روايات

رواية قلوب حائرة الفصل الرابع والستون 64 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل الرابع والستون 64 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت الرابع والستون

رواية قلوب حائرة الجزء الرابع والستون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة الرابعة والستون

🦋 الفصل الثالث والعشرون 🦋
إحتدت ملامح ذاك الحانق وهتف غاضباً بعدما طفح به الكيل من كلمات تلك التي تخطت كُل أصول الأدب واللباقة:
-كدة كتير،إنتِ تخطيتي حدودك وتعديتي الأصول في الكلام ولازم تعتذري حالاً
جحظت عيناها وفَغَرَ فاهُها غير مستوعبة ما طلبهُ منها أبيها للتو،أيُعقل هذا؟
رمقها بنظرة غاضبة وأشار علي مليكة مُحدثاً إبنته:
-إتفضلي إعتذري لها
بعيناي مُتسعة بذهول تحدثت بصوتٍ خافت بعدم إستيعاب:
-بابي،إيه اللي إنتَ بتقوله ده؟
واسترسلت مندهشة:
-حضرتك عاوزني أعتذر لها بعد ما هانتني قدامك؟
واستطردت وهي تهز رأسها بتيهة:
-أنا حقيقي مش مصدقة
بأسف هتف وهو يرمقها بنظرات مُستاءة:
-الإهانة الوحيدة اللي أنا شُفتها كانت موجهة ليا أنا،لأنك أثبتي لي أنا قد إيه قصرت في تربيتك وفَشلت في إني أعمل منك إنسانة راقية،ليها حدود بتُقف عندها وعُمرها ما تتخطاها مهما حصل
نزلت دموعها وهي تري خَيبة أمل والدها وإنزعاجهِ البَيِنْ جراء أفعالها التي أدخلتهْ في حالة من الصَدمة وهذا ما لم تكُن تتمناهُ أبداَ،لكنها تأبَي الإعتراف بالخطأ والإعتذار لتلك المليكة،أولَم تكتفي بسرقَتها لوالدها وأحلامها معهْ!
هتف ياسين بنبرة حادّة ونظرات متوحشة بعدما رأي إستنكارها لطلبه:
-إنتِ سِمعتي أنا قُلت إيه؟
بدموع أبِية هزت رأسها باستنكار فأردفت مليكة بتنازُل كي تفض ذاك الإشتباك وتُنهي تلك المهزلة:
-خلاص يا ياسين،هي غلطت فيا أنا،وأنا مش عاوزة منها أي إعتذارات
حول بصرهِ إليها وبملامح وجه مُتجَهِمّة هتف بحِدة:
-الدكتورة ما غِلطتش فيكِ لوحدك يا مليكة،دي غلطت فيا أنا كمان
واسترسل بقوة:
-غِلطت لما سمحِت لنفسها إنها تتَجَاوز حدود الأدب في الكلام معاكِ ونسيت إن كرامة السِت من كرامة جوزها يعني هي كدة هانت أبوها،والغلطة الثانية لما عَلت صُوتها عليكِ وما أحترمتش حتي وجودي،وبعدين دي مسألة مبدأ بالنسبة لي
ثم عاد ببصرهِ الحادّ مرةً أُخري في إنتظار إعتذارها،ترجته بعيناها المليئة بدموع الأسي بألا يكسرها أمام غريمتها،قطع حديثهُ المُترقب خروج تلك الثُريا حيثُ تساءلت بإستفهام:
-فيه إيه يا ولاد؟
صوتكُم جايب أخر البيت من جوة وواصل لأوضتي وأنا بصلي؟!
أجابها ياسين بنبرة جادة:
-ما تشغليش بالك يا أمي،موضوع وهينتهي بإعتذار أيسل لمليكة
أنزلت سارة بصرها خجلاً لأجل موقف صديقتها المُخجل والتي لا تُحسد عليه،فتحدثت ثُريا باستنكار مُتعجبة:
-إعتذار إيه بس يا ياسين،هو أحنا يا أبني فيه بينا الكلام ده؟
واستطردت لتحثهُ علي إنهاء تلك المُشاحَنة:
-إخزي الشيطان يا حبيبي وسيب البِنت تروح وتعالي أعمل لك فنجان قهوة علي السبرتاية يهدي أعصابك
اللي غِلط لازم يعتذر يا أمي علشان بعد كدة يفكر ألف مرة قبل ما يتهور ويكررها…نطقها بحِدة وملامح وجه مُكفهرة جعلت تلك الايسل تتأكد من أن لا مفر من براثن والدها فأردفت بنبرة خاضعة ذليلة علهُ يتراجع:
-أنا هعتذر علشان ده طلب حضرتك
بعيناي كحِدة الصقر وصرامة حدثها:
-وأنا مش عاوزك تعتذري علشان أنا طلبت،إنتِ هاتعتذري لأنك غِلطتي
إقتربت من وقفته وقامت بإحتواء كف يده وتحدثت برجاء كي يتوقف عن طلبهْ:
-علشان خاطري خلاص يا ياسين
أفلت كفهِ من بين راحتها ورفعها لأعلي في إشارة منهْ ليحثها علي الصمت وعدم التدخُل،تنهدت بأسي والتزمت الصمت،أما أيسل التي نظرت بتعالي إلي مليكة واردفت بعدما تيقنت من أن لا مجال للخلاص:
-أنا أسفة
قالتها وحولت بصرها إلي والدها ونظرت إليه بعتاب فهتف هو محذراً إياها بنبرة قوية:
-أول وأخر مرة أسمعك بتكلمي مليكة أو أي حد بالطريقة المُنحطة دي
واستطرد وهو يُشير لها بكف يـ.ـده ناحية البوابة الحديدية:
-تقدري تتفضلي،وبلغي مامتك وأبداوا جهزوا نفسكم علشان هتسافروا ألمانيا بعد بُكرة
بعيناي لائمة عاتبته نظرت إليه ثم إنسحبت مهرولة في طريقها للبوابة،لحقتها سارة التي هرولت خلفها كي تَلحق بها لكنها شعرت بالحَرج فقررت الذهاب إلي منزل سليم لتعفي صديقتها الحَرج ولتُبلغ والدتها بما حدث
كان الصغير يُتابع ما يجري وهو مُختبئ وراء والدته ويتلصص بالنظر علي والدهُ الغاضب،رأته ثُريا التي هتفت بتساؤل مُنزعج:
-إيه اللي بهدل الولد كدة يا مليكة؟
حول ياسين بصرهِ إليه فهتف الصغير وهو يرفع كفهِ الرقيق بذُعرٍ ظهر بَيِنْ داخل عيناه في محاولة منه بتقليد أيسل كي ينأي بحالهْ من سُخْط أبيه:
-أسف يا بابي،عزو مش هيعمل كدة تاني
ثم وضع سبابته بفَمهْ واردف بإرتياب:
-بس بلاش توجع إيد عزو زي سيلا ما وجعتها
نزلت كلمات صغيرهُ علي قلبه أحرقتهْ ثم تحرك وأنحني ليدنو منه وتحدث وهو يتلمَس وجنتهْ كي يبث داخل روحهِ الطاهرة الطمأنينة وذلك بعدما رأي الذُعر بعيناه:
-ما تخافش يا حبيبي،ماحدش يقدر يأذيك طول ما أنا موجود
سألهُ بكُل براءة:
-يعني مش هتعاقب عزو؟
حزن لأجل ما عاشهُ ذاك الذي يمتلك قلبهُ ويُذيبهُ بحنانه،وتحدث وهو يسحبهُ إلي داخل أحضانهْ كي يطمأن رَوعهْ:
-تعال نطلع فوق وأنا بنفسي هحميك وأغير لك هدومك
تهللت ملامح الصغير حين وجد حنان أبيه وبكُل براءة لف ساعديه حول عُنق من يُمثل لهُ الحماية،حملهُ ياسين الذي صاح بصوتهِ يستدعِي العاملة مُنى حيثُ أنها إنسحبت إلي الداخل مُنذُ حضور ياسين خشيةً بطشهْ،أتت مُهرولة وتحدثت بتوقير:
-أوامرك يا سعادة الباشا
هتف بحزم:
-إطلعي جهزي الحمام حالاً لعز
حاضر يا باشا…نطقتها بطاعة وأسرعت للداخل فنظر مروان إلي ياسين وتحدث بنبرة شاكرة بعدما أثلج ياسين صدر الفتي:
-شُكراً يا عمو إنك صونت لماما كرامتها
هز رأسه بهدوء ثم أردف قائلاً بتكليف:
-إخواتك من النهاردة في حمايتك وأمانتك،الوقت اللي ماما هتكون موجودة فيه في الشُغل إنتَ هتكون مكانها وتساعد تيتا في رعايتهم لحد ما ماما ترجع
أومأ له الفتي بموافقة ثم حول بصرهْ إلي ثُريا وتحدث إليها بإحترام:
-بعد إذنك يا أمي،هطلع أحَمي الولد وأنزل لحضرتك علشان نتكلم
أومأت له فتحرك بصغيرهُ مُتجاهلاً مليكة مما أدي إلي تعجُبها الشديد،تحدثت ثُريا بهدوء بعدما رأت تأتُر ياسين:
-إطلعي ورا جوزك يا مليكة
وافقتها الرأي وسارت خلفهُ لتري ما سبب تغيُرهُ ذاك،وتحركت ثُريا بجانب فتي غاليها وجلسا سوياً أمام حمام السباحة تحت راحة مروان من تصرف ياسين
❈-❈-❈
داخل ڤيلا عز المغربي،دخلت أيسل من البوابة وهي تُهرول ودموعها تجري فوق وجنتيها بحرارة،لمحتها منال وليالي وشيرين اللواتي كُن تجلسن بمنتصف المنزل،وقفت منال وسألتها بإرتياب وذُعر ظهر بَيّن:
-مالك يا سيلا؟ إيه اللي حصل؟
إرتمت الفتاة داخل أحضان جدتها وتحدثت بإنهيار أظهر كَمّ القهر التي تشعُر به:
-بابي بهدلني يا نانا وخلاني أعتذر لمليكة قدام كُل اللي في البيت
جحظت عيناى منال وهتفت بنبرة حادّة:
-تعتذري عن إيه،إحكي لي اللي حصل
هرولت ليالي وربتت علي إبنتها وهتفت بإعتراض:
-هي لسة هتحكي يا عمتو؟ هتكون عملت للهانم إيه يعني؟
واستطردت بتهاون وكبرياء:
-المبدأ نفسه مرفوض،ما ينفعش ياسين يقَلِل من قيمة بنته وبرستيچها ويخليها تعتذر لأي حد حتي لو كانت غلطانة
خلينا نفهم من البنت الأول يا ليالي وبعدها إبقي شوفي إيه اللي يصح واللي ما يصحش…جُملة نطقتها شيرين بإِتِّزان ونُضج فِكري
جراء صياحهم العالي خرج ذاك القاطن بمكتبه طيلة الوقت هرباً بحالهِ من وجه تلك المنال التي أصبحت تتحرك بالمنزل بأريحية تامة متغاضية عن ما حدث بينهما مساء ليلة العيد، حيثُ أنها إستغلت وجود إبنتها بالمنزل لتتقرب من عز ثانيةً في محاولة بائسة منها عَلهُ يغفل عما حدث منها وتعود الحياة بينهما إلى طبيعتها
هتف مُتسائلاً وهو يرمق منال وليالي بحِدة أظهرت كمّ باتَ يبغضُ أفعالهما وتمادي كِلتاهُما مؤخراً:
-صوتكم عالي ليه؟
خلاص،ما بقاش فيه إحترام لراجل البيت حتي في وجوده؟
برغم رُهابها الذي دب بأوصالها من هيأتهِ الغاضبة ونظراتهِ المُخيفة إلا أنها إستجمعت شجاعتها وهتفت بنبرة مُستاءة لأجل حفيدتها التي تحتل مكانة خاصة بقلبها:
-تعال يا سيادة اللواء شوف ياسين باشا عمل إيه في بنته علشان خاطر الهانم اللي متجوزها
إستغرب جُرأتها علي الحديث معه وكاد أن ينهرها لولا ملاحظته لتلك التي تبكي بإنهيار فوق كَتفِها،خطي بساقيه حتي وصل لمقر وقوفهم،وضع كفهُ الحنون فوق وجنتها وتحدث مُتسائلاً لحفيدتهُ:
-إيه اللي حصل يا أيسل؟
بشهقاتٍ مُتقطعة بدأت تقص عليهم ما حدث بعدما جلس الجميع وحين إنتهت تحدث عز بعَقْلانِيّة:
-اللي بابا عمله هو الصح،ما ينفعش تدخلي علي الناس وتهينيهم في بيوتهم حتي لو كان مُبررِك خوفك علي أخوكِ
واستطرد بسُخط وهو يتبادل النظر بين منال ونُسختها المُصغرة:
-المفروض الهوانم كانوا فهموكي أصول دخول البيوت وإحترام الناس،بدل ما هم قاعدين يشعللوها من قبل حتي ما يسألوكي عن اللي حصل
شعوراً بالخزي إعتري منال التي إبتلعت لُعابها لظهورها بالتقصير أمامهُ بتلك الطريقة التي جعلتهْ يرمقها بدونية، سألت الفتاة جدها بإستغراب:
-حضرتك كُنت عايزني أسكُت وأنا شايفة أخويا متبهدل بالشكل ده؟!
برَصَانة أجابها:
-أخوكِ ليه أب مسؤل عنه وحمايته مُلزمة منه،كان ممكن بكُل رُقي وهدوء تروحي له وتحكي له عن اللي حصل،وهو لو شاف تقصير من مليكة أكيد ماكانش هيُسكت وكان هيحاسبها
شهقت بقوة ونزلت دموعها بغزارة عِندما إستمعت لرأي جدها فيما فعلت فتحدثت شيرين بكُل هدوء وإِتّزان ورثته عن أبيها:
-ياريت يا سيلا تفصِلي بين علاقتك بأخوكِ وحُبك ليه،وبين علاقة بابا بمليكة،لو عَملتِي كدة هترتاحي وتريحي بابا معاكِ
واسترسلت معاتبة إياها:
-كفاية عليه التوتر والضغط اللي دايماً عايش فيه بسبب طبيعة شُغله اللي محتاج منه تركيز كبير،المفروض إنكم تخلقوا له جو هادي بدل ما تخترعوا مشاكل تزودوا بيها هَمه
هتفت ليالي لائمة بنبرة حادة:
-طبعاً يا شيرين،ما انتِ لازم تيجي في صَف أخوكِ وتطلعي البنت هي اللي غلطانة
واستطردت بإعلام ساخر:
-بس أحب أطمنك عليه،الباشا بيعرف يظبط مزاجه وبيخلق لنفسه الجو الهادي اللي بتقولي عليه،بس بيخلقه مع مليكة اللي في عز مشاكل البيت وتوترنا كلنا،راح حجز لها في أفخم الأوتيلات وبات معاها
واستطردت ساخطة:
-هي ليها الدلع والدلال من سيادة العميد،والنكد والمشاكل ما بتظهرش غير لليالي وأيسل
وصاحت لائمة الجميع وهي تتناقل النظر فيما بينهم:
-وفي الأخر كُلكم تلوموا عليا أنا وبنتي لأتفه الأسباب برغم إنكم شايفين قد إيه هو ظالمني وما حدش فيكم قادر يتكلم ويقف في صفي ضد جبروته
إحتدت ملامح وجه عز وأردف بنبرة حادة:
-عُمرك ما هتبطلي أنانية ولا هتحطي جوزك ومصلحته أولوية عندك،بدل ما تخجلي من تقصيرك في حق تربية ولادك وإهمالك لتعليم بنتك أبجديات الأصول،قاعدة تتكلمي عن الدلع والدلال والخروجات؟!
ثم استرسل بسؤالٍ مُتهكم:
-طب وما سألتيش نفسك يا مدام يا مظلومة ليه جوزك في وسط النكد اللي مالي البيت زي ما تفضلتي وقولتي،جري عليها وراح قضي الليلة عندها؟
رفعت قامتها تنظر له بغضب فأجابها هو:
-أجاوبك أنا،علشان هي الوحيدة اللي بيقدر يرمي همومه كلها ويتخلص منها عندها
كانت الصغيرة تستمع لحديث جدها ومن داخلها تُدرك أنهُ علي صواب،لكنها لا تقوي علي التخلُص من شعور البَغض الذي تحسهُ تجاه من تَطلِق عليها طيلة الوقت بخاطفة أبيها
❈-❈-❈
عودة إلي مليكة حيثُ صعدت خلف ياسين وجدته بالحمام يخلع عن صغيرهُ ثيابهِ المُتسخة،إقتربت عليه وتحدثت وهي تُمـ.ـسك الصغير كي تقوم هي بالنيابةِ عنه بنزع ثوبه:
-سيب الولد يا ياسين أنا هحميه
بحِدة بالغة باغتها بإبعاد يـ.ـدها عن الصغير وتحدث بنبرة صارمة لا تقبل النِقاش:
-إطلعي برة وسبيني مع إبني
إبتلعت لُعابها وأدركت حينها أنهُ غَضب لأجل الصغير ورُبما صَدق وآمَن علي حديث صغيرتهُ وإفترائها عليها،فضلت الخروج والنأي بحالها من براثن ذاك الغاضب حتي لا يُفزع الصغير ثانيةً ولكي تهدأ ثورة هذا المُحتدمْ،تحركت للخارج وجدت مُنى تقف منتصبة أمام خِزانة الملابس الخاصة بالصَغير تنتقي له ثياباً ليرتديها بعد خروجهُ من الحمام تنفيذاً لأوامر ياسين،فتحدثت إليها بهدوء:
-إنزلي إنتِ يا مُنى وأنا هحضر له الهدوم
أردفت بإنسحاب فوري:
-حاضر يا سِت مليكة
راقبتها بعيناها حتي خرجت فتنفست مليكة بضيق وبدأت بإختيار ثياب الصغير مع التشتُت الذهني الذي إقتحم تفكيرها وبدأ بالبحث عن السبب الذي جعل ياسين يحتد عليها بالحديث هكذا
عودة إلي ياسين الذي غَمرَ جَـ.ـسَد صغيرهُ داخل حوض الإستحمام الملئ بالماء الدافئ وفقاقيعُ سائل الإستحمام ذات الرائحة العطرية وبدأ بتدلـ.ـيك الصَغير مما أسعدهُ وتحدث بنبرة طفولية متسائلاً بترقُب:
-بابي،هو أنتَ مش زعلان من عزو؟
بنبرة هادئة وعيناي حَنون أجابهُ وهو يُتابع التدليك:
-عزو ده حبيب قلبي ومالك روحي،أزعل مِنه إزاي وهو أغلي حد عندي في الدُنيا
ضحك الصَغير وبات يُحرك أطرافهِ مُداعباً بها الماء بإبتهاج مع إبتسامة ياسين ودلالهُ له،صرخة متأوهة خرجت من الصغير عندما أمـ.ـسك والدهُ كفهُ وهو يقوم بتدلـ.ـيكهُ له بالصابون،إنتبه ياسين وتسائل بهلع:
-مالك يا حبيبي؟
إيـ.ـدي بتوجعني يا بابي… جُملة نطقها بتألم ظهر علي ملامح وجههُ مما جعل ياسين يرفع كفهُ مُتفقداً إياه بذُعر،إحتدت ملامحه عندما رأي تورُم مِفصل الصغير ووجود بعض الكدمات بهْ بلونها الوردي،سأل نجله بقوة:
-مين اللي عمل في إيـ.ـدك كدة؟
ببراءة الأطفال سَرد بالتفصيل:
-سيلا،مِـ.ـسكت إيـ.ـدي وأنا قعدت أصرخ وأقول لها سيبي إيـ.ـدي علشان بتوجعيني،بس هي مش سابتها
واسترسل بوجهٍ مُتهلل:
-بس سوبر مامي جت أخدت إيـ.ـدي منها
شعر بوغزة تقتحم صـ.ـدره ثم أبتسم للصغير وقام برفع كفه الرقيق وقربهُ من شـ.ـفتاه واضعاً فوقهُ قُـ.ـبلة حنون وتحدث:
-أنا مش عاوزك تزعل من أختك يا حبيبي،هي بتحبك قوي ولما مِـ.ـسكتك من إيـ.ـدك كانت خايفة عليك،وعاوزة تغير لك هدومك علشان جِـ.ـسمك ما يتلوثش من الجراثيم
أومأ لهُ الصغير بإبتسامة لطيفة قابلها ياسين بسعادة وبدأ بصَب الصابون فوق رأسهُ مع تدليكهُ للفروة بحرصٍ،بعد مُدة قصيرة إنتهي من إغتسال جَـ.ـسد الصغير ثم لفهُ داخل مَنشفة كبيرة وخرج حاملاً إياه بين ساعديه بعناية،وجدها تجلس علي طرف الفراش،تحرك إليها ووضع الصَغير وبدأ بمساعدته في إرتدائهِ لملابسه حتي إنتهي تحت جلوس مليكة وصمتها التام إحتراماً للحظة غضبهْ،حمل الصغير مرةً أُخري ووقف بهِ أمام المِرأة وبدأ بتمشيط شعرهُ تحت سعادة عز الذي تخطت عنان السماء،بعد إنتهاءه وَضَع الصَغير قُـ.ـبلة فوق وِجنة أبيه وهتف بسعادة:
-عزو بيحبك قوي يا بابي
إبتسم للصغير وكاد أن يتحرك به للخارج أوقفته مليكة التي إقتربت عليه وتحدثت بنبرة بها تَرجي:
-إستني من فضلك يا ياسين،إحنا لازم نتكلم
نظر لها بملامح وجه حادّة فتحدثت بعيناي مُترجية:
-أرجوك
لان قلبهُ حين رأي نظراتها الراجية فصاح بصوته يستدعي العاملة التي حملت الصغير ونزلت به إلي ثُريا فتحرك ياسين بجانبها داخل الممر حتي وصلاَ إلي جناحيهِما،دلف هو ووضع كفاه داخل جيب بنطالة وأغلقت مليكة الباب وتحركت لتُقابلهُ وتحدثت بنبرة جادة:
-ممكن أفهم إنتَ زعلان مني ليه؟
رفع أحد حاجبيه بإستنكار وتحدث مُتعجباً:
-إنتِ فعلاً مش عارفة أنا زعلان ليه؟
لا يا ياسين مش عارفة…جُملة نطقتها بصرامة فتحدث هو بوجهٍ مُكفهِر:
-زعلان علشان اللي حسبته لقيته يا مدام،سيادتك ما كملتيش يومين علي بعض نازلة الشُغل وبدأتي تِهملي في الولاد لدرجة إنك تسيبي ولد صُغير لوحده في الجنينة
واسترسل متسائلاً بعِتاب:
-ما خُفتيش عليه يروح ناحية حمام السِباحة ويُقع فيه وماحدش يحِـ.ـس بيه ولا يشوفه؟!
إقشعر بدنها من مُجرد تخيُلها للفكرة فاكمل هو بنظرات جنونية ترجع لشدة تعلُقهُ بصغيره:
-إنتِ مُتخيلة لو لا قَدر الله إبني حصل له كدة أنا ممكن أكمل حياتي إزاي من غيره؟
صاحت مُفسرة:
-يا ياسين إفهم،أنا ما سبتش الولد لوحده زي ما سيلا فهِمتك،والله العظيم أنا كُنت معاه وبنرسم سوا
وبدأت تقُص عليه كُل ما حدث حتي إنتهت من السَرد فتحدث هو بنبرة حادّة:
-عُذر أقبح من ذنب يا مدام،مهما كانت مُبرراتك فهي ولا تِسويّ بالنسبة لي قُدام سلامة إبني وأمانه
تنفست بهدوء وأقتربت عليه ثم تحدثت وهي تضع كفها فوق موضع قلبه في محاولة منها لتهدأته:
-عندك حق،أنا فعلاً غلطانة وما كانش ينفع أسيبه لوحده
نظر لها ومازالت ملامحهُ مُكفهرة فاسترسلت واعدة بنبرة هادئة لمراضاتهْ وعيناي تلتَمِـ.ـسُ السماح:
-غلطة وصدقني مش هتتكرر تاني
زفر بقوة ليُخرج ما بداخله من طاقة سلبية وغَضبٍ عارم إجتاح كيانهُ بالكامل،ثم تحدث بنبرة هادئة:
-خلي بالك أكتر من كدة علي الولاد يا مليكة
حاضر يا حبيبي…جُملة حنون نطقتها بعيناي شاكرة لتفهمه
أخذ نفساً عميقاً ثم زفرهُ وتحدث بنبرة جادة:
-مليكة،مش عاوز اللي حصل النهاردة ده يتكرر تاني،وأول وأخر مرة أسمعك بتهيني بنتي تحت أي ظروف
بنبرة مُستاءة هتفت بتعجُل:
-هي اللي إضطرتني لكدة يا ياسين،إنتَ ما شفتش كانت بتكلمني إزاي قدام مروان؟
مليكة…نطقها بحزم ونظرات نحذيرية واسترسل بإبانة:
-كان من حقك تتكلمي لما تلاقيني تعاملت مع الموقف ببرود وما عنفتش بنتي علي تجاوزها في حقك،لكن ما ينفعش تتخطي وجودي وتعملي زيها وتردي الإساءة بإساءة من غير ما تستني وتشوفي رد فعلي
واسترسل لائماً:
-إنتِ أكبر من كدة
إبتلعت لُعابها خجلاً حينما تيقنت صِحة حديثهُ فاسترسل هو:
-بعد كدة أي حاجة تحصل من ولادي تيجي وتقولي لي وأنا هتصرف وهجيب لك حقك لو كان ليكِ حق،لكن مش هسمح لك بعد كدة إنك تتطاولي عليهم
إلتمعت بعيناها الدموع وتحدثت بصوتٍ مُختنق:
-أنا عُمري ما هِنت حد من طرفك يا ياسين،وسيلا بالذات عُمري ما حاولت أضايقها رغم تصرفاتها الأخيرة ناحيتي وكُرهها الواضح ليا ومُعلن للكُل
واستطردت بنبرة مُحبطة بائسة أوجعتهْ:
-بس أنا بجد تعبت من كل الضغوط اللي حواليا،حاسة إني في يوم هلاقي نفسي إنهارت ومعنديش الطاقة ولا القُدرة اللي أقدر أكمل بيها في وِسط المشاكل دي كُلها
إنخلع قلبهُ عليها واقترب منها وأحاط بكفاه كتفيها وتحدث بنبرة هادئة:
-إهدي يا حبيبي،أنا جنبك ومعاكِ،قولي لي إيه اللي تاعبك وأنا أشيله عنك
ما حدش بيتعب قلبي قدك يا ياسين…جُملة لائمة نطقتها بعيناي عاتبة جعلته يتنهد بأسي ويتحدث:
-أنا عارف إني ضاغطك اليومين دول،بس صدقيني المسألة مسألة وقت وكل مشاكلنا هتنتهي
واسترسل بنظرات مترجية:
-كل اللي طالبه منك إنك تصبري معايا لحد ما نعدي الفترة الصعبة دي،وأوعدك إن بعدها كل حاجة هتبقي كويسة
أومأت لهُ برأسها فتنفس بهدوء ثم سحبها إلي أحضـ.ـانه وربت فوق ظهـ.ـرها بحِنو رغم ما يحملهُ قلبه من ألام أوجعته جراء ما وصلت إليه إبنته من تشويش وتلوث روحها الطاهرة
ابعدها من جديد وتحدث إليها بهدوء:
-أنا هنزل أخد الولد أعمل له إشعة علي إيـ.ـده
إرتعبت وأستفسرت برَوَّع وهي تنظُر علي الباب مُتخذة وضع التحرُك لتُهرول إلي صغيرها لتفقدهُ:
-مالها إيـ.ـده؟
أوقفها قبل أن تتحرك وتحدث مُطمأناً إياها:
-ما تخافيش،الولد كويس
واستطرد بملاح وجه إرتسم عليها الأسي:
-تقريباً كدة لما سيلا مِـ.ـسكته من إيـ.ـده ضغطت عليها شوية ورمِتها
نظرت إليه بألم ظهر بَيَّن بمقلتيها وأومأت بصمت كي لا تُحزنهُ وتُزيدُ من شَجنهِ،تحركت بجانبه حتي وصلا للأسفل وجدا يُسرا ونرمين تجلستان بصُحبة والدتهُما بعدما أبلغتهم سارة بما حدث
تحدثت ثُريا بقلبٍ مُتلهِف وهي تتلمَـ.ـس كف الصغير الجالس فوق ساقيها:
-الولد إيـ.ـده وارمة يا ياسين ومحتاجة دكتور يشوفها
أومأ لها وتحدث وهو ينظُر إلي غالي قلبهْ:
-هوديه مُستشفي دكتور أحمد حالاً يا ماما
هي بتوجعك يا عزو؟…جُملة حنون نطق بها أنس الجالس بجانب ثُريا وهو يتحـ.ـسس وجنة شقيقهُ الأصغر بحِنو ورعاية
هز الصغير رأسهُ وتحدث بأسي مُتدللاً:
-أيوة يا أنوس،بتوجعني كتير
أردف مروان الجالس بجانب جدته بالجانب الأخر:
-معلش يا حبيبي،الوقت هتروح للدكتور وهتبقي كويس
أما يُسرا التي وجهت حديثها إلي ياسين بترقُب شديد ويرجع هذا لخصوصية الوضع وحساسيته:
-ماتزعلش يا ياسين،أكيد سيلا ما كانتش تُقصد تأذي أخوها،هي بس من خوفها عليه عملت كدة
أكيد طبعاً…جُملة تأكيدية هتف بها ياسين سريعاً مُدافعاً بها عن إبنتهْ،فحتي لو تخطت حدودها تظل إبنته القريبة جداً من قلبه والتي لا يقبل أن يتعدي أحداً عليها بالحديث
أما نرمين فقد قررت إستغلال الموقف أحسن إستغلال كي تجعل ياسين يصُب غضبه فوق رأس تلك المسكينة،فتحدثت بنبرة خَبيثة:
-بصراحة يا مليكة إنتِ اللي غلطانة في الموضوع ده كُله
قطبت مليكة جبينها متعجبة فاستطردت نرمين بعيناي لائمة:
-ما تزعليش مني إني بواجهك بالحقيقة علشان تاخدي بالك بعد كدة،ما هو ما ينفعش تسيبي ولد صُغير لوحده في الجنينة وتدخلي تقعدي جوة
واستطردت ناصحة بقصد إثارة سَخط ياسين:
-عاوزة تريحي دماغك من دوشته علي الأقل بلغي الناني بتاعته تُقعد معاه وتاخد بالها منه
إحْتدَمت ملامح مروان غَيْظاً ونظر بإستشاطة علي عمته وأيضاً يِسرا التي تيقنت من إستغلال شقيقتها للموقف لبث السموم والتقليل من شأن مليكة أمام الجميع،في حين رمقتها ثُريا بنظرات ثاقبة وكادت أن تتحدث بعدما شعرت بحُزن مليكة الذي أصابها جراء إلقاء نرمين اللوم عليها مما جعلها تشعُر بالتقصير في حق ولدها وبالفعل نجحت وبدأت مليكة بجلد ذاتها،سبقها ياسين هاتفاً بنبرة حادّة ليُغلق الحديث بهذا الموضوع للأبد:
-مش عاوز أسمع أي حد يلوم علي مليكة ولا يوجه لها أي كلام في الموضوع ده نهائي،كُلنا عارفين إن مليكة عُمرها ما قصرت في حق ولادها،ومش علشان غلطة صُغيرة زي دي هسمح لأي حد إنه يستغلها أو يعلق لها المشانق بسببها
واستطرد بنبرة تحذيرية:
-أظن كلامي واضح يا نرمين
نظرت إليه بعيناي مُمتنة وكادت أن تُلقي بحالها بأحضـ.ـان حاميها وسندها لولا خجلها من الحُضور وتقديراً للحالة
أما نرمين،فقد شعرت بالإهانة وتقزيم حالها جراء قذائف ياسين الكلامية التي وجهها إليها بصّرامة مُتجنباً تبجيلهُ لثُريا ولتذهب العادات والتقدير إلي الجحيم أمام كرامة مُتيمتهُ التي إقتربت منها تلك الحقودة بكُل وضَاعَة
تحدثت بنبرة خافتة في محاولة منها لتجميل صورتها أمام الحضور وبالأخص والدتها التي تطلعت إليها بنظرات بائسة:
-إنتَ زعلت ليه كدة يا ياسين،أنا ما قصدتش أبداً ألوم علي مليكة،أنا بنبهها علشان تاخد بالها بعد كدة
تجاهل ياسين حديثها وإقترب من عمته وحمل عنها صغيرهُ وتحدث إليها بتوقير:
-بعد إذنك يا أمي
هتف مروان بنبرة رجولية:
-أنا هاجي معاك يا عمو
أجابهُ بإحترام وهو يناولهُ شقيقهُ:
-تمام يا مروان،خد أخوك وتعالي ورايا علي ما أخرج العربية من الجراچ
هتف أنس هو الأخر مطالباً ياسين بأن يذهب معهم للإطمئنان علي عز،فوافق ياسين كي لا يحزن وتحرك الثلاث تحت حُزن مليكة التي إنسحبت إلي الأعلي وذلك لشعورها لحاجتها للبكاء جراء ما أصابها من تأنيب حالها
هتفت ثُريا بتبكيت لنجلتها:
-هو أنتِ يا بنتي ما تعرفيش تقعدي من غير ما تأذي الناس؟
واستطردت بتأنيب:
-ذنبها إيه المسكينة تطلعي عُقدك عليها،هتستفيدي إيه لما تطلعيها غلطانة قدام جوزها؟
وسألتها بنبرة عاتبة:
-ما أخدتيش بالك مروان كان بيبص لك إزاي؟
بيبُص لي من كُتر كلامها وتسخين الولد عليا…هكذا أجابت بنبرة ساخطة
وهي هتسخنه عليكِ ليه يا نرمين؟!…سؤال مُتعجب وجهتهُ لها يُسرا،ردت بثقة تعلم من داخلها أنها زائفة:
-علشان من ساعة ما دخلت البيت ده وهي بتكرهني وبتغير مني،اول ما أتجوزت رائف جننها حُب وإهتمام كُل العيلة بيا وقررت تسرقهُ مني وتستحوذ عليه لنفسها،والحقيقة هي نجحت أوي في ده،خلت رائف ما بقاش شايف غيرها وحتي عمو عز وعمو عبدالرحمن بدأوا يعاملوها علي إنها بنتهم، وياسين وطارق اللي إعتبرها صديقته،وحتي حضرتك يا ماما حبتيها أكتر مني أنا وأختي
واستطردت بتأكيد لائم لوالدتها:
-بدليل إنك قاعدة تلومي فيا وتبكتيني علشان خاطرها،وكأنها هي اللي بنتك مش أنا
جحظت عيناي ثُريا وهتفت بحِدة لإفاقة صغيرتها قبل فوات الأوان:
-هو أحنا يا بنتي مش هنخلص من الموضوع القديم ده،كُل ما نقفله تفتحيه تاني وتتكلمي فيه وإنتِ عارفة من جواكِ إنك علي باطل،وإن كُل دي وساوس من الشيطان بيوسوس لك بيها علشان ينكد عليكِ حياتك ويمنعك تشوفي وتتمتعي بنعم ربنا عليكي
هبت واقفة وتحدثت بعيناي لائمة:
-أنا عارفة إنكم مش هتفهموني ولا هتحِسوا بالوجع اللي جوايا
واستطردت وهي تتأهب للخروج:
-أنا راجعة بيتي أكرم لي،وألف سلامة علي حفيدك الغالي يا ماما
قالت كلماتها بنظرات عاتبة تلومُ بها والدتها علي معاملتها لطفل مليكة من ياسين كحفيداً لها،حركت ثُريا رأسها بإستسلام فربتت يُسرا علي يـ.ـد والدتها وتحدثت لتهدأتها:
-ما تزعليش نفسك يا ماما،إنتِ عارفة نرمين قلبها طيب،تطلع تطلع وفي الآخر بتنزل علي ما فيش
أومأت بهدوء وأردفت:
-ربنا يهديها ويكملك بعقلك يا يُسرا
❈-❈-❈
داخل الحُجرة الخاصة بالفحص المتواجدة بالمشفي،يجلس الصغير فوق الشزلونج يجاورهُ والدهُ المُحتضن كفهُ باحتواء ويتابع الطبيب وهو يُجري فحصهُ بتمعُن والقلق ينهش قلبهُ،يقفان الصغيران جانباً ويُتابعان الأمر ببعضٍ من القلق لأجل شقيقيهما الأصغر،تحدث دكتور عمرو شقيق دكتورة مُنى إلي الصغير مُدللاً إياه:
-ينفع تقلق بابا وتخُضه علي الفاضي يا عزو باشا؟
هتف ياسين بإستفسار قَلق:
-خير يا دكتور،طمني؟
بنبرة مطمانة أردف الطبيب:
-إطمن يا سيادة العميد،مافيش أي حاجة تستدعي قلقك ده كُله
سألهُ مُجدداً:
-طب والورم اللي حوالين إيـ.ـده؟
والوجع يا دكتور؟
رفع منكبيه عالياً وتحدث بإيضاح:
-مُجرد كدمات بسيطة،هو بس اللي إيـ.ـده رقيقة شوية علشان كدة ورمت
طب ما تعمل له إشاعة علشان نتأكد ونتطمن أكتر…هكذا كان إقتراح ياسين الذي نطق به ومازال القلق يسيطر علي قلبهْ،فتحدث الطبيب بعملية:
-يا أفندم الموضوع بسيط وأنا لو شاكك واحد في المية كنت عملت له أشعة من أول ما حضرتك دخلت بيه
واسترسل شارحاً:
-لو إيده فيها كسر أو حتي شرخ مكانش هيبطل صراخ وعياط،لأن وجع الكسور صعب ولا يُحتمل وخصوصاً لطفل،ده غير إن أعراض الكسر بتبقي واضحة جداً لينا كـ دكاترة،الورم بيبقي صعب جداً ولون الجلد بيتغير ويزرق،ده غير كمان الإعوجاج اللي بيكون ظاهر لينا كأطباء
تنفس الصعداء بعدما إطمئن علي صغيرهُ وحملهُ وقَبل رأسهْ،ثم أصغي إلي الطبيب الذي تحدث بنبرة جادة:
-أنا هكتب له علي كريم مساج وكُلها يومين وهيبقي زي الفُل
أخرجهُ من تركيزهُ رنين هاتفه،نظر بشاشة الهاتف وجدهُ والده الذي إرتعب علي الصغير بعدما ذهبت سارة كي تطمئن علي أيسل وأخبرتهم بذهاب ياسين بالصغير إلي المَشفي
أجاب ياسين بهدوء:
-أيوا يا باشا
هتف عز بإنزعاج:
-الولد ماله يا ياسين؟
حدثهُ بسَكِينَة:
-إطمن سيادتك،الحمدلله شوية كدمات بسيطة والدكتور بيكتب له نوع كريم هجيبه من الصيدلية ونروح علي طول
تخلص الكَشف بسرعة وتجيب لي الولد علشان أطمن عليه بنفسي يا ياسين…جُملة نطقها عز بكثيراً من القَلق وافقهُ ياسين بطاعة،وبعد قليل كان يدخل من بوابة المنزل حاملاً الصغير بعدما أوصل مروان وأنس داخل منزلهما،وجد الجميع جالسون ينتظرون حضورهُ،تحرك عُمر وطارق سريعاً إليه وقَـ.ـبلاَ كُلاً منهما وجنة الصغير،وقفت منال وتحركت إليه وتحدثت بنبرة هلعة علي حفيدها المُدلل والمُحبب لدي قلبها:
-سلامتك يا حبيبي،ألف سلامة عليك
ميرسي يا نَانَا…نطقها الصغير بهدوء
نظر عز إلي حفيدهُ بهلع وتحدث إلي ياسين مُستفسراً بعدما رأي الصَغير سانداً كفهُ علي كَتِف أبيه:
-ماله الولد يا ياسين؟
إقترب علي أبيه الذي بسط ذراعيه ليحمل الصغير وتحدث بنبرة حنون:
-تعال يا قلب جدو
وضعهُ فوق ساقيه وتحدث إليه وهو ينثر فوق رأسه ووجههُ القُبلات:
-سلامتك يا حبيبي؟
شُفت يا جدو،سيلا وجعت إيـ.ـد عزو…هكذا تحدث بطفولية جعلت تلك المُتمردة تخجل من حالها وحزنت لأجل شقيقها التي تكِن لهُ الكثير من المحبة والحنان،جلس ياسين وتحدث إلي نجلهِ بتوجيه:
-عزو،مش إحنا قُلنا مش هنتكلم في الموضوع ده خلاص
وجه طارق سؤالاً إلي شقيقهُ بنبرة جادة:
-الدكتور قال لك إيه يا ياسين؟
شوية كدمات وهيروحوا بكريم التدليك…هكذا أجاب بهدوء،تحدثت شيرين بنبرة حنون:
-حمدالله علي سلامته يا ياسين
رد عليها:
-الله يسلمك يا حبيبتي
جلس حمزة بجانب جدهُ وتحدث إلي شقيقهُ الأصغر:
-إيه يا بطل،مش تجمد كدة،معقولة ماسكة إيد تعمل فيك كدة؟
إبتسم لشقيقهُ وتحدثت ليالي بنبرة صادقة بعدما رأت تورُم كف الصغير:
-سلامتك يا عزو
رد عليها الصغير بإبتسامة صادقة:
-ميرسي يا طنط لِي لِي
أما أيسل فاقتربت من الصغير بترقُب وأردفت بنبرة خَجِلة ونظرات نادمة:
-أنا أسفة يا عزو،ماكانش قصدي أوجعك
بطفولية أجابها:
-أنا عارف يا سيلا،بابي قال لي إنك بتحبيني أوي وإنك مش كُنتي تقصدي توجعـ.ـيني
تطلعت إلي أبيها كي تلتمِـ.ـس منه السماح فتجاهلها وبدأ بمحادثة أبيه كي يجعلها تشعُر بمدى بشاعة تصرُفها بحق أخيها وحقهِ عليها،شعرت بالخزي والألم يعتصران داخلها وهرولت سريعاً إلي الدرج لتصعد إلي غُرفتها لتختبئ بداخلها عن عيون والدها وجدها
❈-❈-❈
بعد مرور حوالي الساعتان،كان يجلس داخل مكتب والدهُ يتابع بعض الأعمال علي جهاز اللاب توب الخاص به،إستمع إلي بعض الطرقات فوق الباب فتحدث بنبرة جادة ومازال مُدققاً النظر علي شاشة الحاسوب:
-إدخُل
فُتح الباب ودخلت منه إحدي العاملات تحمل بين ساعديها صَنية موضوع فوقها كأساً من المياه الباردة وبجانبها قدحاً من مشروب القهوة المُفضل لدي ياسين،إقتربت عليه وتحدثت وهي تضع ما بيدها بإحترام:
-القهوة يا أفندم
مُتشكر يا عفاف…هكذا تحدث شاكراً لها قبل أن يستمع لنبرات صوت إبنتهِ الخجلة:
-بابي،ممكن أتكلم مع حضرتك شوية؟
توقف عن قراءة التقرير وأشار بكف يده يستدعيها للجلوس دون أن يرفع وجههُ إليها مما جعلها تشعُر بغصة مُرة وقفت بداخل حلقها،علمت حينها أن والدها غاضباً منها للحد الذي جعلهُ لا يُريد النظر حتي لوجهها وتلك هي المرة الأولي
بالفعل جلست بعدما خرجت العاملة وأغلقت خلفها الباب،ضلت تنظر إليه مُترقبة أن يرفع وجههُ وينظر لها كي يُشجعها لكي تبدأ بالحديث ولكنه لم يفعلها بل وبدأ العمل والتدقيق بشاشة الحاسوب مرةً أخري مُتجاهلاً وجودها من الأساس مما جعلها تتمني أن تختفي
كان يشعُر بخجلها وبموقفها التي لا تُحسد عليه فتحدث كي يرفع عنها الحرج،فبالأخير هي إبنته المُقربة لقلبه ولا يُريد لها الإيذاء النفسي،بل جُل ما يُريدهُ هو تقويمها لتعود كما كانت من ذي قَبل:
-أنا سامعك…قالها بصوتٍ حازم وملامح صارمة مدققاً النظر بحاسوبه،إبتلعت لُعابها وبصعوبة أخرجت صوتها بنبرة أسفة:
-أنا جاية أتأسف لحضرتك علي اللي حصل مني لعزو
واسترسلت بإبانة:
-صدقني يا بابي أنا مكانش قصدي أأذيه،أنا من خوفي عليه عملت كدة
قالت كلماتها وانتظرت الرد،مَر أكثر من دقيقتان والصَّمتُ يسودُ ويعمُ المكان،وأخيراً رفع وجههُ ونظر إليها وتسائل مُستفسراً:
-هو ده اللي إنتِ جاية علشان تقوليه؟
قطبت جبينها بعدم إستيعاب مقصدهُ فاسترسل هو بنبرة حادّة:
-يعني مش جاية علشان تتأسفي عن خيبة أملي الكبيرة فيكِ، ولا عن صدمتي وأنا شايف الإنحدار اللي وصلت ليه أخلاق بنتي الدكتورة من خلال معاملتها مع الناس؟!
أجابت بنبرة لائمة:
-وحضرتك كُنت عاوزني أعمل إيه وأنا شيفاها بتتريق علي مامي وتقول إنها ست مُهملة وبتدور تلف في النوادي وتسيب أولادها للناني؟
ضيق عيناه وسألها مستفسراً بتشكيك لثقتهِ الزائدة بأخلاق مليكة:
-وهي قالت كدة فعلاً وذكرت مامتك بعينها؟
هزت رأسها بنفي وتحدثت:
-مش بالظبط،هي إتكلمت في العموم لكن أنا مُتأكدة إنها كانت تقصد مامي بالتحديد
وإيه اللي خلاكي متأكدة أوي كدة،مش يمكن كانت بتظهر إنها سِت كويسة وبتهتم بأولادها…هكذا سألها ياسين فشعرت بالخجل وأمتنعت عن الإجابة،فكيف لها أن تعترف أن جُل ما نطقت به مليكة ينطبق علي والدتها
شعر بابتأس إبنته فأكمل معنفاً إياها متخطياً تلك النقطة:
-مليكة قالت كلام في العموم تدافع بيه عن نفسها بعد إتهامك السافر والمباشر ليها بالإهمال والتقصير في حق إبنها،ومش ذنبها إنك أخدتي الكلام علي مامتك
شعرت بالهزيمة واستفز داخلها عند شعورها بدفاع والدها المُستميت عن تلك الحقيرة،فهتفت بنبرة مُغتاظة أظهرت كمّ غضبها:
-طب ولما قالت لي إني قليلة الأدب قدام حضرتك،ده كمان كان كلام في العموم وما تقصدنيش بيه؟
بمنتهي الهدوء أجابها:
-دي أنا سمعتها وما كُنتش أقدر ألومها وإلا هبقي راجل منافق
واسترسل بإبانة:
-مليكة ما غلطتش،هي وصفت اللي شافته قدامها،واللي عملتيه ملهوش أي مُسمي غير إنه قلة أدب منك وسوء تربية مني أنا وأمك
شعرت بالخزي والإنهزام فاسترسل هو موضحاً:
-ومع ذلك أنا ما عدتلهاش الموضوع وحاسبتها عليه بيني وبينها
تنهدت بأسي فتحدث هو شارحاً:
-طول عُمري وأنا بحترمك وبفتخر بتربيتي ليكِ قدام كُل الناس،لما سافرت لك ألمانيا وقت مُشكلتك مع الشاب الخليجي وقفت قدام سفير بلده وبلدي واتكلمت بكل جُرأة وأنا راسي مرفوعة باللي عملتيه معاه،قُولت لنفسي هي دي حفيدة سيادة اللوا عز المغربي علي حق
واسترسل وهو يهز رأسهُ بأسي:
-لكن لأول مرة أحس بالخجل وإني فشلت وماعرفتش أربي صح،صدمتيني لدرجة إني ماعرفتكيش وإنتِ واقفة تتكلمي وبكل جرأة بتعلي صوتك وتفتري وأنا واقف قدامك من غير حتي ما تعملي لوجودي حِساب
نزلت دموعها بغزارة وتحدثت نادمة لما شعر بهِ والدها بفضلها:
-أنا أسفة يا بابي
أسفك حالياً مش مقبول يا دكتورة،يمكن بعدين أقبله لما ألاقيكي رجعتي من تاني بنتي اللي ربيتها صح…قالها بصرامة صُدمت منها تلك التي زادت شهقاتها واسترسل هو بنبرة حازمة:
-والوقت تقدري تتفضلي علي أوضتك علشان تجهزي نفسك للسفر
هبت واقفة وهرولت سريعاً إلي الباب قطع طريقها دخول منال التي إستغربت حالتها لكنها تركتها ترحل وأغلقت الباب وتحركت إلي ياسين وتساءلت مستفسرة:
-مالها أيسل يا ياسين؟
ما تشغليش بالك يا ماما…هكذا تحدث ليُغلق باب المناقشة في هذا الموضوع فتفهمت منال وجلست وبلحظة تحولت ملامحها إلي حزينة وتحدثت بنبرة حائرة مهمومة:
-هتعمل إيه في موضوعي يا ياسين،أختك مسافرة كمان تلات أيام وابوك أكيد هينفذ اللي إتفق معاك عليه
زفر بضيق لكثرة همومهُ التي باتت تُحيط بهِ من جميع الجوانب حتي أوشكت علي أن تقتلع روحهْ وتنزعها من جسدهِ بدون رحمة،دقق النظر داخل عيناها وتحدث بنبرة هادئة كي يبثُ الشعور بالطمأنينة داخل روحها الهلعةُ:
-إطمني يا ماما،إن شاء الله هقدر أقنع الباشا إنه يرُدك لعصمته من جديد
تسائلت بهلع ظهر بعيناها:
-ولو أصَر علي موقفة ورفض يرجعني؟
زفر بضيق وتحدث بنبرة تحمل الكثير من الهموم:
-بلاش تقدري البلا قبل وقوعه يا أمي الله يبارك لك،إهدي ولو لا قدر الله رفض يرجعك ساعتها نبقي نقعد ونشوف هنعمل إيه
تحدثت برجاء:
-حاول تضغط عليه وتقنعه بأي طريقة يا ياسين،ده عاوز يخرجني برة بيتي؟
فاهم يعني إيه يطردني من بيتي وما ألاقيش مكان أقعد فيه بعد العُمر ده كُله؟
وأنا روحت فين يا أمي علشان تقولي كدة،أنا معاكي وعُمري ما هسيبك…هكذا طمأنها فهتفت معترضة بنبرة حادة:
-أنا مش لازم أطلع من البيت ده مهما حصل يا ياسين،حاول بكل قوتك مع أبوك
أنا قُلت لك قبل كدة إن لو لا قدر الله بابا رفض،أنا هاخد لك بيت وأعيش فيه معاكي أنا وولادي
وأسيب بيتي علشان أشمت فيا الحرباية اللي إسمها ثُريا؟هكذا نطقت بعيناي مُتسعة واسترسلت بقوة وحِدة بالغة لا تعلم من أين مصدرها:
-أنا مش هسيب بيتي غير علي جُثتي يا ياسين،فاهم،مش هسيب بيتي
أغمض عيناه وأنزل رأسهُ بين راحتيه المستندتان علي سطح المكتب وتحدث بنبرة إنهزامية:
-سبيني لوحدي واطلعي يا أمي،لأن لو استمريتي في الكلام بالشكل ده خمس دقايق كمان وهتلاقيني موت بجلطة في المُخ قدامك حالاً
شعرت بشدة تعصبهُ ووصولهُ للمنتهي فتحدثت بتفهُم وهي تهم بالوقوف إستعداداً للخروج:
-ماشي يا ياسين،أنا هخرج وأخلي حد من الشغالين يبعت لك ليمون فريش
واسترسلت ناصحة:
-حاول تهدي أعصابك وتريح نفسك شوية
خرجت وألقي هو رأسهُ للخلف مُستنداً علي خلفية المقعد واغمض عيناه وتحدث يُناجي ربهُ بصوتٍ مهموم:
-إلهي،أحتاجُ إليك بشدة فأرجوكَ ساعدني،اتيتُكَ مهموماً ضعيفاً فلا تكلني إلي نفسي طُرفةَ عينٍ
❈-❈-❈
بعد مرور يومان
داخل دولة ألمانيا
وصلت أيسل وليالي التي ما أن خَطت بساقيها داخل بهو المنزل حتي أخذت نفساً عميقاً وأغمضت عيناها بإستمتاع وتحدثت وكأنها طيراً كان حبيساً وأخيراً أُطْلقَ سراحه:
-وأخيراً رجعنا للحُرية
واسترسلت وهي تنظر إلي إبنتها بحُبور:
-ده المكان الوحيد اللي بحِـ.ـس فيه إني حُرِة نَفْسي بجد،أنام وقت ما يحلالي وأقوم لما أحس إني عاوزة أقوم،مش الوقت اللي لازم أقوم فيه،حتي نوع الأكل،أنا اللي بختار الصَنف اللي علي مزاجي،بعيداً عن تحكُمات بباكي وسيادة اللوا جدك
بقلبٍ ينزفُ دماً وشعُوراً بالمرارة يملؤُ جوفها نظرت عليها تلك التي تتألم جراء إبتعادها عن جذورها وعائلتها التي لم تشعُر بالأمان والإطمئنان سوي بداخل كنفها،لم تعِرها حق الرد وتألمت لعدم شعور تلك التي تُسمي بوالدتها بما يُؤلمها ويؤرق روحها،فمنذُ دخولها إلي مكتب والدها وإلي الآن لم يتحدث معها قاصداً تجاهلها حتي أنه تعمد الخروج لكي لا يراها ويودعها أثناء سفرها
تحركت بصـ.ـدرٍ يسكُنهُ الكثير من الألم مُنسحبة إلي الأعلي قبل أن تنهار ويغلبُها حنينها لأبيها وتصرخ بكُل صوتها لتُعلن عن الإحتياج الشديد لدفئ أحضان عائلتها وبالأخص أحضان أبيها الساخط من أفعالها

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى