روايات

رواية قلوب حائرة الفصل الثالث والسبعون 73 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل الثالث والسبعون 73 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت الثالث والسبعون

رواية قلوب حائرة الجزء الثالث والسبعون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة الثالثة والسبعون

🦋 الفصل الثاني والثلاثون. 🦋
نظر سليم لذاك الزائر الغريب وأنتظر أن يُعرفهُ عن حاله،سألهُ ياسين بنبرة جادة لملامح وجه صارمة إستغربها الأخر:
-حضرتك الباشمهندس سليم قاسم الدمنهوري؟
ضيق سليم عيناه وأجابهُ بنبرة جادة:
-أيوة أنا،ممكن أعرف مين حضرتك؟
بنبرة صارمة وترهيباً أجابهُ ياسين ظناً منه أنهُ وبتلك الطريقة سيحثهُ علي تنفيذ ما سيُطلب منه بهدوء ودون إعتراضاً منه:
-مش مهم الإسم،يكفي إنك تعرف إن الشخص اللي واقف قدامك ماسك منصب مهم في جهاز المخابرات المصري
وأيه المطلوب؟!…سؤال وجههُ سليم بمنتهي البرود والثبات
إستشاط داخل ياسين من تبلُد ذاك الهادئ ورد فعلهِ الغريب،دقق النظر إليهُ ثم تحدث قائلاً:
-إحنا هنتكلم من علي الباب كدة ولا إيه؟
ببرود أردف وهو يُشير بكف يدهِ إلي الداخل:
-إتفضل
دخل ياسين وأغلق الأخر الباب وتحرك أمامهُ ليُرشدهُ إلي الطريق،أشار لهُ إلي الأريكة الموضوعة برُكن البهو،فأشار ياسين بيدهُ وتحدث بتكليف اثار حفيظة الأخر:
-ياريت لو نُقعد في مكان مقفول،لو عندك أوضة مكتب يكون أفضل
ضيق عيناه مُستغرباً حال ذاك الغريب وطريقة طلبهُ الأشبه بالأمرة،مال برأسهِ قليلاً بما يعني موافقتهُ وأشار لهُ بإتجاه حُجرة المكتب،تحركا كلاهُما ودخل إلي الحُجرة ثم تحدث وهو يستدعيه إلى الجلوس:
-تحب تشرب إيه؟
بملامح وجه جادة أردف:
-مفيش داعي
عقب الأخر بنبرة هادئة:
-لا إزاي،حضرتك في بيتي ولازم تاخد واجب ضيافتك
أجابهُ ياسين بعملية:
-يبقي بعد إذنك فنجان قهوة مظبوط
مال برأسهِ ثم صاح بكامل صوتهِ وهو يستدعي العاملة المصرية التي أتت وتحدثت باحترام:
-أفندم يا باشمهندس
تحدث إليها بنبرة هادئة:
-من فضلك يا صابرين تعملي فنجان قهوة مظبوط للضيف وإعملي لي قهوتي معاه
حاضر يا باشمهندس…جُملة نطقتها بتوقير وانسحبت إلي المطبخ بعدما أغلقت خلفها باب المكتب
أشار لهُ بأن يستريح فوق المقعد المقابل للمكتب واستدار هو وجلس خلف مقعد مكتبهْ وتحدث بنبرة عملية:
-إتفضل،أنا سامعك
تحمحم ياسين كي يُنظف حنجرتهْ إستعداداً للحديث ثم أردف بنبرة جادة يشوبها الترهيب:
-أنا جاي لك بتكليف من رئيس جهاز المخابرات شخصياً
رفع سليم أحد حاجبيه بتعجُب،قطع حديثيهما دخول العاملة التي جلبت القهوة وقدمتها بتوقير وتحدث إليها سليم بنبرة رؤفة حيثُ أنها كانت قد طلبت منه مُنذُ القليل أن تخرج لتُرسل بعض المال لولدها المتواجد بالقاهرة:
-تقدري تروحي مشوارك اللي كُنتي ريحاه يا صابرين
نظرت له وشكرتهْ ثم انسحبت وخرجت من المنزل بأكمله
نظر سليم من جديد إلي ذاك الضيف كي يحثهُ علي إستكمال حديثهُ فاسترسل ياسين مستكملاً حديثهُ قائلاً:
-فيه جريمة قتل حصلت هنا في ألمانيا من أربع أيام في أوتيل
ثم قام بذكر إسم الأوتيل واسترسل شارحاً:
-القتيلة جنسيتها مصرية،والقضية قضية أمن دولة من الدرجة الأولي
واستطرد موضحاً:
-ولما حبينا نعرف تفاصيل القضية ونشارك الشرطة الألمانية ونتابع سير التحقيقات معاهم،رفضوا يدونا أي معلومات وكأنهم متعمدين إننا مانوصلش للناس اللي ورا الجريمة
واستطرد بإبانة تحت إستماع سليم إليه بملامح وجه مُبهمة:
-وصلتنا معلومات من خلال مصادرنا إن الوقت اللي حصلت فيه الجريمة إتحذف من تسجيلات الكاميرات،وبيتحقق حالياً مع الموظف المسؤول
باغتهُ سليم بسؤالاً مُتعجباً:
-أنا بردوا مش فاهم يا أفندم أنا إيه دخلي بكل اللي حضرتك عمال تقوله ده!
أخذ نفساً عميقاً لضبط النفس كي لا يفقد تماسُك أعصابهُ أمام ذاك المُستفز وينهرهُ بشِدة،فتحدث بنبرة جاهد بإخراجها هادئة:
-ما تستعجلش يا باشمهندس،أنا جاي لك في الكلام وهتفهم كُل حاجة
واستطرد شارحاً:
-لما سألنا عن الشركة المسؤلة عن تركيب نظام المراقبة في الأوتيل إتضح لنا إنها الشركة اللي إنتَ شغال فيها،وإنك المهندس الي أشرفت علي تركيب الأجهزة هناك،وعرفنا من خلال بعض المعلومات إنك ممكن تساعدنا وترجع الجزء المحذوف
بنبرة باردة تحدث بإيضاح:
-الكلام اللي وصل حضرتك مش مظبوط يا أفندم،صحيح أنا اللي كنت مسؤل عن وضع نظام المراقبة في الأوتيل،لكن موضوع إني أقدر أرجع لحضرتك الجزء المحذوف ده مستحيل
واستطرد بإبانة:
-ده غير إنه مش مسموح لي أساساً إني أتدخل في سياسة الأوتيل،أنا شُغلي إنتهي عند إشرافي علي تركيب النظام وتظبيطه وتسليمه للمهندس اللي إدارة الأوتيل بنفسها وظفته علشان يشرف علي السيستم ويكون المسؤل عندهم
هتف بقوة كي يُخيفهُ ويحثهُ علي التراجع:
-بس اللي وصل لنا في جهاز المخابرات بيقول غير كدة
نطق بنبرة حادة لملامح وجه صارمة أعلن بها رفضهُ عن تلك الطريقة الحادة التي يُحدثهُ بها ذاك الغريب:
-وأنا مش مسؤل عن الكلام المغلوط اللي وصل لكم في الإدارة،أنا قُلت لحضرتك عن طبيعة شُغلي وصححت لك معلوماتك،وماعنديش كلام تاني أضيفه
هتف مهدداً بنبرة جادة:
-يظهر إن الأمر إختلط عليك وخلاك مش قادر تفهم طبيعة المطلوب منك كويس يا باشمهندس
واسترسل لإرهابه:
-أو بمعني أدق،الأوامر اللي متوجه لك من جهاز المخابرات
تحدث بثبات إنفعالي تعجب لهُ ياسين:
-نبرة التهديد اللي في كلام حضرتك دي إتوجهت للشخص الغلط وأنا برفضها،أنا ما حدش يقدر يجبرني علي التعاون لأن معنديش اللي أقدر أساعدكم بيه وده أولاً
واستطرد بنبرة ساخطة:
-وثانياً،حتي لو عندي فأكيد مش هعرض نفسي وأدخل نفسي في قضية تخابر علشان موضوع ما يخصنيش لا من بعيد ولا من قريب
ما تخفش،إحنا هنحميك والموضوع هيعدي بسلام من غير ما حد يشعُر،أمانك ده شُغلنا إحنا…هكذا نطقها ياسين بطمأنه
أردف سليم متسائلاً بتعجُب حادّ:
-هو إيه اللي في كلامي مش مفهوم ومخلي حضرتك مُصر علي إني هقدر أوصلكم للجزء المحذوف؟!
لؤمك وإنكارك مش هيفيدوك بالعكس،إنتَ كدة بتعرض نفسك لغضب المسؤلين وأنا بحذرك…جُملة تهديدية صريحة نطق بها ياسين بعدما فاض به الكيل،جعل بها الأخر يصل للمنتهي ويثور،هب واقفاً وتحدث بنبرة شديدة الحِدة:
-وأنا قُلت لك كل اللي عندي
وبُعجالة تحرك إلي الباب وفتحهُ بقوة وتحدث بنبرة حادة وثبات يُحسد عليه:
-نورت يا حضرة المسؤل
إتسعت عيناي ياسين وتحول بياضها إلي أحمر داكن جراء بركان الغضب الذي أصابهُ من تصرُف ذاك الأرعن وهتف بصياحٍ عالِ:
-إنتَ فاهم إنتَ بتعمل إيه وبتعادي مين بالحركة الغبية بتاعتك دي؟
واسترسل وهو يُشير بسبابته بنبرة تهديدية:
-أنا بحذرك لأخر مرة
بحركة إستفزازية مال سليم برأسهِ فيما معناه أن يفعل جُل ما بوسعهْ،وأشار لهُ بيده بإتجاه الخروج
وهُنا ظهرت فريدة التي إستمعت إلي صوت زوجها الغاضب فارتدت حجابها سريعاً وهرولت إليه وتحدثت مستفسرة وهي تُطالعهُ بارتياب:
-فيه إيه يا سليم،صوتك عالي ليه؟
أجابها ببرود ومازال ناظراً علي ذاك المُريب:
-مفيش حاجة يا باشمهندسة،إتفضلي إطلعي علي فوق وأنا هحصلك بعد ما الضيف يمشي
نظرت حيثُ يُثبت عيناه فلمحت ذاك الغريب التي ضيقت عيناها حين رأت وجههُ وشعرت أنها رأته من ذِي قبل ولكن أين؟
إحتدم غيظاً وبقلبٍ مستشاط وخطوات واسعة تحرك ياسين متجهاً إلي الأمام،هدئ من مشيته حين وصل لوقفة ذاك العنيد،وقف يُطالعهُ بعيناي غاضبة ورمقهُ بنظرات توعديه تحت نظرات فريدة التي باتت تطالعهُ عن قُرب وهي تجاور زوجها الوقوف بجانب باب المكتب،ألقي بنظراتهِ الأشبه بالأسلحة الفتاكة ثم أندفع للأمام متخطياً وقوفيهما وكاد أن يصل إلي الباب الخارجي لولا صوت تلك التي تحدثت إليه باستفسار:
-مش حضرتك اللي مراتك إتقتلت في أوتيل هنا في ألمانيا من كام يوم؟
تسمرت ساقاه بالأرض وألتفت يتطلع عليها بإستغراب،أما سليم فحول بصرهِ عليها سريعاً وبات ينظر لها باستغراب،فاسترسلت هي بتأكيد:
-أنا متأكدة إن الصورة اللي شفتها علي الموقع الإخباري اللي نزل الخبر كانت لحضرتك
بنبرة حادة أردف سليم مؤنباً إياه:
-يعني إنتَ جاي لحد بيتي وقاعد تلف وتدور وتألف لي في قصص وهمية وعامل لي فيها رجُل المُخابرات الأول علي صبري؟!
واستطرد متهكماً بسخطٍ:
-لا وراسم لي دور الوطنية وماسك منصب في المخابرات وقضية أمن دولة ومعرفش إيه،وأنتَ جاي تدور علي اللي قتل مراتك؟
هتفت فريدة مؤكدة بإيضاح:
-هو فعلاً ظابط في المُخابرات الحربية يا سليم،أنا قريت ده علي الموقع الإخباري قبل الخبر ما يتحذف بعد دقايق من نشره
وضع كف يدهُ ومسح بهِ وجههُ بإرهاق وألم ظهر عليه،فشعرت بهِ فريدة التي تحدثت إلي زوجها بإستفسار:
-هي إيه الحكاية يا سليم؟
بنبرة حادة وعيناي غاضبة هتف سليم بامتعاض:
-الحكاية إن حضره الظابط جاي يهددني في بيتي وعاوزني أخون مهنتي وأسرب له معلومات عن تسجيل الكاميرات بتاعه الأوتيل اللي حصلت فيه الجريمة
بنبرة جادة تحدث بإبانة:
-أنا ما قصدتش أهددك،أنا لما لقيتك رافض تساعدني اضطريت أكلمك بالطريقة دي علشان أجبرك علي إنك تتعاون معايا
واستطرد بصدقٍ ظهر بيِنّ داخل عيناه:
-أنا كُل اللي عاوزه هو إني أعرف مين اللي عمل كده في مراتي.
إستشعرت صِدق حديثهُ ولمست من نبرات صوتهِ القهر،فتحدثت برجاء إلي زوجها:
-أرجوك تساعده يا سليم
واستطردت وهي تُشير لذاك الواقف بالدخول إلي حُجرة المكتب من جديد:
-إتفضل يا حضرة الظابط وأكيد سليم لو في إستطاعته يساعدك مش هيتأخر
فريدة…كلمة نطقها سليم بنبرة حادة وعيناي تُطلق تحذيراً متوعداً
ترجتهُ بعيناها وتحدثت وهي تُمسك كفهُ لتحثهُ علي الموافقة:
-علشان خاطري توافق يا سليم،إحنا في الأخر ولاد بلد واحدة،واللي إتقتلت دي مصرية زينا ولازم تساعده يجيب حقها
إكفهرت ملامحهُ وبسهوٍ منه هتف بما كشفهُ أمام ذاك الداهي:
-إسكتي يا فريدة إنتِ مش فاهمة حاجة،الموضوع كبير ودي مش مُجرد قضية قتل عادية علشان أساعده فيها
واستطرد شارحاً بتغافُل منه:
-دي قضية مخابرات من النوع الأول وداخل فيها منظمة إرهابية وجماعات متطرفة،يعني القتل ده أسهل حاجة عندهم
قطب ياسين جبينهُ ونظر لهُ مدققاً ثم سألهُ متهكماً:
-وبتتهمني بإن أنا اللي بلف وادور؟!
واستطرد لائماً بتعجُب:
-طب ولما أنتَ عارف كُل حاجة عن القضية قاعد تتلائم عليا وعامل فيها مش فاهم حاجة ولا عارفني ليه؟!
بمتتهي الثقة عقب علي حديثهُ بصدقٍ تام:
-أنا فعلاً ما أعرفش شكلك ولا شخصيتك،لكن بالنسبة لجريمة القتل أنا عارف كل تفاصيلها،لأن الشرطة الألمانية لجأت لي في التحقيقات علشان أساعدهم
واستطرد بإيضاح لائم:
-وبيتهئ لي حضرتك أكثر واحد عارف إن ما ينفعش لا أتدخل ولا أكشف عن معرفتي لأي تفاصيل وصلتني،أنا مش عايش في بلدي يا حضرة،أنا واحد مغترب أنا وأسرتي ولازم أمشي جنب الحيط وأتجنب المشاكل
أنا قُلت لك إني هحميك…جُملة قوية نطقها ياسين بثقة،تنهد سليم وزفر بقوة والحيرة سكنت عيناه،شعرت أميرتهُ بحيرة قلبهُ وضميرهُ الحي،وتردد عقله الواعي الذي يُدرك جيداً كم المخاطر التي تكمُن داخل ذاك الموضوع الأشبه بقُنبلة موقوته والتي ستنفجرُ حتماً بوجه من يتجرأُ علي الإقترب منها،تحدثت بنبرة هادئة:
-تعال نتكلم بهدوء ونشوف إزاي ممكن نساعده في إنه يرجع حق مراته
مبدأياً كدة إنتِ تبعدي عن الموضوع ده وماتدخليش فيه نهائي…جُملة مُرتعبة نطقها سليم بحدة خشيةً علي متيمة روحهُ من أن يُصيبها مكروه من هؤلاء الخارجون عن القانون
أومأت له لتستدعي سكون روحهُ،تنهد بأسي ثم نظر إلي ياسين من جديد وتحدث مُرْغماً وهو يستدعيه للعودة إلي حُجرة المكتب من جديد:
-إتفضل
تقدمهما ياسين وجلس بعدما أشار له ذاك السليم بالجلوس
❈-❈-❈
داخل الحُجرة الخاصة بأيسل،حيثُ كانت تجلس القُرفصاء ودموعها تنهمرُ فوق خديها بغزارة،خليطاً من المشاعر تجتاحُ داخلُها لتُحدث ضجيجاً وتجعلُ من عقلها مشوشاً،شعوراً بإنشطار قلبها لاجل غاليتها التي إستعجلت الرحيل تاركة عالمها قبل الأوان،وشعوراً بالذنبِ يتأكلُ من روحها،تعضُ أصابعها ندماً علي ما أقترفتهُ من خطئٍ فادحاً بحق تلك الراحلة،صوتاً عالياً داخلها دائماً ما يؤنبُها ويُحملها جزءاً كبيراً مما حدث،يُحدثها داخلها لو أنها لم تنصت لتحذيرات والدتها واخبرت حينها أبيها،لكانت نأت بحالِ والدتها من الهلاكِ
وما زاد من أحزانها وجعل من ثُقل أحمالها تتزايد وتكادُ تقطم ظهرها،هو مكالمتها الهاتفية مع أستاذها بجامعة هايدلبرغ الألمانية والذي أخبرها بأن الجامعة لا يوجد بها فرعاً لدراسة الطب البشري بالقاهرة
أخرجها من شعور الذنب الذي يعتصرها داخل مفرمتهُ القاسية إستماعها لبعض طرقاتٍ فوق الباب،علي عُجالة جففت دموعها ثم سمحت للطارق بالدخول،فُتح الباب ودخلت منه تلك الرقيقة التي تحدثت علي استحياء:
-ممكن أدخل
تعالي يا سارة…نطقتها بصوتٍ خافت حزين،تحركت إليها وجاورتها الجلوس فوق تختها وتحدثت بنبرة حزينة لأجل صديقتها:
-لحد إمتي هتفضلي حابسة نفسك في أوضتك كدة يا سيلا؟
إنتِ كدة بتدمري روحك
أجابتها بدموعها الحارة:
-مش قادرة أشوف حد،حاسة إني فقدت القدرة على كل حاجة
تنهدت سارة لأجلها وتحدثت في محاولة لإخراجها من تلك الحالةِ المؤلمة:
-لو حابة تريحي طنط ليالي يبقي حاولي تُخرجي من اللي إنتِ فيه،هي أكيد حاسة بوجعك ده ومش مبسوطة علشان اللي إنتِ عملاه في نفسك
أردفت شارحة بنبرة متألمة:
-لو فضلت قاعدة في إسكندرية يبقي عُمري ما هرتاح يا سارة،أنا راحتي الحقيقية إني أرجع ألمانيا تاني وأبعد عن هنا خالص
واستطردت وهي تهز رأسها برفضٍ أظهر كم الألم التي تشعُر به روحها المُعذبة:
-مش هقدر أشوف بابي عايش حياته مع اللي إسمها مليكة ومكمل وسعيد من غير مامي
أردفت سارة بنبرة تعقلية:
-طول ما إنتِ بتفكري بالطريقة دي هتتعبي أكتر يا سيلا،هوني علي نفسك يا قلبي
نظرت لها بترقُب ثم تحدثت بنبرة متألمة بعدما أنهمرت دموعها فوق وجنتيها:
-أنا كلمت دكتور عندي في الجامعة النهاردة علشان أعرف وضعي هيكون إزاي
نظرت لها سارة بترقُب فاسترسلت الأخري بدموعها الحارة:
-الدكتور بلغني إن هايدلبرغ ملهاش فرع لدراسة الطب في القاهرة
واستطردت بإبانة:
-كلمت بابي وحكيت له علي اللي عرفته وأترجيته يخليني أرجع جامعتي تاني،رفض وقال لي إنه سأل وعرف إن التحويل هيكون لجامعة القاهرة نظام الكريدت
واستطردت وهي تهز رأسها بذهول ورفض لواقعها المرير ولصفعاتها التي تتلقاها واحدة تلو الأخري:
-أنا ليه بيحصل لي كدة يا سو،أخسر مامي وحلم حياتي في نفس الوقت،ليه؟!
واستطردت بروحٍ محترقة:
-ده كتير قوي اللي بيحصل ده عليا،كتير…نطقت جُملتها وأجهشت ببكاءٍ مرير يقطع نياط القلب،أخذتها الفتاة داخل أحضانها وباتت تربت علي ظهرها بحنان كي تُهدئ من روعها وما أصابها من ألام وأحزان جعلت من روحها متوجعة
أما بالأسفل
تجلس منال محتضنة تلك الصغيرة التي أرسلت إحدي العاملات لديها لتُجلبها من منزل ثُريا كي تتأنس بها وتتعرف عليها أكثر،وذلك بعدما أستغلت خروج عُمر وذهابهُ مع طارق لأحد الأماكن العامة كي يُخفف من وطأة حُزن أخيه وعُزلتهُ وما حدث له جراء تلك الطَّامة الكُبري التي زلزلت حياتهُ وجعلت من كيانهُ مُبعثراً
كانت تحتضنها وتبكي بمرارة علي ما أصاب عائلتها،دخلت راقية كي تطمئن عليها وكعادتها الفضولية تستطلع علي أخر الأخبار،جلست بجانب منال وتحدثت وهي تنظر لتلك الفتاة:
-قلبي عندك يا منال يا اختي،مش عارفة إيه بس المصايب اللي عمالة ترف فوق دماغك مصيبة ورا التانية
واستطردت كعادتها وهي تحاوط فكها بأصابع كفها:
-وكُله كوم والبت اللي علي إيدك دي كوم لوحده
واستطردت بصفاقة:
-أهو ده اللي كان ناقص،قال علي أخر الزمن يكون لك حفيدة من واحدة إرهابية وقتالة قُتلة
واسترسلت مستفسرة بفضول وهي تجذبها من ذراعها:
-إلا قولي لي يا منال،هو إنتِ قولتي إيه لثُريا يوم الوقفة خلاها وقعت من طولها؟!
حولت بصرها إليها وهتفت بنبرة حادّة:
-جرا إيه يا راقية،إنتِ شيفاني رايقة قوي قولتي تيجي تعكنني عليا شوية؟
واستطردت بصياحٍ حاد:
-أنا في إيه ولا في إيه إنتِ كمان
بإنعدام حياء أردفت شارحة:
-يعني الحق عليا إني خايفة عليكي وعوزاكي تراجعي نفسك وتتوبي لربنا قبل ما ياخد أمانته؟
أصابها الإرتعاب وتشاءمت من تلك غريبة الاطوار،ثم رمقتها وهتفت غاضبة:
-إنتِ جاية تفولي عليا يا ست إنتِ؟!
شهقت راقية بتعجب وتحدثت:
-هو أنا علشان بحبك وبنصحك في الخير أبقي بفول عليكِ يا منال؟
وبعدين هو فيه حد كبير ولا بعيد عن الموت،اديكي شوفتي اللي حصل للمسكينة ليالي،إتخطفت يا حبيبتي في لحظة
واستطردت بخباثة:
-مش يمكن اللي حصل لك ده كله عقاب من ربنا عشان فرقتي العيلة اللي طول عمرها متجمعة؟
نظرت لها بتيهة فاسترسلت الأخري مُستغلة حالة الشتات التي تملكت منها:
-اللي عملتيه ده إسمه قطع صلة الرحم،وأكيد ربنا حب ينبهك باللي حصل لك ده كُله
بنبرة صوت أظهرت كم الالم الساكن داخلها تحدثت:
-سبيني في حالي يا راقية،أنا فيا اللي مكفيني ومش نقصاكي
لوت راقية فاهها في حين هتفت الصغيرة ناطقة بحروف إسم مروان التي حفظتها لشدة تعلُقها به:
-مارو،مارو
فهمت منال طلبها فاستدعت العاملة وتحدثت إليها بتوصية:
-خدي البنت وديها عند ثُريا هانم
أومأت لها العاملة وانسحبت بالفتاة فاستغلت راقية الوضع وتحدثت:
-طب والله ثُريا دي طلعت بنت أصول وما فيه منها،بعد كُل اللي عملتيه معاها ده واخدة بنت عُمر وبتربيها زي ما تكون حفيدتها هي
تنهدت منال ثم أغمضت عيناها بألم
❈-❈-❈
بالحديقة الخاصة بمنزل المرحوم رائف
تجلس كُلً من ثُريا وسليم،يلهو حولهم أطفال يسرا وسليم ونرمين
دخلت يُسرا من البوابة الخارجية بصحبة مروان وشقيقاه،جلس عز فوق ساقاي ثُريا التي إحتضنته برعاية وحنان ثم سألت مروان عن صحة والدته فأجاب الفتي ببشاشة وجه:
-ماما كويسة الحمدلله
الحمدلله يا حبيبي…نطقتها ثم تحدثت إلي يُسرا مستفسرة بتعجُب:
-أُمال نرمين فين يا يُسرا،هي مش كانت معاكم في المستشفي؟!
جلست بمقعداً مجاوراً لزوجها وتحدثت بإبانة:
-بعد ما إطمنت علي مليكة إتصلت بسراج وطلبت منه يتقابلوا علشان يتكلموا،قالها إنه مستنيها في كازينو قريب من هنا وراحت تقابله
تنهدت ثريا بأسي لحال إبنتها ثم تحدثت بتمني:
-ربنا يهديهم،أنا مش عارفة سراج التاني منشف دماغه ومش راضي يرجع لبيته ليه
أردف سليم بإيضاح:
-سراج راجل محترم وعنده كرامة يا ماما،عزة نفسه منعاه إنه يرجع بسهولة بعد المعاملة اللي كانت نرمين بتعاملها له واللي الشهادة لله عمره ما كان يستحقها
هتفت يُسرا ناطقة بكلمة حق:
-بصراحة بقي يا ماما،اللي سراج إتحمله من نرمين ما يتحملهوش اي راجل إلا لو كان إبن أصول وباقي علي العشرة بجد
اردفت باستسلام:
-أنا عارفة إن بنتي طبعها صعب وحمقية،بس والله غلبانة،دي إتربت يتيمة يا ولاد وده مخليها دايماً مش حاسة بالأمان
إستمع الجميع إلي صوت تلك البريئة التي وما أن رأت مروان حتي شعرت بأن روحها التي كانت تنقصها قد عادت لها،حيثُ هتفت منادية بصوتها الحماسي بحروف إسمه:
-ماااارو
إستمع إلي صوتها الحماسي وأصابهُ شئً من السرور الذي إحتل روحهُ وتحدث إليها بصوتٍ حنون:
-ليزا
أما ذاك الصغير الذي وما أن إستمع إلي صوتها ورأي هيأتها التي أصبحت تقودهُ إلي الإشتعال فهتف بنبرة حادة وعيناي غاضبة:
-هي إيه اللي جابها تاني عندنا،مش راحت عند نانا منال وخلصنا منها
إبتسم الجميع وتحدثت ثُريا وهي تحتضنهُ بشدة:
-مش أنا قُلت لك إنها هتقعد معانا هنا شوية
هتف بنبرة غاضبة:
-بس عزو مش بيحبها،وبعدين دي بتخلص لنا كُل الأكل بتاعنا،وكل شوية تاكل أيس كريم
واستطرد بغيرة:
-ومش بترضي تقعد ولا تلعب غير مع مارو
إحتوت ثُريا ذاك الغاضب وقبلت وجنتهُ،تناول مروان من العاملة الصغيرة التي إرتمت داخل أحضانهُ وببرائة لفت ذراعها حول عنقه تحتضنهُ كمن وجد ضالته،إبتسم مروان وسعد داخلهُ بشعور تلك البريئة تجاههُ،أما ثُريا فأردفت بنبرة حنون حين وجدت إتساع عيناي الصغير الذي ربع ذراعيه ونظر علي ذاك الثُنائي بسخطٍ وعيناي تُطلق شزراً:
-طب ما تحاول تلعب معاها وتعاملها كويس وهي ترضي تقعد معاك إنتَ كمان وتحبك زي مروان
هو أنا اصلاً بفهم هي بتقول إيه،دي بتهبل مش بتتكلم…جُملة غاضبة نطقها الصغير أضحكت الجميع وتحدثت يُسرا إلي مروان:
-علي فكرة يا مروان،المفروض ما تكلمهاش إيطالي كتير علشان تتعود تتكلم عربي زينا
اجابها الفتي بملامح وجه بشوشة:
-أنا فعلاً بدأت أعلمها تنطق بعض الكلمات بالعربي،علشان لو إحتاجت حاجة وأنا في المدرسة اللي معاها يقدر يفهم هي عاوزة إيه
تسائل سليم بفضول:
-هي مش كانت عايشة في لندن،يبقي إزاي بتتكلم إيطالي؟
أجابهُ الفتي مفسراً:
-عمو طارق قال لي إن المربية بتاعتها كانت إيطالية،علشان كدة ليزا بتتكلم بنفس لغتها
رفعت وجهها تتطلع عليه عندما إستمعت إلي نُطقهِ لحروف إسمها،إبتسم لها فبادلتهُ الإبتسامة وقامت بوضع قُبلة حنون فوق وجنتهُ بعدما تلمست الاخري بكفها الصغير،ضحك الفتي وتحدث إلي جدته:
-شفتي يا نانا،بقيت بابا وأنا عندي 14سنة
ربنا يبارك لي في عمرك إنتَ وأخواتك يا حبيبي وأشوفك متهني في حياتك…جُملة نطقها بتمني وعيناي حنون فصاح الصغير قائلاً بغيرة:
-أنا عاوز أروح عند جدو عز،مش هقعد مع البنت دي
تفاهم مروان مع الصغيرة وطلب منها البقاء بصحبة ثُريا وحمل شقيقه وتحدث بنبرة حنون:
-أنتَ زعلان منى؟
أجابهُ باقتضاب:
-أه،وهقول لمامي إنك مش بتاخد بالك من عزو زي ما قالت،وبتاخد بالك من البنت دي وبس
أجابهُ وهو يتحرك به إلي الداخل بعدما إصطحب أنس أيضاً:
-طب ماتزعلش يا حبيبي،مش إنتَ عارف إن أنا بحبك اكتر حد في الدنيا كلها
هز رأسهُ بإيماء فاسترسل قائلاً:
-يلا نغير هدومنا أنا وإنتَ وأنس وبعد كدة ننزل نلعب مع بعض
هتف أنس بنبرة حماسية:
-أنا عاوز ألعب في بحر الكور يا مروان
بس عزو عاوز يرسم بالرمل بتاع مامي يا أنوس…نطقها بحماس فأجابهُ مروان:
-لما مامي ترجع بالسلامة هترسم معاها
وافقهُ الرأي وصعد الفتي بشقيقاه وساعدهما بخلع ملابسهما وغسل أيديهم ووجوهم حسب توصية والدته له بأن يرعي شقيقاه بنفسه حتي عودتها
❈-❈-❈
عودة إلي منزل سليم
أخذ سليم نفساً عميقاً ثم تحدث متسائلاً بإكراه:
-إتفضل قولي حضرتك محتاج إيه بالظبط
أردف ياسين متسائلاً:
-قبل ما نتكلم لازم أستفسر عن حاجة مهمة
ترقب الآخر سؤالهُ فاسترسل من جديد:
-هو انتَ أديت أي معلومات للشرطة لما استدعتك؟
أجابهُ بثبات:
-الحقيقة لا
واستطرد بزيف وتمويه شعر به ياسين من خلال خبرته:
-لأن مش حابب أدخل نفسي في حوارات مليش فيها ولا تخُصني
تظاهر ياسين بتصديق ذاك السليم وحُجَّتهُ الواهية وتحدث:
-تمام،أنا زي ما قُلت لك أول كلامنا،عاوز أوصل للجزء المحذوف من التسجيلات،وياريت لو تقدر توصلني لتسجيلات بوابة الأوتيل،عاوز أشوف العربية اللي وصلتها والشخص اللي كان سايقها
بثقة عالية أجابهُ سليم:
-بسيطة جداً
بسط يدهُ وأمسك جهاز الحاسوب من أمامه وفتحهُ،ودخل علي جوجل واستخرج من النسخ الإحتياطي الملفات المُحتفظ بها وتحدث وهو يستخرج التسجيل المطلوب:
-أنا عامل نسخ إحتياطي علي جوجل بينسخ التسجيلات تلقائياً ويحتفظ بنسخة عنده
واستطرد بإبانة:
-متعود أضيف عليه أي نظام مراقبة أقوم بتركيبه،علشان لو حصلت أي مشكلة وأتحطيت في موقف زي ده أقدر أساعد
زاد الشك داخل ياسين بل بات شِبه متأكداً مما حدثهُ به قلبهْ مُنذُ القليل،لكنهُ فضل الصمت إلي أن يحصُل علي مبتغاه وبعدها سيتولي أمر ذاك المُريب ويجعلهُ يقر ويعترف بكل ما يخبأهُ داخل جُعبتهْ
قام سليم بإعادة تشغيل التسجيلات،دقق ياسين وبات ينظر بتمعُن وما أن لمح زوجته الراحلة وهي تترجل من السيارة التي توقفت أمام بوابة الأوتيل حتي شعر بألم إقتحم داخلهُ ومزقهُ،طعنة قوية جعلت قلبهُ ينزف ويتألم علي تلك التي غُدرت بلا ذنب
شعر وكأن أحدهم يقتلع روحهُ وهو ينظر إلي وجه زوجتهُ الشابة وابتسامتها الخلابة وهي تتطلع إلي الأوتيل بسعادة وتتحرك داخلهُ بخطوات حماسية وكأنها تخطو لتحقيق حُلماً طال إنتظارهُ
وعي علي حالهُ حينما إستمع إلي صوت تلك الرقيقة التي شعرت بتمزق روحهُ وهو ينظر إلي زوجتهُ فتحدثت بمؤازرة:
-الله يرحمها،إن شاء الله هي في مكان أحسن
هز رأسهُ وعقب مؤكداً:
-إن شاء الله
تحدث بنبرة جاهد في إخراجها متماسكة:
-يا ريت يا باشمهندس تنسخ لي صورة العربية ورقم اللوحة
وافقهُ سليم ونسخ له صورة السيارة وأيضاً صورة تلك المرأة التي تأكد أنها تلك المدعوة خديجة الراوي،حيثُ أنها كانت تنتظر ليالي وقابلتها بحفاوة ثم اصطحبتها إلي الأعلي حتي دخلتا معاً الحُجرة التي وقعت بها الجريمة،وبعد عدة دقائق خرج رجُلان كُلً منهما يحمل حقيبة كبيرة وبدأ يتسللان ويتخذان الحيطة والحذر بخطواتهما إلي أن وصلا للحُجرةِ المقصودة،دق أحدهم الباب بخفة ففتحت له تلك المرأة وادخلتهما سريعاً
وما هي إلا دقائق وكانت تخرج وهي تحمل إحدي الحقيبتان وتتحرك علي عُجالة وهي تتلفت حولها إلي أن إستقلت المصعد الذي نقلها للأسفل ومنهُ إلي خارج الأوتيل حيث كانت تنتظرها نفس السيارة التي جلبت ليالي وتحركت سريعاً
نسخ سليم صورة الرجلان وبعثها أيضاً علي هاتف ياسين
بعد مرور بعضاً من الوقت وأثناء إنغماس كلاً منهُما بمشاهدة بعض تسجيلات الكاميرات،دخلت فريدة التي خرجت مُنذُ حوالي النصف ساعة وتحدثت إليهما بإبتسامة بشوش:
-العشا جاهز يا جماعة،يلا بينا
وقف ياسين وتحدث معتذراً:
-أنا أسف،يظهر إن الوقت سرقنا
واستطرد بانسحاب:
-أنا همشي وهاجي بكرة علشان نكمل شُغلنا
حضرتك مش هتتحرك من هنا غير لما تتعشي معانا…جُملة نطقتها فريدة بإصرار فاسترسل مُعتذراً من جديد:
-أرجوكِ تعفيني يا باشمهندسة
إنتَ بخيل ولا إيه يا سيادة العميد…قالتها مستفزة إياه كي تُجبرهُ علي مشاركتهم العشاء،أكمل علي حديثها سليم الذي تحدث بلطافة إستغربها ياسين:
-إوعي تكون فاكر إننا علشان عايشين في ألمانيا بقينا أوربيين خلاص واتطبعنا بطباعهم
واستطرد بوجهٍ بشوش:
-إحنا مصريين يا سيادة العميد وطالما وقت الأكل حضر،لا يمكن ضيفنا يُخرج قبل ما يشاركنا فيه
رفع ياسين أحد حاجبيه ونظر إليه باستنكار مُصطنع ثم تحدث بظرافة:
-اللي يشوفك من ساعة واحدة وإنتَ بتطردني برة بيتك،ما يصدقش إن إنتَ نفس الشخص اللي بتعزم عليا بإصرار علشان أتعشي معاكم؟
إبتسامة واسعة خرجت من فم سليم وتحدث بإيضاح:
-دي نقرة ودي نقرة يا سيادة العميد،وما تنكرش إن تصرفي الأولاني كان مُجرد رد فعل علي إسلوبك الأشبه بأمر
إبتسم واومأ بتصديق علي حديثهُ فأردفت فريدة بدفاع عن حبيبها:
-سليم شخص طيب جداً وخدوم،لكن إسلوب اللي قدامه بيفرق جداً في رد فعله،وأكتر حاجة بيكرهها في حياته هي إن حد يقلل من شأنه أو يأمرة
إبتسم ياسين وهو ينظر لهما ولكم العشق الظاهر والمتبادل داخل أعيُنهم،أشار له سليم ليتقدمهُ وبالفعل تحرك ثلاثتهم والتفوا حول طاولة الطعام،أراح ياسين ظهرهُ فوق المقعد ثم نظر لكلا الطفلين فتحدثت فريدة وهي تقدم طفليها له:
-دول ولادنا التوأم،علي وفريدة
إبتسم ياسين وتحدث إلي الصغيرة بترحاب:
-أهلاً يا فريدة
أجابتهُ الفتاة باحترام:
-أهلاً بحضرتك
وتحدث إلي علي بهدوء:
-ازيك يا علي،قولي بقي ناوي تطلع إيه؟
نطق الفتي ذو السبع أعوام بنبرة فخورة:
-هطلع مُهندس زي بابي ومامي
هتفت الصغيرة بنبرة حماسية:
-وأنا كمان هطلع مُهندسة
أردف شقيقها بما إستشاط غضبها:
-بس ده مش إختيارك يا فيري،إنتَ عاوزة تبقي مهندسة علشان سليم أمرك بكدة وبس
غضبت الفتاة فتحدثت فريدة الأم معاتبة صغيرها:
-وبعدين يا علي،مش قلنا قبل كدة بلاش تضايق أختك؟
قطب ياسين جبينهُ وسأل الصغير:
-تقصد بسليم اللي هو بابا؟
ضحكت فريدة وتحدثت بايضاح:
-ده الديكتاتور الصغير سليم إبن علي صديقنا في الشركة،عامل فيها راجل وبيتحكم في فيري وبيختار لها كل حاجة تخصها
واستطردت بفكاهة وهي تُشير إلي إبنتها:
-والأستاذة ما بتخطيش خطوة واحدة ولا بتختار حاجة إلا لما تاخد إذنه الأول
إحمرت عيناي سليم وهتف بنبرة تحذيرية ويرجع هذا إلي شدة غيرتهُ علي صغيرتهُ الجميلة نُسخة فريدتهُ المُصغرة:
-فريدة،أظن سبق وقُلت لك إني ما بقبلش الهزار في الموضوع ده
وضعت كفها فوق فمها تكظم ضحكاتها علي ذاك الغيور،ثم تحدثت إلي ياسين بفكاهة وهي تُشير علي زوجها:
-وحضرته يبقي الديكتاتور الكبير
رفع حاجبهُ وتحدث إليها بشبه إبتسامة جاهد في منعها وفشل:
-بقي كدة يا باشمهندسة،طلعتيني ديكتاتور كمان؟
واستطرد متوعداً بزيف:
-أنا بقي هعرفك إنتِ وبنتك معني كلمة ديكتاتور علي حق
ضحك الجميع وتحدث ياسين بإبتسامة خافتة:
-عيلتك جميلة قوي يا باشمهندس،ربنا يديم سعادتكم
متشكر يا أفندم…قالها بنبرة شاكرة ثم تحدث وهو يُشير إلي صحن اللحم قائلاً:
-كُل من البفتيك هيعجبك قوي،فريدة بتعمله بطريقة هايلة
نظرت إلي زوجها بعيناي تشعُ عشقاً بادلها إياها بنظرات ولهة، لاحظها ياسين وتمني المزيد من السعادة لتلك العائلة الجميلة
إنتهي من العشاء وانتقل إلي حُجرة المكتب من جديد ليُتابعا إكمال عملهما،وبعدها تحرك إلي منزل عابد متخفياً خلف نظارتهُ والقُبعة التي يرتديها كي لا يُكشف عن شخصيته لهولاء المجرمين
بعد قليل كان يجاور عابد الجلوس فوق أريكتهُ وتحدث وهو يرسل إليه تلك الصور التي حصل عليها من سليم عبر تطبيق الواتساب:
-عاوزك تبحث لي عن نمرة العربية دي وتجيب لي كل بيانات صاحبها
واستطرد بإيضاح:
-وبالنسبة للحقيرة اللي إسمها خديجة فانا بعت صورتها لحد تبعنا في المطار،هي أكيد سابت البلد بعد الجريمة علي طول
أردف عابد بنبرة جادة ليُعلمهُ:
-أنا جبت لسعادتك صور الستات اللي كانوا سهرانين معاها يوم ما قابلوا الهانم الله يرحمها في المطعم
واستطرد شارحاً:
-روحت المطعم وبطريقتي قدرت أخد صورهم من تسجيلات الكاميرات
أردف ياسين بحماس:
-تمام جداً،عاوزين نرتب ورقنا كويس قوي علشان نكون مستعدين ونتحرك في الوقت المناسب،مش عاوزين الحكومة أو المخابرات الألمانية يحسوا بتحركاتنا ويبوظوا لنا كل شُغلنا
واستطرد بتذكُر:
-بالمناسبة يا عابد،عاوزين ندور كويس ورا المهندس اللي إسمه سليم،شكله وراه مصيبة كبيرة وأنا لازم أعرفها
أوامر جنابك…نطقها عابد بطاعة واكملا حديثيهما
❈-❈-❈
داخل أحد الأماكن العامة المُطلة علي البحر
كانت تجلس بقبالتهُ تنتظر ذهاب النادل الذي وضع أمامهم ما طلباه من مشروب وتحرك عائداً،حولت بصرها إليه تنتظر قطع صمتهُ الذي دام الكثير،وبعد أن يأست قررت هي أن تقطع الصمت وتبدأ بالحديث:
-لحد إمتي هتفضل تعاقبني يا سراج؟
نظر لها وبعيناي حزينة لاجلها تحدث شارحاً:
-أنا مش بعاقبك يا نرمين،أنا بدي لك فرصة علشان تقدري تقرري وتشوفي إنتِ عاوزة إيه بالظبط
واسترسل برصانة:
-علشان لو حياتنا رجعت زي ما كانت وقتها مش هيكون فيه فرصة تانية للرجوع
أردفت قائلة بتأكيد:
-وأنا بقول لك إني إتأكدت خلاص من مشاعري ناحيتك يا سراج،أنا مش عارفة أعيش في البيت من غيرك،عاوز إيه تأكيد أكتر من كدة
عقب بسؤال متعطش لإجابة بعينها:
-مش يمكن يكون إشتياق للتعود مش لشخصي؟
أجابتهُ باعتراضٍ حاد:
-أنا مش صغيرة علشان ما أعرفش أفرق بين شعور التعود وشعور الإحتياج والحُب يا سراج
واسترسلت بعيناي صارخة:
-إنتَ ليه مش قادر تفهم إني محتاجة لوجودك في حياتي،أنا إتأكدت إني بحبك بجد،إكتشفت إن حياتي من بعدك فاضية وملهاش قيمة
أنا وعلي ورائف ناقصنا كتير قوي من غير حنانك
بعيناي يسكن بها حناناً فائضاً سألها:
-بجد يا نرمين،يعني إنتِ فعلاً بتحبيني؟
بنبࢪة حنون أجابتهُ:
-أيوة بحبك يا سراج،بحبك وبعد كدة مش هحاول أضايقك أبداً بكلامي
مد يدهُ وأمسك كفاها الموضوعان فوق المنضدة وتحدث بنبرة حنون:
-وأنا كمان إكتشفت إني بحبك قوي يا نرمين
واستطرد مُتعهداً:
-واوعدك إني هحاول أغير من نفسي علشان أسعدك
نطقت بسعادة:
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي
واستطردت مستفسرة بتلهُف:
-هتروح معايا؟
أومأ لها بإبتسامة سعيدة بادلتهُ إياها بنظرات ولهة
❈-❈-❈
بعد مرور يومان،داخل مشفي أحمد المغربي
كانت غرفتها في حالة من الهرج والمرج حيث إرتفع ضغطها من جديد وباتت تصرخ من شدة ألمها الذي أصابها،أعطتها الطبيبة الأدوية المناسبة لحالتها وتحدث أحمد باستسلام:
-لازم نولد النهاردة ضروري،كل ساعة هنتأخرها فيها خطورة علي الجنين وعلي حياتك
إتصل بياسين يا شريف خليه ييجي،أنا مش هولد وهو مش موجود…جُملة مُرتعبة نطقها بدموعها الحارة جراء ألمها ورُعبها الشديد علي صغيرتها،تحدث شريف وهو يتحرك علي عُجالة:
-هكلمه حالاً يا حبيبتي ما تقلقيش
حين عقب أحمد المغربي علي حديثها:
-أنا كلمت سيادة العميد من أول ما تعبتي من حوالي أربع ساعات،بس للأسف ما ردش علي المكالمة،بعت له رسالة وشرحت له فيها الوضع وبلغته إننا إحتمال كبير نضطر نولد في خلال ساعات
شهقة عالية خرجت منها جراء بكائها الحار،أما ثُريا التي كانت تجاور سُهير الوقوف فتحدثت لتحثها علي الهدوء:
-إهدي يا مليكة،إنتِ بعمايلك دي هتتعبي أكتر
عقبت مُنى قائلة بتأكيد:
-طنط ثُريا عندها حق يا مليكة،التوتر والخوف اللي إنتِ فيه ده هيخلي الحالة حرجة أكتر،وساعتها هنضطر ندخلك أوضة العمليات حالاً
بحالة من الإنهيار نطقت بدموع منسابة:
-لا يا دكتورة أرجوكِ،حاولي تعملي أي حاجة تأجلي بيها الولادة لحد ما ياسين ييجي
واستطردت وهي تهز رأسها برفضٍ أظهر كم رُعبها الذي يسكن داخلها:
-أنا مش هقدر أدخل أوضة العمليات من غيره،مش هقدر
هتفت سُهير بدموعٍ وتوجُع لاجل غاليتها:
-إهدي يا بنتي حرام عليكِ اللي بتعمليه في نفسك وفيا ده
هتفت وهي تُمسك كف ثُريا بعيناي راجية:
-كلمي يُسرا تجيب لي الولاد أشوفهم يا ماما،عاوزة أشوف مروان علشان أوصيه علي إخواته
يا بنتي حرام عليكى اللي بتعمليه فيا ده،حسي بيا وبالنار اللي جوايا بقي…نطقتها سُهير التي إحتضنت إبنتها وباتا تبكيتان تحت تأثر الجميع ودموع ثُريا المتأثرة والتي تحدثت إليها:
-خلي عندك ثقة ويقين بالله يا مليكة،إن شآء الله هتقومي بالسلامة ومحدش هيربي وياخد باله من ولادك غيرك
بالخارج،تحدث شريف إلي سيادة اللواء عز المغربي الجالس بجانب سالم عثمان يترقبان الوضع بقلوب مرتجفة:
-وبعدين يا عمو،سيادة العميد تليفونه مقفول والدكتور بيقول إن لازم مليكة تولد
أنزل طارق هاتفهُ من علي أذنه حيث أنه يحاول الوصول إلي شقيقهُ بأية وسيلة وبكل مرة يفشل،هتف باستسلام:
-أنا مش عارف ياسين قافل تليفونه ليه؟
خرج أحمد المغربي من الحُجرة وتحدث بجدية إلي عز وسالم:
-أنا مُضطر أولد حالاً،الضغط عالي جداً وكل ساعة بتعدي فيها خطر علي حياة الجنين،وحياة مليكة نفسها أصبحت في خطر
تحدث عز علي عُجالة:
-إتكل علي الله وما تضيعش وقت يا أحمد
أومأ بهدوء وتحدث:
-هبلغهم يجهزوا العمليات حالاً
واسترسل بملامح وجه مترقبة:
-حابب أبلغكم حاجة مهمة علشان تكونوا مستعدين
نظر لهُ الجميع بترقُب فاسترسل بأسي:
-بنسبة كبيرة جداً البنت مش هتعيش،النبض قل بصورة كبيرة،وزي ما انتوا عارفين إنها لسة في بداية الشهر السابع
أطلق عز تنهيدة حارة لأجل نجلهُ الذي بات يتلقي الصفعات مؤخراً بطريقة مؤلمة،إستغفر ربهُ وبات يناجيه علي أن يُنجي تلك المليكة وطفلتها وأن يرفق بصغيرهُ الذي أوجعتهُ وانهكتهُ كثرة الصدمات
بعد مرور حوالي نصف ساعة،وضعوها الممرضات فوق المقعد المتحرك بعد أن ساعدوها في إرتدائها للثياب الخاصة المناسبة لإجراء العملية،كانت تتحرك بالمقعد داخل الرواق في طريقها بإتجاة غُرفة العمليات تحت أنظار الجميع المؤازرة ودعواتهم المصاحبة،وقف والدها وتحدث بعدما وضع قُبلة حانية فوق جبهتها عبر لها كم أنهُ يحتفظ بداخلهِ من حُبٍ كبيراً لها:
-أنا مستنيكي إنتِ وحفيدتي،ما تتأخروش
هزت رأسها عدة مرات متتالية ودمعة هاربة فرت من مقلتيها رُغماً عنها نزلت علي قلب سالم أحرقته،بعد بضعة دقائق كانت تستلقي فوق الشزلونج الخاص بالولادة،يلتف حولها طاقم من الأطباء يضم دكتور أحمد وزوجتهُ دكتورة مني وطبيب التخدير وطبيب خاص بالأطفال ليستقبل الصغيرة ويطمأن علي حالتها إذا خرجت علي قيد الحياة،وطاقم من الممرضات الماهرات لمساعدة الأطباء
بدونهُ كانت تشعُر بأنها طفلة تائهةً بصحراءٍ جرداء،جسدها يرتجفُ من شدة هلعها،كم كانت تريدهُ بأن يُجاورها ويكونُ بجانبها بتلك اللحظةِ الحرجة،ويستقبل طفلتهما التي حتماً ستكون بخير إذا ما إستشعرت وجودهُ حولها،كم كانت تُريد أن يُعاهدُها بأن يضع أطفالها صوب عيناه إذا حدث لها مكروهاً ورحلت إلي خالقها حيثُ دار الآخرة
أخرجها مما هي عليه صوت طبيب التخدير الذي تحدث إليها بنبرة هادئة وطمأنة:
-ما تقلقيش،هتكوني بخير
أومأت له فسألها بنبرة رحيمة:
-جاهزة
بدموعها أومأت فاسترسل بيقين:
-إنطقي الشهادة وسلمي أمرك لله
ونعم بالله نطقتها بدموعها

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى