رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ندى محمود توفيق
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت الخامس والعشرون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء الخامس والعشرون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة الخامسة والعشرون
دخلت خلود غرفتها بالفندق وما لبثت أن أغلقت الباب وقادت خطواتها للفراش حتى سمعت صوت طرق الباب، فظنت أن الطارق هو مروان وبسرعة وتلهف عادت للباب لتفتح وتطمئن عليه ويخبرها بما حدث معه بالأمس بعد تركها وأصر أن يذهب لزوجها، فتحت الباب وعلى وجهها ابتسامة محبة تستقبل بها مروان كمان تظن، لكنها صدمت بوجه سمير أمامها فاتسعت عيناها بذهول وتسارعت أنفاسها ودقات قلبها ودب الرعب في أوصالها من ذلك الوحش المتجسد في صورة بشر، وكل ذلك حدث بظرف ثواني وفورًا راحت تغلق الباب بقوة لتحمي نفسها منه لكنه وضع قدمه حائل حتى لا ينغلق الباب وظلت هي من الداخل تحاول دفع الباب وإخراج قدمه لتغلقه لكنه بحركة واحدة وبقوته الجسمانية كرجل مقارنة بجسدها الأنثوي الضعيف دفع الباب بكل عنف فارتدت خلود للخلف وسقطت على الأرض من شدة الدفعة، بينما هو فدخل للغرفة وهو ينظر لها بكل غل وقسوة، تعبيرات وجهه كانت تثبت لها الجحيم الذي ستراه الآن فقد كان كالوحش المفترس والجائع الذي وجد فريسته أخيرًا، ظلت تتقهقهر للخلف وهي على الأرض برعب منه وتتوسله باكية:
_سمير لو قربتلي هصرخ والم عليك الخلق كلها وهتصل بالبوليس
لم يعيرها اهتمام بل دخل واغلق الباب خلفه ثم التفت ونظر لها بابتسامة شيطانية وقال بحقد:
_وتتصلي بالبوليس ليه، البطل مروان اللي حاميكي وبتخونيني معاه ده راح وين!!
لم تستطع تحمل إهانته القاسية لها فصرخت به ببكاء شديد:
_أنا مخنتكش ومروان كان بيساعدني
اتسعت بسمة سمير بطريقة مرعبة وهو مازال يقترب منها وهي تتراجع وتزحف على الأرض للخلف خوفًا من أن تسقط بين يديه فيذيقها الضرب والإهانة والذل كما اعتادت منه، وبالفعل لم تسلم منه حيث أنها عندما توقفت عن الزحف ووجدت نفسها تصطدم بالحاةط خلفها انحنى هو عليها وصفعها بقسوة على وجهها ثم جذبها من شعرها صارخًا بها:
_وتلاقيه هو اللي ساعدك في الهروب كمان وكنتي بتخونيني معاه من بدري وأنا مش داري وقررتي تهربي معاه يا****
صرخت باكية وهي ترتجف بين يديها رعبًا وراحت تصيح به تدافع عن نفسها من التهم البشعة التي يوجهها لها:
_منك لله ياخي ارحمني.. انا اشرف منك ومن عيلتك كلها
قهقه سمير ساخرًا وهو ينظر لها بنظرة انتزعت منها الرحمة والشفقة ويده مازالت تقبض على شعرها ثم قال بنظرة احتقار:
_انتي هتقوليلي على الشرف والدليل أنك حملتي مني في الحرام وياريتك عرفتي تتصرفي وتنزليه لا دبستيني في خلقتك وخربتي حياتي وعذبتي روحك بالعيشة معايا
استمعت لكلماته المسمومة وقلبها كان يبكي مع عينيها من فرط الألم والقهر، فقد اشعرها بحقارتها ووضاعتها حقًا أنها سلمت نفسها لإنسان وغد مثله وعصت ربها والآن هي تجني ثمار أفعالها وتتوب إلى ربها، رفعت رأسها له ونظرت له بوجه غارق في الدموع وتوسلته في عجز:
_ابوس يدك طلقني وهملني ياسمير!
وجد صفعة ثانية تنزل على وجهها أدمت شفتيها على أثرها وشعرت بأن وجهها تورم من فرط قوتها وراح يصرخ بها في كره حقيقي:
_اطلقك عشان تتچوزي واد عمي يا****، أنا بتهربي مني وتخونيني يا*** ده أنا هخليكي تشوفي سمير الو*** اللي هيوريكي العذاب على حق
انهارت باكية بقوة وجسدها كله ينتفض خوفًا والمًا من اعتدائه عليها بالضرب، وفي قرارة نفسها تدعو ربها أن ينجدها من بين يدين ذلك المريض، أما هو فقد جذبها من ذراعها بعنف وأوقفها عنوة وهو يصرخ بها:
_يلا اطلعي قصادي
هزت رأسها له بالنفي في بكاء وخوف وثبتت قدمها في الأرض ترفض الحركة فراح هو يدفعها بكل قوته وقسوتها صارخًا:
_اتحركي قصادي قولتلك، هترچعي على البيت وهناك هربيكي صُح وابقي وريني مروان يعرف ينجدك من بين يدي كيف
سارت معه بالإجبار وهي تبكي بقوة وقبل أن تبتعد عن الفراش ويغادروا التقطت حجابها لترتديه وتستر شعرها، وهو كان يجرها خلفه كالغنيمة من ذراعها.
بالاسفل داخل سيارة ” علي ” بعد دقائق قصيرة نسبيًا من رؤيته لشقيقته وزوجها وهم يدخلون خلف بعضهم، وجدهم يخرجون ثانية وهذه المرة كان سمير يجر خلود خلفه بكل قسوة وهي تبكي بشدة وحتى حجابها لا يستر شعرها جيدًا وحالتها مزرية، فاتسعت عينيه بصدمة من منظر شقيقته، ثم وجد سمير يوقف سيارة أجرة ويدخل خلود بها عنوة ثم يستقل بجوارها وتنطلق السيارة، تذكر بتلك اللحظة كلمات آسيا عندما كانت تحاول إقناعه أن ينقذ شقيقته من بين براثن ذلك الذنب الذي يعذبها ويفعل بها الأفاعيل، وهو لم يصدقها أو لم يهتم بما تقوله وقد اتضح أن ما قالته آسيا كان الحقيقة.
***
أجاب بشار على رنين هاتفه بعد رأى رقم مجهول ليس من ضمن الارقام المسجلة وعندما رد على الاتصال وصله صوت آسبا المناهل وهي تستنجد به هاتفة:
_بشار الحق عمران
عرفها من صوتها ولم يكن بحاجة للاستفسار عن هوية تلك المرأة التي تحدثه، بل صوتها المزعور واستنجادها به افزعه فرد عليها بقلق:
_في إيه يا آسيا ماله عمران
آسيا بصوت مضطرب ومرتعد من فرط الخوف:
_ عمران عرف مكان عمي منصور وطلع جري عشان يروحله ومقدرتش امنعه
هل بشار واقفًا مفزوعًا وقال باهتمام شديد يسألها:
_منصور!!.. طيب أنتي متعرفيش فين مكانه وراح وين؟!
هزت رأسها بالنفي وهتفت بنفس نبرة صوتها التي لا تتغير:
_لا معرفش انا ملحقتش اتكلم معاه أصلًا، الحقه يابشار أبوس يدك احسن يعمل فيه حاچة ويضيع روحه
هدأت من روعها بصوته الرجولي القوي وهو يقول:
_ماشي يا آسيا أنا هتصرف وهعرف مكانه وهروحله الحقه، اهدى
آسيا بإيجاب وهي تترجاه:
_طمني يابشار بالله عليك اوعي تنسى
_حاضر هطمنك.. يلا سلام
أنهت الاتصال معه وجلست على الفراش تحدق في الفراغ بشرتك وقلق وادمعت عيناها خوفًا وقلقًا على زوجها أن يقحم نفسه في مصيبة وتخسره.
***
داخل سيارة جلال، التفتت له فريال بقلق عندما وجدته اوقف السيارة على جانب الطريق وهو يتحدث في الهاتف او بالمعنى الأدق يسمع للطرف الآخر الذي يحادثه وتعبيرات وجهه أثارت الرعب والقلق في صدرها فراحت تتشبث بيده وتنظر في عينيه بخوف وتهمس بصوت مرتجف:
_بتي چرالها حاچة ياچلال؟!
كان جلال يستمع للطبيب في الهاتف وهو يصف له تطورات حالة طفلته الأخيرة ويقول له بكل أسف وحزن:
_احنا حاولنا نعمل اللي نقدر عليه ياجلال بس ده قضاء الله وقدره وهي عمرها كدا، ربنا يعوضك خير أنت والمدام يارب ويحفظلكم ولادكم
خنجر مسموح انغرز في أعماق قلبه بعد تلك العبارات، حتى أن قلبه ضاق عليه وانفاسه كتمت في صدره فأصبح كأن حجر يطبق على صدره ولا يستطيع التنفس بسببه، ومن جهة أخرى فريال التي تنظر له وتنتظره أن يطمئنها أن كان ذلك طبيب طفلتها، انقطع صوت جلال عن الهاتف لوقت وهو في صدمة يحاول لملمة شتات نفسه حتى سمع صوت الطبيب وهو يهتف:
_جلال أنت معايا؟.. جلال أنت كويس؟!!
خرج صوت جلال أخيرًا بجدية وثبات يعكس الانهيار الذي داخله يجيب على الطبيب:
_أنا چاي دلوك
ثم أنهى الاتصال معه ليلتفت على صوت فريال المتعلق وعيناها الدامعة وهي تسأله بارتيعاد:
_ده الدكتور صُح؟.. بتي مالها ياچلال أياك تكذب عليا
تمالك أعصابه وأظهر الثبات والبرود بكل احترافية أمامها حتى لا يشعرها بأي شيء الآن وقال مبتسمًا وهو يلتقط يدها ويقربها من شفتيه يلثمها بحب ويتمتم معتذرًا لها:
_لا ياحبيبتي ده تبع الشغل بس في مشكلة إكدا كبيرة شوية ولازم اروح دلوك المعرض عشان احلها، معلش عاد خلينا نأجل مشوار المستشفى ده شوية بس لغاية ما أحل المشكلة دي.. إيه رأيك؟
طالت نظرات فريال الدقيقة له، تفحص تعبيراته لتتأكد من صدق كلماته فراحت تهز رأسها بالنفي وعدم الاقتناع بعدما شعرت بعدم صدقه وقالت باكية:
_لا أنت بتكذب عليا، والبت چرالها حاچة وحتى وشك باين عليه
استمر في تمثيله الاحترافي وابتسمت باتساع أكثر ليقنعها أكثر بكلامه وقال بدفء:
_يافريالي مفيش حاچة صدقيني، ولازم اضايق واتعصب مش بقولك في مشكلة في المعرض عشان إكده وشي اتغير بعد المكالمة، هروح دلوك أحلها وان شاء الله كل حاچة تبقى زي الفل
اقتنعت أخيرًا وظهر الهدوء على ملامحها ثم اعتدلت في جلستها وهي تنظر له بطرف عينيه ومازال القلق يستحوذها، بينما هو فاعتبر سكوتها علامة الرضا وانطلق بالسيارة عائدًا إلى منزله مجددًا، بعد وقت طويلة نسبيًا توقف أمام البناية ونزلت فريال من السيارة بعدما ودعته وانطلق هو ثانية ولكن هذه المرة كان يتجه إلى المستشفى ليرى طفلته أو يستلم جسدها الصغير بالتعبير الأدق!.
أما فريال فلم تقتنع بكلمة واحدة من كلماته الذي حاول إقناعها بها داخل السيارة وفقط كانت تمثل تصديق و الاقتناع، فور رحيله بالسيارة أوقفت هي سيارة أجرة واستقلت بها وطلبت من السائق أن يتبع سيارة زوجها…
***
وصل عمران أمام المنزل المقصود الذي يختبأ به منصور، وخرج من سيارته ثم قاد خطواته الواثقة للمنزل والشر يتطاير من عينيه، وقف أمامه ثم راح يطرق عدة طرقات عنيفة على الباب، بالداخل استقام منصور واقفًا واتجه للباب ليفتح بعدما كان يعتقد أن الطارق جلال أو علي لكنه اندهش بوجه عمران أمامه وهو ينظر له مبتسمًا بشر ويقول في خبث:
_كنت فاكر روحك هتفضل هربان مني إكده لغاية ميتا يامنصور!
تقوست معالم وجه منصور بالغضب وعلى العكس تمامًا لم يظهر عليه أي خوف بل وقف أمام عمران بكل ثقة وشجاعة وقال:
_أنت عرفت مكاني كيف ياولد الصاوي!
دفع عمران الباب بيده ليفتحه على آخره ويدخل وهو يبتسم له بشيطانية ويقول في غل:
_لو كنت نزلت سابع ارض كنت هچيبك ومكنتش هتعرف تهرب مني
لم يجيبه منصور واكتفى بنظراته الحاقدة على عمران الذي دخل للمنزل وراح يتجول به بنظره يتفحصه في سخرية ثم يقول:
_طالما أنت شچاع قوي إكده وقادر تقتل وتاخد حق أخوك بتهرب من الحكومة ومني ليه!
لوى منصور فمه في خنق واستياء ثم هتف بغلظة وحدة تامة:
_وأنت عاد دلوك چاي عشان تقتلني ولا تسلمني للحكومة ياولد ابراهيم!
التفت له عمران ورمقه بنظرة قاتلة كلها شر ثم قال بابتسامة لا تنم عن خير أبدًا:
_واحد قتل أبويا في نص أوضته ووسط مرته وعياله وبيته تفتكر أنا هعمل معاه إيه!
ابتسم منصور باستهزاء ليثبت له أنه لا يهتم بكلامه ولا يخيفه بمقدار ذرة ثم قال بنقم شديد وعدم ندم على فعلته:
_أبوك هو اللي بدأ الدم ده وغدر بأخوي وقتله وكان لازم يبقى مصيره الموت.. ده تار والدم مبيتردش عليه غير بالدم ولا إيه يامعلم
لوى عمران فمه بطريقة مرعبة وصر على أسنانه وقد أظلمت عيناه وظهرت عضلات وجهه من فرط الغضب، وإذا به فجأة يدس يده في جيب جلبابه ليخرج سلاحه ويرفع ليوجهه على منصور ويضعه بمنتصف جبهته وهو يقول بنظرة ثاقبة كالصقر:
_ودلوك دوري أنا عشان أرد مش إكده ولا إيه!!
رغم ثبات منصور التام أمام عمران لكنه شعر بقلبه البسيط بعدما وضع السلاح على رأسه، وراح عمران يضع إصبعه على الزناد ليوهمه بأنه سيضغط عليه ويطلق الرصاصة في منتصف جبهته، ومع مرور ثواني كانت كالسنين، مشحونة بأجواء مضطربة ومرعبة ابتسم عمران باشمئزاز وقال بعدما أنزل السلاح من فوق رأس منصور:
_متخافش أنا مش برد من بالدم كيفكم، ومش هوسخ يدي بدمك اللي ميستهلش، لو رديت بالدم عمره ما هيخلص وهيبقى سلسال ومحدش هيقدر يوقفه وهيچي يوم ويقع فيه عيالنا مش احنا بس
ابتسم منصور ساخرًا وقال في كره ينبع من أعماقه:
_بس أبوك كان يستاهل اوسخ يدي بدمه، راچل **** وخاين غدر بينا وبأخوي وقتله بدم بارد، كان لازم يكون مصيره كيف مصير خليل يتقتل بالغدر ويتاخد على خوانة
هاج عمران وفقد السيطرة على انفعالاته فاندفع نحو منصور وهو يقبض على رقبته ويصرخ به منفعلًا بتحذير وغضب:
_احمد ربك يامنصور أني مقتلكتش وهسلمك للحكومة من غير ما أعمل فيك حاچة، بس اقسم بالله لو فكرت بعد إكده مش تقرب مني أو من ولدي لا تقرب من عيلة الصاوي كلها سعتها مش هتردد لحظة وافرغ الطبنچة دي في نافوخك، وحتى آسيا تنساها معدتش بت أخوك بقت مرتي ومن عيلتي وأنت ملكش صالح بيها واصل فاهم ولا لا
بتلك اللحظة اقتحهم عليهم المنزل دخول الشرطة واسرع أحد العساكر ليفلت منصور من بين يدي عمران ويبعده عنه والضابط اقترب من عمران ثم رتب على كتفه يقول بجدية:
_اهدى ياعمران، اللي أنت عملته ده عين العقل وهو هياخد جزائه بالقانون
مسح عمران على وجهه بعصبية شديدة ثم قال للضابط بصوت محتقن:
_خليهم ياخدوه ياباشا من قدامي قبل ما ارتكب فيه جريمة وتاخدوني أنا بداله
تنهد الضابط الصعداء ثم أشار للعساكر بأن يأخذوا منصور لسيارة الشرطة بالخارج فنفذوا على الفور، وبتلك اللحظة وصل بشار فاتسعت عينيه بصدمة عندما رأى منصور يصعد في سيارة الشرطة وما ادهشه أكثر أنه كان سليم بكامل صحته ولا يخرج منه نقطة دم واحدة، لا يعرف كيف لكن ذلك الأمر ارعبه أكثر واندفع لداخل المنزل مهرولًا وهو يصيح:
_عــمــران
فوجده يقف يتحدث مع الضابط بكل هدوء مما جعله يغضن حاجبيها باستغراب وعدم فهم، ثم تقدم منهم ووقف يسأل عمران بخشونة:
_إيه اللي حصل ياعمران؟
رد عليه عمران بهدوء بسيط رغم الغضب الذي يحتل ملامحه:
_كيف ما أنت شايف الحكومة خدت منصور!
التفت بشار للضابط وقال بحيرة:
_مين اللي بلغكم ياباشا؟
ابتسم الضابط على ذهول بشار وأشار لعينه على عمران كإجابة على سؤاله فعاد بشار ينظر لعمران ثانية وبدهشة أشد لكن سرعان ما مال ثغره للجانب في ابتسامة فخر وراحة ثم رفع يده وربت على كتفه متمتمًا:
_زين ما عملت ياولد عمي
***
توقف ” علي ” بسيارته أمام أحد البنايات بعدما توقفت السيارة التي ركبها منصور وخلود، رآه وهو يخرج الأول من السيارة ثم يجذب شقيقته من يدها بعنف ويجرها خلفه داخل البناية بكل عنف وكأنه يجر غنيمة، للحظة اشتعلت نيران الغيظ في صدره من معاملته لها وكان سيخرج من سيارته ويلحق بهم ويلقن ذلك الوغد الذي يدعى سمير درسًا لن ينساه، لكن شيطانه اوقفه لبرهة عندما راح يذكره بما فعلته شقيقته وكيف الحقت العار بعائلتها وبه بالأخص هو وأبوها، وأن ذلك الرجل حتى لو يعذبها فهي تستحق لأنها اختارته وسلمت له نفسها وخانت ثقة عائلتها بها، ظل هكذا داخل سيارته لدقائق يحارب بين نفسه وقلبه الذي حن لشقيقته وبين شيطانه الذي يحاول ردعه ومنعه عنها، وبالأخير انتصر على ذلك الشيطان وخرج من السيارة يسير مسرعًا لداخل البناية يلحق بهم لكنه توقف بعد دخوله البناية عندما تذكر أنه لا يعرف أي طابق توجد شقته أو رقمها، ولحسن الحظ أنه رأى أحد سكان البناية ينزل من على الدرج فأسرع إليه وسأله عن رقم شقة سمير امين وبأي طابق، وبمجىد ما أن أخبره اندفع على الدرج يصعد مهرولًا يقصد الطابق الرابع شقة رقم 11.
بعد ثلاث دقائق تقريبًا وقف أمام باب المنزل فسمع صوت صراخ أخته وبكائها من الداخل فاستشاط غيظًا أكثر وراح يطرق بكل عنف وحدة على الباب وهو يصرخ:
_سمير افتح الباب بدل ما اكسره فوق نافوخك
لحظات معدودة حتى فتح سمير الباب وهو ينظر لـ ” علي ” بصدمة أما خلود فاتسعت عيناها وفغرت شفتيها بعدم استيعاب أن الذي يقف أمامها شقيقها، كان وجهها كلها غارق بالدموع وشفتيها ادمين من صفعاته وضربه العنيف لها، وقع نظر ” علي ” على أخته ورأى حالتها المزرية ودماء شفتيها ووجها الاحمر والمتورم من العنف الجسدي التي تعرضت له، فشعر بنغزة مميتة في صدره وفي رجولته، دفع سمير من أمامه وعبر ليدخل ويقترب من خلود التي هرولت وبكل تلقائية احتمت خلف ظهره ونظرت لسمير بكل شجاعة وثقة وكأنها تقول له أن استطعت حاول تأذني.
التفت علي برأسه للخلف ينظر إلي شقيقته التي تحتمي به وتبكي ووجها متورم وشفتيها ادميت ثم أعاد نظره لسمير وهتف بغضب مرعب:
_إيه اللي أنت عامله فيها ده، كمان بتمد يدك عليها يا***
ابتسم سمير ببرود ونظرة شيطانية ثم قال وهو ينظر لزوجته المحتمية خلف ظهر أخيها:
_مش تسألها الأول أنا مديت يدي عليها ليه!!، ولا أنت دلوك افتكرت أن ليكم بت وسامحتوها وچايين تحاسبوني، ده بدل ما تشكروني أني بربيها بدل منكم
التفت ” علي ” لخلود مجددًا وهذه المرة كان ينظر لها بغضب ووعيد واشمئزاز، أما هي فنظرت له بعينان ضعيفة تستعطفه تتوسله من خلال نظراتها أن لا يصدق ذلك الشيطان الكاذب، عندما عاد برأسه تجاه سمير وجده يقول في غضب ونظرة نارية:
_ ضربتها ولساتني هضربها كمان وكمان لغاية ما اخلص عليها واصل
فقد ” علي ” القدرة في السيطرة على نفسه وانقض عليه ثائرًا يلكمه في وجهه بعصبية ويجذبه من ملابسه صارخًا به:
_اتكلم زين قصادي واعرف اللي بتقوله واحسب كلامك يا****، وإلا اقسم بالله أنا اللي اخلص عليك وادفنك في أرضك إهنه
استشاط سمير غيظًا وصاح بغل ونقم وهو يدفع يدي ” علي ” عنه:
_أختك كانت بتلف على حل شعرها مع واد عمي لما لقيت مفيش مني فايدة وأنا معاوزهاش قالت أما ادور على راچل غيره وكانت بتخوني مع واد عمي وهربانة معاه ليها اسبوعين واكتر، أنا هقتلها بيدي الفاجرة دي ما هي متعودة اللي خلاها تمشي معايا في الحرام تعملها مع غيري لكن أنا اللي كنت حمار واتخدعت فيها
اتسعت عيني ” علي ” بذهول وأظلمت نظراته بشكل مرعب فالتفت لخلود وسألها بصوت رجولي دب الرعب في أوصالها:
_إيه اللي بيقوله ده!!!
انهارت خلود باكية خوفًا من أن يقف شقيقه في صفه ويصدقه فتصبح فريسة بين يديهم وراحت تهتف وتقسم بالله لشقيقها هاتفة:
_كذاب يا ” علي ” والله العظيم كذاب، أنا هربت منه عشان كان بيعذبني وبيضربني وهو اللي كان بيچيب الحريم كل ليلة في البيت وأنا قاعدة وينام معاهم، والله ياخوي أنا ندمت على اللي عملته وتوبت لله وعمري ما اكرر ذنبي وغلطي تاني واصل
طال نظرات “علي” لها يتفحص تعبيرات وجهها وهي تقسم له أنها لم تخطأ ثانية وأن زوجها الكاذب، أما هي فعندما شعرت بأنه يشك بصدقها راحت تتوسله وتمسك بيده وتنحنى عليه تهم بتقبيله لكن سحب يده فورًا بنظرة غاضبة يرفض أن تقبل يده:
_ متهملنيش معاه يا ” علي ” أبوس يدك ده هيموتني، سامحني ياخوي وصدقني والله أنا بقول الحقيقة
رفع يده بتردد ومسح على كتفها بلطف ثم قال في صوت رجولي غليظ بعدما لأن قلبه لها وشعر أنها صادقة حقًا:
_طيب روحي يلا لو في حاچة ليكي في البيت إهنه لميها وتعالي عشان أخدك
اتسعت عيني خلود بدهشة وابتسمت بسعادة غامرة أما سمير فاستشاط غيظًا وصاح بـ ” علي ” في رفض قاطع:
_تاخدها وين، دي مش هتطلع من بيتي وبيت چوزها، أنتي هتاخد مرتي غصب عني!!
التفت له ” علي ” بكل ثبات لكنه كان هدوء ما قبل العاصفة حيث رمقه بنظرة مميتة دبت الرعب في أوصاله وباللحدة التالية كان ينقض عليه يلكمه للمرة الثانية في وجهه ثم يجذبه من ملابسه صارخًا به بانفعال وصوت رجولي مهيب:
_أنت حسك مسمعهوش واصل، بعد اللي أنت عامله فيها ده احمد ربك أنك لساتك واقف قصادي على رجليك، ضحكت عليها وخليتها تسلم روحها ليك وتخسر ناسها وكمان بتمد يدك عليها وبتچيب نسوان في البيت معاها يا****
لكمه للمرة الثانية بقوة ابرحته أرضًا وصرخ ” علي ” محذرًا إياه بكل وضوح وكان تحذيره أشبه بتهديد:
_أنا هاخدها معايا دلوك، ويارب تحاول تقربلها ولا تأذيها وقتها اترحم على روحك وأنت عارف زين أننا معندناش هزار في الكلام ده
كانت خلود تقف تراقب كل ما يحدث وبعدما كانت تبكي وتتلقي العذاب على يد ذلك الوغد الآن قلبها يرفرف فرحة وسعادة بوجود شقيقها ودفاعه عنها، انتصب ” علي ” واقفًا والتفت لها يرمقها بحدة ويقول:
_لساتك ملمتيش حاچتك ليه؟!
ردت خلود باضطراب بسيط من نظراته:
_حاچتي لميتها كلها لما هربت منه وقاعدة في الفندق
” علي ” بنظرة قوية:
_طيب يلا اطلعي قصادي
تحركت فورًا دون أي اعتراض وسارعت تجاه الباب المنزل لتغادر لكن اوقفهم صوت سمير المشتعل وهو يسأل علي :
_هتاخدها وين؟
التفت له ” علي ” ورمقه بنظرة مرعبة ثم قال برجولة طاغية:
_ملكش صالح أخدها مطرح ما أنا عاوز، وبعدين هبقى افكر اعمل معاك إيه هل هترچعلك ولا هتطلقها
ابتسمت خلود بغل وهي تنظر لزوجها الملقي على الأرض بشماتة ثم التفتت لأخيها وسارت أمامه تنزل الدرج وهي لأول مرة تشعر بالآمان والراحة والسعادة أن ذلك الحيوان لن يؤذيها ثانية.
***
توقفت سيارة جلال أمام بوابة المستشفى ومن خلفة توقفت السيارة الأجرة التي كانت تجلس بها فريال، وفور رؤيتها لزوجها وهو يخرج من سيارته ويهرول لداخل المستشفى ركضًا خرجت من السيارة ولحقت به ودموعها تسبقها وقد تأكدت أن مكروه قد أصاب طفلتها.
لحقت بجلال حتى وصل لغرفة أحد الأطباء ودخل ثم اغلق الباب، بقت هي بالخارج تتلفت حولها وتبكي وللحظة شعرت بأن قدماها اختل توازنهم ولم تعد تستطيع الوقوف عليهم أكثر من ذلك فاتجهت إلى أقرب مقعد حديدي وجلست عليه تلتقط أنفاسها وعيناها تذرف الدموع في صمت.
بداخل الغرفة كان جلال يجلس ساكنة يستمع للطبيب الذي يجلس أمامها ويمسح على كتفه جلال ليخفف عنه ألمه متمتمًا:
_ربنا يعوضكم ياجلال، شد حيلك كدا عشان حتى تقدر تسند المدام لما تعرف
مسح جلال على وجهه وقد تلألأت العبرات في عينه وقال يردد الآية القرآنية بحزن:
_وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .. الحمدلله
ثم رفع رأسه ونظر للطبيب يقول بصوت مهموم ونظرة تمزق القلب:
_هي فين عاوز أشوفها الأول
استقام الطبيب واقفًا وقال له بهدوء:
_تعالي معايا
خرج الطبيب من الغرفة ولحق به جلال الذي تسمر بأرضه عندما رأى فريال أمامه وهي تنظر له بوجه غارق بالدموع وتقول في وجع:
_كذبت عليا وقولتلي أنها كويسة!
طالعها بعين دامعة ومتألمة على فراق ابنته الصغيرة التي كان ينتظرها بفارغ الصبر، اقترب من فريال وضمها لصدره وهو يلثم رأسها بقبلات دافئة ويهمس:
_اهدى يافريال أبوس يدك
سكنت بين ذراعيه للحظات دون أن يصدر لها صوت بكاء حتى مما يثبت أنها دخلت بصدمة، وإذا بها فجأة تدفعه عنها وتصرخ بهستيريا وتبكي:
_سبتني وچيت لوحدك كنت عاوز تحرمني من أني اشوفها اخر مرة حتى، حتى عاوز تدفنها ومشوفهاش
استغرقت في عينيه نظرات يتوسلها بها أن تهدأ وقد شعر بانفاسه تضيق عليه من فرط الحزن والضغط العصبي فراخ يقترب منها ثانية لكنها نفرت منه وابتعدت عنه وهي تصرخ به:
_بعد عني متقربش مني، أنا عاوزة اشوف بتي هي عايشة مماتتش
أدرك الطبيب أن حالتها قد تخرج عن السيطرة وتحتاج لتهدئة اجباري فأشار للممرضات أن يسرعوا بإحضار حقنة المهدئ لها، أما جلال فاقترب منها رغمًا عنها وضمها لصدره ثانية وهو يحاول إخماد مقاومتها وتهدأتها وسط همسه لها:
_اهدى ياحبيبتي اهدي متعمليش في روحك إكده، قولي الحمدلله.. لله ما أخذ، وله ما أعطى
انهارت باكية بين ذراعيه بكاء بنحيب شديد وهي ترتجف بين يديه حتى وصلت الممرضة وغزرت ابرة مهدئة في ذراعها فارتخت بين ذراعين جلال بعد ثواني وهو لا إراديًا سقطت من عينه دمعة حارقة وموجوعة على حال زوجته وفراق ابنته، استقام واقفًا وحملها بين ذراعيه ثم سار بها باتجاه الغرفة التي أشارت له عليها الممرضة أن يبقيها بها، ودخل الغرفة ثم اقترب من الفراش ووضع فريال فوقه برفق وكانت هي أعصابها نىتخية تمامًا لكنها مازالت مستيقظة وتهلوس بكلمات مسموعة وتقول:
_حبيبة مماتتش.. أنا عاوزة اشوف بتي.. أنت كذبت عليا ياچلال.. مش مسمحاك
جلس على المقعد المجاور لفراشها وامسك بيدها ثم ضمها لشفتيه يلثم ظاهره وانفجر باكية بحرقة كالطفل الصغير، أما هي فقد سحبت يدها من قبضته بعنف وغضب ونظرت له تقول بحدة:
_بعد عني قولتلك، أنا عاوزة اشوف بتي
رفع جلال يده لوجهه وجفف دموعه فور دخول الممرضة الغرفة ثم استقام واقفًا وسمعها تقول:
_لسا الحقنة مخدتش مفعولها كويس معاها، دقائق وهتهدي خالص وهتنام، البقاء لله ربنا يعوضكم يارب ويصبركم
ردد جلال بصوت خافت لا يسمع:
_يارب
ثم نظر إلى فريال فوجدها بدأت تغلق عيناها تدريجيًا لتغط في نوم عميق كما أخبرته الممرضة وعندما وجدته ينظر لها بقلق واهتمام قالت له لتطمئنه:
_متقلقش أنا هفضل موجودة معاها ولو حصل أي حاجة هبلغك، تقدر تروح للدكتور وتشوف البنت وتخلص الإجراءات الأخيرة
هز جلال رأسه بالموافقة والقى على الممرضة نظرة شكر وامتنان ثم غادر الغرفة…
***
داخل منزل عمران، كان آسيا تجوب الغرفة يمينًا ويسارًا من فرط قلقها وخوفها على زوجها ولولا طفلها الصغير لكانت لحقت بعمران فورًا، ولكنها الآن مجبرة على الانتظار، حتى لو كان الانتظار قد يقتلها من شدة توترها، لكن ليس بيدها حل آخر سوى الانتظار والدعاء.
بيدها هاتفها تنظر له كل لحظة والأخرى على أمل أن يصدح باتصال من بشار ويخبرها بالوضع وأن كل شيء على ما يرام، عندما طفح ميلها لجأت الشرفة وقررت أن تقف بها وتراقب الطريق تنتظر عودته بفارغ الصبر، لكن ما رأت بالشارع أسفل البناية قذف الرعب في قلبها أكثر، حيث رأت رجل غريب الهيئة وملامح وكأنه مجرم خرج للتو من السجن، ينظر لها ولمنزلها بكل شر، تمامًا كان كرجل مأجور ينتظر فقط الإشارة ليقتلها هي وابنها، فظلت تنظر له بشراسة رغم خوفها الذي لم تظهره، وأول شخص قذف بعقلها هو ذلك الرجل الذي حدث شجار بينه وبين زوجها ذلك اليوم واخبرها عمران كان بينهم مشاكل قديمة وقد انتهت وهي لم تصدقه، والآن اتضح أن المشاكل انتهت بالفعل!.
دقائق حتى وجدت ذلك الرجل سار بسرعة واختبأ بسيارة كلاسيكية قديمة عندما رأى سيارة عمران وهي تصطف بجوار البناية ويخرج منها، تخللت أسارير آسيا فور رؤيتها لزوجها وهو يخرج سالمًا وبسرعة دخلت وهرولت نحو الباب ركضًا وفتحت ووقف تنتظره عند باب المنزل بكل لهفة وعينان دامعة، عندما وصل إلى طابق منزله قبل أن يصعد الدرج المؤدي لباب المنزل توقف عندما رآها تنتظره بكل هذه اللهفة فابتسم لها بغرام، وصعد درجات الدرج وفور وصوله لها ارتمت عليه تعانقه بحرارة وهي تبكي وتعاتبه بغضب:
_كنت هتچنن من القلق عليك، حرام عليك ياعمران
انحنى على رأسها ولثم شعرها بقبلات دافئة ثم ابعدها عنها وجذبها لداخل المنزل متمتمًا:
_طيب تعالي ندخل چوا الأول ميصحش إكده على الباب
دخلت معه ثم اغلق هو الباب والتفت له وراح يحتضن وجهها بين يديه وينحنى عليها يلثم وجنتها بحب ويسألها يترقب:
_يعني أنتي كنتي خايفة عليا أنا ومش فارق معاكي عمك احسن اعمل فيه حاچة؟!!
نظرت بحدة وقالت بانزعاج حقيقي:
_عمي إيه اللي ابديه عليك ده، عمي اللي مصدقنيش وضربني وطردني من بيت أبوي وشك فيا وفي شرفي بعد اللي بته عملته، أنا كنت خايفة عليك أنت لتضيع روحك وتعمل فيه حاچة
رأت عيناه تلمع بوميض جديد والسعادة تظهر على ملامحه بوضوح حتى انحنى عليها وهمس مداعبًا إياها:
_أنتي شايفة إيه.. عملت فيه حاچة ولا لا؟
هتفت بسخط حقيقي وتوسل:
_ياعمران انا على اعصابي بلاش توترني اكتر قول وطمني إيه اللي حُصل؟
قهقه برجولية جميلة وقال لها مبتسمًا فى رزانة:
_متخافيش معملتلهوش حاچة بلغت البوليس وچه اخده
اتسعت عيني آسيا بصدمة فآخر شيء كانت تتوقعه أن يسلمه بيده للشرطة، لكن هذه الصدمة اسعدتها أكثر وسألته بعدم تصديق:
_عملت إكده صُح ياعمران؟!!!
عمران بحدة بسيطة ولهجة رجولية خشنة:
_امال هكذب عليكي يعني!!
لمعت عيناها بحب ونظرة الفخر والعشق وضحت في نظراتها له ودون تردد كانت ترتمي بين ذراعيه ثانية وهي تهمس:
_كنت عارفة ومتأكدة أنك مش هتفرط فيا أنا وولدك، بس كنت خايفة احسن شيطانك يغلبك ويعمي عيونك
هتف عمران بنبرة صلبة وجادة بعدما لف ذراعيه حول جسدها وهي تعانقه وبين ذراعيه:
_أنتي عاشرتيني وتعرفيني زين، والمفروض مكنتش تقلقي ولا تخافي يا آسيا لأنك المفروض تكوني عارفة إني مشبهش أبوي ولا كيف عمك، أنا مبلطخش يدي بالدم وعمري ما كنت راضي عن التار ده، فمش معقول دلوك لما بقى ليا بيت وعيل ومعايا مرتي اضيع روحي واحرم ولدي مني، صحيح أنا غضبي عفش قوي لكن اللي هداني انتوا لما فكرت فيكم
ابتعدت آسيا عنه ونظرت له بعين ممتلئة بالدموع ثم رفعت جسدها ووقفت على أطرافها لتصل لمستواه وانحنت على على وجنته تقبله بجوار لحيته وهي تقول في حب:
_ربنا ما يحرمنا منك يامعلم
ابتسم لها بغرام وقال بخبث وهو يغمز لها:
_طيب وانتي ناوية تفضلي حارمة المعلم منك لغاية ميتا عاد؟!
استدارت وولته ظهرها وقالت بدلال أنثوي وهي تسير باتجاه غرفتها:
_لغاية ما يچيلي مزاچ اسامحه
سار خلفه بعصبية وقال مغتاظًا:
_وهو أنا لساتني هستنى مزاچك ولا إيه.. مش معنى إني حنين معاكي ويراضيكي وبحاول اچيلك بالهداوة، ابقى مقدرش عليكي، تحبي افكرك بالمعلم عمران بتاع زمان اللي كنت بتترعبي منه في أول چوازنا ولا إيه ياست آسيا!
توقفت وهي تبتسم باستمتاع ثم التفتت له وقالت بغنج وهي تقترب منه وتتمايل بكل دلال في حركات ونظرات مثيرة، حتى وقفت أمامها ورفعت أناملها تعبث بملابسه وهي تحدثه:
_المعلم عمران بتاع زمان لا هو كان بيحبني لسا ولا أنا كمان، لكن دلوك هو ميقدرش يخوفني وحتى لو قدر أنا مش هبقى خايفة منه عشان عارفة زين أنه بيبقى من ورا قلبه وعمره ما يقدر يأذيني
رفع حاجبه بابتسامة مندهشة ثم قال بعشق وهو يضحك:
_بتاكلي بعقلي حلاوة انتي، ولما هو أنا بيبقى من ورا قلبي وانتي عارفة إكده مش عاوزة تسامحيني عاد في اللي قولته ليه وتقولي أنه من ورا قلبي برضوا!!
ابتسمت وقالت بثقة ودلال:
_وأنا سامحتك يامعلم بس قولتلك لازم اعاقبك شوية كدا وادلع عليك وانت ترضيني، ولا أنت مش عاوزني ادلع عليك كمان
عمران بضحكة رجولية تذهب العقل:
_لا طبعًا أداعب براحتك ياغزال.. بس إيه رأيك تدلعي واحنا حلوين مع بعض من غير العذاب ده
هزت رأسها بالرفض وهي تمط شفتيها في دلع وتقول:
_لا يبقى الدلع ملوش طعم.. لكن إكده احلى
رفع عمران رأسه للأعلى وقال مغلوبًا في نفاذ صبر من تلك العنيدة:
_يارب صبرني
قهقهت بخفة ثم التفتت خلفه وراحت تنزع عنه العباءة وهي تقول في دلال:
_عنك يامعلم
عمران ساخرًا في غيظ:
_هو أنتي خليتها فيها معلم عاد بعد اللي بتعمليه فيا
صدح صوت ضحكها العالي ليبتسم هو عليها بحب، أما آسيا فقد ألقت نظرها من الشرفة وهي تساعد عمران في نزع ملابسه، ورأت ذلك الرجل عاد يقف مكانه ليراقب المنزل، رغم القلق والخوف لكنها خشيت أن تخبر زوجها وهي تعلم جيدًا أن هذه المرة لن ينجح أي شيء في امتصاص غضبه، فعندما يتعلق الأمر بها هي وابنه لن يرى أمامه أي شيء…
***
داخل منزل مريم بعد خروجها من المستشفى، كانت تجلس بشرفة منزلهم بالصالة وتراقب الطريق بالأسفل بعيناها فقط لكن عقلها كان مشغول بشيء آخر، حتى أن قسماتها كانت لا تنم عن أن ذلك الشيء الذي يشغل تفكيرها أمر خير أبدًا، مشتتة ومرهقة جسديًا وفكريا ولا تدري أي طريق تسلكه وأي قرار تتخذه، هل تختار ظلام قلبها أم نور عقلها.
قطعت أمها حبل تفكيرها وانشغالها بأمورها الخاصة التي لا تخبر بها حتى أقرب الناس إليها عندما جلست على المقعد المجاور لها وقالت بحنو:
_ايه ياحبيبتي سرحانة في إيه كدا وقاعدة وحدك ليه؟
التفتت لأمها وابتسمت لها بحب ثم قالت في نبرة رخيمة:
_مفيش ياماما حبيت اشم هوا شوية بدل قعدة الأوضة والسرير
هزت أمها رأسها بتفهم ثم غمزت لها بمداعبة وقالت ضاحكة:
_بتشمي هوا برضوا ولا قاعدة بتراقبي الطريق ومستنية بشار!
ضحكت مريم برقة على مزاح أمها ومحاولاتها المستمرة في إخراجها من حالتها المنعزلة والمنطوية منذ ذلك الحادث، همست وهي تشكر في بشار وتثنيه بكل خير:
_والله بشار ده ربنا يباركله أنا مكنتش متوقعة أنه يطلع ابن حلال كدا، أبوكي كان دايما يشكرلي فيه ويقولي ده راجل كويس ومحترم هيصون بنتنا ويحافظ عليها زي عينه، واهو معدنه الأصلي ظهر في الشدة، من وقت الحادث وهو مش بيبعد عنك لحظة واحدة وكان بيفضل جمبك في المستشفى اليوم كله وبيحاول بكل الطرق عشان يخليكي تسترجعي ذاكرتك وتفتكري كل حاجة
ابتسمت مريم بنعومة وهزت رأسك بتأييد لكلام أمها وتمتمت:
_ايوة ياماما هو كويس أوي فعلًا، وكان طول الوقت جنبي ومسبنيش
قالت أمها بود وأمل:
_طيب انتي مفتكرتيش أي حاجة لسا؟!
هزت مريم رأسها بالنفي وقالت في عبوس:
_لا لسا للأسف بس بحاول افتكر وان شاء الله قريب افتكر
تنهدت الأم بيأس بسيط ولكن سرعان ما تبدل العبوس بضحكة بسيطة عندما رأت سيارة بشارة تصطف بالشارع أسفل البناية وينزل منها فقالت لابنتها في حنو:
_أهو خطيبك جه اروح اقول لأبوكي عشان يفتح له الباب ويستقبله
راقبته مريم بتعبيرات وجه جامدة وهي تراه يخرج من السيارة أكياس ويحملها بين يديه ثم يغلق الباب ويقود خطواته للداخل، وقد كان يرتدي بنطال وقميص رجالي مثير على معالم جسده الرجولية والرياضية، وكانت هذه أول مرة تراه يرتدي هذه الملابس منذ الحادث فقد اعتادت عليه دومًا بالجلباب الصعيدي.
دقائق معدودة حتى سمعت صوت فتح الباب وترحيب والدها به وكذلك أمها وهم يسألونه عن أحواله وهو كذلك، ثم تحركوا وجلسوا على الأريكة بالصالة وراحوا يتبادلوا أطراف الحديث الذي تارة يكون جاد وتارة أخرى يأخذ منعطف المرح والضحك، وهي تسمعهم من داخل الشرفة ولا يحرك ضحكهم أنشًا واحدًا من ثغرها لتبتسم على سماعها لضحكهم مع بعض، بقت على هذا الحال لدقائق طويل حتى توقف صوتهم أخيرًا وسمعت صوت خطوات تقترب من الشرفة فعلمت أنها خطواته هو، عندما التفتت برأسها للخلف رأته فابتسمت له بود وقالت في رقة:
_اتأخرت ليه؟!
ابتسم بشار بسعادة لاهتمامه بتأخره عنها وراح يجلس على المقعد المجاور لها وهو يقول مداعبًا إياها:
_إيه اضايقتي أني اتأخرت عليكي ولا اشتقتيلي؟!
مالت بوجهها للجهة الأخرى وهي تبتسم بخجل شديد دون أن تجيبه ليضحك هو برجولية مميزة وسألها باهتمام وحب:
_عاملة إيه طمنيني عليكي؟
عادت برأسها له مجددًا وابتسمت في لطف ثم ردت:
_الحمدلله بخير بقيت احسن بكتير وكمان نفسيتي بقت أفضل من وقت ما خرجت من المستشفى كنت مخنوقة أوي هنا
طالعها بعينان تفيضان حبًا وقال بمشاعر صادقة:
_ربنا يحفظك من كل شر ومتشوفيش المستشفى دي تاني واصل ياغالية
احتفلت نظرها عنه في استحياء بسيط ورددت خلفه:
_يارب
ظل لحظات طويلة يتأملها بنظرات مغرمة لأول مرة تشهدها منه حتى هتف بنبرة رجولية جادة لكنها محبة:
_غمضي عينك يامريوم
نظرت له باستغراب وضيقت عينيها في حيرة لكنه أشار لها بعيناه أن تمتثل لطلبه وتنفذه، فتنهدت مغلوبة وأغلقت عيناها، دس هو يده في جيب بنطاله وأخرج علبة صغيرة ومربعة ثم فتحها ليقول لها في صوت رخيم:
_فتحي
فتحت عيناها لتسقط على تلك العلبة التي بين يديه أول شيء وترى خاتم بنقوش بسيطة جدًا من الذهب فاتتسعت عيناها بدهشة وسألته:
_إيه ده يا بشار؟!
بشار بابتسامة تذهب العقل ونظرة كلها عشق:
_هاتي يدك الأول بس
مدت لها يده دون اعتراض وكأنها مغيبة فوجدته يخرج الخاتم من العلبة ويضعه في خنصرها وهو يقول بحب:
_وقت الحادث كنتي لابسة الدبلة في يدك والممرضات ادوهاني لما دخلتي العمليات وأنا مع الوضع اللي كنت فيه معرفش راحت وين وضاعت مني كيف، بس أن چيتي للحق أنا بقول احسن أنها ضاعت عشان نبدأ من أول چديد في كل حاچة حتى الدبلة
نظرت الخاتم في إصبعها بابتسامة دافئة ثم رفعت رأسها له ونظرت بدقة وسألته:
_أنت ليه دايما بتقولي نبدأ من أول وجديد؟!
ابتسم وقال ببساطة:
_عشان بنسبالي اللي حصل ده على قد ماهو احنا نشوفه شر لكنه خير كبير وفرصة لينا احنا الاتنين عشان نقرب من بعض اكتر واحنا بالفعل ده اللي حُصل مش إكده ولا إيه
هزت رأسها بتفهم وهي ترسم بسمة خفيفة على فمها، فجأة صدح صوت هاتف بشار الذي كان يضعه على المنضدة الصغيرة أمامه وعندما نظرت للهاتف وقرأت اسم المتصل وجدته رحاب، فطالت نظراتها للهاتف بشرود حتى وجدته يمد يده ويغلق اتصالها دون أن يجيبها فتلتفت له وترمقه بجدية وهي تسأل:
_كنسلت عليها ليه، كنت رديت!!!
بشار بنظرة دافئة وصوت رجولي حازم:
_بعدين ابقي اكلمها تلاقيها عمتي بتتصل من تليفون رحاب وعاوزة تسألني عليكي وتتطمن
آماءت مريم برأسها دون أن تنظر له وسكنت للحظة ثم عادت تحدق به وتقول بحماس غريب:
_رحاب دي هي نفس اللي جاتلي المستشفى مش كدا، بنت كويسة أوي ربنا يباركلها وفضلت تتكلم معايا وحكتلي عنك كتير
تبدلت تعبيرات بشار بعد عباراتها الأخيرة وراح يسألها فورًا باهتمام:
_حكتلك عني قالتلك إيه؟!!
ابتسمت ببرود مريب وقالت ضاحكة:
_ولا حاجة أنت مالك اتخضيت كدا ليه، كانت بتحكيلي عنك انكم كنتوا صحاب أوي وانتوا أطفال ومازالتو قريبين من بعض وهي عشان كدا اول ما عرفت اللي حصلي زعلت أوي وجات تزورني وقالتلي كمان أن أنت كنت متردد قبل ما نتخطب وهي اللي اقنعتك
رفع بشار حاجبه بدهشة من كلماتها وأردف بنظرة ثاقبة:
_هي قالتلك إكده؟!
هزت مريم رأسها بالإيجاب ثم اعتدلت في جلستها لتصبح في مواجهته مباشرة وراحت تسأله بفضول ونظرة غريبة:
_كنت متردد ليه بقى ومش عايز تخطبني؟!!
طال سكون بشار وهو يحدق بمريم في نظرة تحمل الشك والحيرة من طريقتها وأسألتها لكنه أجاب بكل طبيعية حتى لا يفسد علاقتهم:
_مسمهاش مكنتش عاوز اخطبك، اسمها كنت متردد لأني كنت مش حابب فكرة الارتباط والچواز في الوقت ده
ابتسمت مريم باتساع وعادت تسأله للمرة الثانية بنفس طريقتها:
_وكنت رافض الجواز ليه بقى يا أستاذ بشار؟
رفع حاجبه بتعجب شديد منها ثم رد بكل هدوء ورزانة:
_كنت حاسس اني مش مستعد وقلقان من الخطوة دي لكن مرت عمي إخلاص أنتي عارفاها أكيد فضلت ورايا لغاية ما اقنعتني.. يعني مرت عمي اللي اقنعتي مش رحاب وهي اللي قالتلي ورشحتك ليا
اماءت مريم برآسها في تفهم وهي مازالت محتفظة ببسمتها أما هو فكان ملامحه جامدة ويبدو عليها الحزم وهو يفكر في رحاب وأنها قد تكون حقًا أخبرت مريم، ولكن إذا أخبرتها فلماذا هي ساكنة هكذا وتطرح عليه الأسئلة بكل بساطة ومرح بدلًا من أن تتركه أو تعاتبه وتغضب منه.
***
وصل ” علي ” وخلود إلى الفندق وقادت خلود خطواتها قبل شقيقها للداخل وهي تقصد المصعد الكهربائي ليستقلوا به وتضغط على زر الطابق السادس وبعد لحظات طويلة يتوقف المصعد ويفتح فتخرج هي ويخرج ” علي ” خلفها، لكنها تتسمر بأرضها عندما ترى مروان أمامها وهو يسألها بقلق فور رؤيتها لها:
_خلود أنتي كنتي فين أنا كنت قالب الدنيا عليكي.. اوعى يكون سمير عملك حاجة؟!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))