رواية الثلاثة يحبونها الفصل الأول 1 بقلم شاهندة
رواية الثلاثة يحبونها الجزء الأول
رواية الثلاثة يحبونها البارت الأول
رواية الثلاثة يحبونها الحلقة الأولى
يحيي:
عدتى رحمتى وعادت معكى إلى قلبى النبضات..
ورغم ألم الغدر وضباب الخطيئة..وقسوة الذكريات ..
مازلت راهب فى محرابك..أسيرك ياساحرة الضحكات..
ألقيتى تعويذتك علي بالماضى..وزدتى الخفقات..
وأبيتى أن تطلقى سراحى..وتبعدى الطلاسم والتعويذات..
فأصبح إسمك أغنيتى ..وعشقك أجمل تهويدات..
عدتى فزلزلتى كيانى وخضعت لعشقك فى لحظات..
أريد فكاكا من أسرك..يمنعنى سحرك و النغمات..
فهمسك أنغام تسحرنى..ترسم على ثغرى البسمات..
لأشعر بالعشق يكملنى..لتهرب من عقلى الكلمات..
+
يكوينى عشقك..يسعدنى..يجعلنى فى كل الحالات.
********************************
رحمة:
فى طريق عشقك تناثرت ذرات كيانى
بعثرها برودك ..فراقك.. وأضاع أحلامى وأمانى
ورغما عنى أخطو في طريقك كالمسحورة..أصم آذانى
وأغمض عينى… وكأنى لا أرى نكرانك وخذلانى
أبغى وصالا لهاجرا ….هجرانه أتعبنى وآذاني
لا ألقى بالا لصخور القسوة ..أمشى فتجرحنى وأعاني
فأنا عاشقة عمياء.. يفجر هجرك حزنى و بركانى
يخنقنى بعدك.. يبهتنى..يقتلنى الدمع وأحزانى
أبغى هربا ..أو فرصة لألملم باقى وجدانى
كالمسحورة أعود لدربك..وكأن طريقك عنوانى
أدرك أنى لعنت بعشقك..فأصبحت هلاكى ….وإيمانى.
كان يحيى مغمض العينان غارقا في سبات عميق، ولكنه إستيقظ على الفور حين أحس بيدها تمر على ظهره بنعومة، و تثير كيانه الذي يعشقها بكل ذرة فيه، إنفلجت عيناه ببطئ وإرتسمت على ثغره إبتسامة، لتتسع إبتسامته وهو يشعر بتلك اليد تمتد لتصل إلى صدره تداعبه في رقة ليمد يده يمسك يدها على الفور، يسحبها بسرعة ثم يعتدل هو لتصبح هي ممددة أسفله وهو مشرف عليها، تطالعه بعينين رماديتين رائعتين، متسعتين من المفاجأة بينما يتابع هو ملامحها بشغف، بعشق سرق النوم من عينيه، تتسارع أنفاسه لمرأى شفتيها المرتعشتين، مد يده ومررها على بشرة وجهها السمراء الناعمة بقلب تصدعت جنباته شوقا إليها ليقول بصوت هامس متهدج:.
وحشتيني أوي.
تأملته بعيون عاشقة وقد أذابتها همساته ولمساته قائلة:
إنت كمان، وحشتني أوي يا يحيى.
مال يقبل وجنتها اليسرى قائلا في نعومة:
روح يحيى.
ثم قبل وجنتها اليمنى قائلا:
وعمر يحيى.
لينظر إلى شفتيها قائلا بعشق:
ونبض قلبه كله.
ليتوقف عن الحديث وهو يميل مقبلا شفتيها في رقة لم تلبث أن تحولت إلى إجتياح، يشعر بقلبه على وشك التوقف من شدة الإنفعال وهي بين يديه ينهل من شهدها حد الإكتفاء، ولكن كيف يكتفي من حبيبته التي يعشقها من كل قلبه، كيف يكتفي من روح سكنت روحه وتغلغلت فيها، كيف؟
فجأة…
تلاشت من بين يديه وكأنها لم تكن في أحضانه منذ ثوان، إنتفض يبحث عنها بعينيه وعندما لم يجدها صرخ بإسمها في لوعة، ليحيره صوت يأتيه من بعيد، هل هو صوتها؟لا إنه ليس بصوتها أبدا، ولكنه وعلى الرغم من ذلك صوت يعرفه جيدا، إنه صوت راوية والتي كانت تقول بقلق:
يحيى، فوق يايحيى.
فتح يحيى عيناه ببطئ ليجد عينا راوية في مواجهته وهي تنظر إليه في حزن إمتزج بالقلق، لقد بات يعرف تلك النظرة جيدا، فقد باتت تتكرر مؤخرا بشكل أشعره بالذنب ليشيح بعينيه عنها وهو ينأى بجانبه مانحا إياها ظهره ليتمالك نفسه التي ضاعت في عشق أخرى، مسببا الألم لكليهما، فقد أدرك في الآونة الأخيرة أن راوية تعلم بأن قلبه مشغول بسواها، ربما لا تعلم من هي ولكنها متأكدة من وجودها في قلب زوجها، قلب يحيى الذي يأبى أن ينساها رغم مرور كل تلك السنوات على فراقهما، ورغم انه لم يرها خلالهم ولو لمرة واحدة ولكنه لم يستطع إخراج صورتها من خياله ولا عشقها من قلبه رغم محاولاته المستميتة لفعل ذلك.
أفاق مجددا من أفكاره على لمسة راوية لكتفه وهي تقول:
يحيى، إنت كويس؟
تجمد جسد يحيى تحت يدها لثوان قبل أن يلين قائلا:
أنا كويس يا راوية متقلقيش، ده مجرد كابوس وفقت منه خلاص.
ليلتفت إليها ثم يمسك وجهها بين يديه طابعا قبلة خفيفة على جبهتها قائلا:
إرجعى نامى إنتى وأنا هقوم آخد شاور وألبس عشان إتأخرت على الشغل.
ثم تركها ناهضا ومتجها إلى الحمام ليتوقف في جمود على صوت راوية وهي تقول بتردد:.
كلمتها يايحيى، كلمت رحمة؟
أجابها دون أن يلتفت إليها قائلا بجمود:
إنتى لسة مصممة ياراوية إنها تيجى هنا من تانى؟
قالت راوية بحزم:
أيوة يايحيى، أنا مصممة؟قلتهالك كتير، ليه مش قادر تفهمنى؟
مال بجانب وجهه يقول بصوت خال من المشاعر:
إنتى عارفة إنى مش حابب وجودها هنا في البيت معانا وعارفة السبب.
قالت راوية برجاء وهي تتجه بضعف إلى يحيى وتقف قبالته:.
إسمعنى بس يايحيى، رحمة ملهاش ذنب في موت هشام ولازم كلكم تفهموا ده، رحمة مش ممكن تكون السبب في موته، انتوا كلكم ظالمينها.
نظر يحيى إلى عيون راوية قائلا في برود:
رحمة انتهت بالنسبة لنا كلنا من زمان ياراوية، من قبل حادثة هشام، ولا نسيتى؟
أطرقت راوية برأسها في حزن ليزفر يحيى وهو يمد يده إلى ذقنها يرفعها لتتقابل عينيها الدامعتين مع عينيه ليقول هو بحنان:.
لو مصممة بجد، فأنا هبعتلها حد يبلغها رغبتك في إنك تشوفيها ياراوية، أنا أهم حاجة عندى إنى مش عايز أشوفك زعلانة تانى ولا عايز أشوف في عنيكى دموع، مفهوم؟
أومأت راوية برأسها ليربت على وجنتها بحنان ثم يتركها متجها إلى الحمام ليستوقفه صوتها مجددا وهي تنادى بإسمه قائلة:
يحيى.
نظر إليها متسائلا، لتقول بألم ظهر في نبرات صوتها وعيونها التي غشيتها الدموع:
ياريت بسرعة مبقاش فيه وقت.
مزقت قلبه دموعها وكلماتها ليسرع إليها قاطعا المسافة بينهما في خطوتين ليأخذها بين أحضانه يضمها إليه بقوة لتترك لدموعها العنان تفرغها داخل صدره، ليتركها هو حتى أفرغت دموعها بالكامل، ثم أبعدها عنه قائلا بحنان وهو يمسح دموع وجهها بيديه:
قلتلك مبحبش أشوف دموعك دى ياراوية، بتوجعنى، عشان خاطرى تنسى الحزن وتبعديه عن قلبك، انتى أقوى منه، وأنا كمان جنبك، ولا إيه؟
أومأت برأسها ليبتسم إبتسامة حانية وهو يقبلها على وجنتها ثم يلتفت متجها إلى الحمام ومغلقا بابه خلفه، لتنظر راوية في إثره، وتقول بحزن:.
كان نفسى أفضل جنبك طول العمر بس إرادة ربنا بقى، أو يمكن عقابه لية عشان كنت عارفة الحقيقة وخبيت عنك، كنت أنانية، ومفكرتش غير في حبى ليك، مع إنى متأكدة إن عمرك ما حبيتنى، إنت حبيتها هي وبس، وهي كمان، هي كمان محبتش غيرك، غلطة أنا غلطها زمان، وكلنا دفعنا تمنها، يشهد ربى إنى كنت بتعذب كل يوم بسبب الغلطة دى، بس خلاص لازم أصلحها ويارب أقدر أصلحها قبل فوات الأوان، يااارب.
قال مراد بنبرة حاول أن يجعلها طبيعية قدر الإمكان:
هتخليها تيجى بجد يايحيى؟
نهض يحيى وإلتف حول مكتبه ليقف أمام النافذة يتطلع إلى الخارج قائلا في جمود:
مكنش أدامى حل تانى، أنا أكتر واحد مش حابب إنى أشوفها أدامى من جديد، بس راوية طلبت منى إنها تشوفها كتير وأنا ماطلت أكتر، ومبقاش فيه وقت زي ما قالت، وأنا خايف.
اقترب منه مراد قائلا في حيرة:
خايف من إيه بس؟
ابتلع يحيى ريقه بصعوبة وهو يلتفت مواجها عينا أخيه ومستطرد في ألم:
خايف يامراد، خايف أندم بعد كدة إنى حرمتها من إنها تشوف أختها، يمكن للمرة الأخيرة.
مزقت نبرات يحيى الحزينة نياط قلب مراد، ليربت على كتفه قائلا بعطف:
شايل كتير ياأخويا جوة قلبك، ومضطر تشيل أكتر، وللأسف مش بإيدى حاجة أقدر أخفف بيها عنك.
تمالك يحيى نفسه وهو يرى نظرة الشفقة في عيون أخيه، ليربت على يده الرابضة على كتفه قائلا بهدوء:.
أنا كويس يامراد، متقلقش علية.
ثم إبتعد متجها إلى مقعده خلف مكتبه ليجلس عليه قائلا:
المشكلة دلوقتى في وجودها هنا معانا تحت سقف بيت واحد والمشاكل اللى هتيجى من وراها.
عقد مراد حاجبيه قائلا:
قصدك إيه؟
تراجع يحيى في مقعده وهو ينظر إليه نظرة ذات مغزى قائلا:
يعنى مش عارف يامراد أقصد إيه؟
ظهر التوتر على محيا مراد ليقول بإرتباك:.
لو قصدك، يعنى، الموضوع القديم ده، يبقى إنسى، ومتقلقش خالص، أنا نسيت رحمة من زمان ومبقتش في دماغى أساسا.
رفع يحيى إحدى حاجبيه قائلا:
متأكد يامراد؟
ظهر التوتر أكثر على ملامح مراد ليقول بعصبية:
طبعا متأكد، من يوم ما بقت رحمة مرات هشام والموضوع ده إتقفل بالنسبة لى يا يحيى.
تنازعت يحيى مشاعر ثائرة هزت كيانه، مابين غيرة وألم وندم وشعور يستقر في أعماقه، إنه شعور عميق بالخيانة تجاه إخوته، ولكنه قال بهدوء لا يعكس تلك المشاعر:
بس هشام مات يامراد، و…
قاطعه مراد قائلا بحزم:.
بالنسبة لى هيفضل عايش العمر كله، هشام مش بس كان أخويا الأصغر منى، لأ ده أخويا اللى ربيته على إيدى و مستحيل أخون ذكراه مهما حصل وأقرب لمراته، ده غير إنى متجوز، وياريت منفتحش الموضوع ده تانى يايحيى، متندمنيش إنى قلتلك على مشاعرى في لحظة ضعف، رحمة بالنسبة لى دلوقتى مش أكتر من أرملة أخويا الله يرحمه وبس، مفهوم؟
هز يحيى رأسه بإرتياح ثم قال:
طب وبشرى، تعرف حاجة عن الموضوع ده؟
قال مراد نافيا:.
لأ طبعا، مكنش ينفع تعرف، بشرى طول عمرها مبطيقش رحمة لله في لله، مابالك بقى لو عرفت حاجة زي دى، الموضوع ده لازم يفضل سر بينا وبس.
اومأ يحيى برأسه موافقا، ليقترب مراد ويجلس على المقعد المواجه ليحيي قائلا:
تفتكر هتيجى؟
ظهرت البرودة على ملامح يحيى وهو يقول:.
مش عارف، أنا عملت اللى علية وبعتلها تقارير أختها الصحية، وهي حرة، لو كنا بنتكلم عن رحمة اللى كنا فاكرين إننا عارفينها زمان كنت قلت أكيد هتيجى، بس إنت عارف كويس إن دى مش رحمة بنت عمنا اللى إتربينا معاها، وإنت شفت بنفسك هي عملت إيه، دى واحدة احنا بجد منعرفهاش، وبعد اللى عملته زمان، ممكن نتوقع منها أي حاجة، إنت ناسى كمان لما أخوك مات وكنت أنا برة مصر، وخبيتوا علية وسافرت إنت عشان تجيب جثة أخوك تدفنها في مقابرنا هنا في القاهرة، و لما طلبت منها تيجى معاك رفضت، فيه زوجة في الدنيا ترفض تحضر مراسم دفن جوزها الأخيرة، مهما كان بينا وبينها من مشاكل؟
أومأ مراد برأسه قائلا في حزن:
معاك حق، رحمة صحيح كانت منتهية بالنسبة لى كحبيبة من يوم ما إتجوزت أخوك بس في اليوم ده انتهت بالنسبة لى كبنت عمى كمان وبقت بالنسبة لى واحدة غريبة زيها زي أي حد معرفوش، دى حتى مهنش عليها تسألنا عن مكان قبره، أو تحضر الذكرى السنوية بتاعته.
أغمض يحيى عينه في ألم ثم فتحهما وقد ذهب الألم وحل محله برودة قاسية وهو يقول:.
رحمة بالنسبة لنا بقت واحدة غريبة فعلا، مش أكتر من أخت لراوية اللى أمنيتها الأخيرة تشوفها قبل ما تموت، لو جت يبقى هتيجى وتمشى من غير أي مشاكل وأنا بنفسى اللى هتأكد من كدة، ولو شفت منها أي حاجة معجبتنيش، يبقى هي اللى جابته لنفسها وهيكون عليها تواجهنى أنا، وساعتها والله ماهرحمها.
توجس قلب مراد خيفة من نبرات يحيى الصارمة يدرك أنه من الأفضل لرحمة أن لا تثير غضب يحيى، فيحيي عندما يغضب يجب ان يبتعد عنه الجميع، فغضبه قد يحرق الاخضر واليابس، وكل من يقع في طريقه هو هالك لا محالة، ليتمنى في قرارة نفسه أن لا تلبى رحمة دعوة أختها وأن تظل بعيدة تماما عنهم، فهذا هو الأفضل للجميع.
بينما كانت هناك أذن قد سمعت حوارهما وعينان قد ظهر بهما حقد شديد، تتوعد صاحبتهما تلك الرحمة والتي تنوى اقتحام حياتهم من جديد بإنتقام يليق بها، وستتأكد تلك المرة من أنها ستغادرهم بلا رجعة، خاصة بعد اعتراف زوجها الصريح بأنه كان يحمل لها مشاعرا بداخله، حتى وإن زالت تلك المشاعر فلن يزول حقدها الأبدي تجاه فتاة أحبها أفضل ثلاثة رجال في عائلة الشناوي، لقد كانوا شركاء في الدم والعشق، بينما هي لم يحبها أحد منهم، وعانت الكثير لتتزوج أحدهم حتى تصبح قريبة من هدفها الذي شعرت بقربها من تحقيقه في تلك الأيام، لتحضر تلك الأفعى وتحاول أن تفسد لها كل ما خططت له لسنوات ولكنها لن تسمح بذلك أبدا، ستتفنن في خلق المشاكل والعقبات والتي ستؤدى برحمة إلى الإقصاء من حياتهم مجددا، ستبذل قصارى جهدها لتنحيتها من طريقها تلك المرة، للأبد.
كانت رحمة تضع أشياءها وملابسها الخاصة داخل حقيبتها، تستعد للسفر إلى القاهرة حيث توجد أختها هناك تصارع مرضا ميئوسا منه كما قالت تقاريرها، حاولت عرض تلك التقارير على بعض الأطباء المشهورين في دبي ولكن مع الأسف كانت النتيجة واحدة، أجمع الكل على أن صاحبة تلك التقارير تنتظر الموت مابين لحظة وأخرى، أدمعت عيونها في تلك اللحظة وهي تترك ما بيدها وتجلس ساكنة تحاول ان تستجمع شجاعتها، تلملم جراح قلبها المتألم حزنا على أخت كان أمامها سنوات عديدة لتحياها في كنف زوجها وطفلها ذو العامين ولكن القدر أبى أن يمحنها تلك السنوات، أغمضت عيونها تسمح لدموعها بالسقوط على وجهها تتذكر ذلك الزوج، تتقطع نياط قلبها عندما تمثلت أمامها صورته، عينيه العسليتين، حواجبه المعقوفة، غمازتيه، ضحكته التي تبرزهما وتحملها إلى عالم آخر، فتحت عينيها تنفض مسار أفكارها، كيف تفكر فيه مجددا؟، كيف سمحت لنفسها أن تتذكره؟أو لم تعد نفسها مرارا وتكرارا أن تنساه؟أو لم تقسم أن تمحى ذكراه من حياتها إلى الأبد، ليس فقط من أجل أختها، بل أيضا من أجل كرامتها المذبوحة على أعتاب قدميه، قلبها المكسور الممزقة مشاعره، هل جنت؟بالتأكيد نعم، لتتساءل في ألم، كيف تتذكره وهي لم تنساه للحظة، صورته تلك و التي تخشى تذكرها الآن لم تفارق خيالها يوما، لذا فضلت الإبتعاد عنه وعدم رؤيته طوال تلك السنوات، فهي تدرك أنها مازالت تعشقه رغم كل شئ، وهو لم يعد لها رغم كل شئ أيضا.
، نهضت من مكانها، وإقتربت من دولابها تبحث عن ألبوم الصور المخبأ تحت طيات ملابسها لتلتمع عيناها وهي تجده وتمسكه بين يديها وكأنه كنز ثمين لتذهب إلى السرير وتجلس عليه تفتحه بلهفة، تجرى عيناها على صوره والتي تعيد إليها الذكريات بقوة، ترى تلك الصور لعائلة الشناوي واحدة تلو الآخرى، حتى وصلت لصورة يحيى لتطالعها عينيه الجميلتين وإبتسامته الرائعة، رفعت يدها ولمست وجهه برقة تدرك أنها تفتقده بشدة من أنفاس تسارعت و قلب إزدادت خفقاته تعلن عن وجيب إشتياقها له، أبعدت أصابعها عن الصورة بسرعة وقد أحست بنيران الشوق تلفحها، لتنظر إلى تلك الصورة المقابلة لصورة يحيى، إنها آخر صورة لعائلة الشناوي مجتمعين، قبل أن تفترق عنهم، تأملت تلك الصورة جيدا، ترى لأول مرة ما عجزت عن رؤيته طوال سنوات حياتها معهم، فها هي رحمة تضع يدها في ذراع يحيى بأريحية تعودت عليها منذ صغرها فقد كان دائما لها كظلها، صديقها، حبيبها وحاميها، تبدو السعادة على وجه كليهما جلية، بينما يتطلع لهما هشام بعيون امتلأت حقدا، أما راوية، تلك الرزينة العاقلة، تنظر بدورها إلى يحيى بنظرة عشق تعرفت عليها رحمة على الفور، بينما تلتصق بشرى بمراد ناظرين لرحمة ولكن نظرة بشرى يتخلل أعماقها كره شديد يتسلل منها ليصل إلى قلب رحمة الآن على الفور وتفهمها بوضوح، تدرك ان تلك الأفعى لم تحبها يوما، كما لم تكن تدعى يوما، فلطالما سخرت منها ومن إلتصاقها بيحيي كظله وأرجعت رحمة تلك السخرية لغيرة طفولية لأن يحيى لا يعيرها إهتماما بينما ينصب كل إهتمامه على رحمة والقليل منه على راوية، ولكن يبدو أن الموضوع أكبر من ذلك، وغيرة بشرى الطفولية شبت معها حتى صار ما صار.
نفضت رحمة أفكارها وهي تنظر إلى صورة الجد الذي يتوسط الجميع، إنه هاشم الشناوي، كبير العائلة وسندها، كم يشبه يحيى في الشكل والطباع، لتقول بحزن:.
ظلمتنى أوي ياجدى، بس هفضل لآخر نفس فية أحبك، مش هنسالك لحظة حنية حسيتها مرة وأنا صغيرة لما سخنت وكنت هموت، وأول ما فوقت ضمتنى لصدرك وقلتلى حمد الله على السلامة يابنتى، وبعد ما بابا مات في الحادثة ضمتنا تحت جناحك أنا وأختى راوية، وان كنت مقدرتش تشوف انى كنت مظلومة وقتها وقسيت علية زيهم، إذا كنت شفتنى ساعتها بهيرة أمى، فأنا هعذرك، إذا كان هو صدق انى ممكن أعمل كدة، يبقى إنت مش هتصدق، مكنش فيه حد في الدنيا دى ممكن يصدق إنى مظلومة غيره هو، هو أكتر واحد عارفنى، ده مربينى على إيديه ومع ذلك صدقهم، حكم علية وظلمنى معاكم، يبقى إزاي هلوم عليك إنت، كان كل أمنيتى إنى أشوفك وأشوف اختى قبل فوات الأوان وان كنت مقدرتش أشوفك فالظاهر ربنا هيحققلى أمنيتى التانية بإنى أشوف أختى وأضمها لحضنى، ورغم إنى مش قادرة أتخيل رجوعى هناك من تانى بس هرجع، هرجع بس عشانها هي، راوية،.
لتلمس وجه أختها بالصورة قائلة بحنان:
إستنينى لإنى خلاص ناوية أواجه، هواجه اللى دبحونى لأول وآخر مرة عشانك انتى، وده وعد منى.
ليظهر التصميم على وجهها وهي ترفع سماعة هاتفها تتصل برقم لتقول لمحدثها:
أنا بتصل أأكد الحجز، أيوة، طيارة القاهرة، بكرة الصبح
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الثلاثة يحبونها)