رواية أغصان الزيتون الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء التاسع والخمسون
رواية أغصان الزيتون البارت التاسع والخمسون
رواية أغصان الزيتون الحلقة التاسعة والخمسون
||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل التاسع والخمسون :-
الجُـزء الثـاني.
“بينك وبين الخطوة الغادرة لحظات، لحظات فقط.”
_____________________________________
گالذي احتفظ بجمرة مُشتعلة بين ضلوعهِ فأحرقته، أو كمن وضع يداه في قدرٍ مغلي حتى تفحمت. هكذا كان شعور الكتمان الذي دفنه “مصطفى” في عميق أغوارهِ، وتقلبت عليه مواجع السنين الماضية كلها، كأنه يرى من جديد ذلك الحادث اللعين الذي سلبه كل شئ. بكى دموعًا حارقة، وفؤاده يكاد يصرخ من فرط الوجع الذي أصابه، أغلق على نفسه وبقى منفردًا بعد عودته من المقابر، كي يتخلص من كل تلك المشاعر المقهورة التي عاشها. طُرق الباب، فـ جفف “مصطفى” دموعهِ بالمنديل الورقي وحمحم قبل أن يردف بـ :
– أدخل.
دلف “نضال” عليه، فوجد ظهرهِ قبالة الباب بشكل يعجزه عن رؤيته بوضوح، فـ تقدم منه والتفت حوله ثم جلس القرفصاء أمامه. رأى تلك اللمعة الباكية بوضوحٍ بازغ في عينيه، فـ أجفل بصره عنه و :
– لو كانت المواجهه هتريحك ليه خلتنا نهرب قبل ما يشوفنا؟.
كان إصرارهِ باديًا على نبرتهِ الحاسمة :
– مش دلوقتي يا نضال، حتى لو كنا اتكشفنا، مش هرضي غروره وأظهر قدامه غير وأنا بشمت فيه لما أرجع حقنا.
استمع “مصطفى” لصوت ولده بالخارج، فـ شدد على “نضال” قائلًا :
– متجيبش سيرة الموضوع لراغب.. هيضايق لو عرف إني خرجت من غيره.
أومأ “نضال” متفهمًا، ونهض واقفًا كي يفسح له المجال حتى يخرج إليه. لحظات قليلة وكان الوجه الآخر لـ “مصطفى” قد طفى على سطح وجهه، ملامحه الجادة، نظراتهِ الحازمة، وحتى نبرة صوته الخشنة قد أعربت عن الغيظ الكامن في صدرهِ، وهو يسأل بهدوء ما قبل العاصفة :
– خلاص اطمنت على بنت القُرشي ووصلتها لحد باب بيتها يا راغب؟.
أحس “راغب” بتلك الموجة الثائرة تنبض من عيني والده، وهذه الحرارة المنبعثة من جسدهِ تُنبئه بالكثير. تنحنح “راغب” مبتسمًا ابتسامة فاترة، وأردف بـ :
– ماانت عارف اللي فيها يا حج.
كان تصاعدًا مباغت وغير متوقع، حينما صرخ في وجهه :
– الموضوع ده تقفله وتنساه يا راغب.. تنساه للأبد، البت دي مش هتكون وسطنا ولا هتشيل أسمك طول ماانا عايش.
تشنجت عضلات “راغب”، وعيناه تتأرجح ما بين “نضال” وبين والده، ثم هتف بنبرة حملت بعض من الإصرار :
– اشمعنا يسرا؟؟.. ما سُلاف على ذمة حمزة دلوقتي ولا احنا هنفضل عاملين نفسنا مش واخدين بالنا!؟.
– دي خطتنا من الأول يا راغب.. إنما يسرا عمرها ما كانت في بالنا ولا كنا هندخلها في حاجه.
– آهي دخلت.
– مـش هــيحصــل يا راغب.
– حـصل وخلاص يا بابا.
– يبقى كل حاجه تتلغي، وترجع خطتنا زي ما كانت ماشيه.
– ولو رفضت؟.
– يبقى لا انت ابني ولا أعرفك.
ختم “مصطفى” عبارته بصيحةٍ منفعلة، وقد تخضبت بشرته بالدماء، حينما برزت عينا “راغب” من محجريه مصدومًا و :
– للدرجة دي!.
– وأكتـر كمان.
تصلبت عضلاته وبقى مجمدًا في وقفته، أجفل جفونهِ وصدره يعلو ويهبط بغير انتظام، حينئذٍ كانت عينا “نضال” عليه بتركيزٍ شديد، متابعًا كافة انفعالاته، حتى غادر “مصطفى” ذلك المجلس وتركهم بمفردهم، فـ دنى منه” نضال” وسأله :
– حبيتها يا راغب؟؟.
تجاهل “راغب” الرد على سؤاله، وهتف بإصرارٍ مستميت :
– أنا مش هسيبها يا نضال، مش هسيب يسرا وهوصل للي انا عايزه.
التفت “راغب” ومضى مسرعًا نحو الباب، غادر وقد صفق الباب من خلفه بعنفٍ، فـ تنهد “نضال” وهو يجلس على طرف الأريكة، ثم أخرج هاتفه وبدأ يتصل بها، هي التي من وسعها إقناع “راغب” للإنصراف عن ذلك الأمر، وإلا طاله غضب “مصطفى” للأبد.
*************************************
لم تأمن غدرهِ، بعد تصرفهِ الحقير مع ابنتها باتت تخشاه أكثر من زي قبل، ودافعها الأمومي النشِط أجبرها على التفكير في حلّ يضمن لابنتها أفضل وضع. خرجت “أسما” من غرفتها حاملة جواز السفر الخاص بها، لتجد “صلاح” جالسًا شاردًا أمام التلفاز، لا يرى منه شيئًا، عقله وكامل مداركه في أمورٍ أخرى. قطعت عليه شرودهِ العميق، وألقت بجواز السفر على الطاولة وهي تهتف بـ :
– أنا هاخد يسرا ونسيب مصر لفترة.
سلبت لُبّه بتلك الفكرة التي طرحتها، خاصة مع نبرة الإصرار التي تحدثت بها، فـ التفتت عيناه نحوها و :
– مش هينفع، ده مش هيحل حاجه من الوضع اللي بنتك حطتنا فيه من يوم ما رجعت من أمريكا.
رمت “أسما” ثقلها على الأريكة، وجلست وهي تردف بـ :
– أنا مش باخد رأيك يا صلاح، أنا بقولك اللي هيحصل.. أنا وبنتي هنسيب مصر خلال يومين.
تنهد “صلاح” وهو يفكر بالأمر، فوجده الحل الأسلم على الأقل لفترة من الوقت. صمت للحظات قبل أن ينظر حيالها، وصدّق على فكرتها مؤيدًا إياها :
– ماشي يا أسما، أنا موافق.. خلي يسرا تجهز الباسبور بتاعها وانا هظبطلكم رحلة متخرش الميا.
نهض “صلاح” عن جلستهِ و :
– بس اقنعي بنتك بالكلام ده الأول.
تناولت “أسما” جواز السفر خاصتها عن الطاولة، وقد ظنت أن الأمر غاية في السهولة، وإنها لن تواجه أدنى صعوبات. لذلك همّت في أخذ الخطوات الفعلية لتجهيز نفسها من أجل -الهرب- بها، والإبتعاد عن كل احتمالات الضرر التي قد تُصيب “يسرا”، لمجرد رفضها الإستمرارية في حياة تبغضها.
**************************************
أفادت مكعبات الثلج في تهدئة عيناه، فلم يتوقف عن عمل حركات دائرية أعلى وأسفل العين حتى بردت تمامًا، ثم ترك الثلج ومسح الماء البارد عن وجهه وهو يقول :
– هتجنن يا راغب!.. منطقتش بمعلومة واحدة تبرد الناى اللي ماسكة في دماغي.
ترك “راغب” قهوتهِ ولم يوجه نظراتهِ نحو “حمزة” نهائيًا، فقط تعلقت عيناه بالتلفاز ممتثلًا للفتور المتعمد وهو يقول :
– ما تريح نفسك وتواجه أبوك، ليه كل اللفة دي واحنا معانا حد عاش الحكاية كلها!.
لمس “حمزة” ذلك البرود في نبرتهِ، وإنه لم يولّي الأمر اهتمامًا گعادته، فـ تنهد مستثقلًا تبرير موقفه وهتف بـ :
– أنا عارف إنك مضايق عشان حوار زيدان، بس انا سعيت ورا المصلحة يا راغب.. محدش فينا كان هيعرف يوصل لكل اللي عرفته في يومين.
نظر إليه “راغب” بطرفه نظرة مستنكرة، ثم أردف بـ :
– اعمل اللي يريحك يا حمزة، إحنا مش أوصيا على بعض.
أرخى “حمزة” ظهره للخلف ونظر نحو التلفاز و :
– دمك تقيل النهاردة بس ماشي.
– أسمع مني يا حمزة، كلامك مع أبوك هيغير حاجات كتير وهتخلينا نكسب وقت.
فرك “حمزة” عينيهِ بأطراف أصابعه، وزفر من صدرهِ زفيرًا عميقًا قبل أن يفتح قلبه بالكامل، ويفسر أسبابه التي تمنعه من الإعتراف لـ “صلاح” :
– انا مش ضامن تصرف بابا معاها هيبقى شكله إيه، كنت عايز اوصل لكل الحكاية لوحدي وبعدين احكم، لكن صلاح لو عرف مش هيسمي عليها.
اعتدل “حمزة” في جلسته ونظر نحو “راغب” ليتابع :
– أنا فاكر اليوم ده، بابا فعلًا هو اللي حرق المصنع بالناس اللي كانوا فيه، بس ليه؟.
بدأت حرارة “راغب” ترتفع، والغضب المكتوم في صدره يكاد يحرق أضلعهِ، وهو يستمع لتلك الكلمات المُدينة لـ “صلاح”، وكل ذلك الهدوء المزيف والمصطنع يُكلفه مجهود مُضني للغاية. تناول زجاجة المياة الباردة وبدأ يرتشف منها عساهُ يهدأ قليلًا، خاصة مع متابعة “حمزة” لحديثهِ دون توقف :
– إيه السبب؟؟ مين غلطان؟.. وبابا كان له حق عندهم فعلًا ولا لأ؟.. ولو الحق معاه يبقى سُلاف جاية تدفعني تمن إيه!.. مش يمكن مصطفى زيّان هو اللي أسس الفكرة في دماغها و….
انتفض “راغب” من مكانه، وركض نحو دورة المياة بعدما شعر بالغثيان يقتحم معدتهِ، فـ لحق به “حمزة” وقد اضطرب لما رآه عليه و صاح بـ :
– في إيـه يا بني جرالك إيه؟؟.
تقيأ “راغب” كل ما بـ معدتهِ، وتخضب وجهه بإحمرارٍ متحسس، بعدما اهتاجت كل أعضاءه تقريبًا، غير متحملًا كل تلك الكلمات التي أصابتهم گعائلة “زيّان”. تهدجت أنفاسهِ وهو يضع رأسهِ أسفل الصنبور، وما أن هدأ حتى أخرج رأسهِ من أسفل الصنبور بعدما أغرق ثيابهِ، التفت ليجد “حمزة” أمام الباب ويقدم له منشفة نظيفة، فـ تناولها منه وجفف بها رأسه وهو يردف بـ :
– شكلي كده عكيت في الغدا.
وخرج بمحاذاته وهو يتابع :
– أنا هنزل الصيدلية أجيب حاجه في السريع كده عشان ألحق نفسي.
استوقفه “حمزة” و :
– خليك انت أنا كده كده نازل، هجيبلك حاجه كويسة وامشي بعد كده.
أومأ “راغب” رأسه بالموافقة، فـ تقدم “حمزة” من الطاولة ليسحب من عليها هاتفه ومفاتيحه، ثم التفت إليه وهو يؤيد فكرته التي أوحى له بها :
– شكلي هعمل زي ما قولتلي، مفيش قدامي غير بابا.
مشى “حمزة” نحو الباب لينصرف، بينما عينا “راغب” المتقدة عليه حتى غادر تمامًا، فـ قذف بالمنشفة وغمغم بإنفعالٍ شديد :
– بقى مصطفى زيان هو اللي أسس الفكرة دي!! آه يا ولاد الكـلـب!!.
**************************************
استيقظ مبكرًا، وقد اكتشف تأخره عن معادهِ بمقدار نصف ساعة، فـ أسرع بـ ارتداء ملابسهِ وإكمال هيئته الرسمية من أجل المثول أمام المحكمة الجنائية، للمرافعة في قضية اغتصاب الضحية “نوران” من المُذنب المتهم “أحمد منير”. استعد بالكامل وبدأ يجمع أشياءه في الحقيبة، عندما رنّ هاتفهِ برقم “صلاح” فـ أجاب عليه على الفور :
– أيوة يا بابا، لأ أنا اللي كنت عايزك في موضوع، هعدي عليك لما أخلص الجلسة، ماشي، سلام.
أغلق هاتفهِ ليجد “رضوى” تنتظر ردهِ، فـ رفض المكالمة وقام بالإتصال بها وهو ينظر لشكله النهائي في المرآه :
– أيوة يا رضوى، عرفتي محامي البت دي يبقى مين؟.
– مش هتصدق يا أستاذ حمزة!.
بُهت “حمزة”، كأن حدسهِ قد أخبره مسبقًا بهوية المحامِ المترافع، ورغم ذلك سألها متوجسًا :
– مين؟؟.
– اللي عرفته إنه محامي من مكتب عناني الحكيم، لكن أسمه بالظبط معرفتش اوصله.. تقريبًا كده حضرتك خمنت مين!.
فـ أتى أسمها لامعًا أمام ذهنهِ الذي اضطرب فجأة :
– سُلاف!.
أغلق “حمزة” المكالمة وهرع للخارج وهو ينادي :
– سُلاف!.
اقتحم غرفتها على حين غُرة، فوجد ثياب الصغير “زين” ورضاعتهِ على الفراش، والغرفة فارغة تمامًا من أي أحد، فـ نفخ منزعجًا وخرج وهو يغمغم :
– طبعًا خرجت قبلي!!.. وكمان جابت الواد هنا ومشيت بيه تاني وانا نايم على وداني، ماانا إريـال!!.
سحب حقيبته، وأسرع بالخروج من هنا، ثم بمغادرة المنزل كله بعدما تأكد إنها ليست هنا، لتبدأ مغامرة جديدة في ساحة المحكمة بينهما، على الأغلب أحبت الإنتصار عليه ومجابهتهِ بـ قوتها المهنية التي لا يستطيع إنكارها؛ لكن هذه المرة لن يتركها تحصد أدلة البراءة لصالح موكلتها، على حساب سمعتهِ هو گمحامِ.
**************************************
دلف “راغب” لغرفته حينما كان يستعد للإنصراف، فـ وضع الملف أمامه على سطح المكتب وهو يقول :
– تمام كده يا باشا، التصاريح وكل حاجه جاهزة.
وضع “صلاح” معطفهِ وهو يردف بـ :
– معلش هتعبك، أنا عايزك تشوفلي رحلة خاصة لبرلين يا راغب.
فسأله “راغب” بخبثٍ متواري :
– ولا يهمك، بس قولي عايز تسافر أمتى؟.
– لأ مش انا، يسرا وأمها هما اللي هيسافروا في أقرب وقت.
لم يبدي “راغب” أي تفاجؤ، وهتف بـ :
– على طول هشوف الموضوع وأرد عليك.
ربت “صلاح” على كتفهِ وهو يستعد للخروج و :
– تسلم يا راغب، يلا أنا خارج وانت هات الملف اللي عندك وحصلني.
أومأ “راغب” برأسه و :
– حالًا.
خرج “صلاح” من المكتب بينما كان “راغب” يأتي بالملف المطلوب من الأرشيف الصغير الخاص بـ “صلاح”. تأكد عن طريق شاشة عرض كاميرات المراقبة بالمكتب من خروج “صلاح”، وانشغال الجميع كُلٍ في مكتبه، فـ استخدم النسخة الإحتياطية من المفاتيح التي صنعها مؤخرًا لفتح أحد الأدراج، ليجد مبتغاه الذي يبحث عنه، دفاتر شيكات “صلاح” التابعة لأكثر من بنك، فـ قام بسرقة عدد اثنين من الشيكات من كل دفتر، ثم طواهم بشكلٍ محترف قبيل أن يضعهم في جيبه، ثم أعاد كل شئ لمكانهِ، قبل أن يسحب نفسه للخروج من هنا و……..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)
..
…
….
.
……
…