روايات

رواية من أنا الفصل الثالث عشر 13 بقلم حليمة عدادي

رواية من أنا الفصل الثالث عشر 13 بقلم حليمة عدادي

رواية من أنا الجزء الثالث عشر

رواية من أنا البارت الثالث عشر

من أنا
من أنا

رواية من أنا الحلقة الثالثة عشر

أثارت صرخات “شهيرة” القوية الفزع في قلوبهم، فهرعوا مسرعين والقلق يعصرهما صوب المطبخ!
دخلت “مريم”، تليها “زينب”، لكنهما صدمتا؛ عندما وجدا “شهيرة” تقف على المائدة، والذعر واضح على ملامح وجهها! رفعت “مريم” حاجبيها وهتفت بغضب قائلة:
-في إيه يا بت منك لله وقعتي قلبي! مالك واقفه كده فوق السفرة إنزلي ؟!..
وجهت “شهيرة” نظرة خائفة نحو جهة معينة، وحركت رأسها برفض وهي تركز بصرها على زاوية ضيقة في المطبخ بلعت ريقها ثم أضافت:
_ “مريم”.. فار.. هنا.. أنا شوفته كان بيجري ناحيتي هو هناك ..
تنهدت “زينب” بيأس، ثم خرجت وهي تضرب يديها ببعضها تعبيرًا عن إحباطها من تصرفات الفتيات! بينما لم ترد “مريم” على “شهيرة”، بل نظرت إليها بغضب ثم قالت:
_ تعرفي يا “شهيرة” لو كنت لقيت الفار؛ كنت مسكته وحطيته فوقك، علشان تحرمي تصرخي مرة تانية، إنزلي خلينا نحضر الفطار!
ضحكت “شهيرة” برشاقة، ثم نزلت عن الطاولة، وهي تسير بخطوات خفيفة يملأها الرهبة. التفتت يمينًا وشمالًا، حتى وصلت إلى باب المطبخ، ثم قالت:
_ “مريومه” حبيبتي أنا طالعه أكمل نوم، لما تقتلي الفار هبقى انزل ..
فتحت “مريم” فمها بطريقة مضحكه ثم قالت:
_ أنا مش سفاحه علشان اقتله! مسكين سبيه يمكن بيدور أكل لولاده ..
انفجرت “شهيرة” بالضحك بشكل متواصل، وهي تمسك بطنها نتيجة شدة الضحك، ثم أضافت بين نوبات الضحك:
_ ماشي يا حنينه سيبيه يمشي، أنا هريح شوية، وتعالي عايزه اتكلم معاكِ في حاجة مهمه ..
_ ماشي أنا جاية لو الموضوع تافه هضربك ؟..
أنهت “شهيرة” حديثها مع “مريم”، ثم اتجهت نحو غرفتها. تذكرت قرارها الذي أخذته، بدأ الحزن يتجلى على معالم وجهها، وشعرت بضيق في صدرها، دخلت غرفتها، وأحضرت حقيبتها، ثم وضعت بداخلها جميع أغراضها، بينما تنهمر الدموع من عينيها، كان قلبها مترددًا بشأن الرحيل، لكن عقلها كان يؤكد لها أن هذا هو القرار الصحيح..
************
شعر بالدهشة مما سمع، واتسعت عينيه بينما كان يتنقل بنظره بين “علي” والجموع المتجمعة…
ثم تجلى الغضب على ملامح وجهه، حين لاحظ أن لا أحد يتحرك يسعفهم، بل اكتفى الجميع بالحديث حول الموضوع دون أن تظهر على وجوههم أية مشاعر إنسانية! توجه بنظره نحو والده وقال:
_ بابا إنت رَوّحْ، أنا لازم أشوف الست دي، الناس ما بقاش في قلوبهم رحمة، وهتصل بالبوليس.
ثم أضاف متحدثًا إلى والده:
_ بابا إنت روح علشان ماما ماتقلقش علينا ..
أنهى كلماته وركض بسرعة نحو الوجهة التي أشار إليها “علي”، بينما كان “علي” خلفه يشير له إلى المكان.
كان الموقع يبعد عدة أمتار عن المسجد، لذا لم يهتم به سكان المنطقة خوفًا من التعرض للمشكلات، حيث كانت السيدة بعيدة عنهم!
وبعد فترة، وصلوا إلى الأزقة الضيقة، وبدأ “يونس” يبحث بعينيه عنها حتى سمع صوت أنين يأتي من إحدى الزوايا الضيقة!
هرع نحو مصدر الصوت، وفور وصوله صُدم بالمنظر الذي أمامه، كانت السيدة ملقاة على وجهها، ودماء تسيل من ظهرها وجانبها، طفلة صغيرة وجهها شاحب ودموعها تبلل بشرتها، فيما كان جسدها يرتجف من البرد، كأنها واحدة من ضحايا الموت.
وعندما رأتهم، انكمشت بخوف. حاول “يونس” الاقتراب من السيدة، لكنه تردد وبدلاً من ذلك، أخرج هاتفه بسرعة وأجرى اتصالًا بالشرطة، ثم انتظر وصولهم بعد ذلك، نظر إلى الطفلة وقال:
_ اهدي مش هعمل فيكي حاجة ماتخافيش هتبقى كويسه ..
تقلصت الطفلة أكثر، وتمسكت بثياب والدتها بخوف، بينما كان “يونس” يلتزم بالصمت حتى لا يثير مخاوفها أكثر وبعد دقائق.
انطلق صوت صفير سيارات الشرطة والإسعاف، حيث أحاطت الشرطة بالمكان، سارع الأطباء إلى نقل السيدة إلى سيارة الإسعاف برفقة ابنتها، في حين طلبت منه الشرطة مرافقته لإجراء بعض الاستفسارات.
************
عندما دخل “أحمد” إلى منزله، لاحظ زوجته تقف وقلقٌ واضحٌ على ملامحها، وعندما رأته، أسرعت الخطى نحوه، وهتفت بقلق قائلة:
_ وقعتوا قلبي يا “أحمد” (الله) يسامحكم على الخضة دي! إتأخرتوا كدا ليه “يونس” فين ..
_ أهدي ما حصلش حاجة، تعالي إقعدي، وأنا هحكيلك معلش إتأخرت غصب عني ..
توجهت معه نحو الأرائك وجلست، وهي تنتظر بفارغ الصبر أن يخبرها بما حدث، استقر في مكانه وبدأ يتحدث قائلاً:
_ حصلت جريمة قتل في الشارع إللي ورانا ..
شعرت “زينب” بصدمة عميقة، حيث اتسعت عيناها واعتراها شعور قوي بالخوف، ثم نادت بسرعة قائلة:
_ و”يونس” فين؟! وإيه علاقته بالجريمة؟ ابني كويس مش كدا؟
ردّ “أحمد” مهدئًا إياها قائلًا:
-اهدي يا “زينب” ابنك كويس.
ثم بدأ يسرد لها كل ما جرى منذ مغادرتهم المسجد، فارتاحت ملامح “زينب” إذ أدركت أن ابنها بخير، ثم قالت:
_ الحمدلله أنا بقيت خايفه عليه أوي ..
_ ربنا يحفظه ويفضل دايما بخير أومال فين الفطار ..
نهضت من مكانها ثم أضافت قائلةً:
_ الفطار جاهز هخلي البنات يحطوه على السفرة ..
أنهت جملتها و ولجت إلى المطبخ، حيث وجدت “مريم” “وشهيرة” قد أنهتا إعداد وجبة الفطور، ولم يتبقَ سوى القليل ثم قالت:
_ “مريم” حضري السفرة أبوكِ وصل بسرعة يا حبيبتي ..
_ حاضر يا ماما شوية بس، روحي ارتاحي مش فاضل كتير ..
أنهت “زينب” حديثها وخرجت، بينما نظرت “مريم” إلى “شهيرة” بتعجب، حين رأتها شاردة الذهن وحزينة، وقد ارتسم الألم على ملامح وجهها، اقتربت “مريم” منها، وسألتها باهتمام قائلة:
_ “شوكي” مالك زعلانه ليه؟ هو في حد زعلك ؟ مش متعودة أشوفك كدا! ..
نظرت إليها “شهيرة” بتعابير تحمل في طياتها الضياع، وكانت الدموع تتلألأ في عينيها، بينما كان الحزن يعتصر قلبها، ثم قالت:
_ تعبت يا “مريم” أنا خلاص لميت حاجتي وهرجع فرنسا..
شعرت “مريم” بصدمة من وضع شهيرة، ثم أطلقت صيحة تعبر عن تساؤلها، قائلة:
_ “شوكي” إحنا اخوات مش كدا؟ قوليلي مالك أيه اللي وصلك للحالة دي؟! ..
استقرت على أقرب مقعد بجانبها، واندفعت دمعة من عينيها، تنهدت تنهيدة تعكس عمق حزنها، ثم أسردت بلهجة مليئة بالألم:
_ أنا رجعت علشان اصلح إللي اتكسر زمان؛ لكن “حسام” كرهني خلاص لازم أمشي من هنا ..
اقتربت “مريم” منها ورفعت رأسها الذي كان مائلًا إلى الأسفل، ثم تحدثت إليها بجدية:
_ “شهيرة” ” حسام” بيحبك بس هو حالته النفسية وحشه، قومي علشان نفطر وكفاية هبل قبل ما تيجي زوزو.
ابتسمت رغم ألمها، كانت ابتسامتها زائفة كستائر تخفي وراءها أحزان عميقة، ثم حملت الأطباق مع “مريم” ورتبوها على المائدة، ليشرعوا بعد ذلك في تناول وجبة الإفطار بصمت، كعادتهم كل يوم، حتى قطع هذا الصمت “أحمد” قائلاً:
_ “حسام” فضل لوحده في المستشفى، وحالته النفسية مش كويسة؛ هنجيبه البيت يكمل علاجه هنا، يمكن نفسيته تتحسن وهو وسطينا ..
شعرت بالتوتر، حيث تسارعت نبضات قلبها كما لو كانت ضربات طبول الحرب، وأقسمت أن الجميع بات يسمعها من شدة تردد نبضها؛ كانت تعاني من صراع داخلي لم تجد له مخرجاً، مما جعلها تشعر وكأنها محاصرة بين نارين:
«هل تظل أم أن الرحيل هو الخيار الأفضل؟»
إنها في وجود “حسام” لم تشعر بالراحة، كلما نظرت إلى عينيه ترى فيهما اللوم والعتاب.
قطع هذا الصراع الذي كانت غارقة فيه، صوت “مريم”، التي قالت:
_ بابا.. أنا و “شوكي” وكمان “تقى” هنروح معاكم علشان “حسام”، أكيد هيفرح لما يشوفنا كلنا ..
تنفست بعمق، ثم هزت رأسها بطريقة تنم عن الرفض و تفوهت قائلة:
_ أنا مش هقدر أروح معاكم معلش تقدري تروحي يا “مريم” ..
مالت “مريم” نحوها وهمست في أذنها قائلةَ:
_ “شوكي” مش وقته، إنتي هتيجي معانا؛ “حسام” محتاجك جنبه، مش عايزه إعتراض ..
بعد الانتهاء من تناول الإفطار، استعد الجميع للذهاب إلى المستشفى، كانت “شهيرة” مترددة، ولكن “مريم” استطاعت إقناعها.
فرغم حجم الحزن الذي يشعر به “حسام” نتيجة ما حدث ، فإنه لا يستطيع أن يكرهها.
استقل “أحمد” و”زينب” السيارة في المقدمة، بينما جلست “شهيرة” و”مريم” مع “تقى” في الخلف، حيث تبادلا الأحاديث.
كانت “شهيرة” تشعر بالتوتر والضياع، متسائلة عن جدوى هذه المقابلة؟ لأنها كانت تدرك في قرارة نفسها أنه لن يحدث أي تغيير، وأن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه سابقًا.
هل تستطيع الجروح التي نزفت حتى الجفاف واندثرت أشلاءها في غياب القلوب المحبة أن تندمل؟ وهل يعود قلب المحب ليشفي جروحًا مضى عليها زمن؟
******* *****
خرج” يونس” من قسم الشرطة؛ بعد استجوابه بشأن معرفته بمكان الحادث، وعندما انتهى من جميع الإجراءات، اتجه نحو المستشفى التي نقلت إليها تلك السيدة!
وأثناء سيره، انتابه شعور بأن هناك من يتبعه! فتوقف و إلتفت خلفه، لكنه لم يجد شيئًا.
أطلق زفيرًا ثم استأنف سيره حتى وصل، إذ إن المستشفى قريبة من مركز الشرطة.
وفي تلك الأثناء، توقفت سيارة والده، ترجل الجميع من السيارة ونظروا إليه باستغراب؛ لأنه لم يقم بأخبارهم بقدومه إلى المستشفى! اقترب منهم وحيّاهم، فسأله والده مباشرةً قائلاً:
_ “يونس” حصل إيه إنت بتعمل هنا إيه؟!
_روحت مع البوليس و حكيت لهم إزاي عرفت مكان الست المجروحه، ولما خرجت من القسم عرفت هناك إنهم جابوها هنا هي وبنتها؛ فجيت علشان أطمن عليهم..
أنهى حديثه ثم لمحت عيناه “تقى” تسير في الخلف، وقد انحنت برأسها كأنها تشعر بالخوف، اقترب من شقيقته وهمس إليها قائلًا:
_ “مريم” ارجعي عند “تقى” خليكي معاها؛ هي خايفه ماتبعديش عنها ..
رفعت حاجبها ونظرت إليه قائلةً:
_ حُنين أوي يا خويا .. حاضر راجعه ليها وإنت غض بصرك شوية!.
أنهت كلماتها وعادت إلى “تقى”، حيث أمسكت بيدها كأنها تحاول طمأنتها، ثم دخلوا المستشفى، وسأل “يونس” عن السيدة، وبما أنه لا يعرف اسمها، واجه صعوبة في تحديد غرفتها.
بعد ذلك، انطلق مع عائلته حيث أصروا على الاطمئنان عليها قبل التوجه إلى غرفة “حسام”.
وصلوا إلى غرفة السيدة فوجدوا ابنتها جالسة بالخارج في مشهد مؤلم للغاية، كانت ملابسها ممزقة ومتسخة، وبدت آثار الزمن واضحة عليها! و جسدها النحيل يرتجف من البرد والخوف، ودموعها تسيل كالسيل الجارف على وجنتيها.
تائهة .. ضائعة، تنظر إليهم في حالة من الهلع، وكأن الضغط النفسي الذي تعاني منه يكاد يكسر أضلعها وهي منكمشة على نفسها!
كان منظرها يحزّ في القلب، وكأن خيوط الحزن تجمعت فيها.
اقترب منها “يونس”، وفي عينيها برقت دموع، بينما كان يتأمل حالها المؤلم.
وقبل أن يصل إليها؛ لاحظ الهلع في عينيها عندما رأت نصف وجهه المخيف، مما جعله يدرك أنها تشعر بالخوف من مظهره.
تراجع إلى الوراء، ومن ثم نظر إلى والدته وقال:
_ ماما روحي لها حاولي تطمنيها شوية، حالتها النفسية مش كويسه هي محتاجه حد يطمنها و …
وقبل أن يكمل “يونس” حديثه، نهضت الفتاة من موضعها، وقد تغيرت ملامح وجهها من الحزن إلى ابتسامة أضأت محياها!
انطلقت بخطوات سريعة اتجاههم، حيث نظروا إليها بصدمة، ولم يصدقوا أعينهم؟!
وقبل أن يتمكنوا من استيعاب ما يحدث، اقتربت نحو “تقى”، ممسكةً بيدها بكلتا يديها، وهتفت بصوتٍ ضعيفٍ ولكنه كان يحمل نبرة من السعادة قائلة:
_ حنين.. حنين وحشتيني أوي!!
************
في مكان تعمُّهُ رائحة، تُنبئ عن النفوس المليئة بالحقد والشر، اجتمعت أرواح غارقة في الجشع والطمع، مما أفقدها القدرة على الرؤية! أصبحت قلوبهم معتمة، إذ باتوا يركضون كالسيل الجارف بلا هوادة، ساعين وراء إشباع رغباتهم الدنيئة، يسعون للإيذاء بوحشية لكل من يقف في طريقهم، لقد أعمى المال بصيرتهم وجعلهم يتجاهلون القيم الإنسانية.
جلس “وليد” مشحونًا بالغضب، وكأن نارًا تأكله من داخله؛ لدرجة أنه لو كان الغضب نارًا، لكان رمادًا.
كان هناك رجل بجانبه يبدو عليه الثراء، ذو لحية طويلة وثياب سوداء، وفي عينيه لمعة حادة تدل على الشر والطمع، أخرج الرجل علبة من درج مكتبه ثم نظر إلى “وليد” وقال:
_ مش وقت عصبيتك دي؛ مرات اخوك وبناتها مابقوش نافعين لحاجة دلوقتي، لازم نركز على “يونس” لو بقى بين إيدينا؛ هنبقى أغنياء أوي ..
تجلى على وجهه القلق، وبدت عليه ملامح الخوف مما يخفيه، فتنهد بضيق وهتف قائلاً:
_ بنت أخويا الكبيرة لازم تموت؛ دي شافتني وأنا بقتله، ولحد دلوقتي مش عارف إيه علاقة يونس (بالأمانة) ..
أطَلق الرجل نظرةً أمامه، وهو يُحرِّك سلاحه بين يديه، ثم قال:
_ بنت أخوك هنخلص عليها و كدا نبقى خلصنا ، أما “يونس” هو مفتاح (الأمانة) هو إللي هيفتح الطريق ليها ..!
على الرغم من جهود “وليد” المستمرة منذ فترة طويلة للعثور على “يونس”، إلا أنه لا يزال يفتقر إلى بعض المعلومات حول هذه (الأمانة)! وقد تعلقت نظرته بالحيرة وهو يردد قائلاً:
_ إيه هي (الأمانة)؟!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى