رواية من أنا الفصل الرابع عشر 14 بقلم حليمة عدادي
رواية من أنا الجزء الرابع عشر
رواية من أنا البارت الرابع عشر
رواية من أنا الحلقة الرابعة عشر
تجلت مشاعر التعجب بوضوح على ملامحهم، حيث كان بعضهم يتساءلون في أعماقهم عن العلاقة التي تربط “تقى” بهذه الفتاة، وما الذي جعلها تعرفها؟!
بينما نظرت الأخرى إليها بذهول وثبات، كأنها لا تعرفها على الإطلاق! هل هناك تشابه بينها وبين أحد أقارب الفتاة؟ أم أن هناك شيئًا ما خفيًا يختبئ وراء هذه الشخصية الغامضة؟!
في وسط ذلك كان “أحمد” يحاول التأكد من شكوكه التي بدأت تتبلور كحقائق، كلما تأمل بوجه الفتاة بوضوح، على الرغم من أن الغبار كان يغطي أجزاءً من وجهها!
ومع ذلك، استطاع التعرف عليها، واتسعت البسمة على شفتيه، حيث هتف قائلاً:
-“إيلول” بجد مش مصدق! الحمد لله و شكر لله اني لقيتك أنــ….
فجأة، توقف عن الحديث وابتلع الكلمات المتبقية في حلقه، حين أدرك أن السيدة المصابة هي “منة”، زوجة صديقه.
تنفست بارتياح لأنه وجدها أخيرًا، لكن هذه الراحة لم تدم طويلاً عندما تذكر أنها تعاني من إصابة تصارع الموت! رفع رأسه وجد الجميع يحدقون به باستغراب.
بينما كانت “زينب” قد أدركت أن هذه هي ابنة صديقه؛ إذ تحدث معها سابقًا عنهم على الرغم من أنها لم تلتقِ بهم من قبل، كما أن الفتاة كانت تتعلق” بتقى” قد أعطتها جوابًا كسر صمتهم، “مريم” قائلة:
-أنا مش بقيت فاهمة حاجة؟ ممكن توضح لينا يا بابا مين البنت دي و تعرفها منين؟!
نظر إليهم “أحمد” بجدية ثم رد قائلاً:
-ماشي هتعرفوا حالا.. هو أن الست إللي جوا تبقى أم “تقى” و دي أختها “إيلول” و لما نطمئن عليها و نرجع للبيت هقول ليكم كل حاجه من الأول.
اختتم حديثه بتلك الكلمات ثم استدار نحو الباب متجهًا إلى غرفة “منة”.
في تلك الأثناء، خرج الطبيب من غرفتها، فاقتربوا منه بلهفة، حاول “يونس” الاقتراب لسؤال الطبيب، لكن كانت تبدو على وجه الطبيب تعابير من التعجب والاشمئزاز!
لم يكترث “يونس” لنظرات الطبيب، فقد اعتاد على مثل هذه النظرات منذ مجيئه إلى شقيقه في الأيام السابقة، أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
-طمني يا دكتور هي كويسة حالتها بخير؟
أجاب الطبيب بجدية قائلاً:
-مفيش حاجه تخوف الجرح كان سطحي بس هي اتعرضت لعنف و قلة الأكل و لأن جسمها ضعيف متحملش النزيف شوية و هتفوق.
بمجرد أن أتمّ الطبيب حديثه، نطق “أحمد” متسائلاً:
-نقدر ندخل نطمن عليها يا دكتور لما تفوق؟
-خمس دقائق و تقدروا تدخلوا بس بلاش كلام كتير معاها علشان هي محتاجه راحه.
أومأ “أحمد” برأسه إلى الطبيب قبل أن يغادر، ثم جلس على أقرب مقعد منها، نظر إلى “إيلول” بأسى، فقد كان التعب ظاهراً على ملامحها الذابلة، وكأنها وردة فقدت أوراقها.
لقد كان يدرك جيداً الخطر الذي يحيط بهن، فقد تركهن صديقه أمانة، لكنه خذل الأمانة! ويؤلمه أن يرى بَنَات صديقه في هذه الحالة المزرية؛ حيث فقدت واحدة منهن ذاكرتها وقدرتها على النطق، بينما تعاني الأخرى من قسوة الظروف أما زوجة صديقه، يعلم الله بما كانت تعانيه.
تنهد بضيق ثم وجه حديثه إلى “إيلول” قائلاً:
-تعالي يا بنتي ماتخافيش، “حنين” مش فكراك دلوقتي علشان هي تعبانه و لما تخف هتبقى فكراك.
تجمعت دموعا في عينيها، ثم رفعت نظرها إتجاه “تقى”، وبدأت تتحدث بصوت حزين يقطع القلب، هاتفة بلهجة مختنقة بنوبة بكاء قائلة:
-“حنين” أنتِ هتخفي و تبقي فكراني صح؟ و هتعرفي ماما و نرجع مع بعض مش هنفترق تاني حتى عمو الشرير هربنا منه.
كانت كلماتها مؤلمة، وصوتها يمزق القلب، نظرت إليها “تقى” طويلاً ثم إنحنت لتصل إليها، نظرًا لقصر قامتها وصغر حجمها، احتضنتها بقوة، ونتج عن ذلك دموع في عينيها على الرغم من أنها لا تتذكرها جيدًا!
لكن قلبها يتألم عندما رأت دموعها وحزنها، إذ إن القلب لا ينسى، ويشعر بمشاعر من هم أقرب إليه، بعد فترة وجيزة، قامت بفصل العناق ثم نظرت إليه برقة، مسحت شعرها بحنان، ثم أمسكت يدها ووقفت، وهي تتأملها بابتسامة.
كل ذلك كان تحت أنظار “يونس” الذي شعر بالسعادة لمَ حدث. وعلى الرغم من أن “تقى” لم تتذكر أختها، إلا أنها شعرت بأن هناك رابط بينهما، وتقبلت فكرة أنها شقيقتها.
قطع صمتهم صوت الطبيب الذي اقترب منهم قائلاً:
-ممكن تدخلوا تشوفوها دلوقتي هي فاقت و حالتها كويسه.
ألقت “إيلول” نظرة على “تقى” وابتسمت قائلة:
-ماما هتفرح أوى أوى لما تشوفك أنتِ وحشتينا أوى.
بادلتها “تقى” الابتسامة، وهي تشعر بشوق كبير لرؤية هذه السيدة التي تقول أنها أمها، لطالما تمنت أن تتذكر كل تفاصيل ماضيها! تمنت أن تعود بذاكرتها إلى الأيام الجميلة التي قضتها مع شقيقتها ووالدتها..
لكن حياتها كانت كأنها رواية مليئة بالأحداث، والآن أصبحت مجرد مقتطفات غامضة تحتوي على ذكريات قليلة!
دخل “أحمد” ومن خلفه الجميع، ففتحت “منة” عينيها بتعب ونظرت إليهم، بينما كانت الرؤية مشوشة، ثم نطقت بصوت خافت قائلة:
-“إيلول”، بنتي “إيلول”.
تخلت “إيلول” عن يد “تقى” وهرعت نحو والدتها، ثم أمسكت بيدها و بدأت تهزها بفرحة، قائلة:
-ماما انت بقيتي كويسه بصي لقيت “حنين” هي رجعت لنا .
عند سماعها إسم ابنتها، امتلأت عيناها بالدموع، وحاولت النهوض من مكانها، لكنها شعرت بدوار، اقتربت منها “زينب” لتسندها وتساعدها على العودة إلى مكانها. وبعد أن استقرت في مكانها، بدأت تتوزع نظراتها بين الحاضرين، كان أول من وقع نظرها عليه هو “أحمد”، فقالت:
-استاذ “أحمد” الحمد لله إني لقيتك، كنت بدور عليك فين بنتي فين “حنين”؟
-الحمد لله على سلامتك يا مدام “منة” و أنا كنت بدور عليكِ من زمان و بالصدفه لقيت “حنين” و بعدها عرفت إنك هنا.
أعادت النظر بين الحاضرين بحثًا عن ابنتها، حتى وقع نظرها عليها، لكن دهشة شديدة ارتسمت على وجهها حين لم تتحرك ابنتها في إتجاهها! حيث ظلت ثابتة في مكانها، دون أن تظهر عليها أي تعابير أو تتغير ملامح وجهها!
-“حنين” بنتي مالك واقفه كده مش هتيجي في حضني؟ ليه ساكته كده أنت كويسة؟!
أدرك “أحمد” أن ما ستكتشفه سيسبب لها الألم، خاصة في ظل حالتها المزرية، ومع ذلك، لم يكن أمامه مفر من مواجهتها بالحقيقة. تنفس بعمق قائلاً:
-مدام “منة”، بنتك “حنين” فاقدة الذاكرة مش فاكره حاجة و كمان فقدت النطق بس بتسمع.
وضعت “منة” يدها على فمها و أجهشت في البكاء، يعتريها شعور مختلط بين الصدمة والحزن، كان قلبها مليئًا بالمشاعر المتضاربة!
بينما شعرت “تقى” بضيق شديد في صدرها ودمعت عيناها، ثم نظرت إلى “يونس” وكأنها تسأله عما يجب عليها فعله، إذ لم تعد تدري ما هو الصواب أو ما تصدقه! لكن “يونس” قطع تفكيرها قائلاً:
-“تقى” دي أمك عارف إنك مش عارفاها بس دي أمك يا “تقى” روحي لها.
أومأت برأسها بحركة هادئة، ثم بدأت تتحرك ببطء نحو “منة”، وقد تحجرت الدموع في عينيها عندما رأت دموع “منة”.
جلست بجانبها، فنظرت إليها بحب وشوق، ثم فتحت ذراعيها، كأنما كانت تدعو “تقى” للإنهيار في حضنها! عانقتها “تقى” بقوة، وهي تقبّل رأسها وتبكي في آن واحد.
وبعد معاناة طويلة، اجتمعت بفلذة كبدها، التي تمثّل جزءاً منها، شعرت “تقى” بأمان وسلام داخل أحضان والدتها، التي منحتها الدفء والحنان، رغم أنها لم تتذكر شيئًا من الماضي، لكن قلبها لم ينسَ أبدًا..
في تلك الأثناء قفزت “إيلول” إلى جانب والدتها من الجهة الأخرى، وضاقت عينيها بتعبير عبوس، وقالت:
-الله الله يا ست منمن أنا مليش حضن زيها و لا إية؟
ابتسمت “منة برقة، ثم احتضنتها بحنان، وكان الفرح يضيء وجهها، بعد ذلك، نظرت إلى “أحمد” وتحدثت قائلة:
-شكر لك بجد يا استاذ “أحمد” أنتَ رجعت ليا بنتي، و قطعة من روحي.
-الشكر الله يا مدام “منة”، بس “يونس” هو إللي لقى بنتك و هو كمان إللي سماها “تقى”، و كمان هو إللي جابك هنا.
أطلّت “منة” على “يونس” بنظرة مليئة بالامتنان والشكر، فهو الذي أنقذ ابنتها وأنقذها في ذات الوقت. ثم قالت:
-مش عارفه إزاي أشكرك يا ابني ربنا يحفظك و يحميك. ممكن تحكي ليا إزاي لقيت بنتي؟!
أخذ “يونس” نفساً عميقاً واسترجع ذكرياته إلى ذلك اليوم، وبدأ بسرد كل ما حدث منذ لقائه بـ “تقى”، وصولاً إلى عملية اختطافهم وكيف تمكنوا من الهرب.
ثم روى تفاصيل كيفية العثور عليها وذهابها إلى المستشفى. وعندما انتهى من حديثه، قال “احمد”:
– و أنتِ إزاي بَعَدوكِ عن بنتك و كنت فين كل الفترة دي؟ دورت عليكم كتير.
عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم المؤلم الذي بدأت فيه معاناتها، حيث ترك ذلك اليوم جروحًا لا تندمل وندوبًا تؤلم، مهما طال الزمن، تبقى تلك الذكريات محفورة في القلوب والعقول، ولا يمكن للنسيان أن يمحو آثارها!
أغمضت عينيها، أخذت نفسًا عميقًا، ثم نظرت إليهم وقالت:
-“عادل” كان صاحبك و ديما بيساعدك من غير ما يقول لينا إللي بيحصل معاه، كل إللي أعرفه إن في ناس عايزين إبنك “يونس” وكان بيحميه لحد ما في يوم.
«فلاش باك»
على مائدة الإفطار، وكما هو الحال في كل عائلة، اجتمعوا في أجواء مليئة بالحب والبهجة، نظر “عادل” إلى زوجته ثم قال:
-“منة” خدي “إيلول” للمدرسة أنا مشغول جداً، لازم أراجع مع “حنين” قبل ما تروح للإمتحان و وهاخدها في طريقي ماشي حبيبتي.
-ماشي مفيش مشكلة خليك أنتَ ساعد “حنين” علشان تنجح إن شاء الله.
وبعد انتهاءهم، استعدوا للرحيل، لكن “منة” شعرت بضيق في صدرها دون أن تعرف السبب، بالإضافة إلى وخزة في قلبها، لكنها تجاهلت الأمر.
ثم أخذت نفسًا عميقًا وعانقت ابنتها “حنين”، وقالت لها:
-“حنين” حبيبتي مش عايزاك تخافي ركزي و إن شاء الله كل حاجة هتكون تمام.
-حاضر يا منوش بس ادعلي من دعواتك الحلوة و إن شاء الله انجح.
بابتسامة مشرقة، تحدثت “منة قائلةً:
-بدعي لك يا قلب ماما، ياله يا ماما ياله يا لولو نمشي علشان ما نتأخرش.
خرجت “منة” وهي تضع يدها على صدرها، تحاول تجاهل الألم الذي يعصر قلبها، حتى شعرت بثقل يضغط على صدرها!
وما إن ابتعدت قليلاً عن المنزل، حتى سمعت أصوات إطارات سيارات مرتفعة، نظرت خلفها بقلق، وانتابها شعور من الذعر حين لمحت ثلاث سيارات تتوقف أمام منزلها، ونزل منها عدد من الرجال المسلحين الذين اقتحموا البيت!
حاولت أن تصرخ، لكن لسانها عجز عن التعبير، مسكت بيد ابنتها وهرعت نحو المنزل، وكأنها كانت تتسابق مع الرياح. وعندما وصلت أمام الباب، سمعت صراخ ابنتها الذي يتردد في أذنيها كصيحة طائر جريح.
اندفعت إلى الداخل بقلب يضرب بشدة كما لو كان دقات طبول الحرب، وجف حلقها من الصدمة، حتى وصلت إلى موقع صرخة ابنتها! كانت المجموعة من المسلحين قد تشكّلت في دائرة حولها، ولكن ما رأته جعلها تتجمد في مكانها كالحجر، واتسعت عيونها بينما ذرفت دموعها كالشلال! ارتجفت شفتيها عند رؤية…
****************
في مكان آخر عند “وليد”
أرجع الرجل رأسه إلى الوراء مستندًا على كرسيه، وشقت الابتسامة شفتيه وهو يتخيل أنه قد فتح تلك الأمانة وأصبح أغنى رجل في بلده! ولكن ما يعيق حلمه هو “يونس”، مفتاح الأمانة والأساس الذي يقوم عليه؟ أخذ نفسًا عميقًا وقال:
-الأمانة هي كنز كبير مدفون في معبد داخل الغابة بس علشان نفتح المعبد دا نحتاج “ليونس” بس مفيش حد يعرف غيرك اذا خرج الكلام دا من هنا اترحم على نفسك.
ابتلع “وليد” لعابه بخوف من تهديد الرجل، ثم قال:
-بس في ناس كتير بتدور على “يونس” ده معناه أنهم عارفين هما كمان؟
-مفيش حدى يعرف موضوع الكنز لأن الكل مفكر الأمانة حاجه صغيره و موجودة مع “يونس”.
حرك “وليد” عينيه بتوتر، متطلعاً إلى معرفة المزيد، لكنه كان يخشى من رد فعل الرجل! أخذ نفسًا عميقًا ثم أدلى بما في ذهنه:
-معلش آخر سؤال ما زي يقدر “يونس” يفتح فيها إيه لما تشوف حد تاني يقدر يساعدك و تدفع له؟!
أجاب الرجل قائلاً:
-“يونس” يقدر يفتح؛ لأنه فيه كل الموصفات إللي قال عليها الساحر و الدم بتاعه بيقدر يفتح لنا مفيش غيره.
ضيق “وليد” عينيه قليلاً ثم قال متسائلاً:
-هو “يونس” لما يساعدك تفتح الكنز هتسيبه يمشي عادي؟
صفع الرجل كفيه ببعضهما تعبيراً عن استيائه لغباء “وليد”، ثم انطلق في قهقهة مليئة بالخبث والشر قائلاً:
-انتَ غبي و لا بتستهبل عليَّ، إللي هيساعدني أطلع الكنز هتكون روحه مفتاح الكنز! يعني هيبقى جثة! يالا قوم لغاية ما أرن عليك.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من أنا)