رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ندى محمود توفيق
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت السادس والعشرون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء السادس والعشرون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة السادسة والعشرون
تسمرت بأرضها عندما رأت مروان أمامها وهو يسألها بقلق فور رؤيته لها:
_خلود أنتي كنتي فين أنا كنت قالب الدنيا عليكي.. اوعى يكون سمير عملك حاجة؟!
اضطربت خلود بشدة وتجمدت بأرضها ثم التفتت برأسها لـ ” علي ” الذي كان خلفها وازدردت ريقها بارتباك شديد وملحوظ، ظلت تدعي ربها في نفسها أن ينقذها ويمر الموقف بسلام، فقد تخسر ثقة أخيها بها ثانية ويتركها وربما يكون هو جلادها بدلًا من سمير إذا شك بأنها على علاقة بمروان فعلًا.
تلاقت أعين كل من مروان و ” علي ” مع بعضهم البعض في نظرات حادة وهي تقف بينهم بالمنتصف ولا تدري كيف تتصرف وتقنع شقيقها أن الأمر ليس كما يبدو أمامه، انتفضت على أثر صوت ” علي ” الغليظ وهو يوجه سؤاله لها بنظرة مميتة:
_مين ده؟!
التفتت له وهي تتطلع له بنظرة مضطربة وخائفة ولم تلبث لتجيبه حتى وصلها صوت مروان وهو يسأل ” علي ” بغضب وكأنه على استعداد أن يدخل في شجار عنيف معه:
_أنت اللي مين وبتعمل معاها إيه؟!
أظلمت عين ” علي ” وأثر الفعل في هذه اللحظة بدلًا من الكلام، فلقد كان نصيب مروان أن يشهد على طوفان ” علي ” الذي يتحكم به منذ ذهابه لمنزل سمير وتمالكه لأعصابه حتى لا يقتله بين يديه، والآن سيندلع الطوفان.
انقض عليه ” علي ” يكلمه في وجهه بغل وهو يصرخ به:
_أنت ابن عم الـ**** سمير ده مش إكده؟
لم يكترث مروان لسؤاله أو عباراته أكثر من اللكمة التي تلقاها وضربه له، فراح مروان يرد له اللكمات بقوة أشد وبالفعل نشب شجار عنيف بينهم.
انتفضت خلود زعرًا وهرولت بسرعة لتفرق بين مروان وأخيها ثم صرخت بمروان الذي كان على وشك أن يلكم أخيها بضربة مرعبة:
_مروان ده أخويا بتعمل إيه.. كفاية!!
ثم التفتت لأخيها وامسكت بذراع ” علي ” لتقف أمامه حائلًا بينهم وهي تتوسله بخوف وعينان دامعة:
_ علي أبوس يدك اهدى ياخوي، وتعالي معايا في الأوضة هفهمك كل حاچة
صرخ علي بصوت رجولي مهيب نفضها في أرضها:
_ده بيعمل إيه إهنه ياخلود، متخلنيش أنا اللي ادفنك في أرضك بدل سمير
انهارت خلود باكية أمامه بعجز وهي تترجاه بصدق:
_والله العظيم مفيش حاچة، تعالي بس أنا هحكيلك كل حاچة وبعدين أنت احكم ولو عاوز تقتلتني أنا مش همنعك، تعالي أبوس يدك
ألقى ” علي ” نظرة قاتلة وحاقدة على مروان الذي كان يطالعه بدهشة بعدما اكتشف أنه شقيقها، لكن بالنهاية سار مع خلود التي قبضت على يده وجذبته معها تجاه غرفتها وأثناء سيرها التفتت برأسها للخلف إلى مروان وارسلت له نظرة أسف وحزن وأنها ستعاود الاتصال به، وهو بدوره تفهم الوضع وهز رأسه لها بتفهم في ابتسامة باهتة.
عندما لاحظ ” علي ” أنها تنظر لمروان بالخلف فصرخ بها في صوت جهوري ارعبها:
_امشي قصادي واعدلي راسك دي بدل ما اكسرهالك
امتثلت لأوامره فورًا دون جدال وأصبحت هي التي تسير أمامه وهو خلفها مباشرة، حتى وصلوا لغرفتها ففتحت الباب ودخلت وهو بعدها، توقفت والتفتت لأخيها وهي تطرق رأسها أرضًا بضعف وأسى، أما ” علي ” فكان الشك يأكل رأسه وصدره ملتهب بنيران الغيظ ولم يجد من نفسه سوى أنه غار على خلود وراح يجذبها من ذراعها بقسوة صارخًا بها:
_اللي قاله سمير صُح.. وأنتي ماشية على حل شعرك مع الراچل ده.. انطقي؟!!
انتفضت خلود زعرًا على أثر صرخته بها وقبضته على ذراعها وراحت تبكي بحرقة وتقسم له بالصدق وسط بكائها:
_والله ما في حاچة بيني وبينه مروان كان بيساعدني بس.. وسمير كذاب
مروان منفعلًا صائحًا:
_بيساعدك كيف يعني وهو إيه علاقته بيكي ويعرفك كيف؟!!
خل بصوت ضعيف وهي تترجاه في أسى:
_أنا هحكيلك كل حاچة بس اهدى واسمعنى وتعالى نقعد يا ” على ” أبوس يدك اديني فرصة ادافع عن نفسي وافهمك كل حاچة حصلت معايا في غيابكم
ارتخت قبضة يده على ذراعها وبدأ ثورانه المخيف يهدأ قليلًا ثم ترك ذراعه وأشار لها بعينه أن تتجه إلى المقعد لتجلس وتبدأ بسرد تفاصيل الحكاية كاملة، ففعلت على الفور وراحت تجلس على المقعد وهو جلس أمامها على طرف الفراش وراح يستمع لحديثها وهي تبدأ بالكلام من البداية قائلة:
_من وقت ما اتچوزته وهو بيضربني كل يوم ووصل لدرچة أنه بيچيب الحريم بليل البيت وأنا قاعدة وبيدخل معاها الأوضة اللي چار اوضتي وأنا ببقى سامعة صوتهم طول الليل، وكنت مستحملة ومش بتكلم لأني عارفة أني مليش حد ومقدرش ارچعلكم ولا اشكيلكم بعد اللي عملته، لكن العذاب الچسدي والنفسي اللي كان بيعذبهوني مكنتش قادرة استحمله وفي يوم قررت اهرب بس ملحقتش ومسكني قبل ما اطلع من العمارة وبعديها ضربني وحبسني في اوضة من غير وكل ولا شرب لمدة يومين، فلما دخل في اليوم التالت بالوكل ليا أنا ضربته على راسه وهربت من البيت واصل وكان الكلام ده بليل، فضلت الف في الشوارع وأنا مش عارفة اروح وين ونعيش فلوس ولا إيه حاچة ولا حتى تلفون وفي الشارع قابلت مروان وعرض عليا يساعدني لما حس إني في مشكلة بس أنا رفضت وخوفت منه ومشيت وفضلت الف لغاية ما دخلت عمارة واستخبيت فيها عشان انام شوية لغاية ما النهار يطلع، خوفت من البلطچية اللي بيبقوا في الشوارع بليل احسن حد منهم سامحني ويأذيني، والحمدلله محدش حس بيا في العمارة دي ونمت لغاية النهار ولما صحيت لقيت مروان في وشي وطلع هو ساكن في العمارة دي، وقتها رفض يسيبني وأصر أنه يساعدني وفضل يحاول يقنعني أنه مش هيأذيني وعاوز يساعدني بس وانا قبلت في الآخر مچبورة تكمن مكنش في يدي حل تاني، بعدين هو عرض عليا اقعد في شقة بتاعته هو مش قاعد فيها ومحدش بيروح فيها ولا يعرفها، رفضت بس هو حلفلي مية يمين أنه مش في نيته حاچة وحشة وأنا برضوا كنت مصممة على الرفض لغاية ما وافقت لما ….
قاطعها علي بعصبية وصوت رجولي مهيب:
_وافقتي كيف تقعدي في شقته!!!
أجابت على شقيقها بسرعة لتوضح له الوضع باستفاضة أكثر:
_يا ” علي ” أنا كنت هقعد في الشوارع لو موافقتش اقعد في شقته وكان سمير هيوصلي ولو كان وصلي كان هيقتلني، ومروان والله العظيم راچل ومحترم وأبدًا ما حاول يقربلي ولا حتى يضايقني بكلمة واحدة عفشة، وكان مقعدني في بيته كأني في بيتي بظبط وحتى كان بيساعدني وجابلي محامية عشان ارفع قضية خلع وأطلق من سمير وكنا ماشيين في الإجراءات لغاية ما اللي حصل ده ومروان اكتشف أن سمير ابن عمه
شعر ” علي ” بالخزي من نفسه والألم أن شقيقته عانت كل هذه المعاناة وهم لا يدروا بها حتى، رغم ذنبها واخطائها لكن الذي فعله معها سمير لا يمكن لرجل سوى أن يتقبله أبدًا، ليته سمع توسلات آسيا وهي ترجوه أن ينسى الماضي مؤقتًا وما فعلته أخته ويساعدها في التخلص من ذلك الوحش قبل أن يقتلها، لكنه لم يهتم!.
وجد خلود تنظر في عينيه بعجز وتقول في صوت مهموم ودموعها تنهمر بصمت:
_ علي أنا اقسم بالله ندمت على غلطي وتوبت لربنا ومستحيل اكرر الذنب تاني، ولولا أني عارفة أن محدش منكم هيتقبلني ولا عاوز يشوف وشي كنت چريت عليكم طوالي واحتميت في ناسي منه، بس عچزي وقلة حيلتي هي اللي خلتني اقبل مساعدة مروان واقعد في بيته، بس والله العظيم ما كان في أي حاچة بينا، كل اللي كان بينا أنه كان بيقدملي المساعدة وبيحميني من سمير
ثم شجعت نفسها وراحت تمسك بيده وهي تبكي وتترجاه بوجع:
_سامحني يا ” علي ” سامحني ياخوي وخليك چاري أنا مليش غيرك دلوك
سحب علي يده من قبضته ببطء وهو يتنهد الصعداء بخنق ثم استقام واقفًا وقال له بلهجة حازمة:
_لمي حاچتك يلا عشان أخدك اوديكي مكان ميوصلهوش الـ **** جوزك ده لغاية ما اشوف هعمل معاه إيه
كانت تلك الكلمات بمثابة بريق الأمل لها وجعلتها تبتسم باتساع وفرحة أن شقيقها سيكون بصفها وسيحيمها، فهزت رأسها له بالموافقة وهبت واقفة مهرولة وبدأت تلملم اشيائها بحماس وفرحة.
***
بتمام الساعة السابعة مساءًا.. داخل المستشفى تحديدًا بغرفة فريال النائمة منذ أن اخذت الحقن المهدئة، وكان جلال قد عاد إليه ليطمئن عليها ومن ثم يعود ليكمل الإجراءات الأخيرة لخروج جثة ابنته الصغيرة ويدفنها، جلس على طرف الفراش بجوارها ورفع أنامله لشعرها يمسح عليه بحنو ويتأملها في وجه مهموم وعينان دامعة، ربما هو الآن في أمس الحاچة إليها، لكنها قررت الانفصال عن العالم تمامًا منذ أن تلقت خبر وفاة صغيرتهم لتتركه يتخبط ويتعذر بمفرده، قد يبدو أمام الجميع أنه ثابت وشامخ كالجبال ولكن الحقيقة أنه منهار من داخله، لا يدري على أيهم يحزن.. على موت ابنته ولا حالة زوجته ولا على نفسه ولا على أولادهم الذين ذهبوا منذ صباح اليوم لمنزل جدهم ولا يعرفون شيء حتى الآن عن موت شقيقتهم ووضع أمهم.
انحنى على فريال وراح يلثم رأسها وقد سقطت دموعه من عينيه فوق شعرها وهو يهمس لها بصوت مبحوح:
_متعمليش فيا إكده يا فريال، متقلقنيش عليكي أنا مش حمل اشوف فيكي أي مكروه بزيادة اللي أنا فيه.. لو فاكرة أني مش موچوع كيفك على بتي تبقى غلطانة.. أنا قلبي بيتقطع بس مش بتكلم ومتحمل، فوقي وخليكي قوية واقفي چاري متهملنيش لحالي أبوس يدك
ثم فجأة انهار في البكاء كالطفل الصغير وراح يكمل همسه لها وسط بكائه وهو مازال يضع جبينه على خاصتها:
_ربنا هيعوضنا خير والحمدلله معانا عمار ومعاذ ربنا يحفظهم لينا ويباركلنا فيهم، عيالنا محتاچينا نقف صامدين چارهم.. مش عاوزك تنهاري.. إكده هتعذبينا كلنا معاكي
لم يكن ليكمل حديثه معه حتى سمع صوت طرق الباب فراخ يمسح عباراته فورًا وعندما التفت وجد عمران يدخل وخلفه إخلاص التي ركضت تجاه ابنتها النائمة وهي تبكي وتنظر لجلال وتسأله بحرقة:
_إيه اللي حُصل والبت چرالها إيه ياچلال، هي مش كانت كويسة في الحضانة؟!!
رد بصوت ضعيف يكاد لا يخرج من فرط الأسى:
_الحمدلله ياحچة إخلاص قضاء الله وقدره، هي كانت تعبانة من وقت ما دخلت الحصانة والدكاترة حاولوا يعملوا اللي قدروا عليه
نظر عمران لشقيقته النائمة وسأله بقلق:
_وفريال مالها؟!
التفت جلال للريال ونظر لها بنظرة بائسة ثم أجابه:
_أول ما عرفت الخبر الصبح انهارت والدكاترة ادوها مهدئات ونايمة من وقتها
انحنت إخلاص على ابنتها وراحت الثمن شعرها وجبهتها ووجها وهي تبكي وتردد بوجع:
_يابتي ياحبيبتي
أما عمران فراح يربت على كتف جلال الذي وقف ثم راح يعانقها وهو يربت على ظهره برفق ويهمس له في حزن شديد وألم:
_البقاء لله.. ربنا يعوضكم خير ياچلال، لله ما أخذ وله ما أعطى
ردد جلال بصوت مهموم بعدما ابتعد عن عمران:
_ونعمة بالله
التفت برأسه ونظرته المتحسرة على زوجته النائمة وكان عمران بالمثل ينظر لشقيقته في أسى وحزن…
***
بعد مرور ثلاث ساعات بتوقيت الساعة العاشرة مساءًا داخل سيارة ” علي ” كانت خلود تجلس على المقعد المجاور لمقعده في السيارة وتتابع الطريق بشرود، وراحة نفسية واطمئنان تشعر به لأول مرة منذ وقت طويل، ووسط انشغالها بالطريق وانتظارها أن يصل بها أخيها الي المكان الذي أخبرها بأنه سيبقيها فيه مؤقتًا حتى يتثنى له التفكير والتأهيل فيما سيفعله بزوجها وكيف سيطلقها منه.. وجدت السيارة تشق الطرق الضيقة التي بمنطقة منزل والدها ويسير بها ” علي ” متجهًا إلى منزل خليل صفوان.. اتسعت عيناها وتسارعت دقات قلبها خوفًا وقلقًا والتفتت بسرعة إلى ” علي ” تسأله بارتباك:
_ ” علي ” أنت چايبني بيت أبوي ليه؟!.. مش قولت هتوديني مكان بعيد وآمن لغاية ما تتصرف مع سمير
رد عليه بصوت رجولي غليظ دون أن يحيد بنظره عن الطريق أمامه:
_وهو في مكان آمن اكتر من بيت أبوكي!!
غضنت حاجبيها باستغراب وحيرة من أمر شقيقها وراحت تتمعنه وتدقق النظر في وجهه محاولة اختراق عقله وفهم ما يدور داخله، وبين كل لحظة والأخرى تتلفتت حولها وتشاهد شوارع منطقتهم بعيون مضطربة، حتى توقفت السيارة أمام المنزل أخيرًا، بتلك اللحظة شعرت خلود وكأنه قلبها سيقفز من موقعه لفرط خوفها من القادم، وتذكرت كل شيء في ثواني كيف خرجت من منزل والدها وماذا فعلوا بها وكيف تزوجت ذلك الوغد سمير، فارتجفت في مقعدها وانكمشت بارتيعاد ثم نظرت لأخيها وتوسلته:
_ رچعني الفندق حتى يا ” علي ” مش عايزة ادخل بيت أبوي أنا مش هقدر ابص في وشهم
التفت علي لها ورمقها بنظرة مميتة وقال بحدة:
_هتبصي كيف ما بصيتي في وشي، وطالما أنتي توبتي وندمتي كيف ما بتقولي يبقى خلاص تدخلي وتحبي على راس أمك وراس چدك وتطلبي منهم السماح
امتلأت عيناها بالعبارات وقالت بصوت مبحوح:
_أبوي وچدي وچلال محدش فيهم هيقبل يدخلني البيت وهتقوم القيامة، رچعني أبوس يدك وبلاش مشاكل أنا خايفة منهم
تأفف ” علي ” بنفاذ صبر ثم فتح باب السيارة ونزل وراح يلتف حتى وصل لباب مقعدها هي ففتحه بقوة وصاح بها منفعلًا:
_انزلي ياخلود من غير حديت كتير.. طالما أنا اللي چبتك بنفسي متهابيش حد، مفيش مكان ينفع تقعدي فيه غير إهنه مينفعش تقعد في شقة لحالك
امتثلت لأوامر أخيها بعد لحظات من التفكير والصمت الممتزج بخوفها من القادم، خرجت من السيارة وإذا به يجدها تتشبث بذراعه وهي تنظر له بضعف وتقول:
_چدي وأبوي هيخربوا الدنيا لو شافوني
رد بصوت مقتضب:
_معدش في رچالة في البيت غيري أنا وچدك
رغم أنها تعجبت من رده لكنها لم تعقب كثيرًا وحمدا ربها أن چدها فقط موجود ليخف حدة الصراع الذي سيقوم الآن بسببها بين جدها وأخيها.
سارت مع ” علي ” وهي تتعلق بذراعه تحتمي به، رغم أنها تشعر بانزعاجه البسيط لكنها كانت تريد أن تذكره أنها الآن ليس لديها غيره ليحميها، تعلم أنه لم يسامحها حتى لو يساعدها ولا يرضى بظلمها ولكن مازال غضبه منها لم ينتهي وبالتأكيد لن يسامحها بسهولة…
***
داخل المستشفى بغرفة فريال، جالسة فوق الفراش وتستند بظهرها على ظهر الفراش وعيناها عالقة على الفراغ أمامها بسكون مريب، تتذكر اللحظة التي أخذها فيها جلال بعد استيقاظها لترى ابنتها للمرة الأخيرة قبل أن يأخذوها للدفن، أن سألوها الآن كيف كان حالك وبماذا شعرتي لن تستطيع الإجابة، فهي لا تتذكر أي شيء وكأن ما حدث كان كابوس ولا تريد تذكره، نظرت لطفلتها واعتبرتها نائمة في سباتها العميق، رفضت في عقلها الباطن تصديق أنها فارقت الحياة ولم تعد موجودة بينهم، أن روحها الصغيرة صعدت لربها وخالقها، روحها تتألم على فراق تلك الصغيرة التي لم تشبع من ضمها أو رائحتها.. هي لم تحفظ ملامحها جيدًا حتى.
بينما تلك الأفكار كانت في مخليتها وعقلها كانت عيناها تذرف الدموع دون توقف بصمت، وقد كانت إخلاص في تلك الأثناء ذهبت لتجلب لها طعامًا وعصير ودوائها، وفريال أصبحت بعالم آخر لدرجة أنها لم تشعر بالباب الذي انفتح ولا خطوات جلال الذي دخل واقترب منها ثم جلس على طرف الفراش بجوارها وراح يمد يده يمسح على شعرها بحنو متمتمًا:
_فريال أنتي بخير ياحبيبتي؟
التفتت له بوجهها الذابل وعيناها المنتفخة ثم سألته بروح ضائعة:
_دفنتوها؟!
انكمش وجهه واحتل العبوس قسماته ليأخذ نفسًا عميقًا في أسى ويهز رأسه لها بالإيجاب ثم ينحنى عليها ويضمها لصدره ويلثم رأسها وجبهتها بقبلات متتالية في دفء، أما هي فابتسمت بمرارة وقالت بوجع:
_كانت كيف الملاك ياچلال، كانت نايمة أنا ملحقتش اخدها في حضني ولا اشبع منها
شدد من ضمه لها واستمر في قبلاته محاولًا التخفيف عنها ويجيبها بابتسامة حزينة:
_هي ملاك فعلًا يافريال.. ملاك صغير وطلعت للسما، قولي الحمدلله وربنا ان شاء الله هيعوضنا قريب تاني، هي مكنتش لينا ورچعت للي خلقها ومتغلاش عليه.. اللهم لك الحمد والشكر
رددت خلف زوجها ” الحمدلله ” وهي تبكي بحرقة وصوت مرتفع، وهو يمسح على شعرها وظهرها ويقبلها بحنو هامسًا لها:
_ابكي لو البكا هيريحك، متكتميش في روحك
ارتفعت صوت نجيبها بين ذراعيها وأصبحت تعتريها رجفة مع شهقاتها العالية، رغم أن حالتها كانت تمزق قلبها أكثر لكنه تركها حتى تفرغ طاقتها المشحونة ولا تتعبها أكثر أذا كتمتها في صدرها، بعد وقت طويل نسبيًا توقفت عن البكاء ودخلت بتلك اللحظة إخلاص بعدما اشترت لها ما تحتاجه، فأسرعت إليه مفزوعة عندما رأتها تبكي هكذا تسألها:
_مالك يافريال؟
رد عليها جلال بنظرة خيمة وصوت رزين:
_ملهاش ياحچة، كانت بتفرغ عن نفسها شوية
هدأت نفسها المرتعدة ثم اقتربت من ابنتها وجلست بجوارها من الجانب الآخر من الفراش وراحت تسألها باهتمام:
_أنتي زينة يابتي؟
هزت فريال رأسها بالإيجاب ووجهها غارق بدموعها، دخل عمران من باب الغرفة ووقف على مسافة بعيدة نسبيًا يراقب تعبيرات وجه شقيقته التي نظرت له بحسرة وعجز جعلاه يقترب منها فورًا ويجلس مكان إخلاص ويضمها لصدره مقبلًا رأسها بحنان أخوي جميل ويهمس لها:
_دموعك دي غالية قوي عندي يابت أبوي، وقلبي بيتقطع عليكي وأنا شايفك بالمنظر ده، متعمليش في روحك إكده وادعي وقولي اللهم اجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها، عيالك محتاچينك وحتى چوزك مش متحمل يشوفك إكده
انهارت بين ذراعين أخيها وراحت تقول وسط بكائها بقلة حيلة:
_غصب عني والله ياعمران غصب عني مش قادرة اتحمل وچع قلبي عليها
أجابها عمران بصوت رجولي دافيء:
_ربنا يصبرك ياغالية
استقام جلال واقفًا بعدما شعر بأنه أنفاسه ضاقت عليه ثانية كما كان بالصباح وقال موجهًا حديثه لزوجته:
_يلا يافريال قومي البسي طرحتك عشان نمشي ونرچع البيت ياحبيبتي
هزت رأسها له بالموافقة ثم ابتعدت عن أحضان أخيها الذي ابتسم لها بحب ومسح على ظهرها في لطف، هبت إخلاص واقفة وراحت تساعدها في الوقوف على قدميها لترتظي حجابها وتنهدم من ملابسها وتغسل وجهها قبل أن تذهب…
***
داخل منزل خليل صفوان……..
فتح ” علي ” باب المنزل ودخل أولًا قبلها خلود التي بقيت واقفة عند باب المنزل بخوف لم تدخل إلا عندما رأته يلتفت لها برأسه ويشير بنظراته الصارمة أن تدخل ففعلت بخطوات متعثرة ومترددة، وكان بصالة المنزل بالأسفل يجلس كل من غزل وإنصاف التي وقع نظرها على ابنتها واتسعت عيناها وفغرت شفتيها بصدمة لا تستوعب ولا تصدق ما تراه عيناها، أما غزل فقد صابها الذهول واضطرب قلبها وللحظة اشتعلت نيران الغيظ في صدرها وهي تراه يدخل المنزل مع فتاة لا تعرفها وظنتها حبيبته.
وقفت خلود خلف أخيها تحتمي به دون أن ترفع رأسها أو نظرها وتتطلع للجالسين أمامها، وثبت إنصاف واقفة تنقل نظرها بذهول بين ابنها وابنتها بعدم فهم، أما ” علي ” فقد تصرف بطبيعية وبرود مع صدمة أمه ونظراتها وراح يسأل غزل بصوت غليظ:
_چدي وين ياغزل؟
ألقت غزل نظرة متفحصة على خلود في غيظ تتفحصها من أعلاها لأسفلها وهي ملتصقة بظهر ” علي ” تحتمي به، ثم ردت عليه باقتضاب وخنق:
_جوا في اوضة الجلوس
فجأة ارتفع وصدح صوت ” علي ” الرجولي المرتفع وهو يصيح مناديًا على جده بكل ثقة:
_چـــدي.. چــــدي
المشاعر بين كل من غزل وإنصاف مختلفة لواحدة تنظر لخلود بكل خنق وكره والأخرى تتفحص في ملامح ابنتها الذابلة ومنظرها المزري وكأنها أصبحت واحدة أخرى وللحظة شعرت بأنها لا تعرفها بسبب ما تعرضت له من ظلم وخسرانها بوزنها وبريق وجهها وانطفاء نظراتها وكسرتها، فهذه ليست خلود التي كانت تقف بكل شموخ وقوة أمام الجميع، أين ذهبت ابنتها!.
خرج حمزة من غرفة الجلوس على أثر صوت صياح ” علي ” وندائه عليه، كان يتحرك وبيده عصاه الغليظة يتكأ عليها في سيره ويجيب على ” علي ” قبل أن يرفع رأسه له:
_چرا إيه بتزعق إكده ليه يا ” علي ”
رفع رأسه بعدما غلق الباب ونظر لهم فرأى خلود تقف خلف أخيها وترتجف من الخوف، فاتسعت عين حمزة بصدمة وسرعان ما إظلمت نظراته واحتقان وجهه بدماء الغضب والعيد وراح يصيح بـ ” علي ” في صوت جهوري:
_إيه اللي چايبها معاك دي، سبق وقولنا رچلها متعتبش عتبة البيت تاني واصل مش مكفياها الفضايح والعار اللي چبتهولنا، وأنها حطت راسنا في الطين
التصقت خلود بظهر ” علي ” أكثر وبدأت دموعها في الأنهمار على وجنتيها، حتى سمعت صوت أخيها الخشن وهو يجيب على جده:
_خلود هتقعد إهنه ياچدي، ولا عاوزني اسيبها في الشوارع وكلاب الطرق تنهش فيها
ابتسم حمزة ساخرًا وقال بقسوة:
_شوارع!!.. وسيد الرچال الـ*** اللي لطخت شرفها بسببه راح وين، ولا بعد ما خد غايته منها رماها عضم للكلاب
رد علي بغضب:
_اديك قولت عليه الـ*** وهو اللي عامل فيها كل ده، لو سبتها ليه هيخلص عليها واصل
نظر حمزة لخلود بتفحص يدقق النظر في وجهها المتورم من أثر الضرب والاعتداءات الجسدية عليها ورغم ذلك لم يشفق عليها وصاح بانفعال ورفض قاطع:
_خليها ترچعله ويخلص عليها، الفاچرة دي مش هتدخل البيت ولا تقعد فيه
انتفضت خلود على أثر صياح جدها وانهارت باكية ثم استدارت وهمت بأن ترحل من المنزل لكن أوقفها صوت ” علي ” المرعب:
_أنا مقولتش تتحركي اقفي عندك ياخلود
وقفت مجبرة امتثالًا لأمر أخيها بينما حمزة فنظر لـ ” علي ” باستياء شديد وصاح به:
_أنت هتكسر كلمتي يا ” علي ” !!!
رد ” علي” بثبات ووقار زاده رجولة وقوة:
_استغفر الله ياحچ حمزة مقدرش، بس كمان مقدرش اهملها تطلع في الشوارع دلوك، مهما عملت هتفضل بتنا للأسف وعيبة في رچولتي لما اسيبها للـ **** يعذب فيها كل يوم لغاية ما هيخلص عليها
ضرب حمزة بعصاه الأرض في قوة وصرخ يلقي كلمته القاطعة التي لا رجعة فيها:
_وأنا قولت كلمتي يا ولد منصور ملهاش قعاد إهنه، وبنات معندناش غير آسيا وغزل.. دي لا بتنا ولا نعرفها
بدأ صوت نحيب خلود يرتفع وشهقاتها تظهر، حتى وجدت ” علي ” يتجه إلى جدها ويطلب منه التحدث معه بالداخل بمفردهما، وبعد محاولات كثيرة لإقناعه واقف أن يدخل ويتحدث مع ” علي “، أما غزل فتحولت نظراتها من الخنق للدهشة والشفقة على خلود التي اكتشفت أنها شقيقته التي حكت لها عنها آسيا.
***
داخل منزل عمران، كانت آسيا تقف بالشرفة تتابع الطريق تنتظر وصول عمران بفارغ الصبر وسط قلقها على فريال وحزنها على ابنة أخيها الصغيرة، كانت تعاني من نوبات الفزع على زوجها من ذلك الرجل الذي مترصد له أسفل المنزل وقد عزمت النية أن تخبره تلك الليلة ليتخذ احتياطته.
انتظرت لدقائق طويلة حتى رأت سيارة عمران تصطف أمام بوابة البناية وكانت عين تثبتها على عمران والأخرى على ذلك الرجل خوفًا من أن يخطو أي خطوة باتجاه ويأذيه، لكن مرت تلك اللحظات بسلام ودخل عمران البناية، إذا بها ترى ذلك الرجل يرفع رأسه وينظر لها مبتسمًا بشيطانية، رغم ارتباطها البسيط إلا أنها كعادتها أظهرت عن أنيابها وراحت ترمقه بنظرة ثاقبة ومتجبرة تتوعد له من خلالها، ثم دخلت واسرعت لتفتح الباب لزوجها.
انتظرت وصول عمران أمام باب المنزل وفتحت هي فورًا فوجدته بيده مفتاح المنزل ويرفع يده كان على وشك أن يضعه بالقفل ليفتح، مال ثغره للجانب بتعجب ودهشة بسيطة منها ثم دخل واغلق الباب وهو يقول بلطف:
_أنني لسا صاحية، أنا قولت هلاقيكي نايمة أنتي وسليم!
آسيا بوجه عابس وحزين:
_أنام كيف يعني ياعمران بعد اللي حُصل، ده أنا زعلانة وشايلة منك أنك مخدتنيش معاك
لف ذراعه حول كتفيها وضمها لصدره وقال بحنو وهو يسير معها لغرفتهم:
_اخدك كيف بس ياغزال أنتي مش شايفة الچو سقعة كيف أنا خوفت عليكي تتعبي وأنتي لساتك تعبانة من الولادة، وكمان الواد كنتي هتسبيه مع مين مينفعش تطلعي بيه في الليل إكده
نظرت له آسيا باستنكار وقالت في انزعاج:
_ياعمران ده إخويا ودي بت أخويا وأنت عارف زين معزة أختك عندي، كيف اسيبها في الحالة دي
انحنى عليها ولثم شعرها بقبلة محبة وتمتم:
_حاضر بكرا الصبح هاخدك وتروحي تشوفيها وتطمني عليها، هي بخير وروحت بيتها مع چوزها
ابتعدت عنها ثم جلس هو على الفراش وبدأ ينزع عنه عبائته وهو يطلق زفيرًا حارًا في إرهاق وحزن، فجلست آسيا بجواره ونظرت له بأسى ثم سألته في حسرة:
_دفنتوها؟
هز رأسها بالإيجار في تعبيرات وجه بائسة، فتنهدت آسيا بوجه وقالت في صوت مبحوح:
_قلبي موچوع عليها قوي البت، كتر خير فريال
عمران بعبوس شديد:
_ادعيلها ربنا يصبرها
رددت آسيا من أعماق صدرها ” يارب “، اما هو فقد استقام واقفًا بعدما صوت حركة ابنه في فراشه الصغير، اقترب منها بكل شوق ولهفة وانحنى عليه يحمله بين ذراعيه ثم يقبله من رأسه هامسًا له:
_أنت مش ناوي تكبر عاد ولا إيه وتنزل مع أبوك الوكالة والشغل وتقف چاري وتساعدني
وقفت آسيا واقتربت منهم لتقف بجوار عمران وتنظر لابنها الذي ينظر لأبيه بتركيز وكأنه يدرك كل كلمة يقولها، فابتسمت بخفة وقالت له في نعومة:
_متسعچل عليه ليه يامعلم، مسيره يكبر ويسندك ويقف في ضهرك، وتفرح بيه وبشهادته وتچوزه وتشوف عياله كمان
نظر لها مبتسمًا وقال مازحًا:
_ربنا يدينا الصحة وأشوف عيال عيالي، عاد أنت شايفة الصحة بقت على قدها ياغزال والواحد ممكن يودع في أي لحظة تنقبض قلبها على أثر عباراته وهتفت تعنفه برفق وتعابته في ضيق:
_متقولش إكده ربنا يبارك في عمرك وميحرمناش منك، بعدين صحة إيه اللي على قدها يامعلم ده أنت الله اكبر لساتك في عز شبابك
نظر لابنه وقال مبتسمًا في مرارة وحزن:
_الهم بيكبر ويهد يا آسيا وأنا شايل هم تقيل قوي فوق كتافي، وأبويا الله يسامحه مشيلني الهم حتى بعد مماته
انحنت عليه واستندت برأسها على ذراعه وهي تتعلق به كأنه طوق نجاتها الوحيد وتقول بحزن وشفقة عليه:
_بعد الشر عليك من الهم، ارمي حمولك عليا وفضفض ومتحملش على روحك، أنا وولدك منقدرش نتحمل لو چرالك حاچة لقدر الله
كان بذراع يحمل ابنه الصغير والذراع الآخر راح يلفه حولها ويضمها إليه متمتمًا في غرام جميل:
_ربنا ما يحرمني منك يا أم الغالي ياحبيبة قلبي
ثم سكت للحظة وقال مبتسمًا يتصنع الحزن:
_رغم كل ده وهونت عليكي وزودتي عليا الهم بزعلك مني وبعدك عني
ابتعدت عن حضنه فورًا ورفعت قدميها لتصل لوجهه وطبعا قبلة عاشقة على وجنته ولحيته هاتفة:
_مليش حق يامعلم، بعدين أنت عمرك ما تهون عليا ده أنا كنت بدلع عليك بس، ودلوك اعتبرني خلاص من يدك دي ليدك دي
ضحك بخفة على تدللها عليه وكلماتها الحلوة التي استقرت في قلبه واسعدته، ثم مال عليها ولثم وجنتيها وجانب ثغرها بقبلات حميمية وعاطفية، فابتسمت هي بحب وسكينة، لكن سرعان ما اختفت تلك السكينة عندما تذكرت الخطر الذي يحاوطه وأنها قررت أن تخبره ولا تخفي عنه، فتنهدت الصعداء بقلق بعدما تبدلت تعبيراتها للجدية وقالت له:
_عمران عاوزة اقولك على حاچة
نظر لها باستغراب وقلق وهتف:
_حاچة إيه دي؟
قبل أن تتحدث قطعها صوت رنين هاتفها المرتفع، فخاف أن يستيقظ ابنه الذي نام بين ذراعيها، فاعطاها إياه بسرعة وراح يجيب على هاتفه، كانت تراقبه وهو يتحدث في الهاتف فوجدت الغضب بدأ يحتل تعبيراته وهو يجيب على المتصل بعصبية ويخبره بأنه قادم الآن.
سألته بقلق بعدما انتهى من مكالمته ووجدته يجذب هاتفه ومفاتحيه على عجالة ويهم بالرحيل:
_في إيه ياعمران؟!!
رد عليها بإيجاز وهو يتجه إلى خارج الغرفة:
_مشكلة في الشغل ولازم اروح دلوك، خدي بالك من روحك انتي والواد وأنا مش هتأخر أن شاء الله
وقفت مكانها متسمرة بعدما رحل، بين ذراعيها صغيرها وهم وحيدين في المنزل من جديد، هي حتى لم تستطع أن تحذره من الخطر الذي يلاحقه وتركها ورحل، فور تذكرها لذلك الرجل، وضعت صغيرها في فراشه برفق وهرولت إلى الشرفة لتطمئن أن زوجها غادر بسلام فلم تجد سيارته وعندما نظرت إلى الجانب الأخر وجدت ذلك الرجل وسيارته أيضًا ليست موجودة، فاستنتجت وتوقعت أن ذلك الرجل لحق بعمران، تسارعت أنفاسها ودقات قلبها فزعًا عليه ودخلت الغرفة تلتقط هاتفها تجري اتصالها بعمران، اتصال خلف اتصال وهو لا يجيبها مما أفقدها قدرتها على الوقوف على قدميها من شدة ارتيعادها وتوترها….
***
بمكان آخر داخل منزل بلال وحور……
كانت تجلس بجواره على الأريكة وتتفحص تعبيراته البائسة حزنًا على شقيقته وابنتها الصغيرة، فرفعت يدها ومسحت على ذراعه وكتفه بنعومة هامسة:
_ربنا يصبرها يابلال، هي عاملة إيه دلوقتي فريال؟
رد عليها بعبوس بسيط وهو يتنهد بقوة:
_كويسة الحمدلله بس نفسيتها تعبانة قوي، وروحت بيتها مع جوزها بعد ما خلصنا كل حاچة ودفنا البت
تمت حور بأسف شديد وحزن:
_ربنا يعوضهم خير يارب
رفع بلال يده ومسح على وجهه متأففًا بخنق ثم استقام واقفًا وقال لها في نظرة حانية وابتسامة دافئة:
_يلا تعالي عشان اوريكي التچديدات وتشوفي لو في حاچة مش عچباكي وعايزة تغييرها عشان نمشي قبل ما الوقت يتأخر
استقامت هي الأخرى واقفة وتقدمت إليه لتقف أمامه مباشرة وتنظر إليه بدلال متمتمة في حب:
_طالما أنت اللي مختارها تبقى هتعجبني أكيد
قهقه بخفة على دلعها وهمس لها مازحًا:
_بحبك وأنتي بتاكلي بعقلي حلاوة إكده
ابتسمت ابتسامه في ثقة وغرور زادها جمال وأنوثة، ثم سارت معه للداخل يتفقدوا الغرف ويريها التجديدات الأخيرة الذي فعلها باليومين السابقين،وكمان كانت متوقعة اعجبت بزوقه في اختيار الألوان والأشكال وكل شيء وأبدت عن سعادتها وحماسها الشديد، وقف خلفها يراقب تعبيرات ها وهي تتفحص المنزل والغرف وعلى ثغره ابتسامة عاشقة، فانحنى عليها من الخلف وطبع قبلة رقيقة فوق رأسها، فالتفتت له وابتسمت بخجل ثم عاتبته في رقة:
_وبعدين بقى يابلال قولنا نقعد باحترام لغاية ما نمشي
ضيق عينيه باستغراب وقال مداعبًا وهو يضحك:
_هو أنا عملت حاچة دي البوسة دي أنا ببوسها لأمي!!!
ضحكت بقوة عليه واكتفت بضحكتها دون أن تجيبه وتابعت تفقدها لمنزلها المستقبلي وهو خلفها يراقبها ينتظر منها أن تملي عليه أي تعديلات بشأن تجديدات المنزل ولكنها أبدت عن إعجابها الشديد بكل شيء نفذه.
سألها بحب وصوت دافيء:
_ إيه رأيك عچبك؟
التفتت له ورمقته بحب هاتفا في فرحة:
_جميل أوي يابلال ربنا يباركلكي فيكي وميحرمنيش منك ياحبيبي
ضمها لصدره بحنو وتمتم في غرام:
_ولا يحرمني منك ياحوريتي، عقبال فرحنا والليلة الكبيرة ياعروسة
رددت خلفه في استحياء من ضمه لها ” يارب ” ثم ابتعدت عنه وقالت بجدية بسيطة:
_يلا نمشي عشان منتأخرش وتوصلني البيت
هز رأسه لها بالموافقة ثم أخبرها بأن تسبقه للخارج وهو سيلحق بها، ففعلت وبعد دقائق معدودة خرج معها وغادروا المنزل واستقلوا بالمقعد الكهربائي الذي نزل بهم إلى الطابق الارضي حيث مدخل البناية وبينما كانوا في طريقهم للسيارة استوقف حور صوت رجولي من خلفها يهتف:
_حور!
توقفت والتفتت خلفها فإذا بها ترى ابن عمتها أمامها، ابتسمت له بود وقالت بكل عفوية:
_عمرو عامل إيه؟
كان بلال يعرفه ولم يعقب أن يصدر أي ردة فعل على سلام زوجته عليه وتصرف بطبيعية تمامًا، حتى لاحظ نظراته المحتقنة له وهو يرمقه بغل وقرف ثم هتف لحور يحاسبها وكأنه والدها:
_انتوا كنتوا مع بعض في الشقة فوق وحدكم ولا إيه!!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))