغرها، عبست أكثر مواصلة رفضها الواهٍ :
-بردو سيب إيدي يا مراد. مش كفاية بعمل غلط و بقابلك من ورا بابا و ماما. أسيبك تمسكني كده و يبقى غلط و حرام. انت عايز مني إيه !؟؟
-عايز أحبك ! .. رد في الحال
فصمتت عاجزة، ليردف مزحزًا نفسه فوق السور الخرساني ليكون أكثر قربًا إليها :
-معقول مستكترة حتى إني أمسك إيدك ؟ المفروض يحصل بينّا أكتر من كده !
شخصت عيناها بصدمةٍ، فأصلح جملته مسرعًا :
-تفكيرك مايروحش لبعيد. مش قصدي إللي فهمتيه.. أنا عارف إن تربيتك صعبة. و مش عارف إزاي ده حصل. بس أنا من أول ما شوفتك اتشديت لك. حبيتك. و انتي كمان بتحبيني صح ؟
أومأت له مرتين و قد رقت نظرتها، فتابع مشددًا على يديها أكثر :
-أنا مابقتش مكتفي إني اشوفك و نقعد لوحدنا بس.. نفسي أقرب منك أكتر. أنا بحبك. عايز أعبر لك عن الحب ده. و إنتي مش سامحة لي. سيبي لي نفسك شوية بس. أنا إستحالة أضرك. خليكي واثقة فيا. أنا مش غريب عنك. أنا حبيبك …
يا لكلماته التي تكاد بالفعل تخضعها له و لكل رغباته، لولا هاجسها بأبيها و التعاليم التي تلقّتها منه، أفاقت من غيبوبة الأحلام الورديّة تلك و قالت برفضٍ مجددًا :
-لأ. لأ يا مراد. مش هايحصل بينّا أي حاجة من دي. احنا إتفقنا قبل كده. ليه ماعندكش صبر. مش قولنا هانتخطب لما نخلص المدرسة. و بابا مش بيسمح بخطوبة بس. هاتبقى خطوبة و كتب كتاب. ساعتها هابقى ليك قصاد كل الناس و مش هقولك لأ على أي حاجة. ليه مش قادر تصبر ؟
يترك “مراد” يديها الآن، و يبتعد قليلًا مطلقًا زفيرًا حارًا و هو يشيح بوجهه عنها للأمام، يحدق بمياه النيل الصافية …
-انت زعلت مني !؟ .. تمتمت “إيمان” بخوفٍ حقيقي أن تكون ضايقته منها
رد عليها دون أن يحيد بناظريه عن المنظر الخلّاب :
-أبدًا. مازعلتش.. بس بفكر في كلامك. حلوة فكرة إننا مع بعض قصاد الناس. لو كنتي اتولدتي في عيلة تانية. أو لو كان باباكي مش متشدد كده. كانت علاقتنا بقت أحسن …
و نظر إليها ثانيةً و قال :
-تعرفي بفكر في إيه دلوقتي ؟
هزت رأسها تحثه على إخبارها، فابتسم مفصحًا لها :
-أنا و انتي في بيت لوحدنا. بتطبخي لي الأكل إللي بحبه. و بعدين نقعد نشوف الرومانسية إللي بتحبيها انتي. و مانكملهاش. عشان و انتي جمبي مش هقدر أفوّت ثانية منغير ما أشبع منك !
تخضّبت وجنتيها بحمرة خلجة، و لم تستطع إلا أن تبتسم و هو يروي لها هذا الحلم الجميل، لم تكن تتمنى وقتها سوى أن يتحقق و في أسرع وقت …
__________
-انتي فاكرة كل حاجة ! .. تمتم “مراد” و هو يحيط خصرها بذراعه الآن
كانت قد تكوّمت على حضنه تقريبًا، ترفع رأسها ناظرة في عينيه، فتشعر بأنفاسه الدافئة على بشرتها، و تجاوبه مبتسمة :
-عمري ما نسيت. ياااه يا مراد. حبك تعبني أوي.. بجد. تعبت !
لم يكن يرى أمامه في هذه اللحظة إلا صورة الفتاة التي عشقها، أول و آخر عشق بحياته، فتاة في الخامسة عشر، بريئة، جميلة، صعبة المنال، و هو الذئب الذي ساومها بالحب على شرفها، و قد أعماها الحب و جعلها بلا حول و لا قوة أمامه …
-أنا آسف ! .. ردد بصوتٍ خافت و هو يمسك بذقنها
كان يعنيها حقًا و قد بان الندم في عينيه كالنهار، عيناها اللامعتين جلبت الدموع لعينيه، يفكر في ذكرياتها السوداء، التفاصيل التي حكتها أمامه عند الطبيبة، كل شيء مفجع صار لها كان هو سببًا فيه …
-أنا سامحتك ! .. قالتها بهمسٍ كأنما قرأت أفكاره
كسرت قلبه أكثر بهذا التصريح، سقطت دمعة من عينه فوق خدّها، فتبعتها دمعة من عينها أيضًا انزلقت لتندمج مع دمعته في خطٍ طويل حتى حافة فكها …
سحبت نفسًا مرتعشًا و هي تحاول النهوض حتى لا يسهبا في الذكريات المحزنة أكثر، لكنه لف ذراعيه حول كتفيها ممسكًا بها في مكانها، لم تفكر مرتان، أحاطت عنقه بذراعيها و تلاقت شفاههما في نفس اللحظة معًا، وضع راحة يده على خدّها و ضغط بشفتيه على خاصتها أكثر، تحرّك للأمام حتى أصبح ظهرها مرتاحًا فوق الأريكة و دفع نفسه بين ساقيها.. شهقت متذمرة من العوائق بينهما
همس “مراد” من بين أنفاسه العنيفة التي تضرب بشرتها بقوة :
-أنا لسا مش مصدق إنك بين إيديا !
رفرفت بعينيها و الحمرة تكسو وجهها كله الآن، صدرها يلهج شوقًا إليه، فبذل ما بوسعه حتى لا يجعلها تنتظر أكثر، راقبته و هو يتخلّى عن كنزته، فينكشف جزعه و تتألق عضلات صدره على ضوء الشمس المنبعث من نافذة الشرفة
دنى نحوها من جديد، و يشد قميصها للأعلى بيد، و بيده الأخرى يأخذ يديها و يرفعهما فوق رأسها، يضغط عليهما بينما تزداد مشاعرها كثافةً و هي تشعر بقبلاته المتتالية التي أنطقتها بأسمه مرارًا و تكرارًا.. و كأنها لم ترى عذابًا قط
كان يمحو آثار معاناتها الأثر تلو الأثر و بلا رجعة …
*****
جلست الصغيرة بين أحضان جدتها، تعتريها رجفة خوف من حينٍ لآخر، و هي ترى على مقربة من سرير الجدة، تلك السيدة المسنّة ذات العباءة السوداء، تجلس فوق الأرض، تفترش بعض الأغراض غريبة الشكل
من ضمنهم قطعة من ملابس “إيمان” الداخلية، و ربما تلك عظمة، لا هي عظمة صغيرة، تشبه إلى حد كبير عظام الإنسان !!!
و المنتصف صحن من الخشب، تطحن في أوراق عشبية و تحرّك شفتاها بأشياء غير مسموعة، أمسكت اللباس الداخلي و مزّقته إلى نصفين، وضعته داخل الصحن و سحبت مطرقة صغيرة، ثم إنهالت فوق العظمة تكسيرًا حتى صار فتاتها ناعمًا كالتراب، لملمته و نثرته بالصحن، ثم سكبت سائلٍ ما، و أشعلت كل هذا بالنيران، أمام نظرات “لمى” المذعورة
تشبثت بأحضان جدتها أكثر، و هي لا تزال ترى السيدة تواصل فعلتها، حتى خمد الحريق الصغير، جمدت الدماء بعروق الصغيرة ما إن رفعت تلك السيدة رأسها و نظرت صوبها، و علا صوتها المتحشرج مخاطبًا الجدة :
-دور مايخرّش الماية. مظبوط ظبط المرة دي.. هاتي البت يا راجية
ارتعدت “لمى” عندما سمعت الكلمة الأخيرة، إنها تريدها.. لماذا !؟؟؟
-لأ يا تيتة ! .. غمغمت “لمى” بصوتٍ باكي :
-أنا مش عايزة !!
جاء صوت السيدة صارمًا :
-لو ماحصلتش الخطوة دي يبقى انسي كل إللي عملناه منغير فايدة.. لازمًا وصلة بين الماضي و الحاضر. و إلا مش هايتلاقى. حفيدتك بيمشي دم ابنك في جسمها. قطرة واحدة من دمها كفاية !
تجعّد وجه “راجية” بقساوةٍ و هي تنظر بعينيّ رفيقة السوء تلك، المرأة التي استعانت بها على مدار سنين عمرها لقضاء كل الأمور المحرّمة و الشعوذة التي خرّبت بها حياتها و حياة الآخرين.. أحاطت حفيدتها بذراعيها و هي تخاطب الأخيرة في نفس الوقت :
-انتي متأكدة المرة دي.. محدش هايعرف ينقذها. و لا حتى أدهم أخوها !
علت زاوية فم السيدة و هي تجاوبها و الثقة ملء صدرها :
-لو اجتمعت سحرة فرعون نفسه. مش هايعرفوا يفكوا إللي إتعمل. دي سكة مالهاش غير طريق واحد. و إللي بيخرج منها بالموت !!
أحسّت “راجية” بارتعاش الصغيرة أشد بين يديها، فزجرت رفيقتها بتحذيرٍ من نطق كلمات كهذه أمامها، ثم أخذت تهدئها :
-ماتخافيش يا لمى. مش هايحصل حاجة. أنا مش فهتمك ؟
أومأت الصغيرة و لا تزال مختبئة بأحضان جدتها :
-أيوة. و أنا سمعت كلامك و جبت هدوم من عند مامي. بس أنا مش عايزة مامي تموت يا تيتة !!!!
و بدأت تبكي بحرقةٍ، مسّدت “راجية” على ظهرها و فركت رأسها بلطفٍ و هي تقول كاذبة :
-قلت لك ماتخافيش. مش هاتموت. هي بس هاتتعب شوية لحد ما جوزها يزهق منها. أول ما يطلقها هاترجع كويسة تاني. انتي مش عايزة أمك ترجع ليكي لوحدك ؟
أومأت “لمى” أن نعم، فاستطردت “راجية” مبتسمة بتشفٍ :
-خلاص. يبقى تسمعي كلامي. أنا جدتك أم أبوكي. أبوكي إللي لو كان عايش مكانتش أمك قدرت تعمل فيكي كده. أبوكي الحقيقي مش الراجل إللي راحت جابته ليكي أمك. أبوكي هو إللي بيحبك. هو بس إللي تقوليله بابا.. مش حد تاني يا لمى سمعاني ؟
-سامعة ! .. قالتها الصغيرة تحت تأثير الضغط النفسي الرهيب الذي تتعرّض له
تنهدت “راجية” و هي تدفعها من حضنها آمرة بغلظةٍ :
-مش هاتحسي بحاجة. مجرد شكّة بس. يلا !
أذعنت “لمى” لأمر جدتها في الأخير، إذ لا قِبل لها بصد الأوامر و خاصةً منها هي، مشيت بخطواتٍ مترددة ناحية السيدة المخيفة، ما إن صارت في متناولها حتى قبضت على كف المسكينة، إنكمشت “لمى” مشيحة بوجهها بعيدًا، و لم تشعر إلا بوخزةٍ قاسية على إصبعها السبابة إنتزعت منها صيحة ألم أشبه بعواء ظبيٍ جريح …
أمسكت السيدة بيد الصغيرة و قطّرت الدماء المنهمرة من إصبعها داخل الصحن في قطرتين كبيرتين، ثم تركتها لما بلغت مرادها
ركضت “لمى” عائدة إلى أحضان جدتها و لم ينقطع بكاؤها، بينما تواسيها “راجية” و هي تنظر إلى النتيجة النهائية التي صنعتها المشعوذة.. في هذه القنينة الصغيرة
دمار أرملة إبنها ! …………………………………….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أوصيك بقلبي عشقا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى