رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثالث 3 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء الثالث
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم البارت الثالث
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الحلقة الثالثة
يجلس دياب في منزل الحاج زهران، قام نضال بدعوته للعشاء معهما فأتى “دياب” معه من القهوة..
ولم تكن تلك المرة الأولى بل هو معتاد على الذهاب وقضاء بعض الليالي معه هو وسلامة تحديدًا لأنهما يمكثا بمفردهما وهذه المرة يشاركهما الحاج زهران وأرجيلته الغنية عن التعريف مادام أصبح رجل عازب إذن ليشارك الشباب جلستهم….
كان دياب يجلس بجانب زهران على الأريكة وسلامة على المقعد، بينما نضال عالق في المطبخ في تحضير العشاء..
أخرج دياب علبة السجائر المتواجدة في جيبه تحت أعين زهران الذي صاح في وجهه بغضب واضح:
-هطلع علبة السجاير تشربها قدامي إيه مفيش احترام؟!.
رد دياب عليه ببساطة وعفوية:
-وإيه المشكلة يا حج زهران ما أنتَ قاعد تشرب الشيشة قصادي ومتكلمتش ولا فتحت بوقك ولا هو حلال ليك وحرام عليا.
عوج زهران فمه وغمغم ساخرًا:
-أنتَ بتقارن نفسك بيا؟! ده القوالب قامت والأنصاص نامت صحيح، بقا العيال…
قاطعه دياب هاتفًا وهو يضع العلبة في جيبة متمتمًا حتى يتجنب النقاش:
-خلاص يا حج زهران احنا لسه هنقول محاضرة مش شارب هشرب لما أكل، هتبقى اقعد في البلكونة..
تمتم زهران بنبرة ساخرة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-عايز تشرب مع ابني وانتم قاعدين في البلكونة علشان تفسد أخلاق ابني المتربي وتعلمه شرب السجاير.!، مهوا أنا قلقان منك طول عمري، الواد طارق مكنش بيشرب أي حاجة، صحيح ما التفاحة الفاسدة تفسد صندوق كامل…
ضحك سلامة على طريقة أبيه بعدما ترك الهاتف ليتحدث تلك المرة دياب بنبرة مرحة فهو يعتاد على زهران ليس جديدًا عليه بل يحب الجلوس معه بين الحين والأخر:
-ما بقولك إيه يا عم زهران ما تسيبك من الفاكهة والتفاح وخليك في اللحمة…
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة:
-وبعدين يعني هو دياب الوحيد اللي بيشكل خطر على ابنك مهوا بيقعد على القهوة مع اللي بيحششوا وبيشربوا كل حاجة ثق في تربيتك وبعدين ما أنتَ خير مثال ما طول النهار قاعد في وش ابنك بالشيشة ومتأثرش.
سحب زهران نفس من أرجيلته ثم غمغم بنبرة ذات معنى:
-والله كل اللي قولته ده اكتر حاجة عجبتني فيه اني عارف تربيتي وواثق فيها..
مال دياب عليه قائلا وهو يمرح معه:
-علشان تبقى عارف بس اني صاحب فاسد اه بس بخاف على صاحبي في مرة كان عايز يشرب سيجارة ويجرب بس أنا مرضتش علشان خاطرك فثق في صاحب ابنك كمان…
صدع صوت زهران متمتمًا تحت ضحكات دياب وهو يرى ملامحه التي تغيرت وصدق حديثه الذي يمزح به معه:
-واد يا نضال تعالى…
تمتم سلامة ساخرًا:
-يا بابا الواد ميت من الضحك جنبك أنتَ مصدق يعني، وبعدين هو احنا عيال صغيرة..
توقف دياب عن الضحك متمتمًا حينما أتى نضال من الداخل وهو يرتدي مريول المطبخ:
-مفيش يا نضال ارجع كمل الاكل علشان أنا ميت من الجوع وعايز نفتح البسبوسة اللي أنا جايبها..
قاطعه زهران بنبرة متهكمة:
-ما خلاص عرفنا أنك جايب بسبوسة…
رد دياب عليه بمرحٍ:
-لا مش باين أنكم عرفتم ده أنا ناوي اصورك بيها واحطها على الفيس واعمل منشن لصفحة الجزارة علشان الناس كلها تعرف إني جيبت ليك بسبوسة..
ثم أسترسل حديثه بنبرة ذات معنى حينما رحل نضال:
-بقولك إيه انا حاسس أن كل العصبية اللي أنتَ فيها دي بسبب أنك لوحدك وأنتَ مش واخد على كده، أنا عندي ليك عروسة لم يسبق لها الزواج أصلي أنا عارفك وحافظك واحنا لينا نفس المواصفات..
تمتم زهران بعدما سحب نفس من أرجيلته وقام بتعديل وضع الفحم:
-متجوزتش قبل كده ازاي يعني؟! دي عندها كام سنة دي؟! اكيد صغيرة في السن..
قاطعه دياب بنبرة واضحة:
-لا مناسبة ليك في السن عيب عليك ودي حاجة تفوتني وبعدين يا حج زهران أرحم صحتك كده وشوف اللي قدك اللي فاتت كانت صغيرة عليك…
نهض سلامة حينما قامت جهاد بالاتصال عليه وذهب نحو غرفته، ليتحدث زهران بغضب:
-احترم نفسك يا واد أنا لسه شباب، وبعدين عندها كام سنة دي؟!!!!.
هتف دياب بنبرة جادة:
-يدوبك اتنين وسبعين سنة من سن بعض، بهية جارتنا..
ضربه زهران بخرطوم الارجيلة قائلا بغضب وقد احتدم على أخره:
-اتنين وسبعين سنة في عينك، ليه فاكرني مركب طقم سنان يلا، ده أنا لسه بصحتي وشباب قال من سني قال قوم اخفي من وشي وساعد نضال في الاكل بدل ما أنتم سايبين الواد لوحده أنا غلطان أني عمال اخد وادي معاك في الكلام…
ثم صاح بجنون وهو يدافع عن نفسه:
-قال قدي قال في السن..
-الصبغة دي بس اللي مخلياك تتكبر على مخاليق الله، وبعدين بقولك إيه روح الحق اصبغ تاني علشان من الجناب بدأ الشعر الابيض يظهر تاني…
صاح زهران بنبرة غاضبة:
-يا نضال تعالى شوف صاحبك..
تحت ضحكات نضال الذي يقف في المطبخ المفتوح والواضح لهم لكن من مسافة بعيدة:
-تعالى يا دياب وسيبه بقا علشان ميقمش يولع فينا بدل الفحم…
بالفعل نهض دياب وذهب ناحية نضال ليساعده رغم أنه لا يفقه شيء في صنع الطعام لكن رُبما يستطيع مساعدته في أي شيء، وتزامنًا مع ذهابه أتى سلامة متمتمًا وهو يحتل مكان دياب بجوار أبيه:
-أنا صالحت جهاد امبارح واحتمال اروح بكرا اديها شبكتها…
غضب زهران متمتمًا:
-وليه عملت كده من غير ما تقولي…
لم يفهم سلامة سر غضب أبيه مما جعله يغمغم باستغراب:
-وهيفرق في إيه يعني؟!!.
-اسكت أنتم كلكم تحرقوا الدم روح معاهم شوفهم بيعملوا إيه أنتَ كمان..
___________
-بابا أنا…
لم تستكمل ريناد كلماتها…..
تلقت عدة صفعات متتالية بجنون من والدها لأول مرة يصل إلى تلك الحالة لكن من يلومه؟!..
بعد الذي فعلته هي به؟!
ابنته تم القبض عليها في أحدى الملاهي الليلة بسبب كسرها زجاجة على رأس أحدى الشباب الذي حاول التحرش بها في المكان، غير صديقاتها منهم من كان في حالة سُكر واضحة…
-أنتِ لسه ليكي عين تتكلمي..
جذبها من خصلاتها تحت تأوهاتها وبكائها الشديد وهي تصعد معه الدرج الخاص بالفيلا وهي تسير معه مجبرة حتى ذهب إلى غرفتها ليفتحها ويلقيها بالداخل مما جعل خطواتها تتعثر حتى سقطت أرضًا وسمعته يهدر……
-على أخر الزمن، تستغفليني وتقوليلي أنا عند صاحبتي معزومة على العشاء وهبات عندها علشان أنتَ مسافر، أنا هوريكي يا ريناد قسمًا بالله هوريكي على اللي عملتيه النهاردة، من هنا ورايح جامعة مفيش خروج مفيش، مش هتخرجي من الأوضة حتى…
صرخ في وجهها هادرًا بعنف وجنون كبير:
-قومي هاتي اللاب توب والموبايل والايباد ومحفظتك ومفتاح العربية…..
لم تتحرك ليهتف محمد بنبرة هسيتيرية:
-اتحركي..
نهضت بسرعة وأعطته ما أرادته على عجلة من أمرها وهي تنتفض، ولم تستطع أن ترفض أبدًا يكفي ما مرت به اليوم، أخذ المحفظة ليخرج كل البطاقات الائتمانية وحتى بطاقتها الشخصية وكل شيء منها….
خرج من الغرفة ثم وضع تلك الأجهزة على أحدى المقاعد في الخارج ثم أغلق الباب وهو يهدر…
-زينب…
جاءت زينب العاملة التي تعمل في منزلهما منذ سنوات وحتى قبل أن تتوفى زوجته:
-ريناد متخرجش من أوضتها لأي سبب من الاسباب أنتِ سامعة وأي حد من الصيع صحابها هيجي يزورها ميدخلش البيت من أساسه حتى الأكل تأكله في أوضتها…
لم تفهم زينب الذي حدث ولكنها هزت رأيها بإيجاب متمتمة بتوتر من الأجواء المشحونة:
-حاضر…
رحل محمد بغضب شديد بعدما أخذ الهاتف وكل شيء، وذهب إلى غرفته..
بينما في الداخل ريناد كانت تبكي وتشهق بقوة بسبب ما تعرضت له طوال اليوم الغريب وذهابها إلى قسم الشرطة بتلك الطريقة غير أنها المرة الأولى التي يصفعها والدها بتلك الطريقة على العكس هو دومًا حنون منذ وفاة والدتها عليها لكن على ما يبدو هذه الطريقة لم تفلح معها…..
لا تعلم حتى كيف استطاع والدها أن يأتي رغم سفره الهام، غير محاولته الشديدة للتفاوض مع صاحب المكان والشاب الذي قامت بجرحه في رأسه جرح غائر حاول السيطرة على كل شيء ولم يتحدث معها في أي شيء حتى دخل الاثنان إلى المنزل وانفجر بها، هي تستحق أن يفعل بها ما هو أكثر من ذلك يا ليتها لم تذهب إلى هذا المكان مستجيبة إلى صديقاتها….
____________
ترك سلامة دياب ونضال وحتى والده ثم ولج إلى الغرفة تاركًا أياهم مع الطاولة لعبتهما المفضلة، حتى يتحدث مع جهاد مرة أخرى لقد تأخرت عن موعد عودتها إلى المنزل ومازالت في الخارج وهذا ما ازعجه لذلك قرر الاتصال بها..
في الوقت نفسه في أحدى المولات التجارية كانت جهاد تقوم بقياس الملابس في غرفة القياس تاركة حقيبتها وهاتفها مع صديقتها المُقربة ميار التي تقف في الخارج…
صدع صوت هاتف جهاد الذي يتواجد بين يديها ولم تكن تلك المرة الأولى بل أنها الثالثة لذلك أجابت ميار:
-ألو..
وقبل أن يسمع الصوت كان سلامة يتحدث بغضب:
-أنتِ فين يا ست هانم ما تباتي برا أحسن الساعة عشرة…..
عقبت ميار على حديثه بنبرة عادية:
-أنا ميار صاحبتها جهاد جوا بتقيس الهدوم، احنا خلاص ماشيين.
تمتم سلامة بفظاظة:
-هو أنا متصل على موبايلك يعني بتردي ليه؟!.
ردت ميار على حديثه ببساطة ولا مبالاة:
-والله أنا لقيتك عمال ترن فقولت أرد عليك علشان متقلقش، وبعدين أتكلم بأسلوب كويس.
جاءها صوت سلامة من الهاتف متحدثًا بنبرة ساخرة:
-معلش والله أنا بتكلم زي ما أنا عايز وتاني مرة مترديش على الموبايل بتاع جهاد لما أتصل..
ولم ينتظر أن تعقب على حديثه بل أغلق الهاتف في وجهها، وفي الوقت نفسه أتت جهاد من الداخل وهي تحمل قطع الملابس متمتمة:
-شكله عبيط عليا أوي وكبير زيادة عن اللزوم وكنت بنادي عليكي برضو علشان تشوفيه مشيتي ليه؟!.
تمتمت ميار ببساطة:
-أبدًا سلامة كان عمال يرن فروحت رديت عليه خوفت يقلق عليكي والشبكة جوا وحشة فمشيت شوية كده، وبعدين يعني مقولتيش أنك أنتِ وسلامة رجعتوا لبعض؟!..
هتفت جهاد بنبرة عادية:
-معرفش ما أنا أول ما شوفتك كنتي عماله تحكي حوار عمتك وبنتها ومجتش فرصة أقولك وبعدين كنت هقولك أكيد…
قاطعتها ميار متحدثة بنبرة عادية:
-أنا بتكلم عادي يا جهاد مفيهاش حاجة براحتك المهم كلميه علشان هو متعصب جدًا عقبال ما اخرج برا علشان الداتا تلقط وأطلب **** علشان نروح.
“بعد عودتها إلى المنزل”
كانت تضع الهاتف على أذنيها متحدثة بغضب:
-أنتَ أصلا عمال تزعق ليه؟!.
جاءها صوته غاضبًا هو الآخر من الهاتف:
-راجعة البيت والساعة داخلة على (١١) وعايزاني أسقف يعني ولا أعمل ايه والزفتة صاحبتك دي بترد على الموبايل ليه؟!.
تمتمت جهاد بغضب:
-أنتَ لسه ملكش حكم عليا يا سلامة وبعدين أنا اتاخرت غصب عني لأني أصلا نزلت متأخر وأنتَ عارف، وبعدين أنتَ شايل ميار وحاططها فوق دماغك ليه؟! وإيه الطريقة الزفت اللي كلمتها بيها دي؟!.
سمعت صوته يصيح:
-اومال هحب فيها يعني؟! هي اللي المفروض متردش على الموبايل مدام شايفة اسمي.
هتفت جهاد بنبرة عادية ولا تجد أي مشكلة في الأمر:
-مش كنت عمال ترن أكثر من مرة وهي مردتش من أول مرة وقالت أنها خافت تقلق عليا…
قاطعها سلامة بنبرة ساخرة:
-مش ده موضوعنا أنا كنت متعصب اصلا بسبب تأخيرك ومكنش ينفع أصلا تنزلي من البيت الساعة سبعة….
تمتمت جهاد بانزعاج جلي:
-أنتَ عايز تعمل فيها سي السيد وتقعد تتحكم فيا الكلام ده لما أكون في بيتك غير كده لا وألف لا وبعدين كان ضروري أنزل…
قاطع حديثها وهو يغمغم:
-اه كان المفروض تنزلي علشان خناقة الشحرورة وعمتها واحنا مالنا بيها..
هتفت جهاد بجنون وضيقٍ شديد:
-سلامة متجيش وخلي الشبكة معاك علشان أنتَ مفيش فايدة فيك..
-لا هاجي وهتلبسي الشبكة أن مكنش بمزاجك هيكون غصب عنك والله ليكي روقة معايا لما نتجوز ليكي روقــة..
-لا متجيش…
عقب سلامة على حديثها قبل أن يغلق المكالمة:
-لا جاي.
_____________
سافر شقيقه عماد كالمتوقع ولا يعلم متى سوف يراه مرة أخرى، وذهب للعيش في الفيلا الخاصة بعائلته برفقة رانيا التي جاءت معه مُجبرة، غير راضية أبدًا على الأمر…
يقضى اليوم كله مع شقيقته تقريبًا، رُبما لأنها الوحيدة التي تشاركه حزنه وتشعر بما يشعر بها ولأنها تمتلك من الشفافية ما لا يمتلكه أي شخصٍ أخر، الحديث بينه وبين أحلام شبه مُنقطع، فهو لا يجيب على هاتفه إلا نادرًا على الرغم من اتصالات اصدقائه، واتصالات أحلام التي لا تتوقف أبدًا ورسائلها الطويلة ولكنه غير مهتم بأي شيء……
نامت شقيقته نسمة بعدما شعر بارهاقها طوال اليوم التي قضته في البكاء ولأن قلبها لا يتحمل هذا كله، حاول مواساتها قدر المُستطاع وتهدئتها حتى نامت وترك قُبله على رأسها ودثرها بالغطاء وكأنها طفلته وهي بالفعل كذلك طفلته وصغيرته…
ذهب إلى غرفة نومه التي أصبحت خاصة به وبزوجته، ليجدها جالسة على الفراش تعبث في هاتفها، بدل ملابسه ثم جاء وتحدث معها متمتمًا حاول أن يكون حديثه معها هادئًا، وهو يجلس بجانبها على الفراش..
-أنا راجع الشغل بعد بكرا.
ردت عليه بلامبالاة ونبرة مقتضبة:
-كويس.
سألها جواد بنبرة عادية رغم أن يعرف أن الإجابة لن تروق له عند سماعها:
-منزلتيش تتعشي ليه معانا؟!..
تمتمت رانيا بانزعاج جلي ولم تخلف توقعاته:
-كده أنتَ عارف رأيي مش كفايا إني جاية مجبورة؟! عايز إيه مني تاني؟!.
استغفر جواد ربه ثم غمغم بنبرة منزعجة وهو يعتدل في جلسته قائلا بانفعال:
-جرا إيه يا رانيا هو حد عملك حاجة تضايقك؟!، هل حد لزمك بحاجة ولا طلبت منك تعملي أي حاجة أنتِ في حتة ونسمة في حتة، ولا طلبت منك أي حاجة علشان تعيشيني في النكد ده و مش مقدرة اللي بمر بيه…
هتفت رانيا بضيقٍ:
-جواد متزعقش..
نهض من الفراش ثم غمغم بانزعاج:
-يعني تحرقي في دمي وطول النهار مبوزه في وشي وتردي عليا من تحت ضرسك وعايزاني اعملك إيه بجد؟! أنتِ مش طبيعية، عايزة تعملي حوار وخلاص مش كفايا كنتي قاعدة على الغداء نظراتك لنسمة زي الزفت وهي بتحس أكتر منك على فكرة………
قاطعته رانيا بسخرية وعتاب واضح:
-ده بدل ما تشكرني يعني إني عملت اللي أنتَ عاوزه وجيت معاك؟!. اسيطر على تعبيرات وشي كمان؟!
تحدث جواد بأعصاب مشدودة وغاضبة:
-اشكرك لما تكوني مريحاني على الأقل مش تكوني متكدرة ولا بتنزلي تأكلي ولا غيره ومحسساني اني ضاغط عليكي ومخليكي تعملي اللي فوق طاقتك وأنتِ النسمة مش بتشيليها من الأرض، دي أول مرة في حياتي من ساعة ما اتجوزتك أطلب منك حاجة دايما بتعملي اللي على مزاجك وبس….
كادت أن تتحدث ليغمغم جواد بنبرة قاطعة:
-يا تقعدي هنا باحترامك وتعرفي أن ده الوضع اللي هنستمر عليه وإني مش هسيب أختي، يا ترجعي شقتك لوحدك اقعدي ولما افضالك أبقى اجيلك ده أخر كلام عندي..
تمتمت رانيا بتهكم:
-ده نظام قلب ترابيزة علشان توزعني وتروح تتجوز السنيورة بتاعتك مش كده وتجيبها هنا…
ضحك جواد رغمًا عنه ساخرًا منها ثم غمغم:
-أنا ولا بقيت طايقك يا رانيا ولا طايق غيرك ومتقلقيش أنا مش ناوي اجيب حد غريب اقعده مع اختي، اما اللي بنت عمها ومتربية معانا قاعدة مش قادرة تستحمل يومين ومحدش طلب منها تعمل حاجة أصلا غير أنها تتعامل بضمير وانسانية، فسقف توقعاتي في الغريب مفرقش كتير عنك…
ذهبت إلى الفراش ودثرت نفسها بالغطاء متمتمة:
-لو سمحت انا عايزة أنام ومش عايزة اقضي يومي كله في الخناق علشان عندي اجتماع الصبح لو حابب كمل خناق لوحدك…
هتف جواد قبل أن يرحل:
-وأنا معنديش كلام أقوله يا تقعدي بأدبك يا تمشي يا رانيا….
____________
بعد عودته من العشاء وجلوسه لوقتٍ طويل في منزل عائلة زهران عاد إلى منزله والغريب أن والدته التي تنام مُبكرًا كعادتها كانت مستيقظة وفي انتظاره على الأغلب…..
أغلق دياب الباب وأقترب منها بعدما خلع حذائه متحدثًا:
-مساء الخير يا ماما عاملة إيه؟!..
-الحمدلله إيه موبايلك مقفول ليه؟!
كانت تلك الكلمات التي قالتها حُسنية “والدته” مما جعل دياب يأتي ويجلس على المقعد هاتفًا ببساطة:
-فصل شحن ونسيت اشحنه واتلهيت في كذا حاجة…
عقدت حُسنية ساعديها ثم غمغمت بنبرة ذات معنى:
-فصل شحن ولا قافله علشان متردش على ليلى.
هنا اتضحت الرؤية مما جعل دياب يتحدث بنبرة غاضبة:
-يعني حضرتك بقا قاعدة مستنياني علشان كده؟! واضح أن الهانم اتصلت بيكي وقعدت تشتكي ما هو ده اللي هي فالحة فيه.
تمتمت حُسنية ببساطة وهدوء:
-يا ابني البت صغيرة متبقاش حمقي كده وقدرها وهي عملت إيه لده كله يعني؟! ما طبيعي تزعل إنك سيبت شغلك..
قاطع دياب والدته بنبرة منفعلة:
-تزعل لما أكون سيبت الشغل بمزاجي مش اطردت منه بسبب اللي ما تتسمى دي، تزعل لما يكون خطيبها قاعد في البيت مبلطج ومش بيتشغل ومش طافح المرار علشان نتجوز…
قالت حُسنية بنبرة لينة:
-أهدى يا ابني كده احنا بنتكلم مع بعض، وهي زعلانة والله ومنهارة علشان أنتَ مبتردش عليها وبعدين دي ليلي حبيبتك اللي بقالها ثلاث سنين وأكتر موافقة على ظروفك ومكملة معاك ومستنياك علشان بتحبك….
قاطع دياب والدته للمرة الثانية وهو يتمتم بغضب جامح:
-اللي بيحب حد مبيجيش عليه، مبيقعدش يلومه كل دقيقة رغم أنه مش مقصر في أي حاجة وعامل اللي عليه وزيادة، مبيقعدش يشيله الهم والمرار…..
-أكيد مش قصدها هي بس اتصرفت غلط وأنتَ عارفها عبيطة في كلامها.
هتف دياب بنبرة مختنقة وهو ينظر إلى والدته:
-دي مكنتش أول مرة، لما سيبنا بعض أول مرة برضو كان بسبب كده لما قعدنا ثلاث شهور مفركشين كان بسبب كلامها وهي وعدتني أنها هتتغير وأنه مش قصدها، دي ظروفي ومش هغيرها ومش هروح أسرق علشان أخلص بدري وأتجوزها، وأنا عمري ما خبيت عليها ظروفي وعيشتها في وهم وقعدت أقول ياما هنا ياما هناك لا هي عارفة كل حاجة من الأول…
تمتمت حُسنية بانزعاج واضح:
-وأخرتها إيه ما طول ما أنتَ مطنشها مش هتوصلوا لحل لازم تقعد كده وتتكلم معاها و رد عليها…
تحدث دياب بنبرة منزعجة:
-أنا مش عايز ارد عليها مش علشان مش عايز اسمع كلامها بس لا أنا بحميها من لساني والقرف اللي ممكن أطلعه عليها ما أنا مش هفضل كابت نفسي وبسمع منها بس لا هرد عليها ردود مش هتعجبها، الأسبوع الجاي هكلم أبوها وأروح أقعد معاهم في البيت وهو واحد اتنين تلاتة مش عاجبها ظروفي خلاص كل واحد يروح لحاله….
هتفت حُسنية بعتاب لم تستطع كبحه:
-من الأول قولنا بلاش ليلى مش عيب فيها علشان بس أبوها ملهوش كلمة وأمها هي اللي ممشية البيت وممشية ليلى، بس اللي كان يشفع عندي أنها بتحبك وأنتَ بتحبها وكنت مصمم عليها.
ابتلعت ريقها ثم استرسلت حديثها موضحة موقفها نرة أخرى:
-ومش معنى إني كنت معترضة من الأول علشان الموضوع ده إني هسمح أنك تظلم بنات الناس لو طبعها مش ماشي معاك خلاص فضها سيرة مئة ألف خطوبة تتفشكل ولا جوازة تبوظ……
صمت دياب ولم يعقب لتهتف حُسنية قبل أن تنهض وتتوجه صوب غرفتها:
-أنا يوم الخميس هبات عند خالتك وهرجع يوم السبت أبقى متتاخرش برا علشان اختك متبقاش لوحدها في البيت..
-تباتي ليه عندها؟! من امته ما أنتِ علطول بتروحي زيارة وبترجعي؟!..
حاولت حُسنية قول أي شيء كاذبة:
-خالتك تعبانة شوية ووحشتني وأنا مبروحش عندها كتير..
_____________
تجلس أحلام في المنزل وتضع الهاتف على الطاولة وتجعله يستند على الزجاجة لأنها تتحدث مكالمة فيديو مع شقيقها وهي تتناول الطعام بعدما عادت من عملها..
تحدث طارق وهو ينظر لها وهو الآخر في منزله:
-إيه البت هدير نايمة ولا إيه؟!.
هتفت أحلام بعدما أخذت ملعقة من الأرز:
-اه نامت علشان صاحية من بدري أوي وكان وراها درسين بعد المدرسة.
تمتم طارق وهو يتحدث معها باهتمام كعادته كل يوم:
-في حاجة نقصاكم الفلوس بتكفي اللي ببعتها؟!.
-أيوة متقلقش…
رد عليها طارق بهدوء:
-أي حاجة تعوزها قولولي علطول..
-حاضر.
سألها طارق بفضول:
-أشرف مش بيجي خالص ولا بيتصل بيكم؟!.
هتفت أحلام بلا مبالاة:
-لا مجاش من ساعة ما جه في رمضان بس، ومش بيتصل البت هدير من وقت للتاني بتكلمه مع إني معرفش بتتنيل تكلمه على إيه هو بيسأل فينا ولا معبرنا..
قاطعها طارق بنبرة رزينة:
-ملكيش دعوة يا أحلام وسبيها براحتها حتى لو هو مش بيكلمكم متدخليش مدام هي حابة تكلمه سبيها، يمكن ربنا يهديه في يوم..
ردت أحلام بانزعاج:
-يهديه بقا ولا لا هو من ساعة أمك كده دلدول لمراته..
تمتم طارق باختناق رغم أن حديثها صحيح نوعًا ما:
-احترمي نفسك يا أحلام مهما كان هو أخوكي الكبير، خليكي في نفسك وفي أختك وبس، وخلينا في موضوعنا.
أخذت قطعة من الدجاج تناولتها أمامه وهي تسأله باستغراب وهي تضيق عيناها:
-موضوع إيه ده؟!.
رد طارق عليها ساخرًا:
-أنتِ بتفقدي الذاكرة فجأة يا دكتورة ولا إيه؟! موضوع عبد الرحمن مش قولتلك فكري، الواد محترم ومتربي وجارنا وعنده شقة وإمكانياته كويسة و…
قاطعت أحلام الحديث بنبرة منزعجة:
-إمكانياته مش كويسة؛ معقولة أي حد بيتحوز لازم يكون بيتشغل ويكون معاه شقة ده مش انبهار يعني، وبعدين أصلا ده خريج تجارة وشغال كاشير…
صحح طارق لها الحديث بنبرة مكتومة:
– شغال محاسب أول كاشير إيه؟!…
لم تهتم أحلام وهي تخبره:
-محاسب أول ولا كاشير، كلها نفس الشيء مختلفناش كتير، أنا دكتورة يا طارق يعني بعد السنين دي كلها وبعد الدراسة والماستر اللي بعمله، وبعد تعبك ومصاريفك عليا عايزني اتجوز محاسب؟!!.
تمتم طارق بنبرة متهكمة:
-انزلي من على المسرح يا دكتورة احنا بندور على شريك حياة وعلى راجل مش بناقش رسالة ماجستير ولا بنختار حد نعمل معاه مستشفى احنا بنختار واحد تتجوزيه يعني راجل يعتمد عليه ويقدر يفتح بيت وراجل محترم وبيصلي، راجل يقدر يعاملك بالمعروف مش بنشوف شهادة تخرجه وبعدين ده محاسب يعني خريج جامعة زيه زيك..
لا تدري لما شعرت أحلام بأنها رُبما جرحته دون أن تقصد كونه لم يستكمل دراسته من الأساس لذلك غمغمت بنبرة هادئة وجادة:
-قوله مفيش نصيب يا طارق أنا عموما مش بفكر في الجواز دلوقتي، ورايا ماستر بعمله غير شغلي، وغير أن هدير أكيد مش هسيبها لوحدها، قوله مفيش نصيب وخلصنا من الموضوع ده..
-براحتك يا أحلام ياريت بس تعدلي دماغك شوية، علشان طريقة تفكيرك مش عجباني..
____________
تجلس يسرا على الأريكة بينما ابنتها تجلس أرضًا أمامها، وهي تقوم بتمشيط خصلاتها…
غمغمت سلمى باستغراب:
-هو صوت جهاد عالي ليه؟! هي بتتخانق معاه تاني؟! هو لسه جاب الشبكة أصلا؟!.
ردت يسرا عليها ببساطة ورجاحة عقل:
-أكيد هي وهو بيزعقوا مع بعض علشان هي اتأخرت فعلا وأنا من قبل ما تنزل قولتلها متنزليش متأخر كده وهي صممت تنزل علشان ميار..
قالت سلمى وهي تتأوه بعدما جذبت والدتها خصلاتها:
-هو ملهوش حق يتكلم هو مجرد خطيبها…
قاطعتها يسرا بنبرة عادية:
-يا بنتي هو مش حكاية ملهوش حق هو خايف عليها وبيتكلم من منظور تاني وبعدين سلامة يعني مش الشخص الرزل اللي بيقعد يحكم، الموضوع مش موضوع عند ولا حكم الموضوع موضوع احترام لرأيه وده مش معناه أنه متحكم أنا لو شايفة أنه متحكم هتكلم معاه طبعًا..
تمتمت سلمى بنبرة منزعجة ومريرة:
-علشان هي ملهاش أب بيعمل كده.
انزعجت يسرا وشعرت بالضيق الشديد بسبب حديث ابنتها الذي لامس جرحها متحدثة بانزعاج وهي تجذب الجانب الآخر من خصلات سلمى:
-ملهاش علاقة بطلي كلام عبيط يحرق الدم وملهوش لازمة، وبعدين يعني دي صفة في الشباب كلها مش في سلامة بس.
هتفت سلمى بوجع نفسي وجسدي في رأسها:
-طب براحة طيب كفايا شد.
-مش أنتِ اللي عايزاني أعملك طاقية؟! علشان مبتعرفيش تعمليها مش عارفة هتكبري أمته؟!…
تمتمت سلمى باستنكار:
-يعني هو الكبر ده في أني ألف شعري طاقية بس؟!.
قالت يسرا باستنكار واضح بعدما انتهت مما تفعله:
-عليكي لسان مبرد يا سلمى، مش عارفة هيتحملك جوزك ازاي؟!.
-ده لو اتجوزت من أساسه وبعدين…
قاطعتها يسرا بغضب وهي تضربها على رأسها فهي مازالت تجلس ذات الجلسة رغم أنتهاء والدتها:
-احترمي نفسك ومتقوليش كده ان شاء الله هتتجوزي وهفرح بيكي أنتِ واختك وبعدين عارفة يا سلمى لو قصيتي شعرك تاني مش هبيتك في البيت أنتِ سامعة؟!.
حينما تتحدث في أمرٍ هام تعود جميع الأمور إلى أمر شعرها، أو حاجبها أو أي شيء..
يبدو أن والدتها ككل الأمهات لم تقتنع أن تلك القرارات شخصية وأنها لك تعد صغيرة…
أردفت سلمى بغموض وعدم ارتياح:
-سيبك من شعري وحواجبي وركزي معايا.
-أنا امك مش جهاد اتكلمي معايا عدل، هو أنتِ بتكلمي صاحبتك؟!.
تمتمت سلمى ببساطة شديدة وهي تستدير لها:
-اه بكلم اختي وصاحبتي وحبيبتي، المهم متخلنيش انسى أنا كنت عايزة اقول إيه..
-قولي..
-بنت عمي بقالها فترة بتخش على الاكونت بتاعي على التيك توك وعلشان أنا أدمن في جروب الجيم والصفحة لقيتها بقت فجاة متابعة كل بوست وبتعمل لايكات وأنا مش مرتاحة..
شعرت يسرا بالاندهاش مما جعلها تهتف:
-وإيه المشكلة يمكن حابة تتكلم معاكي او هي وأبوها عايزين يلطفوا الدنيا معانا، في النهاية هما في حالهم ولا شوفناهم لا في الحلو ولا في الشر وهما ملهمش علاقة باللي أبوكي عمله….
قاطعتها سلمى بنبرة جادة:
-بس أنا مش مرتاحة للموضوع ده..
تمتمت يسرا بعصبية وهي تنهض من مكانها هاتفة:
-لا أنتِ مش حكاية مش مرتاحة أنتِ نكدية، ربنا رازقني بجوز بنات اتنين حالفين ينكدوا عليا عيشتي، وقال يقولوا مفيش أحلى من خلفة البنات أنا داخلة أنام احسن…
رحلت يسرا ونهضت سلمى أمامها وهي تركض خلفها هاتفة:
-يا ماما استني نتكلم…..
____________
يوم الجمعة…
بعد الصلاة…
يجلس دياب في غرفته فهو أتى من المسجد قبل قليل، وقرر أن يجيب على الاتصال الألف من ليلى…
كان أول شيء قد قاله بمجرد أن أجاب عليها:
-تتحسدي يعني صاحية من بدري..
تمتمت ليلى بعدم تصديق:
-دياب أنتَ رديت عليا بجد؟!
-أكيد مش عفريتي يا ليلى..
عاتبته ليلى هاتفة بانزعاج شديد:
-أهون عليك متردش عليا كل ده؟! وكل يوم أنام معيطة بسبـــ…
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-وأنا هونت عليكي تقوليلي كنت اسيبها هي الشتيمة بتلزق، ليه مخطوبة لدكر بط لما اسيب واحدة تهزقني حتى لو علشان الشغل؟!..
هتفت ليلى باعتذار شديد وآسف:
-حقك عليا أنا عارفة اني غلطت أنا بس كنت بتكلم بعفوية والله ومش قصدي حاجة أنا بس متوترة الفترة دي وأنتَ عارف أن ماما ضاغطة عليا وأنا عايزة نتجوز علشان طولنا أوي فقولت كده من غير ما أقصد يعني..
تمتم دياب بنبرة واضحة:
-أنا مكدبتش عليكي في يوم يا ليلى وأنتِ عارفة حياتي وظروفي وعارفة إني بعمل اللي فوق طاقتي مش طاقتي بس علشان كده وأنتِ محتاجة تقدري ده يا أما كل واحد يروح لحاله..
ردت ليلى عليه بلهفة:
-يعني أنا اتصل بيك أصالحك تقولي كل واحد يروح لحاله؟! أنا حتى كنت هعزمك على خطوبة اختي يوم الجمعة الجاية ان شاء الله..
لم تجد منه رد فعادت ليلى تعتذر مرة أخرى:
-دياب أنا آسفة ومتزعلش مني بقا بجد مش عارفة لا أنام ولا أكل ولا أشرب طول ما أنتَ زعلان مني.
شعر باللين قليلًا رغم عدم اقتناعه كليًا وفي الوقت نفسه جاءت شقيقته الصغيرة حور البالغة من العمر سبعة عشر عامًا:
-أنا جهزت الفطار..
…بعد مرور دقائق…
كان دياب يجلس على السفرة وشقيقته بجانبه:
-فين الفطار؟!.
أشارت حور ببساطة على الطاولة والاطباق:
-الفطار اهو مش شايفه ولا إيه؟!..
حمل دياب طبق البطاطس الذي أقترب لونها من الأسود متمتمًا:
-يعني البطاطس المحروقة والبيض اللي بسمنة اللي لسه بيلعب في الطبق وبيجري ده، والعجة اللي المعلقة مش عارفة تفصلها عن الصينية من كُتر ما لزقت هو ده الفطار؟!!!..
تمتمت حور بتوتر:
-ما تسيبك من حوار أن العين بتأكل قبل البوق ودوق وشوف الطعم أهم….
رد عليها دياب ساخرًا:
-طعم إيه، طعم إيه اخرسي، ده أنا قولتلك هجيب سندوتشات من المطعم ونخلص قولتلي لا أنا هعملك فطار زي اللي ماما بتعمله..
هتفت حور بنبرة جادة:
-معلش كنت بذاكر وبتابع الدرس على اليوتيوب ونسيت البطاطس فاتحرقت مني..
أردف دياب بسخرية:
-هي المشكلة في البطاطس بس يا حبيبتي؟! يلا مش مشكلة..
أسترسل حديثه وهو يتناول البطاطس مُرغمًا:
-أهم حاجة ركزي في مذاكرتك ومتخبيش زي اختك اللي قررت تضيع مستقبلها وتتجوز، وركزي كده واعملي اللي عليكي بس أهم حاجة عارفة ايه؟!.
تحب حزر شقيقها دياب، فهو ليس مجرد شقيق بل هو أب وقدوة لذلك هي تنتظر نصيحة منه:
-إيه يا ديبو؟!.
-متعتبيش باب المطبخ تاني علشان ملبسش وشك في الطبق..
-حاضر..
أخذ الاثنان يحاولا تناول أي شيء إلا أن قاطع دياب هذا الصمت الغريب والطعام الذي لا يصلح للتناول:
-تعالي نروح للبت إيناس علشان وحشتني بقالي كتير مشوفتهاش وهي بقالها كتير مجتش..
غمغمت حور بتفكير:
-معنديش مشكلة أخلص اللي ورايا وننزل بس اتصل قولها الاول لأنها مبتحبش نروح على غفلة يعني وكده…..
تمتم دياب ساخرًا:
-احنا مش رايحين نأكل ولا رايحين نكلفها ودي اختنا لازم نطمن عليها، نروحلها بعد العشاء مش هنكمل نص ساعة ونمشي ونأخدلها شوية حاجات معانا ليها هي والعيال مش هندخل فاضيين عليها أكيد..
-اللي تشوفه…
______________
في وقت الغداء كان يجلس سلامة ونضال على الطاولة التي يترأسها زهران، يتناول الجميع الطعام بصمت بعدما مدح زهران كالعادة ما يصنعه ولده نضال يقسم بأنه لم يرى شخص لديه المهارة في الطهي كـ نضال…
صدع صوت رنين الجرس فنهض سلامة ثم فتح الباب ليجد سامية تقف أمامه بحجاب مضبوط بشكل أكثر بكثير مما كانت تفعل في السابق وقال بنبرة عفوية:
-ادخلي يا سامية.
وتزامنًا مع دخولها، نهض نضال وترك السفرة وتوجه إلى غرفته بكل هدوء وثبات وأغلق الباب خلفه..
هتف زهران مرحبًا بها:
-أهلا يا سامية يا بنتي ادخلي جيتي في وقتك تعالي اقعدي كلي..
أغلق سلامة الباب ثم جاء وجلس على مقعده ثم استكمل طعامه وكأنه لم يحدث أي شيء..
تمتمت سامية بنبرة متوترة تحديدًا من انزعاجها من مغادرة نضال بهذا الشكل:
-أنا هنزل وهطلع تكونوا…
قاطعها زهران رافضًا:
-مدام طلعتي على الأكل تعالي اقعدي كلي عيب يا سامية تعالي أقعدي..
بالفعل جلست وتناولت القليل جدًا بسبب إصرار عمها وبعدما انتهى عمها وغسل يده ثم حضر أرجيلته جاء وجلس بجانبها على الأريكة وهو يقوم بضبط وضعية الفحم بينما سلامة جالسًا في النصف الاخر من الاستقبال ويشاهد أحدى المقاطع..
تمتمت سامية بنبرة متوترة:
-أنا طالعة اعتذر لحضرتك بسبب اللي عملته أنا آسفة وفعلا لما قعدت مع نفسي حسيت قد إيه اللي عملته غلط ومينفعش وأنا اوعدك يا عمو إني مش هكررها تاني أبدًا..
كان زهران ينظر لها بهدوء شديد وتأمل، فالصوت والكلمات رائعة جدًا، والهيئة محتشمة إلى حدٍ كبير أكثر من هيئتها السابقة، الأمر إلى حدٍ كبير رائع، لكن ما أفسده في نظره أو يفسده هو أنها سامية والذي يعلم جيدًا بأنها لن تعود إلى رشدها في تلك الفترة القصيرة جدًا، وهو لا يؤمن بالمعجزات، قد انتهى زمنها في نظره……
أسترسلت سامية كلماتها بتردد:
-أنا عارفة إني غلطت وزعلت حضرتك مني وأنا طالعة أعتذر منك حضرتك في مقام والدي وربنا يعلم غلاوتك عندي قد إيه وإني مقدرش على زعل حضرتك أبدًا.
قاطعها زهران بنبرة جادة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-بلاش موضوع إني في مقام عبد السميع الله يرحمه، لأن محدش بيحل مكان الأب ولو كنتي فعلا معتبراني كده وغلاوتي عندك كبيرة زي ما بتقولي مكنتيش عملتي كده وصغرتيني…
احتقن وجهها بالدماء بسبب كلماته التي كالرصاص ليلحقها بكلمات واضحة:
-يا سامية أنا مقصرتش معاكي؛ أنتِ فعلا بنتي اللي مخلفتهاش، مكنتش بدخل في حياتك أنتِ وأمك ولا عمري قولتلكم بتعملوا إيه ومبتعملوش إيه، علشان مكنتش عايز أحسسكم إني مدخل في حياتكم بشكل يضايق امك ولا يضايقك علشان بس تفضلوا معانا.
-أنا أسفة.
حاول زهران أن يختصر الأمر هاتفًا:
-أهم حاجة مترخصيش نفسك يا سامية وافضلي غالية في عين نفسك وحافظي على نفسك، ولا تعملي حاجة تقل منك ولا تغضب ربنا منك، اللي عملتيه مينفعش بكل المقاييس أنتِ كبيرة مش مراهقة يا سامية اللي عملتيه ده متعملهوش العيال الصغيرة لامؤاخذة.
تمتمت سامية بنبرة متوترة:
-عارفة وأنا طالعة أصالح حضرتك واقولك متزعلش مني واوعدك إني مش هعمل أي حاجة تضايقك مني وإني اتغيرت، بس لو سمحت انزل شغلي زي الأول لأن دي أكتر حاجة بحبها في حياتي ومعنديش حاجة غيرها اعملها..
تمنى زهران أن تكون صادقة رغم يقينه الشديد بأنها أتت فقط من أجل يسمح لها بالخروج ولكنه رغم عقله وكل ما يفعله يعلم جيدًا بأنها راشدة بما يكفي ولم يعد إناث يسجنون في المنزل….
لكنه تمنى ولو واحد في المئة بأن يكون احساسه خاطئًا وأنها أدركت خطأها فعلا…
…داخـــل غــرفــة نضال…
فتح سلامة الباب ثم هتف بنبرة عادية:
-على فكرة سامية نزلت لو عايز تخرج.
لم تتغير تعابير وجه نضال وهز رأسه بإيجاب مما جعل سلامة يعقب رغمًا عنه:
-غريبة يعني أول مرة ألاقيك كارفها بالشكل ده بجد مش كلام قولته لما كنت بتحكي لأبوك…
-كارفها لأنها مبقتش تلزمني ولو حد له حكم عليها فهو أبوك؛ أنا من اليوم اللي شوفتها شايلة فيه طرحتها وماشية في الشارع وبتبجح بالشكل ده متلزمنيش لو بقت رابعة العدوية بعد كده خلاص مبقاش له لزوم…
نظر له سلامة باستغراب شديد مما جعل نضال يعقب وهو يتذكر كلمات دياب الذي اقتنع بها:
-اللي مش هيعوزني مش هعوزه، خلاص أنا وسامية عمر ما هيكون لينا عيش مع بعض لو هي أخر واحدة في الدنيا؛ ده لو فرشتلي الأرض ورد من بعد النهاردة خلاص، خلص الكلام…..
الفارق بين سلامة ونضال كبير..
سلامة في وقت غضبه يتفوه بكلمات هو غير قادر على تنفيذها وبعدها يدرك بأنه كاذب أما نضال حينما يتفوه بشيء يعلم سلامة بأنه حقيقي ولن يغير رأيه مما جعله يشعر بالاستغراب الشديد لطالما كانت سامية حب طفولة نضال هل تخلي عنها إلى تلك الدرجة؟!..
حينما خلعت حجابها خلعت كل شيء في نظر نضال، تخلت عن دينها، عن أخلاقها، مبادئها، ثقة أهلها بها، لم يعد هناك شيء لم تفعله بتلك الفعلة لذلك هي قطعت كل شيء قبل أن يبدأ…
____________
بعد طريق طويل بين منطقته والمنطقة النائية البعيدة التي تقطن فيها شقيقته، كان يقف أمام شقتها وبجانبه حور، يحمل بعض العلب الكرتونية الخاصة بالحلويات…….
يسمع أصوات تكسير غريبة أثارت قلقه وصوت صراخ شقيقته يعلو وهي تهتف بجنون غير بكاء الأطفال..
“مش نازلة ولا هروح لأمك يعني مش نازلة حتى لو هتقتلني أنا قرفت”…
” ماما”
يعلوها صراخات أخرى ودياب أسودت عيناه حتى ما يحمله سقط من يده وأصبح بيد واحد يقرع الجرس واليد الأخرى يطرق بها على الباب بغضب وهو يرغب في كسره….
-أفتح الباب….
أما حور بدأت تشعر بالرعب ولا تعلم لما شعرت بالقلق الشديد وأخيرًا استجاب عمرو وفتح الباب ليجد أمامه دياب، كان عمرو بين يديه حزامه الجلدي وقبل حتى أن يفهم أو يستوعب وجوده كان قد سقط أرضًا مواجهًا لكمات وهجوم لا يستطيع حتى صده……..
تحت صراخ دياب الهستيري الذي تفوه:
-ليلة أمك واللي خلفوك كلها مش معدية يا عمرو يا ابن منى….
أما حور حاولت الولوج وهي تجد شقيقها أنهال باللكمات على عمرو الذي حاول التماسك ونهض وهو يترنج ليقذفه دياب بعدما لما هيئة شقيقتها على الخزانة الزجاجية، “النيش” ليصدع صوت تكسير مُريب وعالي جدًا…
حور والصغار ركضوا ناحية إيناس التي كانت تقف في أحدى الزوايا مذهولة مما يحدث…
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم)