روايات

رواية في لهيبك احترق الفصل السابع 7 بقلم شيماء يوسف

رواية في لهيبك احترق الفصل السابع 7 بقلم شيماء يوسف

رواية في لهيبك احترق الجزء السابع

رواية في لهيبك احترق البارت السابع

في لهيبك احترق
في لهيبك احترق

رواية في لهيبك احترق الحلقة السابعة

” شيءٌ إليك يشدّني لم أدري ما هو مُنتهاه
يوماً أراهُ نهايتي ، يومًا أرى فيهِ الحياة ”
– فاروق جويدة .
أنا رحمة ، أصل كل شئ ، ومنتهى أمل كل كائن حى ، لغة الأصم قبل السميع والمبصر قبل الكفيف ، خير ورزق ونعيم ، نفحه من الله ، يهبها بفضله لمن يشاء ، ويصرفها بحكمته عمن يشاء ، أنا أعمق من الحب ، وأقوى من التسامح وأرقى من العطف ، لست مقتصرة على الأنسان ، بل أنا نبع دائم ومتدفق لكل المخلوقات ، ومنى أشتق “الرحم” ، مصدر الحياة ومنبعها ، هكذا أسمى يتردد صداه يومياً من حولى لتذكرتى ، أن لكل إمرئ من أسمه نصيب ، وأنا نصيبى الرحمة .
وقفت داخل حديقة منزله تطالع بشغف تلك الوريقات الصغيرة التى كُلفت بالعناية بها ، مرددة وهامسة تلك الكلمات التى ألقاها والدها على مسامعها ، منذ كانت طفلة لم تتجاوز العاشرة بعد ، عدة جمل بسيطة فى التعبير قوية التأثير ، حُفرت داخل قلبها حتى أصبحت بوصلتها ، وأضحت منذ ذلك الحين شعلتها المنيرة فى كل طريق مظلم تسير فيه ، ألا تنتظر الرحمة ، لأنها وحدها القادرة على تقديم الرحمة ، تنهدت ومن ثم مدت كفيها أمام وجهها ، تتأمل بعجز كل تلك الخدوش المؤلمة الى أصابت باطن كفيها قبل أن ترفع عينيها بأندهاش للأعلى لافتاً أنتباهها حركة الطيور من حولها مع تغريدهم المتواصل تمهيداً للمبيت داخل غصن الشجرة العتيق ، تراقب بافتتنان قرص الشمس البرتقالي ، ينسحب معلناً عن نهاية نهار أخر لم تذق خلاله طعم الراحة ، وتاركاً المجال للقمر يتسلل من خلفه آملة أن ينير بضوءه الوهاج ، ظلمة لياليها ، ثم أنحنت بجسدها للأسفل تضع أدوات الزراعة جانباً وقد قررت الاكتفاء بذلك القدر من العمل لليوم والذهاب إلى غرفتها المتواضعة للأختباء داخلها ، بعدما أنقضى يومها بأكمله ، وهى تحاول بكل طاقتها وخبرتها المعدومة ، تشذيب وتقليم وسقاية ، تلك الشجيرات التى وضُعت فى أمانتها ، ورغم جهلها بما تفعله وقلة الإمكانيات المتاحة أمامها حاولت قدر المستطاع تأدية جزائها على أكمل وجه ، من خلال الأستماع ومشاهدة بعض مقاطع الفيديو وقراءة النصائح الخاصةً بكل فصيلة على حدى ، غافلة عن تلك العينين الكارهتين ، التى تراقبها بتركيز من خلف نافذة مكتبه المطلة على الحديقة ، مترقباً أى خطأ ولو بسيط قد يصدر عنها ، مقطباً جبينه بتركيز ، ومتابعاً بنظراته ذلك المجهول الذى يقترب منها رويداً رويداً بود شديد ، أما فى الخارج وأثناء أنشغالها بالتأكد من وصول الماء إلى أحد البتلات الصغيرة ، شعرت بظل ما يجثو فوقها ، يليه صوت مزعج يهمس جوار أذنها بوقاحة زائدة :
-(( أول مرة أشوف ورد بيتفرج على ورد )) ..
أنتفض جسدها وأستدارت تبصر وجه ذلك المتطفل المقتحم خلوتها بأزدراء واضح بعدما شهقت بفزع ، ثم سرعان ما تمالكت أعصابها وهتفت ناهرة بحدة :
-(( أيه قلة الأدب والوقاحة دى !! أنت مين وبأى حق تكلمنى كده !! )) ..
أبتسم بملئ فاه حتى ظهرت أسنانه الصفراء من خلف شفتيه بوضوح ، ممتناً لحظه الرائع ، راضياً عن تلك الصدفة التى ألقتها فى طريقه ، فمهمته الأن أصبحت أكثر أمتاعاً ، مع وجود أمرأة بذلك القدر من الجمال أمام عينيه وبقربه وقريباً ، قريباً جداً ستصبح تحت قبضته لفعل ما يشاء بها ، فمجرد التفكير بما ينتوي فعله بها جعل لعاب فمه يسيل فأجابها هامساً وعيونه تلمع برغبة بعدما أنحنى بجسده نحوها يتعمد ملامسة جسدها :
-(( أنا معجب .. وأوى كمان )) ..
تراجعت للخلف بأندفاع متحاشية أحتكاك جسده بها مما جعلها تفقد جزء من توازنها بعدما أرتطمت ساقها بأحدى أصائص الزرع ، قبل أن تمتد يد من خلفها ، تدعم جسدها وتحول دون وقوعها ، يليها صوته يتسائل من ورائها بجمود تام :
-(( فى أيه بيحصل هنا بالظبط ؟! )) ..
أدارت رأسها تنظر إليه دون تعقيب تاركة نظرات عينيها الكارهة ، تعبر عما لا يستطيع فمها البوح به ، قبل أن تدفع جسدها للأمام بحذر شديد و أنفاس مكتومة تحاول بذلك الأبتعاد عن يده التى لازالت موضوعه بكسل فوق ظهرها رافضة تقبل لمسته ولو عن طريق المصادفة أو الدعم ، تجاهل هو فعلتها تلك بعدما شعر بكرهها لما فعله مقرراً ترك يده فوقها نكاية بها قبل أن يحرك رأسه مستفسراً فى صمت كعلامة على أنتظار أجابة سؤاله فسارع الشخص المجهول يقول بأبتسامة سمجة ويده ممتدة أمام طاهر لتحيته:
-(( طاهر بيه مش كده ؟! .. أنا محمود أبن عم ربيع الجنايني )) ..
صمت لوهلة مسلطاً أنظاره فوق رحمة بأعجاب صريح ثم أردف يقول متعمداً الأستفزاز :
-(( ولما لقيت الأنسة وقفه قلت أسألـــ… )) ..
قاطعه طاهر مصححاً بجمود :
-(( مدام )) ..
تسائل منتحل الشخصية مدعياً البلاهة :
-(( أفندم ؟! )) ..
أجابه شارحاً بأقتضاب :
-(( تصحيح .. هى مدام مش أنسة )) ..
أتسعت أبتسامة ذلك المدعى محمود ثم هتف يقول مبرراً ومدافعاً عن نفسه بخبث بعدما تأكد من رؤيه طاهر لنظراته الموجهه إليها :
-(( أصل مشفتش فى أيديها دبلة .. عشان كده يعنى …….. )) ..
قاطعه طاهر للمرة الثانية قائلاً بصرامة :
-(( ميخصكش .. أنت هنا لهدف معين .. ياريت تركز فيه )) ..
أدار رأسه جانباً ثم أردف يقول موجهاً باقى حديثه إلى تلك الواقفة جواره وعيونها تلمع بشماتة من رؤية الحرج بادياً على وجه ذلك المتطفل الوقح :
-(( أم حسن بتسأل عليكى .. ادخليلها )) ..
رفعت رأسها عالياً بكبرياء ترمق كلا الطرفين بنظرات محتقرة قبل شق طريقها نحو الداخل ، ولولا وجود ذلك الوقح حولها بنظراته السافرة ما أنسحبت من أمامه بكل تلك السهولة .
وفى الداخل هتفت رحمة متسائلة بفضول بعد رؤيتها لمدبرة المنزل تجلس خلف طاولة التحضير الموضوعة فى منتصف المطبخ :
-(( حضرتك طلبتينى ؟! )) ..
أجابتها أم الحسن نافية بتأكيد :
-(( مستغناش عنك بس لأ )) ..
قطبت رحمة جبينها بأستغراب ثم قالت بأستنكار :
-(( أزاى أومال هو قـــــال …….. )) ..
مطت جملتها الاخيرة ثم بترت عبارتها بعدما وضحت الرؤية أمامها فى حين سارعت أم الحسن تسألها بفضول :
-(( هو مين ؟! )) ..
أجابتها قائلة بأقتضاب متجنبة التفسير:
-(( متشغليش بالك .. لو مش محتاجانى هروح أرتاح فى الأوضة شوية )) ..
أومأت أم الحسن برأسها موافقة فى صمت تاركة رحمة تعاود خروجها بافكار شاردة للحديقه ومنها إلى غرفتها المجاورة لغرفة المجهول الذى وبمجرد أستماعه لوقع خطواتها فى الجوار طل من نافذته يراقبها بتركيز ممنياً نفسه بتنفيذ مهمته فى أقرب وقت .
**********************
جلست على حافة الفراش من الطرف الاخر حيث لازالت مدعية الحزن ، بينما عينيها تتابع رسائله النصية التى يغدقها بها منذ البارحة ، وتحديداً منذ أطاعته فى الذهاب معه إلى منزله ، متسائلاً بلهفه “مش هشوفك تانى ؟!” .. قرأت محتوى الرسالة ثم قامت بمسحها وتفعيل وضع الطيران بعدما تأكدت من خلو سجلات هاتفها الجوال من كافة رسائله وأتصالاته ، تحاول إيجاد أرادتها وعدم الأنسياق له فى كل ما يطلبه منها ، فلولا وصولها البارحة فى الوقت المناسب ودهائها فى قلب موازين الأمور لصالحها لكانت الأن تعانى الويلات من غضب جواد ، زوجها الذى هتف من خلفها مستفسراً بنبرة خالية :
-(( هتفضلى زعلانة كده كتير ؟! )) ..
أنتفضت بفزع بمجرد سماعها صوته ، الأمر الذى أدى إلى تعجبه فأردف يقول مستنكراً بعدما ضيق نظراته فوقها :
-(( مالك فى أيه ؟! )) ..
أجابته هامسه بخفوت :
-(( مفيش .. بس كنت سرحانه شوية )) ..
سألها مستفسراً بأهتمام :
-(( سرحانه فى أيه إن شاء الله )) ..
صاحت تجيبه بحنق :
-(( جود بليز .. أنت عارف وكويس كمان أنا سرحانة ليه وزعلانه من أيه .. فبلاش أسلوبك الجاف معايا ده عشان أنا فعلاً مضايقة )) ..
تأملها مطولاً ، من رأسها حتى أخمص قدميها ، ثم قال بعد فترة من التفكير بهدوء متابعاً ردود فعلها بتركيز تام :
-(( رنا .. أنا عارف كويس أن العلاقة بينك وبين باقى البيت مش صافية .. بس مهما يوصل الأمر بينكم أتأكدى .. أن عمر والدتى ما هتقول أو تلمح باللى فهمتيه .. لأن وقتها هتكون بتعيب فيا أنا .. فبلاش تدى الأمور أكبر من حجمها .. وياريت .. ياريت تحاولى تتأقلمى على هنا .. لأن لا ظروف طاهر والشركة ولا ظروف بابا تسمحلى أسيب أسكندرية .. واضح كلامى كده )) ..
أندفعت تجيبه بصدق حقيقى :
-(( وأنا خلاص مبقتش عايزة أسيب أسكندرية .. صرفت نظر عن الموضوع ده )) ..
أومأ برأسه موافقاً بأستحسان ثم أردف يقول بهدوء :
-(( مادام صرفتى نظر يبقى أبدئى بنفسك معاهم من جديد وحاولى تتقربى من ماما وعلياء .. أه وقبل كل شئ .. تليفونك يفضل معاكى حتى لو نزلتى الجنينة .. سامعانى )) ..
شعرت أن ذلك الوقت المناسب لتحسين علاقتها مع شقيقته أو بالأدق أستغلالها ، فعلاقة زوجها وشقيقته دائماً ما كانت تثير غيرتها ونار حقدها ، هى من ولدت وترعرت وحيدة دون أخ يرعاها مثلما يفعل هو ، ولكن فى الوقت الحالى ، محبة علياء لها داعم قوى لابد من كسبه كضمان أذا أنقلبت الأمور فى المستقبل ضدها لذا هتفت تقترح بحماس :
-(( ماشى يا بيبى .. اللى أنت تشوفه .. أيه رأيك أروح أكلم علياء ونخرج لينة سوا .. عشان هى قالتلى أنهم اتبسطوا المرة اللى فاتت فى النادى .. )) ..
تنهد مطولاً ثم أجابها بنبرة شاردة ؛
-(( اللى تحبيه .. بس متنسيش تليفونك يفضل معاكى )) ..
رمت جسدها فوقه بميوعه زائدة ، تطبع قبلة ناعمة فوق وجنته بعدما همهمت موافقة بأغراء جعلته يبتسم رغماً عنه ، فرغم كل شئ ، هى لازالت أنثى ، تعلم مواطن قوتها جيداً ، وتستخدمها ضده وقتما شاءت
*********************
فى الصباح الباكر وبعدما جذب أنتباهه صوت المياه الجارية فى الخارج ، قادته قدماه على غير العادة إلى شرفة غرفته المطلة على حديقة المنزل الداخلية ، دلفها بهدوء شديد بعدما أرتدى ملابسه وأنتهى من هندامه يراقبها من بعيد و يتابع بعينيه ما تقوم به دون الأغفال عن أى حركة ولو بسيطه قد تصدر عنها ، ضيق حدقتيه فوقها بحنق شديد ، وهو يراها تسقى الشجر تارة وتقطف الأزهار تارةً أخرى والابتسامة السعيدة لا تفارق محياها !! ، اللعنة علي تلك الشقية البائسة ! ، هل كلفها بهذا العمل كعقاب أم لتدور فى الهواء كطفلة صغيره وخرطوم المياه بيدها مستمتعة برذاذ الماء الواقع على وجهها وملابسها ! ، زادت تقطيبة جبينه وأختفت المسافة ما بين حاجبيه ممعناً النظر أكثر فى تفاصيل جسدها وصولاً إلى يدها مفكراً بحيره ، هل تلك ضمادات بيضاء التى تخفى بها كفيها أم يهيأ له ذلك ؟! ، أبتسم بشراسة وهو يخطو عائداً للداخل مقرراً ترك مهمه المراقبة وبدء روتين يومه المعتاد ، ولكن قبلها ، ليقم بعمل زيارة ميدانية سريعة للحديقة فسيكون ملعون ان ترك ذلك الموقف ينتهى دون توقيعه
بينما قررت هى بعد الأنتهاء من سقاية تلك البراعم الصغيرة التى بدءت تشق طريقها نحو الضوء معلنه عن نفسها تشذيب شجره الليمون البالغة من العمر ٩ أشهر فكما قرأت فى صفحات الانترنت أن ذلك الوقت من العام هو الأفضل لتقليم الأوراق وعليه قامت بتلك التجربة للمرة الأولى فى حياتها بتركيز تام ولم تعى لخطواته الواسعة العنيفة التى تشق طريقها نحوها حتى وصل إليها وتوقف أمامها بطوله الشاهق ونظراته الكارهة ، وضعت هى ما فى يدها بمجرد شعورها بذلك النسيم الخفيف المعبأ برائحة عطره والناتج عن احتكاك جسده المتشنج بالهواء يصل إليها ثم التفت تنظر إليه بتأهب واضح ورأسها مرفوع بكبرياء كعادتها فى كل مرة تقف أمامه كأنها تخبره فى رسالة صامتة الا سبيل له عليها ، أستمرت حرب النظرات مشتعلة بينهم لفترة ، كرهه مقابل ترقبها ، غضبه مقابل تحديها ، وأشمئزازه مقابل كبريائها ، إلى أن أعلن هو عن هدنة غير مباشرة عندما التوى ثغره بشبهه إبتسامة ساخرة بعدما هبطت عينيه إلى حيث يدها يتأمل قطعة القماش البالية التى تغلف بها كفيها وتستخدمها بديلاً عن قفازات اليد حيث أصدر أمراً قاطعاً بمنعها عنها ، تابعت نظراته المسلطة فوق يديها وقد وصلها مغزى إبتسامته ، رفع عينيه إلى حيث وجهها يطالعه بشماتة واضحة والأبتسامة لا تفارق ثغره ثم قال بتشفى وبطء كأنه يتلذذ بكل حرف يخرج من فمه :
-(( أخرك يومين ؟!.. مش عارف هتكملى باقى عمرك كده أزاى ؟ )) ..
التوى ثغرها هى الأخرى بشبح إبتسامة مريرة ثم رفعت أحدى ذراعيها تتلمس بأطراف أصابعها تلك الندبة المخفية أسفل بلوزتها القطنية وقد لاح أمام عينيها ماضِ ليس ببعيد عن تلك السيدة المسماه “ست أبوها” وهى تخبرها بتهديد بعدما أحدثت شفرتها الحادة ذلك الجرح العميق أسفل كتفها من جهة الأمام والذى تطلب مدواته أشهر طويلة :-(( تلك المرة أصابت الكتف .. وفى المرة القادمة عندما تعصى لى أمراً سأتاكد بنفسى من أصابتها للكبد أو شئ من ذلك القبيل )) ..
اغمضت جفنيها لوهلة تقطع الطريق على أى عبرة تلوح بالسقوط ثم بدءت بهدوء شديد فى حل أطراف قطع القماش من حول كفيها وألقتها أرضاً أمام ناظريه ثم وبنفس الهدوء والثبات رفعتهم أمام وجهه ، تأمل كل تلك الخدوش الحمراء التى أصابت باطن كفيها من عمل البارحة بلا مبالاة ودون أن يرمش له جفن ، وبعد لحظات أدارت ذراعيها نحو وجهها تنظر داخل يديها بعدم أهتمام ثم عاودت وضعهم أمام عينيه وهى تقول بقوة وشجاعة من يمتلك الحق :
-(( هتحتاج أكتر من شوية جروح سطحية عشان تكسر رحمة النويري .. فشوف تقدر تعمل أيه كمان عشان عايزاك تفضل شايل ذنبى فوق ضهرك لحد ما تقابل اللى راح )) ..
قبض على ذراعها بعنف شديد وغرز أظافره داخل لحم عضدها غير عابئاً بنظرات الألم التى ظهرت جلية فوق وجهها ثم قال بشراسة متوعداً :
-(( سيرته متتجبش على لسانك القذر تانى .. فاهمة !! )) ..
أستجمعت قوتها للأفلات من قبضته ثم أنحنت تلتقط مقص التشذيب من فوق الأرضيه العشبية أسفلها وعاودت العمل فى قص أوراق الشجر وكأن شيئاً لم يكن دون الأهتمام بالخدودش التى عادت تلتهب من جديد ولا بقطرات الدم التى بدءت تظهر فوق يدها من الجروح الحديثة ، بينما أنسحب هو متراجعاً بخطواته للخلف بحيرة ، فثبات تلك المرأة يعصف بهدوءه ويصيب جسده بالقشعريرة فى كل مرة يقف أمامها .
راقبت هى أنسحابه من أمامها بنظرات كارهه ، تتمنى لو ينقضى نهارها بأكمله دون رؤيته ، بل أمنيتها الكبرى هى التخلص منه ، وعدم أضطرارها لرؤيته مرة أخرى مهما كلفها الأمر ، مقاطعاً شرود نظراتها ، صوت ذلك المعتدى يقول من خلفها بنبرة معسولة :
-(( الأيدين الحلوة اللى زى دى .. مينفعش أبداً تتعب نفسها فى الشغل بتاعنا .. دى أخرها تفضل تتبــــ…. ))
قاطعت جملته هادرة ومحذرة بقوة بعدما ألتفت تنظر إليه بأشمئزاز واضح :
-(( كلمة كمان .. ومش هتلاقى لسان تتكلم معايا بيه )) ..
أبتسم بشراسة وقد أعجبه صدها له وتمنعها عنه ثم أردف يقول وكفه تشق طريقها نحو ذراعها :
-(( أتمنعى كمان .. كده أحلى بالنسبالى )) ..
دفعت كفه بعيداً عنها قبل أن تصل إليها ثم قامت بصفعه بكل ما أوتيت من قوة قبل أن تقول بتهديد صريح :
-(( من غير حلفان .. لو فكرت تقرب منى أو تحتك بيا بأى شكل .. مش هفكر مرتين قبل ما أطلع روحك فى أيدى .. أحترم نفسك وأفتكر أنى على ذمة راجل )) ..
هرولت من أمامه مسرعة بعدما أنتهت من تهديدها له تاركة الحديقه بأكملها وقد قررت الأنضمام لمدبرة المنزل فى الداخل مختبئة بضيق تنفسها عن عينيه تخشى أستغلاله لمرضها أذا علم به ، بينما وقف هو يتحسس بأنامله موضع صفعتها وقد أقسم على رد تلك الصفعة أضعاف مضاعفة ، بعد كسر شوكتها وأظهار قوته كرجل .
***********************
بداخل عيادة أحد أطباء المختصين فى حالات الحقن المجهرى والخصوبة ، جلست غفران فى أحد المقاعد تفرك كفيها بتوتر منتظرة بترقب شديد أذن الممرضة والسماح لها بالدخول ، وجلس جوارها ، “بدر” شاخصاً ببصره فى الفراغ وشارداً فى عالمه الخاص ، يلوم نفسه على ضعفه ، جبنه ، وعدم قدرته على المواجهه ، أن يقف أمامها ويخبرها بكل صراحة أن ذلك القلب ، لم يعد ينبض من أجلها ، بل تسرب حبها من قلبه رويداً رويداً ، دون أن يشعر بذلك ، ليجد نفسه واقفاً أمام الحقيقة العارية ، الصادمة ، أنها أبداً لم تكن حب حياته ، بل مجرد أفتتان ، شئ صعب المنال أراد تملكه والحصول عليه ، طبع صك ملكيته فوقه لا أكثر ، ومع أنشغالها عنه ، بدء أعجابه بها ، يخفت شيئاً فشئ ، شاعراً بضعف قيمته أمامها ، حتى أتت الأخرى ، ببرائتها الزائدة ، ونعومتها المهلكة ، وأهتمامها بكل تفاصيله ، جعلته يدرك فى وقت قصير أن الحياة قبلها لم تكن حياة ، بل كانت صحراء قاحلة بروتين يومى ممل ، وأعادت هى شغفها إليه ، يعلم بذنبه ويقر به ، بعدما مال لطرف على حساب طرف ، أما تلك المضغة النابضة ، فتأبى إلا الأعتراف بأحقيته فى الحصول على حبه الأبدى ، فتلك هى أبسط حقوقه كرجل ، حركت مرفقه بهدوء جاذبة بذلك أنتباهه بعدما هتفت الممرضة أسمها أكثر من مرة ، حيث حان موعد رؤية الطبيب لها ، دلفت ودلف خلفها بهدوء منتظراً أنتهاء فحص الطبيب لها وأخباره بالخطوات التى يعلمها مسبقاً ، فقد مرا بكل ذلك منذ أشهر مضت ، قبل أن تسقط فوق رأسه المفاجأة التى تمناها من قبل ، حينما تحدث الطبيب يخبرهم أسفاً :
-(( للأسف يا مدام غفران .. رحم حضرتك مش هيتحمل الفترة دى أى مجازفة حقن .. ولو ده حصل هيكون مصيره الفشل مع ضرر ليه .. عشان كده بقترح .. نستنى على الأقل ٦ شهور متابعة .. قبل ما نبدء فى أى محاولة جديدة )) ..
همست تسأله بأحباط :
-(( حضرتك متأكد يا دكتور ؟! )) ..
أجابها الطبيب مؤكداً بثقة :
-(( ده رأيى واللى شفته من خلال الكشف .. حرام أتعبك حقن ومنشطات وكل ده ع الفاضى .. ضميرى المهنى ميسمحليش بكده .. وبعدين زى ما قلت قبل كدة مفيش أى مانع طبى يقف فى طريق الحمل العادى .. يعنى وارد جداً فى أى وقت يحصل حمل طبيعى من غير تدخل مننا .. وفى الأخير القرار ليكم )) ..
أدارت رأسها تنظر بعجز إلى زوجها الصامت ، الهادئ وكأن ما تمر به لا يعنيه ، بل يخصها وحدها ، لم يحزن ، ولم يعارض ، ولم يثور كعادته ، بل تقبل ما قاله وأقترحه الطبيب بلا مبالاة ، تاركاً نيران الحسرة تأكل جوفها بمفردها، وكيف يحزن وقد أصبح لديه البديل ! ..
جلست فى أحد المقاعد الموضوعة بركن المطبخ ، تنظر إلى أم الحسن التى ظلت تثرثر طوال النهار بلا توقف ، دون أن تعى حرفاً مما ينطق فمها به ، فعقلها مشغول بذلك المتحرش ، الذى ظهر أمامها فجأة ، شاعرة بالأختناق فى كل مرة تراه فيها ، وينقبض صدرها خوفاً وترقباً بشعور غريب ، كذاك الذى راودها من قبل ، وقتما وقعت ضحية فى شرك رئيسها فى العمل ، الذى شهد ضدها وأمام عينيها زوراً بعدما عظم الأيمان دون أن يرأف بها ، أو بما آلت إليه أحوالها ، تابعت أم الحسن صفير أنفاسها المتقطعة بأشفاق ثم هتفت تسألها بقلق بعدما أحتضنت كفها داخل خاصتها :
-(( مالك يابنتى .. فى أيه ؟! .. من الصبح لونك مخطوف ومش على بعضك !! أنتى زعلانة عشان موضوع الجنينة ده .. بصراحة معاكى حق تزعلى .. بس أنتى برضه غلطانة يا رحمة .. يعنى أنا ما صدقت محمود جه ولحقك بعد يوم واحد .. تقومى أنتى النهاردة تصممى تكملى شغل بأيديكى !! .. معرفش أنتى بتعاندى مين بصراحة )) ..
نظرت إليها رحمة بأعين دامعة ثم أجابتها قائلة بعجز :
-(( الموضوع أكبر من كده بكتير .. لو كان على التعب فأنا شفت فى السجن أضعاف ده .. بس ع الاقل مكنتش لوحدى وكنت عارفة أنى أقدر أستنجد بحد .. وبعدين أنا كملت عشان دول روح وبقوا أمانة فى رقبتى .. يعنى مش ده اللى تاعبنى )) ..
سألتها الأخرى بأرتياب :
-(( قصدك أيه يعنى )) ..
أجابتها رحمة وهى تعتدل فى وقفتها :
-(( مش قصدى حاجة متشغليش بالك .. بس أنا عندى طلب .. لو معاكى كراسة أو دفتر .. أى حاجة أسجل فيها )) ..
صمتت لوهلة أبتلعت خلالها لعابها ثم أستطردت تقول بحرج :
-(( بصراحة محتاجة دفتر ضرورى ومعييش فلوس أشترى )) ..
أنتفضت أم الحسن من جلستها تجيبها مؤكدة وهى تركض نحو أحد الأدراج المغلقة :
-(( معايا طبعاً .. كل أول سنه طاهر بيه بيدينى أجندات من اللى بيطبعهم بأسم الشركة دول ويوزعهم .. عشان أسجل فيها يعنى أى حاجة أحتاجها .. ميعرفش أنى بفك الخط بالعافية )) ..
أتسعت إبتسامتها البشوش ثم أستطردت تضيف وهى تمد ذراعها بدفتر تدوين وقلم :
-(( خدى قلم كمان أكيد معندكيش .. ولو أحتجتى تانى أهو الدرج .. تعالى خدى منه ومتتحرجيش )) ..
لاحت شبح إبتسامة سعيدة فوق فم رحمة قبل أحتضان أصابعها لذلك الدفتر وكأنه أقصى أمانيها قبل أن تلقى تحيية الوادع على عرابتها ، كما أطلقت عليها بداخلها ، مقررة العودة لغرفتها وتدوين ما تشعر به ، تنفيذاً لوصية أحد الأطباء النفسيين على موقع التواصل الأجتماعى ، حيث جائتها أجابة أستشارتها السريعة من خلف شاشة هاتفها على هيئه نصيحه مقتضبة ، مفادها هو تدوين كل ما مرت وشعرت به داخل ورقة بيضاء حتى تتاح لها الفرصة فى مراجعة مختص .
وبعد عدة دقائق بسيطة كانت تقف داخل غرفتها الاقل من متواضعة وهى تحتضن تلك المذكرة بين ذراعيها كأنها كنزها الثمين ، بدلت ملابسها وخلعت حجابها ثم جلست فوق الفراش تتحسس بأصابعها الكلمة الذهبية المنقوشة بعناية فوق الغلاف الخارجى “إيواء” ، أبتسمت للمصادفة وداخلها يأمل ان تكون تلك الصفحات إيواء لروحها ، أخذت نفساً عميقاً ثم فتحت صفحتها الأولى وبدءت تدون بهدوء
(( مذكرتى العزيزة .. أظن أنك الحل الوحيد المتاح أمامى خلال الفترة القادمة .. لا أقصد الأهانة ولكنى أحب الصدق فأعذرينى .. حتى لأكن أكثر صراحة أو ربما وقاحة .. لم اتخيل ولو للحظة واحدة خلال سنوات حياتى المنصرمة أنى سأجلس يوماً ما أدوّن يومياتى وأبوح بما يعتمل داخل صدرى فى عدة أوراق فارغة .. ولكنها الحياة .. تحمل لنا العديد من المفاجأت الغير متوقعة .. على كلاً .. كما ذكرت من قبل فأنتِ الحل الوحيد المتاح أمامى الأن لتجاوز تلك الأزمة .. فأنا وحيدة .. مفلسة تماماً .. لا أملك من النقود ما يكفينى حتى لأبتاع قلم أوثق به مأساتى .. رغم أننى أعيش فيما يشبهه القصر كسندريلا .. مع تعديل بسيط أنى حوصرت فى فترة زوجه الأب إلى ما لانهاية وأضحى أميرى سجانى .. حسناً .. حسناً أعذرينى فيبدو أنى تسرعت قليلاً وقفزت فى الاحداث لذا سأعد إلى البداية ..
أنا أدعى رحمة .. كما أطلق على والدى عندما وقعت عيناه على للمرة الأولى وكما أخبرنى هو مرات ومرات .. فتاة بسيطة تعيش حياة أكثر بساطة بعدما توفى والدى وأصبحت أنا العائل الوحيد لأسرة مكونة من والدة مريضة بالقلب وشقيق مراهق لم يبلغ السن .. أستيقظت فى أحد الأيام لأجد نفسى متهمة فى جريمة قتل لم تجنيها يداى .. حبست على أثرها خمسة أشهر داخل أحد السجون .. وحيدة تماماً بعدما فقدت والدتى التى سقطت صريعة حيث فشل قلبها الضعيف فى تحمل تلك الفاجعة .. كنت النزيلة رقم ستة عشر لزنزانه تحوى خمسة عشر فراشاً مشغولاً ومليئاً بالبراغيث وبالتالى كنت أجلس فوق الأرضية الباردة طوال اليوم وفى الليل أستلقى بجسدى فوقها مستمعة إلى أصوت الحشرات من حولى .. أعيش على الفتات من الطعام الذى يقدم لى .. طعام فقير لا يسمن ولا يغنى من جوع .. مع بعض الممارسات الأخرى الغير آدمية إلى جانب التحرش اللفظى بى من قبل بعض سجينات العنبر ذو الميول الشاذة .. وأشياء أخرى كأجبارى على إجراء أختبار حمل رغم أثبات عذريتى .. ومحاولة أحد الحراس للتحرش بى عدة مرات متتالية وغيرها ربما أذكرها فى يوماً ما .. ظللت هكذا إلى أن أستجاب الله لدعائى ومّن على بالحرية فظننت أنها النهاية .. الأن سأغدو حرة من جديد وأحاول نسيان الماضى وتخطى تلك المِحنة التى مررت بها .. أنتهى عذابى وتحررت وفى جعبتى مرض صدرى مسمى ب ” الربو” .. وجرح غائر على هيئة ندبة ممتدة من أسفل كتفى حتى نهاية ترقوتى .. كتذكار صغير من امرأة فى الداخل أرادت وشمى وإثبات قدرتها فى ألحاق الأذى بالجميع ..
وعندما وطئت قدمى خارج تلك الجدران أتنفس نسيم الحرية وجدته يقف أمامى .. يطرح أسئلة لا أملك أجابتها ، ويريد حقيقة أجهل ماهيتها أو كيفية الوصول إليها بعدما خذله القضاء على حد قوله .. أجبرنى على الزواج منه بعدما هددنى بأخى .. كل ما تبقى لى من عائلتى .. ظنناً منه أنه بذلك يحرق روحى .. ولا يعلم أنها أحترقت وأنتهى الأمر .. ولا يدرى كم تمنيت خلال الأشهر المنصرمة لو أنعكست الادوار وكنت أنا الضحية فى ذلك اليوم .. المجنى عليها لا الجانية .. فتلك القضيه أستنفذت قواي وتركتنى خواء ، شبهه أنسانة تشعر بالألم فى كل ما تقوم به .. ذلك الشهيق الذى أسحبه الأن لأتمام عملية التنفس وإبقائى على قيد الحياة يؤلمني .. تلك الدمعة التى سقطت من عينى الأن وبللت ورقتى وأسالت حبر كلماتى تؤلمنى .. كوابيسى الليلية وتذكرى لمشهد دمائه حولى يؤلمني .. حتى تدوينى لما أشعر به الأن يؤلمني .. فى الحقيقة أنا أشعر بالألم لسبب عضوى بحت حيث أجبرنى على الاهتمام بحديقته دون أرتداء ما يقينى من أشواك الزهور وتسبب فى تورم يداى ولكنه سبب أخر أضيفه إلى قائمة الأشياء التى توخز قلبى ..
هل ألومه على ما يفعله بى ؟! .. نعم فى الحقيقة ألومه بشدة .. فهو يكرهنى لما لم أزره فى حقه .. وأنا أكرهه لما وزره فى حقى .. ورغم ذلك أَجِد نفسى من وقت لأخر أقاوم رغبة ملحة فى مواجهته .. وأخباره أنى أرى ثقوب روحه .. فأنا أؤمن بتلك الفكرة العبثية أن روح الأنسان عبارة عن بناء .. تكتمل جدرانه بوجود أحبائه من حوله .. ومع كل أنسحاب .. خذلان .. أو فقد لشخص ذو مكانه بداخلنا .. نتصدع ويحدث شق .. فجوة لا يستطيع أحد سدها .. لنمضى حياتنا بعدها اشباه أحياء .. بثقوب كبيرة متهالكين وقليل .. قليل منا فقط يمتلك من الحظ ما يكفيه لمصادفة شخص جديد .. يملئ ثقوب روحه ….
قاطع أنشغالها طرقات خافتة فوق باب غرفتها جعلتها تركض مسرعة ترتدى حجابها ومئزر طويل يغطى جسدها بأكمله قبل أن تفتح باب غرفتها على أستحياء لرؤية الطارق والذى لم يكن سوى ذلك المحمود ، نظرت نحوه شرزاً ثم سألته بصدود :
-(( خير ؟! )) ..
أجابها بنبرة خافتة مدعياً المرض :
-(( أنا عارف أنك مش بلعانى بس أنا عشمان فيكى تساعدينى .. لو ينفع تشوفيلى جوه أى دوا للحرارة .. جسمى مكسر ومش عارف أنام )) ..
قالت رافضة بأقتضاب :
-(( تقدر تخبط على أم حسن وهى تساعدك .. مش مشكلتى )) ..
ظل يسعل أمامها دون أنقطاع ويحاول ألتقاط أنفاسه بوهن ثم قال كاذباً بتوسل يستعطفها :
-(( خبطت كتير ومحدش رد .. عشان كده لجأتلك .. فى الأخر أنتى الوحيدة اللى تقدرى تدخلى جوة .. مش معقول هتسبينى كدة .. ولو ع اللى حصل منى أنا محقوقلك وبعتذرلك أهو بس ساعدينى )) ..
لمح اللين فى نظرتها فأردف يستجديها :
-(( أكسبى فيا ثواب ربنا يجازيكى عليه بعدين )) ..
زفرت مستسلمة ثم قالت بجمود وهى تستعد للخروج من غرفتها :
-(( طب لو سمحت أبعد شوية .. هروح أشوفلك أى دوا جوة وأنت أستنانى عند أوضتك .. أكيد مش هدخلك )) ..
تهللت ملامحه وأنفرجت أساريره وهو يومأ برأسه موافقاً بحماس ثم أبتعد عن مجالها ليعطيها أحساس مزيف بالأمان ، فسارت هى فى طريقها نحو باب المطبخ الخلفى تلبية لطلبه غير مدركة لما يضمره لها ، وبمجرد أقتراب مرورها من أمام غرفته ، ركض خلفها قاطعاً المسافة بينهم فى حركة عاجلة ثم أنقض فوقها من الخلف واضعاً كمامة بيضاء فوق فمها لمنعها من الصراخ ثم بدء بجرها نحو غرفته وهو يقول بتوعد :
-(( بتمدى أيديك عليا أنا !! طب أنا هوريكى الرجولة أزاى )) ..
أما فى داخل المنزل ظلت مدبرة منزله تراقبه من بعيد منتظرة ظهوره حتى تتاح لها الفرصة فى التحدث معه ، وبالفعل بمجرد لمحها لطيفه يتسلق أولى درجات الدرج ، هتفت أسمه تستوقفه بجدية :
-(( طاهر يابنى .. عايزاك فى حاجة مهمة )) ..
أستدار ينظر إليها بأرهاق تام ، ثم أجابها بأقتضاب وهو يعود بجسدها إليها :
-(( قولى وأنا سامعك )) ..
سحبت نفساً عميقاً تستجمع به شجاعتها ثم قالت بنبرة هادئه يشوبها بعض التحفظ :
-(( يمكن العلاقة بينى وبينك متسمحليش أتكلم معاك .. بس أنا هقوله ورزقى على الله .. لأن اللى عملته معايا المرحومة والدتك يدينى الحق أنى أنصحك .. أو أعاتبك .. لأنى بعتبرك زى أبنى .. أنا جيت مع أمى من الصعيد وأنا عيلة بنت ١٣ سنه .. معرفش غير هنا .. ومخدمتش فى مكان غير ده .. ناس من نفس طينتى .. وبيتكلموا لغتى بنفس عاداتى .. وعارفة أنهم لو كانوا عايشين عمر ما كان يرضيهم اللى أنت عملته .. ولا أنك تسيب مراتك مرمية وسط الغربا .. دى عرضك .. أسمها على أسمك .. وشرفها هو شرفك .. واللى اتربيت عليه ميسمحليش أشوف ده بيحصل قدامى وأسكت .. بيتك كبير وربنا عاطيك من فضله .. يبقى بيتك أولى بيها .. متعرفش نفوس الناس عاملة أزاى .. وأنت يابنى كبير .. فأتصرف ككبير وضلل على اللى يخصك )) ..
أنصرفت من أمامه بعد الأنتهاء مما أرادت قوله وتركته يقف فى منتصف الدرج بحيرة ، بعدما أصابه حديثها البسيط بالتخبط ، قبل أن يقرر أستئناف طريقه نحو غرفته ، تاركاً التفكير بهدوء و أتخاذ قراره النهائى للغد .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في لهيبك احترق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى