روايات

رواية حان الوصال الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال البارت التاسع والعشرون

رواية حان الوصال الجزء التاسع والعشرون

حان الوصال
حان الوصال

رواية حان الوصال الحلقة التاسعة والعشرون

اصطف سيارته بتلك الزاوية المظلمة، والتي تمكنه من الرؤية الجيدة لمحيط منزلها، حتى يتثنى لها ان يراقب ويتابع جيدا اثناء انتظاره لمجئيها، وذلك بعد تعب وبحث مضني، حتى اهتدى تفكيره لأن يقف هنا بسيارته، لعلمه الأكيد وكما قالت صباح، انه أن تخلت عن الجميع لن تترك اخوتها.
لقد مرت عليه ساعات من القلق ، كادت ان توقف قلبه، وهو يدور بالسيارة وينتقل من مكان إلى مكان، حتى المنزل الذي يجمعها معه، ايضًا ذهب اليه، رغم استحالة الفكرة إعتمادًا على غضبها منه، ولكن غباء تفكيره وحالة التشتت التي كان بها جعلته يرجح ذلك بعد يأس تمكن منه
كما يحدث الاَن، وقد احترقت اعصابه، وتمكن منه الاجهاد بجلسته خلف المُقود، يريد الإطمئنان عليها، تلك التي سلبت روحه، وجعلته هائمًا بها رغم كل عقده والأفكار التي نشأ عليها وبنى عليها خططه،
لكن تحديها اليوم جعله يفقد السيطرة ويلعنها ويلعن ضعفه في التمسك بهاء، يطمئن عليها أليوم، ثم يحاسبها ، نعم فهو لن يفوت ابدًا كلماتها، وحتى هذا الغياب لن يمرره دون عقاب، هي من أخطأت وتسببت بفضيحة لها في قلب المصنع نتيجة تهاونها.
اعتدل فجأة وانتبهت كل حواسه مع خروج احد الأشخاص من منزلها، دقق النظر والصورة تتضح رويدًا رويدًا حتى تأكد من رؤيته، هذا الاحمق ابن عمها الذي كان يتشاجر صباحًا مع تميم، ضاقت عينيه بغضب متعاظم وهو يتأمله، كم ود ان يخرج اليه ويحطم عظامه كي يقطع عنه أي امل في العودة اليها مرة اخرى، زفر ينفض رأسه غير متقبلا لفكرة انتمائها ولو على الورق لرجل غيره، هو زوجها الأوحد ولن تكون لأحد غيره الا بموتها…
انتفض لخاطره الاخير يتناول هاتفه ويضغط على رقمها، وحين لم يجد ردًا كعادتها منذ ساعات، بدل على الفور يتصل بصباح، الوحيدة التي يعلق عليها اماله الان، انتظر قليل حتى اجابته، ليصرخ بها:
– وبعدين يا صباح، لسة برضو مفيش اي اخبار؟ انا مسبتش حتة مروحتهاش ودورت فيها.
– لا يا باشا، ما انا عرفت هي فين دلوقتي حالا؟ اصلها اتصلت باخواتها وبلغتنا .
– بتتكلمي جد يا صباح؟ يعني اطمنتي عليها وسمعتي صوتها.
لم تخفى المرأة المحنكة لهفته الشديدة عليها، لتتأكد من ظنها بعشقه الجارف لها، تشفق عليه رغم عتبها وغضبها الشديد منه فتسارع في طمأنته:
– ايوة هي عند واحدة صاحبتها، طلبت مني اني اقضي الليلة معاهم عشان هي هتبات عندها.
سمع منها لتتحول نبرته من القلق الشديد، إلى غضب يقارب الهياج وهو يصيح بها؛
– نعم، تبات فين؟ هي اتجننت دي ولا ايه؟ يعني انا سايب شغلي ومصالحي، والدنيا كلها عشانها، عشان في الآخر تبلغك انتي بالهبل ده، خليها ترد عليا يا اروحلها البيت عند صاحبتها واللي يحصل يحصل.
حاولت صباح التخفيف من حدته رغم غيظها الشديد منه:
– يا رياض باشا، هي قالت انها تعبانة ومش قادرة تكلم حد، أخواتها نفسهم قدرو حالتها، وقبلو بغيابها عنهم الليلة عشان واثقين فيها وعارفين انها مش هتبعد كدة من فراغ ولا دلع .
قالت كلماتها الاخيرة بقصد فهم عليه جيدا، لتفحمه عن المواصلة، ويكظم غضبه بصعوبة زافرا بخشونة:
– ماشي يا صباح، هصبر واتحمل الليلادي وأما اشوف اخرتها ولا اخرة الزعل ده ايه؟ ماشي .
قالها وتحرك اخيرًا يدير محرك السيارة للذهاب، وفمه يغمغم بالكلمات الحانقة، لا يعجبه هذا الفعل ولا بتلميح صباح وكأنه هو الجاني، على اساس أنها لم تكن هي سببًا في كل ما يحدث:
– حتى صباح كمان بتوجه لك انتقادها يا رياض بس بشكل غير مباشر، انا مش فاهم انا كان عقلي فين ساعة ما صارحتني بعلم الست دي، غير التانية صاحبتها الست المحامية، يا ترى قولتي لمين تانية يا بهجة؟
❈-❈-❈
حينما تغلبك قسوة العالم، ولا يتبقى لك إلا قلب يحتويك، فاعلم أنك لن تكون خاسرًا ابدً.
#بنت الجنوب
في تلك الجلسة التي كانت تجمعهم حولها ، ورغم مرور اكثر من نصف ساعة إلا أنها لم تتركها حتى الاَن، مازالت تضمها وما زالت تربت على ظهرها وتمسح على ظهرها بحنان ، لتثير زهول الجميع وفضولهم ايضًا، ليتحدث شادي عما يعتريه:
– بصراحة انا مش فاهم لحد الآن، طيب يا مدام نجوان ما دومتي عارفة من الاول بموضوع جوازهم، ليه متكلمتيش مع ابنك وواجهتيه عشان يعلن جوازهم.
تبسمت له بصمت، ليأتي الرد من بهجة التي خرجت من حضنها تجيبه بنبرة يتخللها التأثر:
– مكانتش تعرف يا شادي، دي معرفتش غير قريب اوي مني.
– لا كنت اعرف من الاول يا بهجة .
قالتها نجوان لتجذب انتباه الجميع نحوها، فتردف بتنهيدة من العمق:
– انا والدة رياض، يعني اكتر واحدة تعرفه، زي ما كمان حب بهجة اتغلغل في قلبي من قبل ما حتى ما استعيد وعيي كويس، مش عارفة دا يتسمى ايه، بس انا دايما عندي احساس ان سبب تعافيا الاساسي هو بهجة نفسها،، او يمكن قصتها مع رياض، هتقولولي ازاي؟ هقولكم معرفش
– اكيد عشان انتوا الأتنين قلوبكم صافيه زي بعض.
قالتها صبا لتلعق بهجة التي تأثرت بقولها:
– لا طبعا مفيش اصفى من قلبها، بس انا برضو مش فاهمة، انتي بتقولي انك عرفتي قبل ما انا اقولك، ازاي طيب؟
تبسمت نجوان بثقة:
– والله انتي غلبانة اوي يا بهجة، يعني مفكرة عم علي الراجل العجوز دي هيقدر يخبي عني خصوصا لما ازن عليه، دا كان ناقص نبوية كمان تعرف، رياض مكشوف اوي، يمكن انتي متاخديش بالك، عشان مش انتي اللي مربياه
تدخلت صفية بإعجاب:
– والله دا من حظ بهجة، انها تلاقي ناس طيبة تحس بيها، وهي برضو تتحب وتستاهل والله واحدة زيك رغم ان ابنك عايزة القرص، متزعليش مني
قالتها بجدية اثارت ضحكات الجميع ليضيف عليها شادي:
– معلش الايام جاية يا حضرة الافوكاتو كتير، اصبري على رزقك .
– ليه هتعمل ايه؟
صدرت من بهجة بقلق رغم ادعائها غير ذلك، لتكن اجابته بصمت مبهم، ولكن زوجته لطفت تطمأنها:
– متجلجيش يا بهجة، ابن عمتك مالهوش في الاذية، هو آخره يقرص وبس.
اومأت رأسها رغم عدم اقتناعها، لتتذكر فجأة سائلة:
– صحيح انا معرفتش انتوا اتلميتو ازاي على بعض:
– تبادل الجميع النظرات مع الابتسام ليأتي رد نجوان اولهم:
– شغلي مخك يا بهجة، عم علي مفيش حاجة تخفى عليه، وبالتالي متخفاش عليا انا كمان،
فقال شادي:
– انا بقى تعبت شوية في اللف والبحث، بس لما افتكرت صفية قولت اسألها عنك يمكن تعرف مكانك لقيتها بتبلغني بوجودك معاها في المكتب،
توقف برهة ثم واصل بحرج ؛
– مراتي صراحة كانت معايا ساعة ما سمعت المكالمة، أصرت تيجي عشان هي كمان تطمن انتو عارفين بقى دماغ الصعايدة.
تبسمت بهجة تتغزل بصبا التي انتابها الخجل من كلماته:
– ومالهم الصعايدة يا عم، ما هم حلوين وجدعان، عايز ايه تاني ، دا انت ربنا كرمك بيها والله..
بادلتها صبا تعبر عن امتنانها:
– دا انتي اللي جمر وبدر البدور كمان، انا والله جلجت جدا وكان نفسي اطمن عليكي، بس انتي كنتي عايزة دكتور يفحصك ويشوف حالتك.
– لا انا كويسة والحمد
– وعرفتي منين؟
توجهت بها نجوان نحوها، لتستطرد بجدية:
– لازم دكتور يشوفك يا بهجة، ونطمن عليكي منه.
– ويعني هيكون فيا ايه بس؟ اكيد شوية ضعف .
قالتها بهجة لتنتبه على نظرات ذات مغزى موجهه نحوها، فهمت عليها لتنفي على الفور؛
– لا يا جماعة انا عاملة حسابي كويس من اول يوم،… ودا طبعا لانه مرسيني على الوضع من اوله.
قالت الأخيرة ببعض الحرج، غافلة عن تأثير كلماتها على من لم يعلم بالحقيقة كاملة الا الان، ليعتريه الغضب على الفور قائلًا :
– معنى كدة انه كان رافض الاولاد من الاول يا بهجة.
استدركت لتبرر بتلعثم:
– لا يا شادي…… اصل هو يعني… ااا احنا مجيبناش سيرة الاولاد من اساسه والله، بس انا كان لازم افهمها لوحدي،….
انهت تطرق رأسها بحزن، مما اجبره على عدم المواصلة، فقالت نجوان:
– متقلقوش يا جماعة، كله هيتصلح ان شاء الله، بس احنا برضو لازم نطمن، مفيش حاجة مضمونة، بكرة الصبح بإذن الله، هاخدك ونروح على المستشفى نعمل فحصوات كاملة
– مستشفي ايه؟
تسائلت لتفاجأها الأخرى بردها:
– المستشفى بتاعتنا يا بهجة، عند الدكتور هشام
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
وداخل غرفة مكتبه حيث النقاش الدائر مع شريكه في إحدى الأمور الخاصة بالعمل، وقد كان امامه بحالة يرثى لها، تعب الأمس والقلق والتفكير المستمر، والذي منعه حتى من احذ القسط الكافي من النوم، حتى يستعيد نشاطه والتركيز في هذه الامر الذي يتم النقاش حوله،
حتى فاض بالاخر ليلقي الملف الورقي من يده على سطح المكتب بإهمال معبرا عن اعتراضه:
– مش معقول يا رياض، انا سابع مرة اعيد البند اللي عايزين نتفق عليه قي الصفقة، وانت ولا هنا خالص.
تحمحم يستعيد ذهنه ، ليجلي حلقه مبررًا بأسف:
– انا اسف يا كارم معلش، دماغي بس مشغولة بحاجة كدة، مضيعة التركيز مني
،
رد الاخر بتشكك؛
– حاجة برضو، رياض انا مش عايز أتدخل في امورك الشخصية احترامًا لخصوصيتك، والتعتيم اللي بتفرضو عليها، بس كدة لو هتوصل للضرر في الشغل، يبقى لازم انبهك
– قصدك ايه؟
توقف برهة ثم ما لبث ان يجيبه بمكاشفة:
– قصدي انت فاهمه كويس اوي يا رياض، ومن غير ما تفتكر اني متطفل او متعمد التدخل في شئونك، انا تقريبا فاهم اللي انت فيه والقصة اللي بتحاول تداريها عن الجميع ودا حقك، بس الشغل يستاهل التركيز….
توقف يسحب شهيقًا مطولا ويخرجه ثم نهض يلملم أوراقه متابعًا:
– انا بكلمك كصاحب يا رياض، وبعرض عليك للمرة التانية حتى لو انت رافض….. الوحدة مفيش ابشع منها….و انا تحت امرك في اي وقت تحتاجني فيه
انهى كلماته وتحرك مغادرًا على الفور، وظل هو على جلسته ينظر في أثره بشرود دام لحظات، وصفه عن الوحدة محقًا فيه تمامًا، وهو لم يكره شيء اكثر منه، ولكنها كتبت عليه، حتى الوحيدة التي احتوته وانتشلته من هذا الإحساس الشنيع تتسرب من بين يديه الان، ويبدو انها هي ايضًا تريد تركه، ولكن هذا ابدا لن يسمح به؟
عند خاطره الاخير، تناول هاتفه على الفور يجري اتصالا، كي يعرف منه اخر الاخبار:
– ايوة يا عم علي…… مظهرتش برضو بهجة؟……… مستشفى ايه بالظبط؟ وليه؟………. بتقول مين؟ الدكتور هشااام…….
خرجت صيحته الاخيرة بصوت عالي، يختم مع الرجل، ثم ينهض سريعًا، متناول اشياءه، استعداد للخرج، وقبل ان يتحرك نحو الباب وجدها تدلف اليه حاملة على يدها بعض الملفات قائلة:
– مستندات المورد الجديد للخامات يا فندم اللي كنت طالبه من شوية..
التف اليها يضع الهاتف بجيب بنطاله، يرد على عجالة واقدامه تتخذ طريقها نحو الذهاب:
– أجليهم بعدين لما ارجع .
هتفت تلحق به مندهشة:
– بس انت كنت طالبهم بسرعة عشان متأخرين على الدفعة الجديدة…..
توقفت فجأة ، وقد اكتشفت انها تحدث نفسها، بعد ذهابه السريع من امامها، وكأنه يركض ليلحق القطار، لتسقط بجسدها على الكرسي خلف مكتبها، واحباط ثبط عزيمتها عن المواصلة، وافقدها الحماس بعدما نبت بداخلها الأمل مرة اخرى بعد أحداث الأمس، وهذا الشقاق الذي صار بعلاقته بهذه الملعونة التي تقف حاجزًا بينها وبينه.
❈-❈-❈
بداخل المشفي
وقف العم علي مسافة بعيدة خارج المشفي، يتابع ولوجهم داخل المشفي، بمرافقة الطبيب الذي استقبلهم، وقد كان على علم بحضورهما من نجوان التي هاتفته مسبقا، وكالعادة فمه لا يتوقف عن الحديث ابدا:
– اول ما اتصلتي وبلغتيني انك جاية المستشفى تعملي فحصوات، قررت ااجل محاضرتي في الجامعة واكون في شرف استقبالك.
تبسمت نجوان تتقبل لطفه بامتنان شديد:
– مرسي اوي يا دكتور على زوقك، بس احنا مش عايزين نأخرك اكتر من كدة على طلابك.
– مجاتش على نص ساعة يعني، المهم نطمن عليكي يا نجوان هانم، وانتي يا بهجة، مش ناوية بقى ترجعي لكليتك تاني؟ انا شايف انك شطورة واكيد هتعدي وتتفوقي كمان
صمتت قليلًا بتفكير ، وكأنها تذكرت شيئًا تائهًا منها، ثم نقلت بابصارها نحو نجوان، تستدرك لسبب مجيئها اليوم، ف انتظار معرفة النتيجة التي ستتوقف عليها اشياء كثيرة بعد ذلك، فتأتي اجابتها اخيرًا بيقين:
– ان شاء الله يا دكتور، مهما كانت الأسباب اكيد راجعة.
❈-❈-❈
خرجت من منزلها وذلك الحبس الإجباري داخله اخيرا، لترا نور الشارع بعد انقطاع دام ايام، عقب حادثة الدجال وقسم الشرطة، ثم خطبتها من هذا الاحمق الذي يظن انه سيفرض كلمته عليها، ويطوعها، وكأنه يستطيع بالفعل، لقد هاودت شقيقيها ووالديها حتى تمتص غضبهم، لكنها عازمة ان تعود لطبيعتها المتمردة رويدا رويدا ، ولن تستلم لهذا العته….
– ازيك يا حلويات
شهقت متنتفضة ترتد بأقدامها للخلف، وقد اجفلها بقطع الطريق عليها، يتصدر امامها بجسده، ليشملها بنظرة وقحة، دارت علي جسدها من اعلى لأسفل متفحصًا هيئتها المتأنقة بمبالغة كعادتها، ليردف:
– الصلى على النبي، كدة العروسة رايحة فين بقى من غير ما تبلغ خطيبها.
ارتفع طرف شفتها العليا باستنكار عبرت عنه:
– نعم، هو انت كمان عايزني ابلغك بالخطوة اللي اخطيها برا البيت، ولا انت شكلك صدقت انك خطيبي بجد وهتفرض الأوامر وانا انفذ.
ضحك باستهزاء يرفع السيجارة التي ببن أصابعه إلى فمه، ثم ينفث دخانها في الهواء دون تعليق، مما زاد من استفزازها لتهم بالتحرك مغادرة، ولكنه باغتها يقبض على كفها يعصرها بيده قائلًا:
– على فيين يا حلوة؟ هو انا اديتك الإذن عشان تمشي؟
حدجته بزعر تحاول نزع قبضته عنها مرددة:
– سيب ايدي يا جدع، انت اتجننت، بقولك سيب ايدي، لاصوت والم عليك الناس.
واصل استهزائه غير مباليًا يرد:
– هما فين الناس دول، بصي كدة يا حلوة حواليكي ، لو لقيتي واحد فيهم بس يتجرأ يدخل ولا يفاتحني، يبقى ليكي كلام عندي، انا شيكاغو المنطقة يا بت، محدش يقدر يقربلي ، وانتي المدام بتاعتي يعني تخصيني ومطلوب منك تحترمي .
تطلعت حولها بالفعل، لتجد الجميع مشغول فيما يخصه، ولا احد يلقي حتى بنظرة نحوهما، لتصدر صوت استهجان بفمها تحاول نزع يدها التي اطبق عليها بقوة:
– مدااام ! يا عم هو انت شارب ولا ايه بس ع الصبح؟ ولا يمكن مش عارف تفرق بين قراية الفاتحة وكتب الكتاب، دي ايه النصايب اللي بتحل علينا د
هذه المرة زاد بضغطه فكادت تشعر بطقطقة العظم ، حتى اوجعها بشدة يتمتم محذرًا لها:
– لما اقول مراتي، معناها انه امر مفروغ منه، وع العموم انا برضو هعجل بكتب الكتاب والدخلة على طول، مش هستني تأجيل عشان يبقى رسمي.
نست الألم لتطالعه بزعر ، لا تحتمل حتى التخيل، فدفعها للخلف ينزع كفها التي تخدرت من الألم حتى لم تعد قادرة على فردها جيدًا يامرها بتهديد:
– اخلصي ياللا روحي ع البيت ، وما شوفش وشك في الشارع تاني غير بعلمي يا شوف حكايتك ما خواتك وهما اللي يتولوا المهمة بقى لحد ما توصلي بيتي.
جمدتها الصدمة حتى انها لم تتحرك سوى بعد ان عاد يهدر بها:
– اتحركي ياللا، انتي لسة هتتأملي في جمالي، ياللااا
انتفضت على اثر الاخيرة، لتبدي رفضها وتمردها، ممسكة بكفها التي اصبح يزيد به الألم
– دا لما تشوف حلمة ودنك يا شيكاغو، والنعمة ما انا ساكتالك، ولا هخليك تنول غرضك،
برقت عينيه لها بشر جعلها ترند باقدامها مغادرة، لتواصل بغمغمة كانت تصل اليه:
– قال اتجوزو قال، دا انا انتحر احسن ولا اتجوزك، وديني ما انا ساكتة، هخلي ابويا يشوف صرفة معاك، هو انا رمية ولا رمية
ظل محله يتابعها بابتسامة منتشية، غير ابهًا لكل هذيانها، عيناه تطوف عليها من الخلف بتفحص لا يكتفي منه، ليتنهد مستعيدًا توازنه ، ثم يرفع الهاتف يضغط على زر الاتصال بأحدهم، حتى اذا اجابه، تغيرت نبرته على الفور:
– الوو يا ابو سمرة عامل ايه يا غالي؟ والننوس الصغير اخباره ايه دلوقتي………. ربنا يعفي عنه يارب…. مش عايز ازعجكك يا حبيبي، بس انا كان عندي طلب، ممكن تعتبرها شكوى من عشمي فيكم يعني……… تشكر يا حبببي، انا بس بشهدك، يرضيك عمايل اختك معايا……. احكيلك على السريع وانت تحكم بنفسك.
❈-❈-❈
اما في منزل خميس
والذي لم يجد امامه مكانًا امانًا سوى المرحاض، بعيدًا عن أعين درية، ليتحدث في الهاتف مع زوجته الجديدة، يتقبل عتابها عليه بعد هجرها لأسابيع:
– كدة برضو يا خميس، تطفش وتقول عدولي يا راجل، هو انا لدرجادي هونت عليك؟ ولا يمكن معجبتكش كمان، ما انا عارفة حظي.
وصله صوت بكاءها المصطنع ليسارع في ترضيتها:
– لا يا صفاء متقوليش كدة، دا انتي تعجبي الباشا، بس انا بصراحة خايف اجيلك، ملقيش بعدها حق المواصلة اللي ارجع بيها، متزعليش مني، بس انا المرة فاتت ضيعت حق نقلة كاملة من بضاعة الوكالة، على الاكل والشرب بس عندك.
قال الأخيرة بتحسر عبست له ملامحه، لتجاريه بنعومتها:
– انا معاك انك صرفت كتير المرة اللي فاتت، بس احنا كنا عرسان جداد يا خميس، والعريس بيصرف ويكع دم قلبه عشان يدلع مراته، ولا انت كمان مستخصر فيا اللقمة.
– لا صفاء مش مستخصر فيكي اللقمة، دا انتي تاخدي عيني وانا على قلبي زي العسل، بس انتي بتقولي العريس يصرف على عروسته، انما انا كنت بصرف على عروستي، وعيال عروستي وعيلتها كلها، كان ناقص بس اجيب الناس اللي في الشارع ياكلوا معانا صبح وليل، وياريت اكل عادي، انما دي كلها حاجات من اللي تدبح القلب، إشي لحوم وفراخ واكل جاهز وفواكه من كل صنف ولون،
وضع كفه على صدره يواصل بحرقة:
– انا قلبي بيوجعني لحد دلوقتي على فكرة من الفلوس اللي ضاعت ومش قادر انسى .
تنهدت تزيد من نعومتها:
– خلاص يا خميس متجيبش المرة دي لحمة واكل جاهز، انا هنبه على العيال يلمو نفسهم وان شالله حتى مياكلوش خلاص عشان يعجبك
– مياكلوش ليه يا صفاء؟ وهما في غيابي يعني مش بيلاقوا اكل؟
تجاهلت الرد على سؤاله، لتواصل بلهجة لائمة:
– انا حاساك يا خميس بتتحجج عشان متجيش وخلاص، على العموم ماشي يا ابن الناس انا عملت اللي عليا، هو انا هبوس على ايدك يعني عشان تجيني،
انت حر بقى، ان شالله حتى لو عايز تطلقني طلقني انا معنديش مانع، بس ياريت تديني كل حقوقي، ما هو انا مش متجوزاك عشان تهجرني
– لا لا استني يا روح يا قلبي، طلاق ايه بس وكلام فارغ، هو انا اقدر استغني عنك يا قلبي ولا احنا لحقنا اساسًا نشبع من بعض .
– قول لنفسك
– خلاص انا هحاول اجيلك في أقرب وقت يا صفصوفتي.
سمعت منه لتطلق ضحكتها المائعة، ليهلل ببلاهة:
– يالهوي على جمال ضحتك، سمعيني تاني .
ليظل لمدة من الوقت في هذا الحديث معها، حتى خرج أخيرا، ليفاجأ بصراخ ابنته في وسط الصالة:
– ماعيزاهوش، النهاردة تفسخو خطوبتي منه، سامعة ياما، النهاردة تفسخوا الخطوبة.
عبس خانقًا لتدللها المستفز، حتى كاد ان يعنفها، ولكن سبقه ابنه سمير الذي ولج فجأة داخل المنزل بغضبه:
– حسك عالي ليه يا بت ؟
انتفضت تتلاقاه بعاصفتها:
– اتفضل يا سي سمير، عشان تفرح قوي، اختك اتهانت كرامتها في نص الشارع ، ولا أكن مقطوعة من شجرة، البيه الفتوة اللي خطبتوني ليه، اتصدر قدامي يمنعني اعدي ولا اروح مشواري، بص شوف ايدي كان هيكسرهالي شااايف.
تطلع نحو كف يدها التي جعلتها امامه، يتفحصها بتقليل:
– مالها ايدك؟ ما هي سليمة اهي ، لا فيها اتكسرت ولا اتعورت ولا حتى فيها خدش، ولا انتي عايزة بس تلاقي حجة.
شخصت ابصارها وفغرت فهاها تردد بقهر:
– انا يا سمير عايزة اتبلى، بقولك مانعني اعدي……
– مانعك تعدي ونبه عليكي متنزليش غير بإذنه بعد ما قليتي أدبك عليه، يعني مغلطش فيكي.
شهقت ضاربة بكف يدها على صدرها مرددة بمظلومية:
– اناا اللي قليت أدبي عليه، هو لحق يشتكيلك يا سمير وانت كمان صدقته وبتكدبني.
عقب على كلماته ببساطة:
– اه اصدقه واكدبك، لأنه هو برغم كل عيوبه، لكنه بيحترم الرجالة وبيقدرهم، انما انتي معندكيش عزيز يا غالية
توقفت عن الدفاع وقد الجمتها كلماته، لتتجمد بصدمة فتولت والدتها الرد، تلطف مع ابنها الذي اصبح لا يطيق لها كلمة:
– يا بني بس هو مكانش حقه يعمل كدة معاها، البنت مش حمل……
– بتك كبيرة وتتحمل كل حاجة ياما.
قالها بمقاطعة حادة وشرار عينيه يرسل العديد من الرسائل الغير مطمئنة لها، ليجبرها على الصمت في كل مرة تحدثت معه في أمر ما، فيزداد التوجس داخلها والخوف ايضًا، ليتابع بقوة جديدة على شخصيته التي يعرفونها :
– بعد اذن ابويا طبعا، هو خد مني الإذن عشان يجي هو وابوه ويحددوا معانا معاد الفرح، اصله جاهز ومستعجل، واحنا كمان مش قليلين
صرخت تعود لشراستها:
– فرح مين يا عنيا؟ انا قولت هفسخ خطوبتي منه الواد العرة ده، يعني لا جواز ولا دياولو
تجاهل خميس وكأنه لم يسمع شيء يجيبه:
– يجوا وقت ما يجوا ان شالله حتى النهاردة انا معنديش اي مانع، ياللا بس اللي يشيل.
قالها وتحرك ذاهبًا نحو غرفته، لتصيح من خلفه:
– يبقى هموت نفسي يا بابا، عشان تستريحوا مني كويس يا سي سمير.
تبسم بسخرية يتحرك للمغادرة هو ايضًا يردد لها:
– ياللا يا اختي، بس اتشطري وأعمليها بجد، تبقي ريحتي ووفرتي كمان.
❈-❈-❈
دلف بخطواته السريعة داخل المشفي، يبحث بعيناه عن الاثنتان، يتوعد لهذا الطبيب بكسر رأسه ان رأه يتحدث معها، يحمل طاقة من الغضب قادرة على الفتك يالجميع، وسيكون سعيدًا جدا أن افرغها في هذا المتحذلق، سأل عنها احدى الممرضات، حتى دلته على مكان وجودهما في إحدى حجرات الكشف، ذهب على الفور ليقتحم الغرفة فجأة فيجفل الاثنتان بحضوره المفاجيء، وطاقة من الغضب تشع من كل خليه بجسده، ليصفق الباب بعنف ويصبح امامهما، عيناه تقدح شررًا بغضب عاصف، يتنقل بأبصاره بينهما بصمت مهيب
انكمشت بهجة على نفسها، وقد استطاع بهيئته ان يبث بداخلها الرعب، عكس والدته والتي تطلعت به، تستقبله بتحدي وكأنها كانت في انتظاره:
– مش عيب واحد في مركرك ويقتحم الغرفة على اتنين ستات كدة وفي مكان عام، حتى على الاقل راعي الأصول يا بن حكيم.
تعمدها المقصود بذكر والده زاد بقلبه الشك، ليميل برأسه نحوها مضيقًا عيناه يردد خلفها:
– اَه ابن حكيييم، في كل مرة تفكريني بأسم الوالد ببقى متأكد ان قصدك من وراها حاجة، ودا اللي عايز اعرفه
– تعرف ايه؟
همست بها بتسلية زادت من حنقه ليهدر فاقد السيطرة، موجهًا ابصاره نحو بهجة:
– الهانم اللي طفشانه من امبارح وانا مش عارف لها طريق، بلف وادور في كل حتة، عشان اكتشف دلوقتي انها هنا معاكي، ليه يا ست بهجة؟
ردت بحدة مشجعة نفسها على مواجهته:
– بالعقل كدة، في اؤضة الكشف وفي مستشفى، تفتكر بعمل ايه يا باشا؟
– يعني مش جاية مع ماما عشان الدكتور الزفت؟ ولا انتي فعلا تعبانة يا بهجة.
قال الاخيرة بلهجة ظهر بها القلق لتعلق نجوان بسخرية مقارعة له:
– ويخصك في ايه تعرف ان كانت تعبانة ولا مش تعبانة؟ دا غير انه اساسًا كل تصرفاتك دي مش مفهومة، بتعمل معاها كدة ليه يا رياض؟ هي صفتها ايه بالظبط عندك؟
طفى شي، من الارتباك يعلو ملامحه، يطالعها بتردد دام لحظات، ثم يستدرك لفداحة أفعاله، فقد اعمته الغيرة للمرة الثانية، بعد مكالمة العم علي وذكر اسم هذا الطبيب المستفز، ولكنه ايضًا ليس غبيًا حتى لا ينتبه لتلك الإشارات التي تثبت علمها بالأمر:
– هي اللي قالتلك صح؟
توجه نحو بهجة مردفًا بحدة:
– كان لازم افهمها لوحدي اختفائك المفاجيء، ثم ظهورك دلوقتي معاها، شكلي انا اللي كنت غبي وسطيكم، بس اعرف بقى، هي قايلالك من امتى؟
اكتفت بهجة بالصمت تدعي عدم الاكتراث ، لتتولى نجوان مهمة الرد:
– المهم اني عرفت وخلاص ، ودلوقتي بقى بتصرف بحكم مسؤليتي عن البنت المسكينة دي، عشان متتظلمش لو في حاجة جاية في السكة
شخصت ابصاره فجأة باستيعاب لمغزى كلماته ليهتف:
– قصدك انها ممكن تكون حامل؟!
ظهر بنبرته شيء من الهلع اغضب بهجة لتعلق بابتسامة ساخرة خالية من اي مرح:
– للأسف لسة متأكدناش يا باشا، في انتظار نتيجة التحاليل.
اومأ رأسه بتفهم وعلامات القلق احتلت معالمه، لتنتهزها فرصة نجوان في سؤاله:
– واضح ان مكنتش عامل حسابك لشيء مهم زي ده، ووارد جدا حدوثه، السؤال بقى، لو النتيجة طلعت ايجابية، يا ترى تصرفك هيبقى ايه؟
بدى عليه التوتر، وعيناه تتنقل بحيرة فيما بينهما، مما ازعجها بشدة، فقطعت على الفور لحظات الصمت بينهما ، لتسبقه الرد باعنزاز:
– اطمن يا باشا، ومتزعجش نفسك انا في الحالتين عاملة حسابي.
– يعني ايه مش فاهم؟
ردت بحدة:
– يعني ماتشلش هم، انا من اول يوم في جوازي منك وانا مش حاطة اي امل على الاستمرار .
امتقعت ملامحه فجأة وانتفخت اوداجه بغضب شديد، يتقدم نحوها مرددًا بتساؤول:
– يا سلاام وان شاء الله بقى الحلوة حاطة أملها على مين؟
تصدرت امامه نجوان تمنعه عنها؛
– أوقف مكانك هنا اياك تقربلها، والاحسن انك تخرج اساسا، انت ايه اللي جايبك اصلا؟
جادلها يتشاجر معها، اما بهجة فقد غمغمت بذهول ، تستعجب رد فعله:
– دا ماله ده؟ هو انت تنسى وتفتكر على مزاجك؟
ردد بغيظ:
– اه يا بهجة، انا بنسى وافتكر على مزاجي، ومش هسمحلك تتجوزي حد غيري طول ما انا عايش .
همت تثور به مستغلة دفاع نجوان، ولكن منعهم قدوم إحدى الممرضات واستئذانهم في الدخول:
– نتايج التحاليل يا فندم
امرتها نجوان بالاقتراب لتتناول منها النتائج، ثم تصرفها لتطلع عليها امام ترقب الاثنان، حتى رفعت الورقة امامهم قائلة:
– النتايج سلبية
اخرجت بهجة زفرة ارتياح مرددة بالحمد تنتشله من شروده، ليعود لحدته في الحديث:
– شايفك انبسطي اوي، لدرجادي مش عايزة اي حاجة تربطك بيا.
– دا مجنون ولا ايه؟
تمتمت بها لتتناول حقيبتها وتخرج مغادرة على الفور، دون الرد عليه، ليهم هو بملاحقتها، ولكن والدته منعت تجذبه من ذراعه:
– رايح فين قلبي؟ الدكتور منبه انها تريح، وتبعد ان اي شيء يوترها ولا يعصبها، بعد تعب امبارح، يعني خليك مكانك يا حبيبي
تجمد يتطلع لاثرهما واختفائهما من امامه بعدم استيعاب، ليدفع الكرسي بقدمه باستدراك، يتوعد قبل ان يحرك اقدامه ويتبعهما:
– ااه ودا تلاقيه بقى دكتور الهم بتاعك ما انا عارفه، وديني ما انا سايبه، ماشي يا بهجة، ماشي يا نجوان هانم.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حان الوصال)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى