روايات

رواية قلوب حائرة الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت الحادي والسبعون

رواية قلوب حائرة الجزء الحادي والسبعون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة الحادية والسبعون

🦋 الفصل الثلاثون 🦋🦋
ما عُدْتُ أعلمُ من أين الضربةِ التاليةِ ستَأتِيني
ولهذا بِتُّ أتَلفَّتُ هَلعاً علي أحبَّتي بجميعِ إتجاهاتِي
أصبحتْ رُوحِي مُهتَرِئةٍ جراءَ وطْأةِ شعوري المريرِ بالذنبِ تجاهَ كُل منْ حولِي
وما عاد شئٍ يُعيدُ لي رونقِ حياتِي وبجمالِها يُشعِرُني
جُل ما عُدتُ أتمنَّاهُ هو طيِّ وتَبَدُّدِ تلك الصفحةِ المُهترِئةِ المليئةِ بالألامِ والعِبَراتِ
وانقشاعِ غيْمةِ الهمومِ والأحزانِ التي استوطنتْ وغزتْ رُوحِي ،واستبدالها بإشراقٍ جديدٍ لنورِ مُهجتي والعودةِ لكياني
فمِن اللهِ الإعانة وعلي جلالتِهِ الإستعانة
ياسين المغربي
بقلمي روز أمين
أطلقت مليكة صرخةُ متأوهة بعدما تحاملت علي حالها بما يكفي وكأنها بتلك الصرخات تُعلن إستسلامها بعد وصولها للمنتهي من التحمُل:
-أااااااااه
إلتفتت إليها يُسرا بإرتياب وهتفت ثريا تسألها بذُعر:
-مالك يا مليكة؟
هتفت بارتياع وألم شديد:
-هموت يا ماما،همووووت
مليكة…نطقها وهو يهرول عليها بقلبٍ يخفق بشدة وكأنهُ يصارع الموت،وما هي إلا ثواني وكان يقف أمامها يتفقدها بفزعٍٍ وهو يسألها بقلبٍ مُرتجف:
-مالك يا مليكة،فيكي إيه يا قلبي…قالها بنبرة تُقطرُ هلعاً فنطقت بصراخ وألم وهي تنظر له بعيناي مُستنجدة:
-بطني بتتقطع يا ياسين،هموت مش قادرة
إلتف الجميع حولها وباتوا يتطلعون علي مظهرها المتألم وصرخاتها الحادّة،أما أيسل فارتعبت ووضعت كفها فوق فاهها وباتت تتراجع إلي الخلف،هتفت يُسرا قاصدة بحديثها ياسين:
-إتصل بدكتورة مُني تيجي بسرعة يا ياسين
هتفت ثُريا بإيضاح:
-مش هينفع كشف منزلي،دي محتاجة تروح المستشفي حالاً
أشار عز بكفهِ إلي طارق وصاح بنبرة قلقة:
-دور العربية بسرعة وهاتها قدام البوابة يا طارق
بسرعة يا طارق…قالتها منال التي شعرت بالذنب لما حدث لتلك المسكينة بسبب حديث حفيدتها الإفترائي”نعم”ومن يعلم بحال ليالي أكثر من منال ذاتها،فهي التي دائماً ما كانت تدافع عنها وتحتوي أخطائها وعيوبها
حملها ياسين بين ساعديه وأنطلق بها مُتعجلاً تحت صرخاتها المتألمة التي لم تهدأ بل تتزايد،أراد الجميع اللِحاق به ولكن منعهم ياسين تجنباً لإحداث ضجة في المشفي،ذهب معهُ طارق ووليد وأيضاً يُسرا وراقية التي أصرت علي الذهاب لفضولها ليس أكثر
أما عز فوقف يتطلع علي أثرهم بقلبٍ يتمزق وعقلٍ غير مُدركاً كم المصائب التي تراكمت وحطت علي عائلتهُ بوقتٍ قصير وجعلت قلبهُ يُعلن عن إستسلامهْ،شعرت ثُريا بارتخاء جسدهِ الناتج عن عدم أخذهِ القسط الكافي من النوم مع عدم تناولهُ للطعام وأيضاً بذلهِ لمجهودٍ ذِهني وبدني يفوقُ طاقة تحملهُ،فأسرعت إليه وتحدثت وهي تحثهُ علي التحرُك:
-تعالي إقعد وارتاح يا سيادة اللوا
حول بصرهِ إليها وتعمق بعيناها بتألُم ثم تحدث بنبرة خافتة إنهزامية:
-أرتاح،ومنين هتجيني الراحة بعد كل الكوارث اللي حلت علي عيلتي دي يا ثُريا،أنا حاسس إني في كابوس بشع
واسترسل وهو يرفع بساعديه في الهواء لأعلي ويُنزلهما بتراخي وأستسلام يظهران كم ما أصابهُ من إحباط:
-مرات إبني الكبير تتقتل بالشكل الوحشي ده علي إدين ناس ما تعرفش ربنا،ومرات إبني الصُغير اللي عايشة في بيتي من أكتر من تلات سنين تطلع جاسوسة وهي اللي ساعدت في قتلها،وفجأة كدة يطلع لي حفيدة من واحدة مُجرمة كانت رمياها مع أعدائي
نزلت كلماتهُ القاسية علي قلب ذاك المصدوم الجالس بجسدٍ متراخي فـ شطرتهُ لنصفين من ثِقل واقعها الأليم،واسترسل وهو ينظر لها بنبرة متألمة:
-وما بين ولادي وصدمتهم و وجع أحفادي علي أمهم اللي راحت،تتعب مليكة بالشكل ده
إهدي يا عز…نطقها عبدالرحمن الذي ما زال جالساً وصدمة ما استمع إليه تُسيطر علي عقله وتجعل منهُ مُشتتاً
إستغفر ربك يا سيادة اللوا،إنتَ راجل مؤمن وعارف إن ربنا سبحانه وتعالي لما بيحب عبده بيبتليه علشان يطهره،وعلشان العبد يلجأ لربه ويرفع إديه ويطلب العون منه…كلمات نطقتها ثُريا بإيمان ويقين ثم استرسلت وهي تحثهُ علي الجلوس:
-تعالي إرتاح
واستطردت قاصدة بحديثها شيرين الجالسة بتيهةٍ وعقلها غير مستوعباً لما تلقاهُ مُنذُ القليل:
-وإنتِ يا شيرين،قومي يا بنتي هاتي لابوكِ حاجة ياكُلها بدل ما يُقع من طوله في وسطينا
حاضر يا عمتو…نطقتها بنبرة حزينة ودموعها تنهمرُ فوق خديها جراء ما حدث مُنذُ القليل،تحرك عز وجلس إمتثالاً لطلب ثُريا،أما هي فلم تكن أبداً بخير،وبرغم هلعها الناتج عن قلقها علي تلك الرقيقة التي لا تعلم ماذا أصابها وجعلها تُعلن إنهيارها عن طريق تلك الصرخات،إلا أنها إلتفتت لتلك التي تتسمر بوقفتها بعيداً مُسلطة نظرها في نقطة اللاشئ
تنهدت بأسي وألم لأجل تلك البريئة التي فقدت غاليتها بطريقةٍ بشعة ومن عدم تقبلها للخبر باتت تتخبط بحديثها وتُلقي بإتهاماتها الباطلة والتي تعلم من داخلها أنها بعيدةً كُل البُعد عن الحقيقة،ويرجع هجومها أيضاً لإضْمار شعور الذنب الذي يأكل قلبها كما تأكل النار الحطب،خطت بساقيها حتي وصلت إلي مكان وقوفها وبهدوء مدت يدها وأحتضنت بكفها خاصتها الرقيق،رفعت الفتاة عيناها وباتت تنظر إليها بخجل وتحدثت بنبرة نادمة:
-أنا ما كُنتش أعرف إنها ممكن تتعب من كلامي والله يا تيتا
وأردف وهي تهز رأسها بدموع صادقة:
-أنا عُمري ما فكرت في أذيتها لا هي ولا أختي،صدقيني
أومأت ثُريا بعيناي مُتفهمة وتحدثت وهي تجفف لها دموعها بكف يدها:
-أنا عارفة،ده انتِ تربية سيادة اللوا عز المغربي.
سكينة إجتاحت روح الفتاة جراء إستماعها لذاك الحديث الذي نزل بسلامٍ علي قلبها فأزاح عنه عُقدة الذنب،تحركت بها وهي تحثها علي الجلوس بجانب شقيقها التعِس
أما منال،فكانت تجاور صغيرها مُزعزَع الكيان،الناظر أمامهُ وعلامات الصدمة ظاهرة فوق ملامحهُ وعيناه المُثبته علي نقطة اللاشئ،كانت تحاوط ذراعهُ بذراعيها بمؤازرة ودموعها منسابة فوق وجنتيها لتُعلن عن كم الألم والاسي اللذان إحتلا كيانها بالكامل
❈-❈-❈
دخل ياسين إلي المشفي حاملاً مليكة فوق ساعديه وتحرك بها مهرولاً داخل الرواق بقلبٍ مُرتعب،سبقهُ طارق الذي تحدث بنبرة عالية موجهاً حديثهُ إلي موظف الإستقبال:
-من فضلك عاوزين دكتورة مُني علشان الحالة بتاعتنا متابعة معاها
أسرع طاقم الإستقبال وأحضر أحدهم مقعداً متحركاً وأجلسها ياسين فوقهُ ببطئٍ كي لا تتأذي،تحدث طبيب الإمتياز المسؤل عن الإستقبال بإحترام:
-ما تقلقش يا أفندم،إحنا هنقيس لها المؤشرات الحيوية ونشوف المشكلة فين علي ما دكتور مُنى تخلص الحالة اللي معاها في أوضة الكشف
وقف ياسين بجوار تلك المتوجعة وتحرك الجميع ووضعاها علي الشازلونج الخاص بالإستقبال،وبدأ فريق الإمتياز بالفحص،وما أن تم قياس الضغط لها حتي فُزعت الطبيبة وتحدثت بنبرة قلقة:
-الضغط عالي وده فيه خطورة علي الجنين،لازم ناخد عينة دم ويتم فحصها حالاً
هتف ياسين بنبرة غاضبة جراء هلعهُ الذي أصابهُ علي حبيبتهُ وأبنته:
-إنتوا واقفين تتفرجوا،هاتوا لي الدكتورة حالاً
خرج دكتور أحمد المغربي علي صياح ياسين وهرول باتجاه الصوت وتحدث مستفسراً:
-خير يا سيادة العميد؟
مليكة تعبانة أوي يا دكتور…هكذا نطقها بعيناي متوسلة
فأسرع أحمد إليها وتحدث إلي طاقم الإمتياز:
-عملتوا لها Vital Signs
أيوة يا دكتور والضغط طلع عالي،وهناخد لها عينة دم حالاً،وهنعمل لها سونار علشان نقيس نبض الجنين…نطق بها إحد أطباء الإمتياز فتحدث أحمد علي عُجالة وهو يُشير إلي إحدي الممرضات بعدما شكر الأطباء وأثني عليهم:
-دخلي مدام مليكة حالاً علي أوضة الكشف عندي،أنا اللي هعمل لها السونار
وهنا خرجت مُني من حُجرة الكشف بعد إنتهائها،وتحدثت وهي تتحرك إلي مليكة بعدما أبلغتها المساعدة لديها بما حدث:
-خير يا مليكة،فيه إيه؟
هتف وهو يوجه الممرضة التي كانت بإتجاهها إلي حُجرة أحمد وكأنهُ وجد طوق النجاة بخروج مُنى ويرجع ذلك لغيرتهُ الشديدة عليها:
-دخليها أوضة دكتورة مُنى لو سمحتي
واسترسل مُفسراً وهو ينظر إلي أحمد:
-دكتورة مُنى متابعة حالتها وأكيد ده هيسهل في الكشف
أومأ له بتفهُم وعذر غيرتهُ الواضحة،وبعد قليل كانت تتسطح فوق الشازلونج الخاص بالكشف،يجاورها ذاك المُرتعب ويُسرا،وتقف بعيداً چيچي وراقية اللتان تُتابعتان كشف الطبيبة بترقُب تام،في حين تقف الطبيبة وهي تُجري لها الكشف بجهاز السُونار وتنظر به بتدقيق شديد
تحدثت الطبيبة بإيضاح:
-نبض الجنين الحمدلله كويس،بس الضغط العالي ده موشر مش تمام
ثم نطقت مُستفسرة بنبرة صوت ظهر عليها التوتُر:
-إيه اللي حصل وخلي ضغطك يعلي بالطريقة دي،إنتِ لسة كُنتي عندي من إسبوع والضغط بتاعك كان واطي
هتف مُتسائلاً بذُعر:
-هو فيه إيه يا دكتورة؟
أردفت لتُهدأهُ:
-خليني أكمل الكشف الأول واتأكد وبعدها هبلغك يا سيادة العميد
إرتبكت وبدأ قلبها يخفق بشدة خشيةً فقدانها لطِفلتها التي طالما تمنت حضوررها لتُنير حياتها وتُزيد من سعادتها وزوجها،نظر لها وتعمق بمقلتيها وبات يبثُ لها من خلالهُما بإشاراتٍ مُطمأنة رغم ذعرهُ من ملامح مُنى التي لا تُنذرُ بقدومِ خير
في حين تحدثت الطبيبة من جديد:
-إحكي لي علي الأعراض اللي حاسة بيها يا مليكة
أردفت بنبرة متألمة قلقة:
-إمبارح المغرب حصل لي صُداع شديد جداً وحسيت بوجع في بطني من عند فُم المعدة،وبعدها دخلت الحمام رجعت كتير والصداع بدأ يزيد،قُولت لنفسي ده أكيد صداع من التوتر ومن إني ما أكلتش حاجة طول اليوم
واسترسلت بنبرة خافتة وهي تنظر لذاك الذي يجاورها ويشعر بالمخافة والرُعب علي حبيبتهُ:
-ولما قومت من النوم النهاردة لقيت رجليا وارمين،بس قُلت ده عادي لأني عملت كدة في أنس وعز بس كان في نص الشهر التاسع،بعدها روحنا المقابر وبعد ما رجعت الألم والتقلصات بدأت تزيد،والصداع بدأ يزيد مع مرور الوقت،بس ضغطت علي نفسي واتحملت علشان الظروف اللي البيت كله فيها،لحد من شوية لقيت الصُداع زاد وبطني وجعتني أوي،ولقيت نفسي مش قادرة اتحمل وصرخت غصب عني
هزت الطبيبة رأسها بأسي وتحدثت مُعاتبة:
-وليه سكتي علي نفسك كل ده يا مليكة؟
واسترسلت وهي تنظر إلي ياسين الذي نظر لها بترقُب شديد:
-للاسف،واضح قوي إن ده ضغط حَمل وتحليل الدم هيأكد لنا لما يظهر،بس للأسف أنا شبه متأكدة،ولازم متابعة مُستمرة علشان نتطمن علي البيبي ونتأكد إن نبضه كويس علي مدار اليوم
بعد مرور بعض الوقت،وصلت تحاليل عينة الدم مع طبيبة الإمتياز فنظرت بها مُنى وتحدثت بأسي:
-للاسف التحاليل وحشة جداً وزي ما توقعت،ضغط حَمل،أول حاجة لازم ندي حُقنة لتكوين رئة الجنين حالاً
واسترسلت بإيضاح:
-ومليكة لازم تفضل معانا هنا في المستشفي النهاردة تحت المُلاحظة،علشان لا قدر الله نتفادي دخولها في مرحلة التسمُم وما نضطرش نولد ضروري،وساعتها هيكون في خطورة شديدة علي حياة البيبي،لو الوضع إتحسن بكرة هنكمل إسبوع ونولد إن شاء الله
يعني حضرتك هتولديها وهي في السابع يا دكتور؟سؤال طرحتهُ چيچي فعقبت الطبيبة:
-مضطرين يا چيچي،والحمدلله إن مليكة فاضل لها يومين بس وتدخل في الشهر السابع،لو الأمور مشيت تمام هنستني خمس أيام علشان نتأكد إن البيبي تمام ومفيش خطورة من وصوله للدنيا،ده طبعاً مع حُقن تكوين الرئة وبعدها هنضطر نولد
واسترسلت بأسي:
-وإذا لا قدر الله الأمور ما استقرتش هنضطر نولد بُكرة ضرورى
إرتعب داخلها فربت هو علي كف يدها وتحدث:
-ما تخافيش يا حبيبي،هتبقي كويسة
وبنتي يا ياسين؟…نطقتها بعيناي مُذعورة فأجابتها الطبيبة معقبة:
-هعلق لك محاليل حالاً هتظبط لك الضغط إن شاء الله،ولو مشِينا علي أدوية الضغط بإنتظام ومحصلش مشاكل وقعدتي معانا إسبوع المتابعة،هنقدر نعدي الفترة دي بسلام وبنتك هتنور الدنيا وهتبقي زي الفُل
واستطردت لطمأنتها:
-وعلي فكرة،ضغط الحمل بينتهي بمجرد ما المريضة بتولد لأنه مرض عرضي مقترن بالحمل،ده طبعاً لو إلتزمنا بالتعليمات والأدوية
واستطردت توجه حديثها لفتاة التمريض:
-من فضلك يا مريم،جهزي لي غُرفة كويسة حالاً علشان ننقل فيها مدام مليكة ونعلق لها المحلول،وخلي دكتور أحمد يجهز لي حقنة لرئة الطفل
أطاعتها الفتاة وأنسحبت للخارج،هتفت راقية بنبرة عالية مُستغلة رُعب ياسين الظاهر بعيناه علي زوجته لتنتقم لحالها من تلك القِسمة وإبنتها:
-منهم لله اللي كانوا السبب،من إمبارح ما بطلوش تلقيح عليها بكلامهم اللي زي السِم لحد ما جابوا لها الضغط
واستطردت وهي تنظر إلي ياسين لتُشعل روحه:
-ده انتَ المفروض تحمد ربنا إنها جت علي قد الضغط،ده أنا لو مكانها وسمعت الكلام اللي يحرق الدم ده كانت جات لي جلطة في لحظتها
كان يستمع إلي ما تتفوه به بنظرات إستغراب،هتف متسائلاً بنبرة حادة:
-حضرتك تقصدي مين بكلامك ده؟!
نظرت مليكة إلي راقية تترجاها بعيناها بألا تخبر ياسين بما حدث،كي لا تُزيد الوضع سوءاً،فيكفيها ما إستمعت إليه اليوم من إتهامات مؤلمة علي لسان أيسل،لم تعر الأخري لتوسلاتها فتحدثت يُسرا في محاولة منها لإسكاتها:
-مفيش داعي ندوش ياسين وندخله معانا في كلام الحريم ده يا طنط
واسترسلت بايضاح زائف كي تحثها علي العدول:
-وبعدين الدكتورة مُنى عندها حالات برة وعاوزة تشوف شُغلها
هتفت بتصميم لإكمال ما بدأت:
-وهي الدكتورة مُني غريبة يا يُسرا،ما هي كانت في العزا النهاردة وشافت بعنيها وهما قاعدين يتوشوشوا ويزغروا لها بعنيهم اللي تندب فيها مية رُصاصة
تحمحمت مُنى وهتف ياسين بنبرة حادة بعض الشئ:
-إنتِ بتتكلمي عن مين!
بتكلم عن العقربة حماتك وبنتها اللي شبه الديك الرومي المنفوش علي الفاضي…هكذا أجابته واسترسلت وهي تمصمص شفتاها بأسي:
-دول يا حبة عيني بهدلوها إمبارح قدام الناس الغريبة اللي كانت حاضرة العزا وفرجوا عليها اللي يسوي واللي ما يسواش
وبدأت بقص ما حدث أمام دكتورة مُني لكونها هي الأخري مغربي،إستشاط داخلهُ مما إستمع وثار لكرامة زوجته،نعم لم يأخذ موقفاً بشأن ما تفوهت بهِ إبنته وإفترائها عليها،لكن الوضع هُنا مختلف كلياًّ،فابنتهُ تُعاني من صدمة جراء فقدانها لغاليتها بتلك الطريقة البشعة،وعَذر حداثة سِنها،أما كِلتا الحقودتان فما عُذرهُما!
نظر إلي مليكة بعيناي تطلق شزراً وتحدث مستفسراً:
-الكلام ده حصل يا مليكة؟
كادت يُسرا أن تتحدث أوقفها ياسين بنظرة مُرعبة ثم حول بصرهُ إلي مليكة التي نظرت إليه بعيناي متأثرة وتحدثت بنبرة خافتة جراء تعبها:
-بلاش تعمل من الموضوع مشكلة أرجوك يا ياسين،ولا انتَ عاوزهم يقولوا عليا ما صدقت وجيت بلغتك علشان أقطع رجلهم من البيت خالص؟
نظر لها بعيناي مُتفهمة وتحدث وهو يُمسك كف يدها وتحدث بحِنو:
-خلاص يا مليكة،ما تفكريش في أي حاجة علشان ما تتعبيش
تحدثت الطبيبة بعملية:
-حاولي تهدي يا مليكة وشيلي كُل الأفكار السلبية من دماغك علشان الضغط ينزل بسرعة ونقدر نتحكم فيه
واسترسلت محذرة بعيناي لائمة:
-وياريت يا جماعة تجنِبوها أي مشاكل لأن كدة ممكن لا قدر الله حالتها تسوء أكتر
أومأ لها الجميع ودلفت الفتاة وأعلمتها بأن الغُرفة جاهزة لإستقبال مليكة وتعليق المحلول لها وبالفعل تحركت فوق مقعداً متحركاً وعُلق لها المحلول بعدما حُقنت بدواء تكوين رئة الجنين تحت ملازمة ياسين لها
❈-❈-❈
عودة إلي منزل اللواء عز المغربي
إنسحب حمزة وأيسل إلي الأعلي وذهبت شيرين إلي المشفي للاطمئنان علي زوجة أخيها بعدما أبلغهم طارق بما حدث من خلال الهاتف،وضل عز ومنال وعبدالرحمن وثُريا وعُمر المصدوم،جميعهم جالسون بصمتٍ تام
أتت العاملة عفاف وهي تحمل الصغيرة وتحدثت إلي منال:
-مدام منال،البنت عمالة تتكلم إنجليزي وشكلها عاوزة حاجة وأنا بصراحة مش فاهمة هي عاوزة إيه
بدموعها المنسابة نطقت منال وهي تسحب ذراعيها من فوق ذراع ذاك المصدوم وتفتحهُما لإلتقاطها وتحدثت:
-هاتيها لعُمر هو هيعرف يتفاهم معاها ويشوفها عاوزة إية
وكأنهُ إستفاق علي حاله حينما إستشعر وجود تلك الغريبة التي إقتحمت حياتهُ وزلزلت ثوابتها وقلبتها رأساً علي عقب،لم يتقبل حتي النظر إلي وجهها،وبعُجالة حول بصرهِ إلي والدتهُ ونظر لها باتساع عيناه الغاضبة ثم هتف بنبرة رافضة:
-هي مين دي اللي عيزاني أتفاهم معاها،هو إنتِ صدقتي الهبل اللي إتقال قدامك ده،البيه إبنك جايب لي واحدة من الشارع وجاي يقولي لي خد بنتك
واسترسل متهكماً:
-والمطلوب مني إيه؟،أخدها في حُضني وأقعد اطبطب عليها وأحط خيبتي علي خيبتها؟
نظر عز إليه وحسرة تملكت من قلبه علي صغيرهُ المخدوع الذي طُعن بسلاح الغدر داخل قلبهُ البرئ والذي تم إختيارهُ خصيصاً لاقتحام العائلة من خلالهُ نظراً لبرائته وسذاجة تفكيرهُ السطحِي،ولذا فكان هو الطرف الأسهل لتسلُل تلك الحيةِ إلي عقر دارهم لمحاربتهم،فتحدث بنبرة هادئة مراعياً لحالتهُ:
-إهدي يا أبني وأطلب من ربنا الصبر علي إبتلائك،وخد بنتك في حُضنك وأحمده علي عوضه
بعيناي متألمة أجاب والدهُ بإنكار:
-دي مش بنتي يا بابا أنا متأكد،أكيد فيه حاجة غلط حصلت،أنا مش هتوه عن مراتي اللي عيشت معاها تلات سنين
نطق عز بنبرة لائمة بعدما خارت قواه:
-حرام عليك يا أبني،إنتَ ناوي تجلطني،بقولك المجرمة اللي كنت متجوزة طلعت جاسوسة وداخلة البيت علشان تعرف أسرارنا ونُقط ضعفنا وتكسر أخوك عن طريقها،دي كانت زارعة لنا أجهزة تصنت أنا وهو
ضيق عيناه وهاجمتهُ ذكري ذاك الجهاز الغريب الذي وجدهُ بداخل معطفهُ وكيف لوجهها أن تحول وارتعبت أوصالها حينها،في حين استرسل عز شارحاً بإبانة:
-وبالنسبة للبنت فأخوك عمل لها تحليل ال D N A والتحاليل طلعت متطابقة مع العينة اللي أخدها من مشط الشعر بتاعك
وسألهُ متألماً:
-عاوز تأكيد إيه أكتر من كدة يا عُمر؟
تشوش عقلهُ وبات يسترجع ما مر به طيلة السنوات الثلاث المُنصرمة من مواقف كانت تستدعي ريبتهُ،شعر كم كان مُغفلاً ومفعولاً به طيلة الوقت من تلك المُخادعة،ثم نظر إلي الطفلة التي بادلتهُ النظر ببراءة وتحدث برفضٍ تام عبر به عن غضبه ورفضه لما وصل إليه:
-أنا مش عاوز أشوف وش البنت دي قدامي
واستطرد بجنون غير مسؤل وهو ينظر للصغيرة بعدم قبول وكأنها تُذكرهُ بخطيأتهُ بحق نفسه وكم كان مُغفلاً:
-لو فضلت قاعدة في البيت أنا مش قاعد لكم فيه
واسترسل شارطاً:
-سامعين،يا أنا يا هي في البيت ده
فُزعت الصغيرة عندما وجدته يصرخ وهو يرمقها بنظرات كارهة فبدأت بالبكاء المُحزن الذي جعل ثُريا تنتفض من جلستها وتقترب من العاملة وتحملها عنها لتُخبأها داخل أحضانها باعده نظرات عُمر عنها كي لا تتأثر روحها البريئة، وتحدثت إلي عُمر كي يُهدئ من روعه ويكُف عن ثورتهُ العارمة:
-أنا هاخدها عندي تقعد مع الولاد يا عُمر،إهدي بقي
هتف بسخطٍ حادّ:
-تاخديها ترميها في ملجأ إن شالله حتي ترميها في الشارع علي الارصفة،أهم حاجة ما أشوفش خلقتها دي قدامي
صاح عز بإنفعالٍ حادّ بعدما طفح بهِ الكيل من ذاك معدوم المسؤلية والحِس:
-شارع إيه يا حيوان اللي هترمي لحمك فيه،مش كفاية الحقيرة اللي راحت رمتها لناس ماتعرفش ربنا،هتبقي انتَ وهي والزمن علي المسكينة
إهدي يا عز مش كدة،صحتك يا حبيبي…نطقها عبدالرحمن بقلقٍ حادّ علي شقيقهُ،أما منال التي إنهارت وباتت تدق علي ساقيها وتندب بؤس حظ أنجالها العاثِر
خرج ذاك الحانق مُهرولاً من المنزل تحت صياح منال التي أسرعت خلفهُ قائلة بنبرة هلعة:
-إستني يا عمر،رايح فين يا حبيبي
أما الصغيرة فخرجت من أحضان ثُريا وبدأت بالصياح من جديد وإطلاق بعض الكلمات الإنجليزية الثقيلة تحت حيرة الجميع وحزن ثُريا التي تحدثت بانسحاب:
-أنا هاخد البنت عندي،وهروح أخلي مروان يفهم هي عاوزة إيه
نظر لها عز ونطق بعرفان:
-مُتشكر علي وقفتك معانا يا ثُريا
عقبت بنظرات معاتبة:
-عيب عليك الكلام اللي بتقوله ده يا سيادة اللواء،إحنا عيلة واحدة ومهما كان اللي حصل بينا ما يخلناش نتخلي عن بعض
واستطردت بانسحاب:
-تصبحوا علي خير
وإنتِ من أهله…نطقها الثُنائي اللذان يجلسا بقلوب وعقول غير مستوعبة كل ما حَدث ويحدُث حولهما
❈-❈-❈
عودة إلي المشفي
كانت تتسطح فوق التخت داخل الغرفة التي خُصصت للإقامة بداخلها ويبدو علي ملامحا الإرهاق والتألُم،يجلس بالمقعد المجاور لها مُمسكاً بكف يدها وهو يتطلع إليها بقلبٍ مُمزقاً لأجلها وشعوراً بالذنب يجتاح كيانه ويؤرقه،كم كانت روحهُ مهترئةً من وطأة شعورهُ بالذنب الذي بات يُحاصرهُ ويُضيقُ عليه الخِناق
تجاورها علي الجهة الأخري سُهير التي أتت مهرولة هي وسالم بعدما هاتفهُما ياسين وأخبرهما بما حدث إلى مليكة،كانت تبكي بمرارة حُزناً علي ما أصاب إبنتها الغالية واوصلها لإعلانِ الإستسلامِ،نظرت لها بتألُم لأجلها وتحدثت كي تحثها علي التوقُف:
-كفاية عياط يا ماما،ما أنا كويسة قدامك أهو يا حبيبتي
شهقت بصوتٍ عالي فهتف سالم مؤنباً زوجتهُ رُغم تمزُق روحهُ لأجل كِلتاهما:
-خلاص يا سُهير،البنت كدة ممكن تتعب من عمايلك دي
تحامل علي حالهُ وعقب قائلاً بمصادقة علي حديث سالم:
-عمي سالم عنده حق يا ماما،الدكتورة قالت إن التوتر والزعل هيزود الحالة عندها
أما ثُريا التي أتت لتطمئن علي غاليتها وجلبت معها الصغار بعدما أصروا علي الحضور والإطمئنان علي والدتهم،وبعدها قام ياسين بإرسال مروان وأنس ويُسرا وراقية بصحبة طارق ووليد،وضل الصغير الجالس علي ساقاي ثريا،فتحدثت:
-خلاص بقي يا سُهير،إدعي لها ربنا يسترها عليها ويتمم لها علي خير
جففت دموعها وتحدثت من بين شهقاتها:
-يارب
وقف سالم وتحدث وهو يحث زوجتهُ علي النهوض وذلك بعدما وجد حيرة بعيناي ياسين وهو ينظر إلي زوجته:
-تعالي يا سُهير إغسلي وشك في الحمام واشربي لك كباية ليمون في الكافيتريا تروق أعصابك.
أردفت ثُريا هي الأخري وهي تتأهب للوقوف بعدما علمت مغزي سالم:
-خدوني معاكم أنا وعز
خطي سالم إليها وحمل عنها الصغير،هتف الصغير الذي أشار إلي والدته قائلاً بتذمر:
-أنا عاوز أقعد مع مامي
أردف سالم بترغيب:
-هنجيب شيكولاتة وعصير وبعدين نرجع لمامي
وافق الصغير وخرج الجميع واغلقوا خلفهم الباب،ضم كفها بين راحتيه ثم نظر لها بعيناي متأسفة وتحدث بأسي:
-أنا أسف،والله أسف
بتتأسف علي إيه بس يا حبيبي…جُملة نطقتها وهي تشملهُ بعيناها الحنون،أردف قائلاً بخجل:
-أنا السبب في اللي إنتِ فيه،كل الضغوطات والمضايقات اللي إتعرضتي لها ووصلتك للحالة دي بسببي أنا
واسترسل بإبانة:
-الظروف ومرات خالي وداليدا،وكملت بأيسل
أردفت بنبرة صادقة كي تُزيل عنه عاتق ذنبهُ الذي يشعر به ويُطوق روحهُ،وتراهُ يسكُن عيناه ويتملك مُنذُ أن رأته صباحاً بالمقابر:
-أنا مش زعلانة من أيسل واللي قالته يا ياسين،البنت مصدومة من اللي حصل مع مامتها،الله يكون في عونها
ربت علي ساقها بعرفان وقام بتقبيل كفها الرقيق بحِنو ثم تحدث بعيناي متألمة:
-أنا بحبك قوي يا مليكة
واسترسل بمؤازرة:
-إجمدي واتحملي علشان خاطر بنتنا
أومأت له بإبتسامة حانية رغم الألم الذي مازال متواجداً،تحدثت بنبرة حنون عندما رأت الإرهاق يسكُن عيناه:
-قوم يا حبيبي علشان تنام وترتاح،إنتَ ليك يومين مدقتش فيهم طعم النوم وكدة غلط علي صحتك،أنا بقيت كويسة خلاص
تنهد بألم،كان يُريد أن يشتكي لها مُر زمانهِ وما يؤرق حالهُ،ود لو كانت الظروف مُهيأةً ليرتمي بداخل أحضانها ويُبكي كطفلٍ حتي يرتاح قلبهُ بعدما تغسلهُ الدموع وتُطهرهُ،لكنها الأن ليست بخير،فهي من تحتاج لمن يؤازرها وليس العكس
وضع كفها فوق التخت ثم أراح خدهُ فوق راحة يدها وأخذ نفساً عميقاً مما جعل قلبها يتوجع لأجل تيهتهُ وتمزُق روحهُ الظاهر لها
عاد الجميع بعدما دقوا الباب فاعتدل وبعد قليل تحدثت سُهير:
-قوم يا أبني خد عز وعمتك وروحوا علشان ترتاحوا،وما تقلقش علي مليكة
أنا هبات هنا معاكم علشان لو إحتجتم لحاجة…نطقها سالم فتحدث ياسين:
-ما تقلقش يا عمي،دكتور أحمد ومراته موجودين علشان هيتابعوا حالة مليكة،وبعدين لو حصل أي حاجة لا قدر الله إحنا هنا جنبها
واسترسل وهو ينظر إليها بعيناى أسفة:
-أنا كان نفسي أفضل معاكم هنا،بس مش هينفع أسيب أيسل وحمزة في يوم زي ده لوحدهم
أومأت بعيناها بتفهُم وتحدثت ثُريا بمصادقة:
-عين العقل يا ياسين،قوم روح لولادك يا حبيبي وأنا هفضل معاهم
هتفت سُهير بنبرة حاسمة:
-والله ما فيه حد غيري هيبات معاها،يلا بقي روحوا اليوم كان طويل والكل تعبان ومحتاج يرتاح
بالفعل غادر الجميع كُلٍ علي وجهته وبقيت هي مع إبنتها لتؤازرها
❈-❈-❈
حمل صغيره ودخل من بوابة الحديقة بعدما أوصل ثُريا لمنزلها وأستأذنها بأن يبيت الصغير مع شقيقاه كي يُزيل ببرائتهُ من همهما ولو قليلاً
وجد عُمر جالساً فوق أحد المقاعد ويبدوا أنهُ ينتظر عودتهُ،هب واقفاً واقترب عليه ثم تحدث بملامح وجه صارمة:
-أنا عاوز أقابلها
تنهد ياسين وتحدث بنبرة مهمومة:
-ممنوع يا عمر،دي محجوزة في مبني المخابرات الحربية وبيتحقق معاها في قضية تخابر،صعب لأن القضية تخص أمن الدولة
القضية إنتِ المسؤول عنها وبتحقق فيها،يعني سهل تخليني أقابلها…هكذا عقب علي حديثه
ملأت الحسرة عيناه وهو ينظر إلي شقيقهُ المغدور فاسترسل الآخر بنبرة حادة:
-إتصرف يا سيادة العميد،أنا لازم أشوفها
حاضر يا عُمر…نطقها وكاد أن يتحرك بصغيرهُ فتحدث عُمر بجنون:
-حالاً يا ياسين،عاوز أشوفها حالاً
باستيلام أردف بإبانة:
-الساعة داخلة علي واحدة بالليل وأنا مش هعرف أخليك تشوفها حالاً ده أولاً،لأن الأول لازم أخد لك إذن من رئيس الجهاز شخصياً
واستطرد شارحاً:
-وتاني حاجة أنا لازم أطلع لولادي علشان أكون معاهم،النهاردة أول يوم لدفنة أمهم وأكيد اللي حاسين بيه لا يُمكن يتوصف في كلام،ده غير إن ليا تلات أيام واقف علي رجليا ومدوقتش طعم النوم
وكأنهُ لم يستمع لما قِيل وكأنها ثرثرة لا تُعنيه،ويرجع ذلك لغضبهُ الحاد من ياسين علي عدم إخباره من ذي قَبل وتركهُ لتلك المخادعة لتُكمل خطتها الشيطانية ورسمها العِشق عليه، هز رأسهُ وكاد ياسين أن يربت علي كتفه بمؤازرة فباغتهُ الأخر بإبتعاده الحاد وتحرك سريعاً ليعود إلي مقعده،تنهد ياسين وعذر غضبه وتحرك إلي الداخل حاملاً صغيره الذي ما أن رأي جدهُ عز جالساً بجوار حمزة ومحتضنهُ باحتواء حتي تهلل وجههُ وأشار عليه ويرجع هذا لعدم رؤيته له مُنذُ ما حدث،وهتف قائلاً بحبور:
-جدووووو
وكأن ظهور ذاك المُشاكس أشبه بنِسمة هواء باردة بليلةٍ صيفية إقتحمت قلبهُ الذي أصابهُ الجفاف بفضل ما حدث مؤخراً فأنعشته وأعادت لحياتهُ رونقها،فتح له ذراعيه علي مصرعيهما وتحدث بنبرة حنون وإبتسامة جذابة خرجت بعفوية وبدون إرادة جعلت من يراه يتخيل أنهُ أصبح بأفضل حالاته،يا لهُ من حضورٍ طاغي لذاك المُشاكس الصغير:
-تعالي يا قلب جدو
وما أن قربه ياسين منه حتي ألقي الصغير حالهُ لداخل أحضان جدهُ وكأنهُ يشعر أنه الملاذ له،إحتضنهُ عز وبات يُزيدهُ من قُبلاته الشغوفة التي تُظهر كَمْ إشتياقه لصغير نجله الذي أتي للحياة كي يُزهر حدائق قلبهُ الخريفية ويُحولها بضحكاتهِ وبرائته إلي ربيعية زاهية،حتي ذاك الحزين المجاور لجدهُ شعر بالراحة لمجرد وصول ذاك الملئ بالطاقة الإيجابية
هتف الصغير معبراً لجدهُ عن مدي إشتياقهُ وحنينهُ إليه:
-إنتَ وحشت عزو كتير يا جدو،وأنا قُلت لمروان يجيب عزو عندك بس هو مش كان يرضي
مد ياسين يده لنجله ليحثهُ علي الوقوف ثم سحبه لداخل أحضانه وربت علي ظهره ثم سأله بحِنو:
-عامل إيه يا حبيبي؟
الحمد لله يا بابا…هكذا أجاب الصغير فسألهُ من جديد عن شقيقتهُ فأخبرهُ بوجودها بغرفتها بصحبة عمتهُ شيرين ومنال فتحدث بنبرة حنون:
-طب إطلع بلغ أختك إننا كلنا هنام في أوضة ماما النهاردة
أومأ له بارتياح لمسامحة ياسين لشقيقته بعدما تجاوزت بحقه وبحق زوجتهُ أمام الجميع،ناول عز الصغير لشقيقه وتحدث:
-خد أخوك معاك وسيبني مع الباشا شوية يا حمزة
صعد الصغير بشقيقهُ ونظر عز إلي نجله ودقق النظر لداخل عيناه ليري ذاك الرجُل الذي أوشكت قواه علي الإنهيار وتحدث وهو يربت علي كف ذاك الذي جاورهُ الجلوس:
-هتعدي يا ياسين،هتعدي يا ابني
أغمض عيناه وتحدث بإرهاق:
-لحد الوقت مش مصدق اللي حصل مع ليالي يا باشا،حاسس إني في كابوس وبتمني أفوق منه وألاقيها لسة موجودة وبخير
ثم فتح عيناه وتحدث بعدم إستيعاب:
-مش قادر أستوعب ولا أتقبل خبر موتها وبالذات بالطريقة البشعة دي
هون علي نفسك يا ياسين…قالها بمؤازرة وأكمل شارحاً:
-سيلا وحمزة محتاجين لوجودك جنبهم اليومين دول،الولاد موت أمهم كسرهم ولازم إنتَ اللي تقويهم،وكمان مراتك الحامل اللي ملهاش ذنب في كل اللي بيحصل ده
هز رأسهُ بموافقة فاسترسل بايضاح:
-بمناسبة سيلا،مش عاوزك تشيل همها،أنا هتكلم معاها وهحاول أفهمها إن اللي عملته ده غلط
واستطرد بتعقُل:
-بس طبعاً ماينفعش حالياً،لازم الأول تاخد وقتها الكافي من الحُزن علي أمها وبعدها نقعد ونتكلم لأنها ما بقتش صُغيرة علشان نتجاهل الطريقة العدائية اللي كانت بتتكلم بيها
أردف بنبرة حزينة وملامح وجه مُنطفأة لأجل ما أصاب قُرة عين أبيها:
-بجانب الإحتواء والدعم اللي محتجاه أيسل مننا كُلنا،هي للأسف لازم تبتدي في زيارة أخصائي نفسي،لأن البنت بقي عندها إضطراب وعدائية
هز رأسهُ بموافقة وتحدث بطمأنة:
-كل حاجة هتبقي كويسة يا ياسين،خلي عندك يقين بالله،وتيقن إن بعد العُسر يُسر
تحدث بنبرة خافتة وعيناي منكسِرة:
-إدعي لي يا بابا،إدعي لي الفترة دي تعدي علي خير
أومأ لهُ عز وتحدث وهو يربت علي كتفه بمؤازرة:
-إن شاء الله هتعدي،قوم إطلع لأولادك وحاول تفصل وتنام شوية علشان تريح عقلك من التفكير
وافق أباه وصعد للأعلي وجد صغيرهُ يتوسط شقيقاه فوق التخت،وما أن رأت والدها حتي أشاحت عنهُ بناظريها كي لا تري بهما لوماً يؤرق روحها أكثر ويُشعرها بذنب ما حدث مع زوجته وشقيقتها،أشار إلي حمزة فأفسح له المجال ليصعد التخت ويتوسطهما،ثم حمل صغيرهُ فوق ساقاه وجاورهُ حمزة،نظر لها ثم وبدون مقدمات أمسك رأسها وضمها إلي صدره مما جعلها تدخل في حالة من البكاء المرير بعدما شعرت بمسامحتهْ لها،إحتواها بذراعيه وبات يربت علي ظهرها بحنان حتي هدأت روحها وغفت دون إدراكٍ من شدة تعبها،تلاها شقيقاها وخر هو مستسلماً للنوم الذي بات عزيزاً وأصبح بالنسبةِ له كرفاهية وكماليات
❈-❈-❈
داخل منزل سراج
كانت تتوسط الأريكة مُمسكة بكف يدها جهاز التحكم عن بُعد الخاص بشاشة التلفاز،تُقلب به بألم يعتصر داخلها وهي تتذكر جلوس زوجها المفضل بذاك المكان وتعلُقهُ الروحي به،باتت تؤنب حالها وتُجلدها علي عدم بصيرتها وإبصارها لمزايا زوجها التي لا تُعد ولا تُحصي والتي لم تتدبرها إلا بعدما رحل وتركهُا لتكتشف كم كان وجودهُ مؤثراً بحياتها،فمنذ رحيلهُ ما عاد لحياتها معني وأنطفئ رونقها،ومازاد من كسر روحها هو وفاة ليالي بتلك الطريقةِ البشعة التي تقشعرُ لها الأبدان
تذكرت ليلة أمس بعدما أتي معها بناءاً علي رغبتها وطلبها،كم كان حنوناً وعطوفاً حينما ضمها إليه وطمأن فزعها وجاورها المببت محتضناً إياها كي يخفف عنها وطأة حُزنها علي فراق صديقتها،لم تدُم راحتها لذهابهُ بعد إنتهاء مراسم العزاء،حين هاتفته لتسأله أين هو ولما تأخر بالعودة،فباغتها بذهابه وبأنهُ لم يصفي لها بعد ولم يُشفي من حديثها المرير والذي أصاب رجولتهُ بمقتل،فتوسلت برجوعهُ فطلب منها إمهالهُ بعض الوقت للملمت شتاتهُ المُبعثر والتأم جروحهُ،وأيضاً لإعطائها هي الأخري بعض الوقت لتتأكد من أن كانت تلك المشاعر وذاك الإحتياج رغبة حقيقية وشعور بالفقد جراء إنسحابهُ من حياتها،أم أنها وليدة اللحظة جراء ما حدث لصديقتها وستزول بزوال صدمتها واستعادت كيانها وكامل وعيها
❈-❈-❈
عند بزوغ الفجر، كان يتوسط أيسل وحمزة الغافيان بقلوب متألمة أما صغيره فيغفو فوق صدرهُ واضعاً كفه الرقيق فوق وجنة والده مما أشعر ياسين بسكينة بعض الشئ،أفتح عيناه بصعوبة عندما إستمع إلي رنين هاتفهُ الذي صدح بالمكان وازعج صغارهُ،رفع رأسهُ للأعلي وأبتسم لا إرادياً حين وجد صغيرهُ غافياُ فوقهُ،نظر إلي أيسل التي تمللت بضيق بعد إستماعها لصوت الهاتف المُزعج،ببطئٍ شديد حمل الصغير ووضعهُ داخل أحضانها وتحدث بوصاية:
-خلي أخوكِ في حُضنك علي ما أرد على الفون وأرجع لكم
أومأت له وضمت شقيقها لحُضنها باحتواء وحنان،وسحب هو جسده وتحرك إلي الشُرفة بعدما وجد إسم عابد،وتحدث بصوتٍ متحشرج نتيجة نومه:
-اهلاً يا عابد،إيه الأخبار؟
عقب عابد قائلاً باعلام:
-اهلاً بيك يا ياسين باشا،أنا حاولت أجيب التسجيلات زي ما حضرتك أمرت،بس للأسف الشرطة الألمانية محوطة علي الموضوع جامد ومش سامحة لأي جهة تتطلع علي التحقيقات أو أي شئ يخص الحادثة
واستطرد شارحاً:
-لكن أنا ما أستسلمتش،وقدرت أجيب شوية معلومات عن طريق مصادري الخاصة،وعرفت إن اللي خططوا للجريمة إخترقوا سِستم الكاميرات وحذفوا الوقت اللي تمت فيه الحادثة
واستطرد مُستبشراً:
-بس إطمن جنابك،أنا تابعت الموضوع ودورت وراه لحد ما عرفت إسم الشركة المسؤلة عن تركيب الكاميرات ووضع سيستم المراقبة ومتابعته،وعرفت من حد موثوق إن ممكن الشركة تقدر ترجع المحذوف عن طريق تكنولوجيا خاصة بشغل الشركات دي،ومن حُسن حظنا إن المهندس المسؤول طلع مصري وليه وضعه هناك
عقب ياسين بنبرة حماسية:
-حلو قوي الكلام ده يا عابد،يبقي كدة إحنا سكتنا مع المهندس بعيد عن الشركة،سيب لي أنا موضوع المهندس ده وأنا ليا سكتي الخاصة اللي هعرف أوصل بيها لكل اللي أنا عاوزة واخرجه منه
تمام يا باشا،بس ياريت تعامله بالراحة وبحذر،لأن علي حسب ما سمعت عنه إنه جد في شغله وشخصيته قوية وعنيد وكمان ملوش سِكة…هكذا تحدث عابد فعقب ياسين بنبرة صارمة:
-عنيد علي نفسه يا عابد،الأشكال اللي زي دي أنا بعرف أتعامل معاها كويس،المهم تجيب لي عنوان بيته وأنا يومين بالظبط وهكون عندك
أغلق هاتفهُ ثم رفع رأسهُ للأعلي،بات ينظر لنور الصباح ويتطلع إليه وهو يشق السماء ليخرُج ويُنير الكون بأمرٍ من رب الكون،تنفس وتحدث بنبرة مسموعة:
-يارب هون الصعب
إستدار ليدخل وجد أيسل تقف خلفهُ تتطلع عليه بقلبٍ متألم،ضيق عيناه وسألها مستفسراً:
-سيلا،إيه اللي صحاكي من النوم؟
عقبت علي سؤالهُ بسؤال:
-حضرتك هتسافر ألمانيا؟
قطب جبينهُ وقبل أن يُجيب هتفت:
-أنا سمعت كُل كلامك
تنهد وتحدث بنبرة خافتة:
-الكلام اللي سمعتيه ده ما يطلعش لمخلوق وخصوصاً جدك،المفروض إن رئيس الجهاز سلم ملف القضية لواحد زميلي علشان يجبرني أبعد عن الموضوع وما اتهورش
يعني حضرتك رايح لوحدك؟…هكذا سألته بقلق فأجابها لطمانتها:
-متقلقيش،أنا عندي رجالتي اللي بتتحرك معايا وبيخدموني بعيد عن أوامر الجهاز
ممكن تخلي بالك علي نفسك…نطقتها بعيناي متوسلة فاومأ لها،فتحدثت من جديد:
-بابي،أنا عاوزة أكمل دراسة السنة دي وأدخل الإمتحان لو حتي هنا في القاهرة زي ما حضرتك قُولت،مش هينفع أضيع تعب سبع شهور دراسة
سيلا…نطقها مُحذراً بعيناي تُطلق شزراً وكأنهُ تحول واسترسل لائماً:
-هو إنتِ مش حاسة بالمصيبة اللي إحنا فيها؟
أنا مفتوح عليا مية جبهة والمفروض إني بحارب فيهم كُلهم وبحارب عدو مجهول بالنسبة لي لحد الوقت،ما تجيش إنتِ في وسط الهم اللي أنا فيه ده كُله وتقولي لي أكمل السنة
واستطرد لتذكيرها:
-وياريت ماتنسيش إنك كُنتي هدف للمجرمين دول،يعني لو حتي فكرت فلازم الأول أعين لك حراسة قوية من حَديد النملة ما تقدرس تخترقك من خلالهم،وده محتاج وقت
واسترسل بإبانة:
-وأنا للأسف حالياً معنديش رفاهية الوقت
أردفت موضحة:
-وتعين حراسة جديدة ليه وإيهاب ورجالته موجودين
أجابها باستفاضة:
-إيهاب ورجالته بيصفوا كّل اللي يخصنا في ألمانيا وبعدها هياخدوا حسابهم ويروحوا لحال سبيلهم
شعور بالذنب إجتاح داخلها وتحدثت بنبرة متألمة:
-لكن لا إيهاب ولا رجالته ليهم ذنب في اللي حصل،هما عمرهم ما قصروا في حمايتنا،أرجوك بلاش تمشيهم وتظلمهم
واستطردت بدموعٍ وبقلبٍ يتمزق من شدة شعورهُ بالذنب:
-ما تخلنيش أحس بالذنب ناحيتهم هما كمان،كفاية عليا اللي أنا فيه
بهدوء أجابها:
-مش هينفع يا سيلا،حتي لو تم خداعهم منكم فهما بالنسبة لي قصروا وكانوا سبب من ضمن الأسباب اللي وصلتنا لنفس النتيجة،
واستطرد موضحاً:
-لأن لو إيهاب شايف شُغله كويس مع رجالته،ما كنش الراجل بتاعه ساب مكان حراسته فاضي مهما كانت الأسباب،إيهاب ورجالته اهملوا في شُغلهم وده اللي مستحيل أسامح فيه
وضع كفهُ فوق كتفها وتحدث مُترجياً بعيناه:
-بلاش تضغطي عليا وتحمليني عبئ فوق أعبائي الكتير،إن شاء الله السنة الجاية هتكون الأمور كلها إتحسنت والوضع بقي أفضل من كدة
اومأت لهُ بموافقة مكروهةً وأنسحبا للداخل وعادا كلاهُما للنوم مرةً أخري لشدة إرهاقهما

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى