روايات

رواية ساكن الضريح الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ميادة مأمون

رواية ساكن الضريح الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ميادة مأمون

رواية ساكن الضريح الجزء السابع والثلاثون

رواية ساكن الضريح البارت السابع والثلاثون

رواية ساكن الضريح الحلقة السابعة والثلاثون

اليوم هو يوم زيارة الطبيب، أو بمعنى أصح العريس المتطفل.
وقفت شذى بداخل غرفة طهي الطعام بأمر من خالتها تصنع بعض الحلوى وتساعدها في إعداد الطعام.
جلست الحاجة مجيدة بجانب شقيقتها يتحدثون وهم ينظفون بعض الخضروات.
-عايزكي بقى النهاردة تبقى واردة مفتحه كده الراجل جاي مخصوص عشان يشوفك ويقعد معاكي، رؤية شرعيه يعني يا بت.
غمزت ماجدة لأبنتها الواجمة بطرف عينها و اومئت لأختها
-حاضر يا مجيدة بس انا مش فاهمه يعني هو مستعجل على ايه، مش قولنا يصبر لحد ما افك الجبس.
-يا بت ما مالك قالك ان الزيارة دي للتعارف و بس و الله لو حصل قبول، كان بها ماحصلش خلاص عادي ولا كأن حاجه حصلت.
و عندها تركت شذى ما بيدها و جلست بجانبهم مرتسمة على وجهها علامات الغضب.
لتردف خالتها :
-وانتي مالك انتي كمان يا آخرة صبري، سيبتي اللي في ايدك وقعدتي يعني.
كورت شذى كفها تحت وجنتها وتنهدت
-مالك مسافر بكره للمؤتمر، و مش راضي ياخدني معاه.
هذه المره تحدثت والدتها
-طب ومش راضي ياخدك ليه هو مش قال ان المؤتمر في اسوان، بصراحه انا شايفها فرصة انكم تقربو من بعض اكتر، و تغيرو جو المشاكل و المشاحنات ده بقي.
-بس هو بيقول انه هيبقى مشغول جداً، ومش هيبقى فايق لتغير جو وانه يفسحني و كده يعني.
-و انتي رديتي عليه قولتي له ايه.
-مارديتش انا سكت بس بصراحه مش عايزاه يسافر و يسبني وعايزه اروح معاه.
-طلاما بيقولك انه هيبقى مشغول يبقى بلاش تزني عليه، و تزعليه منك تاني يا بنت اختي.
-طيب
-الله رايحة على فين يا شذى.
-خلاص انا خلصت اللي انتو طلبتوه مني هاروح احضر نفسي انا كمان قبل الدكتور وضيفه ما يجو.
❈-❈-❈
وفي تمام السادسه مساء حضر مالك ومعه الدكتور عبد الرحمن.
جلسو الرجال سوياً مع إلقاء التحية الترحيب من الشيخ حسان عليه….
-يا الف مرحب بيك يا دكتور دا انت نورتنا النهارده.
-الله يخليك يا حج متشكر اوي.
هتف مالك بمرح
-اول مره اشوف واحد جاي يتقدم لعروسه و هو حاطط رجلها في الجبس.
ضحك الرجال على مزحته و اردف الدكتور عبد الرحمن.
-و الله دا شئ يشرفني اني اناسب ناس زيكم يا شيخ حسان.
– الشرف لينا احنا، بس بردو حضرتك حقك تقعد و تتكلم مع ام شذى زي ما انت عايز، و هي كمان لو عندها حاجة عايزة تقولها يبقى حضرتك تسمعها براحتك.
-روح يا مالك هات خالتك و تعالي.
ذهب إليهم حتى تستند عليه و يأخذها لتجلس مع ذلك العريس، نبهتها ابنتها بنظرة من عيناها، فاشدت على يدها برفق.
-ماجدة هامسة لأبنتها
-ماتخفيش انا داخلة دلوقتي اطفشه.
-انتو بتتهامسو وبتقولو ايه.
كانت هذه كلمة مالك الواقف منتبه لهمسهم.
امالت شذى رأسها للجهه الاخري وابتسمت له
-هاه احنا لا ابداً مش بنقول حاجه.
ربتت ماجدة على يده لتحثه على الذهاب بها إليهم.
-يلا يا مالك هو احنا هانقعد نتكلم هنا، ونسيب الراجل قاعد برة.
-مستعجله قوي يا اختي، طب يا ست ماجدة اتفضلي اسندي عليا ويلا بينا.
❈-❈-❈
ولجو سوياً عليهم واجلسها على الاريكة في مقابل ذلك الطبيب.
و بعد أن تبادلوا السلام بينهم، استأذن مالك و والده و تركوهم يجلسون سوياً.
ظلت ناظرة للأسفل وقد طغى عليها حيائها، تلك التي كانت تنتوي توبيخه و طرده من حياتها الذي يريد أن يقتحمها دون ارادتها.
كانت تبحث عن الكلمات أسفل قدميها، وكأن القطه ابتلعت لسانها.
-ازيك يا مدام ماجدة.
خرج همسها كفتاه عشرينية يغلب عليها خجلها.
-الحمد لله ازيك انت يا دكتور.
ابتسم على خجلها واردف.
-انا كويس الحمد لله بس بصراحه انا مندهش من خجلك ده، بتحسيسني اننا لسه شباب صغيرين.
نظرت اليه شزراً، و هنا تشجعت ورفعت وجهها مزمجرة مما يقوله.
-وحضرتك كل ما بتقابل واحدة ست بتحسسها بحسنها، ايه قلة الزوق دي يا دكتور.
تفاجئ بردها وتلجلج في كلماته…
-أنا ااا اسف انا ماقصدتش كده خالص انا بس كنت…
-كنت ايه يا دكتور، انت من قبل ما تتكلم في حاجه احب اقولك ان طلبك مرفوض.
-طب استني بس، هو احنا لسه قولنا حاجه عشان ترفضي او توافقي، من فضلك اسمعيني للأخر و بعد كده يبقى ليكي حرية الرأي.
-اتفضل قول اللي انت عايزه اما نشوف اخرتها.
-بصي يا ست ماجدة انا يمكن اكون في نظرك رجل مراهق بيفكر في اسعاد نفسه بأنانية، لكن الحقيقة بقى غير كده خالص.
التمست نبرة الحزن في كلماته، و هتفت..
– هو حضرتك ليه اتغير صوتك و بقي حزين كده.
– ابتسامه خفيفه لمحتها على ثغره قبل أن تختفي سريعاً.
-لأني ببساطة تعبت في حياتي و عايز ارتاح وبصراحه حسيت اني هلاقي راحتي معاكي انتي.
-انا مش فاهمه حاجه ممكن حضرتك توضحلي اكتر.
-حاضر هاوضحلك بصي يا ست ماجدة انا راجل عشت تقريباً عمري كله لوحدي بعد ما اخواتي اتجوزو، فضلت مع امي لحد ما قضاء ربنا اذن و سابتني لوحدي، بعدها اتقابلت مع زوجتي الأولى في اليونان،
وحصل بينا قبول و حبيتها و اتجوزنا، رجعت معايا هنا و بعد مدة قليلة من جوزانا خلفت ليا ولدين توأم، و بعدها بدئت بينا المشاكل لحد ما الحياة بدئت تبقى مستحيلة ما بينا،
خيرتها بين طلاقها مني و انها تسيب الولاد، لكن في يوم رجعت من شغلي، لاقتها اختفت بيهم، عرفت بعد كده انها اخدت الولاد واتحامت في السفارة بتاعتها و سافرت بيهم على بلدها.
و بعد كده رجعت ابقى لوحدي تاني لحد دلوقتي، بس بقى من ساعة ما شوفتك وانا حسيت ان هاعوض كل اللي مريت بيه مع انسانه هادية وجميلة ومناسبه ليا زي حضرتك كده، ساكته ليه عايز اسمع ردك.
كانت تسمعه بكل حواسها التمست هذا القلق المسيطر على حياته تنهدت بحزن ثم هتفت.
-ارد اقول ايه بس يا دكتور، اقول لحضرتك اني مش ناقصني هم أو حزن، انا عندي مشاكل في حياتي تكفيني اللي باقي من عمري، ومش ناقصة حد يزود همومي.
-هههههه لاء يا ستي اطمني انا مش جاي ازود همومك ولا حاجه، انا جاي احط ايدي في ايدك و ندور على السعادة اللي فاضل من عمرنا سوي.
-بس حضرتك ماتعرفش حاجة عني.
-زي ما حاكتلك كل حاجه عن حياتي، احكيلي انتي كمان.
تبدلت حالتها من الرفض الي رضا النفس قليلاً و بدئت تحكي له كل شئ عن حياتها السابقة.
❈-❈-❈
اما بالخارج جلس بجانبها يعبث في هاتفه في صمت وفي مقابلته كانت تجلس والدته، بينما تركهم والدهم وذهب لصلاة المغرب.
لتهمس والدته
-ربنا يثبت أقدامك يا دكتور، و توافقي يا ماجدة ياختي رب.
همست شذى وهي تلوي ثغرها
-ربنا ما يسمع منك يا خالتو يا رب.
التفت لها زوجها مالك الذي استمع الي همسها جيداً، و همس لها ساخراًِ
-سمعتك على فكره
نظرت له شزراً تقذفه بسهام ناريه فهي فيها ما يكفيها مما يسببه لها من حزن.
-عادي يعني ما تسمعني، هو من امتى وانت بتوافقني الرأي في اي حاجه بقولها.
– كويس انك عارفه ان كل اللي بتقوليه دا غلط.
قررت أن تتغاضي عن موضوع والدتها لتغير الحديث الي حوار سفره.
-على فكره بقى انا مش بتكلم معاك، خليك في تحضير مدوناتك الطبية و سفرك ده.
اغلق هاتفه و نظر اليه بطرف عينه مخفضاً صوته.
-ممكن تبطلي تلمحي بالكلام ده، لاني مهما تعملي بردو مش هتسافري معايا تمام.
رمقته بنظرة جانبيه محاولة اخفاء حزنها..
-و مين قالك اني عايزة اسافر معاك ما تسافر يا اخي ولا تقعد الموضوع كله مايهمنيش
و هنا تدخلت الحاجة مجيدة ملفته نظرهم..
– بس انت و هي الله يخرب بيتكم انتو مش واخدين بالكم ان في واحد غريب في البيت، اخرسو بقى.
همت شذى واقفه لتذهب من أمامهم.
-حاضر يا خالتو اديني سكت اهو اقولك انا هاقوم ادخل اقعد في المطبخ احسن لحد الراجل ده ما يمشي بقى.
سريعاً ما اختفت من أمامهم، لتهمس له والدته و هو يراقب طيفها.
-مش عايز تاخدها معاك ليه؟
التفت الي والدته و اغمض عينيه مستنشقاً نفس طويل.
-لو اخدتها معايا هاتتحبس في الفندق، انا الأسبوع ده هبقي مشغول جداً ومش فاضي ليها، مش رايح فسحه يا أمي.
-يبقى تعرفها دا وتحاول تاخدها بعد ما ترجع من السفر و تعوضها بقى بفسحة حلوة، يلا مستني ايه قوم ادخلها وقولها كلمه حلوه.
كيف يفعل ذلك وهو يعلم جيداً مدى المه منها، رفع رأسه لوالدته و هتف.
-سيبك منها دلوقتي يا أمي، وخلينا في دكتور عبدالرحمن اللي طول جوه ده، الراجل ده نسي نفسه ولا ايه، دا بينه ناوي يبات هنا.
ضحكه خفيفه بانت على وجهها و همست.
يا واد سيبه قاعد يمكن ربنا يهديها، و تديك موافقتها الليلة.
هب واقفاً رابتاً على كتفها بمشاكسة: لاء يا ستي انا بقول كفاية عليهم كده، دول قربو يجيبو عيال في الوقت ده كله.
-ههههههه خد يا واد استنى يا مالك.
لم يلتفت إليها و ولج إليهم من ذلك الباب الزجاجي المفتوح على مصرعيه أمامهم.
-انت نورتنا النهاردة يا دكتور.
قال كلمته و هو يجلس على المقعد الجانبي لمقعد خالته التي لمح على وجهها الدموع التي تغرق وجنتيها.
-خير هو في حاجة ولا ايه.
هتف الطبيب بجدية.
-لا لاء ابداً مافيش حاجة كل الحكايه اني حكيت للمدام كل حاجة عني، و للأسف ذكرتها بالماضي الأليم بالنسبة ليها، و اللي من وجهة نظري مايهمنيش في اي حاجة.
رفعت عيناها لتقابل عيناه الممتلئة بالحب، فأومئت له بالموافقة دون ارادتها.
❈-❈-❈
رحل الطبيب و جلسو سوياً يتسامرون في الحديث، ويعرفون مدى انطباعها عن هذه المقابله، لتقول شقيقتها.
الحاجة مجيدة
-يعني انتي قدرتي تكوني رائي عنه في المقابلة دي.
نظرت ماجده الي ابنتها المتحديه لها وقالت
– ماقدرش اقول اني كونت رأيى بالسرعه دي، بس اقدر اقول اني حاسة براحه و متقبلة للمقابلة دي.
شذي بتحدي وصوت مرتفع
-يعني ايه يا ماما يعني هتوافقي و تتجوزي الراجل ده انتي مش قولتي انك هاترفضيه.
توارت عينيها عن النظر لابنتها و همست بخجل
-مش مهم موافقتي من رفضي انا دلوقتي ، المهم رأيه هو يا شذى.
وقفت من مخضعها مندهشة مما القته والدتها في جعبتها،
ما الذي حدث لها في هذه المقابلة، و لماذا تبدل رأيها من النقيض الي نقيض اخر بهذه السرعة،
لن تحظى بأي اجابه ترضيها الان، لذا فضلت الهروب من أمامهم جميعاً متجهه الي بيتها.
لتهم والدتها بالنداء عليها حتى ترجعها.
-شذى استني انتِ رايحة على فين لوحدك كده.
أسرعت في خطاها هاتفه: مروحه اظن مافيهاش حاجه دي.
جرت من أمامهم تحت نظرات هذا المستشاط غيظاً منها، ليتتبع اثرها ملقي عليهم السلام.
-طب يلا اسلم عليكم انا كمان عشان بكره هسافر بدري، و الحق اروح اسلم على ابويا في المسجد.
اومؤو اََليه جميعاً بالسلام و تبادل القبلات معهم، مستمع الي إرشادات والدته جيداً.
-تخلي بالك من نفسك، و تدفي روحك كويس، و تلبس فالنتين عكس بعض عشان تحمي نفسك من البرد.
ابتسم لها وامسك جبينها بين راحتي يده ليقبل رأسها بكل حب.
-حاضر يا ست الكل انتي تأمري، يلا السلام عليكم.
اردفوا اليه
-و عليكم السلام.
❈-❈-❈
لحق بها قبل أن تبرح ساحة الشارع الرئيسيه، و إذا به يقبض على راحة يدها بتملك.
شهقت من الخضة، و حاولت جذب يدها من قبضته فزجرها بنظرة جامدة الجمتها لتصمت.
و حين وصلو الي بيتهم فتح الباب و زجها للداخل بدفعه قوية من يده.
كادت ان تسقط على وجهها لذا اندفعت فيه صارخة.
-اه حاسب هتوقعني على وشي.
القى بمفتاحه على الطاوله، و بدء في تعنيفها كالعادة.
-لما تبقى قاعدة في اي مكان و معاكي جوزك يا هانم يا محترمه، اوعي تقومي من مكانك وتحاولي تمشي و ماتعمليش ليه اي اعتبار كده.
-لا و الله يعني كنت عايزني اقعد و يتحرق دمى لحد ما حضرتك تتكرم و تتعطف عليا و تقوم مش كده.
-تمام هو كده، و الله يا شذى لو عرفت انك عملتي اي مشاكل، و انا مش هنا لهتشوفي عقابك بجد لما ارجع من السفر.
-هاتعمل ايه يعني انت اصلاً مش قولت انك هتسافر لوحدك خلاص بقى مالكش دعوه بيا
– يا سلام اومال ليا دعوه بمين انا، اولاً لازم تحترمي غيابي زي وجودي بالظبط،
وحسك عينك اعرف انك عملتي مشكلة مع والدتي او والدتك.
رفعت وشاح وجهها بعنف و جلست على الاريكة مكوره يديها أسفل وجنتها و اردفت بهدوء حزين.
-اطمن انا مش هاخرج من البيت اصلاً.
مد خطاه و جلس بجانبها، مريحاً رأسه على حافة الاريكة من خلفه.
-و مين قالك اصلاً اني هاسيبك تقعدي هنا لوحدك، انتي هاتحضري نفسك و الصبح قبل ما امشي هاوديكي البيت التاني، و هاتقعدي هناك لحد ما ارجع.
-لأ معلش بقى انا اسفه مش هانفذ و لا كلمة من اللي انت قولتها دي،
انا مش هاسيب بيتي و اروح اقعد عندهم، و ترجع تقولي اتخانقتي و عملتي مشاكل ليه.
و هو انتي يعني ماينفعش تقعدي من غير مشاكل يا شذى،
حرام عليكي بقى انا مابقتش طايق خناقك كل شويه، و صوتك العالي ده
رمقته بنظرة طويله صامته و هبت واقفه، و بخطوات سريعة اتجهت لتصعد الي الأعلى، و هي تصيح.
اديك هاترتاح مني اسبوع بحاله، افرح بقى و ريح دماغك بعيد عني.
التوي ثغره و هم بالوقوف هو الاخر، لكن ليرحل عن البيت بأكمله.
❈-❈-❈
و كأن خطاه تأخذه الي مكانه المعهود، حضر الي الضريح ليودع صديقه و رفيق دربه مثلما عُهد على ذلك، صلى فرده و جلس بجانبه يقرء في كتاب الله العزيز،
و ينتظر والده الي ان يفرغ من صلاته، و يتحدث مع صاحبه هامساً.
-مابقتش قادر من كتر المشاكل معاها يا حُسين، تعبت من جنانها ده، هي عارفه و واثقه اني بحبها، بس شقاوتها و صوتها العالي دول هما سبب المشاكل بينا، ربنا يهديها ليا.
شعر بيدٍ تربت على كتفه، لتطمئنه بأنه بجانبه فالتفت لصاحبها مبتسماً.
-حرماً يا ابويا.
-جمعاً يا حبيبي ان شاء الله بتكلم نفسك و لا بتسلم على صاحبك كالعادة يا دكتور.
-ان جيت للحق الاتنين يا حج، قولت اجي اقعد هنا و اصلي ركعتين لله، و اسلم عليك لاني هاسافر بكره بدري.
– تروح و ترجع لينا بالسلامه يا حبيبي، بس انت ماعملتش اللي قولت عليه يعني.
رفع عينه له ليحاول فهم ما يدور برأسه.
-تقصد ايه يا حج؟
-قصدي انك جيتني و انت حزين و قعدت تقولي انك هطلقها وتخليها تحت عينك بعد كده عشان تبقى مطمن عليها، بحكم انها بنت خالتك وعشان مالهمش سند، و قولت ماشي بس اللي انا شايفه، انك ماعملتش حاجة من دي.
احنى رأسه صامت أمام ابيه، ليندهش و يهتف بضجر.
-ارفع راسك يا مالك، انا ماتعودتش اشوفك مكسور كده يا بني.
جحظت عينه و سريعاً ما رد علي ابيه.
لاء يا ابويا انا مافيش حاجه كسراني، و شذي زي الفل، انا بس كل الحكاية…..
-بتقول كلام مش مفهوم وعمال تتلجلج ليه يا دكتور.
-عشان بحبها يا ابويا، ايوا حبيتها حبيت فيها برائتها و طفولتها حتى جنانها، بقيت بخاف عليها زي ما تكون بنتي مش بس مراتي يا ابويا.
فاجئه برده القاطع لينفض يده برجفه عن كتفه وينظر اليه لبرهة ليست بقصيرة.
عم السكون بينهم و كل منهم مندهش على حاله، ليعيد والده الحديث محاولاً جذبه من متاهته التي ادخل نفسه بها.
– بص يا مالك انا مش هاقولك انك غلطان في اختيارك، بس هاقولك ان الحب عمره ما كان ضعف يا بني الحب طول عمره بيقوي صاحبه، اهم حاجة انه يكون للي يستهاله.
وهنا رفع رأسه ليجيب ابيه سريعاً في الرد.
-صدقني يا ابويا، شذى هي اللي تستاهل قلبي و انا واثق انها بتحبني قد ما بحبها ويمكن اكتر كمان، و أن كان على تهورها و صوتها العالي فسنها الصغير و اللي شافته من عيلة ابوها يشفعو ليها يا حاج.
ابتسم الشيخ حسان ساخراً و همس له و هو يربت على قدمه.
-وبقيت تدور ليها على أعذار كمان يا شيخ مالك على العموم ما تكملش
دي حياتك وانت حر فيها، انا المهم عندي و اللي اتمناه في حياتي أن اشوفك مبسوط و متهني في عيشتك يا بني
و قبل اي حاجه انك تكون محافظ على تفوقك في مركزك و شغلك يا دكتور.
رد اليه الابتسامه و انحني على يده ليقبلها قائلاً…
ربنا يخليك ليا يا حج و مايحرمنيش من دعواتك ابداً
-هههههههه طب يا سيدي ربنا يريح بالك و يرضى عنك و يرزقك بالذرية الصالحة اللي تملي عليا انا و امك البيت.
ضحك مالك لوالده و تملكته السعادة أثر تلك الدعوة التي اراحت باله بعض الشئ.
❈-❈-❈
عاد الي بيته و على وجهه ابتسامة الرضا، لقد أراح كلام والده ذهنه بعض الشئ، على الاقل قلل من غضبه وقلقه الذي كان يخشى ان يتفاقم للأسوأ بينه وبين زوجته،
و عليه الان ان يريح ذهنها هي تجاه والده.
كان الهدوء يعم البيت، على ما يبدو أنها لم
تترجل الي الاسفل من وقت خروجه منه،
صعد الدرجات بروية و هو كله يقين بأن لا يحزنها هذه الليلة، علي الاقل حتى لا يذهب و يتركها حزينة.
فتح باب غرفة نومهم المظلمة بالكامل، اتجه الي زر المصباح الموضوع بجانب الفراش وانار ضوءه الخافت حتى لا يزعجها،
لكنه تفاجئ بعدم وجودها فيه، ارتعب قلبه عليها و انتفض في مكانه، هماً بالذهاب للخارج مفتشاً عنها بجميع الغرف وهو يناديها.
شذي انتي فين ردي عليا روحتي فين يا شذيييييي.
كانت ممدده بحوض الاستحمام تنعم بحمام دافئ يريح اعصابها من كل هذا الارق الذي قد ملئ رأسها، و على ما يبدو أنها من كثرة الراحة الذهنية التي تحصلت عليها، قد غفيت و لازمها النوم.
لتنتفض جاحظة العينين أثر سماع صياحته المدوية كاقذائف تنزل فوق رأسها، غير مبشرة بأي خير.
هبت واقفه من الحوض نافضة لقطرات المياة التي تسترسل على جسدها الناعم العاري تماماً والمرتجف أيضاً من تلك الرهبه التي تملكتها، و لا تعرف السبب…
وقفت مسهمه وسط المياه لاتقوى على التحرك وكأن قدميها متيبسه في ارضٍ جامدة،
فقط عينها جاحظة نحو الباب الذي يرتج أثر دقه عليه ومقبضه الذي يهتز صعوداً وهبوطاً، وهي تسمع صياحه المندفع من الخارج بأسمها.
-شذى انتي جوه.. افتحي الباب ده قافله على نفسك ليه، بقولك ردي عليا لأكسر الباب يا شذيييييي
خرج صوتها أخيراً بنبرة متحشرجه مرتجفه أثر صراخه عليها.
-حاضر حاضر
تنفس الصعداء و هو يقف بالخارج عندما سمع صوتها حاول أن يسيطير على قلقه واخفض صوته عندما التمس خوفها.
-انتي قافله على نفسك ليه افتحي الباب و اخرجي من عندك.
لفت جسدها داخل هذا الشرشف الكبير وعضت على شفتها السفلى بخجل، ان خرجت هكذا الان سيظن انها تفعل ذلك عمداً لتغويه إليها، وقفت خلف الباب الموصود لا تدري ماذا تفعل الان،
تلك الطائشة لا تتعلم ابداً من أخطائها، ماذا سيظن بها و يقول عليها و هي على حالتها هذه، خرج صوتها مرتجفاً خائفاً وتسمرت مكانها تضع اذناها على الباب وهي تهتف كفأر مذعور…
-اطلع بره الاوضه الاول.
-انتي عايزة تجنيني اخرجي بقولك من عندك.
هكذا جائها رده القوي مصطحباً بركله من قدمه، لتزيد من رجفتها بالداخل.
-بطل زعيق يا مالك انت بتخوفني ليه انا كويسه مافيش حاجه فيا.
أخيراً ما هدئت روعونته، وضع جبينه على الباب هامساً لها ساخراً منها في ذات الوقت.
-بتخوفني ليه! اخرجي طمنيني عليكي.
-طب لو سمحت اخرج من الاوضه انا انا……
علم انها خجله منه، طبعاً و كيف يسهو عن تلك العادة السيئة التي قد بدء يعتاد عليها هو الاخر.
فقرر ان يشاكسها بمرح.
-انتي ايه كنتي بتاخدي شاور ونسيتي لبسك كالعادة مش كده.
تنهدت بقلة حيله نافخه زفيرها بضجر، لقد علم بفعلتها وقضي الأمر.
-ايوة ارتحت ، يلا اخرج من الاوضه بقى عشان البس.
-طب ماتخرجي عادي يعني انا جوزك مش حد غريب.
ضمت حاجبيها بغضب، وعزمت على أن لا تنوله ما يفطن في باله، اذا كان هو يزعجها فهي ستطير النوم من رأسه هذه الليله.
-مش هاخرج و انت موجود في الاوضه اطلع بره بقى الجو برد وانا عايزه البس.
تصنمت منصته خلف الباب الخشبي، تستمع الي صوته و حين لم يأتيها الرد فتحت الباب بروية لتتأكد من عدم وجوده، مشطت الغرفه بأكملها لتجده، و عندما لاحظت خلوها ترجلت من المرحاض تتغنج منتصره وهي تهمس.
ال اخرج وانا كده وانت موجود ال دا بعينك، عشان تبقى تسافر لوحدك كويس.
و بلحظه وجدت قدمها لا تلمس الأرض وهي محموله بين يديه ليصيح بانتصار عليها.
دا بعينك انتي يا قلبي اني اسيبك النهارده، طب وحياة خوفي عليكي ما هاسيبك يا شذى.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ساكن الضريح)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى