روايات

رواية أسد مشكى الفصل السادس 6 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى الفصل السادس 6 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى البارت السادس

رواية أسد مشكى الجزء السادس

أسد مشكى
أسد مشكى

رواية أسد مشكى الحلقة السادسة

ارتجفت يد توبة التي كانت تحمل عصا غليظة استطاعت استخلاصها من الطاولة الشبه مهترئة والقابعة في أحد أركان الغرفة .
ارتجفت كفها كما قلبها وهي تنظر من بين دموعها لجسد الرجل الذي سقط ارضًا وقد بدأت دماؤه تسيل خارج رأسه، تركت العصا سريعًا مرتجفة بخوف، تتراجع للخلف بوجه احمر وأعين حمراء كادت تخفي زرقة حدقتيها .
دارت بعيونها في المكان وجسدها يرتجف بقوة تحاول أن تهدأ ارتجاف صدرها :
_ هو يستحق …هو يستحق …هو يستحق .
كانت تنطق الكلمات بهستيرية وهي تنحني ببطء جوار جسد نزار الذي فقد الوعي بعد الضربة الثانية .
ابتلعت ريقها تمد العصا صوبه وهي تحركه بخفة ومن ثم اندفع جسدها للخلف برعب، لتجد أن لا حركة صدرت عنه، شعرت بضربات قلبها تزداد تكرر برعب :
– لقد قتلته، قتلت رجل.
وفجأة عند هذه النقطة انهارت ارضًا جوار جسد نزار تشعر بالرعب يتملك منها، تخفي وجهها بين قدميها منهارة، يستحق القتل، لكن ليس على يديها، كان جسدها بأكمله يرتجف من فكرة أنها استطاعت قتل رجل ما .
ظلت بنفس الوضعية تبكي دون توقف وهي تفكر ما الذي تفعله الآن، لا تعلم طريق الخروج من هنا، هي حاولت تقسم أنها حاولت الفرار لكن لم تستطع، الآن شعرت شعور كل امرأة أُختطفت وأُستباحت على يد المنبوذين، كانت تسمع حكايات قديمًا تجعلها تبكي وترتجف وتشفق عليهن، والآن أصبحت واحدة منهن .
وعند هذه الفكرة بدأت شهقات توبة تعلو وهي تصرخ بحرقة وقهر عزيز قومٍ ذُل، تشفق على نفسها، أين والدها وأين حياتها، أضحت ضحية ذكر وسخ أتخذ الدياثة مبدئًا له في حياته، تزوجت بذكر، بل شبه ذكر وليس شبه رجل، ألقى بها بين غياهب الجب .
كانت تبكي وتصرخ من بين بكائها بكلمات غير واضحة بسبب الشهقات، كل ذلك كان يصل لمسامع ذلك الملقى ارضًا من بين غفوته، اضواء مزعجة وجسد متيبس ووجع قاتل يضرب رأسه.
لا يدرك كم من الوقت ظل ممددًا على تلك الأرضية الصلبة، لكنه يدرك أنه وقت كافي ليسبب له وجع قاتل في فقرات ظهره، حاول فتح عيونه وفشل مرات عديدة، ربما تلك الضربات تسببت له في عمى على أقل تقدير ..
حاول التنفس وهو يرفع كفه يبعد الدماء عن عيونه، ثم حاول فتح عيونه مجددًا بكل ذرة قوة متبقية داخل جسده الواهن، دقائق طويلة مرت وهو يحاول ويحاول حتى نجح واخيرًا، دار بنظرات ضبابية في المكان لا يمكنه تحريك جسده، ربما تسببت الضربات في إصابته بالشلل إن نجى من العمى .
فجأة وأثناء رحلته داخل الغرفة بنظراته استقر على جسد متكوم في ركن جواره يهتز ويصرخ ويبكي، ضيق ما بين حاجبيه يحاول معرفة ما يحدث، من هذه من الأساس ؟!
وفجأة وكأن الذكرى ضربت رأسه يتذكر ما حدث ليشهق دون شعور منه :
_ أميرة توّبة ؟؟؟
وعلى همسته انتفض جسد توبة بسرعة ترفع عيونها صوب المتحدث لتتسع لرعب حين أبصرته ما يزال حيًا .
تراجعت برعب وتحفز للخلف وهو حاول النهوض ليشعر بالعجز، جسده بأكمله يأن وجعًا، قضى شهور عدة داخل السجن على بعض اللقيمات والآن خرج منه على محاولة قتل وكل هذا تسبب في إصابته بوجع في كل خلية داخل جسده .
حاول مرات ومرات أن ينهض تحت أعين توبة المتحفزة والتي زحفت حتى أمسكت العصى مجددًا تراقبه يتحرك بصعوبة بجسده حتى اعتدل وهو يطلق تأوهات مرتفعة واخيرًا استقر بنصف جسده العلوي على أحد الجدران، يغمض عيونه بتعب شديد قبل أن يفتحها ويرفعها لها لتشحب بقوة .
بينما نزار أخذ ثواني كي يستوعب عقله ما يراه، الفتاة أمامه بلا حجاب وقد تبعثرت خصلاتها السمراء حولها بشكل فوضوي، مع ملامح هادئة وجه ابيض مستدير بملامح صغيرة وأعين زرقاء .
ولأول مرة في حياته من بعد طفولتهم يبصر وجه توبة، رفيقة الطفولة التي كان يشاركها اللعب في فناء القصر حتى عمر السابعة ومن بعدها مُنعوا من اللعب سويًا وانشغل كلٌ بحياته، ولم يقابلها من بعدها البتة إلا من وراء حجاب ولم يكن حتى يرفع عيونه بها، الآن يراها أمامه واقعًا بكل ملامحها وخصلاتها .
وعند هذه الفكرة ابعد نزار عيونه عنها بسرعة كبيرة وبوجه محتقن غاضب وقد بدأ صدره يعلو ويهبط غضبًا من ذاته يتمتم بالاستغفار.
تمتمات وصلت واضحة لتوبة التي حدقت به ثواني قبل أن تنفجر في الضحك مرددة بسخرية لاذعة ونبرة متحسرة :
_ فاسق يذكر ربه ؟؟ ألا تخجل من نفسك أيها الحقير ؟؟
ارتفعت عين نزار لها بصدمة، لكن سرعان ما أبعدها يتحدث بصوت خافت :
_ أين حجابك ؟؟
امتلئت عيونها دموعًا تهتف بقهر وكره ينبض من كل خلية في جسدها :
_ انتزعوه مني، كي لا يبقى بين جسدي وفسوقك من حائلٍ …..سيدي .
كانت السخرية تقطر من فمها مع كل كلمة تنطقها، تراقبه ينظر ارضًا رافضًا النظر لها نظرة واحدة فقط، وهذا ما جعلها تتعجب ما يفعل، هل يدعي هذا القذر المثالية ؟؟
لكن نزار لم يهتم بكل ما يحدث وتحرك ببطء وصعوبة بعد محاولات فاشلة منه، ثم استند على الجدار الخاص بالمنزل يجر نفسه جرًا خارج المكان، تحت عيونها المتعجبة، بعد كل ما تلقاه من ضربات منها ما يزال يستطيع السير، يبدو أن قوته ليست بالهينة لتفنى من ضربتين فقط …
أما عن نزار فقد اندفع بجسده خارج المكان بأعين مشتعلة يبحث بعيونه عمن يمكن أن يخرج به نيرانه، وقد كان الأمر من نصيب المرأة التي تدير المكان بأكمله بأمر من أنمار وقد تقدمت منه بدلال :
_ يا ويلي ما الذي فعل بك هذا ؟؟ يبدو أن الفتاة الجديدة شرسة، إن لم تعجبك أخبرني احضر لك غيرها .
نطق نزار بسبة مرتفعة، ثم نطق بكلمات محدودة:
_ أين حجاب المرأة ؟!
حدقت فيه المرأة بعدم فهم، ليكرر كلماته بصوت مرتفع شبه صارخ :
– أين حجاب المرأة في الداخل ؟؟
نطقت بعدم فهم :
_ أي حجاب هذا ؟! هل أنت مجنون ؟؟ ثم كيف تحدثني بهذه الطريقة، وتوقف عن النظر بعيدًا، انظر لي وأنت تتحدث معي .
ويبدو أن حديثها لم يعجب نزار والذي اهتز جسده بغضب شديد وهو ينطق نفس الجملة مجددًا، لكن بغضب أكبر:
_ أريد حجاب المرأة فتحركي واحضريه وإلا اقسم بالله أن أحيل هذا المكان لرماد .
ومن بعد كلماته خافت المرأة من طريقته، وقررت أن تتحدث مع الوليد بشأن الرجل الذي أحضره :
_ حسنًا سأحضر حجابًا و…
_ بل حجابها هي، لا أريد أي حجاب ملوث يعود لامرأة أخرى قد تكون مثلك .
اتسعت أعين المرأة بشر وقد أحمر وجهها من تلك الإهانة والتي سرتها في نفسها حتى تلتقي بأنمار، تحركت سريعًا واختفت لدقائق قبل أن تعود له تمنحه حجاب باللون السماوي والذي كان شبه مدمر لينتزعه منها بغضب، ثم عاد صوب المنزل وقبل دخول طرقه، ومن ثم تحرك للداخل.
كل ذلك وتوبة ما تزال تجلس في ركن المنزل تحدق به بشر وكره كبير، فجأة انتفض جسدها تمسك العصا حين أبصرت اقترابه منها :
_ هيييه أنت ابتعد، لا تقترب مني وإلا أقسمت بالواحد الأحد ألا اترك بك عظمة واحدة دون أن افتتها لشظايا في غاية الصغر.
اتسعت عيون نزار من شراستها قبل أن يبتسم بسخرية متحدثًا لها :
_ لو أنك أظهرتي هذه الشراسة على من احضرك هنا، ما كنتِ تقفين أمامي الآن تحاولين السيطرة على ارتجاف جسدك ورعشة صوتك وتهدديني .
بُهتت لكلماته وشعرت بالغصب يندفع بين أوردتها ونظرت له معتقدة أنه يعلم من أحضرها ويسخر منها، لا بد أن ذلك الوسخ الديوث أخبرهم ذلك متفاخرًا .
لكن وإن ظن أنها ستصمت وتسمح له أن يتعالى عليها فقد أخطأ، رفعت رأسها تردد بإشمئزاز :
_ ولو أنك أظهرت هذا الصلاح على شياطينك، ما كنت تقف الآن أمامي في هذا المستنقع .
سمع حديثها بملامح ذاهلة قبل أن يبتسم بسمة غريبة يخرج لها حجابها الخاص يلقيه عليها لتتلقفه سريعًا تخفي به شعرها، لتشعر واخيرًا براحة كبيرة وهي تقف أمامه وكأنها كانت تحدثه عارية .
أما هو فنظر لها ثواني قبل أن يبتسم وينظر واخيرًا لعيونها مرددًا بنبرة جعلت ضربات قلبها تزداد دون سبب :
_ ما زلتِ كما أنتِ توبة، يسعدني معرفة أن العالم لم يغير بكِ شيئًا، وصدقيني سأحرص على ألا يفعل .
ختم حديثه ثم تحرك بعيدًا عنها وهي تنظر لأثره بعدم فهم، لا تستوعب ما قال ولا ما يقصد، فقط نظرت لاثره وهو يرحل تاركًا إياها في حيرتها ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اغمض عيونه يحاول أن يستوعب ما يحدث داخل جناحه، هي ليست واقفة في منتصفه بثياب شبابية مع خصلاتها المتحررة، كل هذا مجرد خيال مريض من عقله ليس إلا…
لكن اصوات الهمسات والشهقات حوله جعلته يفتح عيونه بسرعة وهو يرميها بنظرة جعلتها تتمنى لو وجدت لها قبرًا في ركن الجناح تدفن به جسدها بعيدًا عنه، لكن رغم كل ذلك حاولت أن تتماسك وتتحدث بهدوء وهي تشرح ما حدث أمامه:
_ لقد …هو موزي دخل هنا بالخطأ وأنا جئت …
وقبل إكمال جملتها وجدته يتخطاها بسرعة مخيفة يقف أمامها معطيًا إياها ظهره وهو يرمي الجميع بنظرات مرعبة :
_ أعينكـــــم للأســفل .
أبعد الجميع عيونهم المصدومة برعب عنها بينما هو صوت تنفسه القوي كان كل ما يُسمع في المكان، بينما هي ما تزال في ظهره مصدومة متسعة الأعين تحاول تجاوز ما يحدث حولها .
ابتلعت ريقها بصعوبة تحاول أن تتحدث بكلمة، لكن وقبل أن تفعل استدار لها بكليته مما جعلها تتراجع وهي تخشى أن تقف في وجهه في هذه اللحظة، فتحت فمها للحديث بكلمة لكنها توقفت حين أبعد هو عيونه عنها يتحرك بسرعة صوب غرفته، ثم وفي ثواني فقط عاد وكأنه يخشى تركها وحدها بهذا الشكل، يلقي لها بمعطفه الاسود الثالث منذ أتت لتفهم هي ما يريده تضعه على جسدها تتحدث بسرعة :
_ أنا لم آتـ ….
قاطعها بغضب حاول كبته بصعوبة كي لا يزيد من الطين بلة أمام رجاله، هو فقط ابتسم بسمة خشنة يردد لها بهدوء :
_ لا بأس جلالة الملكة غدًا نتحدث إن شاء الله، ومن ثم كان الأمر خطئي أن تركت باب غرفتي مفتوح وهذا ما تسبب في دخول موزك هنا وافساده لكل شيء، رجاءً اذهبي لنيل قسط من الراحة والصباح نتحدث بشكل اوضح .
تعجبت ما يقول وتعجبت هدوءه، ولم تنتبه لتلك الكلمة التي خرجت منه في وسط حديثه، فقط هزت راسها تجيبه بنبرة رقيقة دون وعي :
_ نعم هذا صحيح، وآسفة على ما حدث، إن أردت يمكنني تعويضك بـ …
قاطعها همسة أرسلان الذي فقد كان ذرات رقيه المزعومة واشتد غضبه وهي تتحدث معه بهذه الهيئة أمام رجاله :
_ فقط ارحلي من هنا قبل أن أفقد صبري .
اتسعت عيون سول بقوة وهي تنظر له بشر لكلماته، لكنها فقط ابتسمت له تدرك أنها المخطئة في هذا الموقف وأي عناد من طرفها لن يكون في صالحها البتة :
_ ليلة سعيدة جلالة الملك، أنصحك بشرب بعض المشاريب الدافئة واستنشاق بعض الهواء النقي لتهدأه نيران غضبك .
كانت تتحدث ببسمة رقيقة وهي تتخطاه وهو ما يزال يحدق في الفراغ مكانها وقد اشتد إصراره على ما كان يرفض في البداية، سوف يفعله ولو كلفه هذا حياته .
بينما سول تخطته تشير لموزي أن يلحق بها، ومن ثم تخطت الرجال تهمس لهم بصوت خافت رقيق :
_ ليلة سعيدة لكم، وآسفة على الازعاج .
وبمجرد أن خرجت أغلقت الباب خلفها بهدوء شديد، تاركة أرسلان يعطي ظهره للجميع وهو قاب قوسين أو أدنى من الانفجار في وجوههم .
نظر الجميع لبعضهم البعض بتردد ولا أحد يعلم ما حدث، كاد أحدهم يتحدث بكلمة، لكن أرسلان استدار لهم يتحدث بصوت جامد وكلمات خرجت دون إرادته بنبرة حادة :
_ ما حدث منذ ثواني اياكم أن تفكروا به بينكم وبين أنفسكم حتى، اعتقد أن حديثي في غاية الوضوح يا رجال .
نظر الجميع له والاستنكار والصدمة تعلو ملامح البعض مما حدث وسمعوا، والاحترام يعلو ملامح البعض الآخر وقد كان الأمر لا يعنيهم البتة أن يتدخلوا به خاصة بعدما أعلن الملك للتو مكانة المرأة.
وفي عرفهم لا دخل للرجال بالنساء أو بما يحدث معهن، فما بالكم لو كانت تلك المرأة هي الملكة المستقبلية للبلاد كما أعلن أرسلان منذ ثواني ؟؟؟
بينما أرسلان ينظر لهم بشر وهو يعلم أن الكلمة التي ألقاها في حديثه أعطت لهم إشارة لعقوبة التحدث فيما حدث منذ ثواني، وقد عمد لنطق تلك الكلمة في تلميح ضمني كي يضمن عدم تجرأ أحدهم وذكر ما حدث بينه وبين نفسه .
لكن هو لا يلقي الكلمات جزافًا كل كلمة تخرج من فمه بحساب، ابتسم لهم بسمة صغيرة، ثم قال بهدوء :
_ والآن تفضلوا لحين انتهي من ارتداء ثيابي ويأتي زيان والمعتصم ومن ثم نشرع في الحديث عما سيحدث قبل اجتماع الملوك غدًا …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يسير في طرقات البلاد خلفها يراقبها منذ نصف ساعة تقريبًا لا يود الإعلان عن وجوده، فقط يتابعها بحرص وكأنه يسير خلف كنزه الثمين يحرسه من أعين كل من تسول له نفسه بالمساس به .
ابتسم دون وعي يراقبها تتحرك في الطرقات الشبه خالية وهي تردد ترنيمات خافتة كان يسمعها في طفولته من والده، الفتاة كانت نقية صافية خالية من أي شوائب قد تعكر صفو قلبها، وهذا ما ارعب المعتصم عليها، مثل هذه الفتاة على والديها الاعتناء بها أكثر.
فجأة وأثناء تحركهم توقفت فاطمة فجأة في سيرها، ليتوقف المعتصم بدوره وحين استدارت اندس بجسده بسرعة خلف أحد المباني بسرعة متعجبًا تصرفاته، فهو لا يفعل شيء خاطئ كي يختبئ، لكن كان الأمر مجرد ردة فعل من جسده .
بينما فاطمة نظرت خلفها بشك تشعر بقدم تلحق بها ليدب الرعب في قلبها وهي تتذكر كلمات والدتها المحذرة، فأخذت ترددها بصوت شبه مرتفع :
_ أنا لا اخافك يا هذا، أي كنت من تتبعني فأنا لا امتلك لا ذهب ولا أموال كي تفعل وإن فكرت بالاقتراب مني سأصرخ بصوت مرتفع واجمع الأشخاص حولي حولك وستكون في ورطة .
اتسعت عين المعتصم وهو يختبأ خلف الجدار وقد ارتسمت بسمة غير مصدقة على فمه، هذه الفتاة خروجها من منزلها انتحار ..
هل تعتقد أنه لو كان شخصًا سيئًا حقًا ويلحق بها وسمع هذه الكلمات سيخافها ؟؟
مد رأسه بهدوء ينظر لها من خلف الجدار مبتسمًا بسمة صغيرة على تصرفاتها وقد أخذت تستدير حولها تحدق في الأماكن بحثًا عمن يتبعها، وحينما تأكدت أنها اخافته أكملت طريقها بسرعة .
خرج المعتصم من مخبأه يلحق بها بخطوات تمثال هرولتها .
قبل أن تتوقف فجأة مما جعله يتوقف هو الآخر بضيق :
_ ليس مجددًا يا ابنتي أكملي طريقك أريد العودة للقصر .
بينما فاطمة انتبهت فجأة لقطة صغيرة تقبع في ركن منزل منكمشة من البرودة على نفسها، مالت عليها تهمس بصوت منخفض :
– مرحبًا يا صغيرة، أين والدتك ؟؟
اقترب المعتصم بهدوء دون أن تشعر به يراقبها تتحدث للقطة بلطف شديد، جعله يبتسم دون شعور يهمس بإعجاب لم يستطع كبته وهو شارد بملامحها الرقيقة التي تخفيها آثار الأوساخ وكأنها كانت تلعب بالوحل :
_ والله لو كنتِ ابنتي ما تركتك تبصرين الخارج كي لا تتلوثي يا فاطمة.
مالت فاطمة أكثر على القطة، ثم حملتها بين أحضانها، ونظرت حولها تخشى عودة والدتها وعدم إيجادها، وتخشى أن تتركه وحدها في هذه البرودة، ظلت محتارة قبل أن تقرر واخيرًا أن تأخذها وترحل :
_ هيا سنعود غدًا للبحث عن والدتك يا صغيرة .
ومن ثم تحركت بكل بساطة وهدوء دون أن تدرك ما فعلت لتوها بالمعتصم الذي ابتلع ريقه بصعوبة يتحرك خلفها وهو يسمع صوتها تتحدث للقطة :
_ أشعر أن قدمي تأن وجعًا من ذلك الحذاء الاحمق، ربما عليّ شراء حذاء آخر صحيح يا ….نحن لم نختر لكِ اسم بعد، غدًا نفعل إن لم نجد والدتك .
صمتت ثم أكملت بجدية كبيرة وهي تنحرف في طريق شبه مظلم :
_ ربما يمكن لبوبي أن تتكفل بارضاعك مع صغارها، سأعرض الأمر عليها غدًا إن لم نجد والدتك .
كبت المعتصم ضحكته بصعوبة، لكن كان الأمر اكبر منه إذ انفجر فجأة في الضحك بشكل جعل اقدام فاطمة تتوقف فجأة في الظلام وقد اشتدت ضربات قلبها قوة ..
فتحت عيونها بفزع تخشى الاستدارة صوب الضحكات، في حين أن المعتصم كان ما يزال غارقًا في موجة الضحك دون أن يتمكن من التحكم بذاته .
استدارت فاطمة واخيرًا بعد نقاشات عديدة مع ذاتها لتشجيعها، استدارت تنظر لذلك الجسد الذي يقف خلفها على بعد خطوات قليلة في شارع صغير مظلم، ابتلعت ريقها تتحدث بريبة :
_ من أنت ؟؟ هل تلحق بي ؟؟
تماسك المعتصم بصعوبة يردد من بين ضحكاته :
_ أنا آسف لم اقصد، أقسم أنني لم اقصد …
نظرت له فاطمة بحنق تهمس بغيظ شديد :
_ من انت ولماذا تلحق بي، تحدث وإلا صرخت بالجميع أنك تحاول اذيتي، وسأخبر أبي وأخي عنك .
اتسعت عيون المعتصم يهمس بصدمة من حديثها :
_ ماذا فعلت لكل هذا ؟؟ هذا أنا المعتصم بالله، لقد كنت ألحق بكِ فقط للتأكد أنك ستصلين لمنزلك بأمان .
نظرت له ثواني بعدم فهم تحاول تذكر أين سمعت هذا الاسم قبل أن تتسع بسمتها تلقائيًا تهتف:
_ المعتصم ؟؟ نعم أتذكرك، لقد تقابلنا سابقًا، أحضرت لك حلوى أيضًا و….
صمتت ثم قالت فجأة وكأنها تذكرت الأمر:
_ الحلوى لقد نسيتها في غرفتك وضعتها على الطاولة هناك .
_ ألم تحضريها لي ؟؟
_ نعم فعلت .
_ إذن لا بأس هي في غرفتي في أمان .
هزت رأسها قبل أن تبتسم وهي تمد له يدها بالقطة تهمس :
_ انظر ماذا وجدت، هذه الهرة الصغيرة كانت تبكي في الطرقات بسبب البرودة، هل تريد الاحتفاظ بها، فأمي ربما تغضب إن عدت بها للمنزل كما أنني لا امتلك طعامًا يناسبها .
نظر المعتصم ليدها التي تحمل الهرة ثواني بزهول، لم يستوعب ما تقول، ابتلع ريقه يردد :
_ هذه لي ؟؟
_ نعم تريدها ؟؟
صمت ثواني وهو يحدق بالقطة ومن ثم بها، وكاد يرفض فلا هو متفرغ للاعتناء بأي كائن حي، أو يعلم حتى كيف يعتني به، لكن نظراتها المترجية تلك جعلته يمد يده لها خوفًا أن يحزنها يلتقط منها الهر بين أحضانه:
_ نعم سيسعدني ذلك .
اتسعت بسمة فاطمة ليبصر المعتصم في هذه اللحظة وبسبب ضوء المشاعل الخافت في الطرقات اجمل البسمات التي ابصرها خلال أعوامه الخمس والعشرين، أبعد عيونه عنها حينما شعر أن الشيطان بدأ بتحكم فيه بشكل مبالغ، ليسمع صوت فاطمة تردد بلطف :
_ أنت حقًا في غاية اللطف، أتساءل لما أخبرتني امي أن البعد عن الغرباء فأنت تبدو لطيفًا .
فتح المعتصم فمه ببسمة غير مصدقة، امرأة تصفه باللطيف وهو الذي قضى حياته بأكملها بين الأسلحة والدماء، الحمدلله أنها لم تبصره يومًا في ساحة الحرب .
_ والدتك محقة، لا تقتربي من الغرباء كثيرًا، فهذا خطر خاصة على صغيرة مثلك .
_ لست صغيرة أنا على مشارف العشرين .
_ لا اعتقد أنكِ قد تنضجي ولو كنتِ على مشارف التسعين .
نظرت له فاطمة بعدم فهم ليهز رأسه لها يشير أن تتحرك أمامه:
_ تحركي لنوصلك للمنزل كي لا تتأخري أكثر لا بد أن عائلتك قلقة عليكِ .
فتحت فاطمة عيونها بصدمة وكأنها استوعبت للتو :
_ أوه نعم لا بد أنهم كذلك .
ختمت حديثها تهرول أمامه بسرعة وهو يلحقها بنفس السرعة قبل أن تتوقف فجأة تستدير له هامسة بتسائل :
_ صحيح لم تخبرني ماذا ستسميها للهرة ؟؟
نظر لها بتشنج، تلك الفتاة مريبة حقًا للتو كانت تهرول مرتعبة مما سيحدث لها والآن تتساءل عن اسم الهرة التي وجدتها، فتح فمه ينتوي الصراخ بها لتتحرك حتى ينتهي ويعود مع هرته للقصر، لكن وجد نفسه ينطق باسمها وبلغة فارسية خالصة :
_ برفی ” ثلجية ”
اتسعت عيون فاطمة بانبهار وهي تنظر صوب القطة البيضاء ترى حسن اختياره للأسماء :
– أنت جيد في هذا، احببت الاسم، هل يمكنك المرور يومًا لاختيار اسماء لأبناء بوبي ؟؟
اتسعت عيون المعتصم يرفع عيونه لها بصدمة وهي فجأة انكمشت ملامحها تهتف بفزع :
– يا ويلي أمي لقد نسيت .
ومن ثم بدأت تركض مجددًا وهو خلفها يهمس لنفسه بالصبر فهذه ستكون المرة الأخيرة التي سيراها بها بهذه الفتاة الغريبة .
راقبها حتى وجدها تدخل أحد المنازل الشبه محترقة وكأنه على وشك السقوط والانهيار، انقبض صدره لرؤية المنزل، لقد كانت النوافذ محطمة والباب شبه مدمر، اطال النظر به قبل أن يتراجع بعيدًا يحمل القطة ويتحرك بهدوء عائدًا للقصر ليحضر اجتماع الملك وقد تأخر كثيرًا بالفعل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لينجينا الله من جنون أرسلان، رسالته لا تنبأ بالخير .
ابتسم سالار بسخرية وهو يحرك رأسه، ثم مال على ظهر المقعد يتأمل السماء، يردد بهدوء شديد ردًا على حديث إيفان:
_ أي كان ما سيفعل فلأول مرة اوافقه الرأي، لقد تجاوزوا جميع الخطوط الحمراء .
تنهد إيفان يميل على الطاولة أمامه يستند عليه بيديه، ثم اطال النظر حوله لرجاله يتحدث بجدية :
_ لا يبدو لي أن الأمر سينتهي على خير هذه المرة، ما يحدث في الممالك جنوني .
_ لا بأس إيفان ستمر كما يمر كل شيء عزيزي، فقط توكل على الله .
ختم حديثه يعتدل في جلسته، حين سمع صوت إيفان يوجه كلماته لتميم ” صانع الأسلحة داخل سفيد” :
_ هل فعلت ما أخبرتك به تميم ؟!
_ نعم مولاي كل شيء تم، جهزت شحنة الأسلحة التي ستتحرك غدًا لمشكى وأخرى لآبى .
_ جيد، غدًا نتحرك لمشكى جميعًا عدا دانيار هو سيبقى هنا لتولي الأمور في المملكة لحين عودتنا .
ابتسم دانيار بسمة واسعة وقد كان هذا افضل قرار يصدره الملك، فهو في الحقيقة لا يخطط للأبتعاد عن زوجته والذهاب لمشكى في هذا الوقت تحديدًا، ليس وقد تعهدت له بليلة رومانسية وسهرة طويلة في شرفة غرفتهم .
انتبه إيفان لشرود دانيار الطويل وبسمته المريبة ليضيق عيونه، ثم نظر صوب تميم يردد ببسمة واسعة مستفزة :
_ أو غيرت رأيي، تميم أنت ستبقى ودانيار سيأتي.
امسك سالار كوب العصير أمامه يرتشفه مبتسمًا بسخرية يرى أن الحرب بدأت اليوم مبكرًا بين إيفان وزوج شقيقته، وحقًا لا يدرك متى يتوقف إيفان عن الغيرة على شقيقته ويعتزل ازعاج دانيار.
اشتعلت أعين دانيار بغضب شديد يشعر برغبة عارمة في النهوض واستلال سيفه والانقضاض على إيفان والتخلص من كل هذه المعاناة التي يحياها على يده .
أما عن إيفان كان فقط يبتسم متابعًا ما يحدث يعلم جيدًا هوية الأفكار التي تدور الآن في عقل دانيار، لكنه لم يهتم يكمل بكل بساطة :
_ إذن يا رجال اذهبوا للنوم فلدينا رحلة طويلة غدًا .
ختم حديثه ينهض عن المقعد، ثم استأذن منهم بهدوء شديد يتحرك في المكان، نهض دانيار عن مقعده وكأنه على وشك الهجوم عليه، لكن توقف قبل أن يتحرك صارخًا بغضب :
_ يا الله لترحمني منه .
تحرك بعيدًا صوب غرفته مشتعلًا بالغضب، فيما نهض تميم مكانه مقررًا الذهاب وأخذ قسط من الراحة بعد يوم شاق قضاه بين طرقات سفيد مع الجيش، يستأذن بهدوء من سالار الذي ودعه، ثم بعد دقائق قليلة واخيرًا تحرك قرر أن يختم يومه بشيء لطيف، وما ألطف من زوجته ليختم بها اليوم ؟؟؟
تحرك صوب غرفته وتوقف ثواني قبل أن يطرق الباب بهدوء، ومع طرقته الثالثة وجدها تفتح الباب بلهفة تطمأن أنه لم يصاب بأذى تهتف بكل المشاعر داخل صدرها :
_ حمدًا لله على سلامتك يا قائد .
_ سلامتي أنتِ تبارك …
ختم حديثه يتحرك داخل الغرفة ملتقطًا جسدها بين أحضانه بيد، والأخرى اغلق بها الباب يتنفس براحة شديدة وقد بدا على صوته الاسترخاء :
_ عسى أن يكون يومك ملئ بالخير مولاتي .
اتسعت بسمتها فهو لم يخلف عهده معها منذ زواجهم، أخبرها أنها ملكته وستظل، وحافظ القائد على كلمته، ومنذ متى اخلف القائد له كلمة .
_ الحمدلله بخير دامك بخير يا قائد .
ابتعدت قليلًا تهمس بحنان :
_ أنت لم تتناول طعامك..
_ لست جائعًا، فقط متعبًا وفي الغد لدي رحلة طويلة لمشكى، لذا فقط احتاج للراحة .
انقلبت ملامح تبارك وهي تتراجع للخلف أكثر:
_ ستطيل البقاء في مشكى ؟؟
_ لا ادري اتمنى ألا نفعل .
_ ما الذي حدث سالار، أنا لا افهم شيئًا، ألم ننتهي من كل هذا سابقًا، ألم يفنوا بعد ؟!
نظر لها سالار ثواني قبل أن تغيم عيونه بنظراته غير مفهومة، ثم ابتسم يردد بصوت خافت :
_ هم يتكاثرون كالحشرات تبارك، لا ينتهون لعنة الله عليهم أجمعين، لقد توالت ضرباتهم على الممالك الأربعة والحمدلله لم يصب أحدهم سوء .
ثمن ثواني قبل أن يكمل بملامح متغضنة :
_ رغم أنني أشك أن أذية أحد كان هدفهم .
_ ماذا تقصد ؟؟ إن لم يكن أذية ما سبب ما فعلوه إذن ؟؟
_ إعلان عن عودتهم، ضربات مستترة متفرقة لتشتيت النفوس، إضعاف القلوب، اختاروا طريقة حرب جديدة، وجدوا أنهم أجبن من حرب الرجال وساحة المعارك، فاختاروا حرب النفوس والعقول، ضربات كالتي حدثت قد تبث الرعب في نفوس الشعوب وتقذف القلق في صدورهم وهذا يضعفهم، حسنًا لست متأكدًا من شيء، لكنني اعلم جيدًا أن القادم لن يكون هينًا .
ابتلعت تبارك ريقها وقد توجست مما نطق سالار، ورغم ذلك اقتربت منه تتحدث بخوف دب في صدرها:
_ أنت ستكون بخير سالار ؟!
_ لا تقلقي الله خير حافظ .
هزت تبارك رأسها تحاول رسم بسمة رغم الخوف الذي انتشر على ملامحها، نهض سالار يتحرك صوبها مبتسمًا، ثم جذب رأسها له بحنان يضمها لصدره :
_ ما بكِ تبارك، أنا الآن بخير أمامك، ثم ألا تثقين بي، الله ولييّ فمن هم لاخشاهم ؟؟
سقطت دموع تبارك وهي تضم نفسها له بقوة، قبل أن تنفجر فجأة في البكاء مما جعل سالار يفتح عيونه بصدمة كبيرة يبعدها عنه بسرعة يحاول التأكد أنها تبكي حقًا ولا يتخيل :
_ يا ويلي ما بكِ ؟! هل فقدتيني لتبكي بهذه الطريقة ؟؟
_ بعد الشر عنك يارب اللي يكرهك واللي يتشدد ليهم يا سالار .
ختمت حديثها وهي تمسح دموعها، ثم اردفت بصوت خافت حزين :
_ فقط حزينة لأن الحرب عادت من جديد، لم اصدق أنها مرت على خير لتعود اقسى وأشد .
_ هؤلاء الخنازير لعنة الله عليهم لا ينتهون البتة، عسى أن يحترقوا في جهنم.
تنهد وهو يمد يده يمسك يدها يسحبها صوب الطاولة التي كانت قد أعدتها له يهتف ببسمة صغيرة :
_ هيا تعالي لنطعمك، لربما سبب ما يحدث لكِ هو الجوع ليس إلا..
فجأة توقفت أقدامه حين تذكر شيئًا ما، واستدار لها بشك :
_ أنتِ لم تغفلي عن ادويتك صحيح ؟!
صمتت تبارك وهي تحاول التذكر متى آخر مرة تناولت دوائها، ليدرك سالار أنها فعلت ولم تأخذها بانتظام كما أمرها .
_ كنت سأ …سأفعل اقسم لك، فقط انتظرتك لتعود ومن بعدها سأخذها .
كانت تتحدث وهي تتحرك خلفه بسرعة بينما هو كان يتحرك بخطوات واسعة داخل الغرفة وهو يبحث عن الأدوية التي يخفيها لأجلها، وهي تتحرك خلفه تحاول أن تجاري خطواته، وهو فقط يبحث بين الاغراض الخاصة وهي تتحدث بصوت لاهث بسبب هرولتها خلفه :
_ فقط اسمعني سالار، أنا فقط كنت انتظر عودتك فأنا لا أحب تناول الأدوية إلا من بين أناملك، اتفائل بك خيرًا، لذلك انتظرتك .
توقفت فجأة حين توقف هو واستدار لها يرميها بنظرات جعلتها تبتلع ريقها مبتسمة بسمة رقيقة علها تؤثر عليه ويتوقف عن زجرها بنظراته نفسها التي يرمي بها جنوده وقت التدريب .
أما عنه اكمل طريقه صوب الطاولة يلتقط عنها كوب ماء، ثم استدار لها وهي تلحق به تتحدث بسرعة :
_ الآن سآخذها و…..
وقبل إكمال جملتها كان سالار يدس الأدوية في فمها ثم اتبعها بكوب الماء وهي ترتشف دون كلمة واحدة كي لا تغضبه وحينما انتهى مما يفعل بملامحه واجمة غاضبة، مال بكل بساطة يطبع قبل على وجنتها هامسًا بحنان يتنافى مع ملامحه منذ ثواني :
– شفاكِ الله مهجتي، لا أراني الله بكِ سوءًا، سأذهب للاستحمام واعود.
وختم حديثه بقبلة على وجنتها الأخرى، ثم تحرك بهدوء وهي فقط تتابعه بأعين متسعة لا تفهم ما حدث منذ ثواني …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صباح جديد يخفي له الكثير، وها هو يستقبل الصباح كعادته من شرفته المفضلة في الطابق الثالث، بدأت الشمس تلقي أشعتها على الأجواء، وكم كان ممتنًا لقدوم نهار جديد واخيرًا مبددًا ظلمة الليلة السابقة .
ابتسم يراقب الشروق ببسمة واسعة، قبل أن تتلاشى بسمته شيئًا فشيء حين أبصر في الحديقة الجانبية ما جعل عيونه تتسع ليتحرك بسرعة خارج المكان وهو يزفر بضيق وصوت حنقه يعلو ويعلو يتمنى من اعماق قلبه ألا يصل أحدهم صوب تلك الحديقة في هذا الوقت ..
_ سامحك الله يا رائف، سامحك الله على ما فعلت بابنتك وبي .
وفي الخارج كانت تقف هي في الحديقة ترتدي ثياب رياضية تتكون من بنطال قماشي اسود واسع الاقدام مع سترة ثقيلة بيضاء من النوع الواسع، تبتسم باتساع وراحة شديدة وقد بدأ موزي يستمتع بالاشجار حوله يقفز هنا وهناك.
ابتسمت له سول وهي تفتح ذراعيها للحياة في صباح جديد مشرق حيث الهواء العليل و……
وقبل إكمال قصيدة الصباح الجميل في رأسها شعرت بسترة تصطدم في وجهها بعنف وصوت يهدف في المكان صارخًا :
_ أنا لن أسير خلفك في كل مكان ابذر عليكِ ستراتي ألا يمكنك أن تتبعي ما اقول لمرة واحدة ؟!
أغمضت سول عيونها بضيق شديد تبعد السترة عن وجهها تحاول التنفس والهدوء، هي من الأساس تضع قبعة ثوبها الشتوي على رأسها لأجل صراخه هذا .
نظرت له بأعين مشتعلة قبل أن تهتف في وجهه بهدوء يخفي خلفه نيرنًا :
_ أنت حقًا تعاني مشاكل جمة في التحدث بشكل حضاري، ما يزال عرض علاجي لك قائمًا إن أردت .
أشار لها أرسلان والغضب يأكل خلاياه وهو يفكر أن هذه المرأة جاءت تنشر الفساد داخل جدران قصره وهو قد سأم كل هذا :
_ اسمعي أنا لم احسابك على ما حدث البارحة بعد، فلا تثقلي ميزانك معي يا امرأة واتبعي ما أخبرك بك وإلا…
نظرت له سول ثواني قبل أن تضع يديها داخل جيوب سترتها الشتوية تبتسم له باستفزاز :
_ وإلا ماذا ؟؟ تقتلني وتعلق رأسي على جدران قلعتك ؟؟
_ ألم أخبرك أنني لا اشبه أيًا من الملوك الذين قرأتي عنهم سابقًا في كتبك العزيزة، لذا لا، صدقيني ما سأفعله لم تكتب عنه الكتب ولم يخطر على بال أي كاتب مختل .
كانت سول تتابعه بهدوء وهي تزال تدفئ أناملها داخل سترتها تنتظر أن ينتهي من حديثه، ثم قالت بكل بساطة وهدوء :
– أنا لن آخذ منك مالًا لقاء معالجتي لك، صدقني لقد سبق وعالجت الكثيرين مثلك …
صمتت ثم أكملت ببسمة واسعة :
_ أوه آسفة تذكرت أن لا أحد مثلك، أقصد أنني عالجت البعض ممن يعانون تلك الأعراض التي تعاني أنت منها، لمَ لا تجربني ؟؟
اتسعت أعين أرسلان قبل أن يبتسم لها بسمة مريبة وهو يردد :
_ هذا ما انتويه بالفعل، لكنها لن تكون مجرد تجربة .
_ ما الذي ترمي إليه أنت ؟!
ابتسم لها ولم يتحدث بكلمة، كل هذا وهو لم يرمي لها بنظرة واحدة حتى، بل كان يتحدث وهو يبعد عيونه عنها يحدق في نقطة خلفها، مما جعلها تغتاظ وهي ترفع إصبعها في وجهه تلقي بتهديد لا معنى له :
_ اسمع يا هذا، لا تختبر صبري فأنا حتى الآن اتعامل معك بالحسنى ولا أريد معاملتك معاملة زبائني الاعزاء…
وقبل إكمال جملتها رأت نظراته تتحول من خلفها صوب إصبعها يحدق به ثواني قبل أن يرفع عيونها لها يردد بصوت محذر :
_ خسئتِ أنتِ وأشباهك الاربعين، اخفضي اصبعك ولا تتجرأي وتهدديني، كي لا يصيبك ما لا قبل لك بتحمله..
ابتسمت سول بعدم تصديق تهمس له بغضب مكبوت :
_ أنت نرجسي حقًا .
وكانت إجابة أرسلان عليها هي نظرة غاضبة وهو يرفع إصبعه في وجهه :
_ أنتِ وقحة .
اتسعت أعين سول بعدم فهم، و فتحت فمها للتساؤل عما يقصد، لكن وقبل أن تستفسر عما يقصد كان الجحيم قد فُتح أمامها حين أبصرت برتقالة مجهولة المصدر تمر بالقرب من رأس أرسلان الذي امسكها بسرعة كبيرة وكأنه يصد ضربة سيف، رفع عيونه صوب الرامي يعطيه نظرة لو كان موزي يعقل ما يفعل لبحث لنفسه عن قبر ودفن به جسده.
اتسعت بسمة مختلة على وجه أرسلان جعلت سول تتحدث بتردد وهي تقف أمامه، تحاول أن تشتته عما حدث :
_ أنا أريد الخروج للتسوق و…
لكن فات الأوان لما تريد فعله وقد اندفع جسد أرسلان صوب موزي الذي ركض بسرعة يختبأ بين الأغصان، لكن يد أرسلان كانت أسرع وهو يمسك بسترته يجذبه صوبه أمام عيونه يهمس بصوت مرعب وكل فكره يدور حول وضع حد لهذا القدر كي لا يتمادى في أفعاله ويلقيه بشيء كلما ابصره وربما كانت المرة القادمة أمام الجميع :
_ ليس قرد من يفكر مجرد تفكير على أن يلقيني بشيء ولو كان ورقة شجر، خسئت أنت وكل سلالتك أيها الاجرب …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” ملك آبى الملك آزار، افتحوا ابواب القصر …”
على صوت المنادي كانت ابواب سبز تُفتح أمام قافلة آزار الذي تحرك بخيله بسرعة كبيرة، حتى وصل بعد دقائق أمام المبنى الخاص بصديقه، هبط عن حصانه يتحرك وهو يهز رأسه مرحبًا بالجميع دون أن يحيد بعيونه عن الطريق يدرك جيدًا أين يسير، وجهته المعروفة منذ سنوات وخاصة الأيام الأخيرة .
واخيرًا وصل صوب مكانه المنشود، ليدخل بهدوء ويغلق الباب خلفه يخلع معطفه يلقيه جانبًا يهتف بأعين ملتمعة بالحنين وصوت خافت يراقب رفيق العمر وشقيقه الذي حظي به منذ طفولته :
_ ما بالك أحببت الراحة أيها العجوز ؟؟
تحرك صوب الفراش حتى وصل له يجذب أحد المقاعد يجلس عليها ثواني، ثم أمسك يد بارق يربت عليها بحنان، يضمها بين قبضتيه يستند عليهم بذقنه محدقًا بوجه بارق الشاحب والذي كان أشبه بالموتى، ودون شعور سقطت دموعه يدفن وجهه على يده التي تقبض على يد بارق يهمس بصوت موجوع :
_ الحمل ثقيل يا صديقي، عد ولا تتركني وحدي في هذه الحياة، والله أشعر أنني أقف اعزلًا في ساحة حرب، إياك وتركي وحيدًا يا بارق، لا تفعلها بي وتقسم ظهري .
ختم حديثه ينفجر في البكاء وهو يضم كفه وقد بدأت ذكرياته مع بارق تعود أمام عيونه، بارق والذي كان يمثل له الصديق والاخ والرفيق، الآن ذلك الرفيق مهدد بتركه .
سقطت دموعه أكثر وظل على جلسته ساعات يتحدث معه كما لو كان بارق يسمعه، قبل أن ينهض يمسح دموعه، ثم قبله على جبينه وودعه بهدوء :
_ سأعود مجددًا يا أخي …
تحرك للخارج بهدوء، يغلق الباب خلفه، يرتدي معطفه الملكي مجددًا بملامح جامدة يتحرك في الممر قبل أن يتوقف أمام قاعة العرش يدخلها بعدما أعلن الحاجب وصوله ليبصر أنمار يتوسط عرش بارق، كبت استنكاره وحقده داخل صدره يرى أنمار يرحب به ببسمة واسعة راقية .
_ ملك آزار أخبرني الرجال أنك جئت منذ ساعات طويلة، فخمنت أنك ذهبت للجلوس مع الملك بارق .
_ جيد أنك ما زلت تذكر من الملك هنا أنمار.
لم يهتم أنمار بحديثه، يتجاوزه بكل بساطة، ثم أضاف بهدوء :
_ إذن كيف حالك وحال آبى ؟؟
وكما فعل أنمار، فعل آزار معه، إذ تجاوز عن سؤاله وهو يبادره بسؤال آخر في المقابل ودون مقدمات هتف بصوت جامد :
_ مالي لا أرى زوجتك في الجوار؟؟؟ أين الأميرة توبة أنمار ؟؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
” موكــــب سفيــــد يصل لبوابة القصر بقيادة الملك إيفان، افتحـــــوا الأبـــــواب ”
كان ذلك صوت أحد مراقبي الابراج التي تحد القصر، وبمجرد أن ختم جملته حتى فُتحت أبواب مشكى على مصرعيها لتستقبل موكب سفيد بقيادة إيفان وبالطبع سالار ..
تحرك إيفان بسرعة كبيرة فوق حصانه داخل القصر يجاوره سالار الذي كان يحرك رأسه يحيي الجميع حوله مبتسمًا بسمة صغيرة، وخلفهم موكب جاءوا به من سفيد ومن ثم حراس الملك الذين رافقوه في رحلته .
خرج أرسلان من القصر يتحرك بكل هيبة صوب بوابة القصر الخاص به يرتدي معطفه الملكي والذي كان يتميز بامتزاج اللون الاسود مع الذهبي، توقف ثواني في سيره قبل أن يخلع المعطف يمنحه للمعتصم مرددًا :
_ خذ يا بني دعني أرحب بأخوتي .
ابتسم له المعتصم وقد فهم مقصده، فأرسلان ذهب يستقبل إيفان والقائد سالار بصفته صديق وأخ وليس ملك مشكى، تحرك أرسلان بخطوات متلهفة، حتى وصل لهم، ليكون أول من يهبط هو إيفان الذي تقدم منه مبتسمًا يردد بنبرة حنين :
_ مرت شهور منذ آخر زياراتي لمشكى ..
فتح له أرسلان ذراعيه مرحبًا :
_ أنت مرحب بك في بلادك طوال الوقت إيفان..
اقترب منه إيفان يضم أرسلان بقوة وهو يربت على كتفه يهمس له بصوت خافت :
_ عسى أن تكون زيارتي القادمة وهي باحسن حال يا أرسلان، اثق بك .
ردد أرسلان بصوت خافت :
_ إن شاء الله .
ابتعد عن إيفان قليلًا يرحب بسالار الذي اقترب منه يردد بود ونبرة حنونة :
– يسعدني رؤيتك مبتسمًا بملامح هادئة أرسلان…
_ شرفني بزيارتك كل يوم بعد صلاة الفجر، أكون مبتسمًا حتى مشرق الشمس .
انطلقت ضحكات سالار وهو يربت على كتفه، ومن ثم سمع أرسلان صوت ينطلق من جوارهم مرددًا باحترام :
_ السلام عليكم ملك أرسلان.
استدار أرسلان صوب صاحب الصوت والذي لم يكن سوى تميم، فمنحه بسمة واسعة يفتح له ذراعيه :
_ مرحبًا بك في مشكى يا تميم .
ضمه تميم وهو يتقبل ترحابه ببسمة واسعة وقد جاء هو مع الموكب فقط لأنه أكثر من يفقه في الأسلحة، وقد جاءوا مشكى بصفقة أسلحة جديدة من تصنيعه، حمدًا لله أن إيفان لم يصر على أخذ دانيار والذي كاد يحطم القصر فوق رؤوس الجميع .
ابتعد عنهم أرسلان يشير لرجاله بمساعدة رجال سفيد في نقل ما جاءوا به يهتف بجدية :
_ ساعدوا رجال سفيد في تفريغ ما جاءوا به بحرص يا رجال .
استدار صوب المعتصم مضيفًا :
_ وأنت يا المعتصم أشرف بنفسك على تجهيز غرف الرجال فسوف يبيتون ليلتهم هنا .
رحب المعتصم بهم ببسمة واسعة، ثم غادر سريعًا ينفذ أوامر الجميع، ولم يكد أحدهم يتحدث بكلمة حتى قال أرسلان :
_ ستبيتون اليوم حتى عودة الملك آزار من زيارة سبز ومن ثم يلحق بنا غدًا لنعقد إجتماعنا .
تحرك وهو يشير لهم بالتحرك خلفه :
_ هيا الحقوا بي كي نتناول الفطور، بالفعل تأخرت عن تناوله بسببكم وهذه ستكون أول مرة أخرق قوانين مملكتي لأجلكــ …
وفجأة توقف عن الحديث وتوقفت أقدامه عن الحديث حين سمع صوتًا خلفه يهتف بنبرة جعلت قلبه يرتجف وجسده بأكمله يهلل شوقًا :
_ ألا يستحق انتظاري خرقًا لقوانينك أخي؟؟
تأوه أرسلان وهو يستدير بسرعة يبحث بأعين مشتاقة عن صاحبة الصوت، ليبصر إيفان قد اقترب من الموكب يمسك يدها يساعدها على الهبوط بحنان، وحينما استقرت على الأرض أمسكت كهرمان ” ملكة سفيد” طرف ثوبها تميل قليلًا مرددة بصوت رقيق :
_ اشتاقت العين لرؤيتك جلالة الملك..
التمعت أعين أرسلان بقوة وهو يتحرك صوبها بأقدام مهرولة يزيح إيفان عنها بعنف :
– ابتعد عن جوهرتي قليلًا يا هذا .
تشنج وجه إيفان بحنق شديد يهمس له بكلمة لم تصل لمسامع أرسلان، وحتى لو وصلت فما كان أرسلان ليهتم في هذه اللحظة وهو يلتقط جسد شقيقته الحبيبة بين أحضانه بقوة :
_ جوهرتي الحبيبة، والله ما بقي عضو في جسدي إلا ومات شوقًا لضمك غاليتي .
اتسعت بسمة كهرمان وهي تردد بصوت معاتب :
_ لهذا رحلت آخر مرة دون رؤيتي حتى أو كلمة واحدة من طرفك أخي.
_ كنت وقتها غاضبًا وبشدة، اشفقت عليكِ رؤيتي بتلك الحالة صغيرتي.
_ ربما يمكننا إجراء ذلك الحوار الملئ بالعواطف في الداخل أرسلان .
استفاق أرسلان من كل مشاعره التي غمرته وكل ذلك الدفء الذي أحاط به لحظة رؤيته شقيقته على صوت إيفان، ليلوي شفتيه بحنق شديد، ثم ضمها من كتفها يتحرك بها للداخل مشيرًا للجميع أن يلحق، ولمح بطرف عيونه سالار الذي تحرك صوب الموكب يساعد أحدهم على الهبوط ولم يكن بحاجة للتفكير في الأمر فقد كانت زوجته لا ريب.
وكذلك كانت، اقترب سالار من الموكب يبتسم وهو يمد كفه لها مرددًا بحنان شديد :
_ هيا مهجتي لنساعدك في الهبوط .
منحته تبارك بسمة واسعة وهي تتحرك معه صوب الداخل وخلف الجميع بعدما أصرت على المجئ معه .
وبمجرد أن دخلوا قادهم أرسلان صوب قاعة الطعام والتي كان يتفرع منها غرفة جانبية للنساء كي يأخذن راحتهن في الأكل.
أشار لهم جميعًا بالجلوس وقبل التحدث وأخبار شقيقته باصطحاب زوجة سالار صوب قاعة النساء اقتحمت عاصفة المكان بأكمله بشكل أثار انتباه الكل .
نفخ أرسلان وهو يضع يده على وجهه وداخل صدره يتضرع لربه ألا تكون خرجت بهيئتها التي تصيبه بأزمة قلبية حادة، وايضًا ألا تتواقح بكلماتها الحادة أمام الجميع .
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، إذ فجأة وجد الجميع الباب يُفتح وجسد يلتحف بالاسود يتقدم منهم، اسود يعلمونه جيدًا، معطف أرسلان المميز يغطي نصف جسدها تقريبًا وجزء لا بأس به من ملامحها .
ترتديه امرأة بملامح غريبة عنهم ترتدي أسفله بنطال قماشي اسود واسع بعض الشيء وقميص من اللون الابيض، تتحرك صوبهم بخطوات قوية مرتدية حذاء بكعب عالٍ وعيونها مشتعلة وقد كان جسدها متحفز بشكل كبير .
تتحرك بين الجميع تحت أعين الرجال المتسعة والنساء المصدومة مما يحدث، تحركت بهدوء صوب أرسلان تحمل حقيبتها أعلى ظهرها تردد بهدوء :
_ اعتذر للدخول بهذا الشكل الوقح يا سادة، لكنني جئت فقط لاطالب الملك بترك موزي، فأنا لدي رحلة طويلة .
حدق بها الجميع دون فهم لما يحدث، لا شخص يدرك ما سبب ارتداء تلك المرأة لملابس رجال، ولا أحد يفهم ما يحدث عدا تبارك التي كانت ترمقها بانبهار تقريبًا، فالفتاة كانت جميلة للغاية و…مهلًا جميلة ؟!
فجأة استدارت بسرعة كبيرة صوب زوجها تطمئن أنه لا يرى ما تراه هي الآن، لكن ابصرته ينظر للفراغ بعيدًا هو وإيفان، فقط كانت نظرة واحدة منحوها للمرأة قبل أن يبعدوا أعينهم .
تنفس أرسلان بصوت مرتفع، قبل أن يهتف بصوت جهوري :
_ كهرمــــــان …
انتفض جسد كهرمان دون شعور لولا يد إيفان التي أمسكت يدها بسرعة يهدئها وقد تقدمت صوب أرسلان تتساءل بريبة :
_ نعم ؟؟
_ اصطحبي المرأة معكم صوب قاعة الطعام لتحظى بفطورها .
هزت كهرمان رأسها، ثم استدارت صوب سول التي كانت تضم يديها لصدرها تنتظر أن ينفذ أرسلان ما تريد .
_ تفضلي معي يا آنسة..
قاطعتها سول والتي لم تبعد عيونها عن عيون أرسلان المشتعلة :
_ إنه لشرفٍ لي أن أشاركك الطعام آنستي، لكنني للأسف لا امتلك وقتّا لذلك، لذا أرجو أن تعذريني وأن تخبري ذلك الرجل والذي يقف جوارك أن ينفذ ما اقول ويدعني أرحل .
اتسعت أعين إيفان بقوة وقد ارتسمت بسمة واسعة على جانب فمه ينظر صوب سالار نظرة فهمها الاخير ليبتسم له بالمقابل وهو يهمس لإيفان :
_ هل أبصر امرأة تؤدب أرسلان هنا ؟؟
_ يبدو أنه آن الأوان ليشفي الله صدري يا صديقي .
كل ذلك الحديث لم يكن يصل لأرسلان الذي اشتعلت عيونه وهو يهتف في وجهها :
_ خسئت مليون مرة، لم يولد بعد من يلقي أوامره في وجهي يا امرأة، أخبرتك لا رحيل من هنا وافعلي ما شئتِ .
وبالمثل ردت له سول حديثه لكن بصوت أكبر هدوءًا منه :
_ وأنا أخبرتك أنك لن تملي عليّ ما أفعله فلا كلمة لك عليّ جلالة الملك، والآن كأي رجل متحضر راقي دع غوغائيتك جانبًا، واعد لي موزي وأحضر صامد وصمود لإعادتي صوب حياتي التي سلبتموني إياها .
الأن اتضحت الأمور للجميع، زائرة من عالم المفسدين مرة أخرى.
حرك سالار أنظاره صوب تبارك التي رمقت سول بشفقة وهي تدرك شعور الغربة الذي تحياه في هذه اللحظة، وكيف لا وهي مرت به بكل مرارته، لكن على عكسها هي سواء بقيت هنا او عادت لم تكن تمتلك حياة تحزن عليها لمفارقتها، لكن يبدو أن تلك المرأة تفعل، وهذا سيجعل تأقلمها هنا اصعب .
أضافت سول على حديثها السابق بنبرة في غاية الهدوء تحترم الحاضرين دون حتى أن تدرك هويتهم :
_ أنا لا اطالبك بالكثير، مجيئي هنا كان خطأ منذ البداية، والآن كل ما عليك هو أن تصحح هذا الخطأ مولاي وأن تطلق صراحي .
رمقها أرسلان ثواني دون رد من جهته، كان في غاية الهدوء وكأنه يشاهد عرضًا أو ما شابه حتى نطق بكل تأني :
_ كهرمان عزيزتي ارشديها صوب قاعة الطعام وعرفيها على المكان فالانسة منذ جاءت لم تتح لها فرصة التعرف على المكان .
ختم حديثه وهو يراها تفتح فمها للأعتراض لولا نبرة التي خرجت شبه حادة :
– كما أخبرتك كهرمان .
ابتلعت كهرمان ريقها تتحرك صوب سول التي رمقته ببسمة صغيرة تراه يرمقها بشر وكأنه يحذرها مخالفة أوامره، وهي لم تفعل سوى أن هزت رأسها له بهدوء، ثم تحركت مع كهرمان بكل كبرياء .
وتبعتهم تبارك بسرعة ..
تاركين الرجال خلفهم وقد أحاط بهم هدوء مريب، لم يقطعه سوى صوت ضحكات مكبوتة من جهة إيفان، جعلته يضع يده بسرعة أعلى فمه، بينما سالار تظاهر أنه يمسح وجهه كي لا يبصر أرسلان وجهه المبتسم وضحكاته التي تنتظر لحظة ضعف منه لترن في المكان .
أرسلان الذي كان عنوان استفزاز جميع من يقابله، ولم يستطع إنسان في هذه الحياة أن يصمته عما يريد أو يتحدث له بنبرة لا تعجبه جاءت امرأة وفعلت كل ذلك وبكل هدوء ودون رفع صوتها في وجهه حتى، كانت تحدثه كما لو أنها تعلم كيف تتعامل معه بل ودرسته بدقة، وما لم يدركه أحدهم أنها بالفعل فعلت .
تنفس أرسلان بصوت مرتفع يغمض عيونه قبل أن يقول بهدوء بعدما فتحها مجددًا :
_ يمكنكما الضحك كي لا تنفجرا .
وكأنه أعطى لهما الأذن بذلك فانفجر سالار يضحك بصوت مرتفع وقد اختلطت ضحكاته بضحكات إيفان المتشفية والذي مال على سالار يردد من بين أنفاسه :
_ والله لو تسمح لي الظروف لنقلت مقر حكمي لقصر مشكى هنا كي لا أفوت لحظة واحدة مما يحدث، انظر يا سالار ما كاد يفوتنا، نحن نحيا حياتنا الطبيعية دون معرفة ما يحدث هنا ؟!
اجابه سالار من بين ضحكاته :
_ حمدًا لله يبدو أننا في بداية القصة، مازالوا في مرحلة الشجار والتحدي، عسى أن يطيل الله بعمري واشهد نهايتها من يدري لربما انتهت بزفاف .
ختم حديثه يطلق ضحكة شاركه بها إيفان، لكن فجأة توقفت الضحكات في حلق كل منهما بقوة واتسعت الأعين بذهول وصدمة مرعبة حين سمعوا صوت أرسلان يتحدث بنبرة خافتة وصوت هادئ :
_ بل ستبدأ بزفاف يا عزيزي، لن يكون الزفاف نهاية قصتي، بل سيكون بدايتها …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس بنفس الوضع في ركن المنزل الذي أُلقيت به، تشعر بالمكان يضيق عليها كل ثانية، ثم يشفق عليها ويتسع، وسرعان ما تتلاشى شفقته ويعود للضيق من جديد .
دمرت نفسها حين وافقت أن يكون ذلك الشبه ذكوري زوجًا لها، والدها الذي كان يشعر بالريبة ناحيته، وهي فقط كانت تراه رجلًا محترمًا، والآن اكتشفت أنه لم يكن محترمًا ولا حتى رجلًا، خشيت على قلبها من الفتنة ووافقت على أول شخص ظنته رجلًا مناسبًا، ارتعبت من فكرة أن حبها المستحيل لأرسلان قد يوصلها لمرحلة غير مرغوبة في حياتها، أن تخطأ وتقلل من شأنها وعفتها لأجل حب طفولي وهمي بنته في رأسها.
مسحت دموعها حين سمعت صوت طرق على الباب ليتشنج وجهها متسائلة عن هوية ذلك الشخص الذي يحترم خصوصيتها بين هؤلاء البشر، لتبصر وجهه يطل عليها حين دخل المكان .
آه هذا الفاسق الراقي الذي تحيا معه بهذه الغرفة العفنة .
ابعدت عيونها عنه بإشمئزاز وهو تنفر من رؤيته أو التحدث معه، رغم أنه لم يتصرف معها تصرف غير لائق، إلا أنه يكفيها انتماءه لهذا المكان كي تشمئز من وجهه .
ابتسم نزار بسخرية من ملامحها التي انقبضت باشمئزاز حين ابصرته :
_ لم أكن أعلم أن وجهي بهذه البشاعة .
استدارت له توبة تتأكد أن حجابها يغطي كامل خصلاتها :
_ ربما لا تمتلك مرآة في منزلك، لكن هذا ليس عذرًا الحقيقة، فلا بد أن انعكاس سواد ظهر لك يومًا في المياه أو الأواني على سبيل المثال .
جلس نزار ارضًا يستند على الجدار أمامها، يحدق بها طويلًا دون كلمة واحدة، ثم تحدث دون مقدمات :
_ زوجك هو من احضرك هنا؟؟
شحب وجه توبة بقوة وشعرت بغصة استحكمت حلقها:
_ أنا لست متزوجة .
_ حقًا؟؟ سمعت أنكِ متزوجة ولديكِ طفل حتى، لا يعقل أن كل هذه اشاعات لإبعاد الرجال عن الأميرة توبة فاتنة سبز..
وعند ذكره آخر كلمات له أحمر وجه توبة بقوة بشكل جعله يلوم نفسه بقوة وقد زادها عليها، ابتلع ريقه يعتدل في جلسته يقترب منها قليلًا فقط وهو يردد :
_ أنا آسف لم ….
وقبل إكمال كلماته شهد نزار على انفجار وانهيار لم يشهد له مثيلًا يومًا، أبصر توبة المرأة التي ظنها يومًا فولاذية من حديث والده عليها وعلى ما تفعله مع والدها، تنهار باكية أمامه كطفلة وهي تدفن وجهها بين يديها تردد من بين شهقاتها :
_ اللهم رحمتك يا الله، رحمتك يا الله .
تصدع قلب نزار يقترب أكثر منها بريبة، لا يستطيع الاقتراب أكثر أو حتى التربيت عليها، اكتفى فقط بمواساتها من بعيد :
_ أنا آسف اقسم أنني آسف، توبة أنا آسف، والله ما قصدت إيلامك بهذا الشكل .
وتوبة كانت قد غرقت في موجة بكاء وانهيار على ما وصلت له، أصبحت حياتها مزرية تهتف من بين شهقاتها بصوت متوجع :
_ أريد أبي، أريد العودة لأبي ..
_ سأعيدك.
وحين اخترقت كلمته تلك أذنها توقفت عن البكاء وهي ترفع عيونها الحمراء له بعدم تصديق وكأنها تشك في صدق كلماته، ليهز هو رأسه لها بسرعة يضع يده على صدره :
_ قسم بالله أن اخرجك من هنا ولو كان هذا على رقبتي، لكِ كلمة لا اخلفها إلا على جثتي، سأخرجك واعيدك لوالدك .
نظرت توبة ليده التي يضعها على صدره، وكلماته التي لا تخرج من فاسق مثل الجميع هنا، وهذا جعلها تضيق ما بين حاجبيها بتفكير :
_ أنت… أنت لست منهم؟؟ من أنت ؟! أشعر أنني أعرفك، هل … أفعل ؟؟
صمت نزار وقد اسودت نظراته بشكل جعلها تفكر في سبب شروده بهذا الشكل، بلل شفتيه، ثم هز رأسه يردد بصوت خافت يعلم علم اليقين أنها إن علمت هويته سيزداد احتقارها له حتى أكثر من احتقارها لمن بالخارج :
_ لا أعرفك.
_ كاذب .
نطقت جملتها بقوة وكأنها تتحداه أن يكذب حديثها، أما عنه فقط ابعد عيونه عنها يهتف بصوت شارد :
_ فقط لنقل أنني آثم اتخذك طريقًا للتوبة، ألا تريدين أن تكوني توبة عاصي ؟!
اتسعت عيون توبة من كلماته ونبض قلبها نبض مجهول جعلها تبعد عيونها عنه بسرعة دون رد، بينما هو ظل شاردًا ولا يدرك ما نطق به، هو فقط همس بكلمات أخيرة :
_ ستبقين هنا لحين استطيع إخراجك من المكان، لا تقلقي لن امسك بسوء ولن أسمح لأحدهم أن يفعل .
_ من الأساس لن يستطيع أحدهم فعل الأمر حتى وإن أراد.
ابتسم بسمة ساخرة وهو ينظر للأرض ليس وكأنها نفسها الفتاة الباكية منذ ثواني :
_ هذا جيد استمري على مثل حديثك، فلسانك اللاذع ويدك التي تبطش بمن يقترب منك سيسهل عليّ أمر حمايتك .
رفعت توبة ذقنها تهتف بإباء :
_ اترفع عن حمايتك يا هذا، لو كنت تستطيع الحماية لكنت حميت قلبك من سواد شياطينك أولى لك .
شردت ملامحه وقد ظهرت لمحة اعجاب دون إرادته على وجهه يهمس بصوت جعلها تفكر في معنى كلماته :
_ من يعلم ربما هذه فرصة أخرى لي واختبار آخر، لن أسمح لأحد ولو كان أنتِ أن يدفعني للفشل به، ستخرجين من هنا وتعودين لبلادك ووالدك، وحينها قد تتذكرين هذه اللحظة وتدركي أنني لا اخلف بوعد قطعته ….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى واخيرًا من تجهيز الغرف التي ستستقبل ضيوفهم، الغرفة المجاورة للملك ستكون لملك سفيد وزوجته، بينما الغرفة التي تقع في الجزء المعزول بالقصر بالطبع من نصيب قائد الجيوش وزوجته كي يتحول مساءً دون أن يزعجه أحدهم .
ضحك المعتصم بسخرية على الأفكار التي تدور هنا عن رجال الممالك، فكما وصفوا سالار سابقًا بالوحش وصفوا كذلك أرسلان بالأسد وقد بنى كل من الرجلين رعبًا خالصًا في صدور الجميع، فبالأضافة لسالار وارسلان كان الملك آزار ثالث مدمني الحرب .
دخل غرفته يلقي ثيابه جانبًا يحضر أخرى مناسبة للتدريبات التي سيتولاها اليوم بمفرده لانشغال أرسلان مع ضيوفه، ولم يكد يتحرك أو يخرج حتى اخترق مسامعه صوت مواء ضعيف جعله يتذكر فجأة أنه يحتفظ أسفل سقف غرفته المتواضعة بروح أخرى .
تحرك بخفة يجلس على ركبتيه جوار السرير حيث صندوق صغير به وسادة تنام عليها الهرة البيضاء والتي يبدو أنها استيقظت للتو وأخذت تموء طلبًا للغذاء .
ابتسم لها المعتصم بحنان شديد يمد يده يلتقطها وهو يحدق بعيونها الزرقاء يهمس دون شعور بصوت خافت :
_ في غاية الرقة كصاحبتك .
فجأة أفاق من ذلك الخدر الذي أصابه لثواني، وهو ينظر حوله مخافة أن يكون أحدهم أطلع منذ قليل على بلاهته وما يحدث معه، ابتلع ريقه :
_ الوضع أصبح مخيفًا ها ؟! لنسأل الله ألا نتقابل مع صاحبتك مجددًا فما للجسد سوى عقلٍ واحد فقط لأفقده بسببها وبسبب أفعالها العفوية والبريئة و…
زفر بصوت مرتفع حين شعر أنه الآن سيغرق في موجة مدح للفتاة، نهض يمسك القطة بين أنامله بحنان وهو يتحرك بها خارج المكان يبحث عن شيء قد يطعمه لها، لا يعلم ما هو، لكن ربما يتحرك صوب المطبخ وهناك يجد من يساعده .
وبالفعل تحرك صوبه وهو يحمل الهرة بين أحضانه بكل الرقة في صدره،فشتان ما بين المعتصم بالله الذي يحمل الهرة في هذه اللحظة بحنان، وما بين المعتصم بالله الذي يحمل سيفه في ارض المعركة بكل خشونة .
وربما كانت هذه سمة رجال الممالك، أشداء على الكفار رحماء بينهم، يعلمون علم اليقين أن الرجولة ليست أن تكون غليظ الطباع على الجميع، يعلمون كيف يوجهون غلظتهم وشدتهم لمن يستحقها .
توقف أمام المطبخ وهو ينظر حوله يخجل من إيقاف إحدى الفتيات وسؤالها عن شيء، ابتلع ريقه ينظر صوب الهرة التي بدأت تموء مرة أخرى.
_ حسنًا فقط اهدأي ودعيني أبحث عمن يمكنه مساعدتنا هنا .
_ المعتصم ؟؟
توقفت المعتصم عن حديثه مع الهرة يستدير ببطء صوب صاحبة الصوت والتي كانت الوحيدة التي تستطيع نداءه باسمه مجردًا بهذا الشكل، ابتلع ريقه يراها أمامه تبتسم نفس البسمة المعتادة لها، وحقًا في هذه اللحظة شعر أن عقله بدأ يرسم له صورتها أمامه، فبكل الاشكال لا يمكن لها الوصول لهنا بهذه البساطة .
ولِمَ التعجب يا المعتصم سبق وأن وصلت لساحة الرجال دون عناء، هل سيتعسر عليها دخول مبنى القصر حيث غرف النساء والمطبخ ؟! تلك الفتاة يشعر أن لا باب يظل مغلقًا أمامها، والخوف كل الخوف أن يكون الدور القادم عليه.
_ ما الذي تفعله هنا ؟!
رمش المعتصم بعدم فهم :
_ عفوًا ما الذي أفعله أنا هنا ؟؟ بل ما الذي تفعلينه أنتِ هنا ؟؟
ابتسمت له فاطمة بسمة واسعة تقول بكل عفوية :
_ جئت للعمل هنا، جارتي السيدة ألطاف تعمل هنا وحينما أخبرتها أنني احتاج لعمل توسطت لي وأتت بي للعمل هنا، وأنت ما الذي تفعله هنا ؟؟
اتسعت أعين المعتصم بقوة حين سمع كلماتها، هذا يعني أنها ستكون أسفل نفس السقف معه، ستبقى بنفس المكان معه ؟؟ وهذا لو تعلمون في غاية الخطورة فهذه الفتاة لا تضع اعتبارات لأحد ولا تراقب كلماتها وهذا ما قد يسقط بها في مشكلة كبيرة .
_ لماذا تعملين أنتِ ؟؟ أين والدك واخيكِ من الأمر ؟؟
وكانت إجابة فاطمة المعروفة وكأن عقلها لا يعلم غيرها من إجابة:
_ في المسجد .
اتسعت أعين المعتصم بعدم فهم، في المسجد ؟؟ ما الذي يفعلانه في المسجد تاركين إياها تعمل ؟!
_ مهلًا هل تمتلك هرة ؟؟ أنا أيضًا املك هررًا كثيرة، بوبي وصغارها، من أين حصلت على هذه الهرة الجميلة ؟!
رمقها المعتصم بعدم فهم لثواني، ثم حرك عيونه صوب الهرة التي كانت تتحرك بين يديه تود الهبوط والركض في المكان ربما، ما الذي تقوله هذه ؟! تتساءل عن الهرة التي منحته إياها البارحة ؟؟
_ هذه الهرة ؟؟ ألا تتذكرينها ؟؟
رفعت عيونها له بحيرة وتشتت :
_ هل يجب أن أفعل ؟؟
شعر المعتصم بريبة من حديثها، هل تحاول المزاح معه أو تسخر منه ربما ؟؟
ولم يكد يتحدث حتى قاطع حديثهم صوت امرأة تنادي فاطمة بحنان :
_ فاطمة يا بنيتي اقتربي لتتسلمي عملك، لقد جاءت رئيسة العاملات .
ابتسمت لها فاطمة ثم عادت بنظرها صوب المعتصم تردد بأعين ملتمعة :
_ أنا سأرحل أاتسلم عملي وأنت….هل سأراك مجددًا ؟؟
تنفس المعتصم بصوت مسموع يبعد عيونه عنها صوب الهرة
يشغل نفسه باللعب في فرائها مبتلعًا ريقه بهدوء :
_ لا اعتقد ذلك، بالاذن منك .
ولم يكد يتحرك حتى أوقفته تناديه بحزن :
_ يا المعتصم….
ويله وويل ما يحدث به الآن، نبرتها في هذه اللحظة تحديدًا جعلت قلب المعتصم يرتجف وهذا كان خاطئًا، خاطئ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هو لن يجعل هذه الصغيرة مدخلًا لشياطينه .
_ اذهبي لعملك آنستي وحاولي التصرف بشكل لائق وابتعدي عن المشاكل .
وكاد يخطو مجددًا بعيدًا عنها لتهتف هي بضيق وحزن :
_ ظننتك لطيفًا يا المعتصم .
استدار المعتصم نصف استدارة يهتف بجمود :
_ أفضل أن نحتفظ بالالقاب آنستي، ولا أنا لست لطيفًا …
ختم حديثه يتحرك بعيدًا عنها تاركًا إياها ترمق ظهره بعدم رضا قبل أن تتحرك تبحث عن ألطاف لتسلمها العمل…..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ إذن اخي هو من احضرك من عالمك ؟؟
_ بل صامد وصمود .
نفخت تبارك وهي تتذكر صامد وصمود متمتمة بصوت خافت :
_ حمدًا لله أنكِ وصلتي بعقلك .
رفعت عيونها فيما بعد لسلمى وهي تردد بفضول :
_ إذن من أي دولة أنتِ ؟؟
وكان هذا أكثر سؤال غريب تتعرض له منذ مجيئها، فما ادرى أحدهم هنا بأمر الدول والتقسيمات الحديثة في عالمها ؟؟ ويبدو أن تبارك أبصرت كل ما يدور في عقلها إذ ابتسمت تجيب اسئلتها غير المنطوقة :
_ أنا لست من هذا العالم أنا من عالم المفسدين كما يقولون .
اتسعت أعين سلمى بقوة وهي تمر بعيونها على تبارك والتي بدت لها في هذه اللحظة امرأة من هذا العالم، من يراها ويرى طريقة حديثها وحركاتها وثيابها لا يمكن أن يخمن أنها لا تنتمي لهم .
_ ماذا ؟!
_ أنا لست من هذا العالم، زوجي من هنا وليس أنا، أنا من مصر .
فغرت سلمى فاهها تردد بعدم تصديق :
_ مصر ؟؟ أنتِ ؟؟
_ ماذا ؟!
_ أنتِ تبدين كما لو أنكِ وُلدتي وترعرعتي هنا بينهم .
انطلقت ضحكات كهرمان وهي تمد لها بعض الفاكهة والتي وضعت أمامهم بعد انتهاء الطعام :
_ كان عليكِ رؤيتها إذن حين أتت.
ابتسمت سول بسخرية :
_ لا اعتقد أن حالها كان اسوء من حالي الآن .
هزت تبارك رأسها بهدوء تحاول أن توصل لها فكرة ما :
_ إن وصفنا نزعي من بيئة مختلفة ووضعي داخل ساحة حرب وإلزامي تعلم المبارزة والرماية والخيل وما إلى ذلك والتعامل بطريقة لا اعلم عنها شيئًا، ونبذي تقريبًا من الجميع حال افضل، فنعم لم يكن اسوء من حالتك .
شعرت سلمى بالصدمة من حديث تبارك ووصفها لما عاشته :
_ وما الذي اجبرك على كل هذا ؟؟
منحتها تبارك أكثر بسماتها صفاءً :
_ مكافئتي الكبرى التي كانت تنتظرني في نهاية القصة، زوجي الحبيب والذي كان رفيقي في هذه الرحلة منذ البداية، كما أنني لم أكن امتلك الكثير لأعود لأجله.
_ زوجك ؟؟
هزت تبارك رأسها تردد بفخر وعشق :
_ قائد جيوش مملكة سفيد زوجي ….
ابتسمت سلمى دون شعور :
_ أوه يبدو هذا رومانسيًا، لكن عزيزتي أنا لا امتلك ما امتلكتيه أنتِ، ليس لدي مكافئة تنتظرني في نهاية الطريق ولا امتلك من يعينني على تجاوز كل هذا، بالعكس هناك من يعيقني.
علمت كهرمان أنها تتحدث عن أخيها، فابتسمت تقول بهدوء :
_ أعلم أن أرسلان ربما يكون جافًا بعض الشيء، لكن اقسم أنه لا رجل أكثر تفهمًا وحنانًا منه .
ارتسمت السخرية على وجه سلمى وكذلك تبارك ولو كان موزي موجودًا لرسم نفس الملامح، حتى أرسلان نفسه لو سمعها لربما كانت له نفس ردة الفعل .
استاءت كهرمان من سخريتهم الواضحة وأضافت :
_ أرسلان رأى من الحياة ما يسقط جبالًا ورغم ذلك مازال يحتفظ بقلب نقي والله لا يبصرنه سوى القريب منه، أخي قد يمنح حياته فداءً لشخص عزيز عليه ولا يفكر مرتين، هو لا يظهر حنانه وتفهمه للجميع بسبب ما واجه في حياته، لكن هذا لا يعني أنه لا يمتلكهم .
هزت سول رأسها بهدوء شديد ولم تناقشها أو تعترض فهي مؤمنة أن لا شخص يبصر بواطن آخر سوى المقربون فقط وإن قالت أن أخاها هكذا فهو هكذا، أو ربما تبالغ بسبب حبها له، على كلٍ كان أرسلان الحنون المدفون أسفل أطنان العنهجية والتجبر آخر ما تفكر به سول، هي لن تراه على أية حال فهي ستترك المكان وترحل لعالمها الممل .
_ حسنًا ربما لكـــ
وقبل إكمال جملتها سمعوا طرقًا على الباب وصوت أحد من الرجال في الخارج يهتف :
_ الملك يستدعيكم لقاعة الاجتماعات لأمرٍ هام ..
نظرت كهرمان لهما بتعجب شديد لا تفهم سبب استدعاء أخيها لهم وفي قاعة الاجتماعات، لكن رغم ذلك تحركت من مكانها تدعوهم لللحاق بها وسرن صوب القاعة خلفها وسول في الخلف تسير وهي تدرك في قرارة نفسها أن هذا الاستدعاء له علاقة بها .
وصدق حدسها فبمجرد دخولها القاعة شعرت بتحفز البعض رغم أنهم لم يرفعوا أعينهم، ثواني حتى كان أرسلان أول من يرفع رأسه وهو ينظر صوب الباب يهتف بصوت مرحب ونبرة جعلتها تتعجب وكلمات صدمتها :
_ جلالة الملكة أنرتي المكان تفضلي …
رمشت سول بعدم فهم وهي تتقدم، بينما كهرمان نظرت صوب أخيها تحاول معرفة ما يقصد، وإيفان ما يزال جالسًا بوجه مصدوم لا يعي ما يحدث حوله، وسالار فقط يستقبل الصدمات دون رد .
علقت سول على كلماته :
_ جلالة الملكة ؟؟ ماذا ؟؟
_ نعم جلالة الملكة، فزوجة الملك تُمنح لقب ملكة .
اتسعت عيونها تردد بنبرة خطيرة لا تدري سبب ضربات قلبها التي ارتفعت بشكل مخيف :
_ زوجة الملك ؟؟
منحها بسمة صغيرة يهتف بصوت جاد :
_ زوجتي ……

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أسد مشكى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى