روايات

رواية قلوب حائرة الفصل السابع والثمانون 87 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل السابع والثمانون 87 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت السابع والثمانون

رواية قلوب حائرة الجزء السابع والثمانون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة السابعة والثمانون

أبي وإنْ تخَلَّي عني العَالم أجمعُ فـ يكْفِينُي ضَمَّتُك ورِيحُ عِطْرُكَ لِكَي أشعرُ بالأمانِ ويطْمئِنُّ بقُربِكَ قلْبِي
فلكَ نبَضَاتِي ودقَّاتِي يا منْ وضَعْتُكَ تاجَ الزمانِ علي رأسي،وتَوَّجْتُكَ ملِكاً عظيماً على أرجاءِ رُوحِي.
أيسل المغربي – بقلمي روز أمين –
مَرت سريعاً الأربع سنوات،حدث فيها الكثير والكثير من المناوشات والجولات العديدة بين وَحش المخابرات وتلميذهُ النجيب،ويرجع ذلك لعشق كارم الجارف لزوجتهُ الفاتنة والذي بدأ يظهر علي عيناهُ ويفضحهُ بعد أن أصبح بها مفتوناً،ومحاولات ياسين بحماية صغيرته من الإنجراف وراء ذاك العاشق حفاظاً عليها وللغيرة أيضاً دافع وراء ذلك،وأخيراً جاء موعد الزفاف الموعود بعد طول إنتظار
داخل فندق من أفخم فنادق مدينة الأسكندرية الساحرة،يقف جميع المسؤلين بإدارة الفندق علي قدمٍ وساق،فاليوم هو زفاف إبنة وحَش المخابرات المصرية اللواء ياسين المغربي وحفيدة المُلقب بذئب المخابرات عز المغربي ولابد أن يظهر جُل ما بالحفل علي أكمل وجه.
وصلت عائلة المغربي وأتخذوا أماكن جلوسهم حول طاولات متجاورة بانتظار ياسين ليظهر بابنته ويُسلمها لزوجها كـ ملكة متوجة لتبدأ حياتها الزوجية مع مَن إختارهُ القلب وأرتاح لهُ الفؤاد
أما منال فكانت تجاور عائلة شقيقها الجلوس،تحرك إليهم عز المغربي وقام بالترحيب الحاد بالمهندس أحمد وقسمة وداليدا وزوجها،لفت نظرهُ تلك العاملة الواقفة بجانب منال حاملة صغير نجلها عُمر والذي أطلق عليه عُمر إسم مصطفي وبالكاد أكمل عامهُ الثاني،سألها مستفسراً وهو يتلفت حولهُ باهتمام:
-أُمال عُمر ومراته فين يا منال؟
تارا راحت التواليت وعمر ما حبش يسيبها لوحدها وراح معاها…هكذا أجابتهُ بارتياح ظهر بَيِنّ علي ملامحها الساكنة بعد أن إطمأنت علي صغيرها المُدلل،حيثُ أنه إختار المُهندسة تارا صديقتهُ بالعمل لتُشاركهُ رحلة حياتهُ،وذلك بعد معاناة شديدة
حيثُ أنه ضل يعافر مُحارباً شعور إنجذابهُ لها طيلة عامان كاملان،وبعد أن فقد السيطرة علي قلبه حيثُ أعلن عصيانهُ عليه بعدما تأكد أن قلبهُ قد ذابَ عِشقاً في هويّ تلك الرقيقة ذات الأصل الطيب والسيرةُ الحسنة والأخلاق الرفيعة،أعلن راية الإستسلام وصارحها مُعلناً عن نيتهُ الزواج بها وعلي الفور أعلنت موافقتها حيثُ كانت قد وقعت بغرامهِ هي الأخري وظلت بانتظار إعترافه الذي أرهقها لمدة ليست بالقليلة،تزوجا مُنذُ ما يُقارب علي الثلاثة أعوام وانجبا مصطفي نتاج ثمرة عشقهما الحلال
واسترسلت منال بطمأنة من عيناها:
-زمانهم علي وصول
أومأ لها بتفهُم، تحدثت إليه داليدا بنبرة هادئة:
-مبروك لـ أيسل يا عمو
بابتسامة هادئة أجابها:
-الله يبارك فيكِ يا داليدا
حضر عُمر محتوياً زوجتهُ من خصرها باهتمام،إبتسمت إلي والد زوجها وتحدثت بابتسامتها النقية:
-ألف مبروك يا عمو
الله يبارك فيكِ يا بنتي،عقبال ما تفرحي بـ مصطفي…هكذا أجابها ذاك البشوش فعقبت بنبرة صادقة حيثُ أنها أحبت الفتاة وغمرتها بحنانها وكأن الله وضعها بطريق ذاك العُمر خصيصاً لتكون عوضاً لتلك الصغيرة التي تعلقت بها وأصبحت تُناديها بأمي بدلاً عن مليكة بعد أن وجدت بأحضانها الحنون ما حُرمت منه:
-نفرح بأخته الأول وبعدين هو
ربت عز علي كتفها بحنان وبعيناي ممتنة لما رأه منها من خير تحدث:
-ربنا يجازيكِ خير يا بنتي ويبارك لك فيهم
ببشاشة أجابته:
-ويبارك لنا في حضرتك يا عمو
اردفت منال بنبرة هادئة:
-تعالي إقعدي يا تارا علشان مصطفي عاوزك
تحدث إليها عُمر بحنان:
-إقعدي يا حبيبتي وأنا هروح أشوف طارق ليكون محتاج حاجة
بعيناي لامعة تأثراً بعشق أميرها تحدثت:
-أوكِ يا حبيبي
واسترسلت وهي تتأهب لمجاورتهُ التحرك:
-هروح أشوف ليزا الأول لتكون عاوزة تدخل التواليت وبعدين أجي لـ مصطفي
إبتسم لها وتشابك بكفها وتحرك بطريقهما
جلس عز مجاوراً أحمد وبدأ بتبادل أطراف الحديث فيما بينهم
بنبرة متعالية اردفت قسمة وهي تنظر إلي الصغير بملامح وجه مشمئزة:
-هو إنتوا من أمتي بتجيبوا البيبيهات معاكم الأفراح يا منال؟
واسترسلت بتنظير:
-ما خلتهوش مع الناني بتاعته في الڤيلا بدل ما يصدعكم ويبوظ الفرح ليه؟
أجابتها بهدوء إكتسبتهُ مؤخراً:
-تارا ما بتقدرش تبعد عن الأولاد يا قسمة،دي سابت شُغلها أول ما أتجوزت عُمر علشان تتفرغ لـتربية ليزا وتهتم بيها
إبتسمت بجانب فمها بطريقة ساخرة وتحدثت بكلمات خالية من الأدب والذوق:
-وهي هتحتاج للشغل ليه يا حبيبتي بعد ما أتجوزت إبن سيادة اللوا عز المغربي
ثم رفت قامتها للأعلي واستطردت بتعالي شديد مما جعل تلك المنال تحتد:
-يارب بس ما تكونش وراها مُصيبة زي الزبالة اللي قبلها
إحتدت منال وتحولت ملامحها إلي غاضبة وذلك لما تحملهُ داخل قلبها من قيمة وغلاوة لتلك الفتاة التي دخلت حياة مُدللها وحولتها إلي سعيدة بعد الشقاء والبؤس الذي أصَاباهْ جراء تجربتهُ المريرة،هتفت بسخطٍ وترهيب:
-قسمة،إلزمي حدودك في الكلام وما تنسيش إن اللي بتتكلمي عنها دي تبقي مرات إبني،وكرامتها من كرامتي أنا شخصياً
إرتبكت قسمة وتحدثت سريعاً لتفادي غضب تلك التي تساعدها بالأموال هي وداليدا بعد وفاة ليالي كنوعاً لإكرام واحترام ذكري التي كانت تعتبرها كإبنة لم تلدها:
-إنتِ فهمتيني غلط يا منال،أنا ما قصدتش تارا بكلمة زبالة،أنا كنت بقصد اللي كانت السبب في موت بنتي في عز شبابها
باشارة من كف يدها أردفت منال باقتضاب لإغلاق الحديث:
-خلاص يا قسمة.
إنتبه حين استمع إلي صياح تلك التي أتت مُهرولةً إليه كي تحتمي به وتشتكي وتحدثت وهي تستنجد بجدها العزيز:
-يا جدو،خلي عزو يبطل رخامة ويسيبني أعمل اللي في نفسي
نظر علي جميلة نجلهُ تلك المِسّكيةُ رائعة الجمال نُسخة أيسل وأبيها والتي أكملت عامها الخامس وأستولت علي كُل لُب ياسين وعز وجميع العائلة،تطلع علي جميلتهُ وأمسك كف يدها ثم مال قليلاً وقام بوضع قُبلة فوقه،رفع رأسه متحدثاً بدلال تلك الفاتنة:
-أميرة جدو ماحدش يقدر يزعلها وأنا موجود
دبت بساقيها في الأرض كنوعٍ من الإعتراض ثم تحدثت وهي تُربع ساعديها وتضعهما أمام صدرها بتذمُر شديد:
-عزو زعلني ومش خلاني أرقص،وكمان مش خاف منك يا جدو
رفع أحد حاجبيه ينظر إلي تلك الداهية وهي تحرضهُ علي شقيقها،أقبل عليهما ذاك المُشاكس الذي أتم عامهُ التاسع ونظر لها بملامح وجهه حادة ثم تحدث بصرامة وهو يرفع سبابتهُ بوجهها مهدداً إياها وكأنهُ رجلاً كبير:
-تعرفي يا مِسك لو شفتك بترقصي مع رائف سراج تاني هعمل فيكِ إيه؟
هتعمل فيها إيه يا ابن ياسين؟…سؤالاً غاضباً وجههُ إليه جده فتحدث الفتي بنبرة أهدي كي يستقطب تعاطف جدهُ وتضامنهُ في تبني موقفهْ:
-يعني ينفع تقف ترقص مع رائف سراج ومش تحترمني يا جدو؟
ثم مط شفتاه بغضب واسترسل بإبانة:
-وبعدين أنا أخوها الكبير ولازم تسمع كلامي،بابي كمان قالي أخلي بالي منها لحد ما ينزل هو ومامي والعروسة سيلا من فوق
هز عز رأسهُ من تحكمات ذاك المُشاكس فهتفت الصغيرة بحِنق:
-يا جدو بابي قال لي إنبسطي يا مِسكي،ورائف وليزا وساندرا وكُلهم بيرقصوا،إشمعنا أنا اللي عاوزني مش أرقص!
هتف الصغير وتحدث بغيرة رجولية لا تتناسب مع حداثة سِنهِ:
-أنا نبهتك وقولت لك لو رقصتي مع رائف تاني همنعك ترقصي خالص،وإنتِ اللي مش سمعتي الكلام
تحدث طارق الذي حضر للتو بنبرة حاسمة كي يحث الصغير علي التراجع ويفض ذاك الإشتباك:
-وبعدين يا عزو،بَطل تضايق أختك بتحكماتك الفاضية دي،ولعلمك،بابا لو شاف مِسك وهي زعلانة كدة هيخرب الدُنيا
واستطرد لاخافته:
-ما انتَ عارف هو قد إيه بيتجنن ويتحول لما بيلاقي حد مزعلها
تذمر الصغير ونطق بملامح وجه مُستاءة:
-يعني كويس إنها مش بتسمع كلامي يا عمو؟
نطق طارق بنبرة متعجبة:
-إنتَ مالك نافش ريشك وعامل علينا دَكر كدة ليه يَلاَ؟
تذمر الصغير حين قهقه عز عندما تطلع إلي الصغار ورأي رائف مُنسجماً وهو يرقص مع ساندرا فتحدث ليُنهي ذاك الجدل العقيم:
-طب روح يا حِمش شوف ساندرا علشان تقريباً كدة رائف شقطها مِنك يا حبيبي
إتسعت عيناه وبُسرعة البرق حول بصره يتطلع علي من أصبح يعتبرها مِلكية خاصة له،وبدون نُطقِهِ بكلمة واحدة هرول إلي الاستيدج وتحدث وهو يُمسك الصغيرة من ذراعها ويسحبها بعيداً عن ذاك الرائف وتحدث بحِنقٍ:
-إنتِ إزاي تُرقصي مع حد غيري؟
حاسب دراعي يا عزو،إنتَ وجعتني…نطقتها بنبرة رقيقة وهي تتحسس ذراعها فاسترسل هو غاضباً:
-رُدي عليا يا ساندرا
نظرت إليه واردفت بنعومة كعادتها:
-هو اللي رقص معايا لما مِسك مشيت،وأنا مش عرفت أكسفه
هتف بنبرة صارمة:
-طول الفرح مش هترقصي غير معايا يا ساندرا، يا إما مفيش رقص خالص
بطاعة رقيقة هزت رأسها بموافقة فابتسم لها وامسك كفاها وبدأ يرقصان معاً بطفولية
أما مِسك فكانت غاضبة إلي أن حضر أنس إليها عندما شاهدها من بعيد وتحدث إليها وهو يتلمس شعرها بحنان:
-مالك يا مِسك،زعلانة ليه؟
من جديدٍ دبت بساقيها في الأرض كنوعٍ من الإعتراض وتحدثت بسخط:
-عزو مش عاوزني أرقص يا أنوس
تحدث إليه جدهُ وهو يحثهُ علي التحرك باصطحاب شقيقتهْ:
-وديها الاستيدچ عند بنات عمها يا أنس وخلي بالك منها
حاضر يا جدو…نطقها الفتي بتوقير ثم
إبتسم لشقيقتهُ وتحدث بنبرة حنون:
-تعالي وأنا هرقص معاكِ
إبتسمت بحبور وبالفعل هرولت معهُ وباتت تتراقص بسعادة مع شقيقها الحنون
أما عز فنظر إلي ثُريا التي تجلس بالطاولة المقابلة،وفور رؤيتهُ لوجهها بات قلبه يدقُ كطبول حربٍ من شِدة عِشقهِ الساكنُ بروحه،فقد كانت رائعة الجمال رغم بساطتها بكل شئ وعدم بذلها أية مجهود لتُظهر جمالها،وبرغم ذاك ظهرت بأروع صوره وطغي جمال روحها وسكونها الداخلي علي وجهها فأشرقت وظهر رونقها ماجعل ذاك العاشق يتنهد إشتياقاً وولها
إنتبهت أعيُن جميع الحضور إلي ذاك الكارم الذي دخل للتو من باب القاعه مجاوراً لشقيقهُ،وظهر كنجمٍ سينمائيّ ساطع ببدلته البيضاء ذات الياقة السوداء وبابيون سوداء أيضاً،بانيهار إتسعت أعيُن جميع الفتيات الموجودات من شدة وسامتهُ وتمنين لو أنهُن مكان أيسل
تحرك بجسدٍ ممشوق وابتسامة جذابة زُينت بها ثغرهُ وبات يميل برأسهِ قليلاً كـ تحية منه للحضور،إنهالت عليه التهاني من بعض الأقارب ورُفقائهُ بالعمل، تحركت إليه خالتهُ ووالدتهُ وهي تحمل صَحناً صغيراً مملؤاً بالمَلح وبدأت بنثر بعضاً منه فوق صغيرها وهي تقرأ المعوذتان مع إطلاق شقيقتها الزغاريد،اغمض عيناه وبحركة تلقائية وضع كفاه فوق رأسهُ وعيناه ليتفادي وصول المَلح إليهما وتحدث بنبرة مستعطفة:
-كفاية يا ماما الملح هيدخل في عنيا
يدخل في عيون حُسادك وكل اللي شافك ولا صلاش علي النبي يا قلب أمك…كلمات سعيدة نطقتها بُثينة وهي تُعيد من جديد نثر الملح عليه
هتف شقيقهُ متذمراً:
-يا ماما هتفضحينا قدام الناس،هو أنتِ فاكرة نفسك فين علشان تجيبي ملح معاكِ تُرشيه
واسترسل شارحاً:
-هو أنتِ مش شايفة المستويات اللي حواليكِ؟!
هتفت خالتهُ باعتراض:
-والمستويات دي يا حبيبي هتنفع أخوك لما يدب عين من حد فيهم؟
نطقت والدتهُ بتأكيد:
-قولي له يا سُعاد
واسترسلت وهي تناول الصَحن لشقيقتها:
-سيبي دول بقي لما العروسة تدخل نرشهم عليها
باعتراض هتف كارم:
-لا أبوس إيدك يا ماما بلاش،البنت فرفورة وممكن يغمي عليها مننا في حركة زي دي
إقتربت عليها وقامت باحتضانهُ وتحدثت بحفاوة:
-ألف مبروك يا سيادة المقدم،عيشت وشفتك عريس يا حبيبي،عقبال ما أفرح وأنا شايلة عيالك علي إيديا
أمسك راسها وقبلها ثم مال علي كفها واضعاً به قُبلة حنون وتحدث:
-الله ببارك فيكِ يا حبيبتي
وقبل خالته بخفاوة ثم تحرك إلي عز وتحدث بعدما ألقي التحية وتلقي المباركات من الجميع:
-هو سياده اللواء هينزل إمتى يا جدو؟
تطلع إليه رافعًا أحد حاجبيه ثم تحدث بابتسامة وغمزه خفيفة من عيناه ملاطفاً إياهُ بها:
-الوقت ينزل يا حبيبي،إتقل شوية ما تبقاش خفيف كدة،فات الكتير يا وَحش
إبتسم على دُعابة ذاك اللطيف والذي تقرب منه إلي أبعد حد طيلة الأربع سنوات المُنصرمة حتي أنهُ بات يُناديه مثلما تلقبهُ أيسل،تحرك إلي أن وصل إلي أبيه ثم جاورهُ الوقوف هو واشقائه لاستقبال والترحاب بالحضور
كان واقفاً ويبدو علي هيأته التوتر وهو ينظر بساعة يده باستمرار فمال شقيقهُ علي جانب أذنه وهمس مشاكساً إياه:
-هو الباشا دايب ومستعجل للدرجة دي؟
لم يُعيرهُ عناء النظر إليه وتحدث مصوباً عيناه نحو باب القاعة:
-إتلم يا محمد ومتخليهاش تيجي فيك
رفع كفاه للأعلي إمتثالاً لحديثهً وأردف معلناً إستسلامه:
-عُلم ويُنفذ يا باشا
إستمع إلي رنين هاتفه فالتقطهُ سريعاً من يد شقيقهُ حيثُ يحملهُ عنه وأجاب علي الفور فأخبرهُ ياسين أنهُ أمام باب القاعة وحثهُ علي الإستعداد
أمام باب القاعة،تقف تلك الفاتنة بقلبٍ مرتجف،متأبطة بذراع والدها المُشتت،تجاورها مليكة التي عدلت لها طرحة زفافها وتحدثت وهي تُمسك بكفها بمؤازرة:
-حاولي تهدي علشان التوتر ما يظهرش عليكِ
أجابتها بهدوء:
-حاضر يا مليكة،بس قولي لي،الميكب والطرحة مظبوطين؟
بعيناي متأثرة حنون أجابتها وكأنها تزفُ إبنتها:
-كل حاجة فيكِ مظبوطة قوي يا قلبي
إبتسمت وتحدثت بامتنان وهي تُشدد من مسكة يدها:
-شكراً يا مليكة،شكراً علي كُل حاجة عملتيها علشاني
كانت تتحدث بعيناي مُمتنة،فكم من المرات التي إختلفت بها مع ذاك الكارم وحدث بينهما خلافاتٍ حادة وانتهت بمجرد تدخُل مليكة ومحاولة تقارب وجهات النظر فيما بينهما،حتي إستقرا ذاك الثُنائي وبات كُلاً منهما يحفظ إختلاف الأخر ويتفادي إغضابه،وهذا قربهما أكثر بل وباتا يعشقا حتي أنفاس بعضهما البعض.
إلتمعت عيناها بفضل دموعها التي حضرت تأثُراً بحديث تلك الرقيقة والتي عادت علاقتهما كالماضي بل وأعمق،إبتسمت لها وفضلت الصمت ثم تطلعت إلي حبيبها وتحدثت وهي تتلمس ذقنهُ:
-إنتَ كويس يا حبيبي؟
عقب عليها بنبرة هادئة عكس ما يدور بداخلهُ:
-أنا تمام يا عُمري،يلا علشان ندخل
تنفس عالياً ورفع قامتهُ لأعلي ثم نظر علي قُرة عينهْ وسألها مُتأثراً:
-جاهزة يا قلبي؟
بعيناي متأثرة لأجل غاليها أومأت فتحرك بها ناحية الباب ليدخلا،أما مليكة فـ ضلت خلفهما لتترك لها المجال بالظهور أولاً ولترك خصوصية اللحظة
خطي ياسين بساقيه للداخل مصطحباً أميرتهُ،كانت عيون الجميع مصوَبة علي الباب بانتظار دخولهم بعد إعلان الموسيقي لذاك،وما أن لمحوا تلك الساحرة حتي قاموا بالتصفيق إحتراماً لظهورها وأبيها،وتعبيراً عن إعجابهم بحُسنها الفريد
إنتفض قلبهُ وانهارت حصونه فور رؤيته لتلك الجميلة شديدة الفتنة،عيونه تتطلع إليها باشتياقٍ ولهفة،إنتفض قلبه بين أضلعه وطالبهُ بالإسراع إليها وجذبها داخل أحضانهُ وضمها بقوة حتي يُشبع شوق قلبهُ العاشق
قادتهُ ساقاه مُسرعاً بمشيتهِ إليها،كان يشعُر بأن قدماه لا تلمسُ الأرض بل يطير من شدة إشتياقه،لا يري سواها،الوصول إليها صار غايتهُ ومراده،ياالله،كَم شعر بأن المسافة إلي بوابة القاعة بعيدةُ جداً برغم قرب المسافة،وأخيراً وصل لها بدقاتِ قلبٍ عالية وأنفاسٍ متقطعة كأنهُ كان يجري داخل سِباق مُنظم لإحدي المسابقات
تطلعت إليه بعيناي خجلة من شِدة نظراته الولهة والعاشقة،تعمقت بعيناه وكأنها تحثهُ بأن يستفيق وينتبهْ لذاك المجاور لها كي لا يثير حفيظتهُ،فَهم مغزي الرسالة وعلي الفور حول بصره وبات ينظر إليه متحمحماً،فتحدث ياسين بنبرة هادئة:
-مبروك يا كارم.
إحتضنهُ وربت علي ظهرهِ بحماسة بادله ياسين إياه بتودُد واردف كارم بنبرة صوت شديدة السعادة:
-الله يبارك فيك يا عمي
إبتعد عنه منتظراً بلهفة تسليمهُ ليد جميلتهُ كي يبدأَ معاً حفل زفافهما السعيد،تفاجأ بياسين يحدثهُ بعيناي شبه متوسلة:
-بنتي أمانة عندك،إوعدني إنك تكرمها وتحافظ عليها،إوعدني كمان إنك ما تكونش سبب في نزول دموعها في يوم من الأيام
واسترسل بعيناي حادة متوعداً وكأنهُ تحول لأخر:
-وإلا قسماً بالله يا كارم،هتلاقي وِش لياسين المغربي عُمرك ما شُفته حتي مع أشد وألعن أعدائي
ربت علي كفته وبابتسامة هادئة ونظرات مُطمأنة تحدث متعهداً:
-سيلا دي أحلا حاجة حصلت لي في حياتي يا عمي،عاوزك تطمن وتتأكد إني هعاملها بما يُرضي الله
واستطرد بصدقٍ:
-وصدقني لو أعرف أحطها جوة عيوني وأقفل عليها برموش عنيا علشان أحميها حتي من نسمة الهوا والله ما هتأخر.
أمال رأسهُ ثم ابتسم بحِنو واسترسل بتأكيد:
-طمن بال سعادتك
هز لهُ رأسه ثم حول بصره إلي تلك التي كانت تستمع إليه بقلبٍ يبكي لشدة تأثُرهُ من خشية والدها عليها،خانتها عيناها وفرت من حدودهما دمعتان ساخنتان فاتجهت يداه سريعاً إلي وجنتيها وقام بتجفيفهما لها ثم احتضنهما بكفاه وقرب وجهها منه وقام بوضع قُبلة بث لها من خلالها مدي حُبهُ
تحدث بنبرة صوت مختنقة وضعيفة تأثراً بالحالة وبفضل دموعهُ الحبيسة التي تأبي النزول إمتثالاً لكرامته وشخصيتهُ القوية:
-مبروك يا أيسل،ربنا يسعدك يا بنتي
عقبت بنبرة مختنقة:
-الله يبارك فيك يا حبيبي
أمسك كفها وسلمها إلي ذاك العاشق وتحدث موصياً إياه:
-خلي بالك منها
حاضر…نطقها بتأكيد واستلم كفها منه ثم نظر عليها متلهفاً،وقام بطبع قُبلة حنون فوق جبهتها،تأبط ذراعها وتحرك للأمام متجهين إلي المكان المجهز لجلوسهما تحت تصفيق الجميع وتناثر أوراق الزهور البيضاء فوق رأسيهما بشكلٍ مُبهر
كان يشعر بانشطار قلبهُ مع كل خطوة تخطوها وتبتعد عنه بها صغيرتهُ،شعرت بهْ،ومن غير المتيمة بعِشق زوجها ستشعُرُ،خطت للأمام حتي جاورتهُ الوقوف،كان أشبه بتائه في وسط صحراءٍ جرداء مظلمة وموحشة،أمسكت كفهُ باحتواء،وكأنها نجماً سقط ليُنير لهُ الطريق ليهتدي ويعود من تيهتهُ إلي السكون
تطلع عليها وبعيناه إشتكي لها مُر حاله،فابتسمت وتحدثت وهي تتمسك بكفهِ بقوة:
-ما تخافش علي سيلا،كارم بيحبها وهيعمل المستحيل علشان يسعدها
تناسي من حوله وحاوط وجنتها بكفهِ وتحدث بعيناي نادمة:
-سامحيني علي كُل مرة نيمتك فيها زعلانة،وكل مرة نزلت فيها دموعك بسببي
إبتسمت وبصدقٍ ظهر بَيِنّ بعيناها تحدثت بنبرة حنون:
-ياريت كُل الرجالة في حنيتك يا ياسين
بنظرات تقطرُ وتئنُ عِشقاً أردف متأثراً:
-بحبك يا مليكة،والله العظيم بحبك
وأنا بعشق كُل ما فيك يا قلب مليكة…نطقتها بنبرة تفيضُ حناناً وشوقا،ثم حثتهُ علي التحرك للأمام ليرحبا معاً بالمعازيم
إنهالت المباركات علي العروسان واتجهت مليكة بصحبة زوجها للترحيب بأهلها،مالت علي والدتها وعانقتها بقوة وتحدثت بنبرة حنون:
-وحشاني يا ماما
وإنتِ أكتر يا قلبي…نطقتها بحبور فمال ياسين هو الأخر وقبل جبهتها وتحدث مُرحباً:
-منورة الفرح يا ماما
عقبت بحبور:
-الفرح منور بالعرسان وبيك يا حبيبي،عقبال ما تجوز مِسك وتفرح بيها
بنبرة ودودة رد عليها:
-في حياتك يا حبيبتي
حول بصرهُ إلي إبتسام وتحدث بترحابٍ شديد:
-نورتي إسكندرية يا مدام إبتسام
بوجهٍ بشوش أجابته:
-منورة بوجودك يا سيادة اللوا وألف مبروك
بملامح وجه حنون تحدث إلي تلك الثُريا:
-عقبال ما نفرح بمروان وأنس يا ماما
عقبت بنبرة صوت حنون:
-في حياتك وعزك يا حبيبي
إبتسم لها،ثم نظر علي يُسرا وتحدث وهو يُشير إلي بطن سارة التي تجاورها والمنتفخ بفضل حملها بشهرها السابع،حيثُ تأخرت بحملها بعد زواجها الذي تم منذ سنتان ولهذا السبب يخاف عليها الجميع:
-هي البطيخة اللي جنبك دي مش هتولد ولا إيه يا يُسرا؟
ضحكت سارة وخبأت وجهها خجلاً أما يُسرا فتحدثت بملاطفة:
-إحنا فين والولادة فين يا ياسين،دي لسة في السابع
أكملت علي حديثها نرمين قائلة بمداعبة لياسين:
-يمكن عاوز البيبي يتولد إبن سبعة ويبقي نرفوز زي بنته
هتفت إبتسام وهي تتحسس بطن زوجة ولدها:
-يتولد براحته محدش مستعجلة،أهم حاجة ينزل بخير وينور حياة جدو حسن وجدته بسمة
أمن الجميع علي حديثها،أما مليكة فاتسعت عيناها وأردفت باعتراض وهي تنظر إلي نرمين:
-بطلي إفتري يا نرمين،بقي مِسك الرقيقة اللي زي النسمة خلتيها نرفوزة؟
بمشاكسة تحدث ياسين ليُخرج حالهُ من تلك المشاعر السلبية:
-سيبيها تتكلم براحتها،بكرة تيجي تتحايل عليا علشان أوافق علي خطوبة النرفوزة اللي مش عجباها دي لسي رائف إبنها
بنبرة ساخرة اردفت يُسرا بمداعبة لشقيقتها:
-أدي كلمتك جت علي دماغ إبنك يا نرمين، إشربي بقي يا حبيبتي
إبتسمت ثُريا وأردفت بنبرة حنون:
-هو أنتوا صدقتوا كلام نرمين بردوا،دي بتعشق مِسك وكل يوم لازم تيجي علشان تشوفها وتقعد معاها
واستطردت قاصدة بحديثها ياسين:
-دي بس بتحب تناغشك يا ياسين
إبتسمت نرمين وتحدثت إلي والدتها:
-سيبي كل واحد يطلع اللي في قلبه علشان أعرف الحقايق يا ماما
عقب ياسين قائلاً بنبرة صادقة:
-قلبي ما فيهوش غير كُل الخير ليكِ إنتِ ويُسرا يا نرمين
أجابتهُ بعيناي متأثرة:
-عارفة والله يا ياسين،ربنا يخليك لينا وتفضل سندنا وراجلنا بعد بابا ورائف الله يرحمهم
شكرها بعيناه،شعرت نرمين بكفاي زوجها الذي أحاط كتفاها برعاية ثم تحدث إلي ياسين:
-ألف مبروك يا ياسين،عقبال ما تجوز إخواتها
أجابهُ بهدوء:
-تسلم يا سراج،عقبال ما تجوز رائف
شكرهُ ثم تحدث إلي زوجتهُ الحبيبة:
-يلا يا حبيبتي علشان نبارك للعرسان ونتصور معاهم
تحدثت نرمين وهي تتأهب للوقوف:
-يلا يا حبيبي
تحدثت سارة وهي تتنسند علي كَتف والدتها كي تستطيع الوقوف:
-خُديني معاكِ يا خالتو علشان رؤوف شكله إنسجم مع خالو طارق ونسيني
ساعدتها يُسرا علي الوقوف وتحدثت بنبرة حريصة:
-بالراحة وإنتِ طالعة السلالم عند العرسان يا سارة
نظرت لها سُهير بتعجُب وتحدثت:
-سلالم إيه اللي هتاخد بالها منها يا يُسرا،دول كلهم تلات درجات يا حبيبتي
واسترسلت بنُصحٍ:
-سيبي البنت تتحرك وتمشي،الحركة حلوة للحوامل هو أنا اللي هقول لك،ما تقولي لها حاجة يا ثُريا إنتِ وإبتسام
والله غلبت أقول يا سُهير…هكذا تحدثت ثُريا باستسلام، في حين عقبت إبتسام بتوضيح:
-ريحوا نفسكم،أي أم بتبقي كدة مع أول حمل لبنتها،انا كُنت أصعب منها مع عالية أول حمل ليها
وعلي ذِكرها حضرت تلك المُفعمةِ بالحيوية وبجانبها زوجها الحبيب الذي تحدث إلي ياسين وهو يصافحهُ بحفاوة:
-ألف مبروك يا سيادة اللواء،عقبال ما تفرح بمِسك إن شاء الله
بملامح وجه بشوشة أجابهُ بحفاوة:
-حبيبي يا شريف،تسلم يا باشا
وحشاني يا ملوكة…نطقها وهو يقترب من شقيقتهُ ويُقبل وجنتيها بحنان،ربتت علي ظهره وتحدثت بحِنو:
-وإنتَ كمان وحشتني قوي يا حبيبي
واستطردت وهي تنظر عليه بعدما ابتعدت عن أحضانه:
-أخبارك إيه يا شريف
بهدوء عقب:
-أنا بخير يا حبيبتي الحمدلله
أومأت له ثم تطلعت علي علياء التي كانت تُجلس صغيرتها بجانب والدتها وتحدثت بنبرة ودودة:
-إزيك يا عالية
أقبلت عليهما بابتسامتها المعهودة ثم تحدثت وهي تحتضنها باحتفاء:
-إزيك إنتِ يا ليكة،وحشاني يا قلبي
ردت بابتسامة:
-إنتِ أكتر والله يا لولو
إقتربت من ياسين وتحدثت وهي تصافحهُ:
-ألف مبروك لسيلا يا أبيه
باستحسان أجابها:
-مُتشكر يا عالية،عقبال ولادك يا حبيبتي
عودة إلي العروسان،حيثُ إنهالت عليهما المُباركات والتهاني من جميع الأهل والمعارف،وقفت حين أقبلت عليها سارة ورؤوف المساند زوجتهُ،إحتضنتها وتحدثت بسعادة بالغة:
-مبروك،ألف مبروك يا سيلو،أخيراً إتجوزتي
أجابتها وهي تُمسك كفاها بسعادة بالغة:
-أخيراً يا سو
واسترسلت بحبور:
-أنا مبسوطة قوي وحاسة إني بحلم،مش مصدقة نفسي
أرادت أن تداعب صديقتها فتحدثت بمشاكسة:
-ما تقلقيش،أول ما تروحي شقتك مع سيادة المقدم،هو هيخليكي تصدقي بطريقته
لكزتها بذراعها علي وقاحتها ودخلتا بنوبة ضحك،فتحدث إليها رؤوف حين إنتهي من تهنأة كارم:
-مبروك يا دكتور
مالت برأسها قليلاً وتحدثت بانتشاء:
-ميرسي يا باشمهندس
أمسك رؤوف يد سارة وتحدث بنبرة تشعُ حناناً:
-يلا يا حبيبتي علشان أنزلك ترتاحي ونسيب العرسان ياخدوا نفسهم شوية
أجابتهُ بموافقة:
-أوكِ يا رؤوف
واسترسلت وهي تتأهب بالانسحاب:
-لو إحتاجتي حاجة شاوري لي بس وأنا هاجي لك في ثانية
لوح بيده ساخراً من جملتها وتحدث قائلاً:
-هنبتديها فشر بقي وتقول لها ثانية وهكون عندك،ده إنتِ علشان تقومي بس من علي الكُرسي عاوزة لك وِنش يقومك
قهقه جميعهم ونظرت سارة له باحتدام فاحتضنها بعيناي أسفة تحت تبرُمها وتحدث كارم حيثُ توطَّدت علاقتهُ بسارة ورؤوف طيلة سنوات الخُطبة:
-يا سيدي البنت بتقول تعبير مجازي،لازم يعني تحرجها،وبعدين ده ظرف طارق سعادتك وكُلهُن مُعرضات ليه
بدعابة لزوجها تحدثت:
-قوله يا سيادة المقدم
بنبرة حنون عقب:
-بهزر معاكِ يا سو علشان ألطف الجو
واستطرد وهو يتحرك بها لينزلا الدرج:
-يلا يا قلبي
جلسا من جديد ومال كارم علي أذنها وتحدث بمشاكسة:
-سارة كانت بتقول لك إيه خلي وشك قلب أحمر كدة
نظرت إلية وابتسامة خجلة إرتسمت علي وجهها وتحدثت بمشاكسة:
-إتلم يا كارم
بعيناي ولهة وقلبٍ ينتفضُ هياماً تحدث بنبرة ذائبة إشتياقاً:
-لا المهمة دي أنا سايبها لك إنتِ،بس بالراحة عليا وإنتِ بتلميني،أصل حبيبك دايب ومستوي وجايب أخره
وبعدين معاك يا حبيبي…نطقتها بإثارة أذابت قلبهُ وكاد أن يتحدث لولا صوت مايان وزوجها الذي تحدث وهو يُبسط ذراعهُ إلي كارم للمصافحة:
-الف مبروك يا كارم باشا
إنتبه لصوتهِ فالتف بنظرهِ إليه وتحدث بحبور:
-الله يبارك فيك يا دكتور أحمد
تحركت مايان إليه وبطريقة رسمية تحدثت بنبرة جادة:
-مبروك يا سيادة المقدم
برسمية أجابها إحتراماً لتلك الحدود التي وضعتها مُنذ أن عقد قرانهُ علي من إختارها قلبهْ:
-متشكر يا دكتورة
وتحدثت أيضاً إلي أيسل بملامح وجه جادة:
-مبروك يا دكتورة
عقبت بابتسامة بشوش:
-ميرسي يا دكتور
إنسحبا بعد التهنئة ليستمع العروسان إلي مسؤول الموسيقي وهو يُعلن عن إنطلاق الرقصة الأولي للعروسان،وقف معتدلاً ثم قام بإغلاق زِر حِلته وبسط لها ذراعهُ بعيناي حنون،وضعت كفها الرقيق داخل كفه فاحتواهُ بقوة وتحركت بجانبهِ إلي أن وصلا واعتلى مكان الرقص المخصص لأداء رقصتهما الأولى
إشتغلت الأغنية وكانت للفنان تامر عاشور، إحتضن كف يدها ولف ذراعهُ حول ظهرها وبدأ يخطوان معاً وهما ينظران لبعضيهما بعيون هائمة سابحة داخل بحر عِشقهما،ذابا وغاصا بعالم أشبة بالخيال متناسيين العالم بأكملهْ،وكأن العالم أصبحَ خالياً إلا منهما،تراقصا وكان يُردد كلمات الأغنية وهو ينظر بزرقويتاها الساحرتان،خطفهُ صفائهما الأشبه بمياه البحر الصافية،تعلقت بعيناه وهي تستمع لكلمات الأغنية تخرُج من بين شفتاه كأجملُ سيمفونية
خليني في حضنك يا حبيبي
ده في حضنك بهدا وبرتاح
أنا كل مشاعري معك راحوا
وكمان قلبي لقلبك راح
ولا بضحك وأفرح من قلبي
غير لو جنبي أنا كانوا عينيك
لو تبعد عني ولو ثانية
بتجنن يا حبيبي عليك
وبتحلى الدنيا في عيني
وأنا جنبك فما تبعدنيش
حُبك فعلاً بيخليني
أتمسك بالدنيا وأعيش
وفي قربك بيروح خوفي
وده وعد ومُلزم أنا بيه
مهما تكون يا حبيبي ظروفي
قلبك عمري ما هاجي عليه
أنا مكسب عمري إني قابلتك
غيرت في عيني الأيام
طمنتني ع الباقي في عمري
حققت لي كل الأحلام
أول ما عيونك دي بشوفها
مش بعرف أشوف غيرها خلاص
إنت هدية ربنا ليّ
إنت حبيبي وأغلى الناس
إنتهت الغنوة وفوجأت به يحاوط خصرها بساعديه رافعاً إياها لتتعلق ساقيها في الهواء،لفت ساعديها حول عُنقهِ لتتشبث به،وأخذ يدورُ بها بسعادة وكأنهُ حصُل علي أغلي وأعلي جوائز الحياة
إمتلأت القاعة بالتصفيق والصفير من الشباب والفتيات تحت سعادة أيسل التي تخطت عنان السماء،كانت تنظر لعيناه وهي تدور في الهواء بمنتهي السعادة وكأنها بالجنة،ضل يدور بها مُدة لا تقل عن الخمس دقائق وبالأخير أنزلها استقرت ساقيها بالأرض،نظرت إليه وبدون مقدمات لفت ساعديها حول عُنقهِ وأحتضنته وضلت تُربت علي ظهرهِ بحنان،فوجئ بتصرفها وقد أعجبهُ كثيراً وبات يُشدد من إحتضانه لها تحت تأثر الجميع لأجل كِلاهُما
بتلك اللحظة إستُبدلت الموسيقي بأخري شبابية وبلحظة إمتلأ الإستيدج بفريقان،فريق من الشباب أصدقاء العريس وأقربائه،والأخر للفتيات من صديقات العروس وقريباتها،وبدأ الجميع بالرقص علي الموسيقي والإحتفاء بالعروسان علي الطريقة الشبابية
صار العروسان يرقصان سوياً، لتتحول الرقصة إلى رقصة مصممة رائعة،تتمايل فيها أيسل وحولها الفتيات وهُن يرقصن بخطواتٍ ثابتة سحرت عيون كل من تطلع إليهُن،ومن ثم إنضم العريس إلى الرقصة مع رفقائهُ وأكمل الجميع الرقص سوياً بخطوات مُنظمة ورائعة،الأمر الذي أضفى طابعاً مميزاً على العُرس وجعلهُ يبدوا وكأنهُ مشهداً علي مسرح دار الأوبرا.
إنتهت الفقرة وفوجئ الجميع بتشغيل غنوة خاصة بالعروس مع أبيها،وهنا إعتلي ياسين الاستيدج وخطي نحو صغيرتهُ بعيناي متأثرة، وما أن رأي الجميع صعودهُ حتي إنسحبوا تاركين لهما المجال حتي كارم وذلك بعدما إستمع إلي نداء الشاب حيث تحدث:
-ياريت كُل اللي علي الإستيدج ينزلوا ويفضوا المكان لرقصة العروسة وبباها
إبتسم كارم له وسلمهُ يد تلك الجميلة وانسحب لينضم إلي باقي الحضور
وضع كفهُ فوق وجنتها الرقيقة ليتلمسها برقة بكفه وتحدث بنبرة متأثرة وعيناي تترقرقُ بها لمعات الدموع:
-مبروك يا قلب أبوكِ
إبتسمت بعيناي شبه دامعة وهُنا إنطلقت كلمات الاغنية مع تشابك ياسين وأبنتهُ وبدأهما بخطوات الرقص الهادئ مع إنسجام أعيُنهم وتأثرهما بكلمات الغنوة التي تقول
بنتي وحبيبتي و كل حاجه في الدنيا ليا
معقول كبرتي و العمر عدي بالسرعة دي
ده انا لسه شايفك بالضفاير بتجري جمبي وتلعبي
انده عليكي بسرعة تجري في حضني تجي وتهربي
اهو انهارده بقيتي احلي عروسة تشوفها عيني
واليوم ده اجمل يوم في عمري حلمت بي طول سنيني
ولو لقيتي دموع في عيني ده عشان هتمشي وتسيبني
كانت تنظر لأبيها وابتسامة متأثرة ظهرت علي ثغرها،أمسكت كف يده ومالت برأسها لتضع قُبلة إمتنان فوقه زادت من تأثر قلبه،أمسك رأسها وقربهُ من فمه مُقبلاً إياه بحنانٍ فائض ظهر بنظرات عيناه الحنون وبصوتهِ المُرتجف حيثُ تحدث قائلاً:
-كبرتي يا سيلا وبقيتي عروسة
بنبرة صوت متأثرة عقبت:
-كبرت يا بابي،وحبك وقيمتك هما كمان كبروا في قلبي
واسترسلت برجاء:
-أنا أسفة يا بابي،أنا عارفة إني تعبتك كتير معايا وإنتَ يا حبيبي إستحملتني كتير،ربنا يخليك ليا وتفضل منور حياتي كُلها
مال برأسهِ قليلاً لليمين واردف بعيناي تشعُ حناناً:
-إوعي حُضن سيادة المقدم ينسيكي إن حُضن أبوكِ موجود ومفتوح لك طول الوقت
هزت رأسها بنفي وتحدثت بإبتسامة لطيفة:
-مفيش حُضن مهما كانت حنيته يقدر يعوضني ويخليني أستغني عن حُضنك،في حُضنك بس بلاقي أماني يا بابي
إبتسامة واسعة بينت صفي أسنانهُ وشقت صدرهُ وخرجت من باطن الألم لتُمحيه وتزرع بدلاً عنه سعادة بالغة،كل هذة المشاعر فقط بفضل كلمات تلك الساحرة
إنتهت الغنوة دون شعورهما بمرور الوقت،فاقا علي التصفيق الحار وذاك الذي صعد لعندهما ووقف بجانب ياسين ثم تحدث بمشاكسة:
-مُمكن سيادتك تديني عروستي،ولا جنابك بتفكر تكمل بيها الفرح؟
قطب جبينهُ وكاد أن يتحدث قاطعهُ ذاك الأنيق الذي صعد للتو وهتف:
-ده دوري يا حبيبي
بات يعدل من ياقة حِلتهِ السوداء الكلاسيكية واسترسل بمداعبة وهو يُمسك يد حفيدتهُ الغالية:
-روح إقعد جنب الأستاذة بُثبنة وخليها تأكلك جاتوة وباتون ساليه علي ما رقصتي مع حفيدتي الحلوة تخلص
إتسعت عيناه وتحدث بملاطفة:
-هما البشوات إتفقوا عليا ولا أنا اللي نيتي بقت سيئة
إطمن يا حبيبي،إنتَ نيتك زي الفل…جملة ما أن نطقها عز حتي إنفجر هو ونجلهُ وأطلقا ضحكاتهم المتتالية وهما يتبادلان النظر كلاهما للأخر بطريقة ساخرة من ذاك الواقف يتطلع عليهما بانزعاجٍ شديد،حول بصرهُ يستنجد بعاشقة روحهُ لكن سُرعان ما خاب ظنه بعدما وجد تلك المرحة تُشارك أبيها وجدها ضحكاتهم الشامتة
رفع أحد حاجبيه ثم أردف مُتسائلاً:
-دي الدكتورة شكلها عاجبها الوضع ومعندهاش إعتراض!
تأبطت ذراع ذاك الوسيم بكِلتا ساعديها ثم ألقت رأسها فوق كَتفه وتحدثت مُنْبَسطة الأَسارير:
-طب بذمتك في واحدة تيجي لها فرصة إنها تُرقص مع أكتر راجل gentleman في العالم وترفض؟!
ثم استرسلت وهي تُشدد من ضمتها لذراع جدها باغتباط:
-ده أنا أبقي غبية لو ضيعت الفرصة دي من أيديا
رفع عز قامتهُ للأعلي بتفاخُر وهو ينظر إلي ذاك الكَظِيم ثم أشار بكف يدهُ قاصداً تلك النائمة علي كَتفه:
-سمعت يا باشا،يَلاَ زي الشاطر كدة ورينا عَرض كتافك وخد حماَك في إيدك وإنتَ نازل
تطلع إلي تلك المُدللة وتوعد لها بعيناه ثم أردف وهو يجز علي أسنانه:
-أوامر معاليك يا باشا
ثم حول بصره إلي ذاك الذي يهز رأسهُ بابتسامة شامتة وتحدث وهو يُشير بكفهِ بتوقير مُجبر:
-إتفضل جنابك
ضحك ياسين وتحرك وتلاهُ ذاك المستشاط الذي تحرك بعدما نظر إلي زوجتهُ وتحدث من بين أسنانه:
-إنبسطي يا بيبي
بإبتسامة سعيدة أشارت مودعة إياه،وهُنا إنطلقت الموسيقي المتفق عليها مُسبقاً بين المسؤول عن تشغيل الموسيقي وذاك الفارس النبيل الذي ينتمي لزمن الفروسية،إعتدلا بوقفتيهما ثم بسط لها ذراعهُ ليحتضن به كفها الرقيق،وقام بوضع كفهُ الآخر خلف ظهرها وبخطوات كلاسيكية ثابتة بدأ يراقصها برُقي علي أنغام غنوة كلمات للفنانة ماجدة الرومي
حقاً كانت رقصة مميزة وأبهرت الجميع،حيث كان يتناقل بخطواتهِ الثابتة والواثقة بحرفية عالية شادداً جسدهُ لأعلي،تتحرك تلك الجميلة بين يداه بخفة وكأنها فراشة تتطايرُ بين الزهور
تحدثت بابتهاجٍ شديد وهي تُطالع ذاك الذي يُراقصها بانبهار:
-واااو يا جدو،ده أنتَ طلعت بترقص بحرفية أحسن من كارم نفسه
رفع حاجبهُ مستنكراً وتحدث باعتراض:
-كارم مين ده كمان اللي بتشبهيه بعز المغربي يا بنت،هما شباب الأيام دي فيهم صحة ولا يعرفوا عن الرومانسية حاجة
واسترسل بنظرات مستاءة:
-دول أخرهم يتنططوا زي القرود علي المسرح ومن خيبتهم التقيلة مسميينه رقص
إبتسمت بسعادة ولف هو بها ثم أمسكها جيداً لتميلُ للخلف بظهرها في حركة أبهرت الجميع وجعلهم يصفقون بتشجيع لذاك المُبهر،ضل يراقصها بحرفية حتي إنتهت الرقصة تحت سعادة أيسل التي شعرت بأنها تُحلق في الهواء من شِدة حبورها

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى