روايات

رواية وريث آل نصران الفصل الثالث عشر 13 بقلم فاطمة عبدالمنعم

رواية وريث آل نصران الفصل الثالث عشر 13 بقلم فاطمة عبدالمنعم

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث عشر

رواية وريث آل نصران البارت الثالث عشر

وريث آل نصران
وريث آل نصران

رواية وريث آل نصران الحلقة الثالثة عشر

13=الفصل الثالث عشر (القاتل معلوم)
بسم الله الرحمن الرحيم
إنه العجز، حين تقف حائرا في المنتصف لا تعلم ماذا تفعل، تقف مشتتا تحاول إدراك ما يحدث ولكنك تجد كل شيء يدفعك بقوة نحو الاختيار، الاختيار إنه الرفاهية الكاذبة، والخطوة الحاسمة في طريق حياتنا وإما أن نخطها أو نضيع.
هرول “طاهر” ليحاول فض هذا الاشتباك المشتعل بين زوجته السابقة و الشقيقتين… كانت “ملك” تحاول فصلهما ولكن جهدها لم ينفع بشيء، حيث توقفا من أنفسهما حين لمحت “فريدة” القادم نحوهما
استطاع سماع “شهد” وهي تقول بانفعال:
تعالى شوف المجنونة اللي جاية ترمي بلاها عليا دي.
_ايه اللي جابك هنا يا “فريدة” ؟
كان سؤاله صارما، وسهام من الحدة انطلقت من عينيه إلى “فريدة” خاصة وهي تسأل بعتاب:
هي دي اللي مقابلتنيش امبارح علشان كنتوا سوا،
مكنتش أعرف إن ذوقك نزل كده.
تدخلت “ملك” تدافع عن شقيقتها بغضب:
لا كده كتير أوي، أنتِ عمالة تغلطي من ساعة ما جيتي
كفاية كده بقى.
هنا تحركت “شهد” من خلف شقيقتها واتجهت لتقف في منتصف “فريدة” و “طاهر” وهي تقول:
اسمع يا كابتن أنا لحد دلوقتي ما عملتش فيها حاجة ومحترمة وقفتك أنت والحاج “نصران” كانت تشير على “نصران” القادم وتابعت:
لكن غلطة كمان منها مش هحترم حد خالص… دي جاية تتهمني في بيتي.
كان قد وصل “نصران” الذي سأل وعيناه تتأمل الجميع:
إيه اللي حصل؟
_امشي من هنا يا “فريدة”.
قالها ” طاهر” بانزعاج حقيقي مما حدث فحاولت التحدث وهي تقول:
طاهر أنا مقدرتش…
قاطعها يقول بنبرة أعلى كانت الحدة صديقتها:
قولت تمشي من هنا، و على فكرة أنتِ طليقتي مش مراتي ودي حاجة أحب أفكرك بيها علشان شكلك ناسياها.
قالت بنبرة باكية كساها الرجاء:
طب فهمني.
أشار “طاهر” على “شهد” و بدأ الشرح بانفعال:
أنسة “شهد” كانت تعبانة و اصحابها اتصلوا بوالدتها تبعت حد ياخدها من الشارع وأنا اللي عرضت المساعدة وإني أروح أجيبها
نظر لفريدة هذه المرة بتحدي متابعا:
عرفتي اللي حصل؟… اتفضلي اعتذريلها بقى.
رمقتها “شهد” بانتصار و لم يتحدث “نصران” حين رأى أن “طاهر” يدير الأمر جيدا ولكن “فريدة” أردفت بكبرياء:
أنا مش هعتذر يا “طاهر” علشان مش ده اللي حصل.
جذبها من مرفقها متجها بها ناحية سيارتها وهو يقول:
طالما مش مصدقاني، وعملتي اللي في دماغك،
وجيتي تهينيها في بيتها… يبقى تمشي من هنا وما اشوفش وشك تاني.
تركها أمام سيارتها و عاد إلى حيث يقف “نصران” فلم يجد “شهد” فقط وجد “ملك” فسألها باهتمام:
هي راحت فين؟… ولو سمحتي تقوليلي “فريدة” قالت إيه بالظبط؟
أجابته وهي تحاول استدعاء بعض من هدوئها:
طلعت فوق.
قالت كلماتها ثم قصت عليه وعلى والده ما رأت من “فريدة” و ما إن انتهت حتى وجدت والدتها تنزل مهرولة وتحدثت:
أختك مالها؟… طالعة عاملة كده ليه؟
نظرت “ملك” لطاهر ووالده بحرج فقال “نصران” مهدئا:
محصلش حاجة يا ست هادية، سوء تفاهم بين شهد و طليقة “طاهر”… نادي بس “شهد” واحنا هنراضيها.
شعرت بأن الحديث به شيء ما خطأ فقالت مستفسرة:
إيه سوء التفاهم اللي بين بنتي وطليقتك؟… هي تعرفها منين أصلا؟
_ما تجيبي يا ” ملك” كرسي هفضل واقف ولا إيه؟
سأل “نصران” مبتسما فتحركت ” ملك” تجلب لهم المقاعد قائلة:
لا طبعا يا عمو اتفضلوا.
دخلوا الحانة، وجلس “نصران” على أحد المقاعد المتواجدة بالداخل وهو يقول:
اطلعي يا “ملك” اندهي شهد.
نظرت لوالدتها بتردد ولكنه كرر طلبه فتحركت مغادرة لتحضر لهم شقيقتها التي بالتأكيد أصابتها نوبة غضب قاتلة.
حضرت بعد فترة ومعها شقيقتها لتجد “عيسى” قد حضر هو الآخر ولكنه على غير العادة لا تنتقل نظرته الغير مبالية بين الجميع، بل شارد في نقطة ما.
قبل أن يقول أحدهم أي شيء قالت “شهد” التي استعدت للخروج:
ماما أنا هروح الكلية، عندي محاضرة واحدة بس كمان أقل من ساعة وهرجع علطول.
كانت ستعترض ولكن إصرار “شهد” واضح، هي تريد معرفة ما حدث تفصيليا ولن تعرف ذلك إلا بالذهاب لذا قالت برجاء قبل أن تعلن والدتها الرفض:
مش هتأخر والله.
استأذن “طاهر” من والدتها أولا:
هوصلها بعد إذن حضرتك.
رمقتها بضجر، بينما هي كانت تعدل من وضع حقيبتها حين قالت “هادية”:
ماشي.
خرجت من الحانة ناطقة بضجر لم يسمعه إلا هو الذي قام للذهاب خلفها:
أنا مش عايزة حد يوصلني.
كانت تسير بسرعة كبيرة ولاحقها هو حتى استطاع اعتراض طريقها متحدثا بانزعاج:
أنا مش بلعب معاكي.
_وأنا قولت مش هركب…ولتاني مرة بقولك أنا لو شوفت الست دي تاني مش هتاخدها من عندنا سليمة.
قالت كلماتها محذرة ففتح باب سيارته طالبا:
طب اركبي وأنا هفهمك اللي حصل امبارح.
رمقته أولا بضيق، ثم زفرت أخيرا وقد وافقت وتحركت نحو السيارة تركب في مقعدها، جلس هو في مقعده وبدأ القيادة وقد كان صديقهم في الطريق حديثه عن ما حدث أمس، وصل إلى نقطة بعينها وتابع:
هي اتصلت بيا وحضرتك فتحتي في الضحك، وقولتي مين فريدة دي حرام مجبتهاش معانا ليه.
فتحت عينيها على وسعيهما فقد وقع عليها ما يقول كدلو ماء بارد وزاد تشتتها سؤاله:
أنا عايز أعرف بقى أنتِ كنتي شاربة إيه امبارح ومتقوليش برتقال.
_والله العظيم ما شربت غيره.
قالتها بصدق، وهي تحاول التفكير في سبب لحدوث كل هذا وساعدها في ذلك قوله:
أنتِ مين الناس اللي كنتي في الحفلة بتاعتهم دول؟
علاقتك بيهم قوية يعني؟
هل وضع لها أحدهم شيء، من فعلها ولماذا فعلها لم تفق من شرودها إلا حين توقفت سيارته أمام جامعتها فقالت:
لا علاقتي بيهم على الحياد.
_عموما أنا مقولتش لوالدتك حاجة عن الحفلة، أنا قولتلها إنك كنتي مع صاحبتك.
حين قال هذا استدارت تشكره بامتنان:
أيوه مريم قالتلي أول ما صحيت، وأنا قولت نفس الكلام…شكرا.
ابتسم وتحدث معتذرا:
أنا اللي أسف على اللي “فريدة” عملته متزعليش.
لم تكن منتبهة له بل كانت ترمق مبنى الكلية بخوف قدم من داخلها وصارحته بذلك وهي تقول:
أنا خايفة أدخل، حاسة إن في حاجة جوا وحشة.
_تحبي أروحك؟
عرض عليها عل هذا يقتل خوفها ولكنها أردفت:
ما أنا لازم أدخل علشان أعرف إيه اللي حصل امبارح.
تنهد بحيرة، لا يعلم كيف يساعدها فقال:
أنا مش عارف أساعدك ازاي…. تحبي أستناكي طيب؟
سألته بأمل برز في عينيها:
بجد ينفع؟
ابتسم قبل أن يجاوبها:
ينفع طبعا…اعتبريه اعتذار مني عن اللي حصل من “فريدة”.
نزلت بفرح وقد شعرت بأن خوفها قل كثيرا بمجرد أن دخل عقلها فكرة أن أحدهم ينتظرها في الخارج، هناك داعم في الخارج كصغير يطمئن بوجود والدته خارج المدرسة وهو يؤدي امتحانه، تحركت خطوتين ثم عادت له مجددا تسأله:
أنا لقيت ورد على ال…
ضحك عاليا و تحدث مازحا:
لا ده كان بتاع ” فريدة” المفروض هقابلها بيه،
بس أنتِ صممتي تاخديه.
شعرت بالحرج فعليا، ثم ابتسمت قبل أن تنطق:
كده أنا اللي المفروض أقول أسفة.
هل يقول أنه لا يشعر بالغضب من ناحيتها، وكأن تجمعهما أمس وإلغاء موعده مع “فريدة” كان إشارة لغلق هذا الباب، لم يكن حزين وهي تأخذ الزهور بدلا عن “فريدة” بل كان في قمة رضاه… رضا لم يشعر به وهو يشتري الورود من أجل “فريدة” لذا التقت عيناه بخاصتها وهو يقول:
هو أنتِ مجنونة، وكنتي هتوديني في داهية امبارح…
بس أنا مش زعلان منك
ابتسمت فتابع هو يحثها:
يلا ادخلي وأنا مستنيكي.
تحركت مغادرة وقد لوحت له قبل أن ترحل إلى حيث تخشى، هي تعلم أنهم فعلوا شيء ولكن ماذا هو، ولماذا… فليس لديها أجوبة، ليس لديها إلا…
الانتظار.
★★★★★★★***★
أنزل “نصران” كوب الشاي الساخن ووضعه على الطاولة محدثا “ملك”:
فهمتي كده الشغل هيبقى ازاي؟
هزت رأسها مؤكدة على إدراكها، فقال لها:
طب أنا هخلي ” عيسى” يجبلك ورق الشغل… لاحظ نظراتها ووالدتها ناحية ابنه فوجده شارد وكأنه انتقل إلى عالم آخر لذا سأل منبها:
“عيسى” أنت معايا؟
_أنا هنزل القاهرة.
قالها فجأة مما جعل الاستغراب يكسو الأجواء فوضح:
عندي مشاكل في الشغل، هروح دلوقتي وهرجع بالكتير على بالليل.
حثه والده على القيام حين قال:
خلاص روح، بس في مشوار هنقضيه سوا الأول
وروح مكان ما أنت عايز.
استقام “عيسى” واقفا، وساعد والده على الوقوف حين سمع “هادية” تقول:
نورتنا يا حاج “نصران”.
ابتسم ” نصران” ثم تحدث بقوله اللين:
المكان منور بأهله… نقل نظراته إلى “ملك” ووصاها:
لو احتاجتي أي حاجة أنتِ عارفة البيت تعالي واطلبيها مني، وملكيش دعوة بأمك.
مات والدها، كم تمنت أن يكون معها الآن، يمكنه احتضانها والتخفيف عنها، يمكنه قول أنه سيحل الأمر، وجود “نصران” وكلماته تذكرها بشعور وجود الأب، الخائف دائما على وليده… ياليته كان والدها.
شكرته وقد شعرت بأن كلماته ما هي إلا كف “فريد” يربت على كتفها:
شكرا يا عمو.
خرج مع ابنه بعد أن ألقى السلام، تأملت “هادية” أثره لثوان، خرجت فيها تنهيدة حزينة ثم قالت لابنتها:
متتحركيش من هنا، أنا طالعة أجيب حاجة ونازلة علشان تقوليلي إيه اللي حصل.
تركت “ملك” وغادرت إلى المنزل، فبقت هي تتأمل المارة في الخارج وقد وضعت يدها على وجنتها، انكمش حاجبيها حين لاحظت عودة “عيسى”… هل نسى شيء!
وقف أمام الدكان فخرجت له تسأله:
نسيت حاجة ولا إيه؟
هو بالفعل استأذن من والده أن يعود لأنه نسى شيء وسيأتي له مسرعا ولكن ما أتى له ليس ذلك بل قوله الذي باغتها به:
اعتبري دي المرة الأخيرة اللي هسألك فيها السؤال ده
رمقته بوجل فتابع:
تعرفي حاجة عن قتل ” فريد” ؟
لم تجب فقط رمقته بخوف، رافقه القلق والاضطراب فقال:
اللي قتل “فريد” هيتعرف خلال كام يوم،
صدقيني لو كنتي طرف في اللعبة دي هتصحي كل يوم تندمي أنك قابلتي حد اسمه “عيسى نصران”.
إن التحدث نعمة ولكنه سلبها منها، سلبها بحضوره الطاغي، بكلماته القاتلة، وأيضا حين نطق :
معاكي النهاردة وبكرا هجيلك تاني تكوني قررتي عندك حاجة تقوليها ولا لا
استدار ليغادر ولكنه ختم محذرا:
ولو تعرفي ادعي ربنا، معرفش أنا من برا قبل ما تقوليلي.
غادر وتركها، بل إن القول الصادق هو أنه مزقها وتركها… إن قهرتها تزيد حين يردد عليها عقلها وقلبها أن هذا الذي يحذرها ويبث الخوف في نفسها هو نسخة من حبيبها الذي تتألم لفراقه… هوت على الأرضية في الداخل وانخرطت في نوبة بكاء تمنت لو صرخت ناطقة:
ارفق بحالي رباه.
نظرت للسوار في كفها والذي كُتِب عليه اسم ” فريد” ولأول مرة تستطيع الفصل، إنه “عيسى” ليس “فريد”، إنه لا يمت بصلة لفريد… إنه عقاب مذنب تحاول الإفلات منه ولكن بعد حديثه هذا أصبحت على يقين من أنه ….
لا مفر.
★★★★★★★***★
كان الهواء منعش هنا، حيث ينال الطلبة قسط من الراحة في مقر دراستهم، جلست ” رفيدة” مع “جيهان” في المقهى التابع للجامعة، كانت تحرك الماصة في عصيرها بملل حتى قالت “جيهان” بحماس:
ما تخليكي الأسبوع ده كمان وننزل تتفسح.
تمنت لو وافقت، ولكن اتصالات والدتها لا تنتهي لذا رفضت:
مش هينفع بقالي شوية قاعدة في السكن، ولازم أنزل بقى.
اقتحم جلستهم أحدهم الذي جذب مقعد وجلس عليه بالفعل وهو يقول:
ممكن اقعد معاكم.
_أنت قعدت أصلا.
قالتها “جيهان” ضاحكة، ثم قدمته إلى “رفيدة” معرفة:
ده “سعد” معانا هنا في الكلية و قريبي بس من بعيد.
لم تحك “جيهان” من قبل عن قريبها هذا، ولكن يبدو أنه لطيف هذا ما حدثت به “رفيدة” نفسها قبل أن تنطق:
أهلا أنا “رفيدة”.
ابتسم قبل أن يقول ما جعلها تندهش:
عارفك طبعا.
انكمش حاجبيها وهي تسأله باستغراب:
عارفني منين؟
أشار على ” جيهان” حين أردف مادحا:
جيجي بتحكي عنك كل خير.
ابتسمت “رفيدة” بحرج، وأزالت “جيهان” هذا الحرج بقولها المازح:
طبعا هو أنا ليا غيرها… رفيدة دي my best.
بدأت تندمج في الأجواء وسألته:
أنت من القاهرة؟
وضح لها وضعه بقوله:
لا أنا من القاهرة، وبنزل اسكندرية كتير … مش أنتِ اسكندرانية برضو؟
قال سؤاله الأخير ضاحكا، فهزت رأسها بابتسامة لطيفة، كانت نظرات “جيهان” تشملهما وقد رأت أن كل شيء على ما يرام فحدثت نفسها بابتسامة ماكرة:
حلو ده.
لقد نجحت الخطة، ألقى هو الشباك وضللت هي الضحية، ولا يوجد أحد في مأزق الآن سوى هذه الغافلة.
★★★★★★★***★
الأراضي الزراعية لها سحر خاص، الهواء هنا لا يشبه أي، هواء على الإطلاق، حركة الأشجار من حولك وكأنها تؤنس جلستك، جلس “نصران” و “عيسى” على مقاعدهم جوار أحد الأراضي الزراعية التابعة لنصران، حضر غريبان وانضما إلى الجلسة وكل منهم قد ألقى السلام على الجالسين.
بدأ “نصران” الحديث بقوله الحازم:
“حسني” اشتكى منك يا “عبد ربه”، وأنا جايبكوا أنتوا الاتنين علشان نحل اللي بينكم.
أشار ” نصران” ناحية “حسني” ناطقا برازنة:
اتكلم يا “حسني”.
بدأ ” حسني” في سرد شكواه على الجالسين حين قال:
أنا يا حاج “نصران” استلفت من عبد ربه مبلغ ، و كتبتله بيه وصل أمانة… خدت الفلوس منه واتفقت معاه هردها كمان 8 شهور
دورتها في شغل وخسرت طلبت منه يستنى عليا شوية وهردله فلوسه مع إن ال 8 شهور لسه مخلصوش… لقيته بدأ يساومني يإما ياخد أرضي، يإما يسجنني بوصل الأمانة.
هنا تحدث “عيسى” موجها الحديث لعبد ربه:
هو أنت متعرفش إن من قواعد العيشة هنا، إن مفيش فلاح يبيع أرضه حتى لو لأبوه.
برر موقفه حين قال بدفاع:
أنا احتاجت الفلوس وهو محيلتهوش غير الأرض.
تحدث “عيسى” بحدة:
وهو أنت مش متفق معاه على بعد 8 شهور، ولا أنت مش راجل وبترجع في اتفاقك عادي.
بهت وجه الرجل وخاصة و “عيسى” يتابع:
أنت غلطت غلطتين، غلطة إنك طمعت في أرضه وعايز تاخدها، والتانية إنك عايز تخالف قواعد المكان اللي أنت قاعد فيه واللي كبيرك حاططها يعني من الأخر كده ما بتحترمش كبيرك… وقليل الاحترام ملهوش عندنا غير إننا نربيه.
استدار “عيسى” لوالده يسأل:
حكمك إيه يا حاج؟
ربت “نصران” على كتفه بفخر قائلا:
أنت رأيك إيه يا “عيسى”؟
_رأيي إن اللي ميحترمش قانون الحتة اللي قاعد فيها، يطلع منها… يعني يتطرد من البلد كلها.
قالها بحسم جعل ” عبد ربه” يسرع القول برجاء:
لا يا حاج نصران متوصلش لكده، حقك على راسي… ولو على فلوسي اللي عندك يا “حسني” هستنى عليهم ال 8 شهور.
أشار “نصران” لابنه ليتحدث فقال “عيسى”:
هتستنى عليهم قد ال 8 شهور مرتين، لحد ما الراجل يعوض فلوسه اللي ضاعت، ولو مش عاجبك مفيش فلوس خالص.
دار حديث داخلي في ذهن ” عبد ربه”:
ده هيبقى نهار مش فايت لو ده بقى كبيرنا بعد الحاج “نصران”.
فاق من شروده على أمر ” عيسى” وهو يشير على “حسني”:
اتأسف.
اعتذر ” عبد ربه” من “حسني”، ونظر ” نصران” لابنه بفخر ولكن فخر رافقه القلق، قلق من شيء لا يعلم مصدره، ولكنه على يقين من أنه متواجد.
★★★★★★★***★
خرجت من الجامعة، تأتي ناحيته … فتحت السيارة وركبت بصمت، الدموع متجمعة في عينيها ولكنها تأبى النزول، حالتها ليست على ما يرام لذا سألها بقلق:
شهد حصل إيه؟
_روحني.
طلبتها منه وهي تنظر من النافذة جوارها بحزن، فبدأ في قيادة سيارته فسألته بألم:
هو أنا اللي وحشة ولا الناس هما اللي وحشين؟
صدمه سؤالها ولكنه أسرع الإجابة قائلا:
الدنيا فيها الحلو والوحش لكن اللي أنا حاسه إنك مش حد وحش… ممكن تكوني مجنونة شوية
هنا نظرت له فتابع ضاحكا:
لسانك طويل شويتين وحطتيني امبارح في موقف زفت مع والدتك… لكن مش وحشة.
أوقف سيارته أمام أحد محلات (البيتزا ) مردفا:
معلش بقى هتسنيني، علشان “يزيد” مجنون بيتزا … هجبله وأرجع.
ابتسمت رغم ضيقها، هذا الحنان النابع منه لصغيره، يذكرها بحنان والدتها، فاقت من شرودها على سؤاله:
أنتِ بتحبيها بإيه؟
رفضت وهي تلقي عبارتها الممتنة:
لا شكرا مش عايزة.
ترك مقعده ونزل من السيارة مرددا:
هجبلك بالسي فود أنا بحبها.
تذكرت الفرق الشاسع بينه وبين زوجته السابقة، حين تذكرت ما حدث ارتسم الامتعاض على وجهها وهي تهمس:
خسارة فيها.
أراحت ظهرها على المقعد منتظرة حضوره، لم يطل انتظارها حيث حضر وبيده الطعام، دخل سيارته وأعطاها أحد الأكياس فقالت باعتراض:
إيه كل ده؟
قال وهو يضع الكيس الآخر في السيارة من الخلف:
مش هتاكلي في البيت، أكيد مش هتاكلي لوحدك يعني.
أحضر لهم جميعا، مما جعلها تقول بغيظ:
كده مينفعش على فكرة… و بعدين ملهوش لزوم الأكل أنا هاكل علقة محترمة النهاردة أو بكرا.
لم يفهم أخر كلماتها، ولكنها تفهمها جيدا… فهمت ما فعلوه وفهمت غرضهم والأهم ردة فعل والدتها الآن كيف ستكون؟
★★★★★★★***★
إن لليل رهبة، ورهبته شديدة على من دمرهم الخوف،
لم تصدق أنه دعاها للخروج معه… كان التوقيت قبل منتصف الليل، وهي وللمرة الأولى تجاوره في سيارته، “عيسى” الذي سعت خلفه كثيرا واليوم هو من دعاها … سألها متابعا الطريق أمامه:
هو “باسم” عمره ما عرض عليكِ الجواز يا رزان، أصل غريبة يبقى سره كله معاكي و ميفكرش في حاجة زي دي ؟
هزت رأسها نافية وهي تقول:
محدش بيحب البهدلة، باسم حتى لو حبني لكن مش هيتجوزني، الدنيا دي غريبة أوي
قطع حديثها ابتسامة ساخرة ثم تابعت:
هو بيحاول يخليني ليه لوحده ، وأنا بحاول ألفت انتباهك ومش عارفة، وأنت ولا هنا أصلا … جربت تحب قبل كده؟ … حب من اللي هو بتاع المشاعر والأحاسيس وهتجوزك ده.
هز رأسه نافيا فقوله في هذه النقطة كان شديد الصدق:
مفتكرش إني حبيت واحدة قبل كده لدرجة المشاعر وأتجوز دي، الحب ده وجبة دسمة عايزة أكيل بيحبها لدرجة متتوصفش، علشان لما تتحط قدامه كل يوم ياكلها وهو مبسوط.
_تفتكر هتتجوز واحدة بتحبها؟
سألته فضحك ناطقا بتهكم:
بحبها دي كبيرة أوي، أنا لو حبيت واحدة للدرجة اللي اتكلمت عليها من شوية دي هحطها في محمية طبيعية علشان محدش يقربلها، ممكن أتجوز علشان سبب أو غرض لكن حب لا …. هو لعبة حلوة لكن مش هبقى سعيد لو طاقتي راحت فيها.
ترددت كثيرا قبل أن تسأل سؤالها:
أنت فعلا كان ليك أخ توأم واتوفى؟
أخر شيء توقع أن تسأله، هو دعاها للخروج ليستطيع استخدامها حتى يعرف ماذا يخفي “باسم”، كان سيقدم الكثير ويعرض الأكثر حتى تعرف ما يخفيه ” باسم” ولكن سؤالها الآن جعل شكوكه تحيطها
أجاب بهدوء حتى لا يشعرها بشيء:
اه الله يرحمه.
_هو فعلا مات مقتول؟
كان سؤالها هذه المرة مستنكرا لأن يكون مات هكذا ولكنه باغتها بسؤاله:
و أنتِ عرفتي منين إنه مات مقتول.
صمتت تحاول إبعاد ما بدر إلى ذهنها بأن حديثه به نبرة من الشك ولكن في النهاية قالت:
عادي… باسم كان بيتكلم عنك وصادف اتنين من بلدكم قاعدين وطلعوا يعرفوك، الكلام جاب بعضه وقالولنا إن اتقتل وبتدوروا على اللي قتله.
سألها محاولا سلب كل ما لديها من معلومات:
متعرفيش أساميهم؟
ضحكت عاليا قبل أن تخبره:
اسمهم محسن و شاكر، حتى شاكر ده قعد يشرب لما بقى مش شايف قدامه وكان منظره يهلك من الضحك… حتى
هنا صمتت لم تتابع حين شعرت بأن القادم خطير، وحين ذُكِر اسم “شاكر” بدأ في ربط الخيوط، شابان كل منهما يحب الفتاة ذاتها، “ملك” و خوفها الغير مبرر من “شاكر” و يقينه أن هناك سبب وراء ذلك، حين توقفت “رزان” عن الحديث ألقى عليها نظرة جعلتها تشعر وكأن الدماء تجمدت في عروقها خاصة حين نطق:
كملي اللي وقفتي عنده.
إنه الذعر وله تأثيرين إما يجعلك تصمت خوفا، أو تتحدث خوفا واختارت هي الثاني فقالت بارتباك:
لا مفيش حاجة، هو بس لما شرب كتير قعد يلخبط في الكلام كده، حتى كان “باسم” بيسأل “محسن” صاحبه مين اللي قتل أخوك … فقعد شاكر ده يهلفط بكلام مش مفهوم ويقول أنا اللي قتلته…. لكن أنت عارف ده كلام فاضي طبعا، هو مكانش ليه شرب أصلا.
قالت جملتها الأخيرة وقد تملكها خوف حقيقي، لأول مرة تسمع هذه النبرة من “عيسى”، نبرة جمدتها وزاد الأمر سوء حين أوقف سيارته وقال لها بحزم:
انزلي.
لم تتردد بل نزلت سريعا كمن تم إطلاق سراحه، أما هو فالتهم الطريق، وكأنه في سباق معه، وهو أهل لهذا السباق، ولن يتهاون لحظة حتى يكون الفوز حليفه.
★★★★★★★***★
بعد مرور ساعات
تستطيع أن تشعر بالفجر، إنه الأمل الذي نتعلق به فيهمس لنا أن الشروق اقترب، ولكن علينا تحمل هذه الساعات… كيف نتحملها ونحن لا ننساها أبدا.
كان ” عيسى” هنا في الاسكندرية وتحديدا في أحد أراضي والده ، ومعه ” بشير”
أصبح عرقه بحر إثر المجهود البدني العنيف الذي بذله، ولم يكتف بل زاد هذا بركلة عنيفة لمحسن الملقى أمامه وأمام “بشير”، وكأنه بركان انطلق للتو فأخذ يدمر كل شيء ويعاونه في ذلك ” بشير” … مال على “محسن” يسأل بابتسامة قاسية ظهرت على ثغره:
“شاكر” هو اللي عملها؟
لم يعد لدى “محسن” القدرة على أي شيء حتى كلماته خرجت متقطعة:
والله… م…. اعرف… أنا…قولت… اللي أعرفه.
سدد له لكمة عنيفة، وابتعد وترك صديقه معه… كان يلتقط أنفاسه المفقودة حين سمع هاتفه يرن للمرة الألف تقريبا، إنه رقم “مريم” شقيقة “ملك”… قد أعطاهن والده رقمه من قبل وأخبرهم أن يتصلن إذا احتجن أي شيء و ” عيسى” سينجزه.
التوقيت غير مناسب، ولكنه أجاب، لم يتحدث فقط كانت أنفاس متتابعة تخرج منه ووجه، وجسد صار العرق جزءا منهما… سمع من الناحية الاخرى صوت شهقات مكتومة، خرج من وسطها جملة:
عيسى معايا؟
إنه صوت “ملك”، يستطيع الآن رؤية عيونها التي فرض عليها البكاء قواه، سمع آهاتها التي تبعها قول لم يتوقع أن يسمعه منها أبدا:
“شاكر” هو اللي قتل ” فريد”.
هذه الجملة التي كافحت لتخرج من وسط البكاء لم تكن هينة أبدا، هذا الضمير المعذب الذي كاد أن يقتلها لم يكن هين.
ربما هو فيلم أو مسلسل درامي، ربما هذه الليلة هي كابوس… ولكن الشيء المؤكد أننا الأبطال.
والحقيقة الأصعب أن يكون دورك هو فقط أن تعاني.
حقا إن البطولة ليست سهلة و الأصعب من عدم سهولة بطولتك، هو أن تكون…
بطلا لكابوس!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وريث آل نصران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى