روايات

رواية بقايا عطر عتيق الفصل الثالث 3 بقلم مريم نصار

رواية بقايا عطر عتيق الفصل الثالث 3 بقلم مريم نصار

رواية بقايا عطر عتيق الجزء الثالث

رواية بقايا عطر عتيق البارت الثالث

بقايا عطر عتيق
بقايا عطر عتيق

رواية بقايا عطر عتيق الحلقة الثالثة

على جانبي الطريق الترابي، كانت تجري ساقية قديمة، تديرها أيدٍ سمراء قاسية من العمل. بينما تمتد على ضفتيها أشجار الجميز والتوت، حيث كان الأطفال يتسلقونها في أيام الصيف الحارقة. أمام البيوت، تجد النساء يجلسن في حلقات، ينقشن في الأقمشة أو يقمن بطحن الغلال على الرحى.في هذا الوقت كانت تترجل زينب و وفاء ذاهبين ليقدموا التهاني لمنزل الحاج عبد اللطيف وفي زواية من الطريق يقفن مع بعض النسوه يتسامرون لدقائق ومن ثم يذهبون ليكملوا طريقهم.و حين وصلا منزل عبد اللطيف كان الباب مفتوحاً وهكذا كانت الأبواب قديمًا دائما مفتحه على مصرعيها،.قامت زينب بالنداء على زوجة عمها “زاهيه” وهي تحمل السَبت على رأسها وخرجت لتستقبلهم بابتسامتها العريضه واشارت زينب الى زوجة “حامد” “صفيه” لكي تساعدها وتحمل معها السَبت الذي تحمله فوق راسها وقالت:
ـ صفيه تعالي حطتيني يسترك السَبت تقيل على راسي.
(وهنا يُطلق على السَبت المصنوع من جريد النخل اسم “سَفَر”. هذا المصطلح يُستخدم لوصف السَبت أو السلة التقليدية التي تُحمل فيها الأطعمة والمشروبات، خاصة في المناسبات والاحتفالات)
ساعدتها صفيه على الفور وانزلوه أرضا، واقتربت زاهيه بعينان تلمعان وهي تمسك البط من يد وفاء لتتفحصهم وترى إن كان وزنهم ثقيلاً ام خفيفا فسُرة ابتسامتها لثقل وزنهم وقالت معبره:
ـ ايهدى كله يا زينب يابتي، الحاجه نعيمه تعبت نفسها معانا، بعت حاجات ياما قوي.
جلسوا على حصيره في أرضية الصاله الكبيره وابتسمت زينب وهي تجيب:
ـ ما يجيش من فضلة خيرك يا مرات عمي، الا قوليلي أبويا عبد اللطيف عامل ايه الوقتي؟
جلست زاهيه وهي تعقد جناحي البط جانبها حتى لا يفر منها وهي تقول بتنهيدة:
ـ نحمده ونشكر فضله هنعمل ايه يا بتي يلا راضيين بكل حاجه يعملها ربنا.
استرسلت زينب سؤالها قائله:
ـ وازهار عامله ايه الوقتي.
قاطعتها وفاء بحماس:
ـ اه والنبي ياعمه زينب نفسي اشوف العيل الصغير هي فين ازهار يا مرات عمي؟
مصمصت زاهيه شفتيها بحسره واضعه يداها فوق بعضها وهي تقول بحزن شديد:
ـ اقول ايه بس يا وفاء يا بتي؟ وحياتك ولا ليكوا عليا حلفان، أزهار عيانه طول الليل، ولا الواد يا كبد ستو! ليل ونهار على صرخه واحده، تقولي ابن سبع شهور؟ مخلي كل اللي في الدار مش عارفين يناموا، وما صدقنا يا كبد امه ينام هو وامه حبه.
زمت زينب شفتيها وقامت على الفور وهي تقول:
ـ نوم العوافي إنشاله، وربنا يخلي يا مرات عمي ومبروك ماجالكوا.
زاهيه:
ـ يوه يوه ودي تيجي برضو يا زينب تيجوا لحد الدار ومحملين وما تشربوش حتى ايتها حاجه؟ استنوا هجيبلكوا شاي على الكانون.
ردت زينب وهى ترفع طرف حجابها على كتفها متأهبه للخروج:
ـ معلش خليها الوقت تاني، انتي عارفه أَما الحاجه مش بتحبنا نعوق في أي مشوار، وسلميلي على ازهار لما تصحى، اقعدي بالعافيه.
ردت زاهيه:
ـ يعافيكي شرفتونا والنبي ع الحَبه دول.
وفاء:
ـ يشرف مقدارك يا مرات عمي.
وما إن ذهبا من الدار خرجت صفيه من غرفتها لتقف امام والده زوجها وهي تقول معاتبه:
ـ ما كانش ليكي حق يما اللي عملتيه ده كله.
شهقت زاهيه وهي تقول:
ـ عملت ايه يا بت يا صفيه يجيكي ويحط عليكي يا بعيده.
اكملت صفيه:
ـ ليه ما خليتش زينب و وفاء يخشوا يسلموا على أزهار؟ ما هي قاعده في مقعدها وصاحيه وابنها زي الفل لا بيبكي ولا بينوح، ليه قلتي على ازهار والواد كده يما بس!
مصمصت السيده شفتيها وهي تقول:
ـ عشان غشيمه وبهيمه عايزاهم ياختي يخشوا على واحده والده وينشوها عين يجيبوها الارض هي والعيل؟
ردت صفيه:
ـ هيحسدوها ليه يما بس! ما هي زينب مخلفه ووفاء حبله.
ردت زاهيه وهي ترفع حاجبها:
ـ ايوه بس زينب خلفتها بنات ولو خشت عليها تكبسها ومرات أبني تاخد عين وتبلينا بعد كده بخلفة البنات زيها.
ردت صفيه:
ـ مالكيش حق يما تقولي كده، اني حسيت زينب فهمت وقامت في ساعتها نطرت نفسها ومشيت واخده على خاطرها.
نظرت إليها بضيق وقالت:
ـ انتي يابت حد عينك واصي عليها عشان ترطي في الحديت وتقولي حاسه وابصر إيه؟ فزي يا بت غوري من قدامي، خشي اغلي كبايه شاي اشربها وانا بفرز السبت الحلو داوت ولما نشوف نعيمه باعته إيه! ياما جاب الغراب لامه.
على الطريق كانت تسير زينب في صمت تام ووفاء تتحدث اليها ويبدو ان زينب لم تسمع لها كلمه واحده تعجبت وفاء وقالت لها:
ـ عمه زينب اني بكلمك من بدري وانتي صافنه ليه كده؟
تنهدت زينب وهي تقول:
ـ ازهار كانت صاحيه هي وابنها يا وفاء.
تعجبت وفاء وقالت:
ـ ازاي طب ومرات عمك ليه بتقول كده وبتكذب علينا؟
ابتسمت زينب واخبرتها بحسره:
ـ انت ما تعرفيش طبعها دي بتخاف من الحسد زي عينيها وعلى طول كل كلامها معانا ممقوت ومعلول واللي زاد وغطى هي خايفه مني اني لاحسد مرات ابنها.
شهقت وفاء وهي تقول:
ـ ليه ان شاء الله هي كانت اول واحده تولد ولا تولد، وبعدين انتي عينك مليانه ياعمه.
اردفت زينب:
ـ هى صحيح عيني مليانه بس انا اللي ما معرفتش أخلف الواد، عشان كده خافت على مرات ابنها مني لاجيبلها النحس وبعدها ما تخلفش صبيان تاني.
ردت وفاء وهي تضرب كفا بكف:
ـ اما عجيبه تفكير الوليه دي مش سهله هي برده، متزعليش نفسك وحياة عيالك، بس اني برده استغربت دي حتى ما جابتلناش كوبايه شربات ولا دوقتنا الرز بلبن اللي وزعوه في الكفر .
قالت زينب:
ـ هي مرات عمي زاهيه كده طول عمرها، بتدي الكل بس تستخسر فينا وفي امي الحاجه.
قالت وفاء:
ـ والحمد لله امي الحاجه نعميه مش محتاجة منها ايوتها حاجه دارنا عمرانه من كله وخير ربنا مالي الدار، وما تزعليش نفسك يا عمه زينب، وإن كان على الواد،بكره إن شاء الله تخلفي بدل الواد عشرة انتي لسه صبيه في عز شبابك.
ضحكت زينب وقالت:
ـ يسمع منك ربنا يا بت يا وفاء ويا رب انت كمان يبشرك بالصبي قبل البت.
وقفت وفاء وهي تقول:
ـ لا انا بقى نفسي في بت قبل الصبي.
تعجبت زينب وهي تقول:
ـ اول مرة اشوف كده، ياما بكره نسمع ونشوف ياولاه قال ايه؟ مش عايزه تجيب الصبي في الاول قبل الصبيه؟
نظرت اليها وفاء وسألتها:
ـ متأخذنيش يا عمه زينب هو انت زعلانه من خلفة بناتك؟
نظرت اليها زينب بحزن طغى في عينيها وهي تقول:
ـ اني!! ينقـ.ـطع لساني ويتقـ.ـصف عمري لو قلتها ولا نطقتها، اني بناتي دول زي العقد اللولي ملفوف حوالين رقبتي زاينها، بس نقول إيه عادات البلد وأهل الكفر، قال إيه؟ اللي ما جابتش صبيان يبقى ليلها بهتان،واللي تجيب صبيه تتـهـ.ـد عليها الحيطان.
بعد وقت شارف الجميع على انتهاء زرع البذور. و كانت المياه تنساب بهدوء بين خطوط الأرض، تغمر البذور بلطف، حاملة معها الحياة إلى كل ذرة تراب. كان الرجال يقتربون من إنهاء عملهم الشاق، بينما جلس إسماعيل على حافة الترعة ليستجمع أنفاسه. رأه عبد العزيز من بعيد وهو يحمل الفأس على كتفه، فهتف باسمه، لكن إسماعيل لم يسمعه جواباً. دفعه الفضول للاقتراب أكثر، ليتفاجأ بإسماعيل غارقًا في أفكاره، فسأل نفسه عن سر شروده. جلس عبد العزيز بجواره، ووضع الفأس إلى جانبه، قائلاً:
ـ ايه يا ز.فت الطين انطر.شت في ودانك؟
انتبه له اسماعيل وتأفف وهو يقول:
ـ ايه يا عبعزيز عايز إيه؟
رد الآخر عليه:
ـ بنادي عليك من بدري يا جحش علشان توكل البغل.
رد عليه اسماعيل بامتعاض:
ـ ماني لسه موكله من حبه هي شغلانه ديهدي.
تعجب عبد العزيز لرؤيته منزعج هكذا فسأله:
ـ ايه مالك يا ولا زي ما يكون حد خبطك على نفو.خك طيرلك البرج اللي فاضل.
تنهد اسماعيل وهو يقول له:
ـ فيك من يكتم السر يا عبعزيز ياخويا.
أجابه عبد العزيز على الفور:
ـ ايهي في بير ما لوش قرار يسخام البرك انت.
تردد اسماعيل وهو يقول:
ـ لا انا خايف لاحسن تروح تفتن عليا وتقول لابويا حسين.
ضربه عبد العزيز على كتفه وقال:
ـ اني فتان يالوح.
وضع اسماعيل يده على كتفه مغتاظا وهو يقول:
ـ ايوه انت لما بتشوف صباح مراتك بلبسك عفر.يت وتخُر ليها على كل حاجه وساعتها هنروح كلنا في حيص بيص.
نظر عبد العزيز في تعجب وهو يقول:
ـ شوف الواد يا ولاه؟ ياض وحياة الختمه الشريفه هقوم اطصـ وشك في القنايه دي، هتنطق ولا تغور توكل البغل يا بغل.
قال اسماعيل:
ـ اني هقولك عشان اني متعـ.ـفرت لوحدي ومش طايق روحي.
ـ قول يا خويا لما نشوف ايه اللي منيله كده حاكم انت ما يجيش من وراك خير أبدا.
ـ الواد صبري ابن ابوك عبد اللطيف.
عبدالعزيز:
ـ ماله غراب البين.
اسماعيل بتوجس:
ـ اني واخد بالي كده انه اليومين دولت حاطط عينه على واحده.
ابتسم عبد العزيز ببلاها وهو يقول:
ـ والنبي صحيح قول مين يا ولا حاكم الواد صبري دِه ما يوقعش الا واقف ابن الرفدي. تلاقيه شاف بت كده مدوره من اللي بنشوفهم اليومين دول في الموالد.
غضب اسماعيل وقال منفعلاً:
ـ ما تلم نفسك يا عبد العزيز لاحسن وكتاب الله المجيد اروح اقول لصباح مرتك.
وكزه مرة اخرى وهو يقول من بين اسنانه:
ـ أكتم ، أكتم يا جالوس الطين الله يخر.بيتك لبيت صباح دي يمكن تسمعك من هنا وهي في الدار هناك دي سرها باتع يجعل كلامنا خفيف عليها صباح بت ابو زاكي.
سكت اسماعيل ولم يتكلم وقال عبد العزيز ليرضيه:
ـ خلاص يا ولا قول هي مين اللي عليها العين والنني.
نظر اليه اسماعيل مشيرا بإصبعه يقول:
ـ هاقولك بس احلف إنك مش هتكذبني.
ضحك عبد العزيز:
ـ لا قول وبعديها نحلف.
ـ فاطمه.
ٕـ فاطمه مين؟
صر اسماعيل على اسنانه وهو يقول:
ـ و فيه 100 فاطمه يا ولاه؟ قلنا فاطمه يعني اختك يا عبعزيز.
اندهش عبد العزيز وهو يقول:
ـ انت بتقول ايه يا طور انت، انت بالك لو حد سمعك وانت بتقول الكلام العابط ده هيد.فنك حي.
وضع اسماعيل جلبابه على رجليه وهو يقول:
ـ اني بقول الصح واللي شافته عينيا اني مش اهبل عشان اقول اي حاجه والسلام، ولا حاجه مش عارفها وبعدين انا هتبلى عليه ليه؟ وهجيب سيرة اختي ليه لو اني غلطان؟
كاد عبد العزيز ان يصدقه وقال متسائلاً:
ـ انت متوكد يا واد من كلامك ده؟
اقسم له اسماعيل وهو يقول:
ـ ورحمة سيد.ي أبو قاسم زي ما بقولك كده صبري ابن عمك حاطط عينه على فاطمه اختنا وده واحد مطلق مرتين وكسر ال ٤٠ سنه وعينه فلتانه واني حاطط عيني عليه وشفته لحد لما توكدت من كلامي.
وضع عبد العزيز يده على ذقنه وهو يفكر وقال:
ـ طب وبعدين هتقول لابوك الحج حسين؟
تنهد اسماعيل وهو يقول:
ـ لو كان هيصدقني كنت قلتله، بس خايف منه ده مش بعيد يحبسني في الزريبه مكان البهايم، ولا يعلقني في الفلكة. يا عبعزيز ياخويا انا لو قلتله مش هيصدقني أفهم كلامي
تفاهم عبد العزيز ولكن قال:
ـ طيب وانت مزعل نفسك ليه؟
خبط اسماعيل كفا بكف وكاد ان يجن وقال:
ـ يا سوا.د الطين يا ولاه. مزعل نفسي ليه ازاي يعني يا شيخ عبد العزيز، هي فاطمه دي مش اختي واختك! وصبري ده فلاتي ومطلق مرتين وعنده كوم عيال من الاتنين اللي رماهم مش عاوزني ازعل.
تكلم عبد العزيز:
ـ انت فكرك يعني ممكن صبري يتكلم على فاطمه؟
رد اسماعيل منفعلاً:
ـ ده اني كنت شـ.ـلت راسه و زرعتها مكان فحل بصل، يتكلم عليها ده ايه؟ هي اختي حمل صبري ولا مراة عمك اللي شبه شجره الجميز دي؟
نطق عبد العزيز بعدم اهتمام وقال:
ـ يا واد انا بقول فكرك يعني! وبعدين هنروح بعيد ليه. واحنا مالنا بالكلام دِه؟ والكلام ديه سابق لأوانه ولو صبري اتكلم على اختك! هيتكلم مع كُبرَات العيله ابوك الحج عبد الرحيم وابوك حسين والرأي رأيهم والشورة شورتهم .
انزعج اسماعيل اكثر من هدوء عبد العزيز وقال:
قوم من جاري ياعبعزيز. قوم ده انت خلتها طين يا راجل والله ما ينفعك غير صباح.
على غفلة اقترب منهم أخيهم حسين وبصوت حازم، يناديهم ليرتدوا ملابسهم ويستعدوا للعودة إلى المنزل. فقد انتهوا من زراعة بذور القطن، وحان الوقت للرجوع إلى الدار قبل أن تشتد حرارة الظهيرة.
مع اقتراب الشمس من كبد السماء، عاد الرجال من الأرض وقد أنهكتهم ساعات العمل الطويلة في الحقول منذ الصباح.كان حسين يركب بغلته، بينما كان إسماعيل وخلفه حسان يمتطيان حمارًا آخر، في حين كان بقية الإخوة يستقلون العربية الكارو التي يجرها بغل. مع اقترابهم من المنزل، كانت العربه تتقدم ببطء على الطريق الترابي، يصدر منها صرير العجلات تحت وطأة الحمل.
عندما وصلوا إلى باحة المنزل، كانت النساء قد اقتربن من إنهاء تحضير الغداء. نزل الرجال من على ظهور الدواب، وبدأوا يوجهون الكارو نحو مكان مخصص لها في الباحة. كان الجد عبد الرحيم يجلس في الجنينه أمام الدار، يراقب عودة أبنائه بفخر وهدوء. رفع يده محييًا إياهم قائلاً بصوت هادئ:
ـ”حمد لله على السلامة ياولاد”
أجابه سعد وهو يربط البغله في جذع شجرة:
ـ الله يسلمك يابا الحاج. ربنا يطولنا في عمرك.
في الباحة الكبيرة أمام الدار، بعدما انتهت النساء من تحضير الغداء. أعدوا الطبلية الكبيرة، وعبد الرحيم يجلس عليها بجواره الجدة نعيمة، والرجال والأبناء والبنات من الاحفاد الصغار مجتمعون حولهم على طبلية أخرى. الجدة نعيمة كانت منهمكة في توزيع الدجاج والبط بوضعه داخل قطع الرقاق الطري المخبوز بعناية. بدأت بتقديمه للرجال أولاً، وحرصت على أن يحصل كل واحد منهم على نصيبه، قبل أن تتحول نحو النساء لتوزع عليهن الأطباق المتبقية.
على الطبلية، كان الطعام متنوعًا، حيث وُضعت أطباق البط والدجاج المغطاه بالرقاق، وفي وسط الطبلية،صحن كبير به الارز وحوله بعض المخللات والجبنة المش القديمة التي تشكل جزءاً من وجبة الريف التقليدية. الجو كان ممتلئًا برائحة الخبز الطازج، وأصوات بعض الأطفال الصغار كانت تملأ المكان بينما هم يلعبون بجانب الباحة.
وسط هذا المشهد العائلي، كان الجميع يتناولون الطعام بروحٍ من الألفة، والحديث يدور بين الجد عبد الرحيم وأبنائه عن يومهم في الحقول، بينما الجدة نعيمة تتأكد من أن الجميع قد شبعوا.
بعد انتهاء الغداء، وبعد صلاة الظهر، انتقل الرجال جميعاً أمام الدار ليجلسوا تحت مظله مغطاه بثمار العنب، حيث توزعوا على مقاعد خشبية بسيطة وأرضية مفروشه بالحصير. كانت السماء صافية، ونسيم الظهيرة يحمل رائحة الشاي بالنعناع الذي كانت فاطمه قد أعدته للتو. ارتفعت رائحة النعناع الطازج، ممزوجة برائحة الشاي، وأصبحت الأكواب تتبادل بين الأيدي.
في هذه الأثناء، كانت النساء مشغولات في غسل الصحون عند مجرى ماء قرب الجنينه وتسمى “قناية”، حيث يتدفق الماء النظيف من الممر لأقصى الجنينه. تجمعن النساء حول الأحواض، يتبادلن أطراف الحديث والضحكات بينما يقمن بتنظيف الصحون والأواني. كانت الأصوات المليئة بالبهجة تتعالى، إلا أن صباح كانت غارقة في أفكارها، مشغولة بمكر حول كيفية تعامل الجد عبد الرحيم والجدة نعيمة مع صالح، بعد يعلم الجميع برغبته في استكمال تعليمه. كانت تفكر في التداعيات المحتملة وكيفية التعامل مع الموقف.
جلس حسان على مقعد خشبي، مائلًا إلى الوراء قليلاً، وعيناه بدأت تتثائبان. أخذ رشفة من كوب الشاي وقال بتعب ونعاس:
ـ اه ياعضمي ياني، أني خلاص مش قادر عايز انام وافرد ضهري.
أجابه سعد مبتسمًا: ومين سمعك يا حسان اني كتافي ودرعاتي وجعني من حمولة السباخ.
بحث عبد العزيز بعيناه عن زوجته وهو يضع كوب الشاي الفارغ فراءها منغمسه في العمل و وجدها فرصة ذهبية ان يذهب لأخذ قيلولته قبل أن تراه حتى لا تزعجه تحديثها المستمر وهم واقفاً وقال:
ـ ابا الحج هروح انام حبه علمّا العصر يدن.
أشار لهم الأب قائلاً:
ـ قوموا كلكوا ريحوا جتتكوا شوية، بعد العصر في جمعة فراوله عشان تتباع بكره م الفجريه في سوق الخميس.
قبل أن يعترض إسماعيل وحسان، رد حسين مؤكداً:
ـ متحملش هم ايوتها حاجه ياحج، إسماعيل وحسان وسعد عليهم الطالعه دي، وسالم وعبدالعزيز هيشونوها في دار جدي أبو قاسم عشان قريبه من السوق زي ما إحنا عارفين،وأني هقف ريس انفار عليهم.
تنهد إسماعيل وهو ينظر لـ حسان بإحباط وقال الأب:
ـ وماله اتوكلوا على الله وروحوا ناموا شويه.
ذهبوا جميعهم وبعد أن اخلدوا للنوم بوقت قصير ولجت صباح لداخل الدار وهى تحمل الصحون بين يديها وسألت عن زوجها فأخبرتها ابنتها أنه نائم صرت على أسنانها وتركت الصحون بجوار باب الدار وذهبت إليه. –

يتبع…….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بقايا عطر عتيق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى