روايات

رواية جبل النار الفصل الثالث 3 بقلم رانيا الخولي

رواية جبل النار الفصل الثالث 3 بقلم رانيا الخولي

رواية جبل النار الجزء الثالث

رواية جبل النار البارت الثالث

جبل النار
جبل النار

رواية جبل النار الحلقة الثالثة

مر اليوم ببطئ شديد وقد أصبحت حياته خالية من كل شيء
فقط ظلام دامس ومجرد أصوات تخبره بأنه مازال على قيد الحياة
لكن أي حياة تلك التي يعيشها وقد انتزعت منه كل سبلها
يقف على الشاطئ يستمع لتلاطم المياه والتي وحدها تشعره بأنه مازال حي يتنفس
كانت ليلة باردة تنذر بهبوط أمطار مما صعب الأمر عليه
كانت تلك الليالي من أمتع الأوقات على قلبه حيث يأخذ زورقه ويجابهة تلك الأمواج الثائرة غير عابئ بقسوتها.
عادت إليه الذكريات في تلك الليلة العاصفة
كيف وقفا وحدهما على سطح السفينة يشاهدوا الأمواج التي تعلوا وتهبط وتهز السفينة فتجعلها تتمرجح على سطح المياه متناغمة مع أمواجه.
كانت سعادتها لا توصف عندما تساقطت الأمطار الغزيرة وهي متشبثة بالحديد كي تثبت توازنها مع حركة السفينة
فتبلل خصلاتها وتخمد ثورتها التي لفحت وجهه مرات كثيرة.
تطلعت إلى المكان حولها وتمتمت بشغف
_انا مش مصدقة إني بعيش الأجواء دي وسط البحر.
استند بظهره على السياج يراقب شغفها ثم تحدث بابتسامة عريضة
_لو عايزة تعشيها في قلب المياه معنديش مانع.
قطبت جبينها بدهشة وسألته
_ازاي مش فاهمة؟
اعتدل في وقفته ومد يده يجذب يدها
_تعالي معايا وانا هعرفك.
سحبت يدها مسرعة وأخفتها خلف ظهرها مما جعله يعتذر قائلاً
_أنا أسفة بس أنا شايف انك مش متوازنة على السفينة ولو اتحركتي هتقعي.
هزت راسها بنفي وتحدثت بإحراج
_لأ هقدر اتحرك عادي.
وما إن تركت يدها السياج حتى سقطت على الأرض فيسقط قلبه معها
كانت ترتدي بنطال أسود وبلوزة شتوية ثقيلة وعليها سترته التي غاصت بها لفرق الحجم بينهم، سألها بلهفة
_انتِ كويسة؟
تبللت ملابسها إثر سقوطها فاستندت على ركبتيها متمتمة بخجل
_اه كويسة.

مد يده وهو يومئ ًلها ألا تعاند
فنظرت إلى يده الممدودة بتردد وقد سرت البرودة في جسدها من ابتلالها بمياه الأمطار أبت لكن عندما وجدت صعوبة في النهوض ارضخت له ومدت يدها مجبرة.
وما إن لامست يداه أناملها الرقيقة حتى شعرت بتدفق الدماء في جسده احتجاجًا على قوة هذه المشاعر التي شعر بها.
لو كان يعلم أن هذا ما سيحدث له من هذه اللمسة ما فعلها حتى إذا كانت انفاسه الأخيرة بها، فقد جعلت وتيرة قلبه تزداد بقوة
وكم صعب عليه الأمر حينما اضطر إلى الاحتفاظ بها حتى تنزل الدرج مما جعله يسحبها بتشتت، وضع حد لتلك المعاناة قائلاً
_اسندي على السور الحديد وانزلي براحة وحاولي تكون حركتك متزنة عشان متقعيش.
هستناكي قدام الممر لحد ما تغيري هدومك، وياريت تكون حاجة مناسبة للجو ده.
خلعت سترته لكنه رفض قائلاً
_خليها انا مش محتاجها.
دلفت الغرفة وقامت بتبديل ملابسها بأخرى ثقيلة تحميها من المطر وارتدت حذاء مناسب.
نظرت لهيئتها في المرآة ثم شعرت برعشة تنتابها وهي تتذكر والدها
ماذا سيفعل إن علم بما تفعله
ماذا إن كان هناك من يراقبها بدافع منه وينتظر وصولهم حتى يخبره بما تفعله
حاوطت جسدها بذراعيها وكأن المشهد يحدث أمامها.
ضرب بل تعذيب، حبس بأربع جدران، نظرات شامتة متشفية
وعند تلك النقطة قد تصل للق.تـ.ـل
ازدادت ارتعاشتها وهي تتذكر صوته الذي طنينه يظل بأذنها حتى يكاد يدفعها للجنون
سقطت على الأرض وأنزوت بأحد الأركان تصم أذنيها عن ذلك الطنين وجسدها يرتعش بخوف
لكن لم تفلح يديها في صد تلك الأصوات عنها

سئم داغر من الإنتظار وتطلع إلى غرفتها فلم يجد إشارة لخروجها.
انتظر أكثر حتى شعر بالقلق عليها فتقدم من الغرفة وطرق الباب فلم يجد رد
ازداد شعوره بالقلق أكثر فسألها
_أسيل انتِ كويسة؟
لم تجيبه فاسترق السمع أكثر لكن لم يسمع شيء.
طرق الباب بقوة أكثر
_أسيل ردي عليا..
لم يجد منها إجابه مما جعل شعور القلق بداخله يزداد
فلا بد من فتح الباب والدخول لكن كيف ذلك
لمح عامل النظافة يمر داخل الممر فناداه قائلاً
_عم طلال تعالى أفتح الباب ده.
تقدم العامل منه وهو يقول
_من عينيه يا غالي.
أخرج العامل الكارت ووضعه في مكانه فانفتح الباب ثم شكره
_متشكر يا عم طلال.
انصرف الرجل ودلف داغر فيجدها منزوية في أحد الأركان تنتفض بخوف
أسرع إليها يجثو أمامها ويسألها بلهفة
_في ايه؟
كانت تضع يدها على أذنها بشكل مهيب فمد يده كي يبعد يدها عن اذنها لكي تسمعه لكن حينها صدرت منها صرخة خوف وأخذت تنزوي أكثر
رفع داغر يديه وتمتم بهدوء
_طب إهدي، إهدي متخافيش انتِ في أمان معايا.
أعادها صوته الحاني إلى رشدها قليلًا لكن تلك الأصوات مازالت تقتحم أذنها
تمتم داغر بحنو
_قولتلك متخافيش انتِ في أمان معايا، مفيش داعي لخوفك ده.
مد يده بروية كي يبعد يديها وهو يتمتم بحيطة
_خلاص اهدي
بهدوء وروية ابعد يدها عن أذنها واستسلام تام منها ثم رفعت اهدابها بتباطئ كأنها تخشى مما ستراه أمامها وعندما لاحظ ذلك تمتم بخفوت
_متخافيش طول ما انتِ معايا متخافيش من أي حاجة قومي متخافيش.
ولم يستوعب ذلك الذعر الذي يراه بعينيها والذي يدل على أن هذه الفتاة لاقت من الدنيا أشد العذاب
شعر بغصة تهز قلبه لكنه اخفاها بابتسامة بثت الأمان بداخلها عندما لاحظ ترددها
_قولتلك طول ما انتِ معايا متخافيش.
قومي معايا……….

عاد داغر إليها وهو يحمل عصير الليمون الذي أصر أن يعده بنفسه
فيجدها جالسة على حافة الفراش في شرودها المعتاد
جذب المقعد ليجلس عليه أمامها ثم قدم لها الكوب قائلاً بابتسامة
_اشربي الليمون ده هيهديكي شوية.
مدت يدها التي ما زالت تنتابها رعشة خفيفة وتمتم بخفوت
_متشكرة.
_لا شكر على واجب يا ستي المهم تخلصي العصير بسرعة عشان ننفذ اللي وعدتك به.
قطبت جبينها متسائلة فرد قائلاً
_نسيتي ولا أيه؟
تذكرت أسيل وتمتمت بخفوت
_لا منستش بس خليها مرة تانية.
رد بإصرار
_أنا مش ضامن أنها تتكرر تاني وانتِ معايا، يلا وانا هخليكي تنسي اسمك..

وافقت أسيل مرغمة لكنها ارادت أن تسرق لحظات سعيدة من الزمن ربما تظل ذكرى سعيدة بحياتها ولا تكون نقمة سقطت عليها

أخذها وذهب للمركب الملحق بالسفينة مما جعلها تندهش وتسأله بحيرة
_هتعمل ايه؟
رد بابتسامة يطمئنها بها وهو يحل وثاقه
_هعيشك مغامرة عمرك ما هتنسيها.
لاح على محياها التردد وهي تنظر للأمواج المتلاطمة وشعرت بالخوف، ليس خوفًا على نفسها فالموت أهون بكثير من الحياة المقبلة عليها
لكن هي لا تريد أن تكون سببًا في حادث قد يؤدي بحياته
وعندما لاحظ ترددها قال بثقة
_تعالي ومتخافيش.
بعد تردد دام للحظات استسلمت ليده التي مدها إليها وساعدها كي تصعد على متنه ثم ساعدها للجلوس على المقعد المخصص بجواره وأخذ هو يتولى تشغيله وسألها
_جاهزة؟
تطلعت بعينيها البنية إلى عينيه وأومأت له بصمت.
تحرك المركب ببطئ في البداية ثم بدأ يسرعه رويداً رويداً وهي تتشبث بخوف بكل ما تجده.
_كابتن داغر أرجوك هدي السرعة شوية.
تمتم داغر بامتعاض
_ايه كابتن دي في وقت زي اللي بنعيشه ده مش عايز أي ألقاب.
أومأت له بابتسامة لكنها أختفت عندما وجدت انهم ابتعدا كثيرًا عن السفينة
ظل يقود المركب بسرعة حتى ابتعد عن الباخرة فقالت بوجل
_لأ بلاش نبعد أكتر من كدة.
تطلع إليها بعينيه التي لم يخفي الظلام حلاوتها وقال بلهجة بثت الاطمئنان بداخلها
_طول ما انا معاكي متخافيش.
طمئنها بجملته لكنه لا يعرف أنها لا تخاف على حياتها بل حياته هو
ظل ملتزم الصمت منتبهًا فقط للمياه أمامه وتركها تتأمل الأجواء بانبهار
تصرخ عندما يرتفع الزورق بهم وينزل
لكن صرختها تكون بفرحة وانبهار وقد تناست كل شيء في تلك اللحظة
فقد تريد أن تتعايش مع لحظاتها التي من المؤكد أنها لن تعيشها مرة أخرى.
قذفت موجة مياهها عليهم فقالت أسيل
_كابتن احنا كدة هنغرق.
ضحك داغر
_هو انا هقولها كام مرة(شدد على كلمته) انتي معايا.

وبعد مرور لحظات وجدت المركب يتوقف أمام جزيرة ليست كبيرة ويوجد بها منارة عالية يلتف ضوءها بروية
أوقف المركب بجوار الممر ثم ترجل هو أولًا
وقام بربط المركب كي لا ينجرف مع التيار ثم مد له يدها كي يساعدها على النزول
لكنها ابت وسألته
_احنا فين؟
_ثقي فيا و تعالي.
رفضت يده التي يمدها لها وأبت أن تكررها وتماسكت جيدًا ثم خرجت منها رغم صعوبتها.

توقفت أسيل مكانها وهي تنظر إلى المكان بعدم استيعاب
الأشجار المثمرة والأرضية الخضراء تبث الراحة في قلب من يراها
كانت الاضاءة خافتة وضوء المنارة يدور في المكان مشكلًا هالة من السحر
خرج رجل من كوخ صغير وهو يشير له متحدثًا…..
_كنت انتظر مجيئك.
تطلعت إلى داغر الذي أشار له بدوره ورد قائلاً
_تعلم جيدًا بأني لن افوت مثل تلك الفرصة.
ثم نظر إلى أسيل
_تعالي يا سيلا هنفضل هنا شوية لحد العاصفة ما تهدي لأن شكلها هتزيد.
وافقت وهي لأول مرة تتصرف بتهور
فهي تدرس كل خطوة قبل أن تخطيها إلا منذ ولوجها لتلك السفينة
كل شيء تبدل حتى هي
سارت بجواره حتى تقدموا من ذلك الرجل واحتضن داغر ثم قال بمزاح وهو يبتعد عنه
_اوووه أرى ملابسك قد تبللت، لديك الكثير من الملابس بالداخل ادخل انت وحبيبتك كي تبدلها.
لم تفهم أسيل ما يقول لذا التزمت الصمت فنظر إليها قائلاً
_تعالي نغير هدومنا عشان متبرديش.
ازدردت لعابها بوجل وقالت
_لأ أنا كدة كويسة.
علم أنها شعرت بالخوف من ذلك المكان ولا يلومها على ذلك فلم يمر عليهم سوى يومين فقال بلهجته الحانية
_لو خايفة من حاجة فأنا بطمنك ان المكان هنا آمن ومفيش داعي لخوفك.
أخفضت عينيها للحظات ثم رفعت وجهها إليه لتومئ له بصمت
أشار لها بالتقدم وسارت معه حتى دلفوا إلى الكوخ
كان منظم رغم قدمه والحياة به تبدو جميلة اشار لها داغر على أحد الغرف
_ادخلي الاوضة دي.
دلفت الغرفة فوجدته يدلف خلفها وقبل ان تعترض وجدته يتقدم من الخزانة وأخرج ملابس منها ووضعها على الفراش أمامها
_معلش بقى لبس رجالي لأن مفيش حد بييجي هنا غيري او عمال الصيانة لو في عطل في المنارة.
تطلعت إلى الملابس التي تبدو خاصة به هو لعلامتها التجارية المطبوعة عليها لن يرتديها واحد مثل چاك في ذلك المكان.
خرج داغر من الغرفة بعد أن أخذ ملابس له أيضًا وقامت هي بتبديل ملابسها.
ارتدت ملابسه الفضفاضة وكان مثل ما كانت ترتدي بنطال أبيض وبلوزة بيضاء.
لاحت ابتسامة على ثغرها ثم خرجت من الغرفة لتجده هو ايضًا ابدل ملابسه لمنامة قطنية
ووقف يحضر الطعام مع چاك
كانت رائحة الطعام جيدة مما جعلها تشعر بالجوع أكثر
تركتهم وخرجت من الكوخ فتجد أن الأمطار توقفت لكن البحر مازال ثائر
ظلت تتمشى حتى وصلت للشاطىء ولم تعلم بأنه يراقبها
كانت ترتدي غطاء رأس صوفية مما حدد وجهها أكثر
سار كالمسحور خلفها حتى وقفت عند الشاطىء وعندما شعرت بخطوات خلفها استدارت مسرعة فوجدته هو بابتسامته الجميلة
_متخافيش المكان هنا آمن.
عادت تنظر للأمام وقالت بإعجاب
_كل حاجة هنا حلوة، الهدوء والطبيعة والبحر بتخيل المكان ده بالنهار بيكون شكله ايه.
استمتع بانبهارها
_بيكون ساحر أكتر وملفت أكتر.
جالت الذكريات في مخيلته وهو يتابع.
من تلات سنين فكرت اعمل اللي عملته النهاردة بس المركب كان فيها عطل ومنتبهتش له
كنت بعيد عن السفينة ومكنش قدامي غير جزيرة المنارة
نطيت في المايه وفضلت اعوم لحد ما وصلت لها ووقتها كنت خلاص جسمي اتشنج من البرد والعوم المسافة دي كلها
چاك انقذني وفضلت عنده لحد ما الفريق اللي معايا لاحظ تأخري وبدأوا يدوروا عليا لحد ما وصلوا للجزيرة
ومن وقتها وانا وچاك اصدقاء وبنتقابل كل فترة.
أشار لها بالجلوس
_تعالي نقعد لحد چالك ما يجهز العشا.
جلسا على الأعشاب المبتلة ثم سألها
_أنا معرفش حاجة عنك غير اسمك وانك من ام إيطالية
عاد الحزن يغلف عينيها وكأنه ذكرها بما تود نسيانه لكنها رغم ذلك قالت بشرود
_أنا أسيل حسين النعماني عمري اتنين وعشرين سنة اتعلمت في مصر بس دخلت الجامعة في ايطاليا آخر سنتين، عشان اكون جانب ماما
ليا اخ وحيد وبابا بعد ما طلقها اتجوز بنت عمه بس مش بتخلف وهو ما اهتمش انه يخلف تاني، كانت علاقتي بيها سطحية ومكنش فيه كلام بينا وعشان كدة هي اللي أقنعت بابا أني أسافر لأمي عشان تخلص مني
ولما ماما ماتت كنت خلصت الجامعة وبابا طلب مني أرجع مصر، هي دي كل حكايتي.

_تعرفي إن قصتنا متشابهة.
عقدت حاجبيها متسائلة فتابع
_ماما برضه ماتت وانا عمري تلات سنين وبابا برضه اتجوز بس اتجوز أختها من الأب ولأنها كانت بتغير منها رفضت وجودي في حياتها
ولما بابا قرر يعيش برة مصر رفضت اكون معاهم وأنا طلبت إني أعيش مع عمي ومش بشوفه غير كل تلات سنين واكتر كمان.
تأثرت أسيل بقصته والتي شابهت قصتها هي أيضًا
جاء چاك وهو يحمل الطعام ووضعه أمامهم ثم قال لداغر
_سوف انام بالمنارة وبعد الانتهاء من طعامكم بامكانكم النوم في الكوخ.
أومأ له داغر وتركهم متجهاً إلى المنارة.
تطلعت إليه أسيل بامتعاض
_احنا هنبات هنا؟
_لا طبعاً لأني لازم أرجع شغلي، أول العاصفة ما تهدى هنمشي على طول.
كانت رائحة الطعام شهية فقال داغر وهو يضع الطبق أمامها
_عايز أقولك إني باجي هنا مخصوص عشان آكل السمك ده من أيد چاك.
بدأوا بتناول طعامهم وكل واحد منهم يحكي للآخر ما يفضله او يبغضه حتى هدئت العاصفة واضطروا للعودة

تناسوا تمامًا أمر ملابسهم وعادوا بالملابس التي ارتدوها ولم تنتبه لها أسيل إلا فور دخولها الغرفة.
أما هو فلم يبالي فقد اقسم أن يعودوا إليها مرة أخرى مهما مرت ألاعوام.
دلفت أسيل غرفتها وأبدلت ملابسه التي ترتديها
استلقت على فراشها بعد أن اشعلت المدفئة وأخذت تفكر في لحظات لم ترى مثلها من قبل.
حتى إنها لأول مرة تسعد بقرار اتخذته
عندما قررت السفر بالباخرة كي تماطل في سفرها.
تطلعت لملابسه التي وضعتها بعناية على المقعد وأخذت تتذكر أوقاتهم معًا وذلك الشعور العجيب الذي يراوضها كلما وقعت عيناها عليه.

أما هو فلم تترك مخيلته لحظة واحدة ولا يعرف سبباً لذلك
هو هو العشق الذي سمع عنه؟
لكن كيف أتى إليه بتلك السرعة.
أخذ هاتفه من فوق المنضدة وقام بفتحه والنظر إلى صورها التي التقطها دون أن تدري.
كانت واقفة مستندة بمرفقيها على السياج
وأخرى وخصلاتها تتطاير بفعل الهواء.

وأخرى أظهرت عينين لاح بها حزن الدنيا.

وأخرى التقطها وقت غروب الشمس فظهر وجهها واضحًا بجوار قرص الشمس المستدير فلم يفرق بينهما
هي شمسه التي اعترف أخيرًا بأنها وحدها من استطاعت بنورها اضاءت عتمة قلبه.

أشرق الصباح عليهم ولم يستطيع أحد منهم النوم
كان كل تفكيرهم في وصولهم لمصر ماذا سيفعل كلاهما
هي ستعود لمصير محتوم وهو لحياته وعمله
كانت أجازته تلك المرة ثلاث أيام فقط وسيسافر بعدها برحلة تستمر اسبوعين.

خرجت لسطح السفينة كي تتناول افطارها رغم عدم وجود شهية لديها
لكنها ارادت أن تراه مرة أخرى قبل أن يعودوا الليلة إلى الإسكندرية
اخذت تتلاعب بطعامها بشرود حتى يأست من مجيئه فعادت إلى غرفتها كي تحاول النوم.
طرق الباب مما جعلها تندهش
ارتدت مئزرها وفتحت الباب فتجد أحد عمال المطعم يحمل بين يديه طاولة طعام صغيرة وقال باحترام
_أسف على ازعاج حضرتك بس الكابتن داغر طلب مني ابعتلك الفطار ده وقالي مرجعش إلا لما تخديه مني.
حاولت اخفاء ابتسامتها وقالت بامتنان
_متشكرة اوي تقدر تدخله.
دلف العامل وقام بوضعه على الطاولة ثم انصرف
تقدمت من الطعام تنظر إليه برضى فتلاحظ ورقة مطوية داخل زجاجة صغيرة
امسكتها بحيرة ثم فتحتها واخرجت منها الورقة وكان محتواها
_لاحظت إنك مأكلتيش شيء من فطارك فقلت ابعتلك فطار على ذوقي أما الغدا فهيكون برضه على ذوقي بس في المكان اللي يعجبك.
طوت الورقة ووضعتها مرة أخرى في الزجاجة ثم اخذت تنظر إليها بسعادة رفرفت بقلبها لأول مرة
أحتضنتها بشدة قبل أن تضعها داخل الحقيبة ثم جلست تتناول الإفطار بشهية حتى انهته.

❈-❈-❈

عادت حور إلى المنزل كي تستعد لتلك المهمة
لكن كيف تقنع حازم وامينة بذلك العمل الجديد
تعلم جيدًا بأنه يرفض مثل ذلك النوع من العمل وخاصة إن كان رجلًا
هي لا ترى ضير في ذلك كما أنها ستعود في المساء
دلفت المنزل فتندهش أمينة من عودتها فسألتها بقلق
_حور، مالك يابنتي ايه اللي رجعك؟
وضعت حور الحقيبة على الأريكة وجلست بجوار أمينه وهي تقول بثبوت
_غيرت الشيفت وبعد كدة هشتغل بالنهار.
_أحسن برضه أنا كنت ببات قلقانه عليكي طول الليل، هقوم بقا اسخنلك العشا اللي هايدي بعتته ليكي بس لقيتك مشيتي قبل ما اوصل.
منعتها حور من النهوض
_خليكي انا هقوم أجهزه بنفسي.
نهضت حور وتبعتها أمينة بعينيها وقد اندهشت من حالتها
أمس كانت بحالة يرثى لها اما الآن فالأمر مختلف تمامًا
تبدو أمامها وكأنها كانت تعاني حملًا ثقيلًا وانزاح أخيرًا عن كاهلها
أخذت تراقبها وهي تتناول طعامها بشهية لم تراها من قبل مما جعلها تسألها بحيرة
_حور انتي كويسة؟
اومأت دون النظر إليها وهذا جعلها تقلق أكثر فعادت تسألها
_طيب في حاجة حصلت امبارح في المستشفى؟
أجابت دون ان ترفع عينيها من الطبق
_شوفت بابا وسليم امبارح في المستشفى.

ضربت امينة بيدها على صدرها وقالت برعب
_حد منهم شافك؟
_تؤ محدش أخد باله مني.
رفعت عينيها أخيرًا واردفت
_بس كان ممكن يشفوني بسهولة فقررت إني أبعد عن المستشفى الفترة دي.
قطبت أمينة جبينها بدهشة وسألتها
_ازاي بتقولي هتشتغلي بالنهار وانتي هتبعدي عن المستشفى الفترة دي زي ما بتقولي.
تركت الملعقة من يدها وقالت ببساطة
_لأني ناوية أشتغل ممرضة خاصة لواحد أعمى.
قالت كلمتها الأخيرة وهي تحاول ضبط أعصابها لكن يبدو انها فشلت في ذلك وبدأ الشك يتلاعب بقلب امينة فتسألها
_ومن أمتى بتوافقي على الشغل الخاص؟
مسحت يدها بالمحرمة وألقتها بأهمال على الطاولة وهي تجيب
_من وقت مشوفتهم في المستشفى عايزة ابعد عن أي حاجة تفكرني بيهم.
_مختلفناش بس مش بالطريقة دي ومع راجل كمان.
بدأ يصعب عليها التحكم في أعصابها وقالت باحتدام
_بقولك أعمى.
ردت أمينة بصبر عندما لاحظت تعصبها
_برضه راجل ياحبيتي وانا مش هآمن عليكي وانتي مع ناس….
قاطعتها حور بإصرار
_أنا مش صغيرة واعرف أحافظ على نفسي كويس.
لم تشاء أمينة أن تجادل معها اكثر من ذلك كي لا تنهار وتفقد وعيها لذا قررت أن تهاودها
_طيب انتي تعرفي الناس دي؟ يعني ناس كويسة آمن عليكي معاهم.
اهتزت عينيها قبل ان تجيب
_الدكتور عاصم يعرفهم قالي أنه ابن واحد صاحبه.
اتسعت عين أمينة وقالت باندفاع
_كمان شاب؟
تنهدت حور بتعب وقالت
_ايه المشكلة لما يكون شاب وبعدين هو مش لوحده وهكون معاه بالنهار بس وهرجع ابات معاكي يبقى فين المشكلة.
ردت أمينة بحدة
_المشكلة اللي مش واخدة بالك منها هو حازم، مستحيل يوافق على المهزلة دي.
_وايه اللي هيعرفه؟
عقدت حاجبيها بدهشة وسألتها
_يعني ايه؟ عايزة تخبي عليه؟
نهضت حور تنهي ذلك الجدال لكن أمينة لم تتركها وذهبت خلفها إلى غرفتها
_كلميني زي ما بكلمك وعرفيني ايه اللي في دماغك بالظبط، لو كان على ابوكي وسليم فده شيء عادي يومين بيجوهم كل سنة عند عاصم بيه وبيرجعوا تاني، شغلك ده مش سبب ابدًا.
علمت حور أن الجدال لن يجدي نفعا معها لذا قررت أن تتحدث باللين
_دادة قولتلك أنا عارفة انا بعمل ايه وعمري ما هعمل حاجة تسيء ليا وانتي عارفة كدة كويس، الشغل ده انا محتاجاه بجد ومش هسيبه تحت اي ظرف من الظروف
ده هيكون لمدة شهر واحد وبعدها هيسافر يكمل علاجه ارجوكي بلاش حازم يعرف حاجة.
_يعني مفيش حاجة هترجعك عن اللي في دماغك؟
هزت راسها بنفي فاضطرت أمينة على الموافقة
_خلاص انتي حرة بس لو حصل…..
قاطعتها حور بثقة وقد ظهر بريق عجيب بعينيها
_مش هيقدر يعمل حاجة متقلقيش.

_______________

استيقظ داغر من نومه على صوت الباب
مما جعله يستاء من الطارق
فلم ينام تلك الليلة جيدًا
مسح على وجهه يحاول محو النوم ثم سمح للطارق بالدخول
دلفت سلوى قائلة
_صباح الخير يا داغر بيه خليل بيه تحت وبيقولك إن الممرضة زمانها على وصول ولازم تنزل تشوفها
تنهد داغر بضجر وقال بثبات
_طيب انزلي انتي وانا جاي وراكي.
خرجت سلوى وضغط على ساعته التي انبهته بأن الوقت العاشرة صباحاً
ازاح عنه الغطاء ثم أخذ يتحسس عصاه حتى وصل لها وهم بالنهوض بها لكنه تراجع وقذفها جانبًا ثم توجه إلى المرحاض

وقفت أمام ذلك المنزل الكبير القريب من الشاطئ والذي يتمتع بموقعه الفريد وبنيانه الفاخر
تقدمت من آمن الباب الرئيسي والذي أخذ يستجوبها ويتأكد من هويتها قبل الدخول
دلفت للداخل فتجد الخادمة تنتظرها في الحديقة وأخذتها لتصلها للداخل حيث ينتظرها خليل
تقدمت منه لتقدمها العاملة قائلة
_الممرضة وصلت يافندم.
رفع خليل عينيه عن هاتفه وتطلع إليها لحظات قبل أن يرحب بها
_أهلًا يابنتي اتفضلي.
ازدردت جفاف حلقها بصعوبة وتقدمت لتجلس على المقعد بجواره وقال بهدوء
_دكتورعاصم شكرلي فيكي وقالي انك ممرضة ممتازة وإن شاء الله تتبسطي معانا.
لم تستطيع الرد سوى بأيماءه من رأسها وقد بدأ ثباتها يتلاشي عندما وقعت عينيها عليه وهو ينزل الدرج فيعاد أمامها المشهد بقسوته وجبروته.
ازدردت لعابها بصعوبة وهي تراه ينزل الدرج بكل جبروت ولا تتخيل أنها تقف أمامه الآن
ودون ارادتها أحاطت جسدها بذراعيها عندما تقدم صوبها فتزداد وتيرة تنفسها وضربات قلبها تهدر بعنف
انتهى ثباتها وضاعت القوة الزائفة التي دلفت بها
ارتعشت أوصالها عندما سمعت صوته الغادر يقول
_صباح الخير ياعمي…….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية جبل النار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى