رواية نيران نجع الهوى الفصل العاشر 10 بقلم هدير دودو
رواية نيران نجع الهوى البارت العاشر
رواية نيران نجع الهوى الجزء العاشر
رواية نيران نجع الهوى الحلقة العاشرة
” داخل القلوب خبايا وأسرار لا تنتهي”
فتحت عينيها على وسعهما عندما علمت مَن الذي يقترب منها الآن أيعقل كيف؟ لقد كانت مغيبة في البداية، بالطبع هي ليست في حلم بل كابوس مزعج، حمدي زوج نعمة الجبالي هو مَن يقترب منها الآن بتلك الجراءة التي لم تعتاد عليها، عقلها اندمج مع قلبها لثوانٍ وتخيلت حبيبها حـسـن هو مَن أمامها لكن سرعان ما عادت إلى واقعها، ودفعته مسرعة إلى الخلف منكمشة على ذاتها وبدأت تغلق ثيابها عليها من جديد، صائحة بغضب:
– بـعِد عنيّ كيف تجربلي إكده اتچنيت إياك والله ما هسكت عاللي عيحصُل دِه هجول لـ عمران ومرتك كُمان والله لافضحك يا خَسيس هملني ياواكل ناسك.
لازال يجلس بجانبها فوق الفراش وعينيه تطالعها برغبة، يرى ملامحها التي لازالت تحتفظ بجمالها بالرغم من حزنها، فأجابها ببرود متبجحًا:
:- وأني معيهمنيش حديتك دِه ولا يهزني، أني مش كيف ما عتفكري جوليلهم وجتها هجول أنك عترمي حالك عليّ وأني معمِلتش حاچة وشوفي عيصدجوكي أنتي اللي لساتك داخلة البيت ولا أني يا بِِت الحوامدية؟
بالطبع لم تهتم لحديثه بعدما رأت عدم خوفه وتبجحه بها دون حياء، هل يطلب منها الصمت؟! أيعقل!! كيف تصمت لشخص مثله أسرعت صائحة بنبرة مرتفعة تشق جدران المنزل بالكامل وعينيها ترمقه بنظرات محتقرة غاضبة:
– الحـجـونـي… الحجني يا عمران…يا نعمة…يا ست فهيمة حد يلحجني الخسيس دِه عيتهجم علـ…
أسرع يضع يده فوق فمها بقوة يكتم صوتها المرتفع الذي سيتسبب في فضيحة كبيرة له، نادمًا على تحديه لها واقترابه منها لكن شهوته هي مَن دفعته لذلك وهو يراها تتمتع بقدر عالٍ من الجمال الخلاب الذي يماثل جمال والدتها رحمها الله، لم يكن يعلم أنها تمتلك تلك الجراءة الكبيرة، كان يظنها ضعيفة سيصيبها الخوف من حديثه لكنها حادة الطباع كوالدتها المرأة الوحيدة مَن تمنى اقترابها ولم ينلها، كانت عينيه ترمقها بغضب والنيران تنبعث منهما ليغمغم بنبرة خافتة يملأها الوعيد:
– والله لو فتحتي خشمك وجولتي اللي حُصل لأجتلك، صوتي كيف مانتي رايدة محدش موچود إهنيه ولا حد هيصدجك.
أنهى حديثه وهو يدفعها بقوة إلى الخلف وأسرع ناهضًا تارك الغرفة بخطوات واسعة خوفًا من أن يرتفع صوتها مرة أخرى، وبدأ يهندم هيئته في الخارج ثم غادر المنزل بأكمله سريعًا خوفًا من حديثها والخوف يشتعل داخله بعدما علم أن من الصعب صمتها على فعلته، وعقله يفكر في حيلة ماكرة ليستطيع الخروج من ذلك المأزق الذي هوى فيه بسبب رغبته بها متذكرًا لهيئتها بين يديه بجمالها الساحر، بالطبع عمران وحسن على صواب لافتنانهما بتلك الفاتنة المثيرة.
أسرعت عهد واقفة جاذبة المئزر ترتديه فوق ثيابها تغلقه حولها جيدًا وصدرها يعلو ويهبط، ظلت تتجول في الغرفة تنتظر عودة عمران وعقلها يفكر بتردد أتخبره أم لا؟! هل حقًا سيكذبها لأجل ذلك الوغد، لكنها لا تظن ذلك هو متى كذبها حتى يفعلها الآن!! دومًا تجده يدعمها ويقف معها دون أن تطلب، لكن هل حقًا سيفضلها على زوج عمته سيصدقها ويكذبه عندما تحتاج إلى دعمه!!..
تشعر بقبضة قوية تعتصر قلبها ولازالت تائهة منغمسة داخل دوامة أفكارها المريرة، لا تستطيع تحديد ما ستفعله..
❈-❈-❈
في المساء…
كانت عهد تجلس بشرود لازالت تفكر فيما حدث لها اليوم بوغتت بتلك اليد القوية التي تحيط خصرها، لا تعلم لماذا شعرت بقبضة قوية تصيب قلبها تؤلمها، ورعشة قوية أصابت جسدها ظنًا منها أنه عاد ليواصل فعلته مرة أخرى، أغمضت عينيها بقوة ودفعته للخلف بشراسة وقوة ضارية كأنها في شجار عنيف لابُد من الفوز فيه، بدأت تغرز اظافرها في يده متذمرة، معقبة بنبرة شرسة غاضبة:
– هملني وبعِد عنيّ، والله هصوت والم عليك الخلج كلياتها معيهمنيش حد واصل.
تفاجأ برد فعلها العنيف فشدد من قبضته حول خصرها يجذبها نحوه قابضًا فوث ذراعيها يكبلهما بقوة محاولًا السيطرة عليها هامسًا داخل أذنيها بصوت أجش قويّ:
– أهدي يا عهد بلاش چنان أومال اعجلي إكده..
شعرت أن حديثه كالصدمة التي أعادتها إلى واقعها من جديد عندما علمت بوجوده، مَن يقترب منها الآن زوجها التقطت أنفاسها بصعداء شاعرة بعودة نبضات قلبها من جديد، كانت تظنه في البداية ذلك الحقير عاد ليكرر فعلته مرة أخرى، استجابت لطلبه وهدأت بين يديه بسكون تحت أنظاره المتعلقة نحوها، حاولت أن تبتعد عنه بارتباك مغمغمة بتوتر:
– مكنتش خابرة أنك أنت خلعتني.
قبض ما بين حاجبيه بحدة وجدية تامة غاضبًا من حديثها ليردف بعدها بلهجة حازمة:
– محدش يجدر يدخل إهنيه غيري ولا حد يجدر يجربلك إكده غير چوزك.
رمقته بنظرات متوترة والتردد يبدو بوضوح داخل عينيها أتخبره أم لا؟ هل سيصدق حديثها ويجلب لها حقها مثلما يفعل دومًا دون أن تطلب أم سيخذلها ويكذبها واثقًا في ذلك الوغد الحقير الذي اقترب منها عنوة.
كانت عينيه معلقة عليها مندهشًا من صمتها وتوترها، شعر أن هناك شئ قد حدث معها لكن كبرياءه يمنعه أن يسألها ظل جالسًا بصمت تام، وجدها صامتة كما هي بذهن شارد فقطعها مردفًا بجدية حادة:
– چهزي الوكل يا عهد.
تذمرت ملامحها بضيق ونهضت على مضض سارت إلى الأسفل لتعد له الطعام، تفاجأت بذلك يجلس بجانب زوجته لكن عينيه ونظراته معلقة نحوها رمقته بازدراء محتقرة وتوجهت نحو المطبخ بدأت تعد الطعام له بمساعدة العاملة، صعدت تحمل الطعام متوجهة إلى أعلى كما طلب منها تحت نظرات نعمة الساخرة منها..
وضعت الطعام امامه وأسرعت تغلق الباب مرة أخرى تعجب من فعلتها فغمغم بجدية:
ـ محدش يجدر يدخل إهنيه جولتلك في إيه مالك.
رمقته بتوتر وجلست أمامه بخوف وملامح ممتعضة تتحدث بنبرة خافتة بحزن:
– لاه مش كيف ما عتجول حمدي چوز عمتك دخل إهنيه وأني نايمة وجرب منيّ بطريجة عِفشة.
انتفخت أوداجه غضبًا وغلت الدماء بداخله هب واقفًا مقتربًا منها قابضًا فوق ذراعها يجذبها منه بعنف لتقف قبالته صائحًا بها بعنف والشرر يتطاير من عينيه للسوداء القاتمة:
– أنتي خابرة عتجولي ايه! جرب منيكي كيف جولي.
شعرت بالخوف بسبب غضبه ونبرته الحادة معها علمت أنه بالطبع كذّب حديثها، حمقاء هي كيف لها أن تثق به وهو فقط يفعل ما يشاء دون الاهتمام بها ولرغباتها، تألمت من قبضته وامتعضت ملامحها لكن ذلك الألم لم يضاهي ألمها من تكذيبه لها لكنها ماذا كانت تنتظر منه؟! أتنتظره يصدقها ويجلب لها حقها؟! نعم هذا ماكانت تريده لكن ما تراه منه عكس ذلك، هو فقط تزوجها عناد في شقيقه ليثبت أنه قادر على سلب كل شئ مادام يحدث دون رضاه…
حاولت دفعه بقبضة يدها التي ترطمها في صدره بقوة ليبتعد عنها صارخة بحدة غاضبة:
– هملني وبعّد عني، جولتلك جرب بطريجة عفشة وأنت خابر كيف، لكن أنت اللي معتصدجنيش.
ضرب الطاولة بقدمه ودفعها بقوة إلى الخلف هادرًا بها بعنف لتكفي عن ثرثرتها وعقله كاد أن يصيبه الجنون لتفكيره في حديثها:
– اكتمي خالص بلاش حديت ماسخ، جولي جربلك كيف وميتى؟
التقطت أنفاسها بصعداء وتمتمت تخبره عما حدث معها بنبرة متحشرجة وهي تحاول أن تحبس دموعها، لا تعتاد يومًا أن تشارك أحد بكائها ويرى ضعفها:
– مخابراش دخل كيف أني جومت لجيته جاعد چاري وبيحاول يجرب مني بعدته وصوتت بس الست فهيمة وعمتك كانو عيزوروا حسن فهددني جالي مجولكش وأنك مهتصدِجنيش.
فقدت سيطرتها على ذاتها وخانتها عبراتها لتسقط فوق وجنتيها كنهر جارٍ أغمضت عينيها بقوة ضاغطة فوقهما ملتقطة أنفاسها بصعداء من بين شهقاتها وقلبها المرتجف داخلها وهي تتذكر ما حدث لها في الصباح كيف كانت ترتجف لأول مرة تشعر أن قوتها خارت، وهي تقف أمامه بضعف.
وقف يستمع إلى حديثها بذهول شاعرًا بالغضب يندلع داخل عقله يعميه والنيران تصاعدت حتى سيطرت على عقله تجاهلها وتجاهل كل ما حوله لم يفكر سوى في شيء واحد وهو قتل ذلك الحقير الذي اقترب لزوجته، زوجة عمران الجبالي كبير النجع يحدث لها كل ذلك..
أسرع متوجه إلى الأسفل بخطوات واسعة شبه راكضة وجده يجلس مع زوجته أسرع يجذبه من أطراف جلبابه لكمه بعنف عدة مرات وصدره يعلو ويهبط بضراوة، أسرعت هي راكضة إلى الأسفل بخطوات متعثرة لكنها تحاول أن تحث ذاتها للنزول أسفل لرؤية ما يحدث لتثأر لحقها الذي يعود على يده مثلما يفعل دومًا وقفت بوجه مبتسم من بين دموعها التي لم تتوقف إلى الآن ترمقه بشماتة منتصرة..
ازداد ضربه عنفًا فاعتلت صرخات نعمة المذهولة بعدم فهم متمسكة بيده تحاول منعه بعنف:
– بعد عنه ايه اللي حُصُل لده كله، ده كيف أبوك ياعمران معينفعش اللي عتعمله عاد.
لم يبالِ بحديثها دفعها للخلف لتبتعد عنه بينما دفع ذلك الوغد بقوة أسقطه أرضًا يركله بقدمه بعنف اعتلت صرخات نعمة وهي تلطم فوق وجنتيها عدة مرات محاولة طلب النجدة من والدته:
– يا فـهـيمـة تعي شوفي ولدك شوفي الكَبير عيعمل ايه، يامُرك يا نعمة.
ازدادت صرخاتها واعتلت وهي تضرب صدرها بقوة، قبض عمران فوق عنقه ضاغطًا بقوة والغيرة ملأت قلبه يود قلبه قتله لا يعي شيء بجانب غضبه الجامح المتوهج داخله، والشرر يتطاير من عينيه القاتمة، مغمغمًا بقسوة:
– الله في سماه لأجبض روحك بيدّي، أني هجتلك اللي يرفع عينه في مرتي أجلعهاله وأنت اتچرأت وعملت اللأكبر من إكده.
آتت فهيمة مسرعة وحاولت التدخل في الأمر شاعرة بالقلق بعدما رأت حالة ابنها الغاضب وعلمها أنه لن يتراجع فيما يفعله، أسرعت تتمسك بذراعه تمنعه مما ينوى فعله متسائلة بعدم فهم:
– هدي حالك ياولدي جولي ايه اللي حُصُل عاد، حمدي عملك ايه لچل ماتعمل وياه إكده.
تركه وتطلع نحو والدته، بينما الآخر أخذ يلتقط أنفاسه بقوة ونبرة مرتفعة يحاول التقاط أكبر قدر من الهواء بعدما كان على وشك الإختناق والموت، أسرعت نعمة تجلس بجانبه تعطيه كوب الماء بيد مرتعشة..
غمغم عمران بغضب ضاغطًا فوق حديثه بحزم وهو يرمقه بتوعد يخبره بنظراته أن الأمر لم ينتهِ بعد:
– حمدي اللي عتدافعي عنيه إكده، دخل على مرتي الصبح وهي لساتها نايمة وبيجرب منيها الله في سماه ما هيكفيني جتله بيدّي.
تطلع الجميع نحوها بغضب شعرت بالخوف من نظراتهم فانكمشت على ذاتها وازدردرت ريقها الجاف بتوتر تحاول أن تظل كما هي تقف أمامهم بثقة، لم تفعل شيء خطأ لتخاف منه تطلعت داخل أعينهم بقوة متبجحة بهم لتخبرهم أنها على حق وزوجها يفعل ذلك لأجلها.
أسرعت نعمة تقف قبالته متحدثة بجدية حادة:
– حديت ايه اللي عتجوله ده يا عمران مين اللي جال الحديت الماسخ ده، أني چوزي كان معايّ واحنا عنزوروا أخوك اللي معتسألش فيه من بعد اللي حُصُل كنك ما صدجت الله ياخد اللي عمل إكده وولع النچع.
انكمشت ملامح عهد في ذهول تام والصدمة سيطرت عليها، وجدته يتطلع نحوها متسائلًا في صمت، علمت جيدًا مغزى نظراته فحركت رأسها نافية شاعرة بقبضة قوية تعتصر قلبها الذي هوى بداخلها خوفًا مما حدث للتو..
حاول أن يطمئنها بنظراته وعاود بصره نحو عمته ليسترد حديثه من جديد بجدية تامة:
– أني مرتى معتكدبش دي مرت عمران الچبالي، وچوزك مههملهوش أنتي عتحاولي تداري عليه دلوك.
تطلعت نحو والدته لتستنجد بها حتى تدعم حديثها مغمغمة بمكر:
– جوليله انتي يا فَهيمة جولي لولدك اللي حُصُل.
اومأت برأسها أمامًا تؤيد حديثها بجدية متطلعة نحو عهد بنظرات يملأها الكره والغضب:
– ايوه يا ولدي عَمتك معتكدبش حمدي چوزها كان معانا ولا عتكدبني أني كُمان لچل الغَندورة مرتك.
أسرعت تتحدث محاولة الدفاع عن ذاتها بعدما شعرت أنها سقطت في المكيدة المدبرة لها:
– أني معكدبش والله يا عمران حصُل كيف ما جولتلك.
عينيه معلقة نحوها بقوة وهي تحرك رأسها بتوتر وخوف تخبره بصدقها بإصرار، لكن كل ما حولها يؤكد عكس ذلك، انتهزت نعمة تلك الفرصة وواصلت حديثها مرة أخرى بجدية غاضبة:
– كان لَزمته ايه اللي عملته في حمدي أني چوزي ميعملش إكده واصل يا عمران فكر بعجلك بعد إكده مش هتمشى ورا مَرا وعتعمل اللي رايـ…
قطع حديثها هادرًا بعنف حاد ولازال الغضب يتملك منه:
– عـمّة بلاش حديتك ده إنتي خابرة زين أن عمران الچبالي معيمشيش على حديت حد، أني بچيب حج مرتي اللي يجربلها اجتله.
ردت عليه صائحة بغضب وعينيها لازالت معلقة على تلك الواقفة بوجه شاحب ترتعش تحبس الدموع داخل عينيها والخوف يبدو بوضوح فوق ملامح وجهها:
– وأني جولتلك چوزي معيعملش إكده ولا يبص لواحدة غيري، مرتك عتكدب ملناش ذنب ومحدش جربلها أنت إكده محقوقله يا كَبير.
أكملت حديثها بنبرة غاضبة بمكر مقتربة منها:
– إنتي كيف الحية دخلتي علينا بوشك الشوم فرجتي اللخوات عن بعضيها وكمُان رايدة توجعيه مع چوزي ومعايّ بكفياكي عاد، خلي سِمّك لحالك بعّديه عن عيلة الچبالي.
لم تقوَ على الرد عليها عينيها معلقة نحوه تود معرفة شيء واحد هل هو يصدقها أم لا؟ لم تهتم بحديث الجميع أو كذبهم هي لن تهتم سوى بأمره، رعشة قوية أصابت جسدها جعلتها تسقط جالسة فوق المقعد الذي كان بجانبها تغمض عينيها الباكية بصمت تام تحت أنظار نعمة الشامتة وحمدي المنتصر بمكره.
كان عمران يقف في حيرة كبيرة لا يعلم ماذا يفعل لا يعلم في الحقيقة يصدقها هي أم الجميع؟! لكن كيف تفعل ذلك في ذاتها، أيعقل انها فعلت ذلك حتى تثأر من نعمة!.. لمَ لا هي دومًا تكرهها لكنه سرعان ما نفض تلك الأفكار من عقله واثقًا بها يعلم أنها من المستحيل أن تفعلها..
بعد تفكير طويل وجه بصره نحو حمدي الذي كان يجلس فوق الأريكة بجانب زوجته مردفًا بتعقل وجدية:
– من الليلة ديه هتجعد في البيت اللي برا اللي عيجعدوا فيه اللضيوف محدش فيه دلوك.
شهقت نعمة بغضب ونهضت مرة أخرى قبالته معترضة:
– بدك تعامل چوزي كيف اللاغراب، لاه يا عمران أني جوزي عيفضل مكانه في مِلك مرته ما تجولي حاچة يا فَهيمة عاد.
اومأت برأسها أمامًا تؤيد حديثها شاعرة بالغضب من عهد المتسببة في أفعال ولدها بعدما سيطرت على عقله لتصبح هي الآمرة في النجع بالكامل:
– ايوه يا ولدي عمتك عتتكلم صُح.
لم يبالِ بحديثها ولازالت الغيرة تنهش في قلبه تعميه لكنه يحاول السيطرة على ذاته ليفكر في الأمر بحكمة متقعلًا حتى لا يخطأ، قابضًا فوق يده بقوة حتى أبيضت مفاصله وأعاد حديثه مرة أخرى صائحًا بجدية حادة:
– أني جولت حديتي ومهرچعش فيه، صفية يا صفية.
آتت صفية العاملة سريعًا تجيب نداءه باحترام:
– ايوه… ايوه يا سي عمران.
أجابها بلهجة حازمة وهو يسير مقترب من عهد الجالسة في صمت وذهول تحت تأثير الصدمة التي سقطت عليها كالصاعقة:
– ساعدي ستك نعمة وسيدك حمدي عشان يلموا حاچتهم ويضبوا خلجاتهم كيف ما جولت.
جذب عهد بقوة لتنهض عنوة واضعًا يده فوق خصرها بتملك ليقربها منه وكأنه يخبر الجميع أنها زوجته خاصته ملك عمران الجبالي ومَن يفكر بها لوهلة واحدة هو على استعداد لقتله، وسار معها إلى أعلى نحو غرفتهما بخطوات غاضبة، كانت مستسلمة تمامًا بين يديه تسير معه بصمت تخشى ما سيفعله بها عندما يدلف الغرفة بعدما تأكد من كذبها، كيف سيستمع إلى حديثها أمام حديث والدته وعمته اللتان أكدا كذبها.
في الأسفل كانت تشعر نعمة بنيران جامحة تسيطر على عقلها تطلعت نحو فهيمة مغمغمة بغل وغضب:
– عاچبك عمايل ولدك يا فهيمة، عيطردني أني وچوزي من دارنا لچل بِت الحوامدية وكدبها.
حركت رأسها نافية وغمغمت ترد عليها بضيق والغضب يملأها تجاه تلك الحية التي ستدمر العائلة، غمغمت بتوعد:
– لاه معيچبنيش حاله ،وأنتي خابره إكده ربنا ينتجم منيها هي السبب في كل اللي عيحصل للعيلة على يدّها همتك معايا يا نعمة لچل ما نخرچها من إهنيه.
لوت فمها ساخرة وهي تتطلع إلى حالها معقبة بتهكم:
– اديكي شايفة مين اللي عيخرچ امبارح كان حسن ودلوك أني وچوزي، منعرفش مين اللي بعد إكده.
فهمت فهيمة مغزى حديثها فشعرت بغضبها يزداد كإصرارها في تدمير تلك الفتاة والثأر منها بكل الطرق، متوعدة لها متمنية أن ترى كسرتها وإذلالها، عازمة على خروجها بعيد عن عائلة الجبالي كما دلفتها بمكرها..
بدأت نعمة تعد أشياءها بمساعدة صفية والغيظ يملأ قلبها شاعرة بهزيمتها تلك المرة أمام تلك الحية وزوجها هو المتسبب فيما حدث اليوم، لم تصمت ولن تجعل الأمر يمر بسلام، ستجعل حياتها جحيم أبدي لتريها مَن هي نعمة الجبالي.
❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈
” قيل أن العشق قاسٍ
فعلمت بعدما أصبحتُ عاشقًا لها”
في الغرفة الخاصة بعمران..
جلس يفكر في حديثها مقارنة بحديث والدته وعمته المتناقض تمامًا، لازال لم يصدق أنها كاذبة بالرغم من أن كل شيء يؤكد ذلك، لكنه يثق بها، يثق بحديثها ثقة عمياء، لكن كيف؟! يعلم بالطبع أن هناك شئ مفقود في الأمر، هناك شي يخفي الحقيقة لكنه يحاول السيطرة على ذاته والتفكير بتعقل حتى لا يندفع منطلقًا خلف مشاعره المتيمة بها، يحاول الاعتدال في تفكيره بحكمة كما اعتاد محاولًا بصعوبة بالغة أن يتجاهل هواه بها حتى يستطيع فعلها.!
شعرت بالضيق من صمته ظنًا منها أنه يكذبها، لكنها قررت ألا تصمت فكيف لذات الحق أن تصمت وتتنازل عنه بتلك الطريقة الماكرة منهم، جلست على عقبيها أمامه متسائلة بنبرة خافتة:
– أنت مصدجني ولا لاه يا عمران؟
تتطلع داخل عينيه للمرة الأولى متمنية أن تصل إلى الحقيقة، لا تعلم لماذا لم ترَ ذلك السواد القاتم الذي تبغضه داخل عينيه، تجد وميض آخر لم تفهمه لكن الغضب لازال يسيطر عليه، أمسكت كفه بين يديها وعادت حديثها مرة أخرى:
– جولي مصدج حديتي ولا كيف ما جالولك؟
سحب كفه من بين يديها مغمغمًا بجدية هاربًا من نظراتها، للمرة الأولى هو مَن يقوم بالابتعاد عنها حتى يستطيع التفكير مثلما يريد تاركًا مشاعره التي تدفعه لتصديقها والاقتراب منها ليضمها داخل حضنه ويقتل ذلك مَن تجرأ واقترب من زوجته:
– نتحدت بعدين مش دلوك يا عهد.
علمت أنه لم يصدق حديثها فنهضت من أمامه توليه ظهرها متمسكة بدموعها بقوة حتى لا تظهر ضعفها أمامه وغمغمت بحدة وحزم:
– مش هسكت أني معكدبش لچل ما اسكت، أني عيني جوية عشان على حج، هما اللي عيداروا على بعض عشان تهمله وفالاخر ممصدجنيش وأني من ميتى عكدب عليك ولا على غيرك يا سي عمران.
هب واقفًا قبض فوق ذراعها يديرها أمامه مغمغمًا بحدة ضارية والغضب يعلو قسمات وجهه وعروقه البارزة المتتفخة:
– جولتلك اكتمي دلوك.
وقفت ترمقه بضيق وغمغمت بقوة وهي تتطلع داخل عينيه المتوهجة بغضب:
– وأني رايدة حجي من كَبير النچع مش چوزي طالما هو ممصدجنيش.
دفعها فوق الفراش وصدره يعلو ويهبط بصوت مرتفع، وازداد غضبه بعد حديثها ليرد عليها بجدية حازمة:
– حجك هيرچع مفيش حد إهنيه مبرچعش حجه بلاش حديت دلوك جولتلك وچوزك معيكدبكيش يا عهد.
رمقته بعينين تائهة وحركت رأسها أمامًا في صمت لا تعلم حقيقة طباعه تارة هادئ وتارة غاضب تارة قاسٍ يجعلها تبغضه وتارة حنون لا تعلم مَن هو بين كل ذلك، لكنها اليوم تشعر بالظلم لأول مرة كانت تنتظر رد فعل غير ذلك لكن ماذا يفعل؟! حاولت أن تفكر باعتدال قليلًا ماذا سيفعل هو إلى الآن لم يكذبها لكنه لم يكذب عائلته أيضًا، صدر عنها تنهيدة حارة تعبر عما بداخلها، واعتدلت فوق الفراش محاولة أن تغفو لتهرب من كل ما حدث لها اليوم أغمضت عينيها بقوة حتى لا تفكر في شيء مما حدث..
جلس بجانبها هو الآخر متطلع نحوها يتأمل ملامحها وهي نائمة يقسم أنه في حياته لم يرَ مثلها، ابتسم بسعادة وقد شرد ذهنه في ملامحها لكن هُناك ما يؤلم قلبه يعلم أنها تبغضه تعيش معه عنوة ومع أول فرصة تسمح لها بتركه ستفعلها دون تردد…حاول أن يترك الأمر ويفكر فيما حدث اليوم يحاول أن يصل للحقيقة لا يعلم مَن الظالم ومَن المظلوم كيف سيعاقب الظالم دون دليل واضح، قلبه يصدق حديثها لكن الحقيقة والأمر يبدو عكس ذلك تمامًا…
❈-❈-❈
ولجت نعمة بصحبة زوجها المنزل المكون من طابق واحد لم يبتعد عن المنزل الرئيسي كثيرًا وأشارت للعاملة مغمغمة بجدية:
– هملي الحاچة دلوك ومن صباحية ربنا تاچي إنتي وبدرية تخليه بيبرق كيف السرايا.
نفذت صفية ما تريده وتركت اشياءها وأجابتها باحترام:
– من عينيا التنين يا ست نعمة.
سارت نحو الخارج بعدما نفذت ما طلبته منها، وأغلقت الباب خلفها، تطلعت هي نحو زوجها بشراسة وأعين تلتمع بالغضب وسألته بتهكم ساخرة:
– عاچبك اللي حُصل عاد من تحت راسك؟
ازدردر ريقه بتوتر محاولًا أن يجد طريقة للهروب من ذلك المأزق مدعي عدم الفهم:
– وأني عِملت إيه، ده عمران هو اللي عمل إكده عشان يرضي مرته.
اعتلت ضحكاتها باستهزاء واقتربت منه مغمغمة بمكر وحدة:
– لاه بجولك إيه أني مش عيلة جدامك لچل ما تجولي إكده، الحديت الماسخ ده أني جولته لعمران عشان يهملك، أنت اتچنيت وجربت للبت ديه وبعدها چيتني أني وفهيمة، أني كنت خابرة أن چيتك موراهاش خير، واللي حسِبته لجيته.
هرب من نظراتها مغمغمًا بارتباك:
– مكنتش واعي للي عملته وجولت أنها عتخاف ومعتجولوش، وبعدين مانا عملت الصُح وچيتلك بعديها وأمه نفسيها جالتله إكده.
لوت فمها بسخرية مغمغمة بحدة صارمة:
– بجولك إيه اعدل حالك اديك شايف بسبب عملتك المجندلة مبجيناش في السرايا أني هحاول مع فَهيمة عشان نرچع تاني وتلين دماغ عمران، بس لازمن تتعدل وياني يابِت الحوامدية في السرايا والعيلة كُمان.
توجهت نحو الغرفة بغضب تفكر في حيلة ماكرة حتى تتخلص من عهد كما تريد، فلأول مرة تشعر بالهزيمة أمامها بسبب فعلة زوجها الحمقاء تعلم أن عمران إلى الآن وبالرغم من حديثها وحديث والدته الذي يؤكد كذبها لكنه لم يكذبها لذلك طردها هي وزوجها من منزل عائلة الجبالي، فلذلك لن تجعل الأمر يمرئ على خير ستعيد حقها مرة أخرى..
❈-❈-❈
بعد مرور يومين…
كانت نعمة تجلس مع فهيمة كل منهما يفكر في مكيدة لتلك المسكينة التي لم تذنب ولم تفعل شيء سيء لأي منهما لكن خطأها الوحيد كان عشقها لـ حسن الجبالي الذي دفعها للتضحية بذاتها دون تفكير في حالها ألقت ذاتها سجينة لعمران ليفعل معها ما يشاء كالدمية، تزوجها دون موافقتها، سلب منها حريتها في تعبيرها عن رأيها هي فعلت كل ذلك لأجل شقيقه في النهاية يراها الجميع مذنبة من أي جهة يرون؟! قلوبهم مغشية وعقلهم في غفلة وإلى الآن هي لم تؤذِ أحد منهم بل هي من يقع عليها الأذى يالها تلك الحياة من قاسية عليها بالرغم من كل ذلك لم تكتفِ إلى الآن!! ماذا ستفعل بها الحياة بعدما سقطت فريسة لبراثنها دون رحمة..
غمغمت نعمة متسائلة بمكر بعدما أنهت حديثها:
– إيه ياخيتيّ جولتي إيه في اللي بجوله.
التقطت فهيمة أنفاسها بصعداء تفكر بتمعن ثم أجابتها بجدية وثقة:
– ماشي موافجة بس سيرتي متچيش في الحوار كلياته من اللول أني مرايداش عمران يخرچ برة طوعي لو عرف حاچة.
اومأت نعمة برأسها أمامًا مؤكدة على حديثها بمكر:
– لاه ياخيتيّ محدش يجدر يچيب سيرتك واصل.
أنهت حديثها بابتسامة شيطانية تزين ثغرها تعكس مدى تفكيرها الواسع وغضبها الكبير من عهد الذي يقودها للثأر منها..
كانت عهد في اليومين اللذان مضوا تتجاهل وجود عمران، تفعل ما يريده دون أن يطلب منها حتى لا تختلط معه ويتحدث معها، أحضرت ثيابه مثلما طلب منها وضعتها فوق الفراش، ألقى نظرة سريعة متفصحة لها وسألها بهدوء وهو يقف خلفها مباشرة:
– لحد ميتى عتفضلي إكده؟
قبل أن تبتعد عنه وجدته يلف ذراعه خول خصرها يجذبها منه حتى التصقت بصدره تفاجأت من اقترابه المباغت، وأنفاسه التي تلفح وجهها فاغمضت عينيها باستسلام لعدة لحظات، ثم غمغمت بتوتر محاولة الإبتعاد عنه:
– أ… أني عِملت ايه، بعمل كل اللي رايده أهو ومعتحدتش واصل.
شدد من قبضته حول خصرها وأردف بسخرية وعينيه معلقة نحو شفتيها:
– كنك عاچبك اللي عيحصل بيناتنا ما بكفياكي عاد.
علمت مغزي حديثه فحاولت دفعه بتوتر ورعشة قوية أصابت جسدها أسفل يديه، مغمغمة بتوتر وخوف قبض فوق قلبها:
– بـعد عني يا عمران بزياداك أنت، أني معملتش حاچة أنت اللي مرچعتليش حجي لحد دلوك وأني ساكتة كيف ما جولت.
أطبق شفتيه فوق خاصتها ذات الملمس الناعم، لينال من مذاق اقترابها الذي يجعله يفقد سيطرته على ذاته، لكنه وجد منها استسلام تام للمرة الأولى وكأنها هي الأخرى لم تستطع مقاومة سحره لعينيها، همس داخل أذنيها بنبرة خافتة:
– وأني خليته يهمل السرايا إهنيه ويجعد كيف اللاغراب لچل عيون مين إياك، أني معهملش حج مرتي، الله في سماه اتوكد بس أنه عِمل إكده صُح وأكون جابض روحه بيدّي.
تطلعت داخل عينيه للمرة الأولى عن قرب على عكس عادتها فقد كانت دومًا تهاب النظر إليه عندما يقترب منها، وتمتمت تسأله بنبرة هامسة بخفوت:
– يعني عتكدبني أهو كيف ما عيجولوا؟
بدا الإستنكار فوق قسمات وجهه وأجابها بدهشة وهو يعيد التقاط شفتيها مرة أخرى ويده تتحسس جسدها بشغف كأنه يخبرها أنه يحتاجها ويحتاج أن ينعم باقترابها ودفء حضنها، يخبرها أن تشفق بذاك العاشق المتيم بها بجنون:
– ومين جال إكده يا عهد! أني بس مرايدش أبجى ظالم جدام الكل اتوكد وهجتله.
فهمت لماذا كان غاضب عندما صمت وتركه، علمت القيود المتواجدة حوله التي تجعله يفكر قبل أن يتخذ أي قرار لأنه كبير النجع ويجب أن يكون واثقًا من قراره، أومأت برأسها أمامًا وقد بدت لها الأمور واضحة..لكنها شعرت بسيطرته عليها وقد بدأت تتجاوب معه فنهرت ذاتها مسرعة، ودفعته للخلف بقوة محاولة الإتبعاد عنه مغمغمة بجدية متحاشية النظر داخل عينيه:
– لاه يا عمران هملني مرايداش إكده.
ضغط بقوة أكبر فوق خصرها ألمتها فامتعضت ملامح وجهها وحاول أن يستجمع شتات ذاته حتى يستطيع الإبتعاد عنها، رفع حصاره عنها سامحًا لها بالإبتعاد فابتعدت مسرعة وظلت تلتقط أنفاسها بصعداء محاولة تنظيم نبضات قلبها المتعالية بسرعة، كانت عينيه مثبتة نحوها يرى تغيرات ملامح وجهها التي تختلف تمامًا عما كانت من قبل، أيعقل ما يفكر به صحيح بدأت تتقبل وجوده وأقاربه وستستسلم أمام موجة عشقه الثائرة؟! اسرع يحرك رأسه نافيًا لينهي تفكيره وابتسامة جانبية زينت محياه على هيئتها الخجلة أثر اقترابه..
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع..
كانت عهد تجلس في بهو المنزل تفاجأت بوجود حمدي الذي جلس قبالتها رمقته بضيق ونهضت، لكنه استوقفها بحديثه الماكر:
– راچع من عِند حسن وعيسأل عليكي.
وقفت متصنمة مكانها تلك الحمقاء والتفتت نحوه مسرعة متسألة بلهفة متناسية وضعها وكل شيء آخر شاعرة بدقات قلبها تتسارع وكأنه سيتوقف:
– جالك ايه؟ هو كيفه زين ولا حصُله ايه؟ جلبي واكلني عليه والله.
ابتسم بمكر وأجابها بجدية:
– مهواش زين خالص عيجول أنه رايد يشوفك اتوحشك.
التقطت أنفاسها بصعداء ووقفت تفكر لوهلة كيف ستفعلها وقد آتت صورة عمران زوجها داخل عقلها، حركت رأسها نافية عدة مرات عالمة باستحالة ما يريده خوفًا من قسوة عمران الذي لن يتهاون في خطأ مثل هذا، تمتمت متراجعة بقلق:
– لاه مينفعش كيف يعني، أني دلوك متچوزة.
لم يهتم بحديثها الخائف ليستكمل حديثه بمكر:
– هو بيجول أنه رايد يشوفك لاحسن بعافية شوية.
لم ينتظر ردها سار نحو الخارج خوفًا من عودة عمران بعدما منعه من الإتيان إلى هُنا بسببها..
صعدت عهد تفكر فيما يحدث شاعرة بحيرة كبيرة، قلبها يدفعها للذهاب إليه لكن عقلها يمنعها، يذكرها بعمران وقسوته، يخبرها أنه لن يتهاون في ذلك الشيء بالطبع سيقتلها دون تردد، لكن قلبها يجعلها تفكر في حسن الذي ينتظر قدومها هي فعلت كل ذلك لأجله وفي النهاية ستتركه خوفًا من عمران، حركت رأسها نافية عدة مرات واستطاعت مشاعرها أن تنتصر وتنهي خوفها من زوجها، كل ما تفكر فيه الآن هو حسن وذهابها إليه، هي أيضًا تشعر باشتياقها له متمنية رؤيته مسرعة لتجعل قلبها يشعر بالسعادة لرؤية مَن تحب وملك قلبها على الرغم من زواجها بشقيقه لكنه يظل في قلبها إلى الآن رغمًا عنها، لا تعلم أن كانت ما تفعله خيانة لمَن زوجها الذي تزوجته عنوة أم حبييها المُختار من قلبها؟ لا تعلم مَن تخون منهما لكن في النهاية تعلم أنها أمرأه خـائـنـة..!
❈-❈-❈
في الصباح الباكر…
ما أن ذهب عمران وهي انتهزت تلك الفرصة الذهبية التي آتت إليها وسارت نحو الخارج بعدما هندمت هيئتها ووشاحها تشعر بدقات قلبها تتسارع حتى كاد يتوقف، كلما اقتربت لرؤيته، لا تعلم هي اختارت الصواب أم الخطأ لكنها قررت أن تنسى عمران وكل شئ آخر لم تتذكر سوى حسن وقلبها المتلهف لرؤيته بلوعة حارقة..
وقفت تنتظر قدومه وها قد آتى ورأته كانت تطالعه بلهفة، تطالع هيئته في صمت تطالعه بتمعن ودموعها تسيل فوق وجنتيها بضعف واعتلت شهقاتها عندما رأت هيئته التي تحولت تمامًا لم تصدق أن مَن أمامها هو حسن الجبالي، فقد أصبح أنحف وملامحه شاحبة تملك الحزن منها، تعلم أنه عانى كثيرًا في ذلك المكان وإلى الآن هو يعاني، ازداد بكاؤها وانتحبت بضعف ساقطة أرضًا بانهيار تام..
كان يبادلها نظراتها يلومها ويخبرها أنها المتسببة، نـعـم يؤكد ما يدور داخلها لكنه أسرع متوجه نحوها يساعدها على النهوض من جديد واحتضنها بضراوة مشددًا عليها باشتياق وأردف بعتاب يملأ الحزن طياته:
– هونت عليكي يا عهد، هونت عليكي تكسريني إكده، ليه يا عهد دِه أني عملتلك خدي مداس وجايدلك صوابعي.
تمسكت بثيابه وازداد نحيبها لكنها تدفن وجهها في صدره تجيبه بخفوت وهي تحرك رأسها نافية:
– مجدرش… مجدرش أكسرك دِه أني أموت حالي فداك، روحي وعمري كلياته فداك.
رفع وجهها إليه حتى تتطلع نحوه محاولًا أن يرى الصدق داخل عينيها وسألها بخفوت وأنفاسه تلفح وجهها وهي مستسلمة تمامًا بين يديه لم تبعده مثلما كانت تفعل وقد انتصر اشتياقها ومشاعرها المتلهفة له على عقلها تمامًا:
– أمال اتچوزتيه ليه؟ ده أني روحت فطيس لچلك ومجولتش حاچة، معنديش أهم وأغلى منيكي بس أنتي اللي هملتيني يا عهد، كنك نسيتي كل دِه.
حركت رأسها نافية متمسكة بيده بقوة مستندة برأسها فوق صدره محاولة أن تنعم بحنانه ودفئه:
– أني مجدرش انسى حاچة عِملتها والله ما حد عيملى عينيّ وجلبي غيرك يا حسن، بس أنى عملت إكده بالغصب والجوة والله متظلمنيش عاد، بلاش أنت تظلمني، جلبي متعودش منيك على إكده.
اومأ برأسه أمامًا بقلب أنهكه الحزن والهوى، الاشتياق ولوعته المتأهبة، الفراق وقسوته الضارية، لكن حبها لازال في قلبه كما هو، وجد نفسه يقترب منها بشغف ويقبلها بحنان يطبع ملكيته فوق عنقها ووجنتيها، وهي تتحرك بين يديه محاولة أن تلملم ذاتها بين يديه وتبتعد عنه قبل أن تضعف وفي النهاية نجحت أخيرًا في مقاومة تأثيره الساحر عليها، وقفت أمامه تحرك رأسها نافية بصمت وقد انتهت الدقائق القليلة وسيعود مرة أخرى حبيس بين أربعة جدران والتحقيق في الأمر لازال مستمر… تطلع نحوها بأعين ملتمعة وهي لازالت تبكي لابتعاده عنها من جديد، أردف بحنان شغوف:
– اوعاكي تنسيني يا عهد جلبي ميستحملهاش واصل.
حركت رأسها نافية مغمغمة بخفوت ونبرة مبحوحة من بين بكائها المستمر:
– مجدرش والله ماجدر جلبي معياطوعنيش وعيني معاتشوفش غيرك يا سيد الناس والنچع كلياته.
وقفت تطالع أثره وهو يختفى من أمام عينيها العاشقة له بحزن أنهك فؤادها، وسارت هي الأخرى نحو الخارج بخطوات متعثرة تستند على الحائط والدموع تملأ عينيها لا تجعلها ترى شيء آخر أمامها لكنها تفاجأت بصورته وهيئته أمامها، نـعـم زوجها عمران يقف أمامها الآن يطالعها بنظرات مرعبة جعلت قلبها ينقبض بداخلها.
والعديد من التساؤولات تدور داخل عقلها المنهك، كيف آتى إلى هُنا وعلم بوجودها؟!! ترى نظراته التي احتدت وعادت مخيفة كما كانت من قبل، جسدها يرتجف رعبًا عندما تراه وقلبها مقبوض بقوة شديدة وكأنه سيتوقف، قبض فوق ذراعها بقسوة ضارية، ولم يشعر بذاته سوى وهو يصفعها بقوة كادت أن تسقطها أرضًا لولا ضراوة قبضته حول ذراعها مغمغمًا بحدة قاسية:
– الله في سماه يا عهد لاجتلك بيدّي.
حديثه جعلها تتمنى الموت من عودتها للمنزل حقًا، لكن ليس على يده تعلم أن موتها على يده سيكون أقسى الأشياء على روحها، الخوف جعل قلبها يهوى بداخلها والرعب تملك منها..
❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران نجع الهوى)