روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الخامس والعشرون

رواية أغصان الزيتون البارت الخامس والعشرون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الخامسة والعشرون

“أحترس أن تغرق بالماء وأنت تحاول الخلاص من النيران.”
_____________________________________
العثور على عينة من تلك المقاطع التي تختزنها لمثل تلك الظروف لم يكن أمر صعب عليه، حيث وصل لخادمتها بسهولة شديدة ولم تتعسف في مساعدتهِ – بأمر من تهاني نفسها -، فـ سلّمتهُ الأمانة التي أتى خصيصًا لها، ليتأكد من وجود تلك المشاهد المُشينة بين يديها. شاهد بضع ثواني من المقطع على حاسوبهِ الشخصي، ولم يتحمل رؤية المزيد، فـ صفع الحاسوب لينغلق وهبّ واقفًا من مكانهِ وهو يسبّ سبابًا شنيعًا :
– ×××× وحياة أمها ما هرحمها، تخرج بس الأول وبعدها هوريها إزاي تعمل معايا أنا كده!.. بنت الـ ××××× تربية الشوارع.
ذمّ “نضال” على شفتيهِ حانقًا، وتطلع إليه بنظرات متفحصة وهو يسأله :
– هتعمل إيه ؟.. دي معاها من ده نسخ كتير زي ما بتقول؟!.
دعس “راغب” سيجارتهِ في المنفضة، ونهض واقفًا ليجاور “حمزة” في وقفته وهو يقترح عليه :
– الست دي لازم تسافر، سفر بلا رجعة.
حدق “نضال” فيه غير مصدق تفكيرهِ القاسي المرعب، واستهجن على عقلهِ تفكيرهِ في حلّ گهذا :
– أنت بتقول إيه!!.. هتقتل الست بدل ما تشتري سكوتها.
هزّ” راغب” كتفيه بقلة حيلة، وهو يُزين الأمر لـ” حمزة” قائلًا :
– مبقاش ينفع يانضال ياخويا.. طالما هي بدأت بنية الغدر يبقى مش هنسلك معاها.. وبعدين مين قال هنقتلها؟!.
تأفف “حمزة” منزعجًا من تلك المراوغة الكلامية، وسأله مباشرة :
– ما تنجز ياراغب وتقول قصدك إيه من الآخر، أنا خلقي في مناخيري دلوقتي مش ناقص تخمينات.
– اللي فوق هما اللي هيخلصوا الموضوع ده.. إحنا مش هنلوث إيدينا بدمها.
ضحك “نضال” مستخفًا، ثم هتف بسخرية :
– أنت هتلعب دور المُحرض يعني!.

 

 

نهض “نضال” عن مكانهِ ونظر حيال “حمزة” وهو يلقنه كيف يتصرف :
– أنت تعمل زي ما هي قالت ياحمزة، تاخد المفتاح من البت الخدامة وتروح تاخد كل الفلاشات دي وتعدمها بنفسك.
فـ سأله “راغب” بنبرة معترضة :
– ولو عندها نسخ تانية يافصيح؟.
فـ تدخل “حمزة” مشيرًا لتلك النقطة الهامة :
– هي فعلًا عندها نسخ كتير وهي قالت كده بنفسها، يعني اللي هعمله ده مجرد حرب عليها وهترجع تردّ في ضهري.
ثم نظر حيال “راغب” وكأنه يفكر في اقتراحه الخطير، وأردف بـ :
– أنا مش هتحرك من مكاني، كل اللي هعمله إني هوصل رسالتها للناس اللي شيفاهم فوق وهيقدروا يخرجوها من هناك.. وهما يقرروا بنفسهم يعملوا إيه.
التفتت أنظارهِ نحو الحاسوب الشخصي، رمقهُ بـ إحتقارٍ بيّن وهو يهمس بـ :
– بنت الـ ×××× عملالي فيلم وثائقي!.. ماشي، دورها جاي جاي.
**************************************
طوال طريق العودة للمنزل كان عقلها يسترد تفاصيل كاملة عن خطتها، كيف بدأت وكيف قامت بتطبيقها، وكيف أوقعت بـ “تهاني” بشكل لن يقبل النهوض مرة أخرى. فتحت “سُلاف” نافذة السيارة، وأغلقت عيناها كي يرتطم الهواء بوجهها، لترى ذلك الحوار القصير بينهما.
—عودة بالوقت للسابق—
لم تتردد “إيمان” في قبول عرضها، لا سيّما إنه مغري، مغري جدًا، وسيضمن لها حياة مقبولة لفترة طويلة ممتدة، وستتخلص من كل ما يعوقها من نقص الأموال والحاجه لـ العمل تحت أمرة “تهاني” والخنوع لقوانينها التعسفية؛ لكنها أظهرت ترددًا في البداية، خشية إصابتها بمكروهٍ، أو تتربص بها ” تهاني”، لكن “سُلاف” ضمنت لها ذلك القسم.
أبعدت “إيمان” شعرها عن وجهها وهي تتحدث بشئ من التوتر :
– بس لو مسكتني بعدها!.. دي تموتني فيها.
فـ أقنعتها “سُلاف” بوعدها الصادق :
-محدش هيقدر يلمسك، أساسًا مش هيكون ليكي أي أثر.. عقبال ما تهاني تفوق ده لو فاقت، هتكوني انتي سيبتي مصر كلها.. وأنا هعرف أخرجك من هنا من غير أي شبهات.. كل اللي عليكي هتسجلي الإتفاق بصوتها لما يطلع إذن النيابة، واللي بعده عليا أنا.
فتسائلت بإرتياب :
– طب والراجل اللي هكون معاه؟.

 

 

لقنتها “سُلاف” كيف ستتخلص منه :
– هتتمنعي عنه، لحد ما تيجي اللحظة المناسبة اللي هتفضلي تصرخي فيها، عشان الشرطة تدخل تقبض عليه متلبس، وبعدها هتنفذي باقي اللعبة، هتقولي إن تهاني أجبرتك على الوضع ده وإلا هتفضحك، وإنتي لجأتي للشرطة عشان تنقذك منها لأن مفيش دليل في إيدك يدينها.. فهمتي؟.
—عودة للوقت الحالي—
كيف دبرت كل ذلك، وكيف لفقت الأمر ليبدو وكأن “تهاني” تُجبر الفتيات على ممارسة الفُحش والرذيلة؟. لقد استغرق الأمر منها مجهود مادي ومعنوي، حتى تمكنت من الوصول إلى هنا، وها هي تحصد ثمار بذرتها التي تركتها بأرض صالحة للزراعة، حتى نضجت وحان وقت قطفها. تنهدت “سُلاف” وهي تترجل عن سيارتها، ووقفت هنيهه لتسمع “عِبيد” يقول لها :
– حمزة قاعد في الجنينة.
أومأت رأسها بتفهم، وأشارت له لكي يأتي من خلفها :
– هات زين وتعالى.
واستبقت خطواته للداخل، متجاهلة تمامًا النظر نحو اليمين، وسارت بخيلاء وتعالٍ كأنه نكرة لا تشعر به، حتى آتاها صوتهِ المنادي :
– سُــلاف.
التفتت رأسها نحو مصدر الصوت فـ رأتهُ، ثم سارت نحوه وهي تهتف بـ :
– تعالى ياعِبيد.
وصلت إلى الطاولة التي يجلس عليها، فـ اتسع فمها بإبتسامة واسعة وهي تهتف بـ :
– يـاه، هنقعد مع بعض أخيرًا يابيبي.
تناولت طفلها من يدي “عِبيد” ووضعتهُ في عربتهِ كي يكون بجوار مقعدها، ثم جلست قبالته وهي تقول :
– روح إنت ياعِبيد.
نظر “عِبيد” صوبه متوجسًا؛ قبل أن يهمّ بالإنصراف وهو يقول :
– أوامر.
كانت ثمار التفاح الطازج أمامهِ، فـ تناولت إحداهن وبدأت في تقطيعها بالسكين. كانت تقطع الشرائح بشكل حرفي للغاية، كأن عقلها مشغولًا فقط بكيفية تشكيل التفاح إلى قطع متساوية وبنفس الشكل تقريبًا. تشعر بعيناه العالقة بها، مرتكزًا عليها بكل تركيزهِ وحواسهِ، مُصيبًا جلدها بالقشعريرة وهي تُخمن تُرى فيما يفكر بشأنها، ولماذا هذه الجلسة الهادئة الصامتة جدًا!؛ لكنها لم تتحمل صمتًا لأكثر من ذلك، وسألته مُدعية الدلال في صوتها الناعم :
– هتفضل باصصلي وساكت كتير؟.
استند بمرفقيه على الطاولة، وحدقّ فيها وهو يسأل سؤال – يعلم إجابتهِ جيدًا – :
– إنتي اللي خططتي لكل دا؟.. وإنتي اللي أجّرتي البت دي.. مش كده ؟.

 

 

قطبت جبينها بإستفهام، ورفعت بصرها البرئ نحوهِ وهي تقول :
– خططت إيه وأجرت مين؟.. مفيش أي حاجه حصلت من دي، البنت لجأت ليا وأنا ساعدتها.
تلوت شفتي “حمزة” بغير تصديق، وكأنه آمن بتورطها في الأمر منذ أن ربط سبب زيارتها لمركز “تهاني” بالأحداث الجارية، إذًا هي كانت تعدّ للخطة مُنذها!.
تلك المرة سيكون الوضع مختلف تمامًا، لن يهذي بعصبيتهِ المفرطة وتهديدها والصياح في وجهها وما شابه، سـ يتّبع نهج جديد كليًا. اعتنق الصمت وما زالت عيناه عليها، حتى رآها أنهت تقطيع طبق كامل من التفاح، وتركت السكين لتستعد من أجل النهوض، فـ قوس شفتيهِ مستهجنًا و :
– والتفاح اللي سيباه متقطع ده مين هيطفحه!.
سحبت عربة “زين” وهي تجيب بنفس الهدوء الذي لا يتغير :
– أنا مش بحب التفاح، بس بحس بمتعة وأنا بقطعه.
ثم نظرت إليه من طرفها وهي تتابع بنبرةٍ مُغزية :
– عندي مهارة في التقطيع غير عادية، بحس براحة نفسية كده كأنها بتغسلني من جوا.. أبقى جرب، يمكن ترتاح.
ودفعت العربة لتسير بها على الكلأ، حتى وصلت إلى الرواق الرخامي وواصلت سيرها بخطى متأدة حتى اختفت من أمام أنظارهِ، فـ انتقلت عيناه للصحن المملوء بقطع التُفاح، وقد استدل على وجود طاقة عدوانية مخيفة وخفية بداخلها، تحاول دفنها في مكانٍ ما بأغوارها لكنها تفشل، ولهذه الطاقة دافع قوي مريب، كُلما تأخر في الوصول إليه كُلما استنزفتهُ أكثر ووصلت لمبتغاها أسرع، وهذا ما عليه منعهِ، قبل أن يتـدمـر كليًا على يداها.
تحرك نحو البوابة مستعدًا للخروج، فـ تربصت به نظراتها الدقيقة وهي تتتبعهُ، ثم حانت التفاته من رأسها وهي تستخدم هاتفها المحمول في الإتصال :
– أيوة، جاهز؟.. حمزة خارج دلوقتي.. زمانه رايح هناك أكيد.
شعّت إبتسامة سعيدة على محياها، وهي تُغلق الهاتف وتنظر إليه من جديد، كان يستقر داخل سيارتهِ الجديدة، فـ رمقتهُ مُشفقةٍ عليه وهي تردف بـ هسيسٍ خافت :
– خسارة، مش هتلحق تتهنى بيها.
ثم ضحكت وهي تبتعد عن الشرفة وتابعت :
– غـبـي.. مكنتش أعرف إنك هتسلمني رقبتك بسهولة كده!.
**************************************

 

 

توقفت السيارة بالصف الآخر من الشارع، ليرنو بعدها إلى تلك البناية المقصودة بنظراتٍ دقيقة. نظر للمفتاح الموجود بين أصابعهِ، ثم نفخ بإنزعاجٍ شديد وهو يلتفت نحو رفيقه الجالس جواره. كان “راغب” يُدخن سيجارتهِ مرتكزًا بعيناه على نفس البناية، وأردف متسائلًا :
– هي دي العمارة؟.
فأجابه “حمزة” بـ :
– آه ، الدور السادس.
طرد “راغب” النيكوتين من صدرهِ لتتخلل الرائحة النفاذة أنف “حمزة” :
– طب خلينا ننجز عشان مش مرتاح للحوار ده، بس نعمل إيه مضطرين.
نظر “حمزة “للسيجارة التي بين أصابعهِ مستهجنًا، وقد شعر بالنفور الشديد حينما تذكر “سُلاف” عندما كانت تُدخن أمامهِ، لا سيّما المرة الأخيرة التي أحرق فيها يدها فـ أحرقت سيارتهِ الباهظة. تأفف “حمزة” ساخطًا ، وسحب السيجارة من بين أصابعه ثم قذفها من النافذة وهو يصيح بإنفعال :
– ياعم خنقتني بـ أم السجاير دي!.. ماانت عارف مش بطيق ريحتها.
لم يكترث له “راغب” كثيرًا، وأهتم بالتركيز على إنهاء ذلك الأمر :
– طب يلا، شوف هتعمل إيه وأنا هستنى هنا، بس خلصنا الله يخليك.
تأهب “حمزة” للترجل عن السيارة بعدما سحب حقيبته الجلدية التي وضع فيها الحاسوب الشخصي، ثم عبر الطريق للجهة الأخرى ليصعد شُقة “تهاني”، لكي يستحوذ على كل النسخ المُصورة التي احتفظت بها لأولئك الذين سيدعمونها – كما ظنت -. كان الصعود سهلًا بسبب عدم تواجد حارس للعقار، فـ صعد مباشرة دون تضيع مزيد من الوقت، فتح الشُقة وتفقدها بنظراتٍ خاطفة، قبل أن يُسرع نحو الغرفة المقصودة، كان مرتبكًا متوترًا لأول مرة في حياته، وكأنه أتى إلى هنا بقصد السرقة أو ما شابه. فتح الخزانة وبحث بأعينٍ زائغة على ذلك المنفذ السحري المختبئ داخلها خلف الثياب، حتى وجد ذلك المقبض الصغير الذي يقود لذلك المخبأ. ألقى تلك الملابس التي أعجزتهُ عن الرؤية جيدًا، ثم استخدم المفتاح الثاني بفتح ذلك المخبأ. تواجد بداخله صندق صغير للغاية، بداخله (فلاشات) عديدة، كل واحدة منهن ملصق عليها ورقة صغيرة بأسم معين، جمعها كلها ووضعها في الحقيبة، فوقع منهم أثنين، انحنى كي يتناولهم، فـ لفت انتباهه ذلك الأسم المألوف، وبرقت عيناه حينما صدق حدسهِ وهو يقرأهُ مرة أخرى، “شاكر الألفي”!.

 

 

تناولهم ونظر إليها مليًا، حتى دفعهُ فضوله لفتحها ورؤية محتواها الذي خشى أن يكون – محتوى صادق- . استخدم الحاسوب لفتح (الفلاشة)، فوجد مقطعين من الأفلام القصيرة المصورة، فتح أحدهم وانتظر مرور بعض الثواني، ثم مررهُ بضع دقائق، حتى تأكد من رؤية ما خشى أن يراه. حدقت عيناه عن آخرها، وبدا مذهولًا وهو يتمتم بـ :
– دي لعبت على الآخـر.
أثناء ذلك، كان صوت القرع العنيف على الباب يُدوي بالخارج، فـ انتفض “حمزة” من مكانهِ بفزع، واستغرق الأمر منه لحظات قليلة حتى تمكن من إخفاء كل شئ في حقيبتهِ. خرج من الباب ليستمع إلى ذلك الصوت الجهوري الآمر بالخارج :
– أكــسـر البـاب ياعسـكـري…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى