روايات

رواية أشلاء القلوب الفصل الثالث عشر 13 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الفصل الثالث عشر 13 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الجزء الثالث عشر

رواية أشلاء القلوب البارت الثالث عشر

أشلاء القلوب
أشلاء القلوب

رواية أشلاء القلوب الحلقة الثالثة عشر

ظل على وضعيته هكذا حتى استيقظت وفتحت عيناها وهى تتمطع بذراعيها لأعلى جاهلة ماينتظرها من طوفان عاتي ..!! ، وقع نظرها عليه فانقبض قلبها بخوف واعتدلت فى جلستها هامسة بتعجب :
_ فى إيه يا أُسيد مالك ؟!
بنظرة متوحشة وهدوء يسبق العاصفة :
_ أكرم كان بيعمل إيه هنا امبارح قبل ما أجي ؟!
فرت الدماء من وجهها واصابها الرعب ، بعد أن تيقنت أن الأمر لن ينتهي بدون خسائر ، كيف عرف بمجيئه !؟ .. حالة من السكون المشحون بالتوتر سادت بينهم حتى أصدر صرخة انتفضت على أثرها جالسة :
_ سؤالي واضح مش محتاج التفكير ده كله ، هعيد السؤال لأخر مرة أكرم كان بيعمل إيه عندك امبارح !!؟
فركت يداها ببعضهم فى ارتباك ، لا تريد إخباره بما أتفقا عليه ، وليس من سيمها الكذب حتى لا تتقنه !! ، استمر صمتها للحظات أكثر تفكر فى خدعة تخدعه بها ولكن كيف لها أن تخدع رجل داهية وافر الذكاء مثله .. سرت نفضة من قمة رأسها الى أطراف أصابع قدمها عندما وقف واندفع نحوها وضرب بقبضة يده على المنضدة المتوسطة بجوار الفراش فى صوت جهورى :
_ أنا مش بكلم نفسى ، أنطقي ياملاك وإلا وقسمًا عظمًا لاخليكى تشوفى أُسيد على حقيقته !!
غامت عيناها بالعبرات وأغمضت عيناها تتفادى صوته الذى يشبه الرعد فى أذنها ومن ثُم خرج صوتها ضعيف مبحوح :
_ ر .. رن الباب وأنا فتحت على إنه أنت ولما فتحت دخل غصب عني وقفل الباب هو معمليش حاجة اتكلم معايا وعرض عليا إتفاق إنى اطلق منك ومش هيأذي أى حد لا أنت ولا ريان ولا زمردة وحتى أنا هيبعد عني خالص وأنا وافقت على الإتفاق !!
أكمل صراخه الهادر وقد برزت عروق رقبته :
_ وتتفقي معاه على اساس أيه .. أيه عرفك إني هطلقك مش يمكن اغير رأى ، وعلشان اللى عملتيه ده ياملاك مش هطلقك غير بمزاجي ، علشان بعد كده تروحي تعملي إتفاقات مع أكرم كويس من ورايا وتخبي عني
هطلت عبراتها الحارقة على وجنتيها فى أسى فتابع بقسوته التى لم تعهدها من قبل :
_ قومى أخلصي البسي يلا علشان هاخدك وتروحي الشقة وانا هروح الشغل
التزمت الصمت وهى مطرقة في أسف وتلهث مما فى صدرها من الألم والحزن على معاملته القاسية لها ، تلك القسوة تزعزع حب القلوب ، تارة تجده هادئ وتارة غاضب ، متىَ ستهدأ العلاقة بينهم ، إلى متى ستظل الأوضاع متذبذبة هكذا .. جعلها تهب واقفة فى ارتيعاد عندما صاح بجفاء :
_ قولت قومي هتقعدي مكانك كدا كتير !
لا تجيبه وترد له الصاع صاعين لعلمها بخطأها وأنه لم يكن لينفعل لولا مافعلته ، فأكتفت بنظرة متضايقة وبريئة تسبح معها بحر من الدموع في عيناها وتمر من جانبه مسرعة نحو الحمام فيتأفف هو ويزفر بقوة في محاولة للتخفيف عن نيرانه المتوهجة ، وحين لم يجد فائدة من التأفف أتخذ طريقًا أفضل وهو الاستغفار وذكر الله فتهدأ معهم سخطه رويدًا رويدًا … !
***
كانت ردة فعله سابقة لإجابة مراد عليه حين قال بشئ من الغضب :
_ أختى أيه أنت مدرك أنت بتقول أيه يامراد !
تنفس الصعداء بضيق يبحث عن طريقة يجعله يصدق تلك الصاعقة التى سقطت فوق رأسه للتو :
_ أيوة مدرك يامروان زمردة أختك زي ماقولت عمي كان متجوز أنا قولت أقولك لإني بصراحة مش حابب إن زمردة تقعد فى بيت وحدها ولما حاولت أقنعها تاجى تقعد عندينا رفضت ، وكمان هى معندهاش الشجاعة أنها تظهر قدامكم علشان كدا قررت أقولك
هب واقفًا وسار إيابًا وذهابًا فى المكتب ماسحًا على شعره . تتزاحم الافكار في عقله ، والصدمة تتخذ موضعها ، وتستقر داخل ذهنه ؛ فتوشك على فقده لعقله كليًا … أنطلقت منه صرخة هادرة قائلًا :
_ وأنت عارف الكلام ده من أمتى يامراد ومقولتش ، ليكون أُسيد كمان عارف ؟!
أماء فى أسف واستطرد بهدوء :
_ من قبل مايموت بابا واحنا عارفين الموضوع ده وكانت هى اللى بتمنعنا أننا نقول لحد
تنفس الهواء الصافى فى محاولة لتهدأ نفسه الضجرة ، بإى حق يخفوا عنه شئ كهذا ؟ فهذه أخته وله كامل الحق أن يعرف بأمرها ، ويعرف كل شئ عنها ، وكيف تعيش ومع من ، ومن جهة أخرى يصعب عليه تصديق مافعله أبيه ! ، مالسبب الذى دفعه للزواج من أخرى وأخفى عن الجميع هذه الحقيقة لسنوات …
تمتم بأمتعاض :
_ وديني البيت اللى قاعدة فيه يامراد حالًا
رفع كتفيها لاعلى مغلوب على أمره مردفًا :
_ طيب
***
ساعات قليلة مرت ببطء ، كان الوقت يمر كسلحفاة تسير فى طريقها الطويل . أنتهى الوقت المحدد ووصلت إلى المنزل الذى ستقيم فيه من اليوم وسيكون منزلها حتى طلاقها منه . ترجل من السيارة وسار نحوه بعد أن أخرج مفتاح المنزل وفتحه ، ثُم التفت وأشار بعينه المميتة لها أن تدخل .. فشرعت بالفعل فى الدخول ، وهى تحاول تفادي نظراته المريبة ؛ نتيحة لتوترها هذا تعثرت قدماها وكادت أن تسقط لولا يداه التى قبضت على خصرها يعيد توازنها شعرت بقلبها سقط بين قدامها من لمسته ، وكأنها لم يسبق لها تجربة الزواج وأن يلامسها رجل ، ويقترب منها ، وتلافح أنفاسه الدافئة وجهها ، وتستنشقها كأكسجين روحها ، ولكن شعورها وهى مع أُسيد الآن يختلف كثيرًا عما كانت تشعره بقرب أكرم … أنتصبت فى وقفتها حين وجدته أفلت يديه من على خصرها متشدقًا بجفاء :
_ أنا ورايا شغل همشى لو أحتجتى حاجة أتصلى بيا
طالعته بضعف وأعين سجينة الشجون والألم وكأنها تقول ” لا تفعل هذا بي ! ” ، ولكنها أكتفت بقولها في نبرة بثت بها جميع أشكال الأعتذار المختلفة :
_ أنت متعصب مني أوي كدا ؟! .. أنا مخبتش لـ…
قاطعها بحزم فى قسوة مغمغمًا :
_ أه بظبط كده متعصب جدًا كمان والأفضل إنك متفتحيش الموضوع ده تاني قدامي على الأقل لغاية ما أهدى شوية ؛ لإني فى الحقيقة انا لغاية دلوقتي هادي جدًا معاكي ياملاك ولسا مشوفتيش عصبية بجد مني
تركها وتوجه ليغادر المنزل لولا صوتها الرقيق وهي تقول :
_ هتاجي أمتى ؟
لم يلتفت ولم ينظر فقط قال في صوت رجولى قوى :
_ معرفش بس أتغدي ملكيش دعوة بيا لإني إحتمال كبير مجيش على الغدا
جلست على الإريكة التى تتوسط نصف الصالون محدقة على أثره بألم دفين ، حتى هو لا يبذل جهد في معرفة سبب مافعلته ، اكتفى بمعاقبته القاسية لها ، وكأنها جامد لا يعي أو يشعر بشئ ، قالت بل قررت أن لا تسمح بإحد أن يتهمها بشئ من دون عِلمه سبب فعلها له ، ولكن أمامه تقف مسلوبة الإرداة تجهل كيف تواجهه ؛ وهذا ما سبب لها الألم .
***
هبت واقفة وارتدت حجابها وسارت نحو الباب لترى من الطارق وفتحت فورًا اعتقادًا منها أن الطارق هو مراد كما أخبرها أنه قادم ، ولكن كانت الصدمة تحتل مركزها على وجهها حين رأت أخيها معه ؛ فنقلت نظرها بين أخيها ومراد الذى أشار لها بعينه أن تفسح الطريق لهم بالدخول ، وعلى الفور لبّت أمره وأفسحت قليلًا متمتمة بخفوت :
_ اتفضلوا
تقدم أولًا مروان الذي نقل نظره فى المنزل بتفحص كل جزء منه ، ثُم وقع نظره على أخته التي تَهيمن عليها القلق والتوتر وتقف عاقدة يداها ببعضهم وتفركهم وتخطف أغلب نظراتها إلى مراد كإنها تلومه على إخباره له ! ؛ ونتيجة لذلك فنظر الأخير إلى مراد وطلب منه الخروج ويتركهم بمفردهم ؛ فأمتثل لأمره وأنصرف ، ثُم عاد من جديد يتفحص المنزل وهو يهتف بصلابة :
_ أنتي عايشة وحدك صح ؟
أماءت بهدوء ليخرج صوتها المبحوح قائلة :
_ أيوة كانت ملاك قاعدة معايا قبل ما تتجوز أكرم
_ ملاك دي بنت عمتي فردوس مش كدا واللي اتجوزت أُسيد ؟
رأى رأسها وهي تومِئ بإيجاب فدقق النظر بها أكثر وهتف مبتسمًا :
_ أنتي مالك متوترة كدا ليه أنا مش هاكلك يعني ! . تعالي اقعدي يازمردة وفهميني كل حاجة من البداية لإن مراد مقاليش كل حاجة من البداية
جلست على أحد المقاعد وأتخذ هو كذلك مقعدًا له وبدأت تسرد له كل شئ من بداية الأمر حتى الآن وهو يصغى لها بإهتمام جلى …
***
يتبادلون المواضيع المهمة حول العمل فينحرف أحدهم عن الموضوع ويهتف بحنو :
_ جهز نفسك عاد ياثروت هنروح بعد بكرة القاهرة ولاد ولدي وحشوني جوي هنروح ناخد اليوم إكده معاهم وناجي تاني يوم وبالمر نشوف لو في شغل هناك نخلصه
أجابه بخشونة فى جدية :
_ ماشي يا أبوي نروح بس هنسيب سارة وأشجان أهنه وحديهم
صمت قليلًا يتفكر فى الأمر بجدية ، ثُم يجيب بحماس في إبتسامة :
_ ناخدهم معانا عيحصل إيه يعني لو راحوا وأهو يفكوا عن نفسهم شوية
هتف بصوت رجولي صارم في جدية :
_ زين وأهو نشوف أُسيد ونعرف الشغل ماشي كيف لأحسن لينا فترة منعرفش عنه حاجة
قال محمد بأسي وتأثر بعد أن شَفِق على حفيده :
_ كتر خيره ياثروت هيلاقيها منين ولا منين من جهة مشاكله مع اللي مايتسمى معتز ده ومن جهة موت مراته اللي لسا مفاقش منه … أهو اللي أخدناه من فردوس مجابتش غير المشاكل والعار اللي مسك فينا بسببها
أنفعل قليلًا عند ذكره لشقيقته لم يفقد حبه لها بالطبع برغم غضبه منها ، طوال سنين مضت وهو يتحمل الكلمات التي تلقي في عرضها وتنهش فى تربتها حتى بعد وفاتها ، بشبه صيحة عنيفة قال :
_ كل اللي حصل ده بسببك يا أبوى ، جوزتها من واحد مش عيزاه وغصب عنها والنهاية إيه أطلقت منه وغير معاملتك ليها كأنها مش بتك ، ماكنتش تقولك على حاجِة وتقولها أه والضرب اللي أخدته منك لغاية ماجسمها بقى كله مَعلم مكان الكرباج ، فاكر كان ياسر يتشاكل كل يوم معاك كيف بسببها وبسبب اللي بتعمله فيها ولما أتقدملها الراجل اللي عيزاه وبتحبه رفضت من غير أسباب ، كان طبيعى وحدة صغيرة يدوب عشرين سنة لسا متعرفش الصح من الغلط زين تهرب وتتجوز اللي عايزاه ؛ والنتيجة إيه عاشت بعيد عنينا 25 سنة لغاية ما ماتت ومنعرفش عنها حاجة وبتها رافض أنها تدخل البيت وتعيش وسطينا ، متتكلمش عاد على غلطها قبل ما تشوف اغلاطك يا أبوى اللي خلت ده كله يحصل !
لمس الوتر الحساس الذى أشل حاسة التكلم له فالتزم الصمت ، وهو يفكر فى كلماته التي كانت بعضها حقيقة أو كلها ، تصرف مع ابنته بقسوة بالفعل ولكنه لم يكرهها قط ، كان أخر مايتوقعه هو فعلتها الدنيئة تلك .
***
ترجل من سيارته وأندفع نحو المبنى الذي تكون من عشر طوابق ، وقبل أن تخطو قدمه خطوة واحدة كان يعتري طريقه بواب المبنى قائلًا بحدة :
_ رايح فين يابيه كده قولي عايز مين وأنا هساعدك ؟!
تفحصه أُسيد بنظراته القاتلة ثُم استطرد بقوة :
_ فى واحد اسمه أكرم ساكن هنا ؟
سكت البواب للحظات يراجع اسمه فى قائمة الاسماء التى علقت بذهنه ومن خلالها يسترجع وجه وملامح الشخص المقصود ، بعد ثوانٍ معدودة هتف مُسرعًا :
_ أه .. أكرم بيه لا ده بيت واحد قريبه أو صاحبه معرفش كويس يابيه بس بياجي ويمشي من وقت للتاني وأمبارح بليل كان هنا . خير يابيه هو أنت تعرفه ولا أيه ؟
ران الصمت بينهم للحظات وانقطع حين قال بمكر دفين بعد أن أخرج كارت يحمل اسمه ورقمه ومده يده به له :
_ ايوة أعرفه وصاحبى جدًا كمان وعايز منك خدمة كده لما ياجي تتصل بيا لأني بحاول أوصله من فترة ومش عارف
تناول الكارت من يده بحسن نية هاتفًا بعذوبة :
_ تمام يابيه هتصل بيك أول ماياجي بس اقوله مين سأل عليك ؟
أصبحت عيناه كجمرة نار ملتهبة ، إن أخبره ستفد كل خطته فى اللحاق بذلك الوغد ، وهو يسعى جاهدًا للإمساك به ؛ فهتف بحدة :
_ لا إياك تقوله أنا أصلًا جاي من السفر من يومين وهو ميعرفش فعايز أعملها مفاجئة ليه !
_ تمام يابيه !
***
بسط الليل ردائه كاملًا وتصاعد القمر ليتوسط نصف السماء والنجوم الساهرة تملأ كل قطعة من السماء … تجلس على الأريكة وتتكأ بمرفقيها على حافة النافذة محملقة فى السماء من الزجاج ، جميع النجوم ترتص بجانب بعضها ومنها من يشكل أشكالًا جميلة كونتها بعلقتيها كالأطفال ، فَلفتْ نظرها نجمة منيرة مبتعدة عنهم تمامًا تتأخذ لها مكانًا بعيدًا عن حشدهم وكأنها تخشى الإقتراب من أحد الحشود فتفسد الشكل الذي كونوه كأسرة أو مجموعة مترابطة ومحبة لبعضها . تمامًا مثلما تفعل هى تفضل الإبتعاد عن الجميع خشية من أن تفسد محبتهم بتطلفها عليهم ، بقت وحيدة في عالم لا يمكنها وجود شئ تلجأ به مثل تلك النجمة التي بقيت وحيدة فى سماء لا نهاية لها .. نجمة منيرة تفقد ضوئها مع حلول النهار وتختفي وربما فى الليل أيضًا يصبح ضوئها باهتًا وليس مرئي ، تلك ظاهرة طبيعية ، ولكن ماذا عنها فهي تفقد رونقها وجمالها شيئًا فشيئًا بسبب ما عاشته ومازالت تعيشه ، والآن تحاول كسب قلب زوجها وحبيبها ، ولكن بدأ يتضح أنها ستخرج من الحرب التي عزم قلبها على خوضها رغم علمه بأنه من المحتمل أن يخرج منها منهزمًا وهذا هو ماسيحدث بالفعل ! ، ليكن هدر لكرامتها ولكنها أحبته وبشدة كأي فتاة تود أن تعيش حياة الحكايات السعيدة وترى سعادة زوجها وحبه لها .. بدأت تشعر بأن قدرها يشابه قدر والدتها قليلًا بداية من زواجها الأول وتعذيب زوجها لها وهذا ماحدث معها .. يبدو أنها ستعيش خيبة الأمل لمرتين على التوالي وستخرج من حروب قلبها منهزمة كما اعتادت دومًا . وبينما هي سابحة في محيط شجونها الثائرة وعبراتها تنهمر على وجنتيها بغزارة ، أنتفض جسدها بشدة عندما سمعت صوته والتفتت له برأسها ولم تنتبه لعبراتها التي حين رأها هتف بتعجب :
_ بتعيطي ليه ياملاك ؟!
جففت الدموع فورًا بارتباك لتجيبه بمرارة :
_ لا عادي مفيش حاجة .. كالعادة أنا أمتى كنت مبسوطة أساسًا !
وثبت واقفة بحماس تخفي به قناع الألم وإبتسامة مزيفة :
_ أحضرلك العشا ولا أكلت برا ؟
هز رأسها بالموافقة ويدقق النظر بعيناها العسليتين المنتفخة من أثر البكاء ، فأسرعت الى المطبخ حين أخذت الإشارة منه لتحضير العشاء . توجه نحو غرفته وبدل ملابسه ثُم ذهب إليها فى المطبخ ووقف يحدق بها وهي غير منتبهة له تقطع الطماطم وكأنه بصل يجعلها تذرف الدمع كالشلال ، تكاد تقطع أطراف أصابعها من ضجرها الظاهر من خلال دموعها ، انتابه الفضول حول أمرها وشفق عليها كطبيعته .. تُذكره بزوجته كان لديها فرط أحساس مثلها أن غضب منها أو حدث شجار بينهم تأخذ اليوم كله وربما أيام تبكي ولن تهدأ إلا عندما يأتى ويشاكسها ويعتذر منها عن ما صدر عنه من جفاء وقسوة ، كانت تخبره دومًا أنها تقضى الليالي والأيام تبكي لسبب واحد وهو حبها له وعدم قدرتها على مخاصمته ابتعاده ونفوره عنها ، وأن الشخص الذى يحبه فقط هو من لا يحتمل غضبه وابتعاده . نعم جال فى عقله نفس السؤال ولكنه نفضه من عقله فورًا واقترب منها ليجذب السكين منها ويديرها لمواجهته فيقول بنعومة :
_ ممكن تفهميني بتعيطي ليه كدا ، حصل إيه يعنى خلاكى تعيطى كدا !؟
ياله من أحمق بعد كل ماحدث يسألها ماذا حدث يستدعي كل هذا البكاء !! ، أنزوت نظرها عنه وتمتمت بصوت مبحوح :
_ مفيش حاجة يا أُسيد صدقني وحتى لو في متشغلش بالك بيا
بصوت ينسدل كالحرير ناعمًا تمتم مبتسمًا بعد أن أمسك بطرف الخيط ليجلعها تأتى بالخيط لنهايته :
_ أنتى بتعيطى كل العياط ده علشان اللي حصل الصبح !
زمجرت كطفل صغير يأبى الخضوع بسهولة قائلة :
_ وأزعل ليه أصلًا علشان الصبح أساسًا دى طبيعتك تزعق وتتعصب من غير ماتفهم حاجة !!
إبتسم بلؤم بعد أن تحقق ما أراده وعقد ذراعيه أمام صدره متمتمًا برقة تليق بنبرة صوته الرجولية ممزوجة ببعض السخرية ليزيد من سخطها :
_ لا بجد ، طاب فهميني بقى أيه اللي مش فاهمه ياترى !؟
صاحت به في إنفعال وغضب :
_ ياسلام لا وليك عين تتريق ، أنا غلطانة إنى خايفة عليك من أكرم ومش عايزة تتأذى بسببي وأنت مش عاجبك كمان ، لعلمك أنا خبيت عنك وكنت هطلب الطلاق لمصلحتك قبل مصلحتي أنا لو على نفسي مش مهم أصلًا هيعملي أيه أكتر من اللي عمله ، لكن أنا كنت خايفة عليك أنت
أطال النظر إليها ثُم تناول قطعة من الطماطم وقال متلذذًا :
_ ماشي أنا مدرك حبك ليا وإنك خايفة عليك بس أنا ليه مش حاسس أنه مجرد خوف بدافع حبك … مش هقول حبك الاخوي خليني أقول بأعتباري ابن خالك أو إنك بتحبيني حب عادي جدًا !
أتسع بؤبؤى عيناها بذهول وتسارعت نبضات قلبها فتجيبه بإنفعال شديد فى تلعثم :
_ أُمال هيكون حب أيه يعنى ، طبعًا حب عادي ، طبيعي هخاف عليك بما إنك ساعدتني وحميتني مش أكتر ، ولعلمك بقى أنا مكنتش ببكي بسببك .. أنا أفتكرت ماما بس مش أكتر ولا أقل !
برز عن صف اللؤلؤ بين شفتيه ولأول مرة له يقترب منها ويمسك وجهها بين كفيه ثُم ينحنى ويطبع قبلة رقيقة على جبينها مردفًا ببعض المرح :
_ أنا أسف ، أنتي لسا مخدتيش عليا بس مع الوقت هتعرفي إني وقت الغضب بس ببقي زي ماشوفتي وبمجرد ما بهدى بنسى كُل حاجة ، بالرغم من إنك أنتي اللي كان لازم تعتذري لإنك خبيتي حاجة زى كدا عني بس أنا طلعت أحسن منك أهو ، متزعليش مني خلاص وكملي تحضير الأكل يلا علشان ناكل
هم بالرحيل فقبضت على ذراعه وهمست بأستغراب ، تطرح عليه سؤال طالما كانت تسأله لنفسها :
_ لما أنت مبتحبنيش بتعاملني كدا ليه ! ، أنا مبقيتش عارفة أفرق أنت بتحبني أو لا !
بإبتسامة صافية أجابها بعد أصدر تنهيدة حارة :
_ مين قالك أنا مبحبكيش ياملاك ، بالعكس بحبك جدًا كمان ، بس أنتي مفهومك عن الحب يختلف عني يعني أنا بحبك بس مش الحب اللي في دماغك .. ده أولًا وثانيًا بقى زي ماقولتلك قبل كدا أنتي ملزومة مني دلوقتي وأمانة وميهونش عليا أخليكي تنامي بتعيطي بالشكل ده .. ممكن تعتبري علاقتنا مؤقتًا لغاية ما تنتهي علاقة صداقة
هذا أقصى ما أمكنه قوله ! ، يلقب علاقتهم بعلاقة الأصدقاء ، هل أحبته لكي تنعم بالعيش معه كصديقة تبني بينها وبين صديقها حواجز لا تُهدم .. كان يلقي كلماته حجرًا غير متنبه أين صوب السهم ، أدركت الآن أن الوصول إلى عرشه أشبه بمحاولتها للمس السماء ! فهتفت ساخرة فى جفاء :
_ صداقة ! ، بس لا أنا ولا أنت مبجبورين نمثل الجواز قدام الناس يا أُسيد وأنا شايفة أنك تطلقني في أقرب وقت أمكن ، هيكون أفضل لينا احنا الأتنين وبذات أنا ! ، ولغاية ما يحصل ده إن شاء الله أنا بقترح إن علاقتنا تكون صارمة وليها حدود وكل واحد هيكون في حاله وأول الحدود دي إن كل واحد هينام في أوضة ، يعني بمعنى أصح يا أُسيد هنتعامل مع بعض زي الغُرب !
رأى الضعف التي تحاول إخفائه عنه داخل عيناها ، لم يقصد جرحها ولكنه لن يستطيع أن يجعل قلبه ملكًا لأحد أخر بعد زوجته ، اقترح صداقتهم لأنها ستكون عفوية معه في كل شئ وهو كذلك ولكنها رفضتها بجفاء دون أن تفهم نيته ؛ فامتثل واحترم قرارها ليجيب يهدوء وعدم مبالة أذرف قلبها الدماء أكثر :
_ طيب براحتك ياملاك أنا كنت عايز …
قاطعته رافعة كفها فى وجهه تطلب منه التوقف بصوت يحمل بحة قليلة :
_ خلاص يا أُسيد أنا عارفة إنك عايز نكون أصدقاء وتكون علاقتنا خالية من بعض الحواجز بس أنا برأي أن حتى الحواجز دي لازم تتبني ملهاش لزمة الصداقة وأنا بمجرد ما أطلق هسافر ولا أنت هتشوفنى ولا أنا
ترقب محياها ونبرة صوتها المرتجفة ولكنها لم تسمح له بكثير من الوقت حيث ولته ظهرهها وأكملت تقطيع الطماطم ، ودت لو نغزت تلك السكين فى يسارها العلوي ليتوقف نبضها وتستريح ، أما هو فتأفف بضيق واستدار ليعود إلى الغُرفة مُجددًا .
***
تجلس بالمقعد الأمامى المجاور له وتخطف نظرة من حين لأخر إليه في تردد ، ماذا كانت تنتظر عندما يعلم أنها أخته سيتركها بمفردها فى ذلك المنزل ! ، تخشى مقابلتهم ، ليت ملاك أو مراد معها الآن . بدأت تفرك يدها ببعضهم كما تفعل عندما تتوتر ، فصك سمعها صوته القوى :
_ مالك يازمردة مش على بعضك كدا ليه ؟!
همهمت بخفوت قلق :
_ أنت قولت لمامتك عني صح ؟
غمغم يإيجاب فى خشوع :
_ قولتلها وطلعت عارفة أن بابا كان متجوز .. قالها أنه هيتجوز وعلشان هي عارفة وضعهم وعارفة أن جدتي الله يرحمها غصبته على الجواز منها ، وافقت للأسف !
أنتصبت فى جلستها وقد تشجعت بحرارة الحديث :
_ يعني بابا كان مش عايز يتجوز مامتك ولا أيه !
غلبه الوجوم وهو يجيبها بخشونة :
_ حاجة زى كدا يازمردة ، على حسب اللي قالته ماما أنه كان بيحب مامتك وعايزها ومش معني كدا وأنه اتجوز عليها أو كان مبيحبهاش كان بيعامل ماما وحش لا علاقتهم كانت كويس وكان حنين معاها
قالت بنبرة لم تخل من أسى :
_ يعني مامتك مش قابلة قعادي معاكم فى البيت ؟
بصوت يفيض رقة وحنانًا تمتم شبه ضاحكًا :
_ متقلقيش مش هتلاقيها زي مرات الأب اللي بتشوفيها في الأفلام بالعكس دي فرحت أوي لما عرفت بالموضوع وإني هجيبك تعيشى معانا
تنهدت بأرتياح قليلًا ، ضمنت الراحة في المكان التي ستقيم فيه بعد الآن ؛ وكأن ثقلًا أزاح من على قلبها الآن ، رأت الحنان الناطق في وجه أخيها برغم علمه بأمرها بهذه الطريقة وبهذه السرعة ، ولكنه يتعامل معها كأنهم جانب بعضهم منذ سنين .
***
مر مساء يليه صباح وأستل الليل ردائه ثانيًا ، أصبحت لا تعي أي شئ ، تيقنت أنه لا يريدها فقط يرضي ضميره وينفذ وصية والده ، لن تُكمل وضعها وتعامله كما كانت تفعل ، ستبتعد عنه وتنفر منه .. هذا إن كانت تريد نسيانه كي لا تتألم حين يفترقا ، ستكتفي بذاتها من الآن وصاعدًا . سمعت صوت قلبها الساخر وكأنه يقول لها : هل تصدقين حقًا أنك ستكتفي بذاتك وستتركيه ، أنا لا أظن هذا ، تقولين هذا دومًا ولكن حين تقفي في مواجهته تصبحي كالبلهاء .. يكفيكِ خداع ، أنتِ لا تخدين أحد سوى نفسك ! .
نهضت وتوجهت نحو المطبخ وكما أعتادت مع زمردة ، قامت بعمل ( فشار ) وذهبت به إلى التلفاز تشاهد أحد الأفلام الكوميدية .. بدأت ضحكاتها تتصاعد ؛ فخرج من الغُرفة على صوتها ووقف يتابعها مبتسمًا لم يراها تضحك منذ أن رأها ! ، لديها إبتسامة ساحرة عجز عن وصفها ، فقط جعلته يقف صنمًا يتألمها ، يتأمل تلك الضحكة التي لم يرى مثلها فى حياته ، أسنانها ناصعة البياض وتلك الحفرة التي توسطت وجنتيها ، كيف يكون تشوه في عضلات الوجه قادر على جعل صاحبه بهذا الجمال ! .. توجه نحوها وجلس بجوراها فنظرت له وهتفت بتلقائية في عفوية طفولية :
_ الفيلم ده بحبه جدًا كل ما اتفرج عليه أضحك كإني أول مرة اتفرجه
وسرعان ما أدركت ماقالته فتلاشت الإبتسامة عن وجهها واتّخذت وضع الوجوم والحدة ، قرأت التعجب على محياه فهتفت تسبقه قبل أن يطرح سؤاله :
_ من قبل ما تسأل ، مفيش حاجة أنا كدا وحدة بحالات ساعة أكون بضحك وساعة زي ما أنت شايف
وفجأة عادت لها ابتسامتها وهي تمد صحن ( الفشار ) له تحسه على مشاركته الطعام معها ، رفع حاجبه الإيسر بمكر بعد أن تخلل الشك داخل أعماقه حول أمرها ، ربما مازالت غاضبة منه ! ، وربما كما تقول أنها مزاجية ! . شاركها الطعام وكذلك مشاهدة الفيلم ، كانت تخطف نظرات له ، نظرات مستاءة ، منكسرة ، حزينة . مرت ريح باردة عصفت بجسدها جعلتها ترتجف ارتجافة بسيطة ، فتكورت حول نفسها وضمت ساقيها إلى صدرها كالذى يحتضن نفسه ! ، انتبه لها ؛ فأغلق النافذة وبسط ذراعه لها يدعوها للأنضمام إلى دفء أحضانه ولكنها رفضت بحزم ؛ لإنها تأبى الاستسلام له بسهولة .. ظلت على حالتها وازدادت رجفتها أكثر ، ذهبت الريح وتركت أثرها في جسدها .. تلك المرة أقترب منها أكثر وضمها من دون دعوة ومرر يده على ذراعها نزولًا وصعودًا ، ثُم تحسس ملابسها ليتشدق بغضب بسيط :
_ لازم هتبردي ، هي دي هدوم تلبسيها في البرد ده ياهانم !
رفعت نظرها لتقابل عيناه الزرقاء ، وهي تقول بتذمر :
_ براحتي هو أنت اللي هتتعب ولا أنا !
_ طاب ما اديكى بتبردى ما أقل نسمة هوا !
همت بالإبتعاد عن صدره فوجدته يحكم قبضته جيدًا حولها قائلًا باستمتاع وتلذذ بغضبها امتزج بمكر :
_ أنتي مش بردانة وأنا بدفيكى أهو !
رمقته مندهشة وتورد خداها لتصيح به بخجل وغضب بعد أن ابتعدت عنه :
_ ده أنت طلعت قليل الأدب كمان !
قهقه بقوة ليجيبها من يين ضحكاته مازحًا :
_ أنتي اللي نيتك مش تمام أنا مكنش قصدى حاجة !
أردفت مستنكرة بإبتسامة :
_ لا واضح أوي نيتك السليمة !
قرّبها منه مُجددًا وضمها لصدره ، لا يعرف لماذا ودّ ضمها إلى صدره ويشعر بهذا الملاك بين ذراعيه ! ، شعور يقلقه بدأ ينمو داخله شيئًا فشيًا ، وكأن تلك الملاك البريئة نجحت في السيطرة عليه .. لم تعترض هذه المرة فخضعت له واستقرت داخل صدره الواسع ، تتلذذ بملمس يده التي يمررها على ذراعها .. نجح هو كذلك فى إخضاعها له مُجددًا . ساد الصمت بينهم لدقائق طويلة فقطعه صوتها الأنوثى الرقيق متمتمة :
_ أنا قلقانة على ريان بجد ، نفسي أكلمه بس مش عارفة ، أنت عملت أيه معاه لما طلعتوا من البيت مع بعض
خرج صوته الممتعض مردفًا :
_ عملت أيه يعني ، ولا حاجة أتكلمت أنا وهو وخلص الموضوع
تنهدت أنفاس الأرتياح بعد أن تأكدت أنه لم يحدث شجار بينهم وقالت بحماس وعذوبة :
_ طاب الحمدلله ، اتصلى بيه يا أُسيد بالله عليك عايزة أكلمه وحشني أوي وكمان عايزة أطمن عليه واعتذر منه
تحولت عيناه إلى نظرة مميتة وأصبحت تميل إلى الاحمرار قليلًا مجيبًا بنبرة رجولية أرعبتها :
_ وحشك أوي ! ، واتصلك بيه بقى علشان تقوليله وحشتني ياريان !
حدقته بأستغراب مجيبة ببساطة :
_ أيوة فيها أيه يعني ! ، وهو فعلًا وحشني ليا كذا يوم لا كلمته ولا شوفته
ارتفعت نبرة صوته وهو يصيح بها بغضب عارم :
_ وتكلميه ولا تشوفيه ليه أساسًا ، ريان من هنا لغاية ما نتطلق ، ده لو حصل الطلاق ، يكون في حدود في تعاملك معاه ، هتتعاملي معاه زي مابتتعاملي مع مراد أو غيره !
وثبت واقفة وهي تصيح مماثلة له في غضب :
_ وأنت مالك مدايق كدا ليه ، أكلمه أقوله وحشتني مقولتش براحتي مش علاقتنا أنا وأنت صداقة يبقي ميحقلكش تقولي أكلم مين ومكلمش مين ، وبذات ريان ؛ لأن ده بذات مقدرش أبعد عنه أو أقصر معاه ولو في حاجة بسيطة
هب الأخير واقفًا ثائرًا ووقف فى مواجهتها ، أكثر مايثير جنونه عناد امرأة معه وبالأخص إن كانت تلك المرأة زوجته ، نعم اشتعلت نيرانه عند قولها ” وحشني أوي ” لا يعرف سبب غضب ولكنه لم يتمكن من حجب نفسه عنها ؛ فرأت أشتعال عيناه مردفًا بنبرة منذرة :
_ طيب وأنا قولتها كلمة ياملاك ويارب متتسمعش ، لو شفتك بتكلمي ريان أو قاعدة معاه وحديكم زي ما كان بيحصل أنتى وحدك المسئولة عن اللي هيحصل .. اللهم إنى بلغت اللهم فأشهد !
***
ارتفع ضوء الشمس لينير الأرجاء لم يكن يومًا عاديًا على البعض ، حيث وصل كل من محمد وثروت وأشجان وسارة إلى منزل ياسر في القاهرة واستقبلوهم بترحيب جلى ، وجلسوا يحدثون ويضحكون بشدة . كانت سارة تنقل نظرها هنا وهناك باحثة مراد فخيب أملها حين لم تجده .
هتف محمد بنظرة مترقبة في استغراب :
_ أمال وين أُسيد ومراد إكده !
تبادلت ليلى وأسمى النظرات ثُم هتفت ليلى مبتسمة بتوتر :
_مراد راح الشغل والله من الصبح بدري أصله بقي ياخد مكان أخوه كتير الأيام دى لما يكون مش فاضي
رأى الجميع قسمات التوتر على ليلى والغضب على أسمى فقال ثروت في ريبة :
_ مش فاضي ليه هو في حاجة ولا إيه معاه !
تحدثت العقربة الصغيرة بغضب وغطرسة :
_ أه مش فاضي ، أصله عريس بقي وماخد مراته فى بيته وقاعد معاها ، وطبعًا مين مراته ست الحسن والجمال ملاك !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشلاء القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى