رواية أغصان الزيتون الفصل الثلاثون 30 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الثلاثون
رواية أغصان الزيتون البارت الثلاثون
رواية أغصان الزيتون الحلقة الثلاثون
“گالليل.. حينما يطوي بظلمتهِ صفحة النهار قِسرًا؛ ويغتصب بعتمتهِ بهجة الحياة ونورها. ____________________________________
كانت گالفراشة السعيدة، التي تطير ابتهاجًا بين كُل زهرةٍ وأخرى، وتتناقل برشاقةٍ وسرور بين الأغصان المتمايلة. تمتّعت بوقتٍ طويل بين دفء أحضانهِ التي افتقدتها، لتُعوّض فقر الأيام التي خلت منه وعاشتها في قحطٍ من الحب والمشاعر، وقد آن لتلك العلاقة التي خَبت لسنواتٍ أن تحيا من جديد، أن تتدفق گالنهر بين شرايينهم، دون خشية أي معايير أخرى، قد تهدم الجدران على حياتهم كلها.
فتحت “يُسرا” عيناها أخيرًا، بعد ساعات من الغيبوبة الإرادية التي عاشت فيها، ورفعت بصرها نحو عشيقها المُتيم “راغب”، لترى تيهة نظراتهِ العاشقة وهو يرنو إليها بشوقٍ جارف، وكأن كل ما حدث بينهما من لقاءٍ عاصف لم يُخمد لهفة أشواقهِ الحارّة لها. مدّ كفهِ يمسح على خدّها الأملس، وهمس بصوتٍ حنون وكأنه مستيقظًا للتو :
– كنتي وحشاني أوي يا يسرا.. كنت هتجنن عشان أقدر أوصلك ومش عارف!.
سارت أصابعها على صدرهِ العاري فـ نشطت بتعمدٍ غريزتهِ التي ظنّ إنه أشبعها جيدًا، ولاحت ابتسامة عاشقة على محياها وهي تردف بـ :
– إنت كمان كنت واحشني أوي أوي.
ابتعدت قليلًا، ورفعت رأسها التي كانت مسنودة على صدرهِ، ثم سحبت الغطاء قليلًا لتُغطي عُريها لتقول بعد ذلك :
– حاولت ومقدرتش ياراغب.. حاولت أعمل زي ما قولتلي، أنسى أي حاجه كانت بينا وأعيش مع جوزي وكأني أسعد واحدة في الدنيا.
ازدردت ريقها گمن تبتلع علقمًا مُرًا، وتابعت بنبرةٍ برز فيها قهرها :
– فشلت، كل ما يلمسني أفتكر لمستك انت، كل ما يقرب مني أشوفك قدامي، حتى صوته كنت بسمع فيه صوتك انت!.. كأني بتعاقب على بعدي عنك.
تنهد “راغب” وهو يعتدل من نومتهِ، سحب سروالهِ الملقى على الأرض، وشرع في ارتدائهِ دون أن ينبث كلمة واحدة، بينما كانت هي متأهبة لسماع نفس ذات الكلام الذي ردده لمرات ، أن يدفعها بيده لرجلٍ آخر كما فعل مسبقًا، أن يرفض تلك العلاقة التي يخون فيها صديق عمرهِ حتى لا يكون في النهاية خائنًا له؛ لكنه لم يفعل!.
وقف “راغب” بعدما ستر نصف جسدهِ السُفلي، والتفت ينظر نحوها بشغفٍ لم يقل ذرة واحدة، وهو يردف بـ :
– قومي خدي شاور دافي عقبال ما أطلب أكل عشان نتعشى سوا.
زحفت على الفراش حتى وصلت لطرفهِ، محافظة على ستر جسمها العاري بذلك الغطاء المُلون، وتبسّمت في وجهه وهي تقف قبالتهِ قائلة بنبرةٍ مدللة :
– نفسي في جمبري.
برزت أسنانهِ من ضحكةٍ عريضة ملأت وجهه، وخلل أصابع يُسراه بين شعيراتها الفوضوية وهو يهمس بـ :
– حالًا هيكون عندك.
تأمل ملامحها بإسهاب، قبل أن يغتال الإمتعاض تعابيرهِ السعيدة فجأة، ليقول دون مقدمةٍ أو إطالة :
– إنتي لازم تطلقي يا يسرا.
***************************************
سارت من خلف المجند بخطواتٍ متعجلة، متشوقة لمعرفة من زائرها، خاصة وأنها قضت أيام طويلة دون أن يسأل عنها أحد، وحتى محاميها “حمزة القرشي” لم تسمع عنه شيئًا. رفعت طرف جلبابها الأبيض كي تتمكن من السير بحرية، رغم إنها طيلة الوقت تشعر بالإشمئزاز والتقزز من تلك الثياب التي ترتديها، فهي التي اعتادت على الحرير الناعم والملابس الثمينة. حررت زفيرًا مختنقًا من صدرها وهي تنظر من حولها، لقد اشتاقت لمنزلها الراقي وأثاثهِ الفخم العريق، ورائحة العطور الغالية الفوّاحة بدلًا من رائحة العطب والرطوبة، لا سيما تلك الروائح الكريهه المنتشرة في كل مكان، تريد لو تتخلص من هنا وبدون أن تنتظر دقيقة واحدة أخرى؛ لكنها عاجزة عن أي شئ الآن، قبل أن يأتيها “حمزة” بالخبر اليقين، وبإنه نفذ اتفاقهم كما ينبغي. فتح المجند الباب أمامها، فـ دلفت وهي تُمشط المكان بعيناها، حتى رأت ذلك الرجل الذي لا تعرفه أبدًا، فـ نهض الأخير عن مكانه وهو يردف بـ :
– أزيك يا مدام تهاني.
لم تعقب “تهاني” أو تجيب عليه، حتى تتسنى لها الفرصة كي تسأل عن ماهيتهِ ومن أرسل به. خرج الضابط المسؤول من الغرفة ليترك إليهم مساحة من الخصوصية، وأغلق الباب عليهم لتسأله هي على الفور :
– أنت مين؟.
– أنا جاي من طرف شاكر بيه.
تحفزت حواسها على الفور، ومشت نحوه بسرعةٍ كادت توقع بها لولا إنها تماسكت، وسألته بتلهفٍ :
– باعتلي رسالة معاك؟.
تعابيره جامدة لا وضوح فيها، محافظًا على ثباتها وهو يقول :
– لأ، سيادتك هتكلميه بنفسك.
بدأ الرسول في إستخدام هاتفه حتى أتى صوت “شاكر”، فـ ناولها الهاتف لتنتزعه من بين يديهِ على حين غرة، وحادثتهُ بتلهفٍ گمن وجدت قشّةٍ ستنقذها من الغريق :
– ألحقني ياشاكر، محدش غيرك هيقدر يخرجني من هنا.. أنا مش هروح في داهيه لوحدي.
كان صوتهِ غليظًا صارمًا، وهو يلقي عليها أمرهِ النافذ :
– أسمعي كويس ياتهاني، لو شيطانك صورلك إني بتهدد يبقى انتي معرفتيش كويس مين هو شاكر!..
أحست وكأنها تورّط نفسها في كارثة جديدة، مع شخصٍ لن تأخذه بها شفقةٍ ولا رحمة، فما كان منها إلا أن تعزف عن لهجة التهديد تلك، لعلها تنجح في استعطافهِ :
– لألأ، أنت فهمت غلط، أنا بطلب منك تساعدني مش تيجي عليا، أكيد عمري ما أفكر أجيب سيرتك.
– ولما انتي مش هتجيبي سيرتي، كنتي بتسجليلي ليه ياتهاني؟؟.. تذكار ليكي تشوفيه لما أوحشك؟!.
اتسعت عيناها مصدومة من وصول معلومة گتلك إليه، وفجأة تذكّرت أمر “حمزة”، هو الوحيد الذي اطلع على سرّها العظيم الذي أخفتهُ لأعوامٍ، مؤكد إنه من حذّر حماه السابق من لعبتها الدنيئة، ولهذا السبب لم يظهر “حمزة” حتى الآن ولم يزرها. لم تجد من الكلمات ما تردّ به عليه بعدما فضح أمرها، أما هو فلم ينتظر صمتها طويلًا وقطع على تفكيرها محاولتهِ لصدّ عدوانهِ عليها :
– الحركة الرخيصة دي هتدفعي تمنها بالغالي ياتهاني، بس الأول هخرجك من اللي وقعتي نفسك فيه بغبائك.. عشان بعدها نتحاسب براحتنا.
مسحت بلسانها على شفتها الجافة المُتشققة، وكأنها لهثت أثر مجهود نفسي شديد الوطأة، ثم هتفت بلهفةٍ تجلّت في صوتها :
– اللي تشوفه ياشاكر، بس خرجني من هنا أبوس إيدك، أنا مش متحملة أبدًا.. وأنا هعمل اللي تقـ……
أنهى المكالمة فجأة، غير قادر على تحمل سماع صوتها أكثر من ذلك، عقب أن تمكنت الكراهيه من صدرهِ تجاهها، وقد قرر منذ الوهله الأولى ماذا سيفعل بها. ترك “شاكر هاتفه جانبًا وخرج من غرفته قاصدًا غرفة “ميان” ليطمئن عليها، فما زالت حبيسة غرفتها لا تغادرها بعد ذلك الحادث المخيف الذي عايشتهُ. كانت مُدثرة بغطائها، حينما جلس جوارها ومسح على شعرها متسائلًا :
– عامله إيه النهاردة ياحببتي؟.
هزت رأسها بإيمائه خفيفة وهي تجيب :
– أحسن.
– مش هتقوليلي إيه اللي حصل!.
أطبقت جفونها گمن تستعيد في ذاكرتها تفاصيل مما حدث، لم تتذكر سوى تلك الضربة التي أصابت رأسها قبيل أن يكتم أحدهم أنفاسها بمنديل مغموس برائحة غريبة خدّرت حتى وجهها، وحينما بدأت تستعيد وعيها شيئًا فـ شيئًا سمعت لصوتٍ يتحدث بالجوار :
“بلغ حمزة القرشي إن الأمانة معانا”
وهنا أدركت “ميان” إنها سقطت في فخّ حبيبها الذي اكتشفت فجأة إنها لم تكن تعرفه جيدًا، وقد يكون يستخدمها للضغط على والدها في أمرٍ ما أيضًا!.
فكر “شاكر” قليلًا في تلك المعلومة التي أفصحت “ميان” عنها لأول مرة، وأحس بعدم منطقيتها!.. كأنها ثغرة غبية لن يتركها رجلًا كـ “حمزة” خلفه. نهض “شاكر” من مكانه وهو يتحدث بصوت مسموع :
– ممكن ميكونش هو فعلًا!.. حمزة مش غبي عشان يلعب معايا لعبة زي دي!.. ولو فعلًا هو اللي عملها! طب ليه؟.. ده حتى مطلبش مقابل عشان يرجعك!.
تغضن جبين “ميان” وهي تعتدل في جلستها، وشاركت والدها التفكير في الأمر للوصول إلى الفاعل الأصلي، والذي أراد بفعلتهِ إثارة الوقيعة بين “شاكر” و “حمزة”. فرك “شاكر” أصابع يدهِ الواحدة ببعضها البعض، وصوتهِ الخفيض يُحدث ثناياتهِ الداخلية :
– مين من مصلحته يوقعنا في بعض؟.. وليه أنا بالذات؟.
*************************************
مرت عليها أيام عانت فيها من قسوة شعور فقدان الشغف، في كل شئ وأي شئ، حتى عملها الذي أفنت من أجله رغباتها لم تكن لتُطيقه؛ لكنها كافحت كفاحًا مُضنيًا من أجل أن تعود كما كانت، كما اعتادت، وكما ينبغي أن تكون. سارت “سُلاف” بين الأروقة بعد أن انتهت من لقاء موكلتها الجديدة، وشمّرت عن ساعديها استعدادًا لخوض تلك المعركة منتوية الفوز الساحق بها، خاصة بعد أن رفض “حمزة” تولّي القضية كون إمرأة قتلت رجلًا حتى وإن كان زبانية، وهذا كان دافعها الأساسي لتولّي تلك القضية والإصرار المستميت عليها. خرجت “سُلاف” من المحكمة ممسكة بسترتها وحقيبتها الجلدية، ومضت بخطوات ثابتة نحو سيارتها المصفوفة نهاية الصف. من مسافة ليست ببعيدة تمكنت من رؤيتهِ، يقف جوار سيارتها منتظرًا إياها تحديدًا، أصابها شئ من الجمود حين رأته، واستيقظت مشاعر الغلّ البغيضة في نفسها – التي كانت هادئة -، فـ احتقنت عيناها بنظراتٍ حانقة، عندما سألها هو بجمودٍ، مشيرًا نحو سيارتها :
– مش هتركبي ؟.
فتحت السيارة عبر جهاز التحكم الإلكتروني، فـ استقر “حمزة” بمقعدهِ الأمامي جوار مقعد القيادة، قبل حتى أن تجلس هي بمكانها، ودون أن ينزع نظارة الشمس خاصتهِ. سحبت “سُلاف” شهيقًا لصدرها كتمته، وحررتهُ رويدًا رويدًا وهي تستقر بمكانها، قذفت بالحقيبة للخلف، متغلبة على نزعة الغضب التي كادت تنفجر من عروقها، وهتفت بصوتٍ هادئ نسبيًا :
– خير ياحبيبي، وحشناك ولا إيه!؟.
تقلصت المساحة ما بين حاجبيه، وهو يعقب على لفظها الجماعي :
– وحشناك؟؟.
علت ابتسامة مستخفة محياها، وهي تُذكّرهُ بأمر ولده – المنسي دائمًا – :
– مش معقول كل شوية أفكرك إن ليك إبن يابيبي!.
تجاوز التحدث حول تلك النقطة، وانتقل للسؤال المباشر :
– اختفيتي فجأة ليه؟.. خوفتي تواجهيني بعد ما كشفتي قدامي نص حقيقتك؟.
كركرت ضاحكة وهي تلتفت برأسها نحوه لتنظر إليه، وكأنه تُخبره إنه فاشلًا عاجزًا عن الوصول لأي شئ يخصّها حتى الآن، وبالفعل ضربت تلك الحقيقة بوجهه :
– أنا عمري ما أخاف منك ياحمزة، ولو في حاجه اكتشفتها فـ أنا اللي كشفتهالك، غير كده إنت عاجز تعرف حتى أنا مين!.
– حلو.. أنا بشجع اللعبة الحلوة، ولعبتك عجباني الحقيقة.
أشاح بصره عنها بعدما نزع نظارته، وتابع بلهجةٍ مريبة :
– لحد دلوقتي زيرو غلطة، بس الوضع مش هيستمر كتير لصالحك.
وضعت سيجارة بين شفتيها، بعدها سمع صوت القداحة وهي تشعلها، فـ اضطر أن يعيد النظر نحوها مرة أخرى ليراها بالفعل بدأت في التدخين، كأنها لا تراه حتى، وقبيل أن تضعها من جديد بين شفاهها كانت يداه تختطفها منه ويلقي بها من النافذة على مرأى من عيناها، وهي مازالت محافظة على هذا الفتور المتعمّد ونظراتها المستفزة ترنو إليه، لمحت ذلك السؤال السخيف الذي رددهُ على مسامعها مرارًا وتكرارًا، يتأرجح في عينيهِ ما بين رغبته المُلحة في سؤاله وبين تماسكه وثباتهِ لئلا يسأله، فـ افتر ثغرها ببسمةِ عابثةٍ وهي تقول :
– قول اللي عايز تقوله.
– مفيش منه فايدة، كده كده مش هتجاوبي عليا.. يبقى نخلينا في المفيد وتسمعي العرض التاني من الآخر.
أسندت يدها على المقوّد وهي تصرف أنظارها الصائدة عنه، وهمهمت بـ :
– اممم.
فـ دفع بعرضهِ إليها دون حشوٍ أو إطالة في الحديث :
– هطلقك وتاخدي كل حقوقك وحقوق إبنك وتمشي، وطول ما الولد عايش معاكي مصاريفه عليا.
كانت على ثقة تامة، من تيقنهِ إنها لن ترتضي بذلك، ورغم هذا عرض عليها عرضهِ المتواضع؛ إذًا فالأمر يختبئ من خلفهِ شيئًا آخر لم تتبينهُ بعد. لم تطل “سُلاف” في صمتها، وسألته :
– إنت عارف إني مش هقبل بـ ده، مش كده ؟.
تأهب لكي يغادر سيارتها وهو يُسمعها نهاية حديثهِ :
– يبقى ترجعي البيت طالما عايزة تفضلي على ذمتي.
ترجل من السيارة وصفق بابها، وقبل أن ينصرف كليًا انحنى لينظر حيالها عبر النافذة وهو يردف بـ :
– على فكرة، القضية اللي مسكتي فيها بإيدك واسنانك دي مش هتكسبيها.
ثم لوّح بيدهِ :
– باي.
تعقبتهُ بعيناها حتى اختفى بين الجميع، فـ شرد عقلها بتلك المقابلة القصيرة – والهادئة نوعًا ما -. تُرى ما الذي يختفي من خلفها؟.. تُرى ما الذي يفعله “حمزة” وما الشئ الذي استلزم تواجده هنا والحرص على مقابلتها وكل تلك الحيل المُتخفيّة؟.. حتمًا وراء الأمر لعبة قذرة من ألعابه التي شهدت عليها طوال سنوات تعقبّها له، وإلا ما كان ليأتي حتى قدميها أبدًا، لا بد وأن الفريسة تلك المرة استحقت سعي الصياد.
*************************************
خرج “راغب” من دورة المياة متعجلًا، بعدما هذّب ذقنهِ وتأكد من وضع مادة مرطبة على بشرتهِ التي تهيجت قليلًا أثر استخدام شفرة الحلاقة الحادة. بحث بعيناه عن سُترتهِ التي وضعها على الفراش منذ قليل، لكنها لم تكن بمكانها، تغضن جبينه وهو يلتفت يمينًا ويسارًا بحثًا عنها :
– بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا لسه سايبها هنا من شوية!.
دلفت “يسرا” للغرفة وهي تمسك بالسُترة، فـ لمحت علامات الإستفهام الجليّة على تعابيره، لتبادر بالتوضيح قائلة :
– كنت بمسح الزراير بتاعتها.
انبعج فمه بإبتسامة عريضة مبتهجة، وهو يدنو منها بحماسةٍ عاشقة، فتح ذراعيهِ لتتلقفها أحضانهِ، ويداه تمسح على ظهرها بشكلٍ دافئ وجميل، جعلها تغمض عيناها وتسبح في عالمٍ آخر، وكأنها تحلم وهي بين سُحب السماوات السبع. ختم لحظتهم الرومانسية بقُبلة على رأسها، قبل أن تبتعد رأسه قليلًا عنها ليعترف :
– كنت مفتقدك جدًا.
رفعت عيناها إليه و :
– أنا أكتر.
ابتعدت وهي ترفع السترة كي تُلبسه إياها، فـ دفع بذراعيه داخل الأكمام وهو يسألها :
– هتروحي لعمي صلاح أمتى؟.
فاجئتهُ بجوابها الجاهز :
– مش دلوقتي أنا محتاجة أكون معاك شوية، ورجوعي البيت مش هيخليني أعرف أشوفك براحتي.
بدت تعابير الرفض على وجهه، معترضًا على قرارها الذي لم يبدو صائبًا بالنسبة إليه، وعجز عن التشويش على إيماءات الإنزعاج التي تفجرت من وجهه :
– إزاي ده ؟؟.. إذا كنت بقولك عايز طلاقك يتم في أسرع وقت!.. وانتي عايزة تطولي في وجودك على ذمة الحيوان ده!.
أحست بصحة قوله؛ لكنها عاجزة عن التعجيل بمواجهة أهلها وخسارة الوقت الذي ستقضيه معه :
– طب خلينا مع بعض اليومين دول لحد ما أجهز نفسي، أنا مش مستعدة أواجه بابي دلوقتي.
تأففت بتذمرٍ وهي تتذكر موقف والدها الغير مرضي بالنسبة لها :
– إنت عارف كويس إنه مش هيقبل بفكرة الطلاق.
– بس دلـ…….
انقطع صوتهِ مع سماع صوت الجرس، فـ ضمّ سترتهِ على صدره متأهبًا لمغادرة الغرفة و :
– خليكي هنا.
خرج وقد أغلق الغرفة من خلفهِ، ومضى نحو الباب وهو يمسح بأصابعهِ على خصلاتهِ گأنما يصففها، فتح الباب فـ بُهت وجهه، تجمدت أطرافهِ، حتى عيناه كأنها تحجرت وهو ينظر إليه. دلف “حمزة” متعجلًا، گمن أتى في أمرٍ خطير، فـ أسرع “راغب” بالدخول من خلفهِ وهو يسأل بريبةٍ مرتعدة :
– في إيه ياحمزة؟.. مقولتش إنك جاي يعني!.
التفت إليه “حمزة” وهو يردف بـ :
– عايزك في حوار مهم، طالما لابس هدومك خلينا ننزل في أي مكان.
لاحظ “حمزة” ذلك التغير البادي عليه بسهولة، وهو يحفظ رفيق عمرهِ حفظًا عن ظهر قلب، فـ قطب جبينه وهو يسأله مستفهمًا :
– مالك ياراغب؟.
أشاح “راغب” بوجهه لئلا يفضح أمرهِ بيده، بينما صوت نبضات قلبهِ يكاد يسمعها من فرط سرعتها :
– أبدًا بس اتخضيت.. قولي في إيه معاك.
– حوار يطول شرحه.
جلس “حمزة” وهو ينهي كلمتهِ الأخيرة، فـ أحس وكأنه جلس على شئ ما، نهض عن مكانه ونظر ليجد حقيبة نسائية غاية في الجمال، رقيقة وباهظة، فـ تناولها وتفحص شكلها قبل أن تنتقل نظرات الشك خاصتهِ لـ “راغب” ويسأله متوجسًا :
– هو انت عندك حد جوه؟؟؟.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)
١