روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل العاشر 10 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل العاشر 10 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء العاشر

رواية أغصان الزيتون البارت العاشر

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة العاشرة

“بعضهم يعيش گالجمر على الموقد، لا الموقد ينطفئ، ولا الجمر يخمد اشتعالهِ.”
____________________________________
صوت بكاؤهِ استرعى انتباه “مصطفى”، وكان قادرًا على اجتذاب اهتمامهِ لكي يذهب بنفسه ويتفقدّهُ. حرك “مصطفى” مقعدهِ المتحرك نحو غرفة “سُلاف”، فـ سمع صوت المُربية تحاول تهدئة الصغير، بينما هو لا يسكن نهائيًا. دخل “مصطفى” وهو يدفع الباب بمقعدهِ :
– في إيه ياأم علي؟؟.. زين بيعيط ليه؟.
بدت الحيرة على ملامحها، بعدما عجزت عن إيجاد حل لتهدئة الرضيع :
– مش عارفه يابيه، زي ماانت شايف على صرخة واحدة.
فتح ذراعهِ لها كي تناوله إياه قائلًا :
– أنا عارف، أمه غايبة عنه طول النهار، عشان كده مش طايق حد غيرها.
وضعته بين أحضانهِ، حيث كان يحرك قدميهِ الصغيرتين بعشوائية وهو يبكي، بينما هدهدهُ “مصطفى” برفقٍ ليّن وهو يبتسم في وجهه قائلًا :
– ماما قربت تيجي خلاص.
نظر بإتجاه “أم علي” و :
– هاتي أي حاجه فيها ريحة سُلاف ياأم علي، يمكن لو شم ريحتها يهدا.
بحثت “أم علي” من حولها، ثم نظرت على المشجب لترى وشاح أحمر، فـ تناولتهُ وعادت إليهم، وضعته على صدر الصغير فأمسكت يداه الصغيرة جدًا بطرفهِ، وصوت بكاءهِ قد بدأ يخمد رويدًا رويدًا، فـ برز احمرار عيناه وتوّرد أنفهِ الصغير أثر بكاءهِ الشديد. مسح “مصطفى” على رأسهِ قبل أن يضمهُ إليه قليلًا، فـ تذكر شقيقهِ على الفور، شقيقهِ الذي راح ضحية الغدر والخيانة. أطبق “مصطفى” جفنيه بحزن، وزفر تنهيدة محترقة من جوفه وهو يقول :
– روحي انتي ياأم علي.
– حاضر يابيه.

 

 

انتقلت “أم علي” للخارج، حينها اختلى “مصطفى” بالرضيع الذي أيقظ – دون عمدٍ – ذكريات مرّ عليها زمن طويل، فقد كان هو الأخ الأكبر الذي راعى شقيقهِ وهو رضيع، هو الذي عهد لتربية أخيه “إسماعيل” بعد وفاة أبيهم، فـ أصبح هو الأب والأخ وهو لم يتجاوز الثالثة عشر من عمرهِ، ثم ماتت أمهم وهو في سن السابعة عشر، فـ لم يكن عليه سوى الإعتناء بالصغير الذي فقد أبويهِ باكرًا، ليبقى يتيمًا منذ الرابعة من عمرهِ، لم يدّخر “مصطفى” وسعهِ، أمّن للصغير مأكله ومشربه وتعليمهِ حتى أصبح رجلًا، وبقى كلاهما في الحياة گوجهين لعُملة واحدة، قلبين لروح واحدة، وكأن “إسماعيل” كان ولدهِ وليس شقيقهِ الأصغر.
مسح “مصطفى” عيناه التي أذرفت الكثير من الدموع، ثم دقق في ملامح الرضيع التي أشبهت “سُلاف” في طفولتها، لم يُشبه والدهِ قطّ، كأن هذا هو العوض الذي استحقتهُ، بعد عذابٍ وحرمان طويل، رغم جهود “مصطفى” المكثفة لتعويض إبنة أخيه، إلا إنها كانت ناقصة دائمًا، وكأن الحنين هو مصير تعيشهُ وليس حالة شعورية مؤقتة. مسح بلسانهِ على شفتهِ الجافة، ثم حمحم قبل أن يقول :
– مكنش ليكم ذنب في الحدوتة كلها، لكن نصيبكم كده.. نصيبكم تاخدو بحق اللي راحوا هدر، وإلا هموت وأنا مش قادر أبص في وش الغالي ومراته!.
كان “زين” ينظر إليه وكأنه يفهمه، بصمتٍ وهدوء، حتى انفتح الباب عليهم، فـ التفت “مصطفى” برأسه ليرى “سُلاف” قد حضرت، وأسرعت بخطاها نحوهم :
– أم علي بتقولي طول اليوم بيعيط.
تناولتهُ “سُلاف” من بين ذراعيهِ وضمتهُ لصدرها، فـ تدفئت رئتيها برائحته، وتبسمّ محياها وهي تهمس بـ :
– أنا آسفة حقك عليا ياروحي.
ثم نظرت لعمها، كي ترى تلك الحالة الغريبة التي عليها وجهه، فـ تغضن جبينها وهي تسأله بإهتمام :
– مالك ياعمي، حصل حاجه؟.
لم تتاح له الفرصة للرد، حيث رنّ هاتفه برنين تقليدي، فـ أخرجه من جيبه ليرد عليه :
– ألو.. إيه اللي حصل.
برزت إبتسامة متحمسة على محياه، وانتقلت عيناه للنظر إليها، حيث كانت مترقبة لمعرفة ما حدث، فـ وضح “مصطفى” ذلك بقوله :
– ده اللي كنا مستنينه، أديهم اللي هما عايزينه زي ما اتفقنا، ونصيبك جاهز.
أغلق “مصطفى” المكالمة، فـ فطنت “سُلاف” بهوية المتصل وسبب إتصاله :
– ده سلامة ؟.
أومأ “مصطفى” برأسه :

 

 

– هو، زي مااحنا عايزين بالظبط ، راحوا ورا تسجيل الكاميرات لليوم ده.
جلجلت ضحكة “سُلاف”، وتجولت من حوله وهي تُحدث صغيرها :
– بابا بيدور علينا يازين، خلاص هانت.. بكرة يعترف بيك وبيا غصب عن عين أهله.
أشرق وجه “مصطفى” بعد انطفاءهِ :
– كده مش فاضل غير القضية، بعدها هنلاعب صلاح وإبنه اللعبة الكبيرة.
– أطمن، عناني خلاص مسك القضية، الصبح هعمله التوكيل ونبدأ الإجراءات.
*************************************
أفرغ بعضًا من الدهان على قطنة نظيفة، ثم مسح بها على أنفهِ، وهو في حالة بلغت أقصى مراحل الغضب. قذف أنبوب الدهان على المنضدة، ثم سبّ سبّةٍ خافتة :
– الـ ×××××.. مش هرحمك بس أطولك بأيديا.
انفتح الباب بغتةً، ودلفت منه “أسما” ومن خلفها الخادم، ثم أمرته بـ ترك الصندوق الذي يحمله :
– سيبه هنا ياعطا.
قطب “حمزة” جبينهِ بإستفهام، فـ أجابت “أسما” على سؤاله دون أن يسأله :
– الصندوق ده بعتته ميان.
نفخ “حمزة” وهو يحك عنقهِ بإنفعال، وأبعد نظراتهِ عن والدتهِ التي تتطلع إليه بإستهجان :
– وبعدين بقى!!.. مش عارف أتكلم معاها كلمة واحدة، حظرتني من كل حته والحرس منعني من الدخول لما روحتلها.
تلوت شفتي “أسما” بدون شفقة عليه، وهي تحمله نتيجة ما حدث كاملة :
– والله دي أقل حاجه تعملها معاك.. لو أنا مكانها مكنتش بعتلك حاجتك وبس، أنا كنت رميتهم في وشك.
– ماما أرجـوكـ…..
فـ صاحت به لتعبّر عن رفضها الشديد لفعلتهِ الشنيعة في حقّ العائلة :
– أخرس خالص!.. لوثت أسمنا وفضحتنا في كل حتة، آدي أخر صياعتك، ولسه المصايب اللي هتقع على دماغنا من وراك.
وقف “راغب” أمام الباب، متحرجًا من الدخول وقد وصل حديثهم لمسامعه، فـ حمحم للفت إنتباههم و :
– آ أحم.. مساء الخير.
نظرت إليه “أسما” بطرفها، ثم عقبت :
– أهو شريكك جه، شوفوا بقى حل لمصيبتكم.
مرّت من جوارهِ وكأنها رياح أمشير العاتية، وصفقت الباب بقوةٍ ومازال صوت غمغماتها الساخطة مسموعًا لهم. ذمّ “راغب” على شفتيه بإستغراب، ثم هتف بـ :
– مش عارف أنا ذنبي إيه؟.. من ساعة اللي حصل أمك بتحملني المسؤولية وبتعاملني زي الزفت.
اكفهر وجهه وهو يُذكرّه :
– ناسي إنك كنت معايا في الصورة الزفت دي!.
تنهد “راغب” وأطرق رأسهِ بتحيرٍ، ثم أخرج هاتفهِ من جيب سترته وهو يردد :
– بمناسبة الصورة.. كل اللي البت دي قالته صح.
تغضن جبين “حمزة”، كأنه يرفض تصديق شئ گهذا، تحفزت حواسه ودنى منه بأعصابٍ على حافة الإنهيار :
– إزاي!!.. عرفت حاجه من سلامة؟.
فتح “راغب” التسجيل على هاتفه، وناوله الهاتف وهو يقول :
– يوم ١٤ إحنا كنا هناك فعلًا، كانت قاعدة معانا البت نوسه ساعتها وهي اللي عرفتنا عليها.. قعدنا وخدنا سهرتنا ومشينا وهي معانا.. اللي بعد كده أكيد أنت فهمته.

 

 

شاهد “حمزة” المقطع بتركيزٍ وتدقيق، حتى إنه أعاد مشاهدتهِ مرتين متتاليتين، وعند دقيقة معينة توقف وأعادهُ للمرة الثالثة، فسأله “راغب” مستفهمًا :
– في حاجه لفتت انتباهك!.
مسح “حمزة” على شفتهِ السُفلى بلسانهِ، صمت هنيهه، ثم أردف بـ :
– أنت مش ملاحظ إننا كنا سكرانين أوڤر؟.
أومأ “راغب” رأسه مؤيدًا :
– ملاحظ، وده للسبب اللي مخلينا مش فاكرين أي حاجه من اليوم ده.
أبعد “حمزة” الهاتف عن مرمى بصرهِ و :
– بس من أمتى وأنا بوصل للحالة دي!.. أنا آخري كاس واحد بس ده إن شربته!.
زفر “راغب” وابتعد عنه، جلس على طرف الأريكة وأسند ذراعيهِ على ساقيه :
– الموضوع عمال يتعقد، وإحنا حتى مش طايلين بنت الأبالسة دي عشان نعرف منها حاجه.. هنعمل إيه؟.
كزّ “حمزة” على أسنانه، مغتاظًا غيظًا حاميًا :
– لازم أوصلها بعيد عن شوية التيران اللي بتتحامى فيهم مني.. طول ما هي بتلعب من بعيد أنا متكتف.
ثم صاح فجأة وقد انفجر غيظه المكتوم أخيرًا :
– وأنا مينفعش أخـسر ياراغـب!.. مينفعش أكــون عـاجـز كـده.
أشار له “راغب” ليهدأ قليلًا، ونهض كي يوازيه في وقفته وهو يقول :
– طب أهدا طيب.. أنا مش ساكت وبدور عليها في كل حته.
ابتعد “حمزة” وتجول بعشوائية في الغرفة، بينما كان همّ “راغب” هو انتشاله من هذه الحالة :
– ألبس وتعالى نروح أي حته، شكلك ده مش عاجبني.
تعقد حاجبيهِ مستنكرًا، ورمقهُ بنظراتٍ محتقنة وهو يردف بإنفعال :
– هو أنت مبتشوفش ولا إيه ياراغـب!!.. مش شايف وشي عامل إزاي بسبب الـ ××××× دي!.
ذمّ “راغب” شفتيه بدون أن يُعقبّ، فـ تابع “حمزة” :
– أنا مش هنزل اليومين دول خالص لحد ما وشي يتعدل، دي آ…..
وكظم غيظهِ بصعوبة وهو يتمتم بخفوت :
– شوهت وشي بنت الـ ×××ـة!.. بس كله مردود وحياة أبوها.
التفتت رأسهِ لينظر بطرفهِ على إنعكاسهِ بالمرآة، فـ اهتاج مجددًا وقرر أن يبقى وحيدًا لبعض الوقت :
– روح انت وسيبني دلوقتي، أنا محتاج أفكر بهدوء.. وابعتلي المقطع ده عشان لو احتاجته.
تفهم “راغب” رغبتهِ، فـ سحب نفسهِ لكي لا يضغط عليه أكثر من ذلك :
– ماشي، اللي تشوفه ياعم.
وغادر غرفتهِ وهو يتمتم بـ :
– كان مستخبي فين كل ده!.
**************************************
نظر من حوله، كان المكان خاويًا تمامًا، بالكاد تُضيئهُ إضاءة السيارة. أحس بشئ من التوتر ينتابه، ليست المرة الأولى التي يراها فيها، لكنها تختلف الآن، بعد كشف نفسها أمام “حمزة” ، فـ أصبح عليهم الإلتزام بالحرص وعدم السماح بترك أي ثغرات قد توّقع بأحدهم. نظر في ساعتهِ، قبل أن يحرر زفيرًا من صدرهِ، حتى رأى سيارتها تقترب منه، فـ انتصب في وقفته، واستعد للقائهم. ترجلت عن السيارة، وسارت صوبه حتى أصبحت قبالته :
– مكنش لازم نتقابل، قولتلك نخلي بالنا الفترة دي لحد ما الدنيا تظبط.
فرك “نضال” كفيه سويًا، ولم يُطيق صبرًا حتى ينقل لها هذا الخبر الذي قد يُشتت خططهم تمامًا :
– مكنش ينفع أصبر لبكره، حمزة نيته مش خير ياسُلاف.
تلوت شفتيها بسخريةٍ مستخفة :
– وإيه الجديد، أمتى أصلًا كان نيته خير!؟.
كان باديًا عليه القلق، وهو يفسر لها مقصدهِ :
– أنتي مش فاهمة حاجه، حمزة مش هيقف قدامك في المحاكم، حمزة هيعترف بيكي وبإبنه.
بُهت وجهها في البداية، وانعقد حاجبيها بذهولٍ مما فكر به بشأنها :
– وبعدين؟.

 

 

انفعل “نضال” رغمًا عنه، وهو يفسر لها النية التي تختبئ خلف هذا الفخ اللئيم :
– وبعدين هيستفرد بيكي وبالولد.. مش هيرحمكم، أنا أكتر حد يعرف حمزة في الشر عامل إزاي!.
رغم خفقان قلبها، وتلك الرعشة التي سرت في أطرافها، إلا إنها أظهرت جمودًا غير مباليًا بالتوابع الخطيرة :
– مش هيقدر يعمل حاجه.
أمسك “نضال” برسغها، هزّهُ دون قصدٍ وقد سيطرت عليه مشاعرهِ الحية حيالها :
– أنا مستحيل أسيبك أنتي وإبنك تقعي في الفخ ده!.. أنا سيبتك مرة.. مش هسيبك التانية ياسُلاف، أنتي فاهمة!.
انتشلت “سُلاف” رسغها منه بلطفٍ، ثم ذكرتهُ بهدفهم الذي سعوا إليه سنواتٍ مديدة :
– أسمع يانضال، أنا فنيت سنين عشان أوصل لهنا، مش هرجع خطوة واحدة لورا مهما كانت النتيجة.. خلاص السهم نفد، ياإما هقضي على إبن القرشي، ياإما هو هيقضي عليا.. ملهاش حل تاني، حتى لو كلفني الأمر أعيش جوا بيتهم….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى