روايات

رواية قلوب حائرة الفصل الثامن والسبعون 78 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل الثامن والسبعون 78 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت الثامن والسبعون

رواية قلوب حائرة الجزء الثامن والسبعون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة الثامنة والسبعون

🦋 الفصل السابع والثلاثون 🦋
وكيف لكِ يا صغيرة بكسر حصاري الذي فرضتهُ معاقباً بهِ حالي
وكيف إستطعتي إقتحام أسوار قلبي وإحيائهُ بعد أن أصبح بالي
خواطر عُمر المغربي
بقلمي روز آمين
إنخلع قلبهُ حين إستمع إلي صرخات صغيرتهُ المتألمة وشعر بقلبه يتمزق لأجلها،وما أحس بحاله إلا وهو يصرخ بإسمها ويهرول إلي الأسفل هابطاً الدرج بخطواتٍ واسعة جعلت كُل من يجلسون بالبهو ينتفضون ويقفون في هلعٍ أصاب جميعهم،هب عز واقفاً وسألهُ مستفسراً بنبرة هلعة:
-فيه إيه يا عُمر؟
ليزا وقعت يا بابا…نطقها بنبرة مُرتعبة وهو يهرول إلي الخارج ولحق به جميع الموجودين من أهل المنزل،حيثُ كان الجميع جالسون في جو عائلي تحاول به منال أن تُعيد لعائلتها البهجة من خلالهُ،أسرع الجميع إلي الخارج ومنهُ إلي حديقة منزل رائف
دخل من البوابة وجد الصغيرة تصرخ داخل أحضان مروان الذي نزل مهرولاً من غرفتهِ المتواجدة بالطابق العُلوي بعدما إستمع لصراخ صغيرتهُ التي أصبحت تمثل لهُ الكثير حتي أنهُ إعتبرها جزءً لا يتجزء من روحهُ ويرجع ذلك لظروفها الخاصة
كان يحاول الخروج بها والذهاب إلي المشفي كي يطمئن قلبهُ عليها تحت حيرة ثُريا ومليكة التي كانت تحاول مهاتفة ياسين والذي حضر بالفعل خلف ذاك العمر حيث هرول عليه وحاول حمل صغيرته التي صرخت معترضة وقامت بالتشبث بثياب مروان مما جعل عُمر يعدل عن قرار حملها وتحدث وهو يحث مروان علي التحرُك:
-إمشي معايا يا مروان
حملها الشاب واستقل بها سيارة عُمر تحت صرخاتها،رافقهُ ياسين وطارق ونرمين التي ذهبت بتوصية من ثُريا
أما عز ومنال وچيچي فقد ضلو بحديقة رائف،توجهت منال بسؤال ثريا بعدما جلست فوق مقعداً لتُريح ساقاها اللتان لم تعدا تحتملان جسدها جراء إرتعابها مما حدث:
-هو إيه اللي حصل للبنت يا ثريا؟
تنهدت بأسي وأردفت بتبيين:
-إحنا كُنا قاعدين أنا ونرمين ومليكة،وهي والاولاد بيجروا حوالينا وبيلعبوا زي كل يوم،وفجأة وقعت وسمعنا صوت صريخها
أومأت لها بتفهُم في حين هتف عز قائلاً:
-إن شاء الله خير
نطقت مليكة بكلمات لطمأنة قلب والدة زوجها:
-ما تقلقيش يا طنط،هي تقريباً رجلتها إتلوت وإن شاء الله مش هيبقي كَسر
كان الصغير يقف بجوار عز بملامح وجه حزينة لأجل تلك الليزا،تحدث إليه بنبرة مُتأثرة:
-هي كدة ليزا خلاص هتموت زي طنط لي لي يا جدو؟
هتفت منال بنبرة حادة:
-بعد الشر،ما تقولش كدة يا عزو
فتحدث الصغير من جديد:
-ما هي راحت المستشفي يا نَانَاَ،وأنوس حبيبي قال لي إن طنط لي لي راحت المستشفي وبعدين ماتت وراحت عند ربنا
واستطرد بعيناي حزينة:
-أنا مش عاوز ليزا تموت يا جدو،أنا بحبها وعاوزها تفضل معايا علشان نلعب سوا مع ساندرا
إحتضنهُ جدهُ وتحدث لتهدأتهُ:
-ما تخافش يا حبيبي،هي كويسة وشوية وهتيجي من المستشفي
إنفرجت أسارير الصغير وابتسم إلي جدهُ
داخل المشفي،كانت الصغيرة تتسطح فوق الشزلونج تبكي بانهيار وهي تري طبيب العظام ينتهي من لف الجبيرة علي ساقها بعدما أكدت الأشعة التصويرية وجود كسر بكاحلها حدث نتيجة الإلتواء،يقف بجوارها ويضمها بقوة لأحضانه ودموعهُ تتساقط رُغماً عنه وهو يُردد بقلبٍ مُتلهفاً:
-أنا أسف يا حبيبتي،سامحيني،سامحيني يا قلبي
إنتهي الطبيب من عمله وانسحب إلي الخارج بعدما حقن الصغيرة بدواء مسكين للألم حتي تهدأ وتتوقف عن صرخاتها المتواصلة،دلف ياسين وطارق ومروان الذي دخل يهرول علي صغيرتهُ بعدما بات يشعر بأنها مسؤلةً منه بعد تخلي والداها عنها،وبمجرد ما أن رأتهُ الصغيرة حتي أشارت عليه وتحدثت بعيناي حزينة وكأنها تلومهُ علي تركها لحالها:
-مارو
أسرع عليها وما أن إقترب من الشزلونج حتي ألقت بحالها داخل أحضانه وبدأت تبكي وهي تُلوم عليها:
-إنتَ سبتني ليه يا مارو
أجابها وهو يحتويها داخل أحضانهُ وينثر قُبلاتهُ الحنون فوق جبهتها وشعر رأسها:
-أنا أسف يا حبيبتي،الدكتور هو اللي خرجني
تحرك ياسين وجاور شقيقيهُ الوقوف ثم وضع يدهُ علي كتفه بمؤازرة وتحدث بعدما رأي دموعهُ الغالية:
-إهدي يا عمر،الحمدلله هي كويسة قدامك أهي
هز رأسهُ وتحدث بهدوء:
-الحمدلله
إقترب طارق من مروان وقام بمداعبة الصغيرة متحدثاً:
-كدة يا ليزا تخضينا عليكِ بالشكل ده؟
ما زالت متشبثة بملابس مروان دافنة وجهها داخل أحضانهُ وكأنها تحتمي به من الجميع،مد عُمر يدهُ وملس علي شعرها برفقٍ وتحدث إليها في محاولة منه لحثها علي التقرب إليه:
-ليزا،الوجع راح يا حبيبتي؟
أومأت برأسها بصمتٍ ومازالت مختبأة بأحضان مروان الذي تحدث إليها وهو يُبعد وجهها في محاولة منه لحثِها علي الخروج من أحضانه والنظر إلي عُمر:
-كلمي بابي يا ليزا؟
رفعت رأسها للأعلي وهي تنظر إليه باستغراب فأشار إلي عُمر،حولت بصرها إلي حيثُ أشار، وجدت عُمر يبتسم بوجع وينظر إليها من بين دموعهُ،تخطتهُ ثم استقرت ببصرها علي ياسين الذي أشار لها علي عُمر وتحدث مفسراً:
-ده بابي يا ليزا
ضيقت الصغيرة عيناها باستغراب ثم وجهت حديثها إلي ياسين بما تعرفهُ عن ذاك الشخص:
-ده عُمر
فعقب ياسين بإبتسامة حنون:
-أيوة يا حبيبتي ما هو عُمر هو بابي بتاع ليزا
تشتت عقل الصغيرة التي حولت بصرها إلي مروان ونظرت إليه وكأنها تتأكد من صدق ما خبرها به ياسين فتحدث الفتي قائلاً بتأكيد:
-مش أنا قُلت لك إن إسمك ليزا عُمر عز محمد المغربي
أومأت بتأكيد وسألتهُ مستفسرة:
-يعني عُمر هو بابي؟
أومأ لها فنظرت علي عمر وتحدثت بلمعة ظهرت داخل عيناها:
-إنتَ بابي بجد؟
أيوة يا قلبي…نطقها بدموع غزيرة جرت فوق وجنته مما جعل ياسين وطارق ومروان يتأثرون بشدة،سحبها وضمها لداخل أحضانه وبات يبكي بشدة وهو يردد نادماً:
-أنا أسف يا حبيبتي،سامحيني
وبرغم حداثة سِن الصغيرة وعدم استيعابها الجيد لما يحدث من حولها إلا أنها كانت سعيدة للغاية،لطالما كانت تريد أن تُنادي أحدهم بأبي بعد إختيارها لمليكة بأن تُصبح أماً لها بعدما إستمعت إلي مروان يناديها بأمي وبعد كم الحنان التي غمرتها به مليكة كي تعوضها فقدانها للأم،وها هي قد تحققت أمنيتها وحصلت علي أحدهم لتُناديهِ بأبي،تحدثت باستفسار برئ مثل روحها:
-يعني أقول لك يا بابي؟
طبعاً يا حبيبتي،لازم تقولي لي يا بابي،وأي حاجة تحتاجيها إطلبيها مني وأنا هجيبها لك حالاً…نطقها بدموعهُ الحارة
تهلل وجه الصغيرة واومأت بسعادة،تحرك طارق ووقف بجوار شقيقاه والتف هو وياسين حول ذاك الباكي الحاضن لطفلتهُ وبدأ كلاهما باحتضانهُ ومؤازرته تحت تألم قلب مروان ودموعهُ التي حضرت تأثراً بالمشهد وبسعادة تلك البريئة التي كانت تنظر لأبيها بتيهة ممزوجة بكثيراً من السعادة والحماس الطفولي
ربت ياسين علي ظهر شقيقهُ وتحدث بنبرة حنون:
-يلا يا عُمر،شيل بنتك علشان نروح
أومأ لشقيقهُ وقام بتجفيف دموعهُ ثم حمل صغيرتهُ واتجه بها إلي منزل ثريا تحت سعادة الجميع وتأثرهم بذاك المشهد الذي إنتظره جميعهم وتأملوه مُنذ ظهور تلك البريئة بحياتهم
❈-❈-❈
باليوم التالي
أشرفت ثُريا علي صُنع مائدة طعام عشاء ضخمة أقامتها للعائلة إحتفالاً بتلك المناسبةِ السعيدة،حضر الجميع وتناولوا عشائهم وسط أجواء مُبهجة وخصوصاً عُمر الذي ضل حاملاً صغيرتهُ طيلة الوقت بعدما غمرها بكثيراً من الألعاب والهدايا التي أسعدتها وجعلتها تشعر بأهميتها القصوي لدي أحدهم
بعد إنتهاء العشاء إنتقل ياسين وطارق وزوجتيهما إلي حُجرة المضيفة المتواجدة بالحديقة بعيداً عن الجمع الجالسون بالحديقة،
جلس كُلاً بجوار حبيبتهُ وباتوا يتبادلون الأحاديث فيما بينهم،تحدثت مليكة بارتياح ظهر فوق ملامحها:
-إنتوا مش متخيلين أنا قد إيه فرحانة علشان عمر أخيراً حس ببنته وأخدها في حضنه
واسترسلت بعيناي مُتأثرة:
-واللي فرحني أكتر من عُمر هي ليزا،البنت يا حبيبتي فرحانة وكل شوية تبص عليه زي ما تكون مش مصدقة
عقبت چيچي بمصادقة علي حديثها:
-أنا كمان أخدت بالي من البنت يا مليكة،علي قد ما هي صُغيرة بس ماشاء الله تحسيها ذكية جداً ولماحة
ليزا وارثة ذكاء العقربة أمها…جملة نطقها ياسين وبعدها إرتشف مشروبهُ،هتفت مليكة باعتراض:
-بعد الشر،ما تقولش كدة علي البنت يا ياسين
عقب بايضاح:
-هو أنا قولت عليها حاجة غلط يا مليكة،الشيطانة أمها كانت ذكية جداً وده مش غلط،الغلط إنها استثمرت ذكائها الخارق ده في الشر وأذية الغير
أردف طارق بنبرة حادة لملامح وجه غاضبة:
-وأهي أخدت نصيبها وغارت في ستين داهية تاخدها هي واللي وراها
واسترسل بعيناي متمنية:
-أنا اللي شاغلني حال عُمر،نفسي يرجع لطبيعته ويلاقي واحدة بنت حلال تعوضه عن التجربة القاسية اللي عاشها مع بنت الأبالسة
عقب ياسين بنبرة تفاؤلية:
-هيحصل يا طارق،بس الحكاية محتاجة شوية وقت
تنهدت چيچي وتحدثت بهدوء:
-عمر حد كويس قوي،ومحتاج واحدة تفهمة وتعوضه هو وبنته عن كل اللي شافوه في التجربة القاسية دي
حاوط ياسين كتف مليكة بذراعهُ وسألها:
-مِسك فين يا حبيبي؟
نامت مع عمتها يُسرا ودخلتها علي سرير ماما…هكذا أجابته فهمس بجانب أذنها بتمني:
-يا سلام بقي لو عمتي توجب معايا وتخليها نايمة عندها النهاردة
ضحكة رقيقة أطلقتها مليكة قبل أن تستمع إلي صوت تلك التي تقف أمام الباب وهي تتحدث إلي والدها:
-يلا يا بابي علشان نروح،الوقت إتأخر وأنا حابة أتناقش معاك في الكتاب اللي أخدته من مكتبتك قبل ما أنام
طب خلي النقاش لبكرة يا حبيبتي،علي الأقل نكون فايقين أكتر من كدة ونقدر نتناقش فيه بشكل مُفصل…هكذا أجابها متمنياً تفهمها فعقبت بنبرة حزينة بعدما تجهمت ملامحها وفهمت من خلال كلماتهِ رفضهِ،وبأنهُ يُفضل البقاء في عُش غريمتها عن قضاء بعض الوقت التي تشعر فيهِ بالحميمية والخصوصية معهُ:
-متشكرة يا بابي
بحِدة إلتفتت بجسدها لتعاود إلي منزلها تحت تألم الجميع لأجل ما وصلت إليه،هتف ياسين بتراجع عن موقفه بعدما رأي تعمق حزنها الظاهر بعيناها:
-إستني يا أيسل
توقفت بمكانها دون أن تلتف إليهم،في حين نظرت عليه مليكة وسألته متعجبة:
-إنتَ هتبات هناك النهاردة كمان؟!
عقب علي سؤالها بعيناي أسفة:
-معلش يا حبيبي،هروح أقعد معاها ساعتين بالكتير،علي ما تطمني علي الولاد وتطلعي تغيري هدومك هكون رجعت
أومأت بتفهم وتحرك هو بعدما قبل جبهتها وتحدث إلي ذاك الثُنائي:
-چيچي،طروق،تصبحوا علي خير
وإنتَ من أهله يا حبيبي…نطقها طارق وهو يُلوح له بكف يده،ثم نظر إلي مليكة وتحدث بمؤازرة:
-معلش يا مليكة،البنت لسة متأثرة بموت أمها ولازم كُلنا نتحمل إسلوبها لحد ما ترجع لطبيعتها
بنبرة هادئة عقبت:
-عادي يا طارق،أنا إتعودت خلاص
هبت واقفة ثم استرسلت تحت نظرات چيچي المتأثرة لأجلها:
-تصبحوا علي خير
نطقتها وانسحبت للخارج فتحدثت چيچي إلي زوجها:
-بصراحة يا طروق بنت أخوك زودتها قوي،ومليكة كل ده ساكتة وما بتتكلمش،لكن لما هيفيض بيها هتنفجر في ياسين وساعتها محدش هيقدر يوقفها
أشار بكف يده وتحدث معترضاً علي حديثها:
-إنسي،مليكة بتحب ياسين ومقدرة اللي هو فيه وقابلة بيه في كل حالاته،ده غير إنها بنت أصول واتربت علي إنها تصون جوزها وتتحمل ظروفه
ممكن…قالتها باقتناع فتحدث هو متفاخراً بشقيقهُ:
-الباشا بتاعنا مسيطر
ضحكت وتحدثت بدلال:
-بصراحة بقي كل رجالة المغربي ليهم قدرة عجيبة علي السيطرة،ده غير الهيبة اللي فارضة نفسها
أُمال يا بنتي،إحنا بنلعب ولا إيه…قالها بغمزة من إحدي عيناه فضحكت له وأكملا سهرتهما
صعدت مليكة إلي الأعلي وانتظرت ياسين الذي جلس بجناحهُ بصحبة أيسل وحمزة الذي إنضم إليهما وبدأ ثلاثتهم بالنقاش وفتح الاحاديث الشيقة بينهم،شعرت أيسل بالنُعاس وغفت فوق التخت دون تعمُد،فاضطر ياسين المبيت معها وهاتف مليكة وأبلغها تحت إستيائها
❈-❈-❈
داخل جناح عز المغربي
دخلت إليه منال وجدته يمسك بكُتيب يقرأ به بتمعُن قبل أن يغفو،تحركت إليه وجلست علي طرف الفراش وتحدثت بنبرة هادئة:
-أنا جاية أتأسف لك علي كُل حاجة حصلت وضايقتك مني في يوم يا عز،وأتمني تقبل أسفي
واسترسلت بتمني وعيناي متأملة:
-وجاية أسألك لو لسة ليا عندك رصيد يسمح لنا بإننا نسكن تاني في نفس الجناح ونرجع مع بعض زي الأول
عقب علي حديثها بنبرة أسفة:
-بس إحنا عمرنا ما كنا مع بعض يا منال،إلا إذا كنتي تقصدي نومنا علي نفس السرير
ثم تنهد وأردف شارحاً:
-فيه حاجات كتيرة إنكسرت جوانا وصعب ترجع تاني زي الأول
واسترسل بإبانة مذكراً إياها بماضيه المؤلم معها:
-أنا اتحملت في علاقتنا اللي رجالة كتير ما يقدروش يتحملوه،تغاضيت عن عجرفتك معايا ومع عيلتي طول السنين اللي فاتت علشان البيت يستمر وولادي ما يتأثروش لو إنفصلنا
واستطرد وهو يهز رأسه بأسي:
-بس للأسف يا منال،إنتِ فسرتي تضحياتي علي إنها ضعف مني،اتحاميتي في عيالك الرجالة واعتبرتيهم سدك المنيع ونسيتي إني راجل حُر وليا أخر
أخذ نفساً عميقاً كي يستطيع إستكمال حديثهُ ثم استرسل موضحاً:
-خلينا مكملين زي ما أحنا يا منال،أدينا بنتعامل مع بعض باحترام ولامين ولادنا وأحفادنا حوالينا والبيت مفتوح
كانت تستمع إليه بتألُم وكأنها تسترجع شريط حياتها معه الذي مر بمخيلتها،إكتشفت كم كانت حمقاء وخسرت قلباً من ذهب كقلب ذاك الفارس الذي لا يُعوض،تذكرت كَم الفرص التي أضاعتها علي حالها لإمتلاك قلبهُ النقي
شعرت بالأسي وتسائلت بعيناي مترجية:
-يعني خلاص يا عز،أنا كدة خسرتك للأبد؟
تنهد بأسي وعقب علي حديثها بنبرة إنهزامية:
-إحنا الإتنين خسرنا يا منال،خسرنا عُمرنا اللي ضيعناه مع شريك مش شبهنا
واسترسل وهو يهز رأسهُ باستسلام:
-أنا وإنتِ مخرجناش من علاقتنا غير بالهزيمة وخيبة الأمل
واستطرد بتعقُل:
-خلينا ننهيها باحترام بدل ما نكمل ومع الوقت نخسر حتي إحترامنا لنفسنا
أومأت له وبصوتٍ خافت متألم تحدثت:
-عندك حق يا عز
واسترسلت بعيناي شاكرة:
-أنا متشكرة يا عز،متشكرة علي إنك إتحملتني كل السنين دي من غير ما تكل ولا تمل،متشكرة علي كل حاجة،وأوعدك إني مش هزعجك بعد النهاردة
تصبح علي خير يا عز…نطقتها ثم تحركت إلي الخارج وهي تجر أذيال خيبتها حصاداً لزرعتها التي ذبُلت جراء إهمالها وعدم رعايتها لها طيلة سنوات
تنهد بأسي للحال الذي وصل إليه كلاهما “ولكن” هذا أفضل للطرفين،فقد تحمل الكثير وضغط علي حاله سنواتٍ وسنوات دون نتيجة،وبالأخير قرر النأي بحاله عن تلك العلاقة التي إستنذفت قواه سائلاً الله العوض والإثابة عن كل ما مر به من ألام ووجع تسبب بشرخ روحهُ التي ما عادت كما السابق
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي
داخل غرفة أنيقة ومرتبة بما يوحي إلى رتابة مالكها
كان يقف أمام مرأتهِ
أمسك بفرشاته الخاصة وقام بتصفيف شعر رأسهُ جيداً تحت إحداثهُ صفيراً من فمه يوحي إلي رواق مزاجهْ وصفائهُ،إلتقط قنينة عِطرهُ المميز وبات ينثر علي ذقنه وصدره برتابة،أعاد القنينة بمكانها وبات يتطلع علي حاله باستحسان،إتجه إلي تختهِ وألتقط حلة بدلته الموضوعة علي طرف الفراش وتحرك إلي خارج غرفته بخطي واثقة
ببهو المنزل،يترأس طاولة الفطار رجلاً يبدو أنهُ بالعقد السادس من عُمرهِ،كَسيَّ اللون الأبيض شعر رأسهِ مما جعل منهُ وقوراً،يرتدي نظارة طبية وممسكاً بجريدتهُ الورقية ويبدوا أنهُ يتصفحها بتمعُن
بجانبهُ تقف سيدة بالعقد الخامس من عُمرها يبدو عليها الرشاقة والجمال الذي وبرغم مرور السنوات مازالت تحتفظ به،أمسكت بيدها الوعاء الخاص بحِفظ مشروب الشاي الساخن وبدأت بسكْب بعضاً منه داخل الكأس الموضوع فوق طاولة الطعام المُعدة برتابة تشير إلي نظام تلك السيدة
نظر لها زوجها وتحدث شاكراً بنبرة ودودة:
-تسلم إيدك يا بُثينة
بالهنا والشفا يا دكتور…هكذا أجابتهُ برُقي
تحرك إليهما وتحدث بنبرة حماسية وهو يسحب مقعدهُ المُعتاد المجاور لوالدهُ ويقوم بتعليق حلته بالخلفية ثم جلس:
-صباح الخير.
رد والدهُ التحية من خلف جريدتهُ وعقبت والدتهُ:
-صباح النور يا حبيبي،أصب لك شاي؟
وافقها قائلاً بإحترام:
-لو سمحتي يا حبيبتي
سكبت لهُ المشروب وجلست بجوار زوجها لتتناول طعامها بهدوء،تحدثت إليه بتذمُر:
-نزل الجُورنال من علي عنيك وإفطر زي الناس يا جمال
إبتسم كارم وتحدث مشاكساً والدهُ:
-أموت وأعرف إنتَ بتجيب الجرايد دي منين يا دكتور
واستطرد باستغراب:
-وبعدين هو حد بقي يقري ورقي،دي إنقرضت
دي ثوابت في حياتي زيها زي قهوة العصاري كدة يا حضرة الرائد…نطقها الأستاذ الجامعي باعتزاز لعاداته،واسترسل بمداعبة نجلهِ الغالي:
-واحساس راقي لا يفهمهُ جيل الإنترنت فاقدي الحِس أمثالك
وبأسي استطرد بإبانة:
-من يوم ما بلتونا بالتطور التكنولوجي وإنتوا ضيعتوا حلاوة كل حاجة في حياتنا وحولتوها لمجرد صورة توثق الحالة
ضحك كارم وتحدث بمراوغة:
-هدي أعصابك يا دكتور،وبعدين هو حضرتك بتلوم عليا أنا ليه،ده أنا فاتح صفحة فيس بوك بالعافية
واستطرد بمشاكسة:
-كلامك ده توجهه للأخ مارك وامثاله من الفاشلين مخترعي التكنولوجيا
إبتسم والدهُ وقام بطي الجريدة ثم وضعها جانباً وأمسك كأس المشروب وأرتشف منه القليل وبدأ بتناول طعامه،نظر إلي نجلهِ وسألهُ:
-أخبار المهمة الجديدة إيه؟
كله تمام يا دكتور…نطقها بغموض وهو يلتقط إحدي حبات الزيتون ويتناولها،هتفت والدتهُ بنبرة حادّة:
-مهمة إيه اللي بتسأله عنها يا دكتور؟
واستطردت بعيناي غاضبة أظهرت كَم إستيائها:
-هو أحنا كُنا بنربيه وندخله الكُلية الحربية ونطلعه ظابط قد الدُنيا علشان في الأخر يروح يُحرس حتة عيلة في الكُلية؟!
هز كارم رأسه وابتسم باستسلام لحديث والدتهُ الذي بات يحفظهُ بفضل كثرة عدد المرات التي إستمع لهُ مُنذ أن أخبرها ووالدهُ عن إستلامهِ لتلك المُهمة
أردف جمال بنبرة مستنكرة وهو يتحدث إلي زوجتهُ:
-يا بُثينة يا حبيبتي دي مهمة رسمية واللي إختاره ليها رئيس الجهاز بنفسه،يعني معني كدة إنه واثق في إبنك وده ليه معني كبير قوي
قول لها يا دكتور علشان الأستاذة مربية الأجيال مش عاوزة تقتنع…قال كلماتهُ وهب واقفاً ثم أمسك كأساً من المياة وأرتشفهُ دُفعةً واحدة،فتحدثت والدتهُ مديرة المدرسة:
-يا ابني إقعد كمل فطارك زي البني أدمين
أردف علي عُجالة وهو يلتقط حِلة بدلته ويرتديها:
-هتأخر يا ماما
عقبت بقلب الأم:
-يعني هتسوق كل الطريق ده وإنتَ جعان؟
أجابها وهو يضع قُبلة حنون فوق رأسها:
-هبقي أكل أي حاجة في الطريق لو جُعت يا ماما
عاوز حاجة يا بابا…نطقها بتوقير فأجابهُ الآخر:
-سلامتك يا كارم،خلي بالك من نفسك يا ابني
أومأ لأبيه وشكرهُ ثم انسحب مستقلاً سيارة الجهاز المُصفحة واتجه بطريقهُ إلي منزل سيادة اللواء عز المغربي وتابعتهُ سيارة الحراسة المرافقة والتي كانت بإنتظاره
❈-❈-❈
وقفت أمام مرأتها تنظر لهيأتها بعدما أصبحت جميلة حد الفتنة بفضل إرتدائها لثياباً أنيقة إنتقتها خصيصاً لتبدو أكثر جاذبية،نظرت علي حالها باستحسان ثم تحركت إلي الكومود والتقطت حقيبة يدها واخرجت منها جهاز مُشغل الموسيقي عن طريق البلوتوث،نظرت عليه وأبتسمت بخُبث بعدما أنتوت بينها وبين حالها أن ترُد عملياً علي ذاك الكارم بشأن إزعاجهُ لها المُتعمد،تحركت خارج غرفتها ونزلت من فوق الدرج بحماس،نظرت للأمام وجدت جدها وجدتها ووالدها وعمها طارق يتناولون فطورهم علي طاولة الطعام قبل إنطلاقهم لمباشرة أعمالهم،تحركت إليهم وتحدثت بنبرة حماسية إستغربها الجميع:
-صباح الخير
رد الجميع تحيتها وأردف جدها مُداعباً حفيدتهُ:
-ده إيه الحماس اللي باين في صوتك وباين علي وِشك ده كله
ضيقت عيناها باستغراب وأردفت متذمرة:
-هو أنتوا مبقاش يعجبكم حاجة فيا خالص يا جدو؟!
واستطردت شارحة:
-يعني أقعد مع نفسي وأبعد عن الكل مش عاجب،أتحمس وأحاول أرجع لطبيعتي بردوا مش عاجب؟!
إبتسم علي حفيدته متقلبة المزاج وتحدث إليها بهدوء:
-هو مين اللي قال إن التطور ده مش عاجبني؟
“بالعكس”يا حبيبتي،ده أنا مبسوط جداً ومستني الأكتر
إقعدي إفطري يا سيلا…جُملة هادئة نطق بها ياسين،عقبت عليها تلك المتمردة بأخري متهكمة:
-خايفة أقعد أفطر وأتأخر علي حكمدار العاصمة اللي حضرتك عينتهُ لي،لاتاخد مخالفة تأخير وأسمع لي كلمتين أنا في غني عنهم.
هتفت منال بنبرة حانقة لأجل حفيدتها:
-مين ده اللي يجرؤ يتكلم معاكي ولا يحاسبك؟
واسترسلت وهي تنظر إلي ياسين قاصدة إياه بحديثها:
-ما تشوف بنتك بتقول إيه يا ياسين؟
تنهد ياسين ثم نظر إلي والدتهُ وتحدث متهكماً:
-أشوف إيه يا ماما؟
هو أحنا عرفنا الدكتورة تقصد إيه بكلامها علشان تقولي لي شوف بنتك!
وجه عز المغربي بصرهُ إليها وباحتواء سألها مستفسراً:
-ماله ظابط الحراسة يا سيلا،إيه مشكلتك معاه؟
خنيق يا جدو…نطقتها بحِنق واسترسلت بملامح وجه ظهر عليها الضيق:
-ده غير إنه مغرور جداً وطول الطريق بيتحكم حتي في النفس اللي بتنفسه
عقب ياسين رداً علي تذمرها:
-كل اللي بتتكلمي فيه ده أمر طبيعي لزوم حمايتك
هتفت بحِنقٍ وتبرُم:
-حماية إيه يا بابي اللي تخليه يرفض يديني إسم بلوتوث الكاسِت علشان أشغل ميوزك يسليني علي ما أوصل؟
ضحكة ساخرة أطلقها طارق وتحدث بتهكم:
-يا قسوة قلبه وجبروته،إزاي جاله قلب يعمل جريمة بالبشاعة دي
ضحك ذاك الثُنائي علي فُكاهة طارق حتي تلك المنال لم تستطع كبت ضحكاتها التي خرجت رُغماً عنها علي بَلاَهة حفيدتها،إحتقن وجه أيسل بالغضب فور مشاهدتها لسخريتهم من شكواها فتحدثت بنبرة محتدة:
-بدل ما تسخروا مني بالطريقة دي حاولوا تفهموا المعني الحقيقي ورا كلامي
بصعوبة كظم ياسين ضحكاتهُ وسألها كي لا تشعر بالضجر وعدم إهتمامهم بشكواها:
-طب ما تقولي لنا إيه اللي تقصديه يا سيلا؟
أردفت بإفُصاح عن شكواها:
-علي فكرة يا بابي،أنا ما أعترضتش علي رفضه لطلبي قد ما ضايقني الإسلوب اللي كلمني بيه
واسترسلت بتذكير:
-طب ما إيهاب كان بينفذ الأوامر،بس في نفس الوقت كان بيحترمني وعمره ما تعدي حدوده في الكلام معايا
واستطردت بإعتراضٍ حانق يوحي لمدي غضبها:
-لكن البيه بيعاملني علي إني تليمذة بمريلة وضفيرتين ونازل فيا تحكمات،ده أنا حاسة إنه شوية كمان وهيبتدي يحدد لي المواعيد اللي مسموح لي اتنفس فيها
هتفةبنبرة صارنة:
-سيلاااا،كارم مش حارس شخصي علشان تقارنيه بإيهاب،ده واحد من أكفئ رجالة الجهاز وحازم جداً وبينفذ شغله المطلوب منه علي أكمل وجه،وده كان السبب الرئيسي ورا إختياري ليه هو عن غيره،وأنا واثق فيه ومتأكد إنه عُمره ما هيسمح لنفسه في إنه يتعدي حدوده في معاملته معاكي
واستطرد غاضباً:
-وإيهاب اللي سيادتك بتستشهدي بيه كلنا شُفنا نتيجة تساهله هو ورجالته في عدم الحزم سواء في معاملته معاكي أو مع ليالي الله يرحمها
واسترسل مطالباً بحزم تحت حزنها ودموعها التي تكونت داخل مِقلتاها:
-فياريت تبطلي دلع وتكوني علي قد المسؤلية اللي إنتِ محطوطة فيها
بالراحة علي البنت يا ياسين…نطقها عز بعدما رأي حالة الفتاة،فتحدث ياسين بنبرة حاسمة مجنباً حالتها:
-الدكتورة كبيرة بما فيه الكفاية وعارفة الوضع الأمني اللي إتفرض عليها يا باشا،ولازم تعرف المطلوب منها وتتصرف علي أساسة
وقف طارق وقام باحتضان الفتاة وتحدث إليها بحنان كي يمتص أية حزن أصاب داخلها جراء طريقة والدها الصارمة:
-بابا خايف عليكِ يا سيلا،هو معندوش أغلي منك إنتِ وإخواتك ولازم يأمنكم كويس
إبتسامة جانبية خرجت منها بطريقة ساخرة نتيجة سوء حالتها النفسية،فتحدثت منال لتُهدئ من حُزن الفتاة:
-إقعدي كُلي أي حاجة يا سيلا
هزت رأسها برفض،وحينها أتت العاملة وتحدثت بنبرة جادة:
-الحراسة بتاعت الدكتورة وصلت يا أفندم
بدون نطقها بكلمة واحدة جذبت بحِدة حقيبة يدها الموضوعة فوق المقعد وانطلقت إلي الخارج تحت حُزن ياسين الذي زفر بضيق وتحدث بأسي بعدما سند رأسهُ بكفاي يداه:
-أنا مش عارف أرضيها إزاي ولا أعمل إيه علشان ترجع لطبيعتها،أنا حقيقي تعبت
كنت قاسي قوي معاها يا ياسين…جُملة نطقت بها منال ثم استرسلت بإبانة:
-البنت كانت بتشتكي لك من الظابط وجاية تتحامي بيك
أردف عز مصدقاً علي حديث نجلهُ:
-البنت زودتها يا منال وياسين قال لها اللي كان لازم تسمعه
تنهدت بأسي وتابع الجميع جلوسهم بصمتٍ تام
❈-❈-❈
بمجرد خروج تلك المتمردة من المنزل قامت بأخذ نفساً عميقاً لتُزيل عنها حُزنها الذي أصابها من حديث والدها ثم رفعت قامتها لأعلي إستعداداً لمواجهة ذاك المتسلط المغرور حسب رؤيتها لشخصيتهُ،نظرت عليه ودققت النظر بتمعن،فقد كان وسيماً للغاية،لأول مرة تلاحظ طولهُ الفارع ذاك ووسامتهُ المبالغ بها
إقتربت عليه ولاحظت وقوفهُ ثابتاً وعدم توجههُ للباب ليقوم بفتحهِ لها كالثلاث مرات المنصرمة، بل إكتفي بالإشارة لها بكف يده والقاصدة باب السيارة الخلفي،إستشاط داخلها وتحركت إلي الباب وقامت بفتحه واستقلت السيارة تحت رواق مزاجهُ والذي يشعر به بمجرد إنتزاعهُ لرواقها
إستقل السيارة وقام بقيادتها تحت نظرات تلك الجالسة بالخلف وهي تترقب الطريق بتمعُن شديد،إنتظرت حتي أصبحت السيارة علي بداية الطريق الصحراوي،فتحت حقيبة يدها ونظرت عليه وإبتسامة صفراء خرجت من جانب فمها
بتحدي أخرجت جهاز مشغل الموسيقي وقامت بتشغيله بصوتٍ مرتفع مما أحدث ضجيجاً مفاجئً إتسعت عيناي ذاك الكارم علي أثره،نظر عليها بذهول من خلال المرأة وتحدث بنبرة عالية كي تستطيع الإستماع لكلماته:
-ممكن أفهم إيه اللي إنتِ بتعمليه ده؟!
زي ما أنتَ شايف،بسمع موسيقي علشان أسلي نفسي في الطريق…نطقتها وهي تصيح بكل صوتها ليصل إلي مسامعه
صاح بقوة مطالباً إياها بإحترام:
-وطي الصوت لو سمحتي،أنا كدة مش هعرف أركز في الطريق
رفعت منكبيها بلامبالاة وأردفت بنبرة مستفزة:
-مش مشكلتي،ثم أنا مبعرفش أسمع الموسيقي غير بالصوت ده
واستطردت بتشفي ونبرة ساخرة:
-مش لو سمعت كلامي من الأول وأدتني إسم البلوتوث كنت كفيت نفسك شر الصُداع اللي إن شاء الله هيجي لك
واستطردت بإبتسامة ساخرة:
-وأهو علي الأقل كنت هتبقي إنتَ اللي بتتحكم في مستوي صوت الكاسيت
أردف متسائلاً بجدية:
-يعني مش هتقفلي الشئ ده؟
بمنتهي الإستفزاز هزت رأسها رافضة بمشاكسة،هز لها رأسهُ ومرر لسانهُ فوق شفتاه وأبتسم ثم قرر وأنتوي علي مجاراتها وليرد لها مشاغباتها،وبدون سابق إنذار قام بالإسراع من حركة السيارة وبات يحركها من أقصي اليمين لأقصي الشمال
صرخت وانتفض داخلها عندما شعرت بميل السيارة وازدياد سرعة حركتها بشكل هائل ومفاجئ،أمسكت بالمقعد الأمامي وتشبثت به بقوة ثم هتفت تترجاه من بين صرخاتها:
-من فضلك هدي السُرعة،أنا عندي فوبيا من السُرعة الزيادة
إقفلي الجهاز أهدي السُرعة…نطقها مخيراً إياها ببرود
أمسكت جهاز التحكم عن بُعد والمسؤول عن الصوت وضغطت فوق زِر الإنخفاض،وبالفعل إنخفض كثيراً وعلي عُجالة أردفت بإعلام:
-أديني وطيته،ممكن بقي تهدي السُرعة
بنبرة مستفزة تحدث أمراً:
-أوبشن توطية الصوت ده مبقاش موجود خلاص يا دكتورة،المطلوب حالياً هو إنك تقفلي الصوت خالص،غير كدة هكمل بنفس السُرعة لحد ما نوصل
بدون تفكير ضغطت زِر الإقفال فابتسم بنصرٍ وبدأ بتهدأة السُرعة حتي عادت للمعدل الطبيعي،وضعت يدها فوق صدرها وبدأت تعيد تنظيم أنفاسها التي كادت أن تنقطع بفضل ما حدث وتسبب في وصولها لحالة كبيرة من الذُعر كادت أن تؤدي بإنقطاع أنفاسها وللأبد
باتت تُربت بيدها الموضوعة علي صدرها وكأنها تواسي حالها،وتحدثت بأنفاساً متقطعة جراء إرتعابها:
-إنتَ مجنون،لا يمكن تكون شخص طبيعي أبداً
ثم حولت بصرها عليه وباتت ترمقه بنظرات حارقة وهتفت بنبرة ساخطة:
-لو فاكر إني هعدي لك اللي عملته ده بالساهل تبقي غلطان ولسة ماتعرفش مين هي أيسل المغربي
واسترسلت وهو تشير بسبابتها بنبرة تهديدية:
-أنا هقول لبابي وهخليه يحاسبك علي استهتارك ده
ضيق عيناه وأردف ببرود ولامبالاة:
-معنديش مانع طبعاً إنك تقولي له،وأنا كمان هحكي لسعادته هو ورئيس الجهاز علي اللي سيادة الدكتورة المحترمة عملته،وخلينا نشوف هيكون إيه رد فعلهم علي الموضوع
إحتدمت ملامحها غيظاً من شدة إستشاطتها جراء حديثهُ الذي أشعل روحها من شدة إستفزازهُ،رمقتهُ بنظرة إحتقارية وحولت بصرها جانباً خارج السيارة
إبتسم بانتصار بعدما رأي تراجعها وتحدث كي يُزيد من إشتعال روحها أكثر:
-برافوا عليكي يا دكتور،عين العقل
أغلقت قبضة يدها بقوة وكظمت غيظها بداخلها رُغماً عنها وقضت ما تبقي من الطريق بصمتٍ تام أُجبرت عليه
❈-❈-❈
وصل ياسين إلي مقر الجهاز وتابع عملهُ
وبعد مرور حوالي الخمسُ ساعات أمسك هاتفهُ وطلب رقم حبيبتهُ ليطمئن عليها حيثُ أنهُ لم يُبيت معها ليلة أمس،كانت تُبدل للصغيرة ثيابها لتتجه بها إلي الأسفل لمباشرة يومها بصُحبة ثُريا،إستمعت إلي رنين هاتفها الموضوع فوق الكومود،مدت يدها وألتقطتهُ وما أن رأت نقش إسم زوجها حتي ظهر علي وجهها الإنزعاج،تحدثت بنبرة جادة علي غير عادتها معه:
-ألو
هو حبيبي لسة زعلان مني ولا إيه…نطقها بنبرة حنون مما جعل تلك العاشقة تخرج تنهيدة حارة من صدرها شعر بسخونتها ذاك المُتيم الذي تحدث بنبرة راجية:
-خلاص بقي يا مليكة،ماتزوديهاش بقي
إتسعت عيناها مما إستمعت إليه منه وعلي أثرهِ هتفت بنبرة حادة:
-أنا اللي بزودها يا ياسين؟!
واسترسلت لائمة إياه:
-وإنتَ لما تقسم عليا الأيام وتنام في جناح ليالي الله يرحمها وتسيبني لوحدي مع بنتك الصُغيرة اللي محتاجة رعاية ممنا إحنا الإتنين،ما تبقاش بتزودها؟
تنهد بألم لبعض همومهُ التي مازالت تلاحقهُ وتنغص عليه عيشته بسبب خشيتهُ علي تدهور حالة إبنته،فهاهو يفعل المعقول واللامعقول كي لا تسوء حالة صغيرتهُ وهي تراه ينسحب كُلياً من المبيت في منزلهم،تحدث بنبرة هادئة كي يخفف حِنق تلك الغاضبة:
-يا مليكة حاولي تقدري ظروفي،أنا كام مرة وضحت وقُلت لك إن اللي بعمله ده علشان خاطر نفسية أيسل ما تتأثرش أكتر،كل اللي بطلبه منك هو إنك تصبري معايا شوية
وكأنها كانت تنتظر ذاك الحديث لتنفجر وتعبر عن غضبها المكظوم داخلها لشهور عِدة ولا تستطيع البوح به،فهتفت بنبرة حادة:
-لحد إمتي هفضل أصبر يا ياسين،أيسل بتتعمد إنها تبعدك عني،وأنا كل ده مقدرة حالتها النفسية ومقدرة حزنها علي ليالي الله يرحمها
واستطردت بنبرة إنهزامية:
-لكن أنا كمان تعبت ومبقتش قادرة،أنا ولدت بنتي ورجعت بيها علي البيت وعيشت في أسوء ظروف ممكن تعيش فيها ست قايمة من عملية ولادة صعبة،أنا رجعت من الموت بأعجوبة أنا وبنتي
واسترسلت لتذكيرهُ:
-وإنتَ سبتني بعد إسبوع واحد وسافرت ألمانيا، شهر بحاله وإنتَ سايبني وسط إكتئاب الولادة اللي كان بينهش فيا وكُل يوم بيزيد بسبب بُعدك عني
وبرغم إن كل اللي كان بيحصل كان فوق إحتمالي إلا إني إتحملت وصبرت علشان بحبك يا ياسين،ولا يوم كلمتني في التليفون وحسستك بإني تعبانة أو متضايقة من الوضع بالعكس،كنت بدعي لك ربنا يوفقك،وكبرت في نظري إنك ما سبتش حق ليالي وفضلت وراه لحد ما جبته،ويوم ما رجعت وأخدتني في حُضنك نسيت كل حُزني وما حسستكش بأي حاجة حصلت لي وإنتَ بعيد عني
واسترسلت تحت صرخات قلبه لأجلها:
-بس كل ده كوم وإنك تسيبني مرتين في الإسبوع وتروح تبات في جناحك ده لوحده بيقتلني يا ياسين
كان يستمع إلي شكواها بقلبٍ يتمزق ألماً لأجلها،وَد لو كان بجانبها الأن ليسحبها بقوة ويُدخلها لأحضانه ليخفف عنها ألامها التي سكنتها بفضله،تحدث قائلاً بنبرة أسفة:
-أنا أسف يا قلبي،والله أسف،أنا عارف إني إتأسفت لك كتير الفترة اللي فاتت،بس أوعدك إني مش هبات هناك تاني غير للضرورة القصوى
واسترسل شارحاً:
-وصدقيني يا مليكة،كل اللي إحنا عايشينه ده مجرد أيام صعبة هيجي لها يوم وتنتهي ونعيش حياة طبيعية زي باقي الناس
واستطرد بوعدٍ كي يخفف من وطأة حُزنها:
-كل اللي أنا عاوزة منك هو إنك تثقي فيا،وإوعي تنسي إنك السِت الوحيدة علي الأرض اللي قدرت تُملك قلب ياسين المغربي وتستحوذ عليه
أخذت نفساً عميقاً كي تهدئ من غضبها ثم تحدثت بنبرة جاهدت في إخراجها هادئة:
-تمام يا ياسين
واسترسلت بتهرُب:
-أنا مضطرة أقفل علشان أكمل لمِسك لبسها
بنبرة تقطرُ حناناً تحدث قاصداً كي يستدعي شعور عِشقها الهائل له:
-مليكة،أنا عاوزك تنسي كل مشاكلنا وتفتكري حاجة واحدة بس،إن ياسين المغربي،بيعشق التراب اللي بتمشي عليه مراته
وكأن لكلماتهِ واقع السحر علي أذنيها،شعرت وكأن جسدها تخدر وأصيب بتنميلة لطيفة جعلت من روحها فراشة راقصة،دون إدراكاً منها أردفت بصوتٍ هائم وكأنها تحولت لأخري:
-ومرات ياسين بتعشقه
أطلق زفرة شديدة فور إغلاقه الهاتف مع حبيبتهُ،ألقي برأسهُ للخلف سانداً إياها علي خلفية المقعد وأغمض عيناه ثم بدأ يحرك مقعدهُ يميناً ويساراً بتفكُر،أخرجهُ من شرودهُ صوت هاتفهُ الذي صدح من فوق سطح المكتب
أطلق زفرة شديدة فور إغلاقه الهاتف مع حبيبتهُ،ألقي برأسهُ للخلف سانداً إياها علي خلفية المقعد وأغمض عيناه ثم بدأ يحرك مقعدهُ يميناً ويساراً بتفكُر،أخرجهُ من شرودهُ صوت هاتفهُ الذي صدح من فوق سطح المكتب
أجاب فور رؤيتهُ نقش إسم عابد:
-أهلاً يا عابد
تحدث عابد بعد أن رد تحية سيدهُ بالعمل ليخبرهُ بإتمام مهمتهُ التي كلفهُ بها وهي حجز تذاكر لرحلة إلي منطقة الجونة كهدية إلي سليم الدمنهوري :
-تذاكر الباشمهندس سليم وأسرته للجونة إتحجزت يا أفندم،تحب أكلمه وأبلغه؟
واستطرد موضحاً:
-لأن لازم ياخد خبر بدل ما يتفاجئ ويتصل بالفندق ويلغبط لنا الدُنيا
أردف بنبرة هادئة:
-ما تقلقش يا عابد،أنا عامل حساب كل حاجة وهكلمه حالاً بنفسي علشان أشكره
وافقهُ عابد الرأي واغلق ياسين واتصل برقم سليم الذي رد عليه علي الفور:
-ياسين باشا،أهلاً يا أفندم
رد ياسين بنبرة ودودة:
-إزيك يا باشمهندس
أردف بنبرة هادئة:
-أنا تمام الحمد لله
واسترسل بتبيان:
-أنا كُنت لسة هتصل بيك حالاً علشان أسألك عن رسالة تأكيد لحجز في فندق في الجونة لسة واصلة لي علي الموبيل
باستجواد لذكاء ذاك السليم الذي راهن عليه لعابد أردف قائلاً:
-كويس إنك فكرت في إنك تكلمني،عابد كان قلقان لما قُلت له يحجز بإسمك من ألمانيا علشان الموضوع يبان طبيعي وما حدش يُشك فيك،وقال لي إنه خايف لتكلم الفندق وتسأله عن الحجز لما رسالة التأكيد توصل لك،لكن أنا راهنت علي ذكائك وقولت إنك أكيد هتفهم إن الرحلة هدية مني
إبتسم سليم وتحدث شاكراً كرم ذاك الياسين:
-متشكر يا أفندم علي هديتك بس مكانش فيه داعي تتعب نفسك
اردف بإبانة:
-دي أقل حاجة ممكن أقدمها لك علشان أشكرك بيها علي وقفتك معايا ومساعدتك ليا وأنا برجع حق مراتي
واستطرد باطراء:
-ده غير كرم الباشمهندسة ومواقفها معايا اللي عمري ما هنساها وهتفضل طوق في رقبتي العمر كله
عقب سليم علي حديثهُ بسمو:
-ماتقولش كدة يا سيادة العميد،أنا ومراتي ماعملناش غير الواجب واللي أي حد مكانا كان هيعمله
أردف ياسين بثناء:
-إنتَ راجل محترم يا باشمهندس وأنا فخور إني إتعرفت علي شخصية وطنية زي حضرتك
واستطرد بنبرة صادقة:
-أنا كان نفسي أستضيفك إنتَ والباشمهندسة والاولاد عندنا في بيت المغربي علشان أعرف أضيفك كويس وأرد لك ولو جزء من كرمكم عليا
واستطرد بإبانة شارحاً له الوضع الأمني:
-بس طبعاً إنتَ أكتر واحد عارف إنه ما ينفعش، اولاً علشان أمنك وسلامتك،ثانياً علشان ماحدش ياخد باله من تقربنا لبعض وخصوصاً لو كانت المخابرات الألمانية مراقباك
وافقه الرأي وتحدث متفهماً الأمر:
-أنا فاهم ومقدر الوضع اللي إحنا فيه طبعاً
واسترسل شارحاً بحِرصٍ:
-وعلشان كدة بطلب من سعادتك إن دي تكون أخر مرة حضرتك تقوم بأي حاجة تعرضنا للخطر أو الشك فينا
أجابهُ شارحاً:
-ما تقلقش يا باشمهندس،أنا خليت رجالتي عملوا الحجز من نفس المنطقة اللي إنتَ ساكن فيها وكمان من الخط المشترك بينا اللي إنتَ عملته لزوم الشُغل
واستطرد بفكاهة:
-إنتَ ناسي إنتَ شغال مع مين ولا إيه يا باشمهندس؟!
ضحك سليم واردف بمفاخرة:
-ودي حاجة تتنسي بردوا سعادتك
أردف ياسين وهو يستعد لإنهاء المكالمة:
-أتمني لك أجازة سعيدة يا باشمهندس
متشكر يا أفندم،وهدية مقبولة…كلمات نطقها سليم بنبرة شاكرة وأغلق كلاهما المكالمة ليتابعا عملهما
❈-❈-❈
أتي الليلُ بسكونهُ الذي يجلب معهُ الطمأنينة والهدوء للبشر
صعدت إلي الأعلي بعدما تأخر الوقت ولم يعُد ياسين أو حتي هاتفها لتطمئن عليه،إطمأنت علي صغارها وتأكدت من نومهم ثم تحركت إلي غُرفتها وجلست علي تختها وبدأت بمداعبة صغيرتها التي غفت فوق ساقيها أثناء المداعبة
تطلعت إليها وابتسمت بشرود،إستمعت إلي طرقات فوق باب الحجرة وبعدها دلف هو حاملاً بيده باقة من أروع الزهور التي تعشقها غاليتهُ وباليد الأخري أحد الأكياس الخاصة بأحد دار الأزياء الشهيرة بالأسكندرية
خطي بساقيه للداخل فظهرت من خلفهِ مُنى التي تتبعهُ وهي تحمل بين ساعديها صَنية عليها صحنان فارغان وصحناً كبير به الكثير من قطع الحلوي المفضلة لتلك الجميلة،وكأسان فارغان تجاورهما قنينة من عصير التُفاح المُحبَّب لديها،يبدوا وكأن ذاك الحبيب أراد أن يجعلها ليلة مُميزة تُحفر بذاكرة أميرتهُ الحسناء
نظر عليها وتحدث بنبرة حنون:
-مساء الخير يا حبيبي
مساء النور…قالتها بسعادة وهي تتناقل النظر بينهُ وبين باقة الزهور بألوانها البنفسجي والأبيض والزهري مما جعلها رائعة،فاسترسل هو من جديد:
-مِسك نامت؟
أومأت بدلال،وضعت منى محتويات الصنية فوق الطاولة وقامت بترتيبها بشكلٍ لائق ثم نظرت إلي ياسين وتسائلت بتوقير:
-أي خدمة تاني يا باشا؟
شكراً يا مُنى،لو إحتجنا حاجة هتصل بيكِ…كلمات نطقها وهو يحثها علي الخروج،وما أن خرجت حتي وضع الكيس جانباً واقترب من حبيبتهُ وتحدث وهو يُقدم لها باقة الزهور:
-وحشتيني
أمسكت الزهور وقربتها من أنفها واردفت بعيناي هائمة:
-وإنتَ كمان
خلع عنه حلته وقام بتعليقها ثم مال علي صغيرتهُ حملها ووضعها بمهدها بعدما قبلها بحنان،عاد لتلك التي وقفت وتحدثت بدلال وهي تنظر إلي ذاك الكيس:
-فيه إيه الكيس ده يا ياسين؟!
تحرك إليه والتقطهُ ثم مد يدهُ وأخرج منه ثوباً مذهل يخطف الأبصار لمن يراه وتحدث وهو يحثها علي الدخول:
-عاوز أشوفه عليكي
ممكن؟..نطقها بعيناي مترجية فابتسمت وتناولته من يده ودخلت به إلي غرفة تبديل الملابس،بعد أقل من ربع ساعة كانت تخرج مرتديةً إياه بعدما وضعت بعض أدوات الزينة البسيطة،وأطلقت العنان لشعرها المنسدل فوق ظهرها في مظهر يخطف الأبصار
نظرت إلي الغرفة بذهول عندما رأت ضوء الشموع الحمراء التي قام ذاك العاشق بإشعالها ليقضي علي ضوئها ليلة رومانسية بصحبة حبيبتهُ
شعر بخروجها فحول بصرهُ وما أن رأها حتي فتح فاههُ بذهول من روعة ما رأي،فقد كانت جميلة للغاية بثوبها القصير بلونهِ البنفسجي والذي يصل لما فوق الركبة بقليل،بدون أكمام إلا من حمالتين رفيعتين وصَدرٍ مفتوح أظهر نهديها البض
إقترب عليها وتحدث بنبرة مبهورة:
-إنتِ جميلة قوي يا مليكة
إبتسمت له فاقترب عليها ومال علي جانب شفتها وقام بوضع قُبلة شغوفة نالت إستحسانها،إبتعد من جديد وتحرك إلي جهاز مُشغل الموسيقي وضغط زِر التشغيل ليُخرج صوتاً لموسيقي ناعمة تُثير المشاعر وتُنقلها في عالم من الرُقي
شعرت بالإسترخاء لمجرد الإستماع لها فعاد إليها ذاك العاشق من جديد وأمسك كفها ليحسها علي التحرك إلي الطاولة ثم سحب لها المقعد واستدعاها للجلوس وتحدث قائلاً:
-إتفضلي يا حبيبي
ميرسي…نطقتها بإبتسامة ساحرة،تحرك هو الاخر وجلس قُبالتها،أمسك قنينة المشروب وبدأ بصب محتواها داخل الكؤوس ثم رفع لها الكأس وتحدث وهو يناولها إياه:
-حبيبي
تناولتهُ من يده مع إبتسامة ساحرة ظهرت فوق ثغرها وتحدثت بإنبهار:
-ده إيه الجو الرومانتك ده كله،ورد وشموع حمرا وفستان جديد ونوع عصير التُفاح اللي بحبه
والملفيه…نطقها بدُعابة منه،فتحدثت تأكيداً علي حديثهُ:
-والملفيه
أمسك الشوكة والسكين وحمل قطعة من حلواها المفضلة وقام بوضعها داخل صَحنها ثم وضع قطعة لحاله وقطع جزءاً منها ومد يدهُ بالشوكة بإتجاه فمها وتحدث وهو يُطعمها إياها بعدما فتحت فمها تلتقطها بجاذبية أثارتهْ:
-فاكرة أول مرة أكلتي معايا الملفيه؟
إبتسمت وباتت تمضغ حلواها بإستمتاع وبعد إبتلاعها إياها أجابتهْ بعيناي هائمة بعشق متيمها:
-طبعاً فاكرة يا ياسين
واسترسلت شارحة بإبتسامة حنون:
-لما كنت رايحة مع طارق الشهر العقاري وإنتَ جيت أخدتني
إقتطعت قطعة صغيرة جداً وتناولتها بفمها لتلمس الشوكة بشفتاها،وبعدها إقتطعت أخري ومدت يدها إلي فمه وتحدثت بحنين لروعة ذكرياتها معهْ:
-وساعتها طلبت مني تدوقها،وأنا مديت إيدي أناولك قطعة بالشوكة
واسترسل بدلاً عنها وهو يلمس يدها ويُقرب الشوكة من فمه ويلتقط ما بها بإستمتاع بين شفتاه تمثيلاً لما حدث بالماضي:
-وأنا مسكت إيدك بنفس الطريقة وأخدت الشوكة بين شفايفي
أغمض عيناه واسترسل متذكراً:
-وغمضت عيوني وأنا بتخيلها شفايفك اللي عيشت عمري كله أحلم إني ألمسها
كانت تستمع إليه وعيناها تتراقصُ من شدة سعادتها بسردهِ لذكرياتهما سوياً وإعترافهُ بعشقهِ الذي دام داخلهُ لسنواتٍ في الخفاء
أمسكت كأس المشروب وارتشفت منه تحت نظراته الحنون التي تشملها وهي تتناول حلواها المفضلة بتلذُذ ظهر بعيناها،بعدما أنتهت من تناولها لقطعة الحلوي سألها بإهتمام:
-أحط لك قطعة تانية يا قلبي؟
لا يا حبيبي ميرسي…نطقتها بنبرة رقيقة،وقف وعدل من ثيابهُ ثم تحرك إليها بجاذبية ومد يدهُ قائلاً برُقي:
-تسمحي لي بالرقصة دي
أومأت بسعادة،أمسك كفها وأحتضنهُ بين راحتهِ، ولف ذراعهُ الآخر حول خصرها وبدأ يخطوان بسعادة أولي خطوات رقصتهما بمهارة عالية،أسند جبهتهُ علي خاصتها وتحدث هامساً أمام بريقُ عيناها:
-بحبك يا أحلا وأغلي حِلم حققته
أردفت بعيناى شغوفة وانبهار:
-إنتَ رهيب يا ياسين،عندك قدرة عجيبة علي تغيير مودي وقلب مزاجي في لحظات
إبتسم وتحدث بتغزل:
-وإنتِ جميلة قوي يا مليكة،وتستاهلي كل حاجة حلوة في الدنيا
واستطرد مطالباً إياها بعيناى راجية:
-مليكة،أنا مش عاوزك تزعلي ولا تخلي أي حاجة تعكر صفو حياتنا،وصدقيني أنا هعمل كل جهدي علشان أمنع عنك أي حاجة بتضايقك وبتوترك
أجابتهُ بإبتسامة حنون:
-أنا بنسي أي حاجة وأنا قدام عينيك يا ياسين
واستطردت بنبرة هائمة:
-قدام عيونك بنسي نفسي مش بس الزعل
تنهد براحة ثم تحدث بنبرة رجلاً عاشقاً حتي النخاع:
-بحبك يا عيون وقلب وروح ياسين
قال كلماتهُ ثم إقترب علي شفتيها وبدأ يتذوق شهدهما تحت إستجابة كبيرة منها،ضل يزيدها من قبلاتهِ الشغوفة مع ضمتهُ القوية لها وبعدها تاها وذابا داخل عالمهما الخاص،عالم العِشق والغرام
❈-❈-❈
بعد مرور عشرة أيام،كانت تخرج من بوابة الجامعة تحت نظرات ذاك المنتظر إياها وعيناهُ تترقبها بتمعن شديد بعدما هاتفتهُ وأخبرتهُ بخروجها كي يستعد لتأمينها،وصلت إليه وإذ بفتاة تقتحم وقوفهُ وتتحدث بسعادة وهي تقترب منه:
-كارم،إنتَ بتعمل إيه هنا في القاهرة؟!
إبتهجت ملامح وجههُ وأردف مبتسماً بتودُد وهو يتخطاها ويقترب من أيسل ليرافقها بترقُب حتي صعودها للسيارة:
-مايان،ثواني وهكون معاكِ.
إقترب منها ليؤمن دخولها إلي السيارة تحت ترقبهُ بعيناي كنظرات الصقر لكل ما حولها، نظرت باستغراب علي تلك الفتاة الجميلة وتحركت بجانبهُ إلي أن أوصلها إلى مقر السيارة وفتح لها الباب الخلفي لتصعد وتستقر بجلوسها
نظر عليها وتحدث بنبرة جادة:
-دقيقتين وهنتحرك
ضيقت عيناها وقبل أن تُجيبهُ كان يُغلق باب السيارة علي عُجالة بعدمُ اكتراث لسماع رأيها مما إستشاط داخلها وجعلها تسبهُ بسريرتها،وباتت تراقبه بشدة من خلف زجاج السيارة
تحرك بخطواتهِ إلي أن وصل لتلك الفتاة التي وما أن رأته حتي إلتمعت عيناها بسعادة وهي تنظر إليه،صافحها بحفاوة وتحدث بإبتسامة جذابة جعلت قلب أيسل يشتعل لما! لا تدري:
-إزيك يا مايان،عاملة إيه
بعيناي متلهفة لعاشقة خفية تحدثت:
-أنا مبسوطة قوي إني شفتك النهاردة يا كارم
إبتسم لها فاسترسلت مستفسرة:
-ما قولتليش،إنتَ بتعمل إيه هنا في الجامعة؟
واستطردت بملامح وجه حادة وهي تنظر إلي تلك القابعة بالسيارة وتُشير بإتجاهها برأسها:
-ومين اللي معاك دي؟!
برغم زجاج السيارة الحاجب لرؤية من بداخل السيارة إلا أنهُ نظر علي مكان أيسل متعمداً لإزعاجها وأشار ناحيتها بيدهِ باستخفاف وملامح وجه توحي بعدم إرتياحهُ وتحدث:
-دي بنت واحد مسؤول وانا في مهمة تبع شُغلي لتأمينها
إستشاط داخل مايان واسترسل كارم بنبرة ودودة:
-إزي خالتو وعمي عبدالله ومازن،والله واحشيني كلكم
يعني بتسأل قوي يا حضرة الظابط…نطقتها بدلال وهي تميل رأسها بحركة مثيرة جعلت من قلب أيسل يستشيط وبدأت بعض شِفتها السُفلي دون إدراكٍ منها حتي كادت تدميها
واسترسلت بنبرة أكثر دلالاً:
-لو كُنا واحشينك بجد وخالتك مهمة عندك كُنت جيت سألت عليها وقعدت معانا شوية
واسترسلت لاىمة:
-ينفع أشوفك صُدفة واعرف كمان إنك بتيجي القاهرة يومياً
عقب علي حديثها بهدوء ووجهٍ بشوش لعدم حزن إبنة خالته:
-ما أنا قُلت لك إني في مهمة رسمية تبع شُغلي وما ينفعش أتحرك وأسيب مكاني لأي سبب يا مايان
إحتدمت غيظاً واشتعل داخلها بناراً لم تعي مصدرها ولا سببها وما شعرت بحالها إلا وهي تفتح باب السيارة وتُلقي بنظرها علي ذاك الواقف وتتحدث إليه:
-هو أحنا مش هنتحرك من هنا النهاردة ولا إيه يا سيادة الرائد؟
قالت كلماتها الحادة وقامت بغلق الباب من جديد بحِدة،إستشاط داخلهُ من طريقتها الفظة في معاملتهُ الغير لائقة أمام إبنة خالته،رمقها باستغراب ثم حول بصرهِ عنها باهمال متجاهلاً إياها وتحدث بدُعابة إلي مايان التي تعجبت من طريقتها:
-معلش أصلها هابة منها شوية ودماغها مش مظبوطة
إتسعت عيناي مايان وفتحت فاهها بذهول مع إخراجها لشهقة وأردفت:
-يا حرام
فاسترسل طرفتهُ مفسراً بزيف:
-أومال إنتِ فاكرة الحراسة دي كلها علشان خاطر سواد عيونها،دي لما بتهب منها بتبهدل الدنيا ومحدش بيعرف يسيطر عليها،أطير أنا بقي قبل ما الحالة ما تتطور
واستطرد وهو يُشير إليها أثناء تحركهُ بإتجاة باب السيارة:
-إستني مني تليفون مايان
أومأت له واستقل هو سيارتهُ وبدأ بتحريك مقود السيارة وأنطلق بها بسرعة فائقة تحت إشتعال روح تلك المستشاطة من تجاهلهُ المتعمد لها وعدم إقدامهُ علي الإعتذار منها
ترقبت ليبدأ بمحادثتها ولكن كعادتهُ أخلف ظنها فتحدثت بحِنق أظهر كم الإستياء الذي تغلغل بداخلها:
-ياريت اللي حصل من شوية ده ما يتكررش تاني لأني مش هعديه المرة الجاية وهقول لبابي
ضيق عيناه وهو ينظر لإنعكاس صورتها مستنكراً حديثها فاسترسلت ساخرة بوقاحة:
-ده غير إن اللقاءات اللي زي دي يا حضرة،بيبقي لها أماكن وجو معين،مش بتتعمل علي باب الجامعات وفي وسط الشارع كدة
قاطعها بنبرة مستاءة وهو ينظر إليها:
-ثانية واحدة لو سمحتي
واستطرد مستنكراً:
-هو حضرتك بتهدديني ولا خانك التعبير؟!
تفرق معاك؟…نطقتها باستفزاز فهتف بنبرة صارمة ليضع حدوداً في التعامل بينهُما:
-من فضلك تردي علي سؤالي بوضوح لأني شخص مليش في اللف والدوران
إبتسمت بجانب فمها وتحدثت بمراوغة ورثتها عن أبيها:
-خلينا نستخدم كلمة تنبية
واسترسلت باستفزاز:
-بيتهئ لي ألطف كتير من كلمة تهديد
ولا دي كمان هقبلها منك
وبدون مقدمات أوقف السيارة مما أحدث صوتاً هائلاً أرعبها،أشار بيده من خارج الزجاج كي يطمئن سيارة الحراسة المرافقة لهما،ثم إلتف بجسدهِ ليقابلها وتحدث بنبرة صارمة وعيناي شديدة الحِدة توحي بوصولهُ للمنتهي من فظاظة إسلوبها معهُ:
-إسمعيني كويس قوي يا دكتورة وركزي في الكلام لأن دي هتكون أخر مرة أتكلم معاكي في الموضوع ده بشكل ودي
واسترسل بعملية ونظرة حادة:
-بعدها هضطر أقدم مُذكرة لسيادة العميد تبرر قراري النهائي في إني أسيب المهمة وأنا ضميري مرتاح
لا تعلم لما إنخلع قلبها وشعرت بالإرتعاب لمجرد نطقهُ بتلك الكلمات وبأنهُ سيترك تأمينها،نظر عليها وهو يترقب تغيرات ملامحها واسترسل بنبرة صارمة متغاضياً إرتباكها:
-أول حاجة لازم تفهمي طبيعة العلاقة اللي بينا وإن فيه حدود ما ينفعش حضرتك تتخطيها في كلامك معايا،واول الحدود دي هو إنك تكلميني بإحترام لأني مش شغال body guardعند سيادتك زي ما قُلتي لي أول مرة
واسترسل بعيناي غاضبة:
-وبالنسبة لكلامك اللي أنا مش قادر أشوفه غير تهديد،فأحب أنبهك إن الخاسر الوحيد لو سيادة العميد أخد خبر بكل اللي حصل من سعادتك من أول يوم إستلمت فيه المهمة لحد النهاردة هو إنتِ مش أنا
يارب يكون كلامي واضح ومفهوم لحضرتك… جُملة حازمة هتف بها بملامح وجه صارمة
مفهوم،أي أوامر تانية…جُملة نطقتها بمنتهي الضعف والرضوخ مما جعل قلبهُ ينخلع حزناً عليها وخصوصاً بعدما رأي لمعة حزينة لقطرات دموع تكونت بزرقاويتاها الحزينة،تحمحم ليُنظف صوتهُ بعدما تأثر بحالتها وتحدث:
-أنا كدة كلامي خلص
قالها ثم عاد معتدلاً بجسدهِ ونظر للأمام،أخذ نفساً عميقاً يهدي به ما أصابهُ من حالة عند رؤيتهِ لدموعها التي تكونت،أمسك المقود وبدأ بالقيادة من جديد في طربقهُ للصحراوي المؤدي إلي الإسكندرية بصمتٍ تام من كلاهما

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى