روايات

رواية وبها متيم أنا الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا الجزء الثاني والأربعون

رواية وبها متيم أنا البارت الثاني والأربعون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيم أنا الحلقة الثانية والأربعون

أسفل المظلة التي تعمل على حمايتها من أشعة الشمس الحارقة، في هذه المنطقة الساخنة بعمل العمال المتواصل لإنجاز المطلوب والإنتهاء من الوحدات السكانية الجديدة، كانت هي لم تكف بعد عن محاولات الإتصال بشقيقتها، لمعرفة السبب في تأخرها حتى الآن.
رفعت رأسها فجأة على نداء مساعدها:
– ست شهد تحبي نجيبلك غدا معانا ؟
نفت بهز رأسها تقول بعدم تركيز:
– لالا متجيبش حاجة يا عبد الرحيم، أنا أساسًا ماشية، بس انت زود السندوتشات، وجيب كام علبة كانز ساقعة عشان اللجنة اللي على وصول واعمل حساب أمنية معاهم.
– طيب هي فينها؟ مجاتش ليه لحد دلوقتي؟
سؤاله المباشر أعادها لنفس النقطة وهذا القلق الذي بدأ يتزايد بالوقت الذي يمر في انتظارها، بعد أن أخبرتها بقرب الوصول منذ فترة تقارب الساعة.
زفرت لتجدد المحاولة، فجاء هذه المرة الرد ولكن بصوت اخر:
– الوو يا شهد.
قطبت في البداية تكذب الصوت، ثم ما لبثت أن تستعيد شراستها في الرد باستهجان:
– بترد ع التليفون ليه يا أستاذ انت؟ في أمنية أختي؟ خليني اكلمها البت دي؟
– ما هو انا بكلمك عشان كدة يا شهد، أمنية أغمى عليها معايا في السكة وانا مش عارف اتصرف ازاي؟
وصلها الرد بنبرة بدا فيها الجزع، مما جعلها تردد خلفه بارتياع وعدم تصديق:
– اختي أنا اغمي عليها؟ انت بتقول ايه؟
عاد يضيف لها مؤكدًا:
– والنعمة زي ما بقولك كدة، احنا كنا قربنا نوصلك أصلا، بس انا اتفاجأت بيها بتسخسخ من جمبي، وقفت العربية على ناحية اشوف مالها، لقيتها بتشهق ومش عارفة تاخد نفسها، خرجت بيها من العربية لتكون مخنوقة من الحر والسخونة، ودخلت بيها في عمارة مبنية جديد عشان الضلة والهوا يعني، بس بقالي فترة جمبها بهوي بالورقة وافوق فيها، لكن برضوا مفيش فايدة.
بلغ بها الرعب حتى تحركت قدميها نحو سيارتها بدون تفكير، ولسانها يردد بالتوبيخ والاستنكار:
– يخرب عقلك وقاعد ساكت محلك؟ طب روح بيها على أي مستشفى، مستني يجرالها حاجة؟ انت ايه يا أخي؟
واصل يردد بدفاعية:
– واعملها ازاي دي بس يا شهد؟ وانا بصراحة ما اعرفش اي حاجة عن المنطقة الجديدة بتاعتكم دي؟
دلفت لداخل السيارة تشعل محركها لتنهي الجدال قائلة:
– خلاص فوضها، وقولي انتوا فين دلوقتي وانا جاية اخدها، بس اخرج واقف لي في الطريق عشان اعرف مكانكم.
❈-❈-❈
في داخل الحجز النسائي بغرف المراحيض الخاصة، خرجت تجفف شعرها الذي تبلل مع اخذها حمام صباحي، بميزة تتمتع بها عن باقي المسجونات، بفضل النقود التي توزعها بدون حساب على الجميع من أجل خدمتها وتسهيل الأمر لها حتى تخرج من هذا المكان، وقد منحها التعويض السخي من عدي عزام الأمل في نيل الحياة التي تتمناها بعد قضاء العقوبة، التي فرضت عليها قصرًا
تفاجأت بهدوء غريب يعم المكان، ف ارتفعت رأسها تلقائيًا تبحث عن رفيقتها المطيعة:
– بت يا سكسكة انتي روحتي فين؟
حينما لم تجدها، طرقت على عدد من الكابينات المجاورة وحين لم تجد ردًا منها أو من أي صنف من النساء الأخريات زاد الارتياب بقلبها بشعور غير مريح على الإطلاق، ابتعلت لتأخذ القرار سريعًا بالخروج لتستكشف الأمر، ولكنها لم تتمكن فقد تفاجأت بزوج النساء الغبيات الاَتي حاولن معها في بداية دخول السجن ولكنها أوقفتهن بقوتها وبخبرتها في التعامل مع مخضرمات قبلهن من عتاة الإجرام، وذلك ما شجعها لتقابهلن الاَن بصيحة ساخرة، رغم الخوف الذي زحف بقلبها بوجودها وحيدة معهما في المكان الخالي من الجميع على غير العادة.
– اسم الله يا حلوة انتي وهي، واقفين متصدرين قدامي كدة ليه؟ عايزين تاخدولي صورة؟
لم يتفوهن ببنت شفاه، بل ظللن على حالة من الصمت المريب يطالعنها بنظرة فهمتها جيدًا، لا تونبئ بالخير أبدًا، يتقدمن نحوها بخطوات متأنية تزيد من رعبها، ولأنها ذكية وتعلم انها الخاسرة لو حدث واشتركت معهما في الشجار الغير متكافئ على الإطلاق، حزمت امرها للهروب تكتيكيًا:
– دا باين فطار الفول تربس دماغكم، بلا خيبة
قالتها وهي تتحرك ببطء بعيدًا عن محيطهما، حتى كادت تتخاطهم لتعدوا هاربة، ولكنها تفاجأت بالمرأة البدينة تباغتها بأن حاوطتها من خصرها لترفعها كطفلة بيدها قائلة:
– على فين يا حلوة؟ هتهربي برضوا قبل ما نرحب بيكي؟ ولا انتي فاكرانا نسينا الواجب؟
قاومت تضربها بمرفقها، وترفس بقدميها في الهواء مرددة:
– اوعي يا بت، مين دي اللي تناوليها ترحيبك؟ هو انتي خيبتي ولا ايه؟ أوعي كدة بدل ما اضيعك.
التفت لتقابلها المرأة الأخرى قائلة بتشفي:
– ما احنا برضوا كنا فاكرينك كبيرة ع الترحيب، لكن دا كان الأول، قبل ما تيجي الإشارة، دا انتي متوصي عليكي بالجامد.
– مين دا اللي موصي عليا بالجامد؟
سألتها ميرنا بجزع، قبل أن تجفلها المرأة البدينة بدفعة قوية جعلت ظهرها يصطدم بقوة بحائط الحمام الرخامي، فصرخت على أثرها متأوهة:
– ااااه، انتوا مجانين؟
ضحكتا الاثنتان، لتعلق احداهن:
– هو انتي لسة شوفتي جنان؟ واديكي زي ما انتي شايفة اهو، الساحة خالييية، يعني التظبيط هيبقى ع الكيف.
دمدمت بشفاه مرتعشة وقد علمت بصدق نواياهن الخبيثة، وما قد دبر في الخفاء لها:
– بقولكم إيه؟ انا مستعدة اديكم الفلوس اللي انتوا عايزينها، بس بلاش تأذوني، دا انا اللي بيقرب مني بيكسب اوي، تحبوا تشوفوا
قالت الأخيرة وهي تضغ يدها في جب صدرها في الاعلى، لتخرج مجموعة من الأوراق المالية، فتطلعت لها المرأة البدينة تجلجل بضحكة عالية لتردف بحسم:
– هو انتي لسة هتعزمي علينا؟ ما احنا هنشوف بنفسنا.
قالتها كإشارة بدء لتهجم هي والأخرى، يكيلن لها باللكمات والضربات الموجعة في كل انحاء الجسد، وهي غير قادرة على تفادي ما تتلقاه من الاثنتان، وصوت ضرخاتها يصل لخارج المبني، ولكن لا أحد يستطيع المساعدة، حتى رفيقتها سكسكة كانت تستمع بقلة حيلة، ولا تجرؤ على الاقتراب، حتى لا ينالها هي الاخرى نصيب من الضربات.
❈-❈-❈
توقف بسيارته بالقرب من الموقع الذي يعمل به الرجال ، وظلت عينيه تبحث في كل الأنحاء عنها حينما لم يجدها أسفل المظلة الشمسية التي وضعها هو مخصوصًا لها كي يخفف عنها من مشقة المتابعة اليومية في هذا الحر الشديد، انتبه عليه عبد الرحيم فخطا سريعًا نحوه يستقبله بزوق مرحبًا:
– منور يا هندسة، شرفت الموقع وانستنا.
– اهلا يا عبد الرحيم، هي شهد فين؟
سأله بلهفة امتزجت بتوتره، فجاءه الرد سريعًا من الاَخر:
– الست شهد اخدت عربيتها وميشت حالًا، أكيد هتجيب اختها الست أمنية.
تطلع نحو الساعة التي تزين رسغه فخرج صوته بضيق:
– دلوقتي؟ دي اللجنة زمانها على وصول؟ هي إيه اللي أخرها كدة؟
مط شفتيه بعدم معرفة قائلًا:
– الله أعلم حضرتك .
اومأ له حسن لينصرف، وتناول هاتفه يتلاعب بشاشته بغرض الاتصال بها، ولكن وقبل أن يضغط على اسمها، أجفله الاَخر بنداءه:
– اللجنة يا بشمهندس.
نظر نحو ما يشير اليه عبد الرحيم فتأكد من صدق ما أخبره به، مما اضطره لتأجيل الاتصال حتى ينوب عنها في استقبالهم الاَن.
❈-❈-❈
توقفت شهد بسيارتها أمام المبنى الذي كان يقف وينتظرها أمامه، ترجلت منها، لتعدو بخطوات مسرعة نحوه قبل أن تصل إليه وتسأله:
– اختي فين؟
مال برأسه نحو مدخل المبني ليسبقها بالدخول بهدوء مستفز، فلحقت به لتدلف داخله بقلب وجل تبحث بعينيها يمينًا ويسارًا مرددة:
– هي فين؟
سمع منها وتابع يصعد الدرج الأسمنتي الخالي من الحواجز، ثم خرج صوته كتمتمة:
– تعالي ورايا على فوق، انا طلعت بيها على الدور التاني عشان الهوا، الجو هنا كتمة.
تقلصت ملامحها بضيق لتصعد هي الأخرى وتلحق به، دلف لإحدى الغرف ودلفت خلفه تجول بعينيها في أنحاء الغرفة:
– هي فين بالظبط؟ انا مش شايف……
توقفت الكلمات على طرف لسانها فجأة، وقد راودها الشك، فالتفلت رأسها إليه بحدة لتفاجأ به يغلق مدخل الغرفة بإحدى البراميل الثقيلة، والتي يستخدمها العمال عادة في محارة الحوائط والسقف، وذلك بأن أسقطه أمامها،
احتدت عينيها بنظرة نارية نحوه وقد استدركت للفخ ألذي أوقعها فيه، ولكنها ابدًا لن تكون ضعيفة لشخص جبان مثله، ولذلك خرج صوتها بازدراء تخاطبه:
– ايه قصدك م اللي انت بتعمله دا يا ندل؟ يعني كل اللي حاصل ده وقصة اختي وتعبها لعبة منك؟
ضحك يتكئ على البرميل من خلفه ليرد بسخرية:
– لا وحياة عيونك الحلوة ما لعبة، اختك فعلا مختفية ومحدش يعرف بمكانها غيري.
انتفضت والغضب يعصف بها، لتهدر قائلة بعنف:
– بقولك ايه يا ابراهيم، أمور الهبل والشغل اياه ده بتاع الزمان ما يخيلش عليا، فوق لنفسك واصحى كدة للي بيكلمك، اختي فين ياض؟
جلجل بضحكاته ليرد بسخرية:
– لا خوفتيني يا بت، وكشيت في جلدي من الرعب منك، ايه يا معلم يا شهد؟ دا انا المعلم ابراهيم برضوا؟ لتكوني نسيتي يعني؟
رمقته بنظرة متدنية تقارعه بصيحة:
– معلم مين ياض؟ وهي دي برضوا عمايل معملين؟ ما تفوضك من الوهم بتاعك دا ابراهيم، ووسع من طريقي، عشان انا لا عندي مرارة ولا عندي وقت.
ضحك بخشونة وتحشرج اثار تقززها، لينهض فجأة بوجه تحول لطبيعته المتجهمة يعقب قائلًا:
– يعني هتمشي وتسيبي اختك اهو؟ امال ايه حكاية دور الخوف ده اللي رسماه من ساعة ما جيتي ع المحروسة.
– عايز ايه يا ابراهيم ؟
صاحت بها سائلة بانفعال قابله بابتسامة جافة قائلًا:
– عايز نتحاسب يا شهد.
دار حولها يستطرد بفحيح:
– عايز حق الوعد اللي خدته من ابوكي واخلف بيه، حق السنين اللي فضلت مستنكي فيها وبتمنى نظرة رضا، وفي الاَخر ضاع عمري بلاش في انتظارك، أناا عايز حقي فيكي يا بنت المعلم ناصر.
دفعته في الاخيرة بكفيها على صدره ليرتد بأقدامه للخلف وتحركت لتتخطاه وتخرج ولكنه كان الأسبق بأن قبض على مرفقها يهدر غاضبًا:
– عايزة تهربي زي كل مرة وتنفذي اللي في مخك ، طب المرة الاَخيرة وروحتي كتبتي كتابك على البقف اللي بتتحامي فيه هو وعيلته، المرة دي عايزاني اضيع الفرصة عشان ترجعي بعيل.
حاولت نزع ذراعها تنهره كازة على أسنانها:
– سيب إيدي يا حيوان، واللي انت بتقول عليه بقف ده، بكرة هخليه يأدبك.
– دا لو سيبتك تقعدي لبكرة.
قالها ثم التفت ذراعه الأخرى حول خصرها يقربها إليه عنوة، يريد السيطرة عليها، ولكنها باغتته بضربة بركبتها اسفل معدته، أجبرته ليتراجع متأوهًا بألم، يدمدم بسبة وقحة، استغلت الفرصة لتُبعد البرميل لمسافة سمحت لها بالخروج، فهتف مناديًا من خلفها يوقفها:
– طب بلاش اختك مدام مستغنية عنها، مش عايزة تعرفي ابوكي مات ازاي؟
حدجته بنظرة كارهة بوسط الدرج لتردف بتصحيح:
– اختي مش هسيبها وهجيبها من عينك يا حيوان، بس ايه حكاية ابويا ده؟ ماله ابويا؟
ضحك يتمخطر بخطواته يردد بتأني متسليًا بالقلق الذي يرتسم على ملامحها:
– ما هو ده انا اللي عايز افهمولك يا حبيبة قلبي، ان انتي لو خرجتي من المبنى ده، اختك هيتعمل فيها اللي اتعمل في ابوكي، الحج ناصر الدكش، الراجل اللي كان طول وعرض قد الحيطة، لما وقع من سلم الدور الخامس في المبني اللي كان بانيه جديدة وفرحان بيه، لأ ومن سلم زي ده، مفهيوش دربزين.
توقف يقهقه بضحكة، زادت من فزعها، وإحساس الخطر بداخلها يخبرها ان القادم منه ليس بالخير، فأكد لها غامزًا بطرف عينه:
– ايوة يا شهد، اللي في بالك هو اللي حصل؟ ابوكي ماوقعش عشان داخ فجأة وفقد اتزانه زي ما اتشاع يوميها، لا يا قلبي، دا انا اللي زقيته من ضهره عشان اخلص عليه، بعد قفلها في وشي وهددني انه هيجوزك لأي فرد من عيلتك في الصعيد، ولا إنك تجوزيني، ايه رأيك بقى اعيد الكرة من تاني مع اختك، وبرضوا الحجة موجودة والشهود مفيش أكتر منهم………
– يا أبن ال…….
صرخت بها تعود مرة أخرى لتهجم عليه بقبضتيها، أو تفتح كفيها لتنهش جلد وجهه بأظافرها، مرددة بانهيار:
– أنا هموتك، انا هاخد حق ابويا منك يا جاحد يا عديم الرحمة، يا حيوااان.
وكأنه كان في انتظارها، تلقف كفيها الاثنان ليديرهم لخلف ظهرها، ليقبض على الاثنان بين قبضته القوية، فتكلم بنية واضحة للغدر، وذراعه الاَخر يجاهد للسيطرة على تشنج جسدها الذي يقاومه بعنف:
– المرة دي مش هسيبك يا شهد غير وانا واخد حق كل السنين اللي فاتت، وبعدها ليكي القرار، يا ترجعي لعقلك معايا وتتجوزيني، يا تروحي للمهندس بعد انا ما اخد غرضي منك.
صرخت تضرب بقدميها وتهاجمه بكل خليه من أعضائها، تناشد من ربها القوة تريد الأخذ بثأر أبيها من هذا القاتل الذي يحاول الاَن سلبها أعز ما تملك، مستغلًا قوة بدنه الهائلة عنها، وصراخها يصدر بزمجرة لبوة شرسة محبوسة في قفصها:
– أنا هخلص عليك ، هندمك عمرك له يا ابراهيم.
ضغط ليرفعها من فخذها، فيحملها ويسير بها نحو الغرفة التي وجدها أمامه، مرددًا بعزم:
– متحاوليش يا شهد، انا النهاردة يا قاتل يا مقتول.
– مقتول.
صدرت فجأة مع ضربة على رأسهِ بقالب من الطوب، وخر على أثرها صريعًا على الأرض مضرجًا في دمائه أسفل أقدامها.
تطلعت إليه برعب ثم ارتفعت عينيها خلفه لتفاجأ بشقيقتها، تهتز بوقفتها بعدم اتزان وكأنها مضروبة على رأسها هي الأخرى وقبل ان تسألها ما بها، وجدتها تسقط امامها على الارض فاقدة للوعي، صرخت عليها بجزع:
– أمنية،، مالك؟ عمل فيكي ايه الزفت ده؟
حينما لم تجد منها ردًا، تناولت هاتفها تتصل عليه، وكان رده كالعادة سريعًا:
– أيوة يا شهد انتي فين؟ انا بقالي ساعة بتصل بيكي.
– الوو يا حسن، تعالي اللحقني.
❈-❈-❈
في وقت لاحق
فتحت جفنيها للنور اخيرًا، ووعيها يعود تدرجيًا، فتتضح الصورة رويدًا رويدًا، والدتها تخبئ وجهها بطرحتها ولا تكف عن البكاء، شهد على أحد المقاعد يضمها زوجها بذراعه وكأنه يخفف عنها، شقيقتها الصغرى من الناحية الأخرى جالسة بالقرب منها، وقد كانت الاولى التي تنتبه عليها:
– أمنية انتي فوقتي؟
قالتها رؤى، فنهض الجميع ليلتفوا حولها، وأولهم كانت شهد التي جلست على طرف التخت سائلة بقلق:
– عاملة ايه دلوقتي؟ دماغك لسة تعباكي؟
بذكر الأخيرة، تذكرت لترفع يدها إلى جبهتها تتحسس الرباط الطبي فخرج تأوهًا منها:
– اه.
يا بت متلمسيهاش عشان متتعابيش
هتفت بها نرجس، فخرج السؤال من أمنية:
– هو انا لسة دماغي تعبانة؟
– الف سلامة عليكي يا أمنية، احمدي ربنا انها جات على كدة وربنا نجاكي.
قالها حسن، لتضيف عليه رؤى بسؤالها:
– هو انتي ايه اللي حصلك؟ الزفت ابراهيم عمل ايه معاكي؟
بسؤالها المباشر عادت أمنية لتنشيط ذاكرتها من الأفكار المتزاحمة حتى وصلت لنقطة البداية وقت ما كانت بداخل السيارة معه في الأمام حينما توقف بها أمام احدى الاَبنية الجديدة.
“- وقفت ليه يا ابراهيم؟
عادت بسؤاله مرة أخرى والريبة تتسرب داخلها منه، ليفاجأها باقتراب رأسه منها يتطلع لها بتمعن قائلًا:
– هو انتي عنيكي حلوة النهاردة؟ ولا الشمس هي اللي منوراكي؟
– ها.
أربكها بقوله فمن من الإناث لا تتأثر بكلمات الغزل؟ تلجلجت وزحفت السخونة لوجنتيها وقد أخجلها هذا القرب المفاجئ، وقبل أن تتمكن من تجميع كلمة مفيدة باغتها بضربة غادرة من رأسه القوية بجبهتها أفقدتها الوعي على الفور، فلم تشعر بنفسها، إلا بعد وقت لا تذكره.
لتجد نفسها نائمة على أرض قاسية، بغرفة غريبة، ومكشوفة، لا بها نافذة ولا باب يستر، رفعت رأسها ولكن الألم اشتد بها، متأوهة بوجع صعب الاحتمال، عادت لتحاول مساعدة نفسها بالأستناد على مرفقها وذراعيها ولكن الدوار الشديد كان يعود بها لنفس الوضع، حتى وصلها صوت حديث رجل وامرأة، ركزت بنصف وعي فعلمت أنها شهد والملعون ابن خالتها، همت بالنداء ولكن مع الانتباه لذكر السبب خلف موت والدها، أنصتت جيدًا لكل حرف اردف به هذا المعتوه بدم بارد حول قتله للرجل مع سبق الاصرار والترصد.
غلت الدماء برأسها الموجوع وغامت عينيها بدموع القهر، ثم عجزها في الرد ومساندة شقيقتها التي كانت تصرخ بنار الانتقام، ومحاولة هذا المهوس للنيل منها، فكانت الفرصة حينما شعرت باقترابه من غرفتها، وبإرادة لم تعرف أين أتتها رفعت نفسها، تمسك قالبًا من الطوب كان ضمن مجموعة بالقرب منها، وما أن دلف إليها غير منتبها لها، فقد كان منشغلًا بشهد بتهديده ووعيده، حتى امتدت ذراعيها بالقالب تستقبله بضربه على خلف رأسه، تأخذ ثأر أبيها منه”
– سكتي ليه يا أمنية؟ هو انتي مش فاكرة اللي حصل؟
سألتها شهد تنتشلها من شرودها، فرمقتها هي لمدة من الوقت بنظرات مشبعة بالندم، قبل أن تتمالك وتجيبها:
– لأ فاكرة طبعًا، وهحكي بكل اللي حصل، بس كنت عايزة اعرف الأول، جراله إيه؟
أجابتها نرجس باكية، وبنبرة مكذبة لرواية شهد عما حدث:
– ابن خالتك بين الحيا والموت، في مستشفى تبع البوليس اللي متحفظ عليه، عشان لما يقوم منها يحبسووه.
أشاحت شهد بوجهها عنها تزفر بقنوط وعدم تحمل لغباء هذه المرأة، وارتفعت عينيها الى حسن تنشد منه الدعم كالعادة وهو لا يتأخر، قبل أن ينتبه معها على قول أمنية الحاسم:
– ابن خالتي كان بيتهجم على اختي ياما، بعد ما اعترف لها بنفسه انه قتل ابويا، واخدة بالك ياما؟ انا كنت هتجوز اللي قتل ابويا.
❈-❈-❈
بملامح مشتدة، مبتعدًا تمامًا عن هدوءه المعتاد، هدر غير اَبهًا بهيئته وبوضعه كمدير الفندق وصاحب الأملاك الغير معلوم عددها:
– ازاي يعني مجاتش؟ هي فوضى؟ أي موظف في الفندق هنا يغيب على كيفه، ويجي وقت ما يحب.
كظم حمدي بصعوبة يخفي حنقه من هذا الهجوم الغير مبرر، ليرد بلهجة عملية:
– حضرتك هي قدمت استقالتها امبارح يعني……
قاطعه بعنف متابعًا:
– بس انت قولت انك لسة مقابلتهاش .
– دا كان امبارح.
هتف بها بعجالة قبل أن يتابع بما زاد من حقد الاَخر:
– انا كنت فعلًا مقرر مقبلش، بس النهاردة لما جه شادي خطيبها وقدم استقالته هو راخر ومعاها المبررات، اضطريت اقبلهم هما الاتنين.
احتدت عينيه ليتابع بصياحه بغضب لم يعد يخفيه:
– كماان، دي بقت فوضى بجد بقى؟ في ايه يا استاذ انت؟ بتمضي للغبي ده من قبل حتى ما نلاقي اللي يسد مكانه؟ لا دا انتوا متفقين عليا بقى، هو يعمل اللي كيفه ويخلق سلطة من الهوا تمكنه انه يمشي من الفندق ومعاه صبا، وانت تنفذ مغمض عنيك من غير ما تراعي المصلحة العليا للمكان اللي بتاكل منه عيش.
بالغ في افراغ سخطه في الاخر والذي فاض به، ليرد مكفهر الوجه غير عابئًا بمركزه:
– عدي باشا ارجوك، انا مش موظف صغير ولا تحت التمرين عشان تعاملني بالأسلوب ده، على العموم انا اتصرفت في حدود السلطة اللي بتمناحهالي وظيفتي، ولو حضرتك شايف ان في تعدي أو تقصير مني، تقدر اوي ترفدني، عن اذنك.
قالها وذهب مغادرًا دون استئذان، زمجر عدي من خلفه ليدفع بيده مجموعة من الأوراق والملفات ويسقطها أرضًا، وغليل صدره يجعله يود إحراق الفندق بمن فيه، استدرك ليتناول هاتفه سريعًا متصلًا بأحد الأرقام، وجاء الرد سريعًا:
– عدي باشا، دا انا كنت حالا هتصل بيك، وابشرك، اللي انت أمرت بيه تم وتمام التمام، المحروسة أدبوها صح.
زفر بشعور يقارب الإرتياح والتشفي قائلًا:
– كويس كويس أوي
❈-❈-❈
على مقاعد الانتظار في الردهة الشاسعة بالمشفى كانت مستريحة واضعة برأسها على كتف ذراعه، وكفها داخل كفه، يغمرها دفئه، وصوته الحنون يبث بداخلها الأمان:
– مش عايزك تخافي من أي شيء تاني يا شهد، انا جمبك وعمري ما هسمح لأي حاجة تاني تأذيكي، بس كمان انتي لازم تثقي فيا!
اعتدلت برأسها تخاطبه باستغراب:
– ليه بتقول كدة يا حسن؟ هو انت شايفني مش واثقة فيك؟
زم شفتيه وبنظره تحمل بداخلها العتب، رد يجيبها:
– بلاش اتكلم يا شهد وانتي لسة في الحالة دي؟ انا ماسك نفسي بالعافية.
– لا يا حسن متمسكهاش، اتكلم وطلع اللي في قلبك.
قالتها بأسلوب أجبره على الرد، فقال يكبح بصعوبة مشاعر الغضب المتأججة بداخله:
– لو ع اللي في قلبي، ف انا زعلان منك يا شهد، عشان كان لازم تبلغيني قبل ما تتحركي، أو على الأقل كنتي ادتيني فكرة، يعني لو مكنتش أمنية موجودة في الوقت ده لا قدر الله، الله أعلم وقتها كان هيحصلك ايه مع الحيوان ده.
انا كل ما دماغي تتخيل السيناريو الأسوء، بحس بنار بتاكل في جسمي، ماسك نفسي معاكي بالعافية يا شهد عشان مش عايز ازود عليكي.
وصلها مقصده، واستدركت اخيرًا لما غفلت عنه في غمرة الأحداث المتوالية، لديه كل الحق في أن يغضب، وهي من واجبها الاعتذار، يكفيها لحظات الدعم التي لم يبخل بها عنها ولو لحظة من وقت قدومه لنجدتها سابقًا رجال الشرطة، ورغم كل ما يحمله من عتب نحوها.
فخرج صوتها بأسف كي تراضيه:
– سامحني يا حسن، بس انا دماغي وقفت ساعتها عن التفكير، وكل اللي كان هامنني هو اختي.
تقبل أسفها بتفهم قائلًا:
– شيء طبيعي إن يبقى دا إحساسك، بس اللي مش طبيعي هو صفة الاستقلالية اللي لسة متمسكة بيها حتى بعد مابقينا واحد انا وانتي، افهمي بقى ان كل اللي يهمك يهمني واللي يسعدك يسعدني واللي يحزنك يحزني انا كمان، اقتنعتي بقى يا شهد؟
– اقتنعت يا عيون شهد وفهمت كل كلمة قولتلها، ربنا ما يحرمني منك.
قالتها ثم لفت ذراعيها حول ساعده، لتعود إليه وتريح رأسها على حصن أمانها، ومصدر السعادة الذي كان مخزنًا في انتظارها.
❈-❈-❈
بداخل الشرفة التي دخلتها خلسة، وقفت تنتظره على حسب الاتفاق، بعد أن اتصل بيها يريد رؤيتها ضروري، لم تُكمل دقيقة حتى أتى إليها مسرعًا ليتوقف فجأة ينظر لوجهها البهي والذي اشتاق إليه بصورة موجعة طوال الساعات الماضية بعد أن حرم من رؤياها.
القى التحية بقلب يضرب كمطارق في صدره:
– مساء الفل والورد والياسمين.
تبسمت بخجل لتزيد من عذابه بصوتها الذي يهمس برقة:
– مساء الخير، عامل ايه بجى؟
رد بوجه عابس كطفل
– أناا، أنا في حالة ما يعلم بيها غير ربنا يا صبا، قاعد على نار مستني كلمة من والدك، يا يحيني يا يموتني.
– بعد الشر عليك.
تمتمت بها بدون تفكير، واستدركت حين رأت ابتسامته لتتراجع سريعًا مردفة:
– انا جصدي يعني متفولش على نفسك.
زاد اتساع ابتسامته مع انتباهه للمحة الخجل التي اعتلت تعابيرها فقال بنفاذ صبر:
– وبعدين بقى، الله يرضى عنك حاولي معاه خليه يريحني، خليني أدخل البيت من بابه بدل ما انا عامل كدة زي العيال المراهقين.
بابتسامة مستترة عادت لمكرها تلاعبه:
– وه واحاول كيف معاه يعني؟ ما انا جولتلك من الأول ، الرأي رأي ابويا، أنا مليش كلمة.
صدرت الاخيرة بدلال جعله يردد خلفها بتسلية:
– يا شيخة، اه صح ما انا مصدقك، بس برضوا يا صبا، مفيش ضرر تحاولي مع السيد الولد او الست زبيدة، وتحنوا على جاركم الغلبان، دا انا حتى ابويا ميت والله ، وامي ست تعبانة.
اومأت تحرك رأسها بتفاهم، وهي تضحك بصوت مكتوم حتى ظهرت أسنانها البيضاء، وهو يشاركها بابتهاج يكاد يوقف قلبه من السعادة، حتى انتفضا الاثنان على الصوت القريب لوالدها فارتد للخلف بظهره يومئ لها بكف يده لتعود هي الأخرى قبل أن يدخل والدها، اذعنت لأمره، ولكن وقبل أن تخرج من الغرفة تفاجأت به يدفع الباب ويلج اليها، ليخاطبها متفاجئًا هو الاخر ويسألها:
– صبا، بتعملي ايه يا بت هنا في أوضتي؟
أخفت ارتباكها لتجيبه بلهجة تبدوا عادية:
– ولا حاجة يا بوي، انا كنت بس بطبج الهدوم واحطها في الدولاب، عن اذنك.
هربت على الفور من أمامه، وظل هو يطالع اثرها لفترة من الوقت، قبل أن ينتبه على ستائر الشرفة المفتوحة، ليعض على لسانه ويغمغم بفراسة اختلطت بغيظه:
– اه يا بت ال… الفرطوس
❈-❈-❈
بعد تناول وجبة الغذاء، وفي جلسة عائلية ضمت الأبناء مع والديهم، لارتشاف الشاي الذي أعدته صبا، والذي أثنى عليه شقيقها الأكبر قائلًا بمزاح:
– الله يا بت يا صبا، كوباية حبر تعدل المزاج صح، هو
دا بس اللي فالحة يا مضروبة الدم.
ضحك الجميع وردت هي تقارعه بشقاوة:
– حرام عليك يا حجازي، يعني هي دي فكرتك عني، طب مخدتش بالك من طبج السلطة اللي عملته، والا اللحمة اللي حمرتها لحد السمنة ما نترت على يدي.
قهقه خلفها مع الباقين ليعلق ساخرًا:
– لا كتر خيرك يا ستي، ظلمتك انا يا بت ابوي، مكنتش اعرف انك اتطورتي كدة .
تدخل فراج يردد بمناكفة لا يتخلى عنها ابدًا في التعامل معها:
– انا من يومي اجول عليها خايبة ولا عمرها هتفلح، اهي دي نتيجة الجلع.
سمعت منه واحتدت ترد على قوله بغيظ رغم الابتسامة الذى غزت افواه الجميع:
– لم نفسك يا فراج وبطل غلاستك، ولا انت تموت لو ناكشتني؟
ضحك يكيدها مرددًا:
– اديكي جولتيها بنفسك، انا بستمخ لما انكشك، بس كمان انا مغلطتش، انتي لازم تتعلمي حتى عشان لما تروحي بيتك تخدمي نفسك وجوزك، الحلا والجمال، مش كل حاجة يا بت أبوي.
التوى ثغرها بحنق، لا تقوى على الجدال معه في هذه النقطة التي اقتنعت بها منذ فترة طويلة، ولكن تعلمها يسير بصورة بطيئة، مع محاولات الفشل المتكررة منها.
تدخل حجازي يلطف بدعابة:
– لا ما هي لو خدت اللي بيحبها هيصبر عليها ويفوتلها يا واد ابوي، مش جالك المثل، حبيبك يبلعلك الظلط، وعدوك يتمنالك الغلط.
اومأت زبيدة تدلي بدلوها هي الأخرى لكن بمكر:.
– ايوة يا ولدي، خصوصًا كمان لما يكون عارف الصفة دي عنها من الأول، ومع ذلك راضي وموافق.
أومأ حجازي بغمزة بطرف عيناه مرددًا بمغزى:
– ايوة بجى يا ست زبيدة، وكمان لما يبجى واجع على بوزه، هتعك كد ما تعك برضوا هيجول الله.
رمقته باندهاش اختلط بخجلها الذي كان واضحًا كضوء الشمس رغم محاولاتها إنكار ما وصل بذهنها من تلميح:
– في إيه يا حجازي؟ انت بتتكلم كدة وكأنه موجود، مش لما ياجي صاحب النصيب.
اندمج فراج في اللعبة يسألها:
– يعني انتي شايفة انه مجاش؟
ردت على سؤاله بسؤال متحفزة:
– جصدك إيه فراج انت كمان؟
ضحك يزيد من غيظها مع نظرات الاَخرين الكاشفة لها، حتى تدخل والدها بحزم قائلًا:
– فوضها انت وهو وجيبوا معاها من الاَخر، انتي يا بت موافجة ع اللي اسمه شادي ده ولا لأ؟
– ها.
تمتمت بها في البداية مجفلة من السؤال المباشر، قبل أن تستعيد شخصيتها العنيدة في الرد:
– وانا مالي بالكلام ده يا بوي، ما انا جولتلك من الأول ان الرأي رأيك؟
اقترب برأسهِ منها يخاطبها بخبث:
– يعني لو رفضته مش هتزعلي يا عين ابوكي؟
بهتت وانسحبت الدماء من وجهها، وطالعته برعب لم يخفى عليهم حتى نهضت بكبرياء زائف:
– انا جايمة وسايبهالكم يا بوي وانتوا حرين.
جرت اقدامها لتنسحب تاركة الأمر لهما، واندست خلف جدار الطرقة الفاصلة المؤدية للحمام والمطبخ، وبقلب وجل كانت تراقب الحديث الذي دار من خلفها، والذي بادر ببدايته فراج بصراحته الفجة:
– ما تفوضها يا بوي ورد ع الواد ده، ان كان بأيوة ولا لأ.
ردت والدته برفض:
– ولاه ليه بجى؟ ما الراجل زين وتمام التمام.
– بس غريب يا زبيدة.
هتف بها زوجها ضاربًا بكفه على فخذه، فقارعه حجازي بقوله:
– يعني هو كان غريب ع الملة يا بوي، ما كلنا ولاد تسعة ومدام راجل زين ايه عيبه يا بس؟ راضي بيها ومجدر الظروف.
زفر يشيح بوجهه للجهة الأخرى باعتراض، فتابعت زوجته بصوتها الهادئ تخاطبه برقة:
– خلاص يا ابو لية، متحبكهاش، هي الناس كل يوم بتلاجي عريس زين لبنتتها، ومدام راجل وبيشيل المسؤلية، دا غير ان أخلاجه عالية وهيصون بتك، دي نعمة وحرام نرفصها برجلنا.
نظر إليها بملامح ممتعضة، فزاد حجازي من ضغطه:
– جول أمين يا ابو ليلة وخلينا نلزها البت دي، انت عارفاها دماغها مركوب جديم، ومش هترضى بأي حد، زيحها بجى عشان تبجى خلصت رسالتك وتروح الحجة الكبيرة مع زبيدة حبيبتك.
تبسمت زبيدة بخجل وجاء رد مسعود الذي أحرج هو الاَخر، متمتمًا بسبة:
– اه يا بن الكلب….
ضحك الجميع خلفه ليأخذ وقته قليلًا في التفكير، قبل يرد اخيرًا من تحت أسنانه:
– خلاص غوروا واعملوا اللي عايزين تعملوه.
سمع منه فراج ليهلل بفرح:
– الله أكبر، خلونا نفرح.
تبسم حجازي برضا، وغمغمت زبيدة بغبطة تغمرها:
– هاين عليا ازغرط والله.
– أوعي يا مرة، خلي كل حاجة لما تبجى في وجتها، لا يجولوا علينا مدلوجين.
قالها مسعود لينهيها بحزم، وفي الناحية الأخرى خلف الجدار كان قلبها يتراقص بفرح حقيقي، وقد تحقق اخيرًا مبتغاها، في الارتباط برجل يعشقها وتعشقه.
❈-❈-❈
وفي المساء كانت الجلسة التي جمعت الأسرتين، مجيدة وابنائها الاثنان، في ضيافة طارق الذي حضر اليوم كرجل العائلة؛ الذي يختص معه التحدث في أمر شقيقته والتي كانت جالسة بأدب بجواره والدتها التي لم تتوقف عن الترحيب:
– انتوا نورتونا والله.
– يا حبيبتي دا نورك، عشان تعرفي بس، انا الزيارة دي كنت متأكدة انها هتحصل يعني هتحصل.
قالتها مجيدة فضحكت لتثير الابتسام على وجه الجميع وعلقت أنيسة ضاحكة:
– انتي هتقوليلي، ما انا عارفاكي، اللي في دماغك، بتنفذيه يعني بتنفذيه.
شهقت تعترض ببرائة:
– وانا برضوا عملت حاجة يا اختي؟ دي كلها امور نصيب، بس اقولك، كفاية النسب الحلو، والجدع الامير ده اللي حاضر معانا ، احنا اتشرفنا بيك يا استاذ طارق.
بابتسامة صادقة رد يجيبها:
– الشرف لينا يا ست مجيدة، حضرة الظابط تاريخ مشرف، والمهندس اكيد ميتخيرش عنه، انا بس لولا عندي ظروف خاصة لكنت خليت المدام تحضر هي كمان وترحب بيكم، دي فرحت اوي اول اما جيبتلها سيرة عن حضرة الظابط، فاكرها يا أمين؟
رد يجيبه بمودة خالصة:
– طبعًا فاكرها، مدام كاميليا من أكتر الشخصيات المحترمة اللي قابلتها في حياتي.
تدخل حسن قائلًا بمرح:
– طيب انا شايف ان الاجواء حلوة والعرسان ما شاء الله عليهم، انا بقول نقرا الفاتحة بقى، واي حاجة بعد كدة في الاتفاقات المعروفة مش هنعترض عليها، ولا انتوا رأيكم؟
– التف طارق نحو انيسة التي أومأت موافقة بابتسامة، وردت لينا برقة أذهلته:
– اللي تشوفه يا أبيه طارق.
رفع شفته مغمغمًا باستغراب لرقتها المفاجئة:
– ابيه!
استدرك بعد ذلك ليرد بابتهاج حقيقي:
– أكيد طبعًا مش هنختلف، نقرأ الفاتحة..

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى