رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الرابع 4 بقلم عائشة حسين
رواية ملاذ قلبي سكن الجزء الرابع
رواية ملاذ قلبي سكن البارت الرابع
رواية ملاذ قلبي سكن الحلقة الرابعة
نهضت سكينة من نومها متأففة، منزعجة تسأل مودة الصامته بجمود(في إيه.؟ أخوكي بيجعر ليه عالصبح وجارفنا هو فاكر نفسه عبدالحليم)
رمقتها مودة بنظرة طويلة هادئة، مُفكرة برزانة قبل أن تنطق ببطء (علشان عمك وابن عمك تحت يا سكينة)
انتفضت سكينة من نومها، قفزت واقفة تسأل بعدم تصديق (عمي مين وابنه مين.؟)
تلكأت نظرات مودة على ملامح أختها بتركير قبل أن تخبرها (عمك عزام وابنه هشام)
ركضت سكينة لخِزانتها جذبت ملابسها وحجابها، تستعد لتهبط وتنال من أحضان عمها نصيبًا، لتحذرها مودة (متنزليش يا سكينة عمار منبه علينا محدش فينا ينزل ولا يجابله)
قالت سكينة بلهفة (عمار يحكم عليكي إنتِ مش، أنا هنزل وهشوف عمي)
شعرت مودة بالقلق نهضت من جلستها متجهةً ناحيتها تمنعها (بلاش يا سكينة عمار وأمي مش هيفوتوهالك متنزليش)
تجاهلت سكينة التحذير، وتابعت إرتداء ملابسها قائلة بحسم (هنزل كدا كدا خدت على الضرب بس أشوفه وأشم ريحه أبويا فيه ويحصل الي يحصل)
قالتها بشجن جلب التأثر لملامح مودة فلانت وأشفقت عليها، إرتباط أختها بوالدهما يزداد ولا يقل رغم وفاته.
اندفعت لباب الحجرة فتبعتها مودة متوسلة (يا سكينة إعجلي)
نفضت سكينة كف أختها وفتحت الباب مقررة الهبوط للأسفل في إصرار.. ركضت من شدة لهفتها وحنينها لكنها تعثرت وسقطت متأوهة بألم فوق الدرج، أطلّت برأسها تطالع الموجودين من سور الدرج متبينةً ليصلها صراخ والدتها (الي بينا دم مشربتوش الأرض يا عزام، يدنا اتحنت بيه.. والي راح مكانش رخيص دا أغلى الغاليين)
توسلها عزام بنبرة لينة (فاتت سنين يا راضية، وحجكم خدتوه بزيادة كفاية خليني أشوف البنات)
هتفت راضية بوجع ودموع حبيسة (مِتى السنين بتنسي.؟ دا الوجع كنه إمبارح.. امشي ومتفتحش بيبان اتجفلت)
تدخل ابنه هشام مُراعيًِا حالة والده الصحية، مُشفقًا عليه (خليه يشوفهم يا مرات عمي وهنمشي)
هتف عمار الذي احترم وجود والدته وكلماتها (لاه والبنات مش عايزين وامشوا يلا ومتكرروهاش)
نهضت سكينة التي كانت تتابع الحوار بلهفة، أنفاسها تتعثر داخل صدرها من شدة التحفز، هبطت راكضة تُعلن وجودها بقرارها (أنا عايزه أشوف عمي)
انتقلت النظرات إليها في صدمة أحاطتها حتى وصلت لعمها مندفعة لأحضانه تعلن اشتياقها وحنينها له، ضمها الرجل بذراعيه في لهفة باكيًا بينما تشاركه هي البكاء المكتوم حتى تفوّت على قلبها الانغماس في الحزن وعدم الإحساس بريح والدها والشبع من عمها الذي وجدت بين ذراعيه الحانيتين عزاءً لها وتنفيسًا عن شوقها الكبير لوالدها
(وحشتني يا عمي)
همست بها قبل أن يفيق عمار من الصدمة ويقيّد ذراعيها بقبضة حديدية ويجذبها بعنف صارخًا (امشي يا سكينة من جدامي وحسابك بعدين على عملتك المهببة دي)
بقيت كفها متشبثة بجلباب عمها ودموعها تنساب في ألم، ذاكرتها تُعيد عليها مشاهد مُكررة، تكشف لها الستار عن وجع كامن داخلها وفقد لا تتحمله (سيبني أشم فيه ريحة أبويا يا عمار الله يخليك)
قالتها بوهن، متوسلةً بحرارة ومازال هو يحاول السيطرة عليها وتخليص كفها من جلباب عمها الذي بكى كطفلٍ صغير..
أمسك هشام بكفها وضمه في حنو قبل أن يفك قبضتها ويبعدها خوفًِا عليها من بطش أخيها وحمايةً لها من تبعات ما تفعله.
بينما انهارت راضية في جزع تخشى حربًا أخرى ستندلع بين صغارها بعد قليل.. وليتها تستطيع الإستنجاد بحمزة، لكن الآن هو الوحيد الذي لن تستطيع إخباره ولا طلب مساندته.. بكت بحرقة أم ولهيب مكلوم، تتبع نظراتها فتاتها التي تعافر لأجل العودة لعمها وابنها عمار الذي يبطش بقسوة ليردعها..
حاول عمها إيقافه (سيبها خلاص هنمشي)
ليستدير عمار ويدفع عمه ذو الجسد الواهن فيهتز ويختل توازنه، مما دفع هشام لان يلتهم الخطوات في ركضة واحدة ويسند والده وبعدها يعود لعمار صارخًا في غضب مجنون (ما تحترم نفسك)
صرخ عمار بغطرسة(محترم غصب عنك واتفضل غور يلا إنت وأبوك)
لكم هشام فك عمار في غيظ وضيق، ليبادله عمار اللكمات ويبدأ شجار عنيف بينهما..
حاول العم إنهاء النزاع بعدما استعاد توازنه
ليبعده هشام عنه عازمًا ، حاولت سكينة النهوض لمساعدة عمها لتكون ركلة عمار لها بالمرصاد والذي إمتلأ غلًا من ناحيتها مُدركًا أنها وبسبب عنادها جزءًا من تلك المشاجرة وعاملًا أساسيا فلو أنها التزمت حجرتها ما حدث كل هذا.
وقعت فاقدةً الوعي بعدما اصطدمت جبهتها بحافة الدرج، صرخت راضية بإسمها في فزع وخوف وهي تركض ناحيتها.. لملمت جسدها بين أحضانها تتوسلها الإفاقة.
لينسحب هشام بعدها أهدى تلك المسكينة نظرة حزينة، همس والده بحنو (استنى لما نطمن عليها يا ولدي)
سحب هشام والده قائلًا يحاول النجاة من تلك المهزلة قبل أن يحدث أكثر من ذلك (بعدين يا بوي)
لامته والدته ببكاء وهي تضم رأس فتاتها لصدرها وتمسح عنها الدماء (ليه كِده يا ولدي)
لوّح عمار متأففًا منزعجًا (مش هيجرالها حاجه)
هبطت مودة الدرج متخلية عن حذرها حينما وصلها بكاء والدتها وصراخ أخيها، شهقت مفزوعة حين رأت جسد أختها مُلقى ووجها تغرقه الدماء..
أشار لها عمار بقسوة وهو يتناول شاله وعباءته (فوجيها يا مودة وحطيلها شوية بيتادين)
حملقت فيه مودة غير مستوعبة ما يهذي به وبروده ولا حالة والدتها التي تدمي القلب..
حينما غادر وأغلق أراحت راضية ظهرها للحائط هامسةً بإنهاك ومازالت تحتضن رأس صغيرتها (حمزة)
لم تفهم مودة مقصد والدتها، لكن سرعان ما هتفت وطالبتها بصوتٍ عالٍ (نادي حمزة بسرعة يا مودة)
هزت مودة رأسها بفهم، نهضت تنتزع نظراتها من جسد أختها انتزاعًا، لا تقدر على تركهما وحدهما لكنها مرغمة، متفهمة أنه وحده حمزة من يستطيع نجدتهما الآن.
إرتدت عباءة والدتها السوداء وخمارها وركضت للخارج تبحث عنه مستنجدة.
******
جاء حمزة مُلبيًا في سرعة،ساعد مودة في نقل سكينة لأقرب حجرة.. ضمّد جُرحها حامدًا الله كونه بسيطًا سطحيًا.. أفاقت سكينة لدقائق لم تتقبل فيهما الواقع وعادت لنومها وملاذها الآمن حيث هي بصحبة والدها وخالها تشكو لهما قسوة المقربين وبشاعة القلوب.
سألهما حمزة ونظراته تسقط فوق ملامح سكينة المتعبة (حصل إيه.؟ وليه عمار عمل كِده فيها.؟ وإزاي سبتيه عمل كِده يا عمتي.؟)
توجهت نظراته لعمته التي تشارك سكينة الفِراش في إنهاك، فضح تلعثمها كذبها (مفيش خناجة زي كل مرة ما إنت عارفهم)
ضيّق عينيه فوق ملامحها بشك، لكنه لامها بقوة وتعنيف حاد (ليه بتسيبيها توصل لكِده يا عمتي.؟ وتسمحي لعمار يعمل فيها كِده.؟)
غمغمت سكينة ورأسها تتحرك يمينًا ويسارًا، مما استرعى انتباه الجميع
(أبويا… سيبوه.. محدش ياخده)
غمغمتها جعلت والدتها تبكي بحرقة وصوت مسموع، أما مودة فطأطأت رأسها بحزن، محتميةً بصمتها وإبتعادها..
زفر حمزة بضيق وحزن على حاله تلك الفتاة.
اقترب منها منحنيًا يستكشف حرارتها وجرحها لتصله غمغمتها الخفيضة التالية (حمزة لاااالااا.. . ليه حمزة.؟) انتفض معتدلًا لا يصدق ما وصل لمسامعه، نظراته تتسلط على وجهها بفضولٍ وترقب جعل مودة تسأل في قلق (في حاجه يا دكتور حمزة)
ارتبك من سؤالها، منحها نظرة غائمة بالمشاعر قبل أن يعود لتلك النائمة وهو يُجيبها بتوتر (لا مفيش)
فرّقت سكينة بين جفنيها ببطء، تحاول عينيها اعتياد الضوء الساطع، حتى فتحتهما بوهن متألمة، كان أول من رأت هو بإبتسامة لطيفة تنازع لتظهر من بين ركام جموده.
ثبتت نظراتها عليه بشرود ومازال تأثير الحلم الذي رأته عالقًا بنفسها وينطبع على روحها.
(حمدالله على السلامة) همسها ليقطع شرودها واتصالهما الروحي..
اعتدلت سكينة موبخة والدتها بإستياء وكفها تتحسس ضمادة جُرحها (ملجتيش دكتور أحسن من كِده يا راضية)
ابتسم بتكلف وهو يخبرها بينما يلملم أغراضه (كِده اطمنت الخبطة مأثرتش على دماغك جات سليمة)
كرمشت وجهها تستفزة بغلظة (لا ظريف)
شكرته راضية بإمتنان وحب (كتر خيرك يا ولدي)
صاحت سكينة معترضة وقد عادت لصخبها (بتشكريه على إيه.؟)
غمزها قائلًا (على بيتادين البهايم الي حطتهولك) فغرت سكينة فمها غير مصدقة غمزته وابتسامته التي اتسعت رقعتها، شاركته مودة عبثه بضحكة رقيقة مثلها لتصرخ سكينة بعصبية (امشي من جدامي يا عم إنت دلوك)
هدأتها والدتها بإحباط من أفعالها لكن عزائها أن ابن أخيها إعتاد الأمر ويجاريها أحيانًا بصبر (عيب يا سكينة)
انسحب حمزة قائلًا بفظاظة ليستفزها أكثر (أي أعراض تانية تظهر غير دي يامودة بلغيني.. لأني اتوقع الساعات الجايه ممكن تتحول لبجرة)
قفزت فوق الفراش صارخة (امشي من هنا)
غادر محتفظًا بثباته، متحفظًا بملامح لا تكشف دواخله ولا تشبه كلماته..
قابل أثناء خروجه عمار الذي رحّب به في جفاء، مُدركًا أن والدته استعانت به (ازيك يا حمزة)
أجابه حمزة بود غير مهتم بنبرته (الحمدلله)
رمق عمار مودة من خلف كتف حمزة بنظرة نارية مشتعلة وهو يصرفها بكفه..
حمحم حمزة قائلًا (عمار كنت عايز أتكلم معاك)
خطا عمار للداخل متجاهلًا حديث ابن خاله يقول وهو يعتلي درجات السلّم بغرور (بعدين يا حمزة مش رايج دلوك)
كتم حمزة غيظه وغضبه من هذا المتعجرف وخرج لا عنًا له.. أما مودة فبقيت بعيدًا متسترة بالحائط تستمع لما يدور مخافة غلظة عمار على حمزة وإحزانه ولم يخيب هذا المغرور ظنها .. انقبضت ملامحها بألم وحزن وغضب وثورة ناقمة على أفعال أخيها ومعاملته السيئة لحمزة… انسحبت تدعو له بالهداية ولقلبها بالثبات.
دخل حمزة منزله وأغلق خلفه، تمدد فوق أقرب أريكه ممسكًا بهاتفه يحاول الاتصال بوالدته التي أجابت بلهفة (فينك يا حبيبي)
تنهد حمزة بهلاك وهو يجيبها (موجود وبخير اطمني)
سألته بقلق (رنيت عليك كتير)
أخبرها حمزة بضيق (كنت عند عمتي)
تنفس بعمق وتابع وهي تستمع بصبر له، يقص عليها ما حدث.. لتهتف ورد بإنزعاج شديد (اخس عليكي يا راضية… ليه كِده تسبيه..؟)
لاحظت ورد صمت ولدها وشروده فعادت لتسأله مستكشفةً(إيه مزعلك وشاغل بالك يا حبيبي.؟)
قال بتوتر متذكرًا غمغمات ابنة عمته (سكينة يا ورد.؟)
سألته بجدية (مالها يا حبيبي إنت مش عالجتها)
ابتلع ريقه وقال بإرتباك (كنت جنبها، وجالت اسمي فحلمها..؟)
صمتت ورد مبتسمة قبل أن تخبئ ذلك بين طيات نبرة جدية حازمة (عادي يا حبيبي دا حلم)
صارحها بحيرته (اشمعنا أنا.؟ وشافت إيه.؟ وليه قالت حمزة لاااا.؟)
فرك جبهته زافرًا بضيق من أفكاره وانشغاله بالأمر وفضوله تجاه ما حدث.. هدأته ورد بتفهم (خير يا حبيبي متشغلش بالك)
ثم أوصته بإهتمام (خلي بالك منهم يا حمزة)
أجابها بطاعة (حاضر ياورد)
(هروح أنام شوية علشان أصحى أروحلهم تاني)
(تمام يا حبيبي نوم الهنا)
أنهى الإتصال وأغلق هاتفه، مقررًا النوم وأخذ قسطًا من الراحة.
******”
في المساء تسللت على أطراف أنامل قدمها خارجة لمكمنها السري ومحط أوجاعها،هاربة من ضيق يحتضن أنفاسها لفضاء الكون الواسع الذي يسع حزنها وهمومها.. تحت شجرة مثلها وحيدة محطمة، متأكلة كقلبها ومنطفئة كروحها العطشى للحب والأمان..
جلست أسفلها فوق صخرة مستوية بالقرب من البئر المتهدم، أناملها تقبض على صورة قديمة بإرتعاش، ما إن جلست واستوت فردتها فوق باطن كفيها تتأملها بحنين، أخر ما بقيَّ لها من والدها وأرث روحها العطشى له
مررت سبابتها فوق وجهه هامسة بعتاب حاني (يرضيك الي عمله عمار.؟ مش لو كنت فضلت وممشيتش وسبتني مكانش دا بجا حالي ولا كان مد يده عليَّ)
زاد بكائها وتعالت شهقاتها التي جذبته من أمام منزله، ليقف خلفها ويستمع بصبر، يشاركها وجع الفقد وهموم الوحدة
مسحت دموعها وتابعت بمرارة (إنت مشيت ليه..؟ وسبتني ليه.؟)
دفنت وجهها ورأسها بين ذراعيها منتحبةً بقوة تغمغم بما حدث شاكية له قسوة عمار وإشتياقها له، لم يفهم حمزة أغلب كلماتها التي طمسها البكاء وابتلعها الإختناق بين ذراعيها.. رفعت رأسها تعاود النظر له لتتفاجىء بدموعها قد بللت الصوره.. شهقت مفزوعة تمسحها بقدسية وعناية متأسفة بهذيان وجنون (أنا آسفة.. متبوظيش معنديش غيرك ليه.؟ دا إنتِ الي بتصبريني)
ضمتها لصدرها وعاودت البكاء من جديد
ليقطع شهقاتها صوته الدافيء المتحشرج ببعض التأثر (مفيش فايدة..؟ مش مية مرة جولتلك متجعديش هنا)
رمى كلماته وهو يكشف عن وجوده بالوقوف أمامها.. انتفضت فزعة، تغمض عينيها ملتقطة أنفاسها بسرعة نتيجة الفزع الذي تركه بنفسها من مباغتته لها..
قالت بحدة (هو في كدا.؟ هتموتني والله، كتر الجعدة مع البهايم بهتت عليك )
هز رأسه يائسًا يخبرها بجدية (لسانك لو اتجطع كلنا هنرتاح)
جاورها بهدوء وهو يسألها بإهتمام دنّسه بسخريته (جاعده هنا ليه وبتنوحي)
مطت شفتيها بنفور من كلماته، لتهتف بضيق (وإنت مالك.؟ روح يلا جول لعمار)
نظر إليها طويلًا قبل أن يقول بهدوء (مش هجول له حاجه أنا كفيل بيكِ لو عايز)
رن هاتفه، فنظر للشاشة وهو يسألها (ورد عايزه تكلمك تكلميها.؟)
لمح طيف من سعادة مرّ بنظراتها، سعادة أبهجت روحه.. هتفت سكينة غير مصدقة (تكلمني أنا..؟ بجد..؟)
هز رأسه بتأكيد لتمد كفها متلهفة بفضول (أكلمها ياريت)
أجاب والدته ونظراته الفطنة تنزرع بملامح الأخرى المترقبة (أيوة يا ورد هتكلمك)
تناولت سكينة الهاتف مُجيبة بإبتهاج خاص (أيوة يا رت خالي ورد إزيك عامله إيه.؟)
بعدها صمتت مستمعة بصبر، نظراتها من وقتٍ لأخر تعانق ملامح حمزة بتعبير غير مفهوم وأحيانًا بلاهة تثير ابتسامته..
لتحملق سكينة مُعلنة الاندهاش (إيه.؟ عرفتي إزاي.؟)
لكن سرعان ما لانت ملامح سكينة وهدأت برضا، تكرر بطاعة وابتسامة (حاضر.. حاضر.. ربنا يخليكِ يامرت خالي ورد)
(مش هاجي تاني هنا حاضر)
رفع حاجبه مندهشًا من طاعتها لوالدته، وامتثالها لأوامرها.. لتغلق الاتصال وتدفع الهاتف إليه قائلة (بتبصلي كدا ليه..؟)
سألها متجاهلًا سؤالها (ورد جالتلك إيه..؟)
شردت قليلًا مفكرة قبل أن تتهرب مستلة فظاظتها سيفًا تواجهه به لتهرب (وإنتِ مالك، ما هي لو عايزه تجولك كانت جالتلك.. متحشرش مناخيرك يا دكتور)
ثم تأوهت وأناملها ترتفع تلقائيًا لجرحها وهي تقول (الله يسامحك يا راضية مكنتيش عارفة تجبيلي دكتور عِدل)
شاكسها بمكر مُخفيًا إشفاقه عليها من الألم (طبيعي تجبلك دكتور بيطري.. عمرك شوفتي بجرة بيجبولها دكتور بَشري)
نهضت واقفة تُعلن بغضب وحماقة (هجوم بدل ما أفتح دماغك وأخليك تجرب)
تخطته مغادرة ليستوقفها سائلًا (عمار ضربك ليه يا سكينة.؟)
وقفت مكانها مرتبكة، متوترة تبحث داخلها عن إجابة تروي فضوله تجاه الأمر الذي حتمًا يشغله لتستدير بنصف جسدها، سبقت نظراتها إليه كلماتها (إنت الوحيد الي مينفعش أجوله)
نهض واقفًا، يخطو تجاهها متسائلًا بتقطيبة حيرة (ليه.؟)
شرت فيما حولها وهي تخبره متذكرةً الماضي (أبويا كان بيعزك يا دكتور)
همستها وكفها الممسكة بالصورة ترتفع تمنح نظراتها تأملًا كأنها تؤكد كلماتها بالنظر لصاحب القول الغائب الحاضر.
هتف حمزة محترمًا مشاعرها، متفهمًا تعلقها بوالدها (الله يرحمه ويرحم أمواتنا جميعًا يارب)
أممت خلفه (آمييين)
(سلام بجا يا دكتور نام بدري لتصحى مش مركز وعِجل ينطحك يكسر عضمك)
ختمت كلماتها بضحكة شقية مستمتعة، ليقول وهو يشيعها (هاجي أغيرلك عالجرح وأشوفه)
لوحت معترضة (نام يا حمزة الله يهديك ووفر بيتادين البهايم بتاعك لحسن تلاجي خالي مفكرة عهدة ومستنيك تسلمهوله تاني مناجصش نقطة)
شيع رحيلها بإبتسامة قبل أن يعود لمنزله المجاور لمنزلهم دخله وأغلق خلفه، مقررًا النوم وأخذ قسطًا وفيرًا من الراحة.
********
اجتمع كلًا من سعد ورفعت وعمار الذي حكى لهم عن مجيء عمه وطلبه برؤية الفتاتين وما حدث بينه وبين هشام ابن عمه
قال رفعت مُفكرًا (عمك بعت ناس يتوسطوا للصلح يا عمار)
هتف عمار وهو ينقّل نظراته بين خاله وابن خاله منتظرًا قرارهم (وناوي على إيه يا خال..؟)
حك سعد ذقنه قبل أن يميل للأمام هاتفًا بخبث (القرار مش بتاعنا لوحدنا يا عمار)
ضيق عمار نظراته على وجهه ليرد عليه (جصدك حمزة.؟)
هز رفعت رأسه مؤكدًا (أيوة يا عمار)
أراح سعد ظهره لظهر الآريكة قائلًا وهو يفرك كفيه (سمعت إن عمك حسان طالع جريب يا عمار)
اندهش عمار مما يسمع، قال بإرتباك وهو ينقل نظراته بين خاله وولده (هيطلع كِيف الحزين دِه بدري.؟)
أفضى سعد بما يقبض عليه بين جنبات نفسه من معلومات تناقلتها الأفواه (بيجولوا حسن سير وسلوك)
مال فم عمار بإبتسامة ساخرة مكررًا الكلمات (حسن سير وسلوك وماله.! )
ليتنبه عمار قائلًا (عمي عزام بيمهد لرجوعه من تاني وبيدور عالصلح)
ابتسم سعد وهو يحك ذقنه مُفضيًا بما أملاه عليه شيطانه (ونصتلح ليه.؟ هو راجع وابن الغايب رجع ياخد بتار أبوه بعدها نجفلوا عالموضوع دِه خالص)
سأله والده مُجعدًا جبهته (جصدك إيه.؟)
ليوضح عمار الذي وصله مقصد ابن خاله كاملًا (جصده إن حمزة آن الآوان ياخد بتار أبوه)
سألهما رفعت بتوجس (وحمزة هيوافج..؟)
بخ سعد سمومه بأذن من حوله (يا يبجا راجل وياخده يا يهملنا ويمشي ويرجع مطرح ما كان وينسى إن له أهل.. الموضوع ميمسوش لوحده علشان يرفض)
شرد رفعت قائلًا (أبوي مش هيرضى ولو عرف بكلام عزام هيوافج من خوفه على حمزة)
قال سعد (محدش يجوله، وخلينا نشوف حمزة هيعمل إيه.؟)
ثم أكد على عمار بمكر (متجولش لأمك يا عمار)
هز رفعت رأسه بإستحسان للأمر بينما صمت عمار قلقًا من الأمر ومنحنى التفكير، يفسر ما قيل بظنٍ لا يُخطيء .
شرد ثلاثتهم في أفكارهم وخواطرهم الخاصة،لينتهي الأمر بينهما بوعد وتدبير مُحكم .
****
خرجت من الحجرة ليلًا قاصدةً الذهاب للمرحاض، تتحسس جُرحها بألم وتعب، ليتها ما أتت لتبيت مع عاليا ابنة خالها اليوم، فألم رأسها يشتد ولا أحد ينقذها ويمد لها يد العون في هذا المنزل الخانق.. فها هي ابنة خالها نامت وتركتها لاتعرف موضع الحبوب المسكنة ولا مكانها…
اصطدمت في طريقها بجسده المترنح، فتأوهت بشدة وتراجعت للخلف مرتجفة الجسد في تعب..
أبصرته أمامها بهيئته الرثة ونظراته القميئة فانزعجت تلوم نفسها على تهورها وخروجها الساعة من حجرتها فلا ينقصها هذا الغبي الآن.
شملها سعد بنظرة جريئة، متفحصة قبل أن يقترب منها مبتسمًا بإنتصار (إزيك يا سكينة)
أجابته وهي تدفعه وتعبر مبتعدة عنه في حذر (اهلا)
قيّد ذراعها وسحبها لتعاود ممتثلةً أمامه (مش بكلمك)
حاولت نزع أنامله عن ذراعها قائلة بغضب (مفيش بينا كلام فساعة زي دي)
ابتسم غير عابيء بما تفعل، يتفحصها بنظرة جريئة أثارت خوفها في مكمنه (لا بينا كلام ولو وافجتي هيطول كمان)
هتفت بخوف أثقل نظراتها وهي تدفعه كارهةً (لو مسبتنيش هصرخ وأصحي كل البيت يشوفوا ولدهم الي جاي يتطوح نص الليل)
دفعها ليرتطم جسدها بالحائط خلفها فكتمت تأوهها لكنه واصل ما يفعل (صرخي عادي وماله بس خلينا نتكلم الأول)
تأففت بغضب، وخوفها منه يتصاعد مُربكًا تفكيرها (أوعى سيبني)
دخل حمزة المنزل يُضيء هاتفه ليبصر ما حوله ويستطيع الوصول للمندرة بسهولة بعدما قُطع التيار الكهربائي عن منزله فاضطر للمجيء والمبيت هنا يحمد الله أن جده منحه نسخة من مفتاح باب المنزل .. أطفأ إضاءة الهاتف وواصل السير للداخل،
وقعت نظرته حيث يقفان، اشتعلت عيناه كجمرتين من شدة الغضب.. انحنت سكينة تغرس أسنانها في لحم كفه مستاءة نافذة الصبر بعدما لم يفلح كلامها بالحسنى معه.
صرخ متألمًا تاركًا ذراعها، لتبتعد متنفسةً بقوة تراقبه متشفية وهي تمشطه بنظرة محتقرة (روح نام جتك الجرف)
أمسك بكفه يعاينه، قبل أن يقترب منها قائلًا (ماشي يا سكينة جبتيه لروحك)
حمحمة حمزة أعلنت عن وجوده فتنبه سعد، وأشاح ليرى من يقف خلفهم.. ابتسم بإستهانة أغاظت حمزة..
بينما تنهدت سكينة براحة شاعرةً بالأمان في وجوده الآن.
سأله سعد بإنزعاج (في حاجه يا حمزة..؟)
كرر حمزة السؤال بسخرية ونظراته تركض لتلك الواقفة وتحاوطها بإستفهام غير منطوق(إنت الي في حاجه..؟)
إرتبك سعد أول الأمر لكنه سرعان ما هتف بفظاظة(جاي فبيتي تسألني..؟ إنت هنا بتعمل إيه فساعة زي دي..؟ )
ابتسم له حمزة بإستخفاف وسخرية لا يجيبه متجاهلًا زاهدًا الحوار مع من مثله،متأكدًا أن سخافته يليق بها التجاهل.
تأفف سعد واستدار مقررًا الذهاب لحجرته، خطوتين قطعهما بترنح طفيف وهو يجاهد ليتحكم في جسده.. مدت سكينة قدمها تنوي معاقبته على ما فعل معها الليلة..
وقد أفلحت فلم يستطع سعد مفاداة قدمها وسقط أرضًا أمام ناظريهما، تمالك سعد نفسه ممسكًا بسور الدرج ليعينه على النهوض..
حمحم مرتبكًا قبل أن يصعد الدرج هاربًا من نظراتهما الساخرة وتشفيهما المعلن (براحتك يا سعد مش كدا… أجي أسندك)
هتف بها حمزة وفمه يميل بإستهزاء مقصود، ليرمقه سعد بغل ويعاود الصعود مترنحًا يفقد وعيه وإدراكه شيئًا فشيء.
هتفت سكينة بغيظ وهي تشيّع ذهابه (ربنا ياخدك)
حينما تأكد حمزة من دخول الآخر حجرته اندفع ناحية سكينة يسألها بغضب (إنتِ هنا بتعملي إيه.؟ وليه واجفه معاه وهو بحالته دي.؟)
أمسكت برأسها ووجعها يزداد فتنقبض ملامحها بألم قبل أن تهتهف به (روح نام)
هتف بحدة غير مستهينًا بما حدث(سكينة)
زفرت بضيق قبل أن توضح (جولت لأمي هبات مع عاليا.. حظي المهبب وجعني فزفت سعد)
سألها بأهتمام (طالعه ليه من الأوضة فساعة زي دي.؟)
تأملته متسائلة بشك (إنت تقصد إيه.؟)
قال بنبرة حادة عالية (أنا بسأل)
تريد المراوغة واستفزازه لكن رأسها مثقل بالألم ولا تملك طاقة للجدال صارحته وبنظراتها استنجادًا (رأسي وجعتني معرفتش أنام طلعت أدور على مسكن)
حدجها بنظرة طويلة جعلتها تسأله بضيق (ايه مش مصدج.؟)
ملامحها المُجهدة وعينيها الذابلة توشي بصدقها فيما تقوله، تحسس حمزة جيب بنطاله البيتي متاكدًا، ليُخرج لها بعد قليل حبة مسكنة كان قد وضعها بجيبه مقررًا تناولها، فحينما يدخل هذا المنزل تتكالب عليه الأفكاره وتحاوطه الذكريات ويهاجمه الصداع فيضر لأخذ واحدة ليهدأ الضجيج ويستطيع النوم..
تناولتها بسرعة من بين أنامله، نظراتها ترسل له امتنانًا دافئًا لتقول على غير عادتها (والله إنت ربنا بعتك ليا يا دكتور البهايم)
استدار منهيًا الحوار يخبرها بيأس(متجدريش تكملي جملة كويسة للأخر)
سألته بإهتمام (غريبة إنك جاي تنام هنا..؟)
أخبرها وهو يخطو ناحية المندرة (الكهربا فصلت هناك)
(مروحتش بيت عمتك ليه.؟) سألته وهي تعرف كرهه وعدم رغبته في التواجد هنا والمبيت بين جدران هذا البيت.
ترك كلماته معلقة ترددها بدهشة وتقطيبة (علشان ربنا بعتني ليكِ هعمل إيه..!)
غادرت بعدما دخل وأغلق خلفه، عادت للحجرة وقد تناولت المسكن وهدأ ألمها.. تمددت بجانب ابنة خالها مُفكرة، بالأسفل كان هو يختنق بالذكريات، تطارده أشباح الماضي في تآمر لعين يتوقعه ويستعد له.
*******
في اليوم التالي وقت الغداء، تعجب لمجيئها إليه حاملةً عامود الطعام، وقف ينتظر اقترابها وهو يخلع عن كفيه القفازات ويلقيها جانبًا
استقبلها سؤاله (جايه ليه الشمس حامية انهرده وجرحك لسه ملمش)
نظراته تتنقل على ملامحه متفقدة بإهتمام، نظرت إليه لا تقل عنه تعجبًا من اهتمامه وحنان كلماته، قدمت له الطعام قائلة بإرتباك (رايحه درس وراضية جالتلي أجبلك معايا الغدا)
تجاهل كل ماقالت وفرض استنكاره على ساحة النقاش وهو يتطلع لساعة معصمه الجلدية (رايحه دلوك الجو مش حلو وهتتعبي يا سكينة)
زوت ما بين حاجبيها يزداد تعجبها من اهتمامه وحنان كلماته لتقول محاولةً الهرب (عادي مواعيدي كدا)
وضعت الطعام جانبًا حينما لم يتناوله منها واستدارت تُنهي هذا العبث غير المفهوم لها، ليستوقفها قائلًا (استني أوصلك بالعربية علشان متتعبيش يا سكينة)
رفضت بضيق لا تعرف مصدره (لاااا هروح لوحدي)
تناول مفاتيحه وخطا متجهًا إليها يقطع المسافة الفاصلة بينهما متصدرًا طريقها، يطلب بإهتمام (خليني أشوف الجرح بتاعك وأطمن عليه معرفتش أعدي أشوفه)
نظرت إليه ببلاهة تتدارك تلك الأمواج العاتية من المشاعر التي يغرقها بها ولا تستوعبها..
أشار لها وهو يتقدمها (تعالي يا سكينة ربنا يهديكِ)
مشت خلفه بطاعة، يحركها فضولها ناحيته، وحب الاستكشاف لهذا الغريب،غير منتبهةً ولا تدرك عواقب ما تفعله.
ارتدى قفازات نظيفة، جهز ما سيحتاجه
بعدما أحضره من صيدلية صغيرة مُعلّقة داخل الحجرة.. تحت نظراتها التي تتبعه أينما ذهب..
جلست فوق الكرسي تزوي ما بين حاجبيها
هتف وهو يميل ناحيتها(افردي وشك)
حاول نزع الضماد بخفه يد وبطء خوفًا من أن يؤلمها، لكن عبثًا حاول تأوهت متألمة ليعتذر منها بحنو (آسف معلش)
شعرت بالإرتباك والتوتر من هذا القرب، لامت نفسها على موافقتها، تنفست بقوة جعلته يبتعد ويطالعها متفحصًا يسأل (إيه.؟)
ابتلعت ريقها وقالت (خلاص همشي اتأخرت)
اقترب من جديد يباشر عمله وهو يقول بجدية (خلاص هطهره وأحطلك ضمادة نظيفة ياسكينة)
التقت نظراتهما ثواني، اصطدمت أنفاسهما وتعثرت ليشعر بما نالها من إرتباك لكنه تحكم فيه ببراعة وواصل ما يفعل وهو يهمس (غمضي عنيكِ أحسن)
امتثلت مُغلقة عينيها هاربة من هذا المأزرق وذلك القرب الذي تورطت فيه بغباءها، وضع المطهر والمرهم بعدها الضماد فانتفضت شاعرة بالخلاص، تسلب نفسًا قويًا وهي تقول براحة بينما تقفز واقفة مبتعدة عنه (خلاص همشي)
خلع قفازاته وهو يخبرها بإصرار (هوصلك أحسن)
بسرعة تخطاها وصل لسيارته وصعدها مُشيرًا لها بعزم (يلا)
وقفت قليلًا مُفكرة، أتعترض وتهرب كالعادة أم توافق متقبلة اهتمامه.. لتمتثل وتصعد بجانبه في صمت، أدار المحرك وهو يسأل ساخرًا لا يروقه صمتها ولا يستسيغ هدوءها (مالك يا سكينة إنتِ سخنة.؟)
ظنته يتحدث بجدية فأجابت وهي تعدل من حجابها أمام مرآة جانبية (لا…)
نظر للطريق وهو يسأل مجددًا (ساكته يعني مفيش طوب بيتحدف ولا حجارة بتتغرس ولا حاجه انهرده)
زجرته بنظرة حادة قبل أن تعود بنظراتها للمرآة قائلة (دا إنت كسبت تناحة بجا يا دكتور، ولا أدمنت وعايز الجرعة)
شبح ابتسامة مر على ثغره لتسخر منه بغلظة (إنت بتخاف تضحك صح..؟ إنت آخر مرة ضحكت من كم سنة كدا..؟)
لا يعرف لما شرد وأجابها بتلك الجدية (قبل ما يموت خالك، كانت أخر مرة أضحك فيها يا سكينة)
مرر لها حزنه بإبتسامة يسخر فيها من وجعه وحزنه، ارتبكت لا تصدق إفصاحه ولا أخذه السؤال على محمل الجد، دققت النظر فيه لثواني قبل أن تنتزعهما هامسةً تهزء من كلماته (طلعت بتحس كمان جديدة دي..)
سألها وهو يطالع الطريق أمامه وملامحه مغلقة لا تمرر لها رد فعله ولا شعوره على إستهانتها بما قال
(درسك فين..؟)
تنهدت مستاءة مما قالت، لما فعلت.؟ وهي تشاركه وتقتسم معه الوجع، منذ مات خالها لم يعرف بيتها أيضًا الضحك، لم يفرح أحد بعدما حدث بل هرب الفرح تاركًا لهما وجعًا لا يهدأ وجرحًا لا يندمل.
رأت والدها يموت ألف مرة بعد مقتل صديقه غدرًا على يد أخيه وهو عمها الأصغر، وإندلاع نار العداوة بين العائلتين وخراب طال الجميع.. ليقاطع بعدها والدها أخوته نكايةً بفعلتهم الشنعاء التي تركت أثرًا بشعًا في نفوس كل من عاشوا تلك الأيام ورأوا ماحدث والحرب التي دارت
لم يعش بعد الحادث والدها كثيرًا لحق بصديقه بعد ثلاث سنوات.. ليبقى العزاء منصوبًا في نفوس الجميع حتى اليوم.
فقدت حيويتها وبهتت ملامحها حينما استحضرت صورًا من الماضي لا ينساها أحد.
أشارت بصوت خفيض تائه في وجعه (نزلني هنا تمام)
فعل كما طلبت ووقف لتترجل من السيارة، أغلقت الباب وانحنت تطلب منه بينما هو لا يهتم بالنظر إليها (عايزه مسكن زي بتاع امبارح)
بصمت فتح تابلوه السيارة والتقط علبة كاملة أعطاها لها زاهدًا النظر إليها، تناولتها واستدارت لكنه استوقفها قائلًا بحدة (متروحيش تباتي ف بيت خالك تاني)
ابتلعت سخافاتها، محاولة بجهد التحكم في لسانها.. هزت رأسها وابتعدت عنه لينطلق هو بعدها بسيارته
**********
دخل حمزة منزل جده بخطوات ثقيلة ونفس نافرة
يتطلع حوله باحثًا عن جده الذي هاتفه يطلب زيارته
لم يجد أمامه سوى عمه، تنهد متماسكًا يحاول السيطرة على نفسه والتحلي بالصبر فوحده عمه من ينتزع منه ثباته ورزانته حين يراه،كم هو بغيض على نفسه أن يحاوره ويجلس قريبًا منه.
(مساء الخير)
هتف بها حمزة وهو ينتزع أقدامه انتزاعًا ليصل حيث يجلس عمه في صالة البيت الواسع
رحب به عمه بتصنع (مساء الخير إزيك يا حمزة.؟)
رد حمزة بضيق وصل عمه (ازيك يا أبو سعد)
تجاوز رفعت وقال وهو يشير له (اجعد يا حمزة)
سأله وهو يبحث بنظراته عن جده (فين جدي.؟)
قال عمه وهو يضع ساقًا فوق الأخرى بتعالي (بره هيجي دلوجت)
أخرج حمزة هاتفه ينقر فوقه متجاهلًا وجود عمه، لا يعيره انتباهًا ولا اهتمامًا بوجوده..
ضيق رفعت عينيه فوق ملامح حمزه متصيدًا انفعالاته وهو يخبره بخبث، بينما يُخرج من جيبه رزمة من الأموال (خد يا حمزة)
رفع حمزة نظراته عن الهاتف، وهو يسأله بصبر (إيه دِه..؟)
ابتسم رفعت ابتسامة خبيثة وهو يخبره بمكر (أُجرة الاسبوع الي اشتغلته في المزرعة)
اشتعلت نظرات حمزة بغضب عظيم، لكنه نجح في تخبأته وتعامل ببرود ليستفز الأخر منتقمًا من حماقته، فتابع العم (حجك زيك زي أي دكتور بيطري بنجيبه)
ألقي الأموال على الطاولة أمامه وفي نفسه كرهًا مكشوفًا ومكرًا ملعونًا (على فكرة دِه أزيد من الي نديه لأي حد بنجيبه)
انتهى
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاذ قلبي سكن)