رواية أغصان الزيتون الفصل السادس والأربعون 46 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء السادس والأربعون
رواية أغصان الزيتون البارت السادس والأربعون
رواية أغصان الزيتون الحلقة السادسة والأربعون
“وإذا قررت أن تصيد، عليك أن تُلمّ بالمخاطر أولًا.. كي لا تكون انت فريسة نفسك.”
____________________________________
كانت گالصنم، وقع المفاجأة الصادمة على مداركها كان وقعًا شديد القوة. ظلت جالسة في مكانها بالسيارة، في نفس المكان الذي وقفت فيه لإنتظار خروج “يسرا”، وعيناها الساهمة تؤكد وجود شئ ما. نظر “عِبيد” بالمرآة الجانبية قبل أن يلتفت إليها، ثم سألها :
– هتفضلي كده كتير!.. زمانها قربت تخرج.
حمحمت “سُلاف” قبل أن تلقي بسيجارتها عبر النافذة، ثم هتفت بـ :
– متقلقش أنا عادية جدًا.. دماغي بس هي اللي مشغولة شويه.
لمح “عِبيد” ظلها في المرآة، فـ أدار محرك السيارة وهو يردف بـ :
– طب خلي بالك إنها جاية.
بالفعل ما هي إلا لحظات، وكانت “يسرا” تفتح الباب الخلفي من أجل أن تستقر بمكانها، ثم أغلقت الباب وهتفت بنبرة ممتنة :
– مش عارفه أشكرك إزاي يا سُلاف، بجد انتي جدعة جدًا.
رسمت “سُلاف” تلك البسمة المصطنعة على وجهها، وما زال بالها منشغلًا، وأردفت بـ :
– متقوليش كده.. ده انتي أخت جوزي، يعني أخت الغالي.
ثم انتقلت أنظارها نحو “عِبيد” و :
– يلا يا عبيد قربنا على الفجر.
***************************************
نجحت خطتها بشكل نسبي، فـ مسألة خروج “يسرا” و دخولها مرت مرورًا كريمًا، أما عنها لم يكن الأمر كذلك. صعدت “سُلاف” لغرفتها وسط هذه العتمة الشديدة، حريصة على ألا تُصدر أي جلبة من حولها، حتى وصلت غرفتها بسلام. فتحت الباب ودلفت، أغلقته منه خلفها وظلّ الظلام محيطًا بها، جلست على طرف الأريكة لتنزع حذائها العالي، وقبل أن تقف عن مجلسها كانت إضاءة الأباجورة تنفتح على حين غُرة، لتتفاجئ به ضيفًا غير مدعو في غرفتها. حبست “سُلاف” أنفاسها هنيهه، وعيناها مسلطة على “حمزة” الجالس بأريحية هُناك أقصى اليمين، وسألت بصوتٍ تبينت في نبرته الربكة :
– انت بتعمل إيه هنا في ساعة زي دي؟.
أجاب بفتور شديد، ونظراتهِ توحي بكثير من المعاني :
– في أوضة مراتي وبطمن عليها، أظن عادي.
نهض عن مكانه، وانتقل نحو زر الإضاءة الرئيسية ليفتحها فـ يراها عن كثب :
– خليني بس أشوفك كويس.
التفتت رأسه ينظر نحوها وقد وقفت عن جلستها، وسأل بهدوء مريب للغاية :
– يا ترى مراتي المصونة كانت فين لحد دلوقتي؟؟.
لم تُخفيه سرًا، وفضّلت عدم التهرب من السؤال لئلا تُحيي في رأسه رغبة البحث من خلفها :
– كنت في مكتبي.. ورايا شغل كتير مش فاضية زيك.
أشار لها نحو الخزانة وهو يسألها :
– مش هتغيري هدومك؟؟.
لم تترك مشاعر الخوف والإضطراب تظهر عليها، بل كانت قوية جامدة وهي تجيب :
– لأ.
تحرك نحو منضدة الزينة خاصتها، عبث في أشيائها واحدًا تلو الآخر وهو يتحدث :
– أنا طول اليوم بفكر بشكل جد جدًا، ليه مفكرتش أحتضنك انتي وإبني بدل كل الحرب دي!!.. وأهو يبقى أسهل وأوفر علينا احنا الأتنين.
كان حديثه مريبًا مخيفًا، باعثًا للذعر في نفسها، خاصة ذلك الهدوء الذي ينبئ بوقوع أمرٍ خطير لا تعرفه، وفجأة سألها وهو يرتكز بأنظاره عليها :
– ولا انتي إيه رأيك؟؟.
– ياريت كان الموضوع بالسهولة دي.
– وإيه اللي صعبّه!.
– انت.
كانت محاولات صائبة للغاية، في مراوغته بالكلام، من أجل الوصول لنهاية ذلك الحوار والمغزى الذي يختبئ وراءهُ. عثر “حمزة” على الزجاجة التي يبحث عنها، فـ سحب قطع القطن الجاهزة وبدأ يسكب سكبًا غزيرًا عليها من محلول إزالة مساحيق التحميل. ترك الزجاجة وخطر نحوها بخطواتٍ متهادية، بينما هي تراقبه بتركيزٍ وحرص شديدين حتى بقى بينهما أقل من بضع سنتيمترات، لتسمع صوته الخافت وهو يقول :
– عادي، في حاجات كتير لازم تتغير.
أمسك برأسها أولًا وبدأ يمسح بقطع القطن على وجهها، لتخليصهِ من كميات المساحيق الغليظة التي تضعها كل يوم، في محاولة مقصودة ومتعمدة لطمس ملامحها البريئة الطفولية. تركته يفعل ما يريد دون أدنى تدخل منها أو منع له، حتى لا يأتي رفضها بنتيجة عكسية معه، بينما عينيها الماكرة تفحص وتقرأ كافة تعابيره، لترى فيها تغييرًا غريبًا، تغييرًا زرع الوجل في نفسها، وجعلها تتشكك في أمر انكشافها أمامه. أنهى “حمزة” مهمة تنظيف بشرتها بالكامل، فوجد أمامه وجهًا جميلًا ملائكيًا، يختفي خلف شيطانية التفكير ومكر التخطيط والتدبير، ملامحًا تعود لطفلة، تم وأد كل مشاعرها الجميلة لكي تقف أمامه بهذه الصلابة. لحظات من التأمل الطويل في وجهها مضت گومضة خاطفة، بينما هي گاللوح الجامد، لا حراك حتى في مشاعرها، وكل ما يشغل بالها هو السر الذي يحاول “حمزة” اخفاءه؛ لكنه فشل.
كافح “حمزة” رغبته الجامحة، وحارب شغفه بأقصى قوة، لكي لا يعلن أمامها إنه كشف حقيقة نسبها الأصلي، بكل ما أوتي من عزم فعل ذلك، وفي لمحةٍ خاطفة كان يستدير مبتعدًا، وألقى قطع القطن في سلة المهملات وهو يردف بـ :
– تصبحي على خير.
أيّ خير ذلك الذي يقصده، بعد هذه التطورات التي دبت الفزع في نفسها، بات من المخيف جدًا توقّع ما هو آتٍ. استعانت بهاتفها لإرسال رسالة عاجلة دورها البحث عما وصل إليه “حمزة”، وما الذي بدّل حالهِ خلال ساعات فقط، ليصل إلى ما هو عليه الآن!.
دخل “حمزة” غرفته، أغلق الباب بهدوء دون الشعور بأي بادرة انفعال أو عصبية، منذ أخذ ذلك الخبر كأن الثلج قد غلف صدرهِ، فـ تحول سعيرهِ ونيرانهِ المُضرمة لبرودة هادئة؛ لكنها تنهش بفضولها في رأسهِ وتنخر فيها نخرًا عظيمًا. وقف “حمزة” في شرفتهِ بعدما تحرر من سترتهِ، فتح أزرار قميصه كلها وهو ينتظر الرد على مكالمته حتى آتاه، فـ هتف بصوتٍ رزين :
– أيوة يا ابو زيد، أنا محتاجلك هنا في القاهرة.. لأ مش هينفع، لازم تجيلي.. هستناك.. سلام.
نزع السماعة الإلكترونية من أذنه، ورفع عيناه إلى السماء المُظلمة، وكأن خيالهِ هيأ له إنه يرى اسمها يُنقش على بُساطها، من فرط تفكيره بشأن ذلك الأسم الذي بات هوسًا لديه في بضع ساعات قلائل، لكنه الشفرة، المفتاح الذي سيفتح له كل الأبواب المغلقة، ولذا عليه سرعة التحري والبحث قبل أي خطوة أخرى تخطوها ضده.
***************************************
كان الصباح قريبًا للغاية، بضع سويعات قليلة فقط فصلت بينه وبين نور الشمس الذي سطع منذ البكور. كان شاهدًا على لحظات الشروق أيضًا، فـ تلك الليلة لم تأتي له بالنوم إطلاقًا، وكيف ينام وقد تضخم اللغز حتى بات أضعاف أضعاف حجمهِ، وهو الذي ظن إنه سيرتاح إن علِم بحقيقة هويتها!.. بل إن الأمر تعقّد أكثر وأكثر، وأصبح عليه البحث عن أي سجلات تعود لـ “إسـمـاعيـل زيـِّان”؛ كي يتأكد من ظنونه التي تشككت في وجود شائبةٍ ما بالماضي. كانت عيناه على الورقة المكتوب فيها إسمها بالخطّ العربي الأنيق، أثناء إغلاق زرّ الكُم الخاص بقميصهِ الأزرق القاتم. حنت نظراته عن الورقة وهو يحرر رئتيه من زفيرًا عميقًا، ثم تناول الورقة وهو يطويها ودسّها في جيب بنطالهِ. سحب السُترة ذات اللون (البيچ) الفاتح، وخرج من غرفته بعد أن سحب هاتفه بيده. سار بإتجاه غرفتها منتويًا الزيارة؛ لكنه تفاجأ بها تخرج بكامل ثيابها وزينتها، تطلعت إليه بإستفهام، قبل أن تسأل على مضض :
– خير؟.
كان فاترًا وهو يردف بـ :
– يلا عشان هنروح نجيب الولد من المكان اللي سيباه فيه من امبارح.
وقبل أن يتحرك كانت تهتف هي مستوقفة إياه :
– زين تحت مع عِبيد.
كأن عضلات فكيهِ تيبست قليلًا، وهو يشدّ من ضغطه عليهما لئلا ينفعل ويفقد ثباته الذي حافظ عليه ليلة كاملة، والتفتت رأسه نحوها قائلًا :
– أمتى ده حصل؟؟.
– الصبح.
– جابه منين ؟؟.
أزعجها استفسارهِ الدقيق عن أمور تخص طفلها، أو الأحرى طفله هو دونها، لذلك حافظت على خروج إجابات مقننة غير واضحة :
– إيه سرّ الإهتمام المفاجئ ده!.
فـ كانت صيحتهِ تلك المرة تختلف عن أي مرة سبقت، صيحة جامدة تحركت فيها كل عضلات وجهه :
– ابنـــي يا هـانـم.. اللي انتي عـملتي حرب عشان أكتبه على أسمي!!.. مش محتاج أفكرك.
فـ لم تقلّ عنه صياحًا هي الأخرى :
– مــتـزعــقـلـيش!.
– بــراحـتي انتـي مش هـتمسـكي لـسانـي!.
لم يكن في صالحها أبدًا إقحام الصغير في أمورٍ گهذه، خاصة وأن “حمزة” سيسلك ذلك الطريق إن وجد إنه بذلك سيفتعل مضايقة لها، ومن هذا المنطلق قررت ألا تفضح نفسها أمامه، أو تُبدي إنزعاجًا من تدخله المباغت في شئون الرضيع، بل ستلقي عليه مهام جديدة من أجل إصراف ذهنه عن التفكير بالأمر. لم تطل الصمت، وسرعان ما لحقت عبارتهِ قائلة :
– عمومًا الولد بيكون عند المربية بتاعته، ماانا مش ضامنة أرجع أم علي تاني بعد ما اتسممت قبل كده.
حزم قرارهِ بشأن الأمر، ومن أجل إبقاء كلاهما تحت أنظاره طيلة الوقت :
– الكلام ده مش هيحصل تاني، ولو عايزة تجيبي Nanny (مربية أطفال) جديدة هاتي.. محدش منعك.
تخطّاها سالكًا طريق الدرج للأسفل، فـ مشت في أعقابهِ حتى وصل كلاهما للبهو، ومن هناك كانت عينا “حمزة” تتجول بحثًا عن “عِبيد”، ولحسن الحظ إنه لم يكن موجودًا، بل كان الرضيع برفقة “يسرا”، كانت تداعبه وتُهدهدهُ بملاطفةٍ جميلة حتى رأتهم، فـ نهضت عن جلستها و دنت منهما :
– صوتكم كان عالي أوي.
فتح “حمزة” ذراعيهِ أمامها، فـ تفهمت “يسرا” رغبته ووضعت الصغير بين يديه، في اللحظة التي اضطربت فيها ضربات قلب “سُلاف”، وكأنها طبول الحرب تُقرع بداخلها، ورغم كل هذه الضجة التي نشبت في صدرها گالحريق، إلا إنها ابترعت تمثيل الهدوء، وهاجمت نفسها بضراوةٍ شديدة لئلا تُظهر شيئًا من مخاوفها التي جعلت معدتها تغثو. ضم “حمزة” طفله ونظر في وجهه، فإذا به يبتسم ببراءةٍ ووداعة، لم يحرك “حمزة” ساكنًا، وانسحب من جوارهم بعد أن أطلّ بنظرة على وجه “سُلاف”، والذي بدا بالنسبة له عاديًا إلى حدٍ ما. سار بإتجاه الردهه العريضة، فـ ازدردت “سُلاف” قبل أن تسأل مبتسمة :
– عمري ما دخلت من الممر ده، هو بيودي على فين؟؟.
أجابت “يسرا” بتلقائية :
– ده ياستي بيوصل لمكتب بابا، المهم كنت عايزاكي عشان نتكلم في تفاصيل تخص القضية.
دخل “حمزة” لغرفة المكتب الخاصة بوالده، فـ وجده مترأسًا المكتب منهمكًا بين العديد من الملفات، وحينما رآه نزع عنه نظارتهِ وحلّت البهجة على وجهه وهو ينظر نحو الصغير :
– إيه المفاجأة دي!.
أعطاه “حمزة” حفيدهِ ليأخذهُ بين أحضانهِ، وابتعد ليجلس أعلى المقعد الهزاز حينما سأله “صلاح” :
– أخيرًا حنيت وبصيت في وشه!.
كان “حمزة” جادًا للغاية، وهو يردف بـ :
– مش مهم، المهم اللي جايلك فيه.
بدأ الصغير يتشنج بين يدي “صلاح”، كأنه لم يحبه أو يتحمله، فـ حاول أن يهزهُ قليلًا كي يصمت :
– قول في إيه!.
نظر “حمزة” بإتجاه الصغير الذي بدأت أصوات زمجرتهِ الصغيرة تظهر، ثم هتف بـ :
– الولد متعلق بأمه ولو أخدته منها هنتسوح بيه، لازم اجيبله Nanny جديدة عشان يبدأ ياخد عليها.
تحفزت حواسهِ متحمسًا بشدة، وسأله بفضول :
– وهتعمل كده إزاي ؟؟.. البت دي عاملة زي القراضة مش هتسيبه لينا.
كأنه بيّت لها النية على شئ ما، ولمح بذلك فعلًا :
– مش هتسيبه برضاها، هتسيبه غصب عن عين أهلها.
تغضن جبين “صلاح” وقد بدأت اللعبة تحلو أمام عينيه :
– إيه !؟. هتلبسها قضية ولا لقيت حاجه نمسكها منها!؟.
نهض “حمزة” عن مكانه بعدما أزعجه صوت بكاء الصغير :
– حاجه زي كده!.
تناوله منه و :
– هو مش مرتاح معاك ليه؟؟.
– يمكن عايز يغير أو ياكل!.
اقتحمت “سُلاف” الغرفة دون سابق إنذار، وأوفضت بخطوتين نحوه وهي تهتف بـ :
– الولد لازم يرضع.
واختطفتهُ بسرعة هادئة من بين يديهِ، حينما كان “صلاح” يستنكر دخولها المفاجئ بذلك الشكل :
– دي مش وكالة من غير بواب يا بت انتي!!.
تحولت نظراتها المحذرة إليه، كأنما ترمي لشئ ما يفهمه جيدًا :
– براحتي، أدخل وأخرج براحتي يا حمايا.. ماشي؟.
والتفتت لتغادر حينما سبّها “حمزة” بسبةٍ خافتة :
– الـ ×××××!.
وخرج في أعقابها، حينما بقى “صلاح” گمن ضُرب على أمّ رأسهِ، وبات متأكدًا إنها ستفضح الأمر عمّا قريب، وها هي تلوح به علانية الآن، مما يؤكد ظنونهِ التي تُحتم عليه ضرورة استباق خطواتها بخطوة على الأقل.
***************************************
كان مبكرًا على غير العادة، وتم ذلك بشكل مقصود ومتعمد منه. ذهب “نضال” للمكتب بنفسه في تلك الساعة المبكرة، من أجل البحث عن شئ ما يفيد أو يدل على أي لمحة، تصل بهم لسبب تلك الحالة التي أصبح عليها “حمزة” بين ليلةٍ وضحاها. دخل لغرفتهِ التي كان بابها مفتوحًا، ليرى تلك الفوضى المريبة ، منضدة ساقطة على الأرضية، وسطح المكتب ملئ بالأظرف والأوراق المتناثرة، ثمة شئ حدث هنا لكنه لا يعلمه. خطى “نضال” نحو المكتب وتفحص البريد جيدًا؛ لكن في المجمل كل شئ طبيعي للغاية، حتى وقع بصره على ذلك الظرف المقطوع على الأرض، فـ انحنى بعجالة وخطفهُ سريعًا، كان فارغًا مقطوعًا؛ لكنه حمل شارة هامة جدًا. طابع المحافظة (مرسى مطروح) ،والذي دلّ على الجهة الذي خرج منها ذلك الظرف. اضطرب “نضال” وأحسّ بناقوس الخطر قد دقّ، فـ أعاد كل شئ لمكانه بتوترٍ وأسرع يخرج من هنا، وسرعان ما استخدم هاتفه في تسجيل مقطع صوتي لإرسالهِ عبر تطبيق المحادثات الشهير :
– كان عندك حق يا سُلاف.. حمزة فعلًا كشـفك.
****************************************
كان متذمرًا طوال الطريق، متضايقًا من تواجده وسط العاصمة المزدحمة والخانقة – في وجهة نظره -، ولم يتستر على شعوره ذلك بل أفضى به :
– الصراحة مش بحب آجي القاهرة دي خالص!.. بقالنا ساعتين في الطريق أهو كأن المحافظة كلها في الشارع.
تأفف “حمزة” مضجرًا، وهتف بإنزعاج شديد :
– بقولك إيه كفاية صداع، وبعدين ما الشوارع فاضية قدامك إهي وعدينا من الزحمة.. مش كفاية إني جيت آخدك من المطار بنفسي!.
نظر “زيدان” بإتجاه النافذة، تأمل المحيط من حولهم ليجد إنهم بالفعل تجاوزوا مناطق الإزدحام والهدوء قد خيّم، وبين هذا الصمت هتف بـ :
– بقولك إيه ياأبو البشوات، عايز أروح الحسين أجيب شوية حاجات للولية والعيال.
قطب “حمزة” جبينه مستهجنًا، وهتف بشئ من الإنفعال :
– إنت فاكر نفسك جاي تعمل shopping!.(تسوق) .. انت هنا عشان شغل يا ابو زيد.. فوقلي كده.
– عادي مش قصة يعني.. شويه ليك وشويه عليك ياباشا.
– المهم احكيلي، وصلت للمعلومة دي إزاي!.
فـ قصّ عليه “زيدان” بإستفاضة :
– من يوم لما كنت براقبها شوفتها وهي داخله دار الأيتام دي.. وشكلها كده مش جاية زيارة.. تحسها صاحبة مكان ولا حاجه.
عقّب “حمزة” على تعبيره ذلك بـ :
– اشمعنا ؟؟.
– كان باين أوي يعني.. استقبالهم ليها وحتى المديرة خرجت لها بنفسها!.. بيني وبينك شكيت، روحت مدعبس بقى.. روحت الدار دي كأني هتبرع يعني، وسيبت هناك ٥ آلاف جنيه وحياة عيالي، عشان بس أعرف ادخل.
نفخ “حمزة” متفهمًا مقصدهِ من التشديد على تفصيله گهذه :
– كل حاجه هحاسبك عليها الضعف متقلقش.
ضحك “زيدان” ببلاهةٍ وهو يتابع :
– مش القصد، أنا بس بفهمك دخلت ازاي.. المهم بقى لقيتلك جوه إيه؟.
تحمس “حمزة” بتلهفٍ و :
– إيه ؟؟
– لقيتلك عمود كامل كله صور.. صور ليها مع العيال الصغيرة شكلها كانت حفلة باين!.. روحت فهمت طوالي (على طول) إنها يا صاحبة الدار يا ليها فيها نصيب.. قولت إحنا بندور ورا السُني ليه، ما ندور على زيّان أسهل!!.
توقفت السيارة في مكان مهجور تمامًا، ثم التفت إليه “حمزة” وقد حلّ عن نفسه حزام الأمان :
– وبعدين؟؟..
– وبعدين لقيتها.. دورت على كل اللي اسمهم سُلاف زيّان.. صحيح الموضوع برضة كلفني ياما بس مش قصة.. لحد ما لقيتلك أصلها، وطبعًا كان سهل أطابق صورتها في البطاقة الأصلية بشكلها اللي انا عارفه كويس.
أخرج “حمزة” شيك نقدي من جيب سترتهِ، وفتحه أمام عيني “زيدان” وهو يردف بـ :
– شايف الشيك ده!.
دقق “زيدان” بأنظاره على قيمة الشيك، فـ انفرجت شفتيهِ مصدومًا وهو يهتف بغير تصديق :
– نص مليون جندي!!!.
– هدية مني.. بس توصل للجزء التاني من الرواية.
عقد “زيدان” ما بين حاجبيه، وقد تفهم وجود أمر أكبر وأقوى من ذي قبل، مما دفع فضوله للتساؤل :
– يعني إيه؟؟؟.
أشار “حمزة” نحو أرض المصنع المهجور، فـ انتبهت كافة حواس “زيدان” نحو ما يشير إليه “حمزة”، مستدعيًا كل تركيزهِ في تأمل المكان، حينما كان “حمزة” يستطرد قائلًا :
– هنا هنلاقي النص التاني من الرواية، ولو لقيناها، أنا هكتب بإيدي نهاية البت دي وهخلص بقى من الحوار ده وأفوق .. للأبــد…
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)