رواية أغصان الزيتون الفصل الثاني عشر 12 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الثاني عشر
رواية أغصان الزيتون البارت الثاني عشر
رواية أغصان الزيتون الحلقة الثانية عشر
كان طريق (الأسكندرية الصحراوي) مثالي للغاية بالنسبة له، خاصةً وإنه يوم بـ وسط الأسبوع، ولا يزدحم الطريق بكثير من السيارات وحافلات الرحلات گأيام نهاية الأسبوع. انتهز “حمزة” الفرصة ومضى بقيادتهِ على الأرض كأنه يطير طيرًا، بينما هي قد أعدّت لتلك اللحظة منذ وقت، وارتدت حزام الأمان تحسُبًا لأي ظرف قد يطرأ. في الظروف العادية، وفي مثل تلك الحالات من القيادة الجنونية التي تقود صاحبها للهلاك – لا محالة -، تبقى أي أنثى في مكانها گمن يأكلها الرعب ويتمكن منها الذعر تمكُنًا؛ لكنها كانت العكس تمامًا، هادئة، ساكنة، باردة للغاية. تنظر أمامها بصمتٍ مريب، وهو گالقدر الذي غلى ووصل لمرحلة الفوران. تجاوز تلك السيارة التي كانت تسبقهُ، واصطنع حالة من الهدوء ناقضت تمامًا جمر جوفهِ المحترق، همهم، ثم هتف بـ :
– همم، بلعتي لسانك الخمسة متر ولا إيه؟.
انبعجت شفتيها قبل أن تُجيبه :
– مستنياك تفتكر.
أطبق أصابعهِ على أصابع يدها اليُسرى، يعتصرهم بقوةٍ مؤلمًا بذلك عظامها، وقد أودع كُل غضبهِ في رغبته المُخيفة لإيلامها :
– ما إنتي اللي هتفكريني يابسبوسة.
خدشت بأظافرها أصابعهِ، حتى تنفك قبضته عنها، بدون أن تُصدر آهٍ واحدة تُشفي غليلهِ، ولمّا فشلت طريقتها ليحلّها، استخدمت أخرى أعنّف منها، وغرزت أظافرها في أصابعه دون الإكتفاء بمجرد خدوشٍ واهية، حتى خلصت يدها منه فعلًا؛ لكنها تخلصت بعد ألمٍ شديد حجبت ظهورهِ أمامه. نظر “حمزة” على أصابعه التي بالفعل تبين عليها آثار أظافرها الشرسة، ثم زجرها بطرفهِ قبل أن يلكم رأسها الصلب لكمةٍ تصادمت فيها عظام كفهِ بعظام رأسها :
– لو ضوافرك الحلوة دي جت على إيدي تاني هكسرلهالك خالص.
دفعت يدهِ بقوةٍ لم تليق بفتاة جميلة مثلها، بل إنها أظهرت له كمّ من الممكن أن تكون متوحشة أكثر :
– وأنت لو مديت إيدك دي تاني هقطعهالك.
لم تكن الفُرصة متاحة له للرد عليها، في ظل إنه رأى تلك السيارة المألوفة، التي رآها من قبل، تُراوغهُ كي تعبر وتكون في المقدمة، سرعان ما تفهم إنها ليست وحيدة كما ظن بالبداية، وإنها قد أخذت احتياطاتها ضده منذ زمن. استمر في مناورتهِ وهي مُدركة جيدًا ما يجري، حتى تبسّم هازئًا من ذلك الوضع الذي لا يُصدقه، وأردف على مضضٍ :
– أنتي جاية ومعاكي حُراسِك؟!.. شاطرة!.
تلوت في جلستها وهي تنظر بالمرآة الجانبية لتراهم، ثم عقبت على سُخريته منها :
– مينفعش أقابلك من غير سلاح.
بقيت عين على المرآة، وعين عليها، تفاقم غضبهِ المكتوم، وأحس بنيرانٍ تتلظّى في صدرهِ، من بشاعة تأثير فكرة انتصارها عليه، للمرة الثالثة على التوالي، فسأل بعصبية فشل في التحكم فيها :
– أنتي عايزة إيه بالظبط؟؟.. إيه اللي مستخبي وراكي!.
بثباتٍ غير مضطرب وثقة شديدة، أجابتهُ :
– شهادة ميلاد لأبنك، زين حمزة صلاح القُرشي.
استهزأ من رغبتها بسؤالٍ ساخر :
– إيه رأيك نتجوز عند المأذون وأعملك فرح، مش انتي أمهُ ومراتي عُرفي!.
اتسعت ابتسامتها المستخفة حتى برزت أسنانها البيضاء، ونظرت حيالهِ بتحمسٍ وهي تجيبه :
– ياريت، تبقى وفرت علينا حاجات كتير.
فصرخ في وجهها ومازالت سرعتهِ الجنونية على أشُدّها :
– أنتي عــبيـطـة ولا بتسـتـعبـطـي!.
انتهزت فرصة خلو الطريق أمامها وقد خلصت نفسها من حزام الأمان، وأقرب سيارة منهم تبعد عنهم بكثير من الأمتار الطويلة، فـ انقضت على عجلة القيادة تُمايلها يمينًا ويسارًا حتى تراقصت حركتها الغير متوازنة، حينما فشل هو في دفعها عن ذراعيهِ وقد تركت ثقلها عليهم، كأنها تودي بمصيرهم للجحيم بعينه، أو تتعمد ارتكاب حادثٍ بدون أدنى اكتراث بالتبعات :
– إنتـــي يامــعــتــوهــــه!!.. بتعملي إيــــــه!؟.
سحب ذراعهِ بصعوبة عن عجلة القيادة، وبقوةٍ غاشمة كان يدفعها لتعود إدراجها على المقعد المجاور، وتحكم في عجلة القيادة قبل لحظات من وقوع الكارثة، لـ يُقرر في هذه اللحظة الوقوف فجأة، بعدما نجحت “سُلاف” في إهدار طاقة أعصابهِ بجنونها المتهور، أطبق على ذراعيها يهزّها هزًا عنيفًا، وهو يزأر في وجهها بصياحٍ منفعل :
– عـــايـزة تـوصلي لأيـه يابـنـت المـجـانيـن!.. عــايــزة مــني إيـــه ؟؟.
قطبت جبينها بذهولٍ مستفز، كأنها لم تفعل شيئًا، وهتفت بـ :
– إيه اللي جرالك ياحمزة!.. مكنتش عصبي كده ، أنت طول عمرك جنتل مان!.
أثارت عصبيته أكثر وأكثر، بحديثها الواثق عنه، وكأنها عِشرة قديمة بينهما وليس مجرد ليلة قضاها سكيرًا مخمورًا :
– وانتي تـعـرفينـي منين يا ×××××!.
ظهر ذلك الرجل الذي رآه قبلًا أمام زجاج نافذتها، وطرق على الزجاج بأصابعه وهو يشير إليه كي يتركها، فـ تجاهلهُ “حمزة” وهو يعيد سؤاله عليها :
– أنـطـقي بدل ما آخـد روحـك دلوقـتي.. مين اللي وراكي، ماانا مش هخرجك من هنا غير لما أعرف؟؟.
استخدم “عبِيد” جهاز التحكم الإحتياطي الخاص بسيارة “حمزة” لفتحها، بعدما تأكد أن الأخير لن يُخرجها بشكلٍ سلمي، فـ انفتح نظام الغلق الإلكتروني، وتمكن “عِبيد” من فتح بابها، وسرعان ما خلصها من قبضتيهِ وانتشلها من السيارة كلها، وسط جمودٍ مصدوم من “حمزة”، الذي تجهم وجهه واكتسى بالذهول المستنكر، وبقى هكذا للحظات يحاول استيعاب ما يجري. نسخة من مفاتيح سيارته الإلكترونية معها!!.. إنه أمر يُثير الجنون ويسترعى التشتت والريبة. ترجل “حمزة” عن سيارتهِ مندفعًا، ووقف على مقربةٍ منها وهو يسألها مترقبًا :
– أنتي معاكي نسخة من مفاتيح عربيتي؟؟..إزاي!؟.
كاد يدنو منها وخطواتهِ توحي بالشر، فـ استوقفه “عِبيد” منوهًا :
– حدودك هنا.
دفع “حمزة” ذراعهِ ليرتد “عِبيد” خطوة للخلف دون النظر نحوه حتى، وأعاد سؤاله بصوتٍ أعلى وأكثر صرامة :
– ما تـردي؟.
اقتربت خطوة واحدة، كأنها ترغب وبشدة في دراسة تعابيرهِ الغاضبة، التي تُثير نشوتها وتُعزز مشاعر السعادة بداخلها :
– آه، وأنت بنفسك اللي مديني النسخة دي.
تغضن جبينه بغير تصديق لتفصيلة گتلك :
– أنا ؟؟.
أومأت رأسها مؤكدة :
– آها، لما كنت سكران ومش عارف تسوق، وأنا اللي سوقت العربية لحد بيتك يومها.. ساعتها كان صاحبك ماشي قدامنا بعربيته وأنا كنت ماشية وراه.. أفتكرت.
(عودة بالوقت للسابق)
أحس برغبة في التقيؤ، بعد كل ما تجرعهُ من المشروب المُسكر؛ لكنه كافح رغبته تلك. استند على سيارتهِ غير قادرًا على فتح بابها، فقط انتابته حالة ضحك هيستيرية وهو يقف جوارها هكذا، حينما سألته هي :
– أنا هسوق، فين مفتاح العربية؟.
فرك “حمزة” مؤخرة رأسه، ونظر نحو “راغب” الذي استقر بداخل سيارتهِ بالفعل، فـ استثقل حتى أن يذهب إليه، وأخرج المفتاح الإحتياطي ليناولها إياه :
– المفتاح مع راغب، خدي ده.
والتفت حول السيارة ليكون بالمقعد المجاور لقائد السيارة.
(عودة للوقت الحالي)
اتسعت عيناه بإستغراب أكبر، بالفعل حفزت ذاكرته ليستعيد المشهد في ذهنه من جديد، رغم أن قواه العقلية لم تكن في محلّها، فـ ألقى عليها نظراتهِ المستهجنة، وهو يهتف بـ :
– وإيه خلاكي تحتفظي بمفاتيح عربيتي معاكي؟!.
هزت كتفها، وأجابته إجابة عشوائية :
– نسيتها في شنطتي، عادي.
والتفتت لتوليه ظهرها :
– عمومًا مفاتيحك أهي معاك.
وأشارت بعيناها لـ “عِبيد”، الذي نفذّ الأمر على الفور وترك المفتاح الإلكتروني أعلى السيارة، قبل أن يستبق خطوات سيدته ليفتح لها الباب الخلفي للسيارة ، حينما هتفت هي بآخر كلماتها :
– هنتقابل تاني قريب أوي.. أقرب مما تتصور.
بقى من حولهِ الخواء، الخواء فقط، بعدما مضت سيارتها تشق طريقها أمام عينيه، دون أن يتوصل لأي جوابٍ لكل الأسئلة التي ملأت عقلهِ، بل إنها ضاعفت التساؤلات في ذهنهِ، بعدما بدأ عقلهِ يستعيد مشاهد قليلة جدًا من هذه الليلة، مشاهد لا تكفيه لاستجماع الأمر كله. نظر من حولهِ، وقد أحس بشعورٍ لأول مرة يحس به، كأن الأمر أعظم وأثقل من قدرتهِ على المواجهة. فرك وجهه، وشدد قبضتهِ وهو يسأل في خفوتٍ منزعج :
– إيه اللي بيحصلي ده ؟.
**************************************
– تهـرُب ضــريبـــي !؟.
جأر بها “صلاح”، غير مُصدق شئ بشع گهذا. ألقى الأوراق من يدهِ على سطح المكتب، وصوّب أنظاره بإتجاه “راغب” متابعًا :
– دي كارثة في حق سُمعتنا!.. إزاي حاجه زي دي تحصل ياراغب فهمني؟؟.
ذمّ “راغب” على شفتيهِ، وحنى بصره عنه غير قادر على إيجاد الجواب المناسب :
– مش عارف ياباشا!.. بس ده مغرز ومعمول فينا، إحنا طول عمرنا دافعين ضرايبنا ومخلصين اللي علينا والمستندات موجودة وتثبت كلامي!.
فـ أطاح “صلاح” بالأطار الزجاجي الصغير الذي يحمل صورتهِ وصرخ بـ :
– أمــــال إيـــه يا راغـب!؟.. الـ ٣ مليون دول جم منين؟؟.
نفخ “راغب” بإنزعاج شديد، وخمّن قائلًا :
– في حاجه كده في دماغي!.
– أتكلم قول أي حاجه؟.
فـ صرّح له “راغب”، حول شكوكهِ التي تتجه نحو شخص بعينه :
– شاكر الألفي؟؟.
ارتفع حاجبيه، حدقت عيناه وتحفزت الدماء في عروقهِ، وقد بدأ الشكّ يتمكن منه :
– معقولة؟.. شاكر بيلاعبني!.
تنهد “راغب” وضاق عليه صدرهِ من ضغط إنفعاله المكتوم :
– يمكن!.. أمال مين غيره ؟.
رنّ هاتفه للمرة الثالثة على التوالي، بعدما تجاهله لمراتٍ عديدة، فـ اندفع نحوه ليرى أسم زوجته يُضئ الشاشة، فـ أجاب عليها وهو يصيح بـ :
– في إيــه يا أســمــا؟؟.
استمع لصوتها الذي أحدث ضجيجًا غير محتملًا، حتى اكتست تعابيرهِ بشئ من الحُمرة الممتعضة :
– أمتى ده حصل؟.. طب أنا جاي على طول.
أغلق المكالمة، وتأهب كي يغادر المكتب في التو واللحظة :
– شوف صاحبك فين خليه يحصلني ع البيت بسرعة.
– في حاجه حصلت ولا إيه؟.
لم يُجب “صلاح” وهمّ منصرفًا في عجالة، حتى إنه تناسى أمر تلك الكارثة التي حطت عليه، فـ نظر “راغب” للفراغ الذي تركه “صلاح” من خلفه، وغمغم بـ :
– العيلة كُلها أضربت!.
**************************************
هذه المرة الخامسة التي يتواصل فيها “صلاح” معه، وفي كل مرة يُخبره بإنه اقترب على الوصول. لم يُخبره والده بأي تفاصيل حول طلبه العاجل والغير قابل لأي تأخير، مما شتت ذهنهِ وشكّل الكثير من السيناريوهات التي أجمعت بأن الأمر خطير. رمى “حمزة” بصره الدقيق نحو مدخل منزلهم، ليرى الكثير من السيارات والرجال الذي تجمعوا حول المنزل، اضطربت أفكارهِ وتشوش عقله فلم يعد قادرًا على التفكير، فرك عنقهِ بعنف حتى خدشهُ دون عمدٍ، وزمجر قائلًا :
– أنا زي ما أكون بحاسب على مشاريب السنة كلها !.
توقف “حمزة” بسيارتهِ قريبًا، لعدم توافر المساحة المناسبة لصفّ السيارة، وترجل عنها وهو يسأل بصوتٍ صدح بينهم :
– إيه اللي بيحصل هنا ده!!..
لم يرد عليه أيًا منهم، فـ نادى بصوتهِ المرتفع :
– يا ســعيـد!.
خرج الحارس الخاص بهم من بين ذلك الحشد، ليرد عليه :
– أيوة ياأستاذ حمزة، أنا أهو.
وحضر بين يديه في لحظة واحدة :
– مين دول وواقفين بيعملوا إيه هنا ؟.
فأشار “سعيد” بيده نحو الداخل وهو يجيب :
– دول تبع الست اللي جوا!.
ناوله “حمزة” المفتاح ودفعه من أمامه بإنفعالٍ :
– أركن الزفتة دي لحد ما أشوف في إيه؟؟
ودخل.. دخل متيقنًا مما سيراه، طالما أن الأمر به سيدة إذًا هي، ليس سواها أحد يجرؤ على ذلك. كان الباب مواربًا، حينما دفعه “حمزة” ودخل، لكنه وجد البهو خاويًا، فـ مشى تلقائيًا لليمين نحو غرفة الإستقبال، ليجد ظل أبيه قد تبين أمام عينيه، فـ دفع الباب واقتحم الغرفة، ليجد في وجهه صراخ والدته المتسائلة بذهول :
– فهمني حـالًا إيه اللي بيحـصل وإيـه اللي بتقوله البت دي ياحمزة؟؟.
التفتت رأسه ليرى “سُلاف” ، تجلس بـ تباهي مريب ، وبين يديها ذلك الرضيع الذي أُثبت مؤخرًا بنوّتهِ لـ “حمزة” ، وقبل أن ينطق كلمة واحدة كانت هي تُبادر قائلة :
– أنا بقول لطنط إنك خلاص اعترفت بينا وهنعيش كلنا مع بعض على طول، لكن هي مش مصدقة!.. هو انت مقولتلهاش اللي اتفقنا عليه الصبح ولا إيـه يا بيبي ؟.
فغر فاهه، وبرقت عيناه بعدما خيّمت سحابة قاتمة على استيعابه بالكامل، حتى مراكز الإدراك قد توقفت للحظة عن العمل، يحاول فهم ما الذي يحدث من حوله بالضبط، وكيف تجري الأمور بهذا التطور السريع والخارج عن إرادتهِ، وكيف يفشل في كل مرة عن ردعها وإيقافها في مكانٍ، وكيف تسبق خُطاه وتفكيره وتخطيطه هكذا؟!.. بقى محدقًا فيها، متجمدًا گالثلج ، وهو يتذكر جملتها بهذا الصباح :- ( هنتقابل تاني قريب أوي.. أقرب مما تتصور).
إذًا قد صدقت، وتقابلت معه بأقرب مما يتـصـور…
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)