رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ندى محمود توفيق
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت السادس والثلاثون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء السادس والثلاثون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة السادسة والثلاثون
حدقها عمران مطولًا رافعًا حاجبيه بحيرة مترقبًا سماع الأمر الذي تخفيه عنه، بينما هي فابتعدت عن حضنه واعتدلت جالسة تأخذ نفسًا عميقًا ثم تخرجه زفيرًا متهملًا قبل أن تستجمع شجاعتها وتبدأ في الحديث تهمد له ما فعلته دون علمه:
_الأتنين اللي ضربوا عليك النار كانوا راكبين على موتوسيكل وكانوا ملثمين يعني مشفتش وشهم
ازدادت نظراته ترقبًا للتكملة رغم أنه لا يفهم شيء وعلامات الاستفهام تحلق فوق صفحة وجهه، فاسترسلت هي في مقدمتها الطويلة وتمهيدها:
_وسمعتك وأنت بتتكلم في التلفون امبارح قبل فرح بلال أن في واحد تبع صابر بيراقبك و……
بدأ يفقد صبر وهدوئه فهتف بحدة بعدما شعر بأن تلك المقدمة سيتبعها كارثة:
_ادخلي في الموضوع طوالي يا آسيا عملتي إيه من دون علمي!
ازدردت ريقها بتوتر ورمقته بتوسل متمتمة وهي تمسح على كتفه:
_هقولك بس بالله عليك ما تتعصب أنت لساتك تعبان، أنا اللي عملته ده كان بسبب خوفي عليك وأني مكنتش عاوزة اضيع حقك
رفع عمران يده إلى وجهه وراح يمسح عليه بداية من رأسه إلي ذقنه متأففًا بغيظ مكتوم ثم هتف بصوت رجولي مخيف:
_آسيا أنت لساتني هادي لو فضلتي بتلفي وتدوري إكده كتير، أنتي عارفة قلبتي، اتكلمي يــلا
مصمصت شفتيها بخوف وارتباك ثم همست له في نظرات زائغة:
_الشباب اللي شغالين معاك لما عرفوا باللي حُصل چم يزوروك في المستشفى لما كنت لساتك في العمليات ومن ضمنهم كان صالح فأنا اتكلمت معاه ووصفلته شكل العيال والموتوسيكل اللي كانوا راكبينه وطلبت منه يچيبهم قبل ما يهربوا وهو چابهم ودلوك حابسهم في المخزن بتاع السمك
اتسعت عيني عمران بين الدهشة وبين عدم الفهم والغضب البسيط ليسألها بنظرة مميتة:
_وأنتي تعرفي صالح ده من وين وإيه ليكي علاقة بيه؟!!
تنحنحت آسيا باضطراب شديد والخوف الحقيقي ظهر على محياها فالقسم الذى سيصيبه بالجنون حقًا قد أتى:
_اصل أناااا قبل إكده طلبت منه يساعدني في موضوع خلود لما كنت عاوزة أخد حقي منها وهو اللي عرفلي مكان سمير وجابلي معلومات عنه
تشنجت عضلات وجهه وأظلمت عيناه بشكل مرعب ثم اعتدل في جلسته ببطء وهو مازال يرمقها بطريقة مرعبة جعلتها ترتجف خوفًا منه ثم صاح بها منفعلًا:
_كل ده من بيدور من ورايا وأنا مش داري بحاچة، الهانم بتروح تكلم رچالة وتتفق معاهم وتخطط وچوزها نايم على ودانه كيف الأطرش
همت آسيا بأن تدافع عن نفسها وتهدأ من ثورانه فقاطعها هووقبل أن تبدأ حتى صارخًا بعصبية:
_أنني عاوزاني ارتكب فيكي چريمة يا آسيا
آسيا بعينان دامعة من فرط التوتر:
_والله غصب عني أنا كنت مقهورة على اللي حصلك ومكنتش عاوزة حقك يضيع ولو كنا اتأخرت مكناش هنلحقهم وكانوا هيهربوا، حقك عليا ياحبيبي
عمران صارخًا بصوت جهوري نفضها في مكانها:
_وأنتي مالك بالكلام ده شيفاني عاچز مقدرش أخد حقي، بتتصرفي من دماغك ومن غير ما ترچعيلي وتتكلمي مع الرچالة وكأن اللي متچوزاه مش راچل ومقدرش يحكمك
هتفت آسيا بالنفي وعين متسعة:
_فشر ده أنت راچل وسيد الرچال يامعلم، حقك عليا أنا آسفة سامحني أنا غلطت
قالت عباراتها وهي تمد يدها لتمسح على كتفه ووجهه بحب لكن نفر منها ودفع يدها بعيدًا عنها:
_بعدي يدك دي، أنا قسمًا بالله اللي حايشني عنك الوضع اللي أنا فيه دلوك وإلا كان كسرت عضمك و….
قطع كلماته في منتصفها وظهر الألم على وجهه ثم أطلق تأوهًا بسبب الألم الذي اجتاحها في ظهره جراء عمليته الجراحية التي تحتاج لراحة وما يفعله يزيد من الالمه أكثر، اقتربت منه بفزع وقلق وهي تهم بمساعدته على الاستلقاء مجددًا لكنه رمقها بنظرة نارية وهتف:
_قومي من چمبي
لوت آسيا فمها بعبوس وحزن وظلت مكانها تحدقه بنظرات مستعطفة على أمل إن يلين قلبه لها ويسامحها لكنها وجدته لا ينظر لوجهها من فرط حنقه منها، فهتفت له بضيق:
_طيب أنت مش عاوزني چارك أنا هنام وين!!
نظر لها بقسوة وأمسك بهاتفه يهم بالاتصال بابن عمه وهو يقول:
_يبقى اتصل بـ بشار ياچي ياخدك وتروحي تقعدي مع الواد بدل ما أنت سيباه وحده مع أمك وأنا مش عاوزك معايا
زمت شفتيها بأسى حقيقي ورمقته بنظرة عتاب ثم تمتمت:
_اخص عليك ياعمران.. أنا عارفة أني غلطت أني اتصرفت من دون علمك وچيت بنفسي وحكيتلك معقول كل ده ملوش خاطر عندك، وبتقولي مش عاوزاني دلوك
عندما وجدته مصمم على الاتصال بـ بشار انزعجت بشدة وجذبت الهاتف من يده بعصبية ثم قالت بحدة ونظرة مشتعلة وقد اشهرت عن أنيابها:
_متزودهاش عاد ياعمران بشار إيه اللي تتصل بيه، عاوازني اروح مع واد عمك في نص الليل دلوك!!، شكلك إكده الطلقة أثرت عليك، أنا مش هتعتع من إهنه وهفضل چارك مش ههمل چوزي لحاله وهو طالع من عمليات النهاردة
رقمها بغضب وقال ساخرًا في غيظ:
_ده على أساس أن چوزك فارق معاكي قوي يعني
ردت آسيا بعناد وقد اختفى الخوف الذي يحتل ملامحها وتبدل بالشراسة والقوة:
_أيوة فارق معايا طبعًا.. لو مش هيفرق معايا چوزي وأبو ولدي وحبيبي هيفرق معايا مين يعني
رأته يحدقها رافعًا حاجبه بازدراء معبرًا عن عدم اقتناعه أو حتى إعجابه بما تقوله فتابعت هي بإصرار كيدًا فيه:
_ومش هقوم من چمبك كمان، واعمل اللي عاوز تعمله فيا
طالعها مطولًا وهو يچز على أسنانه مغتاظًا ثم رفع كفه في الهواء واغلق قبضة يده بقوة من فرط الغيظ منها ثم قال متوعدًا لها:
_اصبري عليا يابت خليل بس اقوم من اللي أنا فيه وهربيكي على حق
ابتسمت له بسماجة وقالت في غرام:
_أنت قوم بس بالسلامة وربيني براحتك يامعلم
مال بوجهه للجهة الأخرى يتأفف بنفاذ صبر ويستغفر ربه محاولًا تمالك انفعالاته حتى لا يرتكب الجرائم في حقها، بينما هي فكانت في كامل ثباتها وبرودها الانفعالي وهي تبتسم له.
***
في الجانب الآخر من المستشفي داخل العيادات الخاصة كان كل من فريال وجلال داخل عيادة إحدى طبيبات النسا تقوم بفحصها الشامل على الطفل والحمل وكان يقف جلال بجوار الفراش الصغير الممدة عليه فريال ويمسك بيدها في قلق وعيناه عالقة على جهاز السونار يحاول فهم أي شيء لكن دون فائدة، وبعد لحظات طويلة من الفحص انتهت الطبيبة ونظرت لها بابتسامة جميلة وهتفت:
_متقلقوش كل حاجة زي الفل الحمدلله والبيبي بخير كمان
أطلقت فريال تنهيدة حارة بارتياح وفرحة بينما جلال فلاحا الابتسامة المطمئنة على ثغره، ثم اقترب من مكتب الطبيبة وجلس على المقعد المقابل لها وجلست مقابلته مباشرة على المقعد الآخر فريال التي بدأت الحديث مع الطبيبة بسؤالها:
_طيب إيه سبب اللي حصل معايا ده يادكتورة؟
اجابتها ببساطة وهدوء تام:
_واضح أنك بذاتي مجهود كبير في اليومين اللي فاتوا وانتي في فترة محتاجة راحة عشان كدا حصل معاكي الألم ده، وطبعا أنا أكيد مش محتاجة اقولك أن المجهود الشديد ممكن يؤدي للإجهاض، فلازم خلال التلات شهور الأولى على الأقل نبقى في راحة تامة ونايمين على السرير فقط
تنهدت فريال الصعداء بقلق بسيط ثم هزت رأسها بالموافقة على تعليمات الطبيبة التي ابتسمت لهم باتساع وقالت في بشاشة:
_في خبر حلو كمان وهو أنك حامل في توأم
كانت الصدمة من نصيب جلال أولًا حيث اتسعت عيناه بذهول وراح ينقل نظره بين الطبيبة وزوجته بعدم استيعاب ثم سألها بتأكيد:
_متأكدة يادكتورة؟
ضحكت الطبيبة باستنكار من سؤاله وقالت مؤكدة لهم الخبر:
_أيوة طبعًا متأكدة وظهر في السونار أن في كيسين مش كيس واحد
كانت مشاعر فريال مختلطة ما بين الفرحة والخوف والصدمة والصمت التام يهيمن عليها تراقب ردة فعل زوجها وحواره مع الطبيبة الذى يظهر سعادته الشديدة بذلك الخبر، ثم أخيرًا انتهبت بصوت الطبيبة وهي تبدأ في وصف دواء ستحتاج المواظبة عليه لأيام ووجهت لها تعليماتها مجددًا فشكرتها فريال بامتنان واستقامت واقفة تلحق بزوجها الذي سبقها للخارج وكان ينتظرها وعلى وجهه ابتسامة تكاد تشق طريقها إلى أذنيه من شدة اتساعها، مال عليها وهمس بحماس غريب لم تشهده عليه عندما تلقى خبر حملها بابنهم الأول حتى:
_لولا المكان اللي احنا فيه وقصاد الخلق كنت خدتك بالحضن يافريالي ولفيت بيكي المكان كله من كتر فرحتي
ضحكت بصمت ثم سألته باستغراب:
_معقول أنت فرحان للدرچادي ياچلال!
أجاب مبتسمًا:
_فرحان دي كلمة قليلة، ربنا عوضنا بدل الواحد اتنين
لمعت عيناها بوميض حزين رغم ابتسامتها التي تزين ثغرها وتمتمت بكلمات الشكر لربها:
_اللهم لك الحمد والشكر يارب.. بس أنا خايفة ياچلال!
ضيق عينيه بتعجب وسألها:
_ليه؟!
قالت ضاحكة بمرح يمتزج بتعابير الخوف على وجهها:
_الحمل هيبقى صعب قوي دول اتنين
جلال بحنو وابتسامة دافئة هتف بعدما احتضن كفها بين كفه:
_متخافيش أن شاء الله ربنا هيقويكي والفترة دي هتعدي بسرعة من غير ما تحسي بيها، يلا عاد عشان نرچع البيت وتريحي
هزت رأسها له بالموافقة بابتسامة محبة وسارت بجواره يدًا بيد وهي لا تتوقف عن ذكر ربها بالحمد وشكره….
***
داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة غزل….
كانت تجلس أمامها على الفراش إنصاف وتتحدث معها باهتمام وحماس يلمع في عيناها وهي تغمز لها بخبث:
_أنا عارفة أنك في الأول رفضتي، بس بعد اللي شفته امبارح شكلك إكده موافقة
فهمت غزل مقصدها وتلميحاتها فقالت بسرعة في خجل شديد محاولة الدفاع عن نفسها وتحسين صورتها:
_لا ياطنط والله صدقيني مفيش حاچة يعني اااا….
قاطعتها إنصاف وهي تضحك وتقول بإيجاز:
_يابت أنا مش هبلة وواعية زين وعارفة ولدي كيف دايب فيكي وبيحبك وعارفة كمان وشايفة أنك بدأتي أنتي كمان تتعلقي بيه، عشان إكده چيتلك أسألك تاني واشوفك لساتك مصممة على قرارك ورفضك ولا غيرتي رأيك
اجفلت غزل نظرها واطرقت رأسها أرضًا خجلًا وسكتت مترددة لا تعرف أتسمع لصوت عقلها أم قلبها، بينما مشاعرها تميل إلى ذلك البربري كما كانت تصفه.. عقلها يخشى من تلك التجربة، لتجد نفسها عالقة في المنتصف لا تدري أي طريق تسلك.
قطع ترددها وتفكيرها العميق صوت إنصاف المحمل بالحكمة والرزانة وهي تبتسم وتقول:
_لو عايزة نصيحتي يابتي، وأنا مش بقولك الكلام ده عشان ” علي “ولدي، لا أنتي كمان أنا بحبك وبعتبرك كيف بتي وصدقيني لو ” علي ” من الشباب العفشة اللي بنشوفهم أنا ذات نفسي هقولك متوافقيش عليه ومش هوافق على الچوازة دي، لكن ده ولدي وأنا عارفاه زين وعمري ما شوفت عيونه بتلمع ووشه بينور لما بيشوف حد كيف لما بيشوفك أنتي، بلاش تخسري حد بيحبك صُح
اطالت غزل النظر في وجه إنصاف بتفكير، وبتلك اللحظات قذفت بعقلها ذكرى مشاهدهم الأخيرة معًا، مشاكسته لها ومزاحه ولمساته العاشقة ونظراته حتى كلمات الغزل التي يقولها له وسط حديثهم، فلاح شبح ابتسامتها المحبة على ثغرها وهي غارقة في التفكير به ولم ينتشلها ويعيدها للواقع سوى صوت إنصاف وهي تسألها لآخر مرة مبتسمة ومنتظرة الحصول على إجابة مؤكدة:
_هااا قولتي إيه موافقة؟
ابتسمت غزل باتساع وحياء جميل يليق بوجهها وجمالها الساحر ثم هزت رأسها لها بالموافقة، فلمعت عين إنصاف بفرحة غامرة وبنفس اللحظة أطلقت زغروتة مرتفعة دليلًا على الفرح الذي سيملأ المنزل قريبًا، ثم استقامت واقفة وانحنت على غزل تعانقها بحنان وتقول بسعادة غامرة:
_مبرووك ياعروسة أنا هروح ابشر العريس عاد واديله البشرى احسن هو مستنيني
أنهت كلماتها واندفعت لخارج الغرفة مسرعة دون أن تنتظر ردًا من غزل التي ارتبكت بمجرد معرفتها بأنها في طريقها بإخبار ” علي ” بموافقتها على الزواج منه.
بالأسفل كان ” علي ” يقف وينظر إلى الدرج بابتسامة عريضة تكاد تشق أذنيه من فرط اتساعها وفرحته عندما سمع الزغاريد من أمه، التي وصلت إلى وهي تضحك وتقول:
_مبرووك ياعريس أخيرًا هفرح بيك يا واد
سأل ” على ” بعدم استيعاب وهو مبتسم:
_وافقت؟!
_أيوة طبعًا وافقت، كيف تقدر ترفض لازم هتوافق دي دايبة في غرامك
شركه للحظة يفكر بها ثم اندفع بلهفة ينوي الذهاب لها وهو في قمة حماسه وفرحته، لكن قبضت أمه على ذراعه واوقفته هاتفة بجدية:
_رايح وين؟
علي بكل بساطة وأعين لامعة:
_هطلع اتكلم معاها
أجابته إنصاف معترضة بحدة:
_تطلع وين هو احنا ناقصين مشاكل مع چدك، اتقل يا ولدي لغاية ما تتچوزها وبعدين اعمل اللي تعمله لما تبقى مرتك، ميصحش تطلع تتكلم معاها في أوضتها
ارتخت عضلات جسدها المتشنجة من فرط الحماس وراح يتأفف بقوة في حزب ثم قال ممتثلًا لأمه:
_طيب ياما خلاص مش طالعلها لازم إكده تكسري بفرحتي، هطلع اوضتي
ثم جذب ذراعه من قبضتها وقاد خطواتها على الدرج فسمع تنبيهاتها الصارمة وهي تؤكد عليه:
_متروحش عندها يا ” علي ” سامعني
اكتفى بهز رأسه لها بالموافقة والطاعة وهو يبتسم دون أن يلتفت لها وأكمل صعوده حتى وصل للطابق الثاني حيث يوجد كل من غرفته وغرفتها، فتقدم بحرص نحو غرفتها حتى وصل للباب وأخذ يتلفت حوله يتأكد من عدم وجود أعين تراقبه ثم رفع يده وطرق على باب غرفتها عدة مرات متتالية ليسمع صوتها من الداخل وهي تجيب على الطارق بأنها قادمة وماهي إلا ثواني حتى فتحت الباب باعتقاد منها أن الطارق إنصاف، وفور سقوط نظرها عليها اتسعت عيناها بدهشة، وهو على النقيض دون أي كلمة وفجأة بعدما تأكد ثانية أن لا أحد يراه أبعدها عن الطريق بيده ثم دخل واغلق الباب خلفه، فمالت هي برأسها للخلف متأففة بنفاذ صبر منه ثم قالت بحزم:
_وبعدين يا ” علي” مينفعش كدا اطلع برا عيب، مش كفاية الموقف اللي سبتني فيه امبارح قدام مامتك
كان لا يبالي بأي كلمة تتفوه بها ويتمعنها بنظرات يملأها العشق ثم تقدم نحوها خطوة فتراجعت هي بمثلها وهمس لها غامزًا بفرحة تظهر في نبرة صوته بوضوح:
_سيبك من أمي بس دلوك، وافقتي تتچوزيني يعني ياغندورة!
مالت بوجهها للجانب بعيدًا عنه وهي تبتسم بخجل بعدما تجمعت الحمرة في وجنتيها البيضاء، أنا هو فتلك الأبتسامة والخجل الذى يستحوذها أصابه بالجنون أكثر وزدات رغبتها ولهفته بها فقال فورًا بإصرار:
_إكده انتي تجهزي نفسك عاد الليلة عشان بكرا معانا كتب كتاب ياعروسة
اختفت ابتسامتها وحل محلها الصدمة فور التقاط أذنيها ” كتب كتاب ” نظرت لها وهتفت بذهول:
_ا What كتب كتاب إيه أنت أكيد بتهزر لا مستحيل نتجوز بالسرعة دي أنا وافقت بس على خطوبة عشان نتعرف على بعض اكتر لغاية الجواز
رفع حاجبه مبتسمًا بنظرة لئيمة وكلها ثقة ورزانة ثم رفع أنامله ببطء حتى وصل إلى خصلات شعرها وراح يعبث بهم بكل رقة ويرسل لها نظراته الساحرة ليؤثرها بهم هامسًا في صوت انسدل كالحرير ناعمًا:
_انتي قلقانة مني ليه ياحبيبتي هو أنا هعلقلك حبل المشنقة بعد الچواز، ده بالعكس هتشوفي الدلع كله مني، وبعدين ده كتب كتاب بس لكن الفرح لسا براحتك وقت ما تحبي وتكوني چاهزة نبقى نعمله، ونتعرف على بعض إيه وخطوبة إيه هو احنا غُرب عن بعض يعني أنتي متعرفنيش!
ارتبكت بشدة من لمساته الساحرة وهمست له بصوت ذائب وخافت لتطلب منه أن يبتعد عنها:
_ ” علي ” ابعـ….
قاطعها واسترسل هو كلامه بهيام وعشق تلمعان بهم عينيه:
_وبيني وبينك إكده أنا مش هقدر اتحمل نفضل الفترة دي كلها في خطوبة، يرضيكي اللي بنعملوه ده عشان محدش يشوفنا لكن نكتب الكتاب هتبقى مرتي وناخد راحتنا لغاية الفرح
تسارعت نبضات قلبها بشدة وللحظة شعرت نفسها ستسقط بين ذراعيه من فرط الخجل، فستحمعت ما تبقى منها من ثبات وابعدت أنامله عن شعرها وقالت باعتراض بسيط وتوتر:
_ لا وبعدين بابا لسا ميعرفش بالكلام ده هنتجوز وبابا ميعرفش
” علي ” مبتسمًا بثقة ونبرة رجولية:
_إكده بتغلطي في چوزك هو احنا منعرفش في الأصول ولا إيه، انتي فكرك أني طلبت يدك للچواز وابوكي معارفش يعني!!.. احنا اول حاچة عملناها أنا وچدك أخدنا رأي أبوكي وهو وافق وكلمته على كتب الكتاب وبرضوا مرفضش وقالي أخد رأيك لو وافقتي هو مستعد يركب في طيارة الصبح ويچيلك عشان يحضر چواز بته
فغرت غزل عيناها بصدمة ثم هتفت بعدم تصديق:
_بجد بابا هينزل مصر
” علي ” بجدية:
_طبعًا لازم ينزل ده فرح بته، المهم بس دلوك أنتي قولتي إيه؟
التزمت الصمت وهي تفكر بتردد فتقدم هو نحوها بخطوات متريثة كالأسد ونظرات لعوب فتقهقهرت هي للخلف خوفًا منه ورفعت سبابتها في وجهه تحذره بابتسامة مرتبكة:
_خليك بعيد متقربش وإلا هصوت
زم شفتيه بعدم مبالاة وقال ضاحكًا بخبث:
_ياريت ده إكده نتچوز الليلة قبل بكرا
وجدته مازال يقترب فصاحت بغيظ منه واستسلام وسط ضحكها:
_خلاص يا ” علي ” موافقة اقف عندك بقى ومتقربش تاني
توقف بأرضه بعد تلك العبارة وهو يبتسم بنصر ثم غمز لها بخبث وقال متغزلًا بها:
_طالما موافقة يبقى منقربش ونستحمل لغاية بكرا ونقرب براحتنا ياعروسة، جهزي نفسك المأذون هيچي بكرا بليل
بقت متصنمة بأرضها تراقبه بنظراتها المرتبكة والخجلة حتى وجدته يرسل لها قبلة في الهواء قبل أن يستدير ويتجه إلى باب الغرفة ليغادر، فوضعت هي كفها على فمها تكتم ضحكتها وهي تهمس بصوت منخفض بعد انصرافه:
_قليل الأدب صحيح
***
بعد مرور ساعة تقريبًا داخل غرفة ” علي ” ، كان ممدًا فوق الفراش ويضع كفيه خلف رأسه مستندًا على ظهر الفراش وهو مبتسم بفرحة ويفكر في تلك الجميلة التي استحوذت على قلبه في فترة قصيرة رغم كل محاولاته وانكاره حقيقة أنه لا يحبها لكن في النهاية استسلم لمشاعره الملتهبة، والآن لا يفصله عن الزواج منها سوى ساعات وستبقى زوجته وله وحده، لا يطيق الأنتظار إلى تلك اللحظة التي سيأخذها بين ذراعيه ويضمها ويقبلها دون أن يخشى أي شيء.
قطع شروده الغرامي في محبوبته طرق الباب الخفيف ثم دخول شقيقته التي وقفت بجوار الباب تنظر له بقلق وتسأله:
_ممكن ادخل يا ” علي ” ؟
تلاشت ابتسامته تدريجيًا حتى اختفت تمامًا ثم اعتدل جالسًا. فوق الفراش وأشار لها بعيناه أن تدخل، ففعلت وأغلقت الباب خلفها ثم تقدمت نحوه بخطوات متعثرة حتى وصلت إليه وجلست أمامه على الفراش وهي تطرق رأسها أرضًا من الندم، ثواني معدودة حتى خرج صوتها الخافت:
_أنا آسفة يا خوي سامحني
ابتسم ساخرًا وقال بنظرة خزي وضيق:
_على إيه ولا إيه ياخلود!!
لمعت عيناها بالدموع وقالت في صوت مقهور:
_على غلطي كله وبالأخص على آخر حاچة عملتها لما روحتله من وراك، صدقني مكنش في نيتي حاچة غير أني احكيله الحقيقة وافهمه، غصب عني روحت بسبب مشاعري، بس لو كنت اعرف أن اتخلى عني وهملني من غير ما يسمع مني حتى مكنتش فكرت فيه ولا اهتميت، ندمانة على ثقتي فيه أنه مستحيل يهملني وندمانة اكتر أني كسرت كلمتك وزعلتك مني تاني بسببه
انهمرت الدموع فوق وجنتيها مع آخر كلمة تفوهت بها ودون أي تردد كانت ترتمي على أخيها تعانقه وتلف ذراعيها حول رقبته وتبكي بانكسار وقوة وهي تتوسله في ضعف:
_سامحني يا ” علي ” الشيطان ضحك عليا وغصب عني عملت كل ده لو رجع بيا الزمن كنت قتلت نفسي قبل ما اعمل فيكم وفي روحي إكده، كنت جاهلة وغبية ياخوي واكتشفت أني غبية اكتر لما فكرت أن مروان ممكن يحبني صُح ويقبلني بعد اللي عملته، أنا اكتشفت أني مليش غيرك أنتي وأمي وچدي ومن إهنه ورايح مش هخرج عن طوعكم واصل واللي تقولي عليه هنفذه وهتشوف خلود جديدة ومختلفة
بقت ذراعيه معلقة في الهواء مترددًا هل يضمها أن يبعدها عنه، رغم أن دموعها وبكائها أصاب قلبه وأشفق عليها إلا أنه لا يستطيع نسيان فعلتها، لكنها استمرت في البكاء بشدة وهي تترجاه أن يسامحها حتى استسلم لحبه الأخوي لها ولف ذراعه حول ظهرها يطبطب عليها بحنو ثم أبعدها عنه وقال بهدوء:
_خلاص ياخلود بزيادة بكا
سألته بعينان عاجزة وممتلئة بالأسى:
_يعني سامحتني؟
تنهد ” علي ” الصعداء ثم أجابها بنبرة رزينة ونظرة حكيمة:
_أنا مصدق ندمك وأنك عرفتي غلطك وندمانة وده حاچة زينة قوي بنسبالي، اعتبريني سامحتك مقدمًا لغاية ما أتأكد أنك صُح مش هتعملي أي حاچة من ورايا تاني وهتنفذي كلامي ومش هتكسري كلمتي
تهللت اساريرها ولمعت عيناها والإبتسامة شقت طريقها باتساع وسط دموعها من فرط الفرحة وراحت ترتمي عليه مجددًا تعانقه وهي تشكره بحب أخوي صادق، ثم ابتعدت عنه وقالت بنظرة كلها ثقة ووعيد:
_اوعدك أني مش هخيب ظنك فيا تاني، وكمان عاوزة أخد رأيك في حاچة عشان اثبتلك أني مش هفكر في أي حاچة من غير ما اشاركك الأول وأخذ الأذن منك
” علي ” باستغراب وفضول:
_حاچة إيه؟
تنحنحت خلود باضطراب بسيط وقلق من ردة فعله ثم بدأت تمهد له بذكاء:
_أنا الصراحة مش بفكر في چواز تاني واصل وأنا عارفة أن مليش چواز خلاص، بس نفسي اعمل حاچة لنفسي افتخر بيها يعني يكون ليا شغلي وحياتي ومبقاش محتاچة لحد واصل، مش عاوزة افضل حابسة روحي وقاتلة نفسي بالحيا
رفع حاجبه واجبها بابتسامة جانبية ساخرة:
_يعني عاوزة تقولي أنك عاوزة تشتغلي؟!
هزت رأسها بالإيجاب وتابعت محاولة إقناعه:
_أيوة نفسي انجح في حياتي وقولت اخد رأيك الأول واشوفك هتوافق ولا لا لأني لسا حتى مدورتش على شغل مناسب وأنا معايا شهادتي حلوة قوي وممكن اشتغل في شركات وأماكن زينة ومحترمة
اطال ” علي ” النظر بها بصمت يفكر بحكمة في رغبتها، يريد منحها الفرصة ولكنه يخشى أن تخونها ثانية، وعندما نظر في عيناها ورأى لمعة الأمل والرغبة الحقيقية في صنع ذاتها كما تقول تنهد بقلة حيلة وقال مستسلمًا:
_تمام دوري وشوفي ياخلود بس الشغل ده واقف على المكان اللي هتشتغلي فيه لو مكان محترم ومناسب وقتها معنديش مانع
فغرت شفتيها بصدمة من موافقته السريعة، فهي كانت تعتقد أنها ستحاول معه أكثر من مرة ليوافق على طلبها ومن فرط سعادتها للمرة الثالثة عانقته وهي تهتف بتلقائية ضاحكة:
_شكرًا يا ” علي ” ويارب كدا اشوفك مبسوط وتتچوز غزل وتعيشوا في هنا وسعادة مع بعض
ضحك مغلوبًا منها ثم أبعدها عنه برفق وقال في هدوء امتزج بجديته:
_يارب، يلا عاد سبيني عشان عاوز انام بكرا ورايا يوم طويل
هزت رأسها بالموافقة واستقامت واقفة وغمزت له بمكر متمتمة:
_ماشي ياعريس تصبح على خير
ثم اتجهت إلى الباب لتنصرف وتتركه ينظر على أثرها شاردًا في الحال التي وصلت إليه شقيقته بسبب خطأها وجهلها.
***
بصباح اليوم التالي داخل المستشفى تحديدًا بغرفة عمران في تمام الساعة التاسعة صباحًا…
فتحت آسيا عيناها ببطء وعندما شعرت بذلك الملمس المختلف عن ذراع زوجها الذي كانت تنام عليه طوال الليل، فتحت عيناها دفعة واحدة بفزع وراحت تتلفت حولها بحثًا عنه ثم صاحت منادية عليه بقلق:
_عمران أنت فين؟
لم تسمع ردًا منه لكن التقطت أذنيها صوت المياه في الحمام فضيقت عيناها بتعجب وانزعجت بشدة منه لأنه نهض من الفراش وذهب للحمام بمفرده دون أن يوقظها لتساعده، رفعت يدها إلى وجهها ومسحت عليه بتأفف وقلة حيلة ثم التفتت بجوارها حيث يوجد هاتفها فوق المنضدة والتقطته ثم أجرت اتصال بأنها لتطمئن على ابنها الصغير وبعد مكالمة دامت لثلاث دقائق تقريبًا كان محتواها الأساسي أن جليلة طمأنتها أن ابنها بخير.
استقامت واقفة بعد الانتهاء من المكالمة الهاتفية مع أمها واقتربت من الحمام حتى وقفت أمام الباب وطرقت عليه بالتزامن مع سؤالها المهتم:
_عمران محتاچ حاچة ادخل اساعدك؟
وصلها صوته الغليظ بالرفض:
_لا
لاحظت نبرته القاسية فلوت فمها بضيق واتجهت إلى مقعد بحوار الفراش وجلست عليه وهي تفكر في ذلك التوتر الذي حدث بينهم امبارح بسبب ما فعلته، وعلى الرغم من أنه تظهر أمامه ندمها ليسامحها لكنها في الواقع ليست نادمة ولو بمقدار ذرة ولو عاد بها الزمن لفعلت مجددًا، لم تكن لتترك من الحق به الضرر وكاد أن يقتله أن يهرب ويعيش حر طليق دون عقاب.
يصفها بالغزال ولكنه يعلم جيدًا أن في ثناياها مساحة واسعة تخبئها لجانب آخر من شخصيتها يشبه تمامًا الأسود، فلا ينتظر منها إظهار اللطف والرقة في لحظات اصطيادها لفريستها.
خرج من الحمام بعد دقائق معدودة وكان يسير ببطء فاستقامت هي واقفة وهرولت إليه لتمسك بذراعه وتساعده في سيره إلى الفراش، لتجده يرمقها بانزعاج لكنه لم يبدي اعتراض وسار معها إلى الفراش ثم ساعدته في التسطح عليه وقالت معاتبة إياه بحزم:
_ليه مصحتنيش وقومت وحدك!
رمقها بطرف عيناه في غيظ ولم يجيبها ثم قال بعد لحظات بلهجة صارمة:
_جهزي نفسك ولمي أي حاچة ليا وليكي في الأوضة عشان بشار چاي هيخلص الإجراءات وهنروح البيت
راقبت تعببراته المنزعجة منها ونبرته في ابتسامة لئيمة ثم راحت تجلس بأريحية بجواره على الفراش ملتصقة به وتميل عليه تقول مشاكسة إياه:
_واضح أنك شايل مني قوي وعاوز تروح البيت باسرع وقت عشان تربيني
عمران بجفاء ليس حقيقي دون أن ينظر لوجهها:
_زين أنك عارفة
مالت عليه أكثر بدلال ورفعت أناملها تعبث في خصلات شعره ولحيته هامسة:
_وماله يامعلم هو أنا أطول برضوا، وبنسبالي نروح بيتنا أفضل أصل أنا عاوزة اهتم بچوزي زين وادلعه واهشتكه
رفع حاجبه بابتسامة جانبية يثبت لها إدراكه لما تحاول فعله رغم إعجابه بأسلوبها الجديد في إرضائه إلا أنه يريد أن يطيل ذلك الخصام ليرى محاولاته المختلفة ودلالها عليه، قال بخبث ونظرة شبه ساخرة:
_وهتدلعيني كيف عاد؟!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))