رواية يناديها عائش الفصل الرابع والستون 64 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الجزء الرابع والستون
رواية يناديها عائش البارت الرابع والستون
رواية يناديها عائش الحلقة الرابعة والستون
يُسّخر اللّٰه لك كُل شيءٍ بوقته، فلا تحزن.
*******
مرّ يوم بالكامل، أربعة و عشرون ساعة مروا كأنهم عام على عائلة الخياط، بل على حارة السلام بأكملها، خاصة زياد..
منذ أن علم أهل الحارة بأمر اختطاف “هاجر” انقلبوا رأسًا على عقب، و انتفضوا لأجل تلك الوردة الجميلة التي لم يرى أحدًا منها سوء قطّ، فالجميع هنا يحبها.. فماذا عن زوجها الذي كاد أن يفقد صوابه من تغيب حبيبته عنه كل تلك الساعات !
بدأ رجال الشرطة عملهم في البحث عن هاجر، و انتشرت حادثة الاختطاف على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى و صل الأمر لكبار الدولة، واتسع صيت زياد؛ بسبب إعادة بعض رواد السوشيال ميديا نشر الفديو الذي لمع فيه بدوره في التحقيق بالواقعة التي اشتهرت آنذاك و أصبحت قضية رأي عام، فتداخلت الأمور مع بعضها، و اتفقت معظم الآراء أن مختطف هاجر من العائلة الثرية التي طالب زياد باصدار حكم الأعدام على حفيدها الوحيد و الوريث الشرعي لهم، و تم إصدار الحكم بالفعل على الشاب، لكنه لم ينفذ بعد..
قال ضابط من ضباط الشرطة الذين تعاونوا للبحث عن هاجر
” أعتقد إن زوجة حضرتك يا زياد بيه اتخطفت مقابل إنك تطلع الواد ده براءة.. يعني شكلهم عاوزينك تلعب في القضية تاني و تزور الأدلة عشان يدلوك على مراتك ”
كان زياد جالسًا أمام مكتب الضابط، يكاد يفقد أعصابه من الخوف و القلق على زوجته.. لم يعد قادرًا على التفكير بشيء، لم يعقب بأي قول سوى أنه تحدث بلهجة أمر وهو يوزع بصره على الضباط بقسوة
” مهمتكم تجبولي مراتي”
رد ضابط آخر بهدوء أعصاب
” يا متر أنت عارف اللعبة كويسة.. هما عاوزينك تغير الأدلة و…
لم يكمل الشُرطي جملته؛ بسبب هجوم زياد عليه يصرخ في وجهه بعصبية شديدة
” أنت معينينك هنا ضـــــابط على ايــــــــه.. أدلة إيـــه و هبــــاب إيــه اللي أغيـــرها.. بقولك مراتي اتخطفت و معرفش حصلها إيــــه دلوقت.. و أنت عايزني أفتح قضية فات عليها شهور من تـــــاني !!.. عايزني أزور الحقيقة و أطلع واحد مجرم ابن **** براءة !! اومـــال أنت مهمتك ايــــه ؟؟ ”
لم يكن زياد وحده يجلس مع الضباط، بل دخل معه” أُبَيّ ” و بقي مصطفى و مجاهد في الخارج، يرافقهم بدر، فقد رفض عمه دخوله مع زياد حتى لا يفتعل مصيبة تعود عليه بالسلب.
نهض أُبَيّ على الفور؛ ليُبعده عن الضابط، و كذلك فعل باقي الضُباط..
ضرب زياد المكتب بيده بعنف قائلًا
” أنا مش ماشي من هنا غير إما أعرف مراتي فين”
ربت ضابط متفهم على كتف زياد و قال بهدوء
” أنا عايزك تهدى و تحسن الظن بالله إنه هيرجعلك مراتك سليمة.. و أحنا هنعمل اللازم متقلقش ”
هتف زياد بتعصب وهو يمسح على وجهه بنرفزة، قبل أن يجلس في غضب
” لو فعلًا هما اللي عملوها.. مش هيكفيني موتهم واحد واحد.. و ابنهم المرمي في السجن ده.. هعدمه بايدي ”
” اطمن إحنا بعتنالهم استدعاء للتحقيق معاهم.. ده غير إن ضباطنا بيراقبوهم من أول ما جيت بلغت.. كنا شاكين إنهم ورا خطف مراتك.. و إن شاء الله شكنا يطلع في محله و نعرف مدام حضرتك فين ”
أخذ زياد يفرك جبهته في توتر، و يهز قدمه بانفلات أعصاب.. لاحظ أُبَيّ شدة قلقه التي تكاد تجعله ينهار في أي لحظة، هذا إذا لم يكن انهار داخليًا و مات حُزنًا على فراق وردته، فسحبه من يده برفق وهو يقول بلُطف في محاولة منه لتهدئته
” زياد.. قوم يا حبيبي تعالى معايا.. يلا يا بابا نطلع نقعد في مكان هادي عشان تقدر تفكر كويس.. يلا يا بطل معايا ”
لم يستمع زياد له و قال في تعصب
” سيبني يا أُبَيّ.. أنا مش خارج من هنا غير إما أعرف مراتي فين “
” مراتك في حفظ و رعاية الله.. خلي عندك حُسن ظن بالله.. و تعالى يلا معايا نروح المسجد نصلي العصر و ندعيلها ”
لم يرد زياد عليه، فتابع أُبَيّ حديثه اللطيف
” سامع الآذان ! لازم نلبي النداء.. قوم يا زياد.. خلي أملك بربنا كبير..
بعد لحظات من الصمت وسط نظرات الضباط لهم، نهض زياد برفقة أُبَيّ، فقال الأخير باسمًا
” يلا يا حبيب أخوك.. الله يطمنك عليها ”
” يـــارب ”
قالها زياد بقلبه المحروق من الحُزن عليها.
في الخارج، أمام قسم الشُرطة.. ظل بدر يجوب الممر ذهابًا و إيابًا بخوف شديد لم يكن أقل خوفًا من زياد، فالمتغيبة هي شقيقته التي رباها كابنته، جزء من روحه و قطعة من قلبه لا يعرف أين مكانها، أو هي بخير أم لا.. الجميع في حالة اضطراب و قلق، عاجزون عن التفكير أو التصرف، بداخل كل واحد منهم قلب يردد بصدق أن يعرفوا مكانها في أقرب وقت، و تكون على ما يُرام.
ما إن رأى ” بدر” أبناء عمه يخرجان من مكتب الضابط، اندفع يتساءل بجنون
” ها وصلتوا لمكانها ؟.. عرفتوا هي فين ؟؟.. هي كويسة ولا لأ ؟ يارب تكون كويسة يارب ”
نظر له زياد بانكسار و عجز دون أن يتكلم، ثم اتجه ليجلس على مقعد قريب منه، مستسلم لحزنه الدميم..
فهم بدر على الفور أن زياد لم يتوصل لأي شيء عنها بعد، فأخذ يتحدث بجنون و يصيح
“يعني هنفضل كده مش عارفين عنها حاجة !!
لا عارفين هي فيـــن ولا كويسة و لا لأ ؟؟!
.. اومال اللي جوا دول بيعملوا ايه ؟؟ اسمهم ضباط على الفاضي ؟؟ أنا داخلهم أعرفهم شغلهم كويس..
اندفع بكامل عصبيته تجاه مكتب الضابط، و لكن أُبَيّ وقف أمامه يمنعه من التقدم خطوة واحدة، ليقول بتوسل
” بدر.. بدر اهدى أرجوك.. الأمور اللي زي دي مبتتاخدش كده..
صرخ عليه بدر بغضب وهو يدفعه في صدره
” اومال بتتاخد ازاي !!.. اوعي من وشي يا أُبَيّ.. قاعدين بيعملوا ايـــــه جوا و إحنا مش عارفين مكــــان أختي.. قاعـــدين في مكاتبـــهم زي الفيــران ليــه طالما الشُـــرطة في خدمة الشعــــب !!
جاء أعمامه على الفور يبعدونه عن المكتب، و قال عمه مصطفى وهو يشده من ذراعه بعدم رضا
” الكلام اللي بتقوله ده يوديك في داهية.. احنا مش ناقصين الله يرضى عنك.. روح اقعد جنب زياد.. روح الله يهديك
سحب ذراعه من عمه ليكمل صراخه
” إحنا من امبارح و إحنا متلقحين هنـــا مش عارفين مكان أختي فيــــن.. وولاد الـ…
كتم أُبَيّ فمه سريعًا ليقول بخوف عليه وهو يبعده رغمًا عنه عن المكان
” اسكت يا بدر هتودي نفسك في داهية..
تقدم عمه مجاهد، و دفعه ليجلس بجانب زياد هاتفًا في غضب منه
” اتسد بقى بدل ما يجوا يخدوك.. خلينا متنيلين قاعدين لحد ما نشوف هيوصلوا لايه”
خرج أحد الضباط، و معه اثنان من أمناء الشُرطة، ليتجهوا لهم بوجه عابس.. قال الضابط بصرامة
” مين بقى اللي نافخ صدره علينا ؟
كاد أن ينهض بدر ليكمل سبه لهم، و لكن تدخل أُبَيّ السريع أنقذ الموقف.. فقد أخذ من يده مبتعدًا عن المكان بسرعة..
قال مُصطفى للضابط بشيء من الاحراج و الأسف
” معلش يا حضرت الضابط.. متاخدش على كلامه.. ده هو مش في وعيه و أعصابه تعبانه.. أصل اللي اتخطفت دي مش بس اخته.. دي بنته اللي مربيها.. مش مستوعب يا عيني إنها مش موجودة.. حقك عليا أنا يا باشا ”
” احترامًا ليك.. و تقديرًا للحالة اللي أنتم فيها.. أنا مش هعمل حاجة.. بس لو اتكرر اللي حصل ده.. أنا هخده للحبس بتهمة سب ضباط الشرطة ”
قالها الضابط بتحذير، ثم انصرف.
في حين أن ” زياد” كان قد تملك منه الصمت، و ترك المكان ليسير في الطرقات دون وجهة مقصودة.. رآه بدر و كاد أن يذهب وراءه، و لكن أُبَيّ استوقفه قائلًا بهدوء
” سيبه.. هو محتاج يبقى لوحده دلوقت “
” أنا خايف عليه ”
” متخافش.. زياد عاقل.. هو محتاج يفكر مع نفسه بهدوء.. ممكن يكون عارف حد يقدر يوصله بيها ”
” أنت مش فاهم يا أُبَيّ.. لما تحب حد لدرجة الجنون، مبتبقاش مستوعب إنه ممكن في يوم يغيب عنك، بس لو غاب.. من كُتر حُبك ليه و تعلقك بيه، بتفقد عقلك.. زياد دلوقت معندوش عقل يفكر بيه.. زياد زمانه بيصرخ من الوجع اللي حاسه في بُعد هاجر عنه ”
كان بدر يتحدث بانكسار هو الآخر، متذكرًا ما دار بينه و بين ” عائشة” أمس.
ربت أُبَيّ على كتفه بلين و قال
” أنا عشت الشعور ده قبل كده.. أنا فاهم كويس يعني إيه تفقد حد كان هو بالنسبة لك كُل حاجة.. بس إحنا في المواقف دي لازم نفكر بالعقل شوية ”
“أنا معتش فيا عقل عشان أفكر بيه”
قالها متنهدًا تنهيدة طويلة بألم و حُزن أطفئ ملامحه، ثم اتجه ليجلس على مقعد حجري، فأمسكه أُبَيّ من ذراعه يوقفه ثانية، ليقول
” العصر أذن.. يلا للمسجد..
نظر له بدر للحظات، ثم نهض معه دون أن يقول شيء، يرافقهما مُصطفى و مُجاهد.
********
أُف، ألف تنهيدة لا تساوي حجم الألم الذي يشعر به الآن، يمشي شارد الذهن لا يفكر إلا فيها، زوجته و معشوقته، يخيفه أن يبقى هذا الاشتياق للأبد، يحارب الهواجس التي تخبره أنها تعاني الآن، تُعذب على يد خاطفيها، مجرد تفكيره في ذلك، يجعله يفقد صوابه كالمجنون، لا يدرِ ماذا يفعل.. خوف شديد ينهش روحه عليها، قلق لا مثيل له كلما استوعب اختفائها عنه، أصبح غارقًا في جحيم التساؤلات.. ” تُرى، أين أنت يا وردتي؟.. هل أنتِ بخير يا رفيقة عمري؟.. هل آذاكِ أحد يا حبيبتي؟ ”
ما بال صدره، أصبح ثقيلًا رغم أنفاسه الخفيفة !
انتبهت عيناه لمسجد قريب منه، فاتجه نحوه يصلي فرضه و يدعو الله أن يرد إليه زوجته.. دلف لمكان الوضوء، توضأ و اتجه نحو الشيخ و في عينيه دموع الخوف و الشوق.. تحدث بحُزن
“يا شيخ.. أنا طالب منك خدمة لوجه الله”
رد الشيخ باستفسار
” خير يابني اتفضل ”
” مراتي اتخطفت امبارح و لسه مش عارفين نوصلها..
اتسعت عين الشيخ وهو يتذكر المنشور الذي قرأه في الصباح
“أنت وكيل النيابة اللي خطفوا مراتك ؟
أومأ زياد بانكسار
” أنا اللي بتروا روحي.. بالله عليك يا شيخ تدعي بعد الصلاة ربنا يرد مراتي ليا سليمة.. وخلي كل اللي في الجامع يدعيلنا بالله عليك “
” هدعيلك في كل صلاة تلاقي مراتك ”
” يارب.. يارب الاقيها وتكون بخير.. يـارب ”
أقام الإمام الصلاة، و صلى الشيخ بالناس، وعند كل سجدة ظل زياد يدعو بالحاح أن يجد هاجر سليمة معافاة في أقرب وقت..
انتهت الصلاة، و بدأ الشيخ الدعاء له و لزوجته، والجميع يردد آمين.
_______________
فكر مجاهد مرارا أن يتدخل بمعرفته و يجد ابنة أخيه، لكنه لم يعد لديه سلطات الآن بأن يبحث عن المختطفين؛ لذا أخذ هاتفه وابتعد عن أخيه و ابنه ليحادث شخص ما مهم للغاية، يمكنه أن يعرف مكان اختفاء هاجر بسهولة.
” سيادة الباشا..
كان المقصود يعلم أن مُجاهد سيتصل عليه يطلب منه المساعدة في البحث عن ابنة أخيه، لذا رد ببساطة
” مُجاهد بيه.. مبتتصلش غير ساعة المصلحة.. و لا كأن كان بينا عِشرة..
” حقك عليا يا باشا بس أنا فعلًا المرة دي محتاجة مساعدتك جدًا.. حضرتك عرفت..
أكمل الطرف الآخر بدلًا منه
“عارف.. و متقلقش هنلاقيها…بس أنت متدخلش.. مش لازم تظهر في الصورة خالص.. أنت عارف كويس إنه مينفعش أديك صلاحيات العميل السري و أنت في مصر عشان العين عليك كتير.. فاهم قصدي طبعًا ؟
” فاهم يا باشا فاهم.. اللي تؤمر بيه سعادتك..
” يلا يا مُجاهد مع السلامة.. قريب أشوفك..
أغلق المكالمة معه دون أن ينتظر من مجاهد استفسار عن آخر جملة قالها ” قريب أشوفك”
تركه مع كثير من التساؤلات في عقله، عجز عن إيجاد إجابة لها.
_____________
إنَّهُ اللّٰه يَنتشِلُكَ في اللحظةِ الأخيرة لِيقولَ لك :
أنا اللطيفُ فلا تُبالِ.
****
تجلس فتاتنا الجميلة الناعمة على تلك الأرض المتسخة و المليئة بالحشرات و بعض الفئران، تنكمش على نفسها بخوف من الظلام و صوت الجُرْذان من حولها، تدعو الله في جوفها ألا يمسها و جنينها سوء، برغم الخوف الذي يحيط بها الآن، كان قلبها يتآكل من القلق على زوجها، تتساءل في نفسها كيف حاله الآن، تدعو الله أن يلهم في قلبه الصبر و يعينه على تلك المصيبة.
سمعت “هاجر” صوت أقدام قادمة نحوها، فأيقنت في الحال أنهم لن يتركوها الليلة بسلام.. دق قلبها بُعنف، و التصق ظهرها في الحائط وهي تحيط بطنها بخوف بالغ، ثم أزاحت يدها سريعًا من أسفل بطنها؛ حتى لا يعرفوا بأمر حملها فينتهزوا ذلك فرصة لإجبارها على فعل أي شيء يحلو لهم، مقابل المحافظة على سلامة الجنين.
اصطنعت الشجاعة، وأخذذت تردد بعض الآيات التي تحميها من شرهم.. فُتح الباب، و دلف المدعو سعيد يتبعه زميله رزق، وهما ينظران لها بخبث و مكر، ثم دلف من وراءهما زعيم العصابة، ليتقدم نحوها قائلًا بنبرة ساخرة و قاسية
” بقولك ايه يا حلوة.. أنتِ شكلك كده بت مش بتاعت حوارات ولا مشاكل.. ولا ليكِ في سكة البهدلة.. أنا هقدملك عرض مُغري مقابل شوية ملايين كده أروح أصيف بيهم.. أنتِ عارفة بقى إن في البحر سمكة بتزق سمكة.. يرضيكِ ما ازقش معاهم !
ضحك سعيد و رزق من خلفه، ليقول سعيد مازحًا
” عسل يا باشا والله.. إسألها كده لو عاوزه تصيف معانا.. يمكن نفسها تروح جمصة ولا حاجة
” أنتم عايزين مني إيه؟ ”
قالتها هاجر بدموع، فقال رزق هازئًا
” إحنا عايزينك تعمللنا حلة محشي ناخدها معانا البحر..
ضحكوا الثلاثة بشدة في سخرية واستهزاء، ثم هتف الزعيم متحدثًا بجدية قليلًا
” بصي يا حلوة.. إحنا ندخل في الجد شوية و الله الله على الجد و الجد الله الله عليه.. أنتِ لو تعرفي إحنا مطلوب مننا إيه نعمله فيكِ هطبي ساكتة.. فأنا عشان حنين و للأسف عواطفي اللي متحكمة فيا.. هخليكِ تعملي مكالمة قد النمنمة مع النطع جوزك تطلبي منه عشرة مليون جنيه مقابل إنه يجي ياخدك..
” خدك ربنا.. متجبش سيرة زياد على لسانك القذر ده.. زياد أرجل منكم كلكم.. و محدش نطع غيرك”
قالتها هاجر بتعصب و انفعال يصاحبها شجاعة لا تعرف من أين جاءتها..
أظلمت عين الزعيم من الغضب و قال بنبرة مخيفة
” يبقى أنتِ اللي جبتيه لنفسك..
ثم أشار للرجلان بأمر، قبل أن يتركهم معها و يخرج.
” اعملوا اللازم ”
تبسم الاثنان في خُبث لما ينويان فعله بتلك المسكينة..
هتف سعيد بسخافة
” أنتِ صهباء ؟ ”
تساءل رزق بنظرة غبية
” صهباء دي كلمة انجليزي صح !.. ايوه أنا فاكرها دي.. خدتها في ستة تاني.. يعني صباح الخير يا مصر”
” اسكت أنت يا غبي.. ما تردي يا أم حواجب حمرا أنتِ.. يا ترى بقى شعرك أحمر كده زي حواجبك ولا !.. بصي عندي حل أسهل.. ما تخلعي الستارة اللي لبساها دي و نشوف..
” تشوف العمى ”
هتفت بها هاجر بغضب شديد تملكها حين أهان حجابها، فانتفخت أوداجها وصار وجهها أحمر من الغضب.. قال رزق وهو يتقدم نحوها بجرأة
” أنتِ شكلك هتتعبينا و أنتِ بصراحة تستاهلي التعب.. ”
تجاهلت ما قاله لتتساءل بحُرقة
” وديتوا الشنطة بتاعتي فين ؟؟! ”
رد سعيد بعدم اهتمام
” هو ده وقته شنطة برضو.. أهي متلقحة برا.. بس التفاحة بتاعتك كسرناه نصين.. مع إنه أيفون جامد والله.. نوع من أنواع السامسونج الحديث.. هجيبه زيه لما أقبض تمنك ونتصور صورة سوالف مع بعض..
هتفت ببكاء وقلبها يحترق من الألم
“حسبي الله ونعم الوكيل.. الشنطة فيها مصحف.. ازاي ترموها.. أنتم معندكوش ضمير !!
ضرب رزق يده بصدره شاهقًا بسخرية
” الحق يا سعيد الشنطة فيها كتاب دين.. دي فاكرة نفسها في الابتدائي هنا ياعم
ضحكا الاثنان عليها، أما هي كانت تئن وجعًا لأجل كتاب الله الذي ألقوا به على الأرض كما يُلقى أي كتاب عادي..
توسلت إليهم أن يأتوا لها بالمصحف، و مع كثرة إلحاحها زفر أحدهما بضيق وذهب ليحضر لها المصحف، ثم ألقاه في حجرها بلا مبالاة، فالتقطته في الحال لتضمه لصدرها قبل أن يقع أرضًا.
عندما رأى سعيد ذلك المشهد، انتاب قلبه خوف لا يعلم مصدره، فانسحب بتحجج قائلًا لزميله
” تعالى برا شوية ”
” ايه يا سُعده ! مش هننفذ ؟ ”
” لا هننفذ بس مش دلوقت”
خرجا الاثنان، و أغُلق الباب عليها ثانيةً، لتجلس في الظلام، ولكن تلك المرة ليست وحدها، بل مع مؤنس وحشتها “القرآن”.
رغم أن الغرفة كانت مظلمة، لكن من بين فتحات النافذة الحديدية أعلى الباب، تسلل ضوء خافت، بشكل عمودي على المصحف يجعلها تستطيع القراءة، و برغم أنها حافظة لكتاب الله، و لكن القراءة من المصحف مباشرةً تجعل السكينة تبث في نفسها..
فتحت الوردة مصحفها الذي لم تستغنى عنه قطّ، تأخذه معها في حقيبتها أينما ذهبت.. وقعت عينيها على تلك الآية:
( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) الفتح/4.
تنفست باطمئنان و تبسمت بخفوت، ثم قالت
” اللهم إني استودعتك نفسي و طفلي فاحفظنا يا أرحم الراحمين “
العجيب في الأمر، أن تلك الليلة التي قضتها هاجر في الغرفة الرديئة لم يمسسها جرذ، أو حشرة !
كانت تشعر و كأن هالة بيضاء قوية تحيط بها من كل جانب فتبدو كالحصن المنيع، تحميها من كل أذى.. في ذلك اليوم لم يدخل الرجال عندها ثانيةً، لم يتناسوا أمرها بالطبع، و لكنهم تركوا الشقة و اتجهوا للجلوس على أحد المقاهي لحين يأتي زعيمهما.
ظلت هاجر تتلو آيات الله التي تهبها السكينة و الاطمئنان، و ساعدتها تلك الساعة الجميلة التي أهداها لها زياد، و التي من خلالها يمكن للشخص معرفة اتجاه القِبلة، و لأن هاجر كانت على وضوء، فنهضت لتقف باتجاه القبلة، وقبل أن تُكبر للصلاة، تذكرت أن الرجال قاموا بلمسها عند الاختطاف، وذلك ينقض الوضوء، رغم أنه ليس بمحض إرادتها، ولكي تقطع هذا الشك في صحة صلاتها، وجدت التيمم أقرب وسيلة لنفض تلك الشكوك، جاء الإسلام يسيرًا على المسلمين، فجعل التيمم رخصة منحها الله لعباده؛ حتى يرفع الحرج والمشقة عنهم، والتيمم بإجماع العلماء لايجوز إلا في حالة عدم وجود ماء واستحالة الوصول إليه ، والتيمم أيضًا جائز للمريض الذي نصحه الاطباء بعدم استعمال المياه حتى لا يتفاقم المرض أي إذا كان الماء يسبب له أذى أما غير ذلك فلا يجوز.. و الموقف الذي وضعت فيه هاجر، يجعلها تتجه للتيمم لعدم توافر الماء في الغرفة، و لأنها سجينة لا تستطيع الخروج..
جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}.
وهي وفقا لما فسرته الآية الكريمة، أن الشخص الذي يريد التيمم يضرب التراب ضربة واحدة بيده، ثم يمسح بهما الوجه والكفين، ينبغي الترتيب مسح الوجه ثم مسح اليدين، و أن يكون التراب نظيفًا.. كان الحائط عليه بعض الغبار الذي لم يتسخ بعد، فضربت هاجر التراب ثم مسحت على وجهها و يديها، و استقبلت القبلة لتُصلي الفرض الذي فاتها، و القادم.
بعد أن انتهت من الصلاة، ظلت تدعو لزوجها أن يربط على قلبه الصبر؛ حتى يجدها، ثم فتحت المصحف خير أنيس لها و عادت لتقرأ ما تيسر منه..
قالوا أن القرآن يصنع منك شخصية مختلفة، مختلفة تمامًا، يُستحال أن تعطي القرآن وقتك وجهدك ولا تجد له أثر، يُستحال أن تبقى عاداتك السيئة كما هي، يستحال ألا تجد بركة القرآن على نفسك و خُلقك، حتى في الابتلاءات تجد أنّ التسليم والرضا دأبك و عادتك، والطمأنينة تنزل على قلبك كأنك لم يُصِيبك شيء أبدا..
و صدق القائل.
______________
بعد أن أغلق “اللواء عزمي” المكالمة مع مُجاهد، كان قد أمر قواته بتكثيف البحث عن هاجر بعد أن أصبحت قصة الخطف هذه على مرأى و مسمع من الشعب، بل وصل الأمر للسلطات الخارجية مع كثرة الهاشتاج الذي تم بواسطة رواد السوشيال ميديا، فاعتبر الجميع هاجر ابنته، أو زوجته، أو أخت له، و صاروا جميعهم يدعون أن يردها الله سالمة لعائلتها.. لم يُرد اللواء أن يعلم قُصي بالأمر؛ حتى لا يترك مهمته وهو في أشد الاحتياج له الآن..
وقف اللواء عزمي أمام شاشة العرض المرئي، يشرح الأماكن التي سيتوزع عليها الضباط و الجنود، و نقطة الهجوم، و المناطق التي سيستهدفها العملاء الخائنين.. لم يكن الضابط رحيم يهتم بما يتم شرحه و المسألة التي تخص بلده، بقدر اهتمامه بانضمام مراهق مثل قُصي وفتى طائش من وجهة نظره إلى فريقهم، و ما يزيد من غيظه هو علاقة قُصي بكريم منذ الطفولة، و لأن رحيم يشعر بغيرة شديدة عندما يقترب أي شخص من صديقه كريم، فكان يشتعل حقدًا من علاقة قُصي و كريم، و ود لو أنه يستطيع طرد قُصي من الممر بأسرع وقت.
لاحظ قُصي نظرات رحيم المستفزة له، فابتسم في خبث و ركله في قدمه بخفة من أسفل الطاولة، فجز كريم على أسنانه بغضب دون أن يفعل شيء؛ لأنه يعلم أن الوقت لا يسمح لتلك المهزلة، فاكتفى بالنظر لقُصي بتوعد، و في داخله يتمنى أن ينتهي الاجتماع ليلقنه درسًا لن ينساه.
و بعد ساعة من الاجتماع، و إلقاء الأسئلة و المناقشات من كريم و بعض الضباط الآخرين، انتهى الاجتماع و استدعى اللواء عزمي ” قُصي ” في مكتبه.
دلف اللواء و من وراءه قُصي، ثم جلس في مقابل اللواء أمام مكتبه باسم الثغر بعفوية، بادله اللواء الابتسامة قائلًا
“أنت عارف كويس أنا اخترتك أنت بالذات ليه، رغم إن في غيرك كتير يقدروا يقوموا بالمهمة دي
أومأ قُصي بتفهم ليقول
” و أنا هكون عند حُسن الظن و قد الثقة دي يا عزمي باشا.. بس أنا عندي سؤال محيرني
ضحك اللواء ليقول بمراوغة
” قُصي يحتار ! لا مش ممكن.. عايز تسأل عن إيه؟
” هو طالما حضرتك قدرت توصلت لمكانهم.. ليه مش عاوز تدينا إشارة بالهجوم أو القبض عليهم؟
يعني مش فاهم ليه إحنا سايبينهم لحد دلوقت !
صمت اللواء للحظات، ليقول بتوضيح
” سايبينهم لحد ما يستوا و يبقوا جاهزين للتقديم علطول.. مينفعش نكشف الغطا عليهم وهما لسه نص سوا
” تقصد إيه يا باشا ؟
” دول مش مجرد عصابة ارهابية و خلاص يا قُصي.. دول دولة كاملة من المافيا بتضم جنسيات أشكال و ألوان منهم خونة مصريين.. كل هدفهم دلوقت يسقطوا مصر و يضموها لدولتهم.. بس ده في أحلامهم.. لازم قبل ما نقبض على العصابة دي.. نوصل للزعيم الرئيسي و المؤسس للدولة بتاعتهم.. أنا متأكد إن في لسه جرائم تانية بيخططوا ليها أسوأ من احتلال مصر..
هُنا شرد قُصي للحظات فيما حدث في إيطاليا، و كيف يريد أن ينتقم لعائلته، و لكن في نفس الوقت لا يقدر على البوح أمام اللواء عزمي بأنه يعرف كارمن و جماعتها.. يظن قُصي أن اللواء يعرف فقط بالاشتباك الذي حدث بينه و بين شقيق كارمن و دفنه له حي، بينما اللواء يبتسم ابتسامة ماكرة في خفوت وهو يتأمل شرود قصي.. إنه يعرف الحقيقة كاملة و لكنه تستر على الأمر لغرض ما.
“أنا خلصت.. تقدر تخرج.. التدريب هيبدأ بكره إن شاء الله.. روح دلوقت ريح جسمك ”
قالها اللواء، ليقطع شرود قُصي.. تساءل الأخير بعدم فهم
” تدريب إيه ؟
” أنا عارف إنك مدرب كويس على كل حاجة.. بس المرة دي العملية كبيرة.. و أنت بقالك سنة بعيد عن الشغل، فلازم أعيد تدريبك من نقطة الصفر عشان تبقى مؤهل لقيادة الفريق ”
اتسعت عينه الزرقاء و لمعت بدهشة ليقول
” أنا القائد ! “
رد عزمي بإيماء
” لو اثبت جدارة في التدريبات البدنية و الذهنية”
” اطمن يا باشا.. الفريق في أيد أمينة ”
قالها مبتسمًا بفخر، ثم عاد بسؤال آخر
” طيب و كريم ! هو أحق بالقيادة..
“كريم هيبقى قائد لفريق تاني.. أنتم كذا فريق.. رحيم هيبقى معاك في الفريق..
” رحيم ! ده كده هتحلو أوي ”
قالها مازحًا، فنهره عزمي بتحذير
“قُصي.. دي مسألة تخص شعب.. مش فرد ولا اتنين..يعني بلاش هزار في الجد… تمام ؟
” ربنا يتمم بخير.. متقلقش يا زوما ”
رمقه عزمي بغضب و هتف
” قُصي.. هنهزر !”
” الحق عليا إن بدلعك.. ليها حق طنط سهام تقول عليك ناشف زي الرغيف الناشف ”
نهض اللواء وهو يصطنع الغضب ليشير للباب
” اطلع برا يا قُصي ”
خرج قصي وهو يقول بحسرة مزيفة
” عيني عليك يا قُصي.. اللي في سنك في الساحل، و أنت مقضيها مهمات.. يكونش أنا حفيد رأفت الهجان و أنا مش عارف !.. طب هفيده بايه بس ”
ضحك اللواء عزمي رغمًا عنه، ثم استدعى رحيم هو الآخر..
تقابل رحيم مع قصي عند الباب، ليقول له رحيم بنظرة غرور
” اوعى تفتكر نفسك مهم ولا حاجة.. أنا و كريم هنا الكل في الكل.. أنت بس مجرد مساعد لينا مش أكتر.. فاعل خير يعني ”
رد قُصي وهو يبتسم في وجهه بلا مبالاة يستفزه أكثر
” أنت مش في دماغي أصلًا.. و هتعملي فيها نادر هساعدك على الانقراض ”
لاحظ كريم الجو المشحون بالغضب و الكره بينهما، فأقبل سريعًا عليهما قبل أن يفعلا شيء يؤدي بهما للطرد.
قال كريم وهو يسحب قُصي من يده ليبعده عن رحيم
” يلا يا رحيم ادخل شوف اللواء عاوزك في ايه ”
رد رحيم وهو لا زال ينظر لقصي بحقد
” أنا هعمل ليك اعتبار يا كريم و مش هتكلم.. لكن الواد ده لو فتح بوقه تاني هشقه نصين..
” لو شايف إنك راجل اعملها.. ”
قالها قصي بغضب يتحداه، و فشلت محاولات كريم في تهدئة كلاهما..
هتف رحيم في تعصب
” أنا أرجل من اللي خلفوك ”
” سيبك من اللي خلفوني و الكلام اللي ملوش لازمة ده و بلاش تهري على الفاضي.. الكلام مش بفلوس.. الرجولة بالأفعال..وريني يلا رجولتك و شقني نصين.. يلا أنا مستني أهو.. ”
في البداية تردد رحيم في مد يده على قصي و تلقينه الدرس كما يجب، و لكن عندما رأى الجميع ينظرون له نظرات استهزاء و أعينهم تقول أنه يخاف من قصي، فقام بالقبض على رقبة قصي بيده يريد أن يوقعه للخلف، ليكون محط استهزاء للجميع، و أيضًا معروف عن رحيم أنه ماهر في الفنون القتالية، و لكن ليس كمهارة الفرعون الصغير الكبير قُصي.
لكثرة التدريبات التي تلقاها قصي منذ صغره، كان من السهل عليه التخلص من قبضة رحيم المميتة، فجرب معه أسلوب انتقام أسهل حتى لا يؤذيه، هو فقط يريد أن يبعثر كرامته و كبرياء دون أذية جسده.. قام بضرب أصابعه خلف عظمة الترقوة، تلك الضربة الخفيفة أجبرت رحيم على النزول للأرض و تحرير يده من على رقبة قصي، فبقدر أنها خفيفة و لكنها مؤلمة للغاية.
انقلبت صالة الاجتماع لفوضى بسبب الهتاف و المرح والتصفيق الذي اشتعل عند هزيمة رحيم، مما خرج اللواء عزمي و بنظرة واحدة أسكتهم جميعًا و اتجه كل واحد لغرفته في الممر، أما كريم نظر للاثنان بضيق قائلًا
” مش هتنفعوا مع بعض في فريق واحد “
هتف قصي وهو يتحدث بيده من كثرة التعصب
” انا مش عايز مشاكل بس لو عايزين مشاكل مفيش مشاكل.. اشطـا !! ”
نهض رحيم ليصيح بغضب
” أنا مستحيل أبقى مع الواد ده.. يشوف حد تاني يدربه.. أنا هبقى القائد و بقول من دلوقت مش عاوزه معايا ”
نظر له عزمي بفتور و قال
” قصي القائد.. و أنت تعالى عاوزك ”
من صدمة رحيم عندما علم بأمر تولية قصي القيادة، لم يتفوه بشيء سوا أنه نظر له نظرة تدل على الانتقام و الكُره، أما قصي لم يبالي و اتجه للبوفيه يبحث عن أي شيء يأكله..
أراد قصي محادثة أهله ليطمئن عليهم، و لكنه تذكر أن الهواتف يتم سحبها أثناء التواجد بالممر السري، ولا يحق سوا للواء أو ضابط المخابرات أن يستعمل الهاتف..
ذهب قصي لكريم ليطلب هاتفه في محادثة أهله، فاعطاه له بحسن نية، رغم علمه بأمر اختطاف هاجر زوجة صديقه، ولكنه الآن في مهمة رسمية ولا يستطيع الخروج من الممر إلا عند الهجوم على العدو..أخذ قصي الهاتف و طلب شقيقه.. رد عليه بعد لحظات و أخبره بما حدث، مما تفاجأ قصي و ظن أن ذلك من تخطيط كارمن للانتقام منه في عائلته، فانهى المكالمة و ترك الهاتف دون أن يقول شيئًا.. ثم تسحب تجاه المخرج من الممر بحذر و بتريث؛ حتى لا يشعر به أحد و يمنعه من الخروج..
وصل عن البوابة الالكترونية، فوجد أمامها أشعة الليزر التي إذا لمسها أحد تصدر صفيرًا تنبئ بخروج أحدهم..
ظل يفكر للحظات كيف سيخرج، فأخرج علبة مناديل من جيبه ثم ألقى بها تجاه الليزر، مما أصدر صفيرًا عاليًا جاء على أثره حراس البوابة، بينما تخفى قصي لحين فحص الحراس المكان، و لعلمه أن عند الفحص يقوم الحارس بتعطيل الليزر.. انتهز قصي فرصة تعطيل البوابة وضرب الحارس من الخلف أفقده الوعي، ثم هرب للخارج.
ركض حتى وصل لطريق زراعي، ولمح سيارة بها أغنام قادمة من بعيد، على الرغم من أن السائق لم يتوقف له.. قفز في الخلف وظل قابعًا، حتى وصلت السيارة قرب موقف سيارات، وقفز منها ليستقل أول سيارة لقسم الشرطة الذي أخبره به أُبَيّ بتواجدهم فيه.
______________
كانت عائشة في المشفى عند جدتها التي لا زالت في الغيبوبة، تطمئن عليها ولم تكن أم رحيم معها، فقد جاءت عائشة وحدها دون الاهتمام بإخبارها..
انتهت الزيارة، وخرجت للعودة للبيت، لم تكن قد علمت باختطاف هاجر بعد.. الحالة التي تعيشها عائشة لم تسمح لها بأن تتصفح الهاتف أو حتى تشاهد التلفاز أو تتحدث مع أحد..
رن هاتفها بإسم روان، و تلك أول مرة تتصل عليها روان بعد أن أخذت منها الرقم عند أول مقابلة لهم.. تعجبت عائشة في بادئ الأمر، و لكنها ردت بصوت يبدو الحزن عليه
” السلام عليكم.. ازيك يا روان ”
” وعليكم السلام و رحمة الله وبركاته.. الحمدلله.. ازيك يا عائشة طمنيني عليكِ و على جدتك ”
تنهدت عائشة بيأس و قالت
” الحمدلله.. كله تمام.. ”
” أنتِ فين دلوقت؟ ”
تعجبت عائشة من السؤال، فأخبرتها أنها تزور جدتها.. أدركت روان أنها لم تعلم بالأمر بعد.. فحكت لها ما حدث، مما خفق قلب عائشة خوفًا و حُزنًا على هاجر، و أغلقت المكالمة مع روان؛ لتتجه للحارة التي نشأت فيها..
لقد أخذت عهدًا مع نفسها ألا تعود للحارة أبدًا، و ها هي تخون العهد؛ لأجل وردة العائلة… نعم ذهابها لن يحل شيئًا ولكن في تلك المواقف يجب البقاء بجانبهم و مواساتهم.
__________
عاد أُبَيّ و بدر للقسم ثانيةً بعد تأدية الفرض، ليستفسروا عما إذا كانوا قد توصل لشيء أم لا..
“خليك أنت هنا يا بدر.. أنا هدخلهم”
هز بدر رأسه بحزن دون أن يعلق بشيء.. دخل أُبَيّ بعد أن سمح له الضابط.. وجدهم يشربون الشاي في جو من الضحك و المرح مما تعصب و صاح فيهم بغضب جعل التلعثم يعود له
“يعني.. يعني.. أنتم قاعدين.. تـضـ.. تضحكوا و.. و.. وتشربوا في شاي.. و إحنا.. هنموت من الخوف برا ؟؟ ده يرضي مين !..
نظروا الضباط لبعضهم البعض في ضحك و سخرية من طريقة تحدثه رغم نضج عمره، ليقول واحد منهم باستهزاء به
” هو الضحك و شرب الشاي بقى حلال لعامة الشعب و حرام للضباط ولا ايه ؟ احنا كلفنا فريق يدوروا عليها. المفروض بقى نسيب شغلنا و نعطل مصالحنا عشان واحدة اتخطفت ؟ ”
نظر له ضابط آخر بغضب يبدو عليه الاحترام ليقول
” سـالم.. في ايـــه !
ثم نظر لـ أُبَيّ الذي بدا عليه الاحراج ليعتذر له قائلًا بلُطف
” حقك عليا يا أستاذ أُبَيّ.. إحنا فعلًا كلفنا فريق بالبحث عنها و إن شاء الله يقدروا يوصلوا لمكانها
هتف سالم ببرود
” و إن موصلناش لمكانها العالم هيقف مثلًا !!.. الدنيا مليانة حالات خطف.. تلاقيهم عصابة أعضاء ولا حاجة.. يلا ربنا يصبركم
زاد كلامه الحاد و المؤلم من تعصب أُبَيّ مما أشار له بسبابته بتهديد
” أنت.. أنت.. أنت متستاهلش المكانة… اللي.. اللي.. اللي
” اللي ايـــه ما تخلص في يومك ده.. احنا هنا في امتحان أكمل باقي الجملة !..
تزامن قوله مع مجيء قصي و اقتحام المكتب عليهم بالقوة..
بعد نصف ساعة يجلس “قُصي” خلف قضبان زنزانة الحبس الانفرادي، يبتسم باستهزاء و لا مبالاة لما فعله !
بينما يتحدث والده وعمه مع أحد الضباط بتوسل ليعفو عنه، و يرد الضابط عليه برفض قاطع
” يطلع فين ! ده متهم بالتعدي على ضابط شُرطة.. كسرله مناخيره وجابله نزيف و تقولي طلعه ! “
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية يناديها عائش)