روايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل التاسع 9 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل التاسع 9 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الجزء التاسع

رواية ملاذ قلبي سكن البارت التاسع

ملاذ قلبي سكن
ملاذ قلبي سكن

رواية ملاذ قلبي سكن الحلقة التاسعة

اتسعت عينيها بصدمة حين علمت هويته، رددت اسمه بحذر وخوف قبض قلبها (هشام)
أكد بهزة رأس وعيناه تلتهمان كل ما فيها بإشتياق (أيوة يا سكينة)
مررت نظراتها على ملامحه ولم تفق من صدمة وجوده بعد، ثم سألته بإرتجاف نبع من قلبها (عايز مني إيه.؟ وجايلي ليه.؟)
ابتسم يحاول طمأنتها وبثها بعضًا من الأمان لتهدأ، قال ممازحًا (دوختيني يا بت عمي.. بجالي كام يوم بلفّ وراكِ)
تعجبت من أريحيته في الكلام، حملقت فيه بدهشة قبل أن تسأله بتوتر (أنا.؟ بتلفّ ورايا ليه.؟)
ابتسم لها قائلًا وهو ينظر خلفها مراقبًا المكان (خلينا نمشي من هِنا وهجولك كل حاجه.؟)
انتفضت في رفض واستنكار، تراجعت خطوة قائلة (نمشي.؟ نمشي فين يا أستاذ إنت.؟)
ابتسم قائلًا بمرح (لا أنا هشام مش أستاذ..وعلى حد علمي واد عمك مش غريب)
تعجبت من طريقته معها شحذت قوتها واستدارت مقررة المغادرة وتركه، لكنه لحق بها يهتف (استني يا سكينة)
زعقت بغضب (ابعد عني أحسن لك بدل ما أصرّخ وألمّ الناس عليك) وقف أمامها مانعًا لها، فرد كفيه في مواجهتها مهدئًا بحذر (طيب طيب اهدي…) سحب هاتفه ونقر فوقه بسرعه، تحت نظراتها المشتعلة.. ليعطيها الهاتف (خدي في حد عايز يكلمك)
ترددت، نقّلت بصرها بين الهاتف وبين ابتسامته الرائقة التي تشجعها، حثها بلطف (خدي يا سكينة مش هتندمي)
ازدردت ريقها وتناولته منه بفضول وضعته على أذنها ليأتيها صوت عمها الملهوف ( أنا عمك يا سكينة .؟ ازيك يا بتي عاملة إيه طمنيني عنك.؟)
قالت بلهفة مماثلة وهي ترمش فوق ملامح الوافق أمامها يراقبها بحنو وابتسامة واسعة (عمي.؟)
شعرت أنها إشارة لها من الله وربتة فوق قلبها الموجوع،أجابها الرجل وهو يبكي بألم وحسرة (أيوة.. طمنيني عنك من يوم ما رجعت من عِندكم وجلبي واكلني عليكي يا بتي)
رفعت رأسها للأعلى تسيطر على دموعها، قبل أن تُجيبه (الحمدلله بخير.. إنت كويس)
أجابها ومازال صوته متهدجًا، يهتف بعاطفة أبوية (لا مش كويس… تعالي يا سكينة مع هشام أشوفك)
تجمدت نظراتها فوق ملامح الواقف أمامها ينتظر بصبر وترقب نهاية الاتصال، قبل أن تفيق وتهتف بحزن (مش هينفع يا عمي)
توسلها بعطف (أنا ف المشتشفى العام يا سكينة، تعالي مع هشام وارجعي تاني)
قالت بلهفة (إنت تعبان.؟)
أخذ منها هشام الهاتف وأغلق الاتصال قائلًا يوضّح لها بينما يمد أنامله لها بمنديلًا ورقيًا (أيوة تعبان.. محجوز يا سكينة عشان بيغسل كلى)
تناولت المنديل تحاول السيطرة على دموعها التي انهمرت، ولا تعرف تبكي خذلانها أم ربتة الصدف الحانية، أم عمها المتعب وصوته الواهن ومفاجآة مرضه الثقيلة
تقدّم منها هشام هامسًا في رجاء (تعالي يا سكينة كلهم عايزين يشوفوكي.. وأمي نفسها تشوفك جوي ومَوصياني أحاول معاكي)
رفعت عينيها الجميلة بإستفسار غير منطوق، ليبتسم مؤكدًا بهزة رأس، يتأملها بإعجاب واضح تلك المرة لم يخبئه، كل ما فيها يفتنه ويأسر روحه.. جمعت تلك الصغيرة بين جمال الوجه والروح مما جعلها فريدة ومميزة، منذ أن رأها وهو لا يفكر بسواها، لا يغمض عينيه إلا على صورتها ولا يفتحهما إلا وهو يَعِدّ قلبه الذي خفق لها من أول مرة رآها أن لن يتركها أبدًا، ويجاهد لأجل الحصول علي تلك الجوهرة الثمينة.
أيام يتتبعها حتى حفظ مواعيدها وخطّ سيرها عن ظهر قلب، حتى حانت اللحظة بعدما دعمه والده بكل قوة لتلك الخطوة.
هتف بصوت متحشرج وداخله يدعو الله أن يُمنح تلك الفرصة وألا ترفض (يلا يا سكينة)
ترددت، قفزت أمامها راضية وورد.. وهو.. لتحسم أمرها وتهز رأسها بالموافقة فتتسع ابتسامته وتتحول لضحكة انتصار وبهجة قصيرة.. انتقلت لها عدوتها تلقائيًا فابتسمت ابتسامة تدفع بها ترددها وخوفها وتتبعه.
ذهبت معه للمشفى، التقت بعمها الذي تلقفها بين ذراعيه بحنو وضمها يشبع من وجودها، واستسلمت هي لهذا الحنان وبقيت، أخذها الحنين فشردت ترسم فوق ثغرها ابتسامة شجن رائعة كانت محطّ نظرات هذا الواقف بعيدًا لا يفعل سوى النظر إليها ومراقبتها
حدثها عمها عن أبيها وسألها عن إخوتها.. يبكي تارة ويضحك تارة… حتى تمدد ونام بوهن لتأخذها زوجة عمها لأحضانها تسألها عن والدتها واخوتها..
أفاقت من الدوامة التي ابتلعتها وعاد إليها وعيها الغائب لتدرك أنها تأخرت كثيرًا ويجب عليها العودة.
نهضت مستأذنة… سلّمت عليهم بمودة ولطف وبعدها غادرت مسرعة الخطى خلفها هشام يتبعها بصمت ويراقبها بإهتمام.. لايقترب منها ولا يحدثها يكتفي بالمتابعة عن بعد حتى استقلّت السيارة وغادرت.
حدث اليوم مالم تتوقع حدوثه، خرقت اليوم قانونًا في عُرف من عاشوا الماضي وعانوا منه، ومازالت المعاناة مستمرة مشتعلة داخل الصدور، نيران لا تنطفىء بل يزيدها الحنين اشتعالاً.
لكنها كانت بحاجه لدفء أحضان عمها لرائحة والدها التي تغمرها بالأمان.. نظرت لساعة معصمها داعيةً الله أن تصل البيت سريعًا ولا تتعرض لبطش عمار وغضبه
************
جلس علي رأس الطريق الطويل المؤدي لمنزلهم والذي يفصل المنازل عن الطريق العمومي..يفرك كفيه مدفئًا جسده من البرد القارس في هذه الساعة من الليل.
جاءت مهرولة تدعو الله ألا تصطدم بعمار في طريقها فهي إن كانت تتجنبه مرة أصبحت تتجنبه مرات بعد ما حدث، تذكرت عزيز قلبها الذي لم تلتقيه منذ أيام، رسائله توقفت هل تراه مل.؟ وسئم عنادها أم ماذا حدث.؟
ارتدت خطوتين مصعوقة حين هتف أحدهم بإسمها يستوقفها (سكينة)
تجمدت مكانها رعبًا، قبل أن يقف أمامها مُعلنًا عن نفسه، يهدىء من روعها بكشف هويته.
لا تنكر أنها اطمئنت أنه هو، لكنها حانقة لا تريد مواجهته وهي تحمل له هذا القدر من الافتقاد والشوق لرؤيته.
سألته بنبره حادة متفادية فيض حنانه المنبعث من نظراته بإشاحة معترضة (خير يا دكتور..؟)
أجابها ونظراته تطارد هروبها منه بصبر (مستنيكِ)
سألته وقلبها ينبض بعنف، مهددًا بالتمرد عليها (ليه يا دكتور.؟)قال بلهفة لم يخطئها قلبها وهي ترفع نظراتها إليه في ثبات (مش عارف أشوفك، ولو شوفتك مش عارف أكلمك في حاجات كتير عايز أجولهالك)
ضرب قلبها بقوة يرقص طربًا من كلماته التي تؤازرها عاطفته القوية التي يرسلها لها دون قيود أو بخلًا منه
فيض حنانه الذي يغمرها الآن ويهدهد وجعها من قسوته لكنها قالت بكبرياء (اتفضل جول يا دكتور ميصحش الوجفه دي)
قال بحدة مستنكرًا قولها(أنا أجف معاكي فأي مكان عادي..)
أشاحت عنه قائلة بتوتر (لا متجفش.؟ ولا إنت عادي.. زيك زي أي حد، مينفعش)
اتسعت عيناه بصدمة، تحولت لغضب هادر وقسوة وهو يستفسر منها (بس أنا مش أي حد.؟)
قالت ضاغطة على كلماتها بقوة ونظراتها تواجهه في تحدي (لا زيك زي سعد وغيره..)
سألها بصدمة وانفعال غاضب من قولها الذي ضرب ثباته، وما كان يتوقعه منها (زي سعد..؟)
خطت خطوتين متقدمة تاركة له وهي تقول بتأكيد (أيوة.. وياريت متكلمنيش تاني..)
قيّد ذراعها وسحبها لتعود واقفة أمامه، شهقت متفاجئة من فعلته ووقوفها أمامه بهذا القرب حد التلامس.. هتف من بين أسنانه بغضب مكتوم ونظراته كانت فوق ملامحها كلكمة (أنا مش زي حد…)
انتفضت سامحةً لتهورها الحبيس أن يخرج؛ صرخت به في انفعال جنوني (بأمارة إيه مش زي أي حد؟ الأول كنت شيفاك بعين غير الي بشوفهم بيها، ومكنتش عندي أي حد.. بس دلوك شيفاك بنفس العين زيك زيهم..)
ازدرد ريقه متوترًا من كلماتها التي فاجئته وصدَمَته فيها، عتابها الرقيق له لمّا تواجهت نظراتهما، وشعلة عينيها المتوهجة التي انطفأت ولا يرى منها إلا رماد دُفن فيه… حزنها الذي بدد شقاوتها والخيبة التي تحتلها كلما نظرت إليه، لانت نبرته بعطف (هو زعلك دِه مالوش نهاية يا سكينة)
توترت متأثرة بهمسه الدافيء وتوسله النابع من رغبته في إرضائها (نهايته تسيبني وخلاص ومتحاولش تاني)
قال بصدق غلّف نبرته الراجية وكلما ابتعدت قرّبها منه (مجدرش يا سكينة أنا واجعني وجعك فوق ما تتخيلي)
اتسعت عيناها مبتلعةً شهقتها المتفاجئة من كلماته، تراجعت خطوتين هاربة تنفلت من حلقته ،من تأثيره الطالغي عليها وقيده.. من نظراته التي تأسرها دائمًا بحنانها (براحتك يا دكتور.. عن إذنك)
عاد يحمل أثقال خيبته في نظراته التي وعتها ورد وفسّرت سطورها جيدًا، تبادلا النظرات لثواني قبل أن يغادر لحجرته مُختليًا بنفسه بعيدًا عن لومها وتقريعها الدائم له… حيث فرضت صمتًا عقابيًا تعلم مدى تأثيره عليه.
تنهدت بقلة حيلة وألم، حزنه يشق قلبها شقًا عليه وهي تراه هكذا يجتهد في إرضائهما معًا لكنه يفشل في كل مرة وقد أوصدوا أبواب قلبيهما في وجهه مترفعين زاهدين.. خرج بعد دقائق يعلن قراره الحاسم (أنا عايز أمشي)
رفعت إليه عينين مغرورقتين بالعتب الرفيق، لينفعل مردفًا بهجوم (بتلوميني ليه.؟ هو أنا جولت لسكينة تعالي.؟ طبيعي هبجا مشغول بالي أعرفهم بالي عاشرتهم سنين إنما سكينة معرفتي بيها متتعداش شهرين.. حتى جبل ما أرجع مكنتش فاكرها كويس، أنا سبتها ١٠ سنين)
أطرقت برأسها في صمت، ليتابع مهاجمًا (بتدفعيني دفع ناحيتها لسبب مش فاهمه..)
أعرضت عنه مشفقة، لا تريد إيلامه بعد تلك الأيام التي قضاها وحيدًا منعزلًا لا يعرف لمعضلته حل.،أشْهَر سبابته مُقرًّا بعد ما فضح مخططها (أنا مش هتجوز لا زهرة ولا سكينة ياورد ارتاحي) احتدت نظراتها غير راضية بقوله ولا قراره فقال متأسفًا وهو يغمض عينيه معتصرًا جفنيه بقوة
(متعانديش يا ورد، حرام تظلمي البت مع واحد زيي أكبر منها بعشر سنين و أرمل جلبه مش معاه علشان يدهولها..، وأنا عايزلها الأحسن مني الي تكون هي أول فرحته،موجوع قوي علشانها مدّتناش غير كل الحب وأخرتها تحزن كِده)
رفعت نظراتها تجاهه في أسف امتزج بحزنها العتيق، لا تطلق صراح كلماتها ولا ترغب في مجادلته وهو بتلك الحالة.. لكنها نهضت متعكزة، تدّعي الصلابة وكل كلمة نطق بها هزتها بعنف وأرهقت خافقها ، ضمته لصدرها بحنان تقبله هو بلهفة، ربتت فوق رأسه مواسية ليصارحها بالحقيقة التي تؤرقه منذ ليالٍ (سكينة بتتعلق بيا ورد من غير ماتحس وأنا زعلان على جلبها، مبسوط بالي حصل وهيجبرها تبعد بس مكنتش أتمنى يحصل بالطريجة دي ولا تزعل كل الزعل الي واجعني معاها وعليها ومحسنني بالندم، مش عايز أسيبها وفجلبها حاجه مني )
طمأنته بحنو ودموعها تسترسل فوق خديها المتغضنين (اهدأ كله هيتصلح.. محدش بيهرب من جدره ياحمزة كنا كلنا هربنا وكنت أنا لحجت الغالي)
قالت مهوّنةً عليه (سكينة هتهدأ وترجع يا حمزة، خليها تاخد وجتها.. وخلينا احنا نمشي كله خير..لعل الخير يكمن في الشر )
******
تململت تدير رأسها فوق الوسادة وجسدها يغرق في العرق، تنازع وتغمغم بما لم تفهمه مودة التي فُزعت على صوتها وهمهماتها العالية وصراخها المتقطع .. شهقت بزعر مما تراه، ثبتت جسد سكينة المتشنج وهي تناديها بخوف (سكينة)
بينما الأخرى كلماتها ترتفع واستغاثتها تعلو، جسدها يتفصد عرقًا غزيرًا تحاول مودة مسحه بكفها المرتجف وهي تضرب فوق وجنتيها خائفة (جومي يابت)
لتكن صرختها الأخيرة باسمه قبل أن تفتح عينيها وتتطلع حولها (حمزة)..
بهتت ملامح مودة وتراجعت للخلف مندهشة تغلّف ملامحها الصدمة، نهضت سكينة جالسة تتلفت حولها بضياع تستكشف المكان وتتبينه ومازالت شفتيها المرتجفة تحمل اسمه فوقها بتفاني (حمزة.. حمزة)
رمقت مودة بنظرة مهزوزة قبل أن تترك الفِراش وتركض ناحية أقرب طاولة، أمسكت دورق المياه ورفعته تشرب منه بعطشٍ شديد ونهم، غير عابئة بما هرب من فمها وتناثر فوق عنقها وصدرها وملابسها التي غرقت..
وضعت الدورق ووقفت تلتقط أنفاسها ومازالت المشاهد التي رأتها تقفزبمخيلتها، همست بإسمه في لوعة (حمزة) قبل أن تستدير وتواجه نظرات أختها التي مازالت جامدة فوقها بصدمة وتساؤل..
عادت للفراش مرتجفة، تضم جسدها بذراعيها في إرهاق وتعب، هدمت مودة حاجز صدمتها وسألتها (في إيه يا سكينة.؟ شوفتي إيه.؟)
اندست بين الأغطية مغمضة العينين في شحوب، وهي تهمس بتعب ونبرة متهدجة (كابوس يا مودة)
انهمرت دموعها وتعالى صوت أنينها لتقترب منها مودة بحنو، تربت فوق خصلاتها مشفقة (كان حمزة في الكابوس ياسكينة.؟ ) فتحت عينيها تستوعب سؤال أختها لها ومقصدها.؟ هل خائفة عليه.؟ أم تخشى شيئًا آخر.؟ هل تطمئن.؟ أم تعاتبها على اقتحامه أحلامها وكوابيسها..؟
صمتت لا تسعفها كلماتها ولا تجد ما ترّد به عليها، بماذا ستخبرها.؟ أن أحلامها لا تحتوي على سواه ورديًا كان أو كابوسًا.. لكن الليلة كان مختلفًا أدار لها ظهره رغم استنجاداتها المتكررة، لم يمنحها كفه لينقذها ككل مرة تكرر الحلم، بل رحل غير عابيء بصرخاتها وندائتها المتكررة، عيناه لا تراها وأذنه لا تسمعها.. حاولت ورد جاهدة أن تُعيده كلما خطا مبتعدًا لكنه أبعدها وواصل طريقه.
أدّعت النوم لتهرب من مودة وأسئلتها التي تتمحور حوله فقط غير مهتمه بسؤالها عن حالها ولملمة شتاتها بعناق يدفيء قلبها وجسدها المرتجف الآن. هل يجعلنا الحب أنانيين بتلك الطريقة.؟
تنهدت بتعب وهي تشعر بخناجر حادة تمزق صدرها، مما جعلها تشهق بعنف محاولة سلب الهواء ونهبه ليعبئ رئتيها.. قفزت راكلة الدثار، اتجهت للشرفة القريبة وفتحتها مندفعة تتنفس بقوة ومودة خلفها مندهشة تتوقف الكلمات بحلقها..
أمسكتها من الخلف لكن سكينة انتفضت مُبعدة كفيها في ألم، تجاهد وحدها دون معاونة أو شفقة..
لمّا زاد الأمر سوءًا، وبدأت سكينة في النزاع
ركضت مودة تنادي والدتها، لتبقى هي وحدها لا تملك جُهدًا ولا طاقة حتى للبكاء أو رثاء ذاتها.. استندت بكفيها على سور الشرفة تتنفس بقوة.. لتتوقف نظراتها أسفل منزلهم، حيث يقف هو ممسكًا بهاتفه يدور متحدثًا فيه..
نزاعها يشتد ضراوة وأنفاسها تتسارع.. استدار عائدًا بعدما أنهى اتصاله شيئًا إلهي جعله يرفع رأسه لتتشابك نظراتهما وتلتحم في حديث صامت، رأي شفتيها ترتجفان كأنها تنطق اسمه.. فوقف متصلبًا يحتويها بحنانه المعهود وأسفه الذي لا يتوقف كلما طالعها.
لم يدم حديثهما دقائق حيث خارت قواها وسقطت أرضًا بثقل جسدها فاقدةً للوعي..
صرخة والدتها بإسمها شلّت أطرافه، وقف مكانه غير قادر على الحركة يرفع رأسه علّه يلمح أحدًا منهم..
فُكّت قيود صدمته فاندفع ناحية باب المنزل يطرقه متسائلًا..(في إيه؟)
سمحت له مودة بالدخول بعدما أخبرته بالوضع في اختصار، لما يمهلها وقتًا للإسهاب، ركض للأعلى في خوف يدعو الله داخله أن تكون بخير.. استأذن قبل أن يدخل، رمقته عمته بإستنجاد غير منطوق كبّلته الصدمة وأعجزته المفاجآة.. تقدم ناحيتهم يفحصها بعمليه وشفتيه تتحركان بإسمها في خفوت، عيناه تلتهمانها بحزن وانقباض لا يفهمه..
دقائق عادت لوعيها جزئيًا فابتسم لها بحنان، قبل أن ينهض من مكانه مستأذنًا المغادرة وقد شقّ عليه أمرها وتألُمها لهذا الحد… تشبثت بأنام كفه دون وعي، تمنع خروجه مستبقيةً له.. التفت يزدرد ريقه بتوتر من تلك الفعلة المفاجئة التي أربكته، لكن في ذات الوقت كان لها وقعًا حلوًا في نفسه بعد كل ما حدث..
ابتسم برفق زانته نظراته الحنون وهو يفك أناملها مُجبرًا ثم يعيد كفها بجانب جسدها وقد غفت أخيرًا بعدما همست بإسمه كأنه زادًا تحمله لأحلمها (حمزة)
كان لنطقها اسمه بهذه الطريقة وذلك الشكل وقعًا فريدًا في نفسه، ومشاعر غريبة انتابته في تلك اللحظة
جعلته يبتعد مهرولًا ينجو بنفسه من الغرق معها في عاطفتها .
******
في اليوم التالي
طرُِق الباب فجلست فوق الفِراش تأذن للطارق وهي تمسح دموعها التي لم تتوقف منذ يومين، كلما سمعت اسمه أو رآته من نافذة سجنها الذي اختارته بكت بحرقة متذكرة ذاك الشعور المؤلم بالخذلان.. وكأن موقفًا واحدًا منه كان يكفي لأن تحمل في قلبها كل خيبات العالم، وترثي ذاتها،
رفعت عينيها تستكشف الطارق، لتجدها ورد، تُطالعها بنظرة تموجت مابين الأسف والعتب، واقفة بثبات عينيها القوية اللامعة تبعثرها وتلملمها.. تضمها وتهدهدها.. انتفضت سكينة في احترام وتقدير.. قفزت من فوق الفِراش لتصبح أمامها هامسةً (مرت خالي ورد)
مدت ورد أناملها المرتعشة تلملم خصلات سكينة من على وجهها وهي تعاتبها بلطف امتزج بحنوها ورقتها (مبجتيش تجيني ولا تسألي عني جولت أجي أنا وأسأل)
قالت سكينة بعذاب خفي (سامحيني معلش، تعبانة)
لامتها بإبتسامة ربتت علي قلبها (تعبانة ولا زعلانه مننا.؟)
كانت من الرقة والشفافية مما لم يجعلها تُخبيء أو تراوغ بخبث، أشاحت بنظراتها المنطفئة متنهدة(لتربت ورد فوق كتفها قائلة (أدخل ولا أطلع.؟)
التفتت سكينة في سرعة، قبضت على كف ورد ثم ضمتها بقوة تعتذر لها عن شيء لم تفعله قائلة (لا ادخلي طبعًا…)
تقدمت ورد ناحية الفِراش قائلة (حمزة فبيت جده وأنا بجالي يومين بستناكِ مبتجيش.. جولت أجي أنا وأبيت معاكي)
ابتهجت سكينة غير مصدقة تسأل بفرحة طفولية (هتبيتي معايا أنا)
تمددت ورد فوق الفِراش متدثرة بالغطاء وهي تخبرها بنظراتها الثاقبة (أيوة.. موافجة ولا أمشي)
مسحت سكينة دموعها و جاورت ورد قائلة (موافجة أكيد.. دي أحسن حاجه عملتيها)
أشارت لها ورد بحنان وأمومة (تعالي يا سكينة)
ترددت سكينة قليلًا متوترة لكنها لبّت في النهاية مُرحبةً بحضن ورد الدافىء أراحت رأسها فوق صدر ورد متنهدة، مغمضة العين في استسلام لتلك الراحة.
حثتها ورد وهي تملّس فوق خصلاتها (اتكلمي جولي كل الي عايزه تجوليه)
رفعت سكينة عينين مغرورقتين بالدموعمترددة..؛ لتبتسم ورد وتخبرها (أنا هِنا مش لإني أم حمزة… أنا هنا بصفة تانية إنتِ عرفاها زين)
هزت رأسها متفهمة لتعود رأسها لمستقرها فوق صدر ورد، متذكرة ما حدث.. تعالت أنفاسها بإنفعال كأنها تحارب وحوشًا لا تراها.. أردفت ورد بإشفاق (مش هجولك حاجه عن حمزة ولا كلميه ولا أي حاجه.. اعملي الي يريحك)
همست سكينة بنبرة متهدجة غارقة في الحزن (على كدّ المحبة بيبجا العشم يا يا مرت خالي وواد خالي لو ميفرجش معاي مكنتش زعلت.. وجعني إنها تيجي منه هو.. موجعتنيش من عمار )
صمتت سكينة منتحبة وكلما تذكرت تجدد الوجع.
هدأتها ورد بكلماتها التي هبطت على قلبها بردًا وسلام..
حتى استسلمت سكينة للنوم بعد إرهاق شديد وسهر متواصل.
وضعتها ورد مكانها ودثرتها جيدًا، ثم أمسكت بالهاتف تخبره بإختصار وعتب تضافر مع سخريتها (نامت يا واد خالها)
وضع الهاتف بجيب بنطاله ونهض من رقدته، فقد سمحت له أخيرًا ورد بالعودة والنوم بمنزله بعد ليالٍ قضاها ببيت جده يتقلب على جمر، آه لو تعلم تلك الصغيرة ما فعله حزنها به.؟ سعى كثيرًا لمراضاتها فقلبٍ كقلبها لايستحق كل هذا العذاب والوجع… لأن قلبها يستحق الأفضل سيتركها ويرحل ويطوي صفحتها دون عودة.
******
تكررت زيارتها لعمها، لا تعرف كيف فعلتها وحطمت كل القيود لكنها سعيدة بهم، تجد الكثير من الراحة والأمان بكنفهم..بعدما بددوا حزنها وأعادوا إليها روحها من جديد، تحركت ناحية منزل جدها تدندن وقد افتقدت الحديث مع جدتها ومناورة نفيسة.
دخلت المنزل مُعلنة عن وجودها كما تعودت، لتصطدم به جالسًا، تبدلت ملامحها وانطفأ وهج روحها.. أشاحت بضيق متنهدة من تلك الصدفة أشار لها جدها (تعالي يا ملكومة)
تقدمت فاقدة للمرح تبتسم بتكلّف، ضرب جدها فوق الأريكة بجانبه موجّهًا لها، محددًا لها مكان جلستها، ابتلعت ريقها متراجعة وقد وجدت أنها ستجاوره فامتنعت واقتربت لتجاور جدتها في جلستها.
سألها جدها باهتمام (غايبة بجالك كام يوم يعني.؟)
أجابت قائلة وهي تترفع عن النظر إليه (مشغولة في المذاكرة والدروس)
قال جدها بإمتعاض (يكش تفلحي يا أختي وتريحي أمك)
هزت رأسها دون كلمة، تتنفس بإنفعال متجاهلةً النظر إليه،قلبها يضرب بقوة.. بينما يجلس هو بوقار صامتًا يتجاهل كل ما حوله ببرود كعادته، ينعزل بنفسه وأفكاره ممسكًا بهاتفه.
نهض جده وتركه بينما فعلت الجدة مثله وهي تتشبث بسكينة قائلة (تعالي يا بت طلعيني)
نهضت ملبية بهزة رأس مستحسنة، أمسكت بذراع جدتها تساندها وبقيّ هو وحده حتى دخل سعد راميًا له السلام بإستهانة وبعدها جاوره.
هتف سعد بخبث هو يشمل حمزة بنظراته الساخرة (البجية فحياتك يا حمزة أمي جالتلي إن مرتك ماتت)
رفع حمزة نظراته من على الهاتف يمرر كلمات سعد داخل عقله قبل يفرك عينيه مستعدًا لسخافات سعد متسلحًا بالبرود (حياتك الباجية يا سعد)
صنع سعد بفمه صوتًا متأسفًا وهو يهتف بإنزعاج مصطنع (جال ماتت يوم صباحيتها.. فال عفش جوي دِه)
حكّ حمزة فروته وهو يتسلح بأقصى درجات ضبط النفس.. هذا الموضوع من الأساس جرحٌ غائر عميق الأثر في نفسه لا يحب أن يكون مادة لسخرية سعد ولا حماقته.
هبطت سكينة الدرج ببطء مستمعة للحديث الدائر بينهما.. هتف حمزة بوجع (أمر ربنا يا سعد)
سخر سعد بفظاظة وغلظة (الله يكون فعونك يا واد عمي ملحجتش تفرح وتتهنى حظك عِفش جوي)
مسح حمزة وجهه ملتقطًا أنفاسه رأسه دارت ليصطدم بها واقفة تستمع، التقت نظراتهما لدقائق قبل أن تشيح برأسها في جفاء..
الصغيرة تستمع دون التدخل، تعلن له أن أمره بالنسبة لها قد انتهى وما عادت تفعل من أجله أي شيء حتى لو كان صدامًا مع من تكره وتبغض كلماته، فليفعل هو وحده.
نهض من جلسته قائلًا بإبتسامة باردة (عجبالك يا سعد.. أما نشوف حظك)
ركضت نظرات سعد للواقفة بثبات ليخبره بثقة مفرطة وغرور (أحسن حظ.. بس معلهش وجتها هخاف أعزمك سامحني فال عِفش)
غادر حمزة بصمت يضم شفتيه بضيقٍ وأسف، مرّ بالقرب منها متجاهلًا.. لتبقى هي مكانها متحملة سخافات سعد وحماقاته حتى يغادر حمزة لمنزله خوفًا من أن يظن أنها تتبعه لتُرضيه كعادتها معه،لكنه يعلم أنها لن تفعل.
بعد مرور دقائق خرجت عائدة لمنزلهم رغم اشتياقها لورد لكنها لن تذهب..
عادت لتجد والدتها وورد ومودة يفترشون الأرض أمام المنزل ويجلسون.
ابتعدت عنهم قليلًا بعدما ألقت سلامًا خافتًا، وجلست تنقر فوق هاتفها وفعل هو مثلها..
حتى انقضت الليلة..
***********
هتفت سما بغيظ وهي ترى سامي يدور في المكان مزمجرًا (ما تسيبها)
وقف مكانه يضغط خصلاته قائلًا بعزم انبثق من نظراته شديدة الغموض (اسيب مين..؟ دِه مش هيحصل.)
مصمصت قائلة بضجر من تمسّكه الشديد بصديقتها (هتعمل إيه.؟)
لمعت عيناه وهو يخبرها (الأول كلمت أبوي وهنروح لأهلها بعدها ليها حل)
اتسعت عيناها بصدمة غير مصدقة تعلقه بها، ولا رغبته فيها لهذا الحد الذي يجعله متمسكًا بها رغم تجاهلها له ورفضها، قالت بتشفي تحاول إحباطه وقهر عزيمته (هيرفضوا متأكدة، ايه يخليهم يوافجوا عليك وسعد عايزها وأظن حمزة ميال ليها وهي كَمان)
قال بإبتسامة غامضة مستهزًءا بكلمات الأخرى المشتعلة بحقدها (هشوف وبعدها أقرر..) ثم استرسل بمكر وغموض (لو مكنتش أنا مش هيبجا غيري)
اندفعت تسأله والشر داخلها يتوهج(جصدك إيه.؟)
رمقها بنظرة مستخفة نافرة قبل أن ينسحب ويغادر تاركًا كلماتها تؤجج نيرانها (ملكيش فيه، إنتِ أخرك تجبيلي أخبارها)

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاذ قلبي سكن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى