رواية أغصان الزيتون الفصل الحادي عشر 11 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الحادي عشر
رواية أغصان الزيتون البارت الحادي عشر
رواية أغصان الزيتون الحلقة الحادية عشر
“إن كُنت أنتَ أبليس، فـ أنا حواء التي أخرجت آدم من الجنة.”
_____________________________________
نظر لساعة الحائط، قبيل أن يمسك هاتفه كي يتصل بها، فقد تأخرت على غير عادتها، ولم يصاحبها أيًا من الحرس الموكلين بحمايتها، وهذا أيقظ الدافع الغريزي للخوف عليها. كاد يتصل بها، لولا صوت سيارتها التي مرقت البوابة الحديدية القديمة، فـ أسند الهاتف على ساقيهِ والتفت بالمقعد كي يغادر غرفة المعيشة، ويخرج لإستقبالها. رأتهُ يُقبل عليها، فـ أحنت نظراتها عنه، كي يتيقن من وجود أمرٍ ما قد يزعجه، فسألها مباشرة :
– نضال كان مستعجل عشان يشوفك ليه ياسُلاف؟.
ذمّت شفتيها بشئ من الضيق، ثم أجابته بصراحة مطلقة :
– كان بيعرفني إن حمزة ناوي يعترف بيا و بـ زين.
اتسعت عينا “مصطفى” قليلًا، تحفزت حواسهِ، وكأن الدماء تدفقت في عروقهِ لتُزيد من سخونة جسدهِ، بالطبع تفهم بأي إتجاه يفكر “حمزة”، وخمن بناء على ذلك :
– عايز ياخدكم بصفة شرعية؟!.. ويعمل اللي يحلاله فيكي بعدها.
أومأت “سُلاف” برأسها مؤكدة صحة تخمينهِ العشوائي، فـ انفعل “مصطفى” رافضًا فكرة گتلك :
– مستحيل، مش هيحصل أبدًا، أنا مش هستعملكم طعم عشان أجيب إبن القرشي وأبوه.
تركت “سُلاف” حقيبتها على المنضدة، ثم دنت منه، انحنت حتى أصبحت قرفصاء أمامه، واستندت على ساقيه وهي تتحدث بهدوءٍ متعمد :
– أسمعني ياعمي، أنا هقولك نفس الكلمة اللي قولتها لنضال، أنا آ……
قاطع حديثها غير راغبًا في سماعه :
– مش عايز أسمع، إحنا هنكمل خطتنا زي ما هي، لكن يوم واحد تعيشي فيه جمب اللعين ده مش هيحصل.
– هيحصل.
قالتها بإصرارٍ، وكأنها قد قطعت تذكرة الذهاب إليه، ولا عودة من ذلك. حدجها “مصطفى” مستنكرًا، وقبل أن يصيح بإنفعالهِ كانت تتابع حديثها :
– أنا مش هكون لوحدي هناك.
صدح صوتهِ عاليًا وهو يعقب على ذلك :
– ودي المصيبة، إنك مش لوحدك.
فـ فسرت له حقيقة مقصدها :
– أنا مقصدش زين، أنت عمرك ما هتسيبني لوحدي هناك.
تغضن جبينه بدون فهم، ولم يصل عقله بعد لما تلمح له بغموضٍ شديد :
– قصدك إيه.
تبسمت تلك البسمة الماكرة، التي تلوح على ثغرها كلما تعلق الأمر بشأن عدوها :
– هفهمك ياعمي.
**************************************
كان الأمر غاية في الصعوبة، تخطّي أزمة ثقيلة گتلك، ناهيك عن الفضيحة التي استمرت لأيام ولم تخمد نتائجها، كل ذلك كان له تأثيره السلبي عليها، حتى إنها حبست نفسها بالمنزل ولم ترى أو تقابل جنس بشر، حتى لا تواجه نظرات الشفقة أو حتى الشماتة في أعين الجميع. عبرت “ميان” بوابة النادي الرياضي بسيارتها، صفّتها بالمكان المخصص لسيارات الأعضاء، وتوجهت بعدها للأماكن المخصصة للسيدات من أجل أعمال (الساونا، الچاكوزي، حمام البخار، مساچ، عناية بالبشرة والجسم). علها تتلقى بعض من الإسترخاء النفسي الذي افتقدتهُ الفترة الماضية، بعدما كانت عروسًا تُزفّ لحبيبها، وانتهى بها الحال لذلك الوضع المُهين. استقبلتها مسؤولة المكان بترحابٍ شديد، دون أن توضح لها الفضول الذي ملأ صدرها فيما يخص تلك الحكاية التي شاعت مؤخرًا :
– أهلًا وسهلًا أهلًا، نورتي المركز ياميان هانم.. أتفضلي.
نظرت حولها بنظراتٍ باحثة، قبل أن تخفض صوتها قائلة :
– بس خلي بالك، أسما القرشي هنا من الصبح.
تصنعت “ميان” عدم الإكتراث بتفصيلة گتلك، بأسلوبٍ بدا حازمًا بعض الشئ :
– دي حاجه متخصنيش، وياريت تخليكي في شغلك.
مضت لتعبر الباب الزجاجي، فـ إذا بها تُصادف “أسما” أمامها بالفعل، أشرق وجه الأخيرة، كونها استطاعت أخيرًا أن تراها، كان استقبالها لها حافلًا – على غير عادتها الفاترة – :
– وحشتيني جـدًا يا مـيان، بتصل بيكي تليفونك مقفول على طول.
انعكست الآيه، الآن “ميان” هي التي تقابل تحيتها بفتورٍ وجمود، حتى إنه يشوبهُ بعض من التكبر المتعمد :
– أهلًا ياطنط، sorry.. رقمي غيرته.
مسحت “أسما” على شعرها وهي تحاول إستدراجها بالحديث :
– المهم أخبارك إيه؟.
– بخير.. عن أذنك.
قالتها بإيجاز ملحوظ، فـ استوقفتها “أسما” وقد اضطربت ملامحها :
– أنا لسه بتكلم معاكي ياميان!.
تنهدت “ميان” وقد تفهمت رغبة الأخيرة وما تسعى إليه، لذلك قطعت عليها طريقها وفسرت علنًا لها :
– مبقاش في كلام ينفع يتقال بينا ياطنط، أنا عارفه عايزة تقولي إيه.. للأسف كلامك كله مش هيكون ليه معنى بالنسبالي خالص، لو عايزة تتوسطي لحمزة عشان بابا ميعملش معاه حاجه فـ ده موضوع خرج من إيدي، وياريت منتقابلش تاني ولا حتى صدفة.
قالت عباراتها واحدة تلو الأخرى، دون وجود أي هدنة بينهما، بعدها انسحبت لتنصرف من أمامها نهائيًا، وقد جمدت “أسما” في مكانها. بعدما كانت هي المتسلطة التي لا تقوَ “ميان” على صدّ كلمتها أو الوقوف أمام رغبتها، أصبحت الآن گالهواء الشفاف، لا تراها “ميان” ولا تسمعها. نظرت “أسما” من حولها فلم تجد أحد من حولهم، فـ ازدردت ريقها، على الأقل لم يشهد أيهم على تلك الأهانة الغير مباشرة لها، وسحبت نفسها لتغادر بعجالةٍ، قبل أن تواجهها مرة أخرى، أو يراها أحد بحالتها تلك.
***************************************
أطالت النظر في صورتها الواضحة، بأحد المنشورات الداعمة لها على مواقع التواصل الإجتماعي، كونها إحدى ضحايا الذئاب البشرية – كما روجّ البعض -. تنهدت بتحيرٍ وهي تُعيد قراءة السطور مرات ومرات، ثم عادت تتأمل ملامحها مجددًا بدون أدنى فائدة، وفي النهاية تركت الهاتف على سطح المكتب وهتفت بإنزعاج :
– مش قادرة أفتكر شوفتها فين قبل كده!.. ده أنا ذاكرتي حديد إزاي مش فاكرة حاجه زي دي؟.
دخل “نضال” عليها المكتب وهي تتحدث إلى نفسها بذلك الشكل المريب، قطب جبينهِ مذهولًا من حالتها، وسألها بفضولٍ :
– في إيه يارضوى!.. بتكلمي نفسك ليه على الصبح!؟.
تهدلت أكتافها وهي تعاود النظر بإتجاه الهاتف المُلقى أمامها :
– بحاول أفتكر شوفتها فين قبل كده، أنا هتجنن يانضال!.
نفخ “نضال” وقد نفذ صبره من محاولاتها المتكررة والبائسة، وحاول جاهدًا أن يُصرف عقلها عن البحث حول “سُلاف” :
– مش فاهم حاجه زي دي هتفيدك بأيه!.. ما تركزي في الشغل المتكوم علينا بسبب الأحداث اللي حصلت، مش عايزين حمزة يرجع المكتب يعمل شغلانه على الفاضي.
نهضت “رضوى” عن مكتبها وسارت نحوه وهي تسأل :
– مستر حمزة بقاله يومين مش بييجي رغم إنه خرج!!.. متعرفش في إيه؟.
وكأنه لم يجد مُتنفسًا غيرها، كي يصب عليها غضبهِ المكتوم، والذي فشل في ردعهِ لأكثر من ذلك :
– يـــــوه!!.. ده مبقاش مكان شغل ده!.. زهقتيني بفضولك يارضـوى ، زهـقت.
رمشت عيناها عدة مرات متتالية بفزعٍ متفاجئ، لأول مرة تراه بهذه الحالة المنفعلة، بل كان دائم الثبات الإنفعالي والهدوء، لا يغضب إلا لأمرٍ شديد الخطورة، وهذا ما كان يُميزهُ. سرت رعشة في أوصالها وقد لمعت عيناها ببريقٍ متأثر، تكاد الدموع تُغرق وجنتيها الآن. لحظة واحدة كانت كفيلة لأن يشعر “نضال” بإنه تجاوز حدّه معها، وصبّ عليها ما لم تكن تستحقه، فـ لملم شتاتهِ الممتعض سريعًا، كي يتدارك الأمر في لحظتهِ، أجفل عيناه بتحرجٍ منها وقدم اعتذاراتهِ :
– أنا آسـف، حقك عليا.. بس أنا جاي من برا مش طايق نفسي.
تحكمت في ضعفها اللحظي أمامه، وبدت قوية متماسكة وهي تصيح في وجهه :
– أنت متزعقليش تاني، أنا معملتش حاجه!.. ومش هتكلم معاك تاني خالص.. أخرج بقى من مكتبي.
تجاهل طردها المباشر له، وأصرف أنظاره عنها وهو يقترب من مكتبها :
– هعتبر نفسي مسمعتش حاجه.
حاولت أن تبدو جادة أمامه، بينما داخلها قد غفر له – گعادتها – :
– نضال أنا مش بهزر.
تحدث بـ لا مبالاة گعادتهِ، وقد عاد لوضعيته الهادئة كأن شيئًا لم يكن، بل إنه تعمّد إصراف عقلها عما حدث منذ لحظات :
– أنا مفطرتش، شوفيلي ساندوتش من ساندوتشاتك.
جلست على مكتبها وسحبت الحقيبة خاصتها وهي تعرض عليه :
– تاكل جبنة رومي ولا جبنة شيدر؟.
مطّ شفتيه يفكر، لم تروق له الإختيارات كثيرًا؛ لكنه بقى مجبرًا على واحدًا منهم :
– خلينا في الشيدر بقى.
ناولته شطيرة طازجة بالجُبن، وعيناها الصافية تعاتبهُ على صنيعهِ معها :
– أتفضل.
أحس بتلك النظرات وكأنها وخزات تُزعجه، فـ أبعد عيناه عنها وقد فهم الخطأ الذي ارتكبهُ :
– خلاص يارضوى خلصنا، مش هتهنى على اللقمة ولا إيه!.
– مش هتتهنى لأ، قوم معايا ياأفندي.
كان صوت “حمزة” مفاجأة لكلاهما، هبّ “نضال” واقفًا، غير متوقعًا حضورهِ اليوم، في ظل إنه أبلغهُ بالأمس بالعكس تمامًا، فدفعهُ ذلك لسؤاله :
– إيه اللي جابك!.. قصدي قولت مش جاي!.
أشهر “حمزة” ذلك الظرف بيده، وعلى وجهه تعابيرٍ متجهمة، أفادت بوقوع أمرٍ جديد :
– الأخبار الزفت هي اللي جابتني.
واستبقهُ بالخروج، ثم الذهاب بإتجاه مكتبه، فـ ترك “نضال” طعامهِ وهو يرمقها ساخطًا :
– أكيد مكنتيش راضية وانتي بتديني الساندوتش.
أوصد “نضال” الباب عليهما، وسأله بفضول وقد ملأت علامات الإستفهام وجهه :
– إيه اللي حصل ياحمزة؟.. أخبار إيه اللي بتكلم عنها.
قذف “حمزة” بالظرف على المكتب وهو يفسر بكلمة واحدة :
– رفعت القضية والصبح وصلتني العريضة بتاعتها.
سحب “نضال” الظرف وهو يعقب على ذلك :
– حاجه كُنّا متوقعينها.. وانت قلت جاهز للرد.
جلس “حمزة” على الأريكة، رفع ساقهِ ووضعها على المنضدة المُقابلة، عقلهِ سـ يُجنّ من فرط التفكير، الأمر ليس عاديًا، لقد استحوذت على كامل عقله ومداركه وتفكيره بشكلٍ هيستيري. مسح “حمزة” بسبابتهِ على شفتهِ السُفلى، وأردف بصوتٍ هادئ بعض الشئ :
– البت دي في حد وراها، في حد ساندها!.
ترك “نضال” الأوراق جانبًا، واقترب منه ليجلس بالقرب وهو يسأله بتفحصٍ لخبايا عقلهِ دون إثارة ريبته :
– تفتكر واحدة من اللي رميتهم في الشارع هي اللي دبرت كل ده!.
نفى “حمزة” فكرة گتلك نهائيًا، ولم يُفسر نفسه بشكلٍ كامل :
– لأ ، دي مش قوة واحدة لوحدها، دي كأنها تنظيم متخطط له كويس أوي.
أنزل “حمزة” ساقه وانتصب في جلسته وهو يتسائل بتحيرٍ :
– بس ليه؟؟.. إيه اللي ممكن يدفع واحدة إنها تشهّر بنفسها وبسمعتها وتبقى على لسان مصر كلها إلا لو وراها حاجه مرعبة!!.
وقف عن جلسته وهو يتابع :
– تيجي تحت إيدي بس وأنا هحل الباقي.. بدل شغل أضرب وأجري ده.
نهض “نضال” ووقف جواره، وبعقلانية شديدة حاول أن يُصرف عقله عن تلك الأفكار الشيطانية، التي يرتب لها :
– أنا مش معاك في الفكرة دي.. إحنا ناس نفهم في القانون وممكن ندوخها ورانا وانت عارف ده كويس، ليه نلجأ لطرق زي دي هترجعنا لنقطة الصفر، أنت مش مدرك إنها قبل كل ده خدت عليك تعهد بعدم التعرض!.
برزت بادرة إنفعال على تعابيره الحانقة، واعترف بدهائها فيما يخص تلك الخطوة الجريئة :
– هي عارفه كويس إني مش هحلّ رقبتها (يتركها) عشان كده خدت الخطوة دي.. بس مش هتفرق معايا.
زفر “نضال” بقنوط، فهو على يقين بأن كل تلك المحاولات لن تُجدي نفعًا، طالما إنه وضع الأمر برأسه؛ لكنه رغم ذلك حبذّ أن تكون هناك فرصة أخيرة :
– طب والطفل اللي بينكم والتحاليل أثبتت إنه إبنك!!.. مش عايز تفكر فيه!.
كأن عيناه غرقت في السوّاد من فرط غموضها، وانعقد حاجبيه مستهجنًا الأمر برمتهُ :
– بس متقولش كلمة إبنك دي!!.. إبني مش هييجي من واحدة قضيت معاها ليلة وأنا سكران، أنا عمري ما هعترف بيه ولو جابتلي ١٠٠ تحليل.
كيف له أن كظم هذا الغضب الذي سيطر على روحه وعقلهِ في آنٍ، لا يعلم. لقد نجى من فضح أمرهِ بأعجوبة، حينما تجاوز – مرغمًا – ذلك الحديث الذي مسّها. وفي لحظة واحدة كان “حمزة” ينتقل بالحديث لمكانٍ آخر :
– بمناسبة التحاليل، لازم تعرف البت دي وصلت لأصل التحليل منين!.. ولو المعمل هو السبب أنا هخرب بيتهم.
كان يتأهب للمغادرة، فـ استوقفه “نضال” متسائلًا :
– إيه ده انت ماشي دلوقتي!!.
تعجّل في خطاه نحو الباب، وهو يجيبهُ بإيجاز :
– آه، هحاول أشوف ميان.
وترك المكتب تمامًا. أخرج “نضال” هاتفهِ، كتب رسالة نصية وأرسلها، ثم مسح سجلات الرسائل النصية بالكامل من الهاتف، قبل أن يُعيده في جيب بنطاله من جديد، ويخرج من هُنا.
**************************************
كان عالقًا بالزحام المروري مجددًا، حينما نزع نظارة الشمس عن وجهه، وقد آلمتهُ عظمة أنفهِ التي ما زالت متأثرة بإصابتها، رغم أن تلك المندوب والآثار قد زال أغلبها، إلا أن بعض العلامات ما زالت باقية. ألقى بالنظارة جانبه ونظر عبر مرآة السيارة على أنفهِ، فـ ضمر لها سوءًا مُضاعفًا، حين مرّ أمام عينه كيف قضمت أنفهِ وكأنها وجبة وليست أنف بشرية. تمتم بسبابٍ خافت، حتى وجد باب السيارة ينفتح، وهي تقتحم المقعد الأمامي المجاور له كي تستقر عليه، لحظات قصيرة جدًا من الصدمة، قطعها صوتهِ وهو يبتسم بخبثٍ بيّن في وجهها :
– ده انتي مرقباني بقى!.
تجاهلت تعقيبهِ قائلة :
– أبقى أقفل أبواب العربية أحسن يطلع عليك حرامية.
زجرها بنظرةٍ مستحقرة وهو ينعتها بشكلٍ متواري :
– مفيش حد هيطلع أسوأ منك.
ضغط على زر إغلاق الأبواب، فـ أوصدها بالكامل، وحتى النوافذ الزجاجية كانت مغلقة، ثم ابتسم بسمةٍ ماكرة وهو يسألها :
– مين هيرحمك مني المرة دي؟.
استنكرت تفكيرهِ البدائي، وكأنه لم يتعامل معها قطّ، ولم يكتشف إنها دائمًا تضع الخطة البديلة :
– يـوه ياحمزة، مش معقول تكون لحد دلوقتي لسه مذاكرتش الدرس كويس.
تغضن جبينه وكأنه خمن مقصدها، بينما كانت تتابع هي :
– أنا مطلبتش غير إنك تعترف بإبنك وياخد حقوقه منك، مش ده القانون؟.
بدا گمن يسخر منها، وهو يؤكد على صحة ما قالته :
– طبعًا هعترف بيه وبيكي.
أطبقت قبضتهِ على فكها السُفلي، وقرّب وجهها منه بعنفٍ مؤلم، وهو يتابع حديثهِ من بين أسنانهِ :
– مش انتي كمان تبقي مراتي حبيبتي وليكي حقوق وواجبات!!.
ملامحها عن قرب، حفزت حواسه لتذكر مشهد لم يمر عليه كثير من الوقت، تلك العينان القاتمتان الواسعتان رآهما، وهذه الملامح ليست غريبة عليه بالمرة، كأنه الأمس القريب، حدق فيها وهي تُجبر محياها على الإبتسام، متعمدة استثارة جنونهِ الذي بات على حافة الهاوية، حتى وصل عقلهِ للمكان والزمان المنشود في ذاكرتهِ…
(عودة بالوقت للسابق)
التفت “حمزة” برأسه ينظر، إلام تحدق هي بعيناها وكل هذا الذهول يعتريها، حتى صدمهُ رؤية تلك الغريبة، فـ فتح زجاج السيارة على الفور، ونظراتهِ المستهجنة تتردد على وجهها وهو يصيح فيها :
– أنتي عبيطة ولا بتستعبطي!!.
فـ سألتهُ بتبجحٍ، وعيناها ترنو إليه بنظراتٍ غريبة، حملت مغزى مُبهم :
– أديني أي حاجه يابيه.
رمقها شزرًا، وأشار لها بإحتقارٍ ليقول :
– غوري من قدامي أنتي عكرتي مزاجي، وإياكِ إيدك تلمس الأزاز مرة تانية.
صافرة إنفتاح الإشارة كانت بمثابة طوق النجاة لهم، فـ أغلق “حمزة” زجاج السيارة وشرع يقتاد سيارتهِ بعجلٍ بعدما فسد مزاجهِ كليًا، وعيناه تنظر إليها عبر المرآة الجانبية، حيث ظلت في محلها دون حراك، وبشكلٍ متصلب جعله يرتاب بشأنها، لكنه تجاهل التفكير بالأمر، بعدما تجاوز الأمر -حسب ظنهِ-. ”
(عودة للوقت الحالي)
اتسعت عيناه عن آخرها، وتخضبت بشرتهِ بشئٍ من الحُمرة الغاضبة، وهو يصيح في وجهها بغتةً :
– الإشــارة!!.. أنتي البت الشـحاتـة بتـاعت الإشــارة!.
نجحت في تخليص فكها الموجوع من يده، ودفعت ذراعهِ عنها وهي تضحك ملء شدقيها، استرخي ظهرها على المقعد وهي تنظر أمامها بثباتٍ مُهلك، وسخرت منه قائلة :
– هو ده اللي عرفت تفتكره !.
انفتحت الإشارة، وركضت السيارات من أمامه أخيرًا، فـ أدار سيارتهِ بتعجلٍ، ومضى يُسابق السيارات من حولهِ بسرعة مخيفة، وقد اهتاج جسده وأعصابهِ وعقله، وانتوى التخلص من جذور الأمر نهائيًا :
– دلوقتي هنفتكر كل حاجه.. مع بعض.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)