روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الحادي والعشرون

رواية أغصان الزيتون البارت الحادي والعشرون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الحادية والعشرون

“إن أردتها حريـقًـا؛ فـ إضرام النار منّـي.”
___________________________________
خرجت “سُلاف” من دورة المياة أثر صوت هاتفها الذي أزعجها بـ جلبتهِ، تناولته وكادت ترد على مكالمة “عِبيد”، لولا أن الباب انفتح بغتةً على مصرعيهِ، فـ استدارت تنظر للجرئ الذي اقتحم غرفتها، لترى “أسما” تقف بشموخٍ وترميها بنظراتٍ ماكرة، ومن خلفها دلف الطبيب ومساعديهِ من الممرضات، تسلل إليها الشعور بالخطر، لا سيّما هذه النظرات التي تسلطت كلها عليها، گأنها المقصودة بتلك الزيارة المباغتة. سرت رجفةٍ في أوصالها، منعت ظهورها إليهم وهي تتسائل بثباتٍ :
– خير ياحماتي!.. مين اللي جيباهم وراكي دول!؟.
ابتسمت “أسما” من زاوية شفتها، وهي ترنو إليها بإحتقارٍ وهي تقول :
– كل خير.
همّت إحداهن لإغلاق زجاج الشرفة المفتوح عن آخره، حينما كان الطبيب يردف بـ :
– محتاج أفحصك بشكل روتيني.. اتفضلي ارتاحي.
وأشار نحو الفراش وهو يختم عبارته. تركت “سُلاف” هاتفها على طرف الطاولة فـ سقط رغمًا عنها، ليؤدي ذلك إلى إغلاقه نهائيًا، وبدت له مرتاحة مطمئنة رغم كل مشاعر الذعر التي تعيشها من الداخل :
– فحص من أي نوع؟.
فـ تناوبت “أسما” الرد بحزمٍ نيابة عن الطبيب :
– كشف نسا يا حبيبتي.
توهجت عينا “سُلاف”، وتضرج وجهها بحُمرة منفعلة وهي تهتف بـ :
– مش هيحصل، ده على جثتي.
فـ أشارت “أسما” للممرضات وهي تقول :
– يبقى على جثتك.

 

 

فجأة تطوعت الممرضات يدًا بيّد من أجل تجهيزها للكشف الدقيق عليها، فـ كبّلن حركتها من اليمين واليسار، وسحبناها نحو الفراش بقوةٍ فشلت وحدها في ردعها. كل ذلك وهي لم تصدر صرخة واحدة أو تبدي بوادر دفاعية لمنع ما سيحدث لها، مما سهل طمأنينتهم ودفعهم للإرتخاء. وقف “مؤنس” على رأس الممرضات بعدما فتح حقيبته الخاصة ووضعها على الكومود، حينما كشفت إحداهن عن بطنها أولًا وبدأت بنزع حزام الخِصر الرفيع حتى تتمكن من نزع البنطال. لاحظ “مؤنس” ذلك الجرح بأسفل البطن وبمنطقة الرَحِم تحديدًا، وقد بدا عليه الحِداثة، فـ انحنى قليلًا ومدّ يدهِ ليتفقده متسائلًا :
– حضرتك ولدتي أمتى؟.
فأجابت بصوتٍ مرتخي، تاركة نفسها تمامًا لهم :
– ولدت قيصري من أربع شهور.
تأكد من شكلهِ إنه جرح ولادة قيصرية بالفعل تمت منذ أشهرٍ قليلة، فـ نظر بـ إتجاه “أسما” گمن يُبلغها بشئ ما، وقبل أن ينتقل بنفسه للخطوة التالية كان صوت الرصاصة التي اصطدمت بالباب يهزّ قلوب الجميع، فـ انتفضت “أسما” وهي تردف بـ :
– إيه ده!!.
وهرعت بالخروج من الغرفة مُغلقة الباب من خلفها، حينئذٍ كانت “سُلاف” قد استخدمت ساقها لضرب الطبيب ضربةٍ في قلب معدتهِ، جعلتهُ يصرخ متألمًا من شدة ضربتها، وسرعان ما غرست أصابعها بشعر واحدة منهن واجتذبت رأسها لتدفنها بالفراش، حينما حاولت الأخرى بأقصى قوة لديها لتكتيف حركتها، فـ شددت قبضتها على تلك الأسيرة بين أصابعها، وصرخت فيها قائلة :
– قولي لصاحبتك تسيبني وإلا هخلع شعرك في إيدي.
فـ صرخت الأخيرة بتألمٍ :
– سيبيــهـا.
اضطرت لتركها مؤقتًا لإنقاذ زميلتها، بينما جاهد الطبيب لمقاومة حركاتها الهائجة وهي ما زالت مطروحة على الفراش، فـ ثبت ساقيها على الفراش تاركًا ثقلهِ عليها ليتحكم فيها، وهتف بـ صوتٍ مرتفع :
– أهــدي شويه ومتخلنيش أضطر أعاملك بشكل مش هيعجبك أبدًا.
لحظة واحدة فاصلة، وكان “عِبيد” يفتح الباب على مصرعيهِ، ومع رؤيته لذلك المشهد -المُـخزي- كانت الدماء تجري في عروقهِ من فرط الغضب، فـ رفع سلاحه بوجه الطبيب الذي ابتعد عنها مذعورًا، ورفع يداه عاليًا وهو يُبرئ نفسه :
– أهدا ياأستاذ مش كده، مفيش حاجه حصلت!.
وكذلك الممرضات اللاتي ابتعدن عنها وقد تملكهن الذُعر، فـ غطت “سُلاف” ما تعرّى من جسدها، تاركة الأمر كله لـ “عِبيد”، والذي سيقوم بواجبه على أكمل وجه. أفسح “عِبيد” الطريق أمامهم ليمروا من الباب، وعيناه مُطلقة شررًا ممتعضًا عليهم :
– أخرجوا برا، ومحدش ياخد شنط معاه.. أنفدوا بجلدكم أحسن.
كلا الممرضتين انسحبتا غير مصدقين أن النجاة من هُنا قد كُتبت لهن، ركضن گمن يجري حيوان شرس من خلفهن. أما الطبيب فـ مدّ يده نحو حقيبتهِ، فـ كانت رصاصة “عِبيد” أسبق إلى الحقيبة منه، فـ خدشت إبهامهِ ومرت، ليصرخ “مؤنس” صراخًا موجوعًا وهو يضم يده المُصابة لصدرهِ، فـ زجرهُ “عِبيد” بنظرةٍ شامتة وهو يُعيد على مسامعهِ :
– أنا قولت محدش هياخد حاجه معاه.. إنت إيه ؟.. أطـرش ؟.

 

 

غرق وجه “مؤنس” في عرقهِ، ولم ينتظر ثانية واحدة إلا وهو يركض من هُنا ليستأثر بعمرهِ ولا يُفنيه هباءًا، بعد أن أيقن بصدق وعيد ذلك المجنون. ركض فرارًا من المنزل كله، حتى لم يبحث عن “أسما”، والتي تسببت في مجيئهِ إلى هنا وتكليفه بتلك المهمة اللعينة، وذهب بلا عودة. راقب “عِبيد” مغادرتهِ حتى تأكد منها، ثم أسرع يدخل إليها بعدما أعاد السلاح إلى خاصرتهِ. لم تكن موجودة على الفراش، فـ تصوبت عيناه نحو دورة المياة، وخطى نحوها وهو يسأل :
– أنتي كويسة ؟.
فجاءهُ هسيس صوتها الضعيف :
– آه.
– في حاجه حصلت، حد منهم عملك حاجه؟؟.
بنفس النبرة المكلومة، التي لم تقوَ السيطرة على رائحة الوجع فيها :
– لأ، سيبني دلوقتي.
أحس بوجوب تركها وحيدة الآن، مؤكد إنها عاشت لحظات عسيرة للغاية حتى وصل هو إليها. فـ خرج بالفعل وأغلق الباب من خلفهِ، مع سماعها صوت الباب حتى تأكدت إنها بمفردها، فـ انهارت سيقانها الرخوة ليلتقي جسدها بالأرضية، انتحبت بصوت مكتوم، خشيةً أن يرى ضعفها أي أحد. كفها يتحسس موضع قلبها المضطرب، ونبضاتها تتسارع من قسوة وقع الأمر عليها. انهمرت الدموع الصامتة من عيناها، وكأنها لهيب يمسّ جلدها فـ يحرقه، بقيت محاصرة بين مشاعر الوجع الخانقة للحظات طويلة، حتى امتلأ صدرها بمزيد من مشاعر الحقد الكارهه، وفاض بها الكيل حتى بلغ مبلغهِ الأخير. مسحت “سُلاف” دموعها بظهر كفها، احتقنت عيناها وهي ترى أمامها صورة متجسدة لـ “أسما”، والتي لم تتعظ من تحذيرها – الودّي – المرة السابقة وقررت العبث معها مرة أخرى، فـ أصرّت أن يكون الدرس تلك المرة قاسيًا بما فيه الكفاية، حتى يترك أثرهِ في ذاكرتها، فـ يبقى طازجًا ولا تنساه ما حيت.
***************************************
طرق “حمزة” على سطح المكتب بأصابعه، وهو ينظر لملف القضية القابع أمامه بأعينٍ شاردة، مطّ شفتيهِ مستنكرًا، ثم رفع بصرهِ نحو والدهِ المترأس لمكتبهِ الفخم المصنوع له خصيصًا من خشب السنديان، وأردف بـ :
– أنا شايف إنك لسه بتوكلني في قضايا تبع مكتبك رغم إني انفصلت وبقالي مكتب خاص!.
تبسم “صلاح” في وجهه وهو يجيبه بفخرٍ :
– عشان في قضايا لما بشوفها بحس إنها اتوجدت عشان حمزة القرشي بس هو اللي يمسكها.. صحيح إني الأستاذ وإنت التلميذ، لكني علمتك كويس أوي ياحمزة لحد ما شربت كل حاجه وتفوقت كمان عليا.
نهض “صلاح” والتف حول المكتب كي يجلس قبالته وهو يتابع :
– قضية مهمة زي دي هتبقى سهلة بالنسبالك أنا عارف.

 

 

لم يغير إطراء والدهِ عنه رأيه، وظل متحفظًا على توكيل أبيه له بمهامٍ يرى إنها تفوق سعة وقته :
– ماانت متمسك براغب ولسه معاك في المكتب، واحنا الأتنين منتخيرش عن بعض.
– القضية دي صاحبها عايزك بالأسم.
تغضن جبينه وهو يسأل بفضول :
– وهو يعرفني منين؟.
– ميعرفكش، لكن عمه يعرفك كويس.
ولاحت ابتسامة متحفزة على محياه وهو يذكّره :
– نصر بتاع الواحات، فاكره؟.
ارتفع حاجبيه وتجلّت ابتسامته :
– اللي اتقبض عليه عشان حط إيده على أرض الدولة!.
– بالظبط هو.. ده يبقى إبن أخوه.
تنهد “حمزة” وهو ينظر مجددًا لملف القضية، ثم عاد ينظر لوالده وهو يشير لـ :
– يبقى يجهز مبلغ محترم عشان يشتري موظف الشهر العقاري اللي هيضربلنا العقد ويوثقه، الموظفين دول تمنهم غالي شويتين.
لم يكترث “صلاح” بتلك التفصيلة أبدًا :
– ولا يهمك خالص، دوس زي ماانت عايز والواد هيدفع.
وقف “حمزة” عن جلسته حينما دخل “راغب” عليهم بعد طرق الباب :
– مساء الفل.
أشار نحوه “صلاح” و :
– لو عايز تاخد معاك راغب في القضية دي خده معنديش مانع.
ضحك “حمزة” ساخرًا و :
– طبعًا عشان ملف القضية خارج من عندك ياأبو صلاح، إنما لو قضيتي مكنتش فرطت فيه ثانية.
تباهى” راغب” قليلًا وهو يردف بـ :
– معلش أصل أنا مقامي عند الحج صلاح عالي حبتين.
رمقهما “صلاح” بنظراتٍ قانطة و :
– مش عايز رغي كتير، الشغل مش بيستنى.
فرك” حمزة” مؤخرة عنقه، مترددًا هل يخبر أبيه أم لا، وفي الأخير توصّل لضرورة إخبارهِ بما أن الأمر يمسٍ ابنته :
– على فكرة أنا كلمت يسرا الصبح.
تحفزت حواس “راغب” وهو يسمع حديثهما بشأن “يسرا”، ووضع تركيزهِ كله مع “حمزة” وهو يتابع :
– يسرا عايزة ترجع القاهرة.
قطب “صلاح” جبينهِ وهو يسأل مستفهمًا :
– ليه؟.. جرى حاجه تانية بينها هي وجوزها ولا إيه؟.
عاد “حمزة” يجلس من جديد وهو يحرر صدره من زفيرٍ مختنق :
– يسرا عمرها ما اتفقت مع جوزها وانت عارف كده كويس، والمرة دي هي مصممة على الطلاق.

 

 

ترك “صلاح” قلمه على سطح المكتب، وبدت تعابير الإعتراض المتذمرة على وجهه وهو يقول :
– رجعنا للكلام اللي ملهوش لازمه.. أختك طول عمرها مش عاجبها حاجه، وأنا مش عاجبني حوار الطلاق ده، متجوزة إبن سفير وعايشة في أمريكا ومعاها الجنسية كمان!.. عايزة إيه أكتر من كده!.. كلمها وعقلها يا حمزة، أنا مش فايق دلوقتي للعب العيال ده!.
حمحم “راغب” قبل أن ينسحب، حتى لا يتبين على ملامحه أثر تغيير أو ما شابه :
– طب أنا على مكتبي وانت خارج عدي عليا ياحمزة.
– طيب.
رفض “صلاح” مكالمة واردة من “أسما” للمرة الثانية على التوالي، ونفخ بإنزعاج وهو يزمجر قائلًا :
– وأمك كمان مش سيباني في حالي.
لجأت “أسما” لولدها عسى أن يجيب، بعد أن سئمت من رفض زوجها لإتصالاتها المتكررة، وما أن ظهر إسمها على الهاتف حتى أجابها :
– أيوة ياماما!.. في إيه بس أهدي.
هبّ “حمزة” واقفًا مع سماعهِ شكوى والدته، وتوهجت عيناه بغضبٍ مفاجئ تملكه وهو يقول :
– يعني إيه عبيد قفل عليكي الباب!!. إزاي ده حصل، أهدي بس.. طيب أنا جايلك حالًا.
تأهب “صلاح” ليذهب هو أيضًا بعد سماعه لذلك، وسأل :
– إيه اللي حصل تاني مع أمك؟.
سحب “حمزة” ملف القضية وحقيبته وهو يجيب :
– شكلها حصل حاجه منها والزفته التانية ما صدقت ترد!.. أنا جيبت آخري من الو×××× اللي بتحصل دي.
استعد ليغادر و :
– خليك وأنا هحل الموضوع وأكلمك.
وخرج على الفور، كي ينقذ الأمر من جديد، ويواجه نتائج أخطاء والدتهِ. تأفف “صلاح” بقنوط وقد سئم قلة عقلها وحِنكتها التي توقِع بهما في كل مرة، وغمغم بإستنفار :
– زهقت ياشيخة، زهقت.
*************************************
فتح “عطا” الباب عقب طرق مندفع وعنيف، ليجد حقيبة “حمزة” تُلقى في وجهه وهو يهدر فيه بصوته :
– أنت ملكش لازمه هنا ولا إيه؟؟.. إزاي متتصلش بيا لما يكون في حاجه في أم البيت ده!.
تناول “عطا” الحقيبة التي وقعت في الأرض، وأجاب بإرتباكٍ مضطرب :
– أنا كنت برا بجيب حاجات يابيه، ولما رجعت لقيت الهانم محبوسة في أوضتها والمفتاح مش موجود.
دفعه “حمزة” ليبتعد من أمام وجهه، وأسرع بخطاه نحو الدرج ثم للردهه حيث غرفتها، فتح الباب ودفعه لينفتح عن آخره، فـ لمح آثار الدخان منتشرة بالأجواء وقد عبأت الغرفة، نظر يمينًا فرآها تجلس على الأريكة وتستند على الطاولة وهي تُدخن سجائرها بشراهه. فـ مضى نحوها بخطى متعجلة، خطف السيجارة من بين أصابعها ودعسها بالمنفضة وهو يسأل بصرامةٍ :
– الكلب اللي ماشي وراكي في كل حته فين؟.

 

 

تلوت شفتيها بإستنكار، واسندت ظهرها على الأريكة وهي تُجيب :
– معنديش كلاب ، رغم إني بحبهم جدًا تصور.
لكزّ كتفها بقبضتهِ المتكورة فـ آلمها، وهتف بصياحٍ خشن :
– مش عايز استهبال وحياة أمك، الحيوان اللي مشغلاه معاكي فين!.. مش تحت مع بقية الحيوانات!.
تنهدت “سُلاف” وهي تدفع ذراعهِ عنها لتنوه :
– إيدك بس متتحطش عليا يابيبي أحسن توجعك بعد كده.. أما لو قصدك عبيد فـ هو برا مش هنا.. خير عايز حاجه؟.
مدّ يدهِ لها هاتفًا بلهجة آمره :
– هاتي مفتاح الأوضة اللي قفلتوها.
فسألته بفتور مزعج :
– مش لما تسأل الأول أمك عملت إيه؟.
لم ينحاز إليها ثانية واحدة، واستهجن تصرفها ضد والدته :
– ميخصنيش، أسما القرشي تعمل اللي يحلى ليها.. مش انتي اللي هتقولي تعمل إيه ومتعملش إيه.
فـ صاحت “سُلاف” بصوتِ أنثوي لكنه بدا حازمًا حادًا :
– مش مـعايـا!.. تيجي عندي وتـقف.. ده لو خايف عليها.
أطبق بأصابعه على رسغها، وهو يصرّ على أسنانهِ ليزأر بـ :
– أنتي بتهدديني يابنت الـ ××××××.. شكل سكوتي مخليكي واخدة قلم في نفسك وفاكرة إنك تقدري تعملي حاجه!..
لم تتمكن من خدشهِ، فضربت بقبضتها أصابعه حتى تخلصت منه و :
– قولتلك إيدك لتوجعك.. أنا مش مستفيدة حاجه من حبسة أمك، بس قولت نخليها تهدا شوية عقبال ما حد يستلمها.
أخرجت المفتاح من جيب بنطالها وألقته أمامه على الطاولة، ثم عادت تجلس وهي تقول :
– أبقى أسألها انت عن اللي حصل، يمكن تتجرأ وتحكي.
خطف المفتاح عن الطاولة وهو يزجرها بنظرةِ محتقرة :
– حسابك معايا بعدين.
التفت وخطى خطوتين، فـ استوقفه صوتها وهي تردف بـ :
– وأمك كمان حسابها معايا بعدين، عشان اللي حصل عمره ما هيعدي.

 

 

عاد ينظر نحوها، فوجدها تُشعل سيجارة جديدة وهي ترمقهُ بنظرةٍ مغزية، گالتي تتحداه بفعلٍ شدد هو لأكثر من مرة أن لا تقوم به، تحممت مشاعرهِ التي تبغضها أكثر، فـ عاد إليها حتى بقى أمامها، وسحب السيجارة من بين شفتيها وأصابعها وهو يسأل بهدوءٍ مرعب :
– أنا مش قولت مفيش تدخين هنا تاني!.
دعس عُقب السيجارة المشتعلة على ظهر كفها، وتبين الإمتعاض الغاضب على تعابير الحانقة، وهو يزأر بهدوءٍ مخيف :
– أنا محدش يعاندني، لسه متخلقتش اللي تقف قصادي.. أنا سايبك تعيشي يومين، وأول ما تجيلي اللحظة المناسبة هضربك من مكان عمرك ما كنتي تتوقعيه.. يا سُـلاف.
منعت ظهور تلك الرجفة التي سرت ببدنها، وحتى شعور الألم الحارق كتمته في بواطنها، حتى تبدو بهذا المظهر القويّ أمامه، نجحت فعليًا أمامه؛ لكنها من الداخل تفشل في كل مرة، تفشل في تعليم نفسها ألا تتألم، ألا تشعر، ألا تضعف. راقبت خروجهِ حتى بقيت بمفردها، ثم انتقلت أنظارها نحو مكان الحرق الذي توهج بإحمرارٍ ملتهب على كفها، وصرّت على أسنانها وهي تهمس بـ :
– هتدفع تمن ده، وأقرب مما تتوقع.
**************************************
كركرت ضحكة “تهاني” وهي تتحدث في هاتفها، وتأرجحت بمقعدها الوثير وهي تقول :
– متخافش ياباشا، المرة دي الهدية هتعجبك أوي أوي، أنت عارف زوء تهاني لما بتنقي بنفسها.
ارتشفت رشفة من كوب الشاي، ثم تركته جانبًا وهي تتابع :
– أديني يومين بس ، وهتلاقيني جهزتلك ليلة من ألف ليلة وليلة.. بس متنساش تهاني بقى.
وعادت تضحك ملء شدقيها من جديد :
– طبعًا طبعًا، خيرك سابق ومغرّق ياباشا، أتفقنا.. مع ألف سلامة.
أغلقت الهاتف ثم نظرت لتلك الحسناء العشرينية بنظراتٍ جادة، قبل أن تهتف بـ :
– أديكي سمعتي، الزبون المرة دي تقيل أوي.. يعني تتمنيله الرضا عشان يرضى، سمعتي؟.
فأجابتها بدلالٍ :
– حاضر.
نهضت “تهاني” لتقف خلفها، وضعت كفيها على أكتافها العارية، ومسدت على نعومتهما بلمساتٍ مقززة حملت مغزى غير عفيف :
– وكل ما هو هيتبسط، أنا هبسطك.. هبسطك أوي.
أومأت الفتاة برأسها متفهمة :
– متقلقيش.
ابتعدت “تهاني” من خلفها و :
– يلا شوفي وراكي إيه وأول ما الباشا يقرر هبلغك بالمعاد.
بالفعل انصرفت الفتاة، بينما جلست “تهاني” على مقعدها من جديد، مسرورة من نتائج فجورها التي تأتي بثمارها – العطبة – ، تابعت كاميرات المراقبة التي تعرض لها مراكز التجميل خاصتها، لاحظت ذلك المشهد المُخلّ، والذي يجمع بين موظفة لديها وبين فرد الأمن، حيث تحرش بها رسميًا وهي أظهرت قبولًا له، حتى انتهى بهم الأمر بالإجتماع في مخزن المركز الصغير وممارسة فعلٍ فاضح. ضحكت “تهاني” وهي تتابع ما يحدث بينهما من مشاهدٍ ساخنة، كأنها في أوّج نشوتها، حريصة على تسجيل كل ما يحدث بينهما لحين الحاجه إليه، فـ هي من عُشاق تلك النوعية من التسجيلات الوضيعة، والتي تستخدمها ضد صاحبها في الوقت المناسب. ارتخت على المقعد وهي ترتشف الشاي خاصتها، مستمتعة بتلك اللحظات التي تشاهدها بينهما بتحمسٍ ولهفة.
**************************************
كانت الساعة قد بلغت الحادية عشر والنصف مساءًا، حينما وقفت “سُلاف” أمام سيارتهِ، تتطلع إليها للمرة الأخيرة. قامت بإلتقاط صورة واضحة لها، ثم دسّت هاتفها في جيبها وهي تراقب “عِبيد”. أنهى عمله و دنى منها ممسكًا بـ بيدون (جركن) أحمر داكن، وهتف بـ :
– العربية اتغرقت كلها زي ما أمرتي، جوا وبرا.
تناولت “سُلاف” بيدون البنزين منه، وسكبت بعضًا منه على الأرضية كي يصل بينه وبين السيارة، ثم ناولته إياه وابتعدت بعد ذلك وهي تقول :
– ولعلي ياعِبيد.

 

 

وضعت السيجارة بين شفتيها كي يُشعلها لها بقداحتهِ، ثم سحبت منها نفس طويل وهي تنظر للسيارة بنظراتٍ ملأها الحقد، وأخيرًا نظرت لحرق كفها، قبيل أن تقذف بالسيجارة نحو السيارة لـ تُضرم النيران فيها. لحظاتٍ قليلة وكانت السيارة تشتعل أمام عينيها، وألسنة اللهيب تتراقص في حدقتيها الشامتتين، بسمة متشفية علت مبسمها، وكأنها سكبت الماء البارد على حريق صدرها، فـ خمدت نيرانهِ، وسكن جرحها، وهدأ غضبها. وضعت كفيها في جيبي بنطالها، وهمست بـ :
– مش قولتلك أقرب مما تتوقع!.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

‫7 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى