رواية يناديها عائش الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الجزء الحادي والسبعون
رواية يناديها عائش البارت الحادي والسبعون
رواية يناديها عائش الحلقة الحادية والسبعون
يارب فرجك لأهل غزة، اللهم عجل نصرهم اللهم عجل نصرهم اللهم انتصر لعبادك المؤمنين اجعل كلمتهم هي العليا، انصرهم ولا تنصر عليهن
زلزل الأرض تحت أعدائهم، دب الفرقة بين قلوب الصهاينة، واصرفهم عن عبادك المؤمنين وكل من ولاهم
واجعلهم في هلكة يا رب..
اللهم اشف صدور قوم مؤمنين.
_________________________
لكنه الله، الإلٰه الذي لا يعجَزَه الرَجاء الصَغير المتروك في صَدرك.
~~~~~~~~~~~~~~~
بعض الأحبة من شدة عشقهم، يتشارك شعورهم و يتضافر مصيرهم.. شعرت ” نورا” بأن بريق الحياة و لمعة الحُب في عينيها؛ انطفأت فور معرفتها بما حدث لـ ” أُبَيِّ ” ذاك الرجل الذي دخل حياتها بلُطف، و أنار ظُلماتها، و توهجت بفضله دقات قلبها فعادت للنبض بانتظام، و هاهي تعود للاضطراب ثانيةً، فتخفق بشدة و بهلع؛ تتمنى أن يكون ذلك مجرد كابوس سخيف، و لكنها الحقيقة..
تداول الأخبار في الجرائد و الانترنت ليس كابوسًا، بل هو حقيقي.. !
لم تتمكن نورا من ضبط وعيها، ففقدت اتزانها و دخلت في حالة اغماء؛ بسبب قلبها الهش الذي لم يتحمل الخبر..
دلفت صاحبة الشعر الأحمر لغرفة ” نورا” وهي تمسك فرشاة شعر بيدها قائلة بتكاسل
” نورا.. ما تيجي تسرحي لي شعري أصل مكسلة”
جابت بعينيها الغرفة لتشهق بفزع هاتفة
“نـــورا… !”
هرعت نحوها تهزها بخوف و الأخرى لا يرف لها جفن، صاحت على حماتها..
” ماما.. نورا ردي عليا.. يا مـامـا…
جاءت ” سارة” على صوت ” هاجر” تسرع في الخطوات بخوف، وعندما رأت وضعية ابنتها التي لا تبشر بالخير، ضمتها لصدرها و طلبت من هاجر أن تحضر لها زجاجة العطر و فعلت الأخيرة بخوف و بارتباك، فهي ما زالت في الأشهر الأولى من الحمل و أي شيء يربكها أو يخيفها قد يؤثر عليها بالسلب..
خرجت ” هاجر” لتحضر الهاتف و تطلب ” زياد”ما إن سمعت صوته، أسرعت بالقول في قلق
” نورا اغمى عليها.. أنا خايفة سيب اللي في ايدك و انزل يا زياد بسرعة.. ”
كان زياد يعمل في مكتبه الذي أسسه فوق شقته؛ حتى لا يبتعد عن زوجته، ترك ما بيده و نزل سريعًا؛ ليجد والدته تحاول جعل شقيقته تسترد وعيها.. كان والدهما في تلك اللحظة يقوم بري الأشجار الصغيرة في حديقة منزله ولم يكن على دراية بما يحدث..
هتف زياد بخوف وهو يحمل نورا و يضعها على فراشها بحذر..
” في ايه.. ايه اللي حصل ؟؟ ”
ردت هاجر في قلق
” أنا دخلت لقتها واقعة على الأرض و الموبايل مرمي جنبها.. ”
” يبقى هي شافت حاجة زعلتها أوي”
أخذت هاجر هاتفها، ووضعت بصمة ابهام ” نورا” عليه؛ ليفتح على الخبر الذي أُغلق عليه..
اتسعت عين هاجر بصدمة و وضعت يدها على فمها ثم نظرت لزوجها قائلة بعدم تصديق
” أُبَيِّ.. اتقتل !!
” ايــه ؟؟ ”
وضعت الهاتف أمام أعين زياد، ليسحبه منها سريعًا و امارات الدهشة ترتسم على محياه قائلًا بعدم استيعاب يصاحبه دموع خوف تجمعت في عينيه
” لأ.. مستحيل.. لأ.. ”
كانت نورا في تلك اللحظة قد عادت لوعيها بفضل زجاجة المعطر، لتقول بخفوت وهي تحاول فتح عينيها بتعب
” أُبَيِّ.. قتلوه.. راجي.. راجي هو اللي عملها.. لأ.. محدش هياخدك مني يا أُبَيِّ.. ده حلم.. حلم.. أُبَيِّ عايش.. عايش.. ”
” خليكوا جنبها.. أنا رايح لعمي مجاهد.. أكيد ده خبر مش صحيح بغرض اللعب بأعصابنا.. ”
لم تستطيع هاجر كتم دموعها، فبكت بشدة تشاركها سارة حماتها البكاء وهي تقول بحسرة
” يارب يكون ده كذب.. قلبي حاسس إن فيه حاجة غلط.. ده طيب.. بقى الغلبان ده يحصله كده !.. ده عمره ما كان ليه عداوة مع حد ولا زعل حد.. ليه بس كده يارب.. ده غلبان ميستاهلش من الدنيا كده.. ”
ربتت هاجر على كتفها تحاول المواساة و عدم تصعيد الأمر
” استغفري الله يا ماما.. بإذن الله يكون بخير.. الطيبين اللي زي أُبَيِّ ربنا بيحفظهم.. أنا متأكدة إنه خبر مزيف زي ما زياد قال.. و أنتِ يا نورا استهدي بالله.. أُبَيِّ بخير إن شاء الله.. ”
لم تنطق نورا، و اكتفت بالبكاء حتى حجبت الدموع لون عيونها المميزة، التي لطالما قال أُبَيِّ فيهما الشِعر و أحبهما حُبًا جنوني..
~~~~~~~~~
في جُنْح اللَّيل أمام شركة الاستثمارات العقارية الخاصة بأُبَيِّ، يقوم مرتكب الجريمة بأخذ الرأس بعد أن فصلها عن الجسد، ثم وضعها بكل جبروت في كيس متين و وضعه في صندوق وقام باغلاقه، ثم ركب دراجته النارية و هرب بها سريعًا تاركًا الجسد يسيل منه الدماء بغزارة بجانب السيارة..
بداخل مبنى الشركة، يفقد ذو العينين الزرقاوان اتزانه من هول ما رآه، و ينكمش على نفسه في زاوية الباب، يحاول السيطرة على ارتعاش جسده، فتلك أول مرة يشاهد جريمة قتل بتلك البشاعة أمامه مباشرةً، و لقلبه الضعيف خارت قواه، و وقع مكانه يكتم نفسه حتى لا يصدر صوته، فيعرف القاتل أنه قتل الرجل الخطأ.. !
ظل يرتعش كالصغار وهو يشاهد من خلف ثقب الباب جسد الرجل أمامه ينزف الدماء كما لو أنها بحرًا..
ارتعدت فرائص أُبَيِّ و اصطكت أسنانه من الوجل، كلما حاول النهوض و الهروب من بشاعة المنظر..
أخرج هاتفه في محاولة منه فاشلة للاتصال بعائلته، و لكن صوته أبى أن يخرج، و كأن الأحرف جفت في حلقه !
عندما رتب أغراضه ليعود أدراجه للمنزل، فوجئ برجل يبدو أنه لص يحاول سرقة السيارة، كاد أن يخرج مسدسه الذي يضعه دائمًا في جيب بنطاله الخلفي، و لم يفكر في ضغط زر الزناد على أحد أبدًا، و لكن يستخدمه فقط في إخافة العدو، فهو أصغر من أن يرى دماء شخص أمامه..
بعد لحظات من محاولة فتح اللص باب السيارة، يأتِ رجل من خلفه يرتدي قناع أسود ثم يشهر سكينًا حادًا و بسرعة البرق يقوم بذبح اللص، فيخر صريعًا على الأرض..
عندما شاهد أُبَيِّ ما حدث للتو أمامه، اختبأ في زاوية بجانب الباب واضعًا المسدس بجانبه، تاركًا لدموعه الانهيار وهو ينكمش على ذاته..
أخذ يعض على أنامله كأنه أصابته نوبة الفزع، و يقول بتلعثم شديد من هول الصدمة
” يـ.. يـ.. يارب.. أنا.. أنا.. أنا.. أنا خا.. خايف.. ”
~~~~~~~~~~
في الممر السري.. دلف قُصي لغرفة ” كريم” وهو يقول مازحا إياد
“هي المهمة دي مش المفروض يبقى فيها حريم حلوة ترد الروح كده ! ”
رد إياد ضاحكًا
” مشان شو الحريم، أنت مو بحاجة لحريم قُصي.. أنت بتمثل أنك شاذ، يعني ما بيعجبك الا الرجال.. ”
شعر ” قُصي ” بأن دلو ماء بارد سكب عليه، ليقول بدموع مزيفة
” منك لله يا عزمي بيه ”
دخلا الاثنان غرفة ” كريم ” ليشهق قُصي بخوف وهو ينحني بجانب كريم يهزه
” كريم.. شوية ميه يا إياد بسرعة.. ”
أسرع إياد باحضار الماء، ليسكبه قُصي على وجه كريم، الذي كاد أن يدخل في غيبوبة لولا مجيء قُصي في الوقت المناسب..
قال كريم بتعب، و رأسه مستندة على ذراع قُصي
” عاوز دم.. أنا.. أنا فقدت دم كتير.. عاوز حد يتبرع لي بالدم حالًا.. حالًا يا قُصي.. ”
تفقده قُصي بدهشة، ليرى من أن أين نزف، و لكنه وجد جسده سليمًا ليس به خدش واحد، فتنهد بقلة حيلة ليحدثه بلوم
” يعني الحق عليا إني سمعت كلامك و صنعت القلادة الزفت دي ! مش قولتلك بلاش تستخدمها بالطريقة دي عشان فيها موتك !.. ليه يا كريم ؟
رد كريم وهو يلهث بصعوبة
” رُميساء يا قُصي.. كانوا هيقتلوا مراتي ”
” مين دول ! ”
” أ.. أبويا.. و.. و رودينا.. لازم نتخلص من رودينا و عصابتها يا قُصي.. قبل.. قبل فوات الآوان.. ”
” كنت مستني بس اسمعها منك عشان نخلص عليهم.. لو اتعرف أنا مشتاق للحظة دي قد ايه.. ”
” اللواء مش هيوافق.. هو محتاجهم عشان.. عشان السفاح الكبير.. البوص بتاعهم ”
هتف قُصي بتعصب
” عن أمه ما وافق.. بقولك ايه يا كريم.. العملية دي احنا اللي هنقوم بيها و احنا اللي هنخلصها من طقطق لسلام عليكم.. معايا ؟ ”
رد كريم بصعوبة
” مـ.. موافق”
بعد أن تم ابلاغ غرفة الاسعافات الأولية بالممر، بما حدث للضابط كريم، جاءوا في الحال و حملوه للغرفة التي سيتم بها نقل الدم اليه بعد أن وجدوا زميلا له نفس فصيلة دمه..
” إياد.. أي حاجة من اللي سمعتها بيني و بين كريم اعتبرها سر.. يعني محدش غيرنا في الممر يعرف بيها ولا حتى اللواء نفسه.. فهمت ؟ ”
أومأ إياد بصدق و تسائلا حائرا
” فهمت.. لكن ما بفهم شو بتقصد بالقلادة ؟ ”
” ولا عايزك تفهم.. عشان دي حاجات كبيرة على العقل يستوعبها.. دي حاجات خاصة بعقلي أنا بس”
” والله عقلك كتير بيخوف قُصي.. ”
~~~~~~~~~
في غرفة اللواء، كان قابعًا في مكتبه يتابع الأخبار المتداولة، توقفت عيناه على خبر مقتل أُبَيِّ، مما استدعاه ذلك للتواصل مع كبار البلد لتكذيب الخبر، فحادث مثل هذا بالطبع سيؤثر سلبيًا على شقيقه، الذي ستقوم المهمة بالكامل على عاتقه، بصرف النظر عن حزن عزمي الشديد على ابن صديقه “مُجاهد” و لكن مصلحة البلاد أهم الآن، طلب اللواء من قوة أمنية البحث حول تلك الجريمة و معرفة مرتكبها و قتله في الحال لتخفيف الحزن على عائلته، دون الانتظار لحكم المحكمة…
~~~~~
توجه زياد ناحية بيت عمه مُجاهد للتأكد من صحة الخبر، فوجده يقف في الشرفة شاردًا و يبدو أنه لم يعلم بعد..
قال زياد بهدوء
” ازيك يا عمي.. أُبَيِّ فين ؟ ”
” ازيك يا زياد.. لسه مرجعش والله.. اتأخر انهارده.. استنى اتصل عليه.. ”
رد زياد بنفي سريعًا، مما أخذت الشكوك تساور مجاهد
” لأ.. أنا بقول نروح له الشركة أحسن ”
” ليه.. زمانه على وصول ”
” أنا مستعجل.. عاوزه في حاجة ضروري.. هتيجي معايا يا عمي ولا أروح لوحدي ”
” هاجي معاك طبعًا يا زياد.. ولو إني مش مطمن”
اتجه ” زياد” برفقة عمه للشركة الخاصة بـ أُبَيِّ، و طوال الطريق لم يكف لسانه عن الدعاء لابن عمه أن يكون بخير..
على الناحية الأخرى، في بيت ” إخلاص” جدة “عائشة”..
تفاجأ الجميع بوجود ” عصام” ابن خال “عائشة و زين” و حفيد ” إخلاص” في البيت يتحدث وكأنه مالكه.. لم يروق لـ ” بدر” هذا الشاب الذي يبدو من هيئته أنه ثمل، فتساءل عن هويته..
أجابت الجدة إخلاص بقلة حيلة
” ده حفيدي.. ابن ابني الكبير للأسف ”
” و للأسف ليه يا ستو.. هو أنا كلت ورث أمك ولا ايه ؟ ”
قالها عصام ببرود وهو يشرع في تناول الطعام متابعًا بشهية
” بس حلوة الملوخية دي.. أكيد البت بنت عمتي الرقاصة الله يرحمها هي اللي طبختها.. مهو الحلو ميعملش غير الحلو.. ”
كانت عائشة قد هرعت لغرفتها سريعًا، ترتدي اسدالها عندما سمعت صوته..
لحظات و كان وجه ” عصام” في طبق الملوخية، إثر الصفعة التي تلقاها من يد بدر الكبيرة من الخلف، مما غرق وجهه بالملوخية، و أخذ ” زين” يضحك عليه بشدة حتى أدمعت عيناه..
قال ” بدر” وهو يناظره بغضب جالسًا أمامه
“لما تتكلم عن بنت عمتك.. اتكلم بأدب.. و لما تتكلم عن مراتي اللي هي بنت عمتك، تفتكر القلم اللي خدته من شوية و متتكلمش خالص.. فهمت ولا أفهمك بطريقة تانيه ؟ ”
كانت عائشة تقف بالجانب تشاهد ما يحدث، و تضحك في صمت، بينما ” زين ” لم يكف عن الضحك مما آثار ذلك غيظ عصام و اتجه ناحيته يهتف بغضب
” أنا هخليك تضحك كويس..
همّ بضربه، و لكن ” زين ” فاجأ الجميع بوضع رقبة ” عصام” بين قدميه في حركة تشبه المقص، جاءت سريعة و بمهارة قبض على رقبته، ليقول زين ساخرًا من عصام
” متعملش معايا تحدي و أنت مش قدي ”
صمت ليتابع وهو يترك عصام بعد أن كاد يختنق
” دي حكمة شوفتها على توك توك لما نزلت المنصورة ”
حاولت الجدة التدخل و تخفيف حدة الموقف بين احفادها الثلاثة، فقالت وهي تساعد عصام في النهوض..
” أنتم اخوات.. متعملوش في بعض كده.. زين و عائشة ولاد عمتك يا عصام، و عصام ابن خالكم.. أنتم مش أعداء يا حبايبي..”
قال عصام بانفعال
” طيب دي وعرفنا انها بنت عمتي.. ده بقى يطلع مين ؟ ”
” ده ابن عمتك ناهد برضو يا عصام.. بس من زواجها الأول.. ”
” حلاوتها أم حسن.. يعني رقاصة و بتاعت رجالة
” ما تحترم نفسك يا بني آدم أنت.. اللي بتتكلم عليها دي تبقى أمي.. و لو كانت ايه حتى مش هسمح لأي حد يخوض في سيرتها.. الدور و الباقي عليك يا شمام يا رد السجون ”
قالت عائشة ذلك، وهي تلوح بيديها له بانفعال و تعصب شديد، و بدر يقف وراءها يشجعها، و زين يصفق لها، أما الجدة تضع يدها على رأسها من ألم الصداع الذي انتابها فجأة..
بدا المشهد هزلي ساخر كأنه مستوحى من مسرحية هزلية..
وجد عصام أنه لا مفر من ثلاثتهم، فقال بهدوء جعله سخيف في نظرهم
” محدش فيكم معاه ألف جنيه سلف.. أصل مشترك في جمعية خيرية و الفلوس اللي معايا وقعت مني.. أنا أصلًا كنت جاي استلف من ستي فلوس و أول ما أكسب في القمار هردهم علطول”
” قُمار و جمعية خيرية !! الواد ده سكران طينة
قالها زين بدهشة وهو يضرب كفًا على كف، بينما الجدة أعطته ما يريده قائلة بحزن
” خد الفلوس أهي يا عصام.. بس بالله عليك يابني ما تضيعها في الخيبة.. ابعد عن سكة الحرام يابني.. ”
نظر لها بدر باستنكار، و كأنه لا يعجبه ما يحدث.. انتظر حتى ذهاب عصام و قال لها بعتاب
” ما ينفعش كده والله.. اللي أنتِ بتعمليه معاه ده مش هيخليه يبطل الحرام.. طول ما الفلوس قدامه.. هيعمل اللي عاوزه.. بطلي تشاركيه في الحرام.. ”
” أشاركه في الحرام ! ”
” آيوه.. الفلوس اللي بتساعديه بيها دي هي سبب نكسته.. طالما مش قادرة تعملي ليه حاجة.. يبقى تمنعي عنه الفلوس.. ”
“آخر مرة منعتها عنه كان هيضربني..”
” يضربك !! الواد ده لازم يدخل مصحة يتعالج من القرف اللي بياخده.. ”
” ابوه وامه مش قادرين عليه.. و مش في دماغهم أصلا.. سايبينه على كيفه.. ”
“خلاص سيبي الموضوع ده عليا… إحنا هنستأذن بقى عشان سايب أمي و سيف لوحدهم، و أنا عارفه سيف أنا اللي بقوم بكل احتياجاته..”
” ماشي يا بني.. ربنا يشفيه.. سلملي على مفيدة و خلي بالك من عائشة يا بدر.. ”
رد بدر بابتسامة، وهو يطوق كتف عائشة تحت جناحه
” في عنيا و في قلبي والله.. ”
اقترب ” زين ” ليعانق عائشة، فدفعه بدر برفق قائلا بغيرة
” حيلك.. ده أختك من أسبوع واحد بس.. لم يعدي عليكم سنة كده ولا حاجة ابقى سلم عليها بس أحضان لأ.. ”
ضحكت عائشة، فقام زين بمعانقتها رغمًا عن بدر، و الأخير ينظر له بغيظ..
قال زين قاصدًا استفزاز بـدر
“بحب مراتك أوي..”
” حبك بُرص.. ”
قالها بدر وهو يسحب عائشة منه، أما هي ظلت تضحك عليهما قائلة
” أنتم بقيتوا أحلى حاجة في حياتي.. خصوصًا أنت يا بدر.. أنت كل حياتي ”
اتسعت ابتسامة بدر وهو يزيد من ضمها إليه، متجهين ناحية الطريق الزراعي ليجدوا أي وسيلة توصلهم للبيت..
~~~~~~
وصل ” زياد” و عمه لشركة ” أُبَيِّ ” لتصطدم أعينهم بجسد بدون رأس غارقًا في الدماء بجانب سيارة أُبَيِّ… وقف زياد مكانه من صعوبة المشهد و كأن قدماه تأبى أن تخطو خطوة أخرى، أما مجاهد فور أن رأى ذلك، لم يقوى على المشي و جث على ركبتيه ينهار بشدة و يتمتم
” أُبَيِّ.. أُبَيِّ لأ.. ده حيلتي.. ليه.. ليه هو.. ليــه ”
ثم صاح بحرقة قلب
” بتنتقموا مني في ابني.. ده اللي حيلتي يا كلاب.. ابني لأ… أُبَيِّ لأ… ”
اقترب زياد من الجسد بصعوبة، فلاحظ بعد أن اضاء ضوء الفلاش في هاتفه، أن ذلك الجسد سمين قليلًا عن جسد أُبَيِّ و أقصر بقليل.. ظهرت لمعة الأمل في عينيه و تنهد بارتياح قائلا
” ده مش أُبَيِّ يا عمي.. ”
” مش أُبَيِّ ! ابني.. ابني عايش ؟ ”
تساءل و بصيص الأمل يظهر في عينيه..
هز زياد رأسه وهو يتجه ناحية الشركة..
” إن شاء الله.. ”
دخل زياد من بوابة الشركة، لتصطدم عينيه بجسد أُبَيِّ مُلقي على الأرض، كان أُبَيِّ قد فقد وعيه من تأثير الصدمة القوية عليه قبل مجيء زياد و والده..
هتف زياد بنبرة انتصار وهو ينحني يتفحص أُبَيِّ
” أُبَيِّ عايش يا عمي.. أُبَيِّ هنا أهو.. دور العربية واطلع بينا على أقرب مستشفى ”
أسرع مجاهد في الخطوات ليجد زياد يحمل ابنه متجهًا للسيارة، فهرع نحوها يفتح الباب و يستعد للقيادة وهو يتفحص ولده بجنون في المقعد الخلفي..
” هو.. هو كويس يا زياد.. ”
” الحمدلله يا عمي.. هو تقريبا أغمى عليه من اللي شافه.. بس هيبقى كويس إن شاء الله.. ”
صمت يفكر في شيء، ثم قال وهو يخرج هاتفه
” في حاجة لازم أعملها دلوقت.. ”
تحدث مع أحد أصدقائه في الشرطة، وطلب منه أن يأخذ قوة عسكرية و يبدأوا البحث عن راجي، فهو مما لا شك فيه مرتكب تلك الجريمة قاصدًا بها أُبَيِّ..
قام أيضًا بالاتصال على البيت لتطمئن نورا على خطيبها و يطمأن عائلته أيضًا…
وصلت السيارة لأقرب مشفى، و عاودت نورا الاتصال بأخيها لمعرفة اسم المشفى.. تردد في البداية أن يخبرها؛ لئلا يحملها فوق طاقتها، و لكن من كثرة اصرارها عليه.. أخبرها باسمها، فارتدت ملابسها تلحق بهم في الحال و معها والدها وأسرة ” أُبَيِّ” بعد أن علموا بالأمر، أما سارة رفضت ذهاب هاجر خوفًا عليها و مكثت معها في البيت، تنتظرن عودتهم بسلام…
~~~~~~~
وصل بدر و عائشة للحارة، و أثناء دخولهم المنزل يُقبل عليهما شخص من أهل الحارة يخبره بما حدث لابن عمه، مما هلع بدر و اتجه ناحية بيت عمه مجاهد؛ ليجد أن البيت مغلق ولا أحد يجيب، اتجه لبيت عمه مصطفى و عرف من هاجر كل شيء، فتوجه للمشفى شاكرًا الله أن هذا الخبر كذب.. أما عائشة ظلت مع هاجر و عمتها لحين عودة بقية العائلة..
~~~~~~
وضع زياد ” أُبَيِّ ” على ترولي نقل المرضى، ليقوم الطبيب باسعافه و فحصه في الحال..
و بعد قليل من الوقت، عاد الوعي له، و لكن بشكل مختلف، ما إن استرد وعيه أخذ يصرخ بهيستيرية و يتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة بتلعثم شديد دلالة على خوفه و فزعه من أمر ما، استدعى والده الطبيب بخوف، فجاء و معه حقنة مهدئة قائلا
” هو عنده نوبة صرع دلوقت.. الحقنة دي هتريحه إن شاء الله.. ”
بعد دقائق من الصراخ و البكاء و التصرفات الغريبة، دخل أُبَيِّ في نوم عميق و جلس والده بجانبه يذرف الدموع في صمت، بينما زياد ظل يردد في خفوت
” الحمدلله أنها جات على قد كده.. متقلقش يا عمي هيبقى كويس.. ”
تركهم و خرج ليعاود الاتصال بصديقه الشرطي، فأخبره أنهم لحقوا بـ ” راجي” يحاول الهروب بطائرته الخاصة..
بعد أن قتل راجي الرجل الذي أرسله لذبح أُبَيِّ؛ لأنه تفاجأ بالرأس الخطأ، علم أن الشرطة تبحث عنه، فأعد طائرته استعدادًا للهروب، و لكن قام أحد الضباط بتوجيه المسدس نحوه، فلم يبالي راجي و أصر على الهرب، مما اضطر الضابط لتصويب المسدس على قدمه و إصابته برصاصة جعلته يعجز عن تنفيذ مخططه..
استدار زياد ليطمأن عمه، فسمع صوت همهمات من خلفه يعرفها جيدًا، التفت ليجد شقيقته تجر أذيال الخيبة وراءها و تهتف باكية
” زيــاد.. أُبَيِّ.. أُبَيِّ فين.. عاوزه اشوفه..
بالله عليك دخلني عنده.. ”
ضمها زياد لصدره بحنان
” اهدي يا حبيبتي هو كويس.. أخد حقنة مهدئة و نام.. ”
وصل بدر هو الآخر يتساءل بلهفة يرافقه عمه مصطفى
” أُبَيِّ كويس يا زياد.. هو فين عاوز اطمن عليه ”
و تبكي والدة أُبَيِّ بشدة قائلة
” ابني فين يا زياد.. ”
يرافقها ابنتيها اللتان اعتصر قلبهم من الخوف على أخيهم الأكبر..
هتف زياد يحاول تهدئة الجميع
” وحدوا الله يا جماعة.. هو كويس والله.. الحمدلله.. الخبر كان كذب.. اللي اتقتل واحد تاني ملناش علاقة بيه.. أُبَيِّ شافه ومن الخوف بسبب المنظر أغمى عليه.. أنتم عارفين البسكوتة بتاعتنا يعني.. مش بيستحمل يشوف دم بني آدم.. ده بيخاف يشرب التمر الهندي و العناب عشان لونه أحمر.. ”
قال جملته الأخير بقصد الدعابة ليخفف من التوتر عند الجميع.. عزمت نورا على الدخول لخطيبها، فدفعت شقيقها الذي منعها و اتجهت تسأل على غرفة أُبَيِّ، و عندما وصلت.. اتجهت بقلب مفطور تجاه الفراش تقول بحُرقة
” يا ريت كنا كتبنا الكتاب.. على الأقل كنت خدتك في حضني و طمنتك إني جنبك و مش هخلي حاجة تخوفك طول ما أنا جنبك.. أنا بحس إنك ابني و مسؤول مني مش بس حبيبي.. أنت الراجل الوحيد اللي حببني في شكلي و نفسي.. أنت اللي عرفتني قيمة نفسي، و أنا من غيرك مليش قيمة.. أنت هتقوم و تبقى كويس و نكتب الكتاب علطول.. عشان وحشتني جملة
” عيونك أحلى عيون أنا شفتها ” و أنا عنيا مشافتش ولا هتشوف غيرك يا أُبَيِّ، يا أطيب و أحن قلب في الدنيا.. صعب عليا أشوفك كده.. قوم قولي بحبك، قولها في العلن أنا لست خطيئة.. قوم افضحني و قولي بحبك.. ”
كان الجميع ينظرون لها بتعجب و استغراب من كلامها الغير موزون، لتقول ملك الصغيرة من بين بكائها
” نورا.. أنتِ وقعتِ على دماغك و أنتِ صغيرة !
كتم زياد الضحك وهو يضم نورا له قائلًا بحنان
” اهدي يا أم عيون حلوة.. لما مفعول الحقنة يروح هيقوم و يبقى زي الفل.. طلعتي حبيبة زي أخوكِ.. عايزاه يفوق عشان يفضحك !
نظرت له نورا باستنكار وهي تمسح دموعها
” أنا مقولتش كده.. ”
” يبقى ملك عندها حق ”
ابتسم الجميع في خفة، بعد أن اطمئنوا على أُبَيِّ و أخبرهم الطبيب أن حالته من المفترض أن تستقر و تعود لطبيعتها بعد انتهاء مفعول الحقنة..
~~~~~~~~~
عاد كريم لقوته بعد ساعات قليلة من الاسترخاء، و قد عزم في نفسه أن ينهي تلك السخافة التي تحدث..
انتظروا حتى سكون الليل، و استطاعوا الهرب خارج الممر، يركض ” كريم” بعد أن هرب بنجاح بعيدًا بوابة الممر السرية، يتبعه قُصي و إياد و رحيم، فقد عرض قُصي على كريم فكرة مجيء إياد معهما للمساعدة إذا احتاجوا شيء، و فكر كريم في مجيء رحيم أيضًا، فهو قوي البنية و وجوده مع كريم مكسب اضافي، فلطالما عملا معًا كجسد واحد..
أملى ” كريم” عليهم بعض التعليمات، و حذر قُصي و رحيم من الشجار سويًا..
كان كريم قد أعد وجهز عدة لا مثيل لها من الحراس، فجعل حول بيت رُميساء حراسة قوية من الرجال ذو البدلات السوداء و الكلاب السوداء الشرسة، و أمرهم أن يتابعوا بعيون كالصقر أي أحد يحاول التعدي على زوجته أو أهلها، و يقوموا بقتله على الفور دون اللجوء إليه حتى، فأي شخص سيفكر حتى في ازعاج ” رُميساء ” ولو بكلمة سيكون مصيره القتل..
اتجه برفقة ” رحيم” ليقوم بتعيين أحد الرجال الأقوياء بتتبع والده أينما ذهب و إخباره بما يود فعله..
قبل الاتجاه لفيلا عائلته، اتجه لبيت زوجته أولًا؛ ليطمئن عليها و يشرح لها الوضع الذي ستسير عليه الأمور لحين عودته من المهمة التي كلف بها خارج مصر..
ما إن وطئت قدماه بيت رُميساء، انهال عليه والدها بالأسئلة عن ماهية هؤلاء الرجال و ماذا يفعلون أمام منزله..
هدأ كريم من روع حماه قائلًا
” متقلقش يا عمي.. الناس اللي برا دي في خدمتكم.. مش عاوز حد منكم يطلع برا البيت و أي فلوس هتحتاجها تقدر تطلبها من رجالتي، و طلباتكم كلها مستجابة الا الخروج من البيت ”
تساءل حماه بدهشة
” مش تفهمني بس يا بني في ايه ؟! ”
” أنا ليا أعداء ولازم أعمل كده من خوفي عليكم.. الموضوع ده هيستمر لحد ما أخلص المهمة اللي بلدي كلفتني بيها.. اطمنوا هتابعكم دايمًا.. ”
ثم ترك والدها في حيرة، و دلف لغرفتها ليجدها جالسة تنظر له بعتاب و الدموع تملأ عينيها الجميلتين، هرول نحوها يضمها اليه في حنان، فدفعته قائلة بغضب
” أنا مصدقتش اللي البنت دي قالته.. بس ايه علاقتك بيها.. تعرفها منين ؟ ”
تنهد بحزن على حالتها التي وصلت اليها بسببه، فقام بضمها لصدره رغمًا عنها، حتى أطلقت لعيونها العنان و بكت وهي تتمسك به بشدة..
” كريم أنا خايفه.. أنا فجأة حسيت إني كبرت.. مش فاهمه حاجة.. مش عارفة اتصرف.. حاسة إني تايهه.. كبرت قبل ميعادي.. ”
مسد على شعرها، و زاد من ضمها إليه.. ليقول بِحُب
” أنا آسف.. المهم إنك عرفتي فايدة القلادة.. الباقي هتعرفيه في الوقت المناسب برضو.. كل اللي عاوزك تعرفيه دلوقت.. إنك مش لوحدك..”
أخذت تبكي في صمت، فمسح لها دموعها وهو يتأمل وجهها الهالك أثر الندبات عليه من ضرب والده لها، ليتحول وجهه للغضب و الغيظ هاتفًا
” حقك هيجي.. و الإيد اللي اتمدت عليكِ هتتقطع.. حتى لو ايد أبويا ”
هزت رأسها بنفي، لا توافقه على كلامه
” مينفعش يا كريم.. ده الدك.. و مهما يكن ده راجل كبير مينفعش.. البنت اللي اسمها رودينا دي لازم تعاقبها.. ”
” أعاقبها ! ده أنا هوريها النجوم في عز الضهر”
ودعها بعناق قوي مع قُبلة رأس عميقة، ثم تركهم و ذهب متجهًا لفيلا والده و الشرر يتطاير من عينيه..
~~~~~~~~
في بيت مهجور و مخيف من هيئته، يجلس
” قُصي ” واضعًا قدم فوق الأخرى و بيده سوط يتلاعب به بسخرية، وهو يتأمل حال الثلاثة أمامه..
تجلس رودينا و كارمن و أمجد، كل واحد على كرسي موصل بالكهرباء.. مقيدين جيدًا وعلى وجوههم آثار ضرب شديد..
قال قُصي ببرود محدثًا إياد
” نعمل إيه تاني يا إياد.. ضرب و ضربت.. شتيمه و شتمت.. كهربا و كهربت.. ميه و غطست وشهم العكر ده فيها.. و برضو مصممين يداروا عن الريس اللي مشغلهم.. عاوزين تشيلوا الليلة عنه يعني ! معنديش مشكلة.. أنا فاضي لكم ”
تحدثت رودينا بصعوبة
” قولت لك معرفش مكانه ”
” و أنا مش عاوز مكانه.. عاوز اعرف هو مين.. بسيطة أهي ! ”
ردت كارمن تتوسله
” قُصي.. أنت بتحبني.. أنا متأكدة.. و أنا كمان بحبك.. أرجوك فكني.. فكني و هقولك على كل حاجة.. ”
” أنتِ بالذات لو انفعلت عليكِ.. أقسم بالله لأمثل بجثتك.. أنتِ أحقر واحدة عرفتها يا كارمن.. ”
قالها قُصي وهو يرمقها بغضب لأول مرة يشهده إياد..
صمتت كارمن تنظر لرودينا ببكاء، و الأخرى لا تدري ماذا تفعل للنجاة من براثن قُصي..
تساءل أمجد بخوف
“أنت عرفت مكاننا ازاي ؟!”
” و أنت مال أمك ! ”
بعد دقائق، يدلف كريم يرافقه رحيم، ليقول الأخير بتعجب و إعجاب
” أكيد إياد اللي عمله فيهم كده.. مهو مش معقول الكوكو ده يشوهم لدرجة مفيش حتة في جسمهم سليمة ! ”
نظر قُصي لرحيم بفتور وهو يقترب منه
“طيب ما تيجي بقى اوريك الكوكو ده بيعرف يعمل إيه..”
تدخل إياد ليقف حائلا في المنتصف، قائلا لرحيم
” أنا كنت مجرد متفرج.. قُصي اليوم ابهرني والله.. و كأنه خمسة رجال في رجل واحد ”
في تلك اللحظة يُقبل عليهم شاب يبتسم لقُصي و يغمز له غمزة ذات معنى، مما تفاجأ كريم و رحيم و رودينا ومن معها..
قالت رودينا بصدمة شديدة
” آراش !! ”
هتف أمجد في غضب
” يا خاين ”
” تؤتؤ.. مش خاين.. آراش و اسمه الحقيقي ابراهيم.. يبقى صاحبي الروح بالروح من واحنا عيال بنلعب في الشارع.. شِقي يعني.. “
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)