رواية وارتوى الفؤاد الفصل الخامس 5 بقلم سهام صادق
رواية وارتوى الفؤاد الجزء الخامس
رواية وارتوى الفؤاد البارت الخامس
رواية وارتوى الفؤاد الحلقة الخامسة
يختار المرء أحيانًا طريقه وهو متخبطًا، لا يدري هل قراره هو الصواب أم حفر لنفسه بئر مظلم ليسقط فيه.
لقد تمت الخِطبة منذ أسبوعين و صَار “سفيان الراشد” خطيبها.
وهـا هي اليوم تجلس جواره بسيّارته متجهين إلى القاهرة من أجل حضور خِطبة “حاتم” على “ماريهان” تلك الجميلة التي لم تهدء “هبة” صديقتها إلا عندما أتت لها بصورتها من أحد مواقع التواصل الإجتماعي.
“ماريهان” الفتاة التي حظت بــ قلب الرَجُل الذي ظلت لعامين تتمنىٰ أن تلفت نظره وتتخيل بغباء أن إبتسامته ونظرته إليها ربما بداية إعجاب سيتطور لــ حُب لكن كل شئ اتضحت صورته.
_ مالك سرحانه في إيه؟
تساءَل “سفيان” بعدما رمقها بنظرة خاطفة سريعة ثم عاد يركز أنظاره على الطريق.
بتوتر ردت بعدما جلت حنجرتها.
_ قلقانه شويه، اصل دي اول مرة احضر معاك مناسبة عائلية ويعني لسا إحنا مخطوبين.
اِبتسم “سفيان” ونظر إليها بنظرة سريعة.
_ إن شاء الله مش هتكون أول ولا آخر مناسبة لأنك خلاص بقيتي من العيلة يا “سلسبيل”.
ألجمها حديثه الذي يؤكد لها إصراره على إستكمال خِطبتهم بل ويرى فيها الزوجة التي ستكون فرد من أفراد عائلته وستشاركه مناسباتهم.
_ عارفه مبسوط اوي إن عم “رضوان” وافق تحضري معايا الخطوبه.
وأردف وهو مبتسمًا، فاجتذبت إبتسامته عيناها.
_ وأنا بطلب منه إنه يسمحلك تحضري معايا الخطوبة كنت حاسس زي التلميذ اللي مش عارف يقول للمدرس ليه مكتبش الواجب وإنه هيكتبه بس يسبله فرصة.
ضحكت على تشبيهه اللطيف وأخفضت عيناها نحو باقة الأزهار التي جلبها لها اليوم قبل أن تستقل معه السيّارة.
_ ضحكتك حلوه يا “سلسبيل”، اضحكي على طول.
قالها “سفيان” دون النظر إليها وعلى محياه اِرتسمت إبتسامة خفيفة. توقفت “سلسبيل” عن الضحك وازدرت لُعابها ومَا زالت عيناها نحو باقة الأزهار.
••••
حفل الخِطبة كان في أرقىٰ قاعات القاهرة ليبتسم “سفيان” عند دلوفهما سويًا وقال بصوت هامس بعدما لاحظ تباطئ خُطواتها.
_ متقلقيش أنا معاكِ تمام.
بالفعل كان معها أغلب الوقت حتى لو لم يكن بقُربها لكن عينيه لا تبتعد عنها بل كلما تحركت او اِقترب منها أحد وإلتفت حولها وجدته ينظر إليها.
_ أنتِ عملتي إيه لاخويا يا “سلسبيل”، ده عينه متشالتش من عليكي… لا لا أنا كده هغير.
قالتها “زينة” بمِزاح وسعادة من أجل سعادة شقيقها، فأطرقت “سلسبيل” رأسها وأخذت تداعب الصغير “سفيان” الذي أعطته لها “منار” وذهبت لتقف بالقُرب من زوجة عمها.
ثم أردفت “زينة” قائلة:
_ هاتي اشيل “سفيان” الصغير، “منار” اختي دي ما بتصدق ترمي الولد لاي حد.
إبتسمت “سلسبيل” وهي تضم الصغير إلى حضنها.
_ لأ خليه معايا.. هو لطيف وهادي.
_ أه لو “زين” سمع الكلام ده.
هتفت بها “زينة” وهي تبحث بعينيها عن صغيرها “زين” الذي إلتصق اليوم بعائلة والده.
_ قصدك اه لو أنا سمعت الكلام ده، هو انتوا وعيالكم هتشاركوني فيها… فين “منار” تيجي تاخد ابنها.
قالها “سفيان” وهو يحمل الصغير من حضن “سلسبيل” وقد اِندهشت “سلسبيل” من قدومه ووقوفه بجانب مِقعدها لترفع “زينة” أحد حاجبيها بمشاغبة.
_ بقى كده يا “سفيان”، من اولها كده بتغير ومش عايز حد من عيالنا يشاركك في “سلسبيل”… ردي يا “سلسبيل” عليه.
طالعتهم “سلسبيل” بخجل؛ فهي -مَازالت- لم تعتاد على مناكفتهم واندماجها معهم كــ عائلة واحدة.
_ “سلسبيل” مش هترد عليكي وخدي “سفيان” لاختك اللي عماله تتنطط هنا وهناك.
كادت أن تتحدث “زينة” لتأتي “منار” من ورائهم تصيح بلهفة.
_ أنتوا مالكم عَمّالين ترموا ابني لكل واحد فيكم شويه، عملوا فيك إيه يا حبيبي؟
إلتقطته “زينة” من على ذراعيّ شقيقها ثم دفعته إلي شقيقتها برفق قائلة:
_ خدي ابنك لأنه عزول ولو متحركناش إحنا كمان دلوقتي هنكون عزول.
خرجت شهقة “منار” بصدمة ونظرت نحو “زينة” التي أخذت تحرك رأسها لها بتأكيد ثم مالت بجسدها نحو “سفيان” الجالس ولم يعطي إهتمامه لهن.
_ اتغيرت يا “سفيان”، اتغيرت واتخليت عن اخواتك.
لم تشعر “سلسبيل” بحالها إلا وهي تضحك ثم أسرعت بوضع يدها على شفتيها.
_ اضحكي يا “سلسبيل” ما أنتِ خلاص اخدتيه مننا، ده أنا هعمل عليكي حما خلاص.
قالتها “زينة” وهي تضحك، فهتفت “سلسبيل” بحرج.
_ أنا مش قصدي والله.
••••
_ بناتك مبسوطين أوي بخطيبة اخوهم يا “صباح”، ياختي مشوفتش فرحتهم دي مع “مروة” بنتي.
نظرت “صباح” نحو اِبنتيها ووقوفهم بجانب شقيقهم وأخذت تتمتم بسرها ببعض الآيات.
_ “سلسبيل” كانت قريبة من “زينة” من قبل ما “سفيان” يفكر يخطبها، حتى “مروة” من اول ما “سفيان” فكر يخطب “سلسبيل” وهي دايمًا كلامها طيب عليها.
اِمتقعت ملامح “فاتن” وإلتوت شفتيها بإستنكار.
_ “مروة” بنتي دي طول عمرها هبله، أنا البت دي لما كانت بتطلع عندنا ساعات تقعد مع “مروة” كنت احرس ليكون “حاتم” اجازة وقاعد.
ضاقت حدقتيّ “صباح” ونظرت نحو “فاتن” تتساءَل.
_ تحرسي من إيه يا “فاتن” وإيه كلامك ده… لأ فهميني ياختي في إيه من ورا كلامك.
اِبتسمت “فاتن” وهي تُلقي بنظرة متفاخرة نحو عائلة الفتاة التي خطبها ولدها.
_ يا “صباح” يا اختي ابني ما شاء الله عليه زينة الشباب وأي واحدة تتمنى تكون ليه وتدخل العيلة، أنا لحد دلوقتي مش عارفه أنتِ وافقتي بالبنت دي إزاي، ما في عائلات تانيه في البلد تستاهل نناسبها.
زفرت “صباح” أنفاسها براحة بعدما فهمت كلام “فاتن” المبطن وقالت:
_ “سلسبيل” مهندسة ما شاء الله وبنت ناس اصل ومحترمين وجميلة والأهم هو اختارها… هو أنتِ يا “فاتن” قدرتي تخلي “حاتم” يتجوز “أحلام” بنت اخوكي.
اِحتقنت ملامح “فاتن” وشعرت بالسخط ليخرج صوتها بتهكم.
_ مهندسه وكانت شغاله عند “محمد” ابني في الصيدلية.
قالتها “فاتن” بعدما لم تجد حديث تقوله ثم واصلت كلامها وهي تلوي شفتيها.
_ لكن “حاتم” ابني ما شاء الله عليه عرف يختار، شايفه النسب يا “صباح”.
اِبتسمت “صباح” وربتت على كف يدها وقد اِرتفعت أصوات الموسيقى عاليًا بعدما أعلن منظمين الحفل عن قدوم العروسين أخيرًا.
_ ربنا يسعده يا “فاتن”، “حاتم” ده ابني وفرحتي بيه النهاردة متتوصفش.
شعرت “فاتن” بالضيق؛ فمهما حاولت أن تكيد “صباح” لا تستطيع.
بدأت مظاهر الإحتفال، وظهرت العروس الجميلة سليلة الحسب والنسب تتأبط ذراع “حاتم” المبتسم بسعادة.
نغزة قوية اِنغرست في قلب “سلسبيل” وهي تراه سعيد.
تعلقت نظراتها نحو “سفيان” الذي تركها مع شقيقاتها وقد أتت والدته للجلوس معهم على نفس الطاولة.
_ إن شاء الله هنعملك احلى حفل زفاف يا عروسة ابني.
قالتها “صباح” عندما ظنت أن نظرة الحسرة التي رأتها بعينين “سلسبيل” ما هي إلا نظرة حزن لأنها لم تحظى بــ حفل خِطبة كهذا.
اِبتسمت لها “سلسبيل” وحاولت أن تخرج صوتها بثبات حتى لا تفضحها حرقة قلبها على وهم كانت تعيشه.
_ أبدًا يا طنط أنا مش زعلانه ولا بفكر في حاجة زي دي، و ماما الحمدلله عودتني مقارنش حياتي بحد.
إلتمعت عينين “صباح” بسعادة؛ فرغم عدم حماسها بالبداية من اختيار ابنها لها وترددها؛ إلا أن “سلسبيل” يومًا بعد يوم تظهر لها مدى تربية والديها لها وطيبة أصلها.
_ ربنا يرضى عنك يا بنتي ويكمل فرحتي بيكم على خير.
كانت الإبتسامة تعلو شفتيّ “سفيان” الذي وقف جِوار عمه “سليمان” وابن عمه الطبيب “محمد” وباقي رجال العائلة.
_ يا بني هي هتهرب منك، دي حتى قاعدة مع الحاجة “صباح” وشكلهم هيعملوا حلف نسائي عليك.
قالها “محمد” بهمس خافت بعدما زجره بذراعه؛ فارتبك “سفيان” قائلًا:
_ مش فاهم قصدك يا “محمد”.
ارتفع كلا حاجبين “محمد” ونظر له بنظرة بإستنكار.
_ هنستعبط يا ابن عمي.
اِبتسم “سفيان” وأشاح عيناه بعيدًا عن الطاولة التى تجلس عليها والدته و “سلسبيل”.
تلك التنهيدة الطويلة التي خرجت من بين شفتيّ “محمد” جعلت “سفيان” يتجه بأنظاره إليه.
_ مالك يا “محمد”؟
تبدلت ملامح “محمد” التي كانت البهجة تحتلها منذ لحظات واِحتل الوجوم ملامحه.
_ عجبك اللبس والمسخرة اللي إحنا فيها، ده الواحد حاسس إن واقف في ملهي ليلى.
تنهد “سفيان” بقوة، فجميع رجال عائلتهم ينظرون حولهم بإستياء ويتهامسون؛ فاستطرد “محمد” قائلًا وهو ينظر نحو شقيقه الذي نهض ليرقص مع عروسه.
_ النسب ده مينسبناش يا “سفيان”، تفتكر البنت دي هتقبل تعيش عندنا في الأرياف.
هَـز “سفيان” رأسه بآسف ثم ألقىٰ بنظرة سريعة حوله.
_ بس أهلها ناس كويسين.
_ لكن مش شبهنا يا “سفيان”.
تمتم بها “محمد” وهو ينظر نحو والده الذي ظهر على ملامحه عدم الرضىٰ بما يحدث حوله ويراه.
••••
لم تبرح “سلسبيل” مكانها رغم محاولات “زينة” و “منار” في جذبها لتقف بينهم وسط فتيات ونساء العائلة.
حاولت مرارًا ألا تنظر نحو “حاتم” الذي طغى الفرح على ملامحه وتصرف عيناها بعيدًا عنه لكن رغمًا عنها كانت تنظر إليه وتبتلع غصتها.
لم تفرح بخِطبتها وهو الآن يطير من السعادة والفرح… صدقت “هبة” عندما أخبرتها في مكالمتهم هذا الصباح أن تفيق من هذا الوهم وتنظر إلى ما بين يديها حتى لا يزول.
تنهيدة حارة خرجت من بين شفتيها عندما وقعت عيناها على خاتم خِطبتها وهي تخفض رأسها نحو يديها المتشابكتين ببعضهم.
••••
عادت “سلسبيل” في نفس الليلة إلى البلده مع “سفيان” لكن بقية العائلة قرروا قضاء الغد بالعاصمة؛ فهم يمتلكون -بحي المعادي- عدد من الشقق في أحدى البنايات التي تعد من أملاك “جمال الراشد”.
_ احكيلي يا “سلسبيل” اتبسطي.
تساءَلت والدتها عند دلولفها ليهتف والدها قائلًا:
_ الصباح رباح يا “روحية”، سيبي البنت ترتاح.
اِمتقعت ملامح “روحية” لتقترب منها “سلسبيل” وتُقبل خدها.
_ اتبسط اوي يا ماما.
_ طيب يعني اتبسطي مع خطيبك.
اِندهشت “سلسبيل” من سؤال والدتها ولم تفهم سببه ليزفر “رضوان” أنفاسه بقوة متمتمًا.
_ قولنا نخلي الكلام بكره الصبح.
نظرت “روحية” إلى زوجها بنظرة ساخطة؛ فهي كل ما تُريده أن تطمئن على ابنتها التي منذ خِطبتها لا ترى علي ملامحها سعادة الفتيات.
_ ادخلي يا بنتي اوضتك ارتاحي.
قالها والدها وهو يربت على كتفها، لتتجه نحو غرفتها في صمت.. فهي بالفعل تحتاج إلى الراحة.
عند دخولها إلى الغرفة وغلقها الباب ورائها، أسندت ظهرها عليه ورفعت يدها لتضعها على قلبها.
_ لازم انساه هو ميستحقش إني افكر فيه وأحبه.
••••
في اليوم التالي….
بعدما قضت “سلسبيل” الصباح تقص لوالدتها ما حدث بحفل الخِطبة دخلت غرفتها لتجلب هاتفها وتُهاتف “سفيان” حتى تدعوه لتناول طعام الغذاء معهم.
اِندهشت “سلسبيل” من رسائل “تغريد” العديدة وجميعها بها عبارات يرجف القلب منها.
دمعت أعيُنها ومررت إصبعها على شاشة هاتفها حتى تُحادث “تغريد” وتسألها ما السبب الذي جعلها مَازالت تحقد عليها وتَظُن أنها خطفت منها “سفيان”.
بعد أول رنين فتحت “تغريد” المكالمة وقالت بنبرة حاقدة.
_ أهـلاً بــ “سلسبيل” هانم خطافة الرجاله.
اِتسعت حدقتي “سلسبيل” وردت عليها بلسان ثقيل.
_ أنا خطافة رجاله يا “تغريد” الله يسامحك.
_ اعمليهم عليا ياللي كنت فكراكي صاحبتي،، لعبتي عليه واخدتيه.
وضعت “سلسبيل” يدها على فمها للحظه ثم هتفت وهي تغلق باب غرفتها.
_ اخدته منك؟؟ تاني يا “تغريد”… أنتِ ليه مش مصدقه إن “سفيان” اتقدم ليا عشان شافني في الفرح.
_ كنتي رفضتيه لكن أنتِ طماعه و وصوليه ودايمًا عايزه الأحسن ليكي.
_ ربنا يسامحك ويهديكي يا “تغريد”.
قالتها وهي تجلس على فراشها بوهن لتهتف “تغريد” بسخرية.
_ ادعي لنفسك ربنا يسامحك، يارب ما تشوفي الفرح يا “سلسبيل”.
شعرت “سلسبيل” وكأن سكين انغرز بقلبها لتبعد الهاتف عن أذنيها بعدما أنهت “تغريد” المكالمه ونظرت إلى الهاتف بأعين جاحظة.
••••
_ بتدعي عليكي ليه، هي البنت دي تعبانه في عقلها.
تمتمت بها “هبة” وهي تشعر بالإختناق على حال صديقتها.
_ مكنتش فاهمه السبب اللي خلاها تكلمني بعد ما جاتلي البيت وقالتلي اقطعي علاقتك بيا… بس لما شوفت الصور اللي نزلتها “مروة” على صفحتها الشخصية وشوفت صور العيلة في الخطوبة وانا كنت في الصور مع “سفيان” عرفت السبب.
_ وفيها إيه ده خطيبك وأنتِ متصوره معاه ومع العيله كلها.
قالتها “هبة” بإستياء لتتنهد “سلسبيل” قائلة بصوت ضعيف.
_ قلبي موجوع أوي يا “هبة”، مش كفايه اللي أنا فيه.
بنبرة صوت قوية تساءَلت “هبة” بعدما لطمت صدرها.
_ مالك يا “سلسبيل”؟.
بأعين دامعة وخزي ردت “سلسبيل”.
_ أنا لسا بحب “حاتم” يا “هبة”
••••
وقفت “تغريد” أسفل البناية التي يحتل فيها طابق بأكمله مكتب الإستراد والتصدير الخاص بعائلة “جمال الراشد”.
أخذت تنظر إلى الوقت بهاتفها… فهي مُنذ ساعة وهي تقف وقفتها هذه.
عندما إلتقطت عيناها خروج “سفيان” وإتجاهه نحو سيارته، أسرعت بترتيب ملابسها وحجاب رأسها.
عندما اِقترب “سفيان” من سيارته قطب حاجبيه في حيره ونظر إليها وظنت أنه سيُحادثها لكنه تجاهل وجودها.
_ استاذ “سفيان”.
إلتف “سفيان” نحوها؛ فاقتربت منه “تغريد” ليتساءَل.
_ فيه حاجة يا آنسة؟
حدقت به “تغريد” ثم سحبت عيناها بعيدًا عنه وقبضت بيديها على قماش تنورتها.
_ أنا “تغريد” بنت عم “حمدي” الله يرحمه، حضرتك بتيجي عند بيت عمي كل شهر يعني عشان..
خرج الكلام من بين شفتيّ “تغريد” متقطعًا ليحك “سفيان” أسفل ذقنه قائلًا:
_ خير يا أستاذه “تغريد”؟
نظرت إليه “تغريد” بلهفة.
_ أنت فاكرني؟
زفر “سفيان” أنفاسه بقوة، لترتبك وتخفض رأسها وكاد أن يسألها ما سبب وجودها جوار سيارته وأمام مقر عمله لكنها بحديثها أضاعت أي كلام على طرف لسانه.
_ أنا جايه اقولك إن “سلسبيل” متستهلكش وبتضحك عليك.
تجهمت ملامح “سفيان”؛ فتراجعت بخُطواتها إلى الوراء إلى أن إلتصق جسدها بالجزء الخلفي من السيارة وأردفت بتعلثم وقد شعرت بالمأزق الذي وضعت حالها فيه.
_ هي مبتحبكش واتغصبت على خطوبتها منك، أهلها غصبوها.
••••
أسبوع بأكمله تشعر فيه “سلسبيل” بأن “سفيان” يتهرب من الحديث معها حتى أن مكالمتهم اليومية صارت هي من تبادر بها.
_ مش عارفه يا “هبة”، حاسه إنه اتغير.
تنهدت “هبة” ثم أخذت تمرر يدها على خُصلات شعرها وتفكر معها بالسبب.
_ يمكن حس بحاجة.
اِحتقنت ملامح “سلسبيل” من قولها لتُسرع “هبة” قائلة بندم.
_ يا بت أنا بفكر معاكي وأنتِ عارفاني بقول كلام أهبل.
أرخت “سلسبيل” جفنيها وزفرت أنفاسها بزفرة طويلة.
_ محدش يعرف حبي لــ “حاتم” غيرك يا “هبة” وأنا من ساعة خطوبة “حاتم” وعاهدت ربنا إني هنساه وهحاول احب “سفيان”.
تناست “هبة” ما يتحدثون عنه ورفعت أحد حاجبيه وتساءَلت بمكر.
_ حبيتي “سفيان” يا “سلسبيل”؟.
أغلقت “سلسبيل” جفنيها بقوة وسحبت نفسًا عميقًا ثم أخرجته ببطء.
_ “سفيان” شخص جميل ورائع بس مشاعرنا مش بإيدينا ومش من يوم وليله هقول خلاص نسيت حبي لــ “حاتم”.
_ حبك لــ “حاتم” وهم يا “سلسبيل” وبكره تقولي “هبة” صاحبتي قالت.
قالتها هبة” وهي تتمنىٰ داخلها أن يأتي اليوم الذي تعترف فيه “سلسبيل” بهذا الأمر دون أن تخسر رَجُلًا كــ “سفيان”.
في مساء هذا اليوم الذي أفاضت بمكنوناتها إلى صديقة طفولتها وجدت “سفيان” يُهاتفها، شعرت باللهفة وهي ترى رقمه وردت علي الفور.
_ “سفيان” أنا اتصلت بيك كتير النهاردة.
تسطح “سفيان” بإرهاق على فراشه؛ فهو عاد اليوم من رحلة عمله القصيرة.
_ لسا راجع من بورسعيد ومشوفتش التليفون غير دلوقتي.
تعجبت من طريقة كلامه ليردف قائلًا:
_ معلش كنت مشغول بسبب ضغط الشغل.
_ أنا مكنتش اعرف إنك مسافر، مقولتش ليه عشان اطمن عليك.
ابتسم “سفيان” وهو يُغلق جفنيه.
_ قولتلك في وسط كلامنا من يومين لكن أنتِ مأخدتيش بالك.
_ أنا آسفة.
تمتمت بها “سلسبيل” بأسف حقيقي ليزفر “سفيان” أنفاسه بثقل قائلًا:
_ تصبحي على خير يا “سلسبيل”.
••••
بعد يومين من تلك المكالمة -الفاترة- التي حسم فيها “سفيان” قراره حتى يقضي على ذلك الشك الذي زرعته داخله “تغريد” بعدما أخبرته أن “سلسبيل” تم إجبارها لـلموافقة عليه.
أتى “سفيان” لــ زيارة “سلسبيل” وقد تركهم والديها للجلوس بعض الوقت بمفردهم.
_ “سلسبيل” أنا عايز اكلم والدك النهاردة إن الفرح يكون بعد شهر، “مهاب” اخوكي خلاص نازل اجازه وده انسب وقت، ولا أنتِ ليكي رأي تاني؟
باغتها “سفيان” بقراره لتبتلع ما إرتشفته من قطرات العصير بصعوبه وأخذ صدرها يعلو ويهبط من شدة توترها.
_ بعد شهر!!، بس إحنا كنا متفقين بعد ست شهور.
تنهد “سفيان” وإلتقط كأس العصير الذي أمامه وقال بهدوء بعدما ركز أنظاره عليها حتى يرى ردة فعلها.
_ أنا شقتي جاهزة وكل حاجة اقدر اعملها الحمدلله في وقت قصير ليه نفضل مخطوبين خمس أو ست شهور.
توترت “سلسبيل”، فهي في بداية إعتيادها عليه وقد فاجئها ما أخبرها به.
_ رأيك إيه يا “سلسبيل”؟
تعلقت عيناها به؛ فهي صارت لا تعرف ماذا تُريد.
_ الرأي رأي بابا.
••••
هذا وهم!!!،، حبها لــ “حاتم” مجرد وهم و “سفيان” رَجُل رائع ..
هذا ما أخذت تردده “سلسبيل” طيلة ليلتها التي تسبق الليلة التي ستزف فيها عروس وتكون فرد من أفراد عائلة “الراشد”.
أقيم حفل الزفاف في أفضل وأرقى قاعات مدينتهم، ثوب الزفاف جلبه لها “سفيان” من دبي عندما كان في رحلة عمل هناك، كان وكأنه صمم خصيصًا لأجلها، كل شئ حلمت به في هذه الليلة حققه لها “سفيان” ولا تستطيع إنكار أنه يعطيها أكثر ما تعطيه هي.
لم تتأثر اليوم عند رؤية “حاتم” وخطيبته بل بالعكس كان تركيزها كله ينصب على فرحتها وفرحة عائلتها وذلك الذي يمسك يدها بحُب ولا يصدق أنهم بعد سويعات قليلة سينغلق عليهم الباب وتكون له.
اِنتفض جسدها عندما أغلق “سفيان” باب الشقة لتغمض عينيها بقوة وسُرعان ما كانت ترتفع دقات قلبها.
اِقترب منها ببطء يضع يديه على خصرها ثم أدارها برفق إليه قائلًا بصوت رخيم.
_ مبروك يا “سلسبيل”.
اِرتجفت وشعرت أن صوتها هرب لتُحاول بصعوبة إخراج صوتها.
اِبتسم “سفيان” وهو يرى خجلها الواضح على ملامح وجهها ومحاولتها في الرد عليه.
_ من أول يوم شوفتك فيه وأنتِ احتليي قلبي و عقلي.
تحركت يَديه بخفة من على خصرها إلى أن وصل بهما نحو ذراعيها.
دغدغها ذلك الشعور الجديد وتخدر جسدها بالكامل ثم رفرفت بأهدابها.
_ أنا…
تساءَل وهو يلصقها بصدره.
_ أنتِ إيه يا “سلسبيل”.
وهل لديها معرفة بما تُريد أن تقوله. كادت أن تخفض رأسها لكن وجدته يمنعها ويهمس بأنفاس خرجت ثقيلة وبطيئة.
_ أنتِ جميلة أوي يا “سلسبيل”.
وضاع أي حديث آخر رتبه داخل عقله، وترك لشفتيه الحرية.. ولم تشعر بحالها إلا وهي على ذراعيه يتجه بها نحو غرفتهم.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وارتوى الفؤاد)