روايات

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الحادي عشر 11 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الحادي عشر 11 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت الحادي عشر

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء الحادي عشر

وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)
وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة الحادية عشر

(( وبالعشق اهتدى ))
_ميثاق الحرب والغفران ج2_
_الفصل الحادي عشر _
كانت تحدق بالطريق من زجاج السيارة وهي لا تعرف إلى أين تتجه حتى سمعت صوت ذلك الجالس بجوارها ويقود يسألها باهتمام:
_أنتي مقولتيش اوصلك لفين؟
اضطربت قليلًا وتلعثمت فالتفتت له وطالعته بأعين زائغة وهي تهمس:
_ممكن تنزلني إهنه أنا قربت خلاص من المكان اللي رايحله عشان معطلكش اكتر
رمقها مروان بطرف عيناه في نظرة مريبة وجادة، ثم أخذ نفسًا عميقًا وفجأة وجدته يقف بالسيارة بجانب الرصيف وينظر لها يسألها بلهجة رجولية اربكتها:
_لو أنتي في مشكلة أو محتاجة حاجة قوليلي وأنا هساعدك
طالت نظراتها لعينيه الغامضة وبسرعة اشاحت بوجهها عنه وهي تهز رأسها بالنفي في توتر:
_لا مفيش مشكلة، أنا هنزل إهنه وشكرًا ليك ممكن بس تطلعلي شنطتي من شنطة العربية ورا
فتحت باب السيارة ونزلت فنزل هو أيضًا واتجه لحقيبة سيارته يفتحها ويخرج لها حقيبتها، وسط نظراته الثاقبة لها وكأنه يحاول اختراق عقلها ومعرفة أسرارها وما تفكر به، فزاد من اضطرابها اكثر وهي تحاول تفادي النظر إليه وفور رؤيتها لحقيبتها جذبتها من يده بسرعة وحملتها وسارت مبتعدة عنه تسير في الطريق وهي لا تعرف أين تتجه وبين كل خطوة والأخرى تلتفت خلفها فتجده مازال يقف مكانه ويراقبها بنظرة صقر، حاولت الإسراع في خطاها حتى تختفي عن أنظاره ولا تسقط اثيرة لتساؤلاته ومحاولاته لمعرفة مشكلتها.
اخرج مروان هاتفه من جيب بنطاله يجيب على صديقه الذي يوبخه مازحًا بسبب تأخره عليهم فهتف مروان بحزم:
_أنا مش جاي الليلة دي معايا مشوار مهم ومش هلحق اجيلكم
هتف صديقه بتذمر وضيق حقيقي:
_مشوار ايه اللي ظهر فجأة ده ياعم المهم.. اخلص تعالى احنا مستنينك من بدري وجهزنا الليلة.. دي حتى ميبقاش ليها طعم من غيرك يابوص
هتف بعبارته الأخيرة مازحًا ليحاول إقناع صديقه بالمجيء لكن مروان أجابه مبتسمًا الاصرار بعدما استقل بسيارته وهو عيناه عالقة على الطريق التي اتجهت إليه تلك الفتاة:
_قولتلك مش فاضي يابني.. ابقى سلملي على الرجالة عندك وقولهم تتعوض بإذن الله يلا سلام دلوقتي عشان أنا سايق
انهى الاتصال دون انتظار سماع الرد من صديقه ولحق بخلود بالسيارة، لكنه لم يجد لها اثر وكأنها اختفت بدقائق فراح يتجول بنظره في إرجاء الشارع من حوله وهو يهتف بحيرة:
_راحت فين دي يدوب لسا داخلة الشارع ده!!
ظل يجوب بسيارته بحثًا عنها لكن دون جدوى فزفر بخنق وانزعاج واستسلم أخيرًا ليعود بسيارته ويتجه عائدًا نحو منزله الذي كان قريبًا من تلك المنطقة.
خرجت خلود من خلف أحد الأعمدة بعدما تأكدت من رحيله وهي تتنفس الصعداء براحة، وبدأت تفكر بعبوس وخوف وهي تتلفت حولها في الظلام إلى أين ستذهب، قادتها قدماها دون أن تعرف إلى أين فقط تسير في الطرقات وهي تتلفت حولها كل ثانية خوفًا من أي يكون يتبعها أي مجرمين أو رجال سيئة، توقفت بعد وقت طويل من السير في الطرقات وقد أهلكت قدميها من فرط السير ولم تعد تستطيع الحركة أكثر من ذلك، وسقط نظرها على بناية ضخمة على الطراز الحديث وجميلة فتحركت تجاهها بخطوات بطيئة ولحسن حظها أن حارس البناية لم يكن موجودًا فاستغلت الفرصة ودخلت بسرعة واختبئت بأحد اركان مدخل البناية، وهي تنوي بقاء الليلة هنا وبالصباح تقرر إلى أين تذهب، فحتى هاتفها سقط أثناء اصطدامها بالسيارة ولم تنتبه أنه سقط منها وذهبت وتركته.
***
داخل منزل جلال….
ركضت باتجاه غرفتها تلتقط هاتفها لتحري اتصال بزوجهاوتخبره بعدم وجود أطفالهم بالمنزل، وعيناها بدأت تذرف الدموع بغزارة حتى أن يديها وجسدها كله يرتجف رعبًا عليهم، صوت رنين الاتصال في أذنها مستمر لكن دون إجابة، أعادت الاتصال مرة واثنين وثلاثة والنتيجة واحدة مما زاد من حالة انهيارها العصبي وأصبح صوت بكائها ومحبيها مسموع، ووصلت بالنهاية لقرار الخروج والبحث عن أولادها بنفسها، فاستقامت واقفة واتجهت نحو الخزانة لتخرج ملابسها ولكن بينما كانت تشرع في ارتدائها صابها دوار عنيف جعل الرؤية تتشوش وتصبح ضبابية أمام عيناها وكان كل شيء من حولها يدور بها وماهي إلا ثواني حتى فقدت الشعور بأي شيء بعدها.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا انفتح باب المنزل ودخل الأولاد أولًا وهو يضحكون وبيدهم العابًا جديدة ولحق بهم جلال وهو يبتسم عليهم بحنان أبوي، اندفعوا ركضًا تجاه غرفة أمهم ليقصوا عليها ما حدث ويعرضوا عليها العابهم الجديدة التي اشتراها لهم والدهم، لكن فجأة انتفض جلال فزعًا على أثر صراخ أولاده وهم يصيحون ينادوا عليه، فهرول لهم ركضًا وتسمر بأرضه للحظات عندما رأى فريال على الأرض فاقدة وعيها، لكن سرعان ما تحرك وجثى أمامها على الأرض يحاول افاقتها مجربًا كل الطرق الممكنة ليجعلها تستعيد وعيها لكن دون جدوي، وقد بدأ عمار ومعاذ في البكاء خوفًا على أمهم وجلال مازال مستمر في محاولاته البائسة وهو يهتف متوسلًا إياها بنظرات مرتعدة ويد ترتجف اسفل رأسها:
_فريال فوقي ياحبيبتي أبوس يدك.. فريال
حملها بين ذراعيه ووضعها على الفراش والتقط هاتفه كان سيتصل بالطبيب ليأتي ويفحصها لكنه توقف عندما رآها بدأت تستعيد وعيها وتفتح عيناها تدريجيًا والتفوا حولها الاولاد وهم يهتفون بعينان دامعة وصوت مبحوح:
_أنتي كويسة يا أمي
فتحت فريال عيناها ببطء وعندما أدركت صوت اولادها اتسعت عيناها على أخرها وانتصبت جالسة كالتي لدغتها عقرب وراحت تضمهم لصدرها وقد بدأت في البكاء مجددًا وهي تصيح موبخة إياهم:
_انتوا كنتوا وين؟
تعجبوا من حالة أمهم وبكائها وتوبيخها لهم فقال معاذ بخفوت:
_طلعنا مع ابوي يشترلينا لعب لما أنتي نمتي
ابتعدت عنهم والتفتت تجاه جلال ترمقه بعتاب وغضب لكنه لم يبالي بنظراتها وراح يمسح على شعرها بحنو وهو يسألها بقلق:
_انتي كويسة يافريالي.. إيه اللي حُصل ليه اغمى عليكي
ابعدت يده عنها وهتفت بغضب ممتزج ببكائها:
_لا مش كويسة ياجلال تاخد العيال وتطلع من غير ما تقولي وأنت عارف إني بقلق وكمان مش بترد على تلفونك
لوى فمه بضيق من نفسه أنه تسبب فيما حدث لها، وراح ينقل نظره بين طفليه وبينها وعيناه تعتذر قبل لسانه، ثم اقترب منها أكثر وضمها لصدره وهو يقبل رأسها بحنو متمتمًا في أسف وندم:
_حقك عليا أنا آسف مقصدش والله اقلقك والتليفون كان صامت مسمعتهوش، متزعليش مني المهم أن انتي كويسة دلوك
اقترب معاذ وعمار أيضًا من أمهم وهو يعانقوها مع والدهم ويقبلوا وجهها وشعرها بدفء معتذرين بحزن:
_احنا آسفين مش هنطلع من غير ما نقولك تاني
ابتسم لهم جلال وهو يغمز بإعجاب لتصرفهم الذكي واحتوائهم للموقف معه حتى يمتصوا غضب أمهم ويلينوا قلبها عليهم هم الثلاثة، وبالفعل هدأت ثورة فريال وتبدل غضبها بحنان أمومي محب وهو تبتسم بين ذراعيهم ثم ابتعدت عنهم وقالت بخفوت رافعة سبابتها في وجهم تحذرهم:
_ماشي خلاص سماح المرة دي، وأول وآخر مرة
هزوا رأسهم لها بالموافقة وابتسامتهم تملأ وجوههم وجلال يتابعهم بحب ثم انحنى وقبل رأس فريال مرة أخرى وهو يتمتم:
_هروح اعملك عصير وحاچة تاكليها عشان تقدري تسندي طولك
رمقته بغيظ وجذبته من ذراعه إليها لتهمس في أذنه بحدة:
_أنا سامحت العيال بس أنت لا
تمالك ضحكته بصعوبة ورأت فقط الابتسامة العريضة على ثغره وهو يجيبها بنفس الهمس ونظراته اللعوب:
_وأنا هصالحك يا أم العيال بس القرود دول يناموا الأول عشان اخد راحتي
تمنعت عن النظر إليه في دلال وفور رحيله ضحكت بصمت وغرام لا إراديًا، ثم بدأت تستمتع لأولادها وحكايتهم وحماسهم وهم يعرضوا عليها ألعابهم الجديد ويأخذوا رأيها.
***
داخل منزل سمير…
كان جالسًا على الأريكة يسند رأسه على ظهر الأريكة ومغلق عينيه بتعب، فقد وصلت إليه عشيقته في وقت قياسي واسعفته فورًا وذهبت به لأقرب وحدة صحية حتى يوقفوا نزيف رأسه، وها هو الآن يجلس بمنزله وهي بجواره تتأمله بحزن وتهتف في غل وحقد على خلود:
_دي لا تتسجن كانت هتموتك يا سمير.. أنت أكيد مش هتسكت وهترفع عليها قضية
أجابها بصوت ضعيف دون أن يفتح عينيه أو ينظر لها:
_افوق بس يا حبيبتي من اللي عملته فيا بنت الـ**** وهشوف هعمل فيها إيه!
ردت بسخط وهي تحرضه عليها أكثر:
_متسكتش على اللي عملته ياسمير.. دي مجنونة انا قولتلك من زمان طلقها وسيبها أنت اللي موافقتش معرفش ليه!!
فتح عينيه والتفت لها يرمقها بنظرة مريبة وكأنه يتوعد لها هي وليس لزوجته متمتمًا:
_ومش هسيبها موتها على يدي إن شاء الله.. بقى أنا بت ال*** دي تعمل فيا إكده وتهرب وتستغفلني.. بس هتروح مني وين مبقاش أنا سمير الهلالي أما جبتها من شعرها وكسرت ضلوعها كلها عشان تهرب زين بعدين وتضربني
ارتبكت من نبرته الرجولية ونظراته فتراجعت وتوقفت عن إظهار غضبها حيث اتخذت الطريق الأسلم وهو محاولة تهدأته خوفًا من أن يزداد غضبه وحالته الصحية تسوء أكثر، اقتربت منه وطلعت قبلة رقيقة فوق وجنته وهي تقول له مبتسمة:
_طيب خلاص ياحبيبي متعصبش نفسك كفاية إنك كويس الحمدلله دلوقتي وبعد ما تفوق ابقى دور عليها وشوفها راحت فين بس بليز ياسمير طلقها كفاية بقى كدا
رأته تحول فجأة من الغضب الهدوء والرزانة التامة وهو يحدقها مبتسمًا بمكر وعينان تلمع بوميض شيطاني ويقول:
_طيب قومي معلش هاتيلي مايه ياروحي، وبعد كدا نبقى نتكلم في موضوع مهم عشان مچهزلك مفاچأة
ضيقت عيناها باستغراب ولمعت بالحماس والفرحة على ذكره ” مفاجأة “ودون تردد استقامت واقفة تتجه نحو المطبخ لتلبي طلبه وتجلب له الماء…
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي تحديدًا بغرفة عمران….
فتح باب الغرفة ببطء شديد ودخل ثم اغلق خلفه بنفس الطريقة، لكنه توقف فور دخوله وهو فاغر العينين والشفتين عندما وجدها جالسة فوق الفراش وبجوارها عبوة المناديل الورقية وكل ثانية تجذب واحد من العبوة تمسح به سوائل أنفها من أثر البكاء وتلقيه بجوارها على الفراش الذي امتلأ بالمناديل، ظل مكانه مستمر وهو يتابعها بذهول ورغم أنه كان في حالة مزاجية سيئة ومعكرة إلا أنه ضحك لا إراديًا على منظرها، وجعله يتساءل بحيرة.. هل حقًا جدالهم البسيط منذ قليل وانفعاله عليها ورفضه لذهابها لأخيها كانت نتيجته تلك الحالة الغريبة التي هي عليها الآن أمامه؟، وكأنه يرى امرأة لا يعرفها هشة ورقيقة وليست زوجته الجبارة والصلبة.
تنحنح بصوت مسموع وهو يمسح على ذقنه وينظر لها محاولًا منع ضحكاته لكنها كانت تتفادى النظر إلى وجهه ومستمرة في بكائها الصامت، فأخذ نفسًا عميقًا وتقدم نحوها بخطوات متريثة حتى جلس على طرف الفراش بجوارها بعيدًا عن مناديلها المتسخة وهتف بأعين كلها حيرة:
_آسيا.. إيه اللي عملاه ده في السرير وإيه اللي حُصل لده كله؟!
التفتت له فجأة بطريقة مرعبة ورمقته شزرًا لتجيبه وهي تبكي وتمسك بالمناديل عبراتها وأنفها:
_أنت مش عارف يعني إيه اللي حُصل وبتسأل بكل برود كمان!!
عاد برأسه للخلف كرد فعل لا إرادي على هجومها عليها بالصوت والنظرات وقالت بكل بساطة ومازالت الحيرة تستحوذ على تعبيرات وجهه:
_لا عارف احنا اتخانقنا، بس انتي معملتيش إكده لما سبتي البيت وفضلنا بعاد عن بعض اسبوعين.. فمش معقول الجدال البسيط ده يعمل فيكي إكده يعني!!
صاحت به منفعلة وهي تبكي بقوة وتعاتبه بقهر:
_لا يعمل يامعلم.. اصل أنت مبتشوفش روحك بقيت تعاملني كيف ومش بتعمل حساب حتى أني حامل ونفسيتي تعبانة ومش بتهتم بيا ولا بيفرق معاك أمري.. ده أنا بقولك هروح اشتري هدوم لولدنا وأنت حتى مهنش عليك تقولي هروح معاكي ونشتري سوا ده أول عيل وأول فرحة لينا لا كمان مش عايزني اطلع
توقفت عن الكلام عندما صاب صوتها بحة شديدة لكنها تابعت بصوتها المبحوح وهي تبكي وترمقه بحزن ووهن:
_لو معدش يفرق معاك أمري ومش عاوزني ولا عدت بتحبني خلاص طلقني وروح اتجوز بت عمتك السحلية دي
رفع حاجبه وقد ازداد ذهوله من تصرفاتها المريبة وآثارتها العواطف بإتباعها اسلوب المرأة المضطهدة الذي يعذبها زوجها ويسلبها حقوقها، وبين صدمته لم يكن يستطيع التحكم بابتسامته التي ترابطت مع تعبيراته المُضحكة وعدم فهمه لتلك الحالة النفسية العجيبة التي يشهدها لأول مرة عليها.
استشاطت هي غيظًا وصرخت به بغضب ونقم بعدما رأت ابتسامته:
_أنت كمان بتضحك!!.. أنا غلطانة أني اتكلمت معاك من الأساس
هبت واقفة من الفراش وهي تنوي الذهاب للحمام لكنها وثب بسرعة خلفها أوقفها وهوويحاوطها بذراعيه ويضمها لصدره عنوة هاتفًا بكل حب ودفء ويحاول منع ضحكاته من الخروج حتى لا يفسد الأمر أكثر:
_لا والله ما اقدر أنا بس مصدوم يعني لولا أنك كيف الحصان الحمدلله ومفكيش حاچة كنت قولت حرارتك عالية وبدأتي تخرفي يا آسيا
انتزعت نفسها من بين ذراعيه بقوة وقالت له بنظرة مشتعلة:
_قصدك إني مجنونة يعني؟!
ضم شفتيه على بعضهم يمنع نفسه من الضحك وعاد يضمها لصدره مجددًا هامسًا:
_لا ده أنت ست البنات كلها ياروح قلبي، أنا قصدي إني مستغرب بس عشان مش متعود عليكي إكده، عمومًا ادي راسك اهي ابوسها ياغالية وحقك عليا أنا كنت متعصب وانتي مراعتيش ده وعصبتيني اكتر متزعليش مني
انحنى على رأسها يقلبها تزامنًا مع عبارته ” ادي راسك ابوسها ” فوجدها سكنت قليلًا بين ذراعيه وابتعدت عنه ببطء تأبى النظر لوجهه، لا يمكنه إخفاء مشاعر الإعجاب بتلك الطريقة المختلفة التي تتبعها في الخصام، حتى لو كانت هي المخطئة أن فعلتها كل مرة بهذا القدر من الرقة واللطافة مستعد أن يراضيها بكل ما ترغب به ولن يأبى لنقطة من المخطأ بينهم.
ظل يتأملها بكل انبهار ورغبة فراح يحتضن وجهها بين كفيه هامسًا لها بصوت ينسدل كالحرير ناعمًا:
_بعدين إيه الكلام ده كيف يعني متفرقيش معايا، لما أنتي متهمنيش امال مين يهمني يعني ياحبيبتي، هو أنا عندى كام غزال يعني
عقدت ذراعيها أسفل صدرها واستدارت توليه ظهرها وهي تتمنع عنه بدلال أنثوي رغم سعادتها الداخلية بغزله الغرامي بها لكن أرادت أن تسمع أكثر، وهو لن يتردد ولم يضن عليها في مشاعره حيث اقترب منها وعانقها من الخلف مكملًا بصوت رجولي مفعم بالعواطف آثار رعشة جميلة في جسدها وآذاب قلبها:
_ثم أن في حد عاقل يسيب غزاله وجمال عيون الغزال دول عشان ياخد سحلية كيف ما بتقولي عليها
ضحكت بصمت رغمًا عنها والتفتت له وهي تبتسم وتقول بغنج:
_طب وهو مش المفروض اللي معاه غزال بالچمال ده كله ميزعلهوش بردك ولا إيه!
مال عليها بوجهه وهو يغمز بخبث ويكالعها بنظراته اللعوب ويقول بوقاحة:
_لا لو بالچمال ده المفروض يتاكل أكل
ابتسمت بخجل وحب وهي تسبح بوجهها عنه للجهة الأخرى استحياء ثم تسأله برقة:
_يعني خلاص هتوديني موافق؟
عمران بإيجاب:
_موافق ياغزالي بس أنا هوصلك وأچيبك ولو عاوزة تطلعي تچيبي الهدوم نطلع انا وأنتي بعد ما ترچعي من عند أخوكي
تهللت اساريرها وقالت بفرحة طفولية:
_تمام
ثم اقتربت منه وقبلته من وجنته متمتمة بنعومة تليق بأنوثتها الطاغية:
_أنا آسفة يامعلم.. أنا عارفة إني زودتها وكان لازم اراعي أنك مضايق، تعالي قولي عاد إيه اللي كان معصبك
عمران برفض تام في ابتسامة دافئة:
_موضوع عادي وخُلص متشغليش بالك، المهم بس دلوك نلم الحفلة اللي عملاها على السرير بمناديلك دي عشان ننام ولا إيه يا غزالة
قهقهت بخفة ولماذا له بالموافقة وفورًا بدأت في تنظيف الفراش وتبديل المفرش ثم تسطح هو أولًا وانضمت له لتدخل بيت ذراعيه في حضنه وتضع رأسها فوق صدره بينما هو فيديه كانت تجد طريقها لبطنها المرتفعة تتحسس عليها بكل حنو وهي تغلق عيناها وتترك نفسها تنعم بشعور الدفء والحب بين ذراعين بطلها…
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل خليل صفوان…
كان “علي” يجلس بالصالة يراجع بعض أوراق العمل الأخيرة قبل أن يغادر لكن جذب انتباهه صوت حذاء بكعب عالي ينزل من الدرج محدثًا ضجيجًا ممتعًا ومثير، فرفع رأسه باستغراب وفضول ليرى صاحبة تلك الصوت على الرغم من أن لا يوجد امرأة بالمنزل يمكنها ارتداء ذلك الكعب سواها إلا أنه لم يكن يتوقع ما سيراه، فراشة زرقاء تنزل بكل دلال مرتدية ثوب أزرق طويل وبنصف أكمام ينزل عند منطقة الكتف مظهرًا بدايتها، وتترك العنان لشعرها الأسود الحريرى ينسدل فوق ظهرها وكتفيها، ظل يتأملها بانبهار غريب وكأنه مغيب العقل وعيناه لا تحيد عنها وهو يراها تسير أمامه بكل ثقة دون أن تلتفت له حتى، ولم يفق من الغيبوبة المؤقتة إلا عندما تورات عن أنظاره داخل غرفة الجلوس حيث يجلس جده، فهز رأسه بسرعة ينفر تلك الأفكار التي قذفت بذهنه، مستنكرًا نفسه كيف سلبته عقله وجعلته يتمعنها بإعجاب وهيام هكذا، تلك الساحرة الصغيرة.
غابت داخل الغرفة لدقائق طويلة ثم خرجت أخيرًا وهو بنفس الطريقة يهيم بها مجددًا ويتأملها ولكن هذه المرة كانت تتجه نحوه حتى وقفت أمامه ولوت فمها بخنق وهي تقول له بمضض:
_أنا عايزة اطلع اشتري شوية حجات خاصة بيا وجدو رفض يطلعني وحدي وقالي أن أنت توصلني وتوديني.. ممكن ولا لا؟
طالت نظراته وكانت بالنسبة لها مريبة ومربكة مما جعلها تلوح أمام عيناه بيدها هاتفة:
_Hey.. can you hear me?!
تمالك نفسه وحاول التحكم بنظراته لها حتى لا يكشف أمره وبلحظة تحولت نظرته لحادة وهو يتفحصها بأعين ثاقبة ويهتف بلهجة رجولية غليظة تضمر معاني الغيرة في ثناياها:
_وأنتي عاوزة تطلعي بالبتاع اللي لبساه ده!!
نزلت بنظرها لملابسها تتفحصها بتعجب تحاول فهم ما الغريب بها ثم عادت بنظرها له مجددًا وقالت بكل ثقة وبرود:
_ايوة هطلع كدا.. في مانع؟!
على بنبرة رجولية مميزة:
_آه في
رفعت حاجبها له بازدراء ثم قالت بعنجهية وهي تهم بالابتعاد والرحيل:
_اوكي انا هعتبر ردك ده إجابة بـ no على سؤالي.. وهروح وحدي mercy
وثب ” على ” واقفًا بسرعة ولحق بها يجذبها من ذراعها ليوقفها هاتفًا بغضب:
_تروحي وحدك ده إيه.. مفيش خروچ وحدك أنا هوصلك
ابتسمت له بتكلف وهي تجذب ذراعها من قبضته بكل بطء وتجيب بنعومة:
_okay, thanks
أنا هستناك برا قدام الـ car لغاية ما تيجي
وجدها تسبقه بخطواتها وهي تتجه نحو باب المنزل فعاد بسرعة للمقعد يجذب هاتفه ومفاتيحه ويعود لها ليوقفها بصوته الخشن:
_استنى متطلعيش
توقفت عند الباب مباشرة بعدما فتحته وهي تلتفت له برأسها وتضيق عيناها باستغراب بينما هو فاقترب منها وخرج هو أولًا وظل يتلفت حوله يراقب الشارع يتأكد من عدم وجود أي رجال وهي تقف تتابعه بعدم فهم واستنكار ثم قالت له بلهجة ساخرة:
_ممكن اطلع ولا لا يافندم؟!
رقمها بنظرة حادة اربكتها قليلًا وجعلتها تتأفف بنفاذ صبر بينما هو فعاد لها ووقف أمامها ينظر إليها بطريقة احرجتها وفجأة وجدته يرفع أنامله لكتفيها ويرفع ثوبها ليغطي اكتافها العارية وهو يهتف بصرامة:
_غطي ده إكده.. إيه لزمته يعني منزلاه
فغرت شفتيها بصدمة وصاحت به بعصبية وطفولية وهي تحاول هندمة ثوبها مجددًا:
_ابعد ايدك اوووف بوظت شكل dress
على بغيظ:
_مباظش ولا حاچة مهو لساته زي الفل.. ومتنزليش الكتاف دي
إعادتها لوضعها الطبيعي عنادًا به وهي تقول مغتاظة:
_اهو.. وأنت ملكش دعوة بيا
صور على أسنانه يحاول التحكم في انفعالاته وهو يحذرها بغيرة شديدة:
_يابت متعصبنيش بدل ما قسمًا بالله ادخلك والبسك شوال واطلعك بيه.. ده انتي تحمدي ربك أني سايبك تطلعي إكده معايا
رددت عبارة شوال بتعجب لكن سرعان ما قالت بتيه وقرف منه:
_وأنت مين قالك أصلًا أني هروح معاك.. أنا خلاص غيرت رأي وهروح وحدي
تقدم نحوها خطوة فتراجعت هي فورًا للخلف خوفًا منه ووجدته يقول بنبرة مرعبة:
_طب فكري إكده وخلي رچلك تعتب برا عتبة البيت ده لوحدك وشوفي هيچرالك إيه مني، مهو يا هتطلعي معايا يامفيش طلوع واصل.. هااا تختاري إيه ياغندورة؟!
لوت فمها بغيظ وهي تفكر وبالاخير قررت الإنصياع لذلك البربري بسبب حاجتها الحقيقية للخروج وشراء بعض مستلزماتها الشخصية، فضربت بكعبها الأرض في عصبية وهي تهتف:
_اوووف انسان همجي وأنا بكرهك لولا إني مضطرة مكنتش طلعت معاك أبدًا
ثم دفعته وعبرت من أمامه تتجه نحو سيارته بينما هو فابتسم ببرود وقال لها بعدما استقلت بالسيارة:
_نسيتي بربري كمان
لوت فمها بقرف واشاحت بوجهها بعيدًا عنه حتى استقل هو بالمقعد المجاور لها وانطلق بالسيارة وهو يلتفت لها كل لحظة والأخرى ويراقبها بأعين معجبة.
***
بمكان آخر، توقفت السيارة أمام إحدى البنايات الكبيرة، فألقت هي بنظرها خارج السيارة تنظر للبناية بعلامات استفهام، ثم نظرت له ورأته يتمعنها بابتسامة دافئة فهتفت تسأله بفضول:
_ايه المكان ده يابلال وليه جايبنا عند العمارة دي
غمز لها بحب وهو يبتسم ويهمس:
_إيه مش عاوزة تشوفي شقتك المستقبلية ياحوريتي
اتسعت عينيها بدهشة وقالت له بفرحة:
_بتتكلم جد احنا شقتنا هنا؟!
كان صمته ونظرته ردًا بالإيجاب على سؤاله فهتفت بحماس طفولي وهي تضحك:
_طيب مستنى ايه يلا بينا نطلع أنا متحمسة أوي وعايزة أشوفها
قهقهة بخفة ونزل من السيارة وتبعته هي ثم التفت حتى وقفت بجواره فأمسك هو بيدها يحتضن كفها بين كفه الضخم ليسيرا معًا لداخل البناية ويصعدوا الدرج فسألته بنصف الطريق:
_هي في الدور الكام يا بلال؟
نظر لها بطرف عينه وقال في ابتسامة عابثة:
_الخامس
شهقت بصدمة وقالت في تعب:
_ده احنا لسا في التاني وتعبت يابلال حرام عليك ملقتش غير الخامس.. بس يلا احسن عشان اخس من الطلوع والنزول
بلال باستنكار وضيق وهو ينهيها بحدة:
_تخسي إيه اكتر من إكده.. ده أنتي لو تعرفي تتخني يبقى احلى كمان
توقفت بعدما وصلوا للطابق الثالث وهي تقول بغضب شديد:
_أنت قصدك أني مش حلوة وأنا رفيعة كدا ولا إيه يعني؟!
أدرك أنه فتح على نفسه بابًا من جهنم بسبب عبارته السخيفة التي لم يكن يقصد معناها كما فهمته أبدًا، وقال مسرعًا يحاول تفادى الأمر:
_لا طبعًا ياروحي انتي حلوة في كل حالاتك.. انا كان قصدي أن شكلك هيبقى احلى واحلى كمان
حور وهي تلوى فمها بغيظ:
_اممم يعني أنا مش عجباك وأنا كدا ولو تخنت هبقى حلوة واعجبك
مسح على وجهه بنفاذ صبر وراح يهتف بانفعال بسيط:
_هو أنا قولت إكده ميتا يابنت الناس!!
حور بعبوس وحزن أشبه بالأطفال:
_مش محتاج تقول يا بلال انا فهمتها.. شكرًا
ثم قادت خطواتها السريعة تسبقه في صعود الدرج حتى وصلت للطابق الخامس قبله وظلت واقفة أمام باب منزلهم المستقبلي وعندما وصل لها رمقها بقلة حيلة ثم أخرج المفتاح من جيبه وفتح الباب ليبسط ذراعه أمامه يشير لها بالدخول أولًا ففعلت وهي عابسة الوجه، لكن فور دخولها تلاشي كل هذا وتحول لسعادة غامرة والابتسامة العريضة شقت طريقها لوجهها حتى سمعت صوته المحب من خلفها وهو يقول:
_إيه رأيك؟
التفتت له وقالت بعفوية وقد نست تمامًا ما حدث منذ قليل بينهم:
_حلوة أوي يابلال
ضحك بخفة وهتف مازحًا:
_الحمدلله الشقة مخلتكش تنكدي عليا
زمن شفتيها بضيق فور تذكرها فزداد ضحكه أكثر وراح ينحنى عليها ليقبل رأسها بغرام متمتمًا:
_خلاص عاد ميبقاش قلبك اسود ياروح قلبي
ذابت كالثلج أمام نيران عشقه وابتسمت له بحب ثم أمسكت بيده وقالت وهي تجذبه معها للداخل:
_طيب يلا تعالي فرجني على باقي الشقة
سار خلفها وهي تجره وسط ابتسامته اللعوب وهو يقول مازحًا:
_عچباني ثقتك العمياء دي فيا
توقفت والتفتت له برأسها ترمقه بحيرة وقد شعرت بالاضطراب من نظرته ونبرته فتمتمت بخفوت لطيف:
_قصدك إيه؟!
لمعت عينيه بوميض خبيث وهو يضحك ويتقدم منها بخطواته المتريثة وهي تتراجع حتى حاصرها بينه وبين الحائط وبيديه حاوطها من خصرها وهو يقول:
_يعني احنا في شقتنا وحدينا إكده والشيطان تالتنا مش خايفة اتحرش بيكي مثلًا
ثم بدأ يدغدغها بأنامله في خصرها وهو يردد ” إكده أو إكده يعني ” وهي تنتفض مع كل لمسة وتصرخ به وسط ضحكها هاتفة:
_بلال ابعد عني والله العظيم اخاصمك بجد ومش هكلمك تاني.. بس بقى اووووف
لكنه تابع مداعبته لها متلذذًا وهو يضحك عليها حتى تمكنت من الفرار من بين براثينه أخيرًا وركضت باتجاه أقرب غرفة أمامها ودخلت وأغلقت الباب فوقف هو بالخارج يطرق على الباب ويقول وسط ضحكه الهستيري عليها:
_ افتحي متخافيش مش هعملك حاچة أنا بهزر معاكي
حور بقلق:
_وأنا إيه ضمني!
بلال بتصنع الحدة:
_كيف يعني ايه ضمنك هو في واحدة متثقش في چوزها!
حور بغيظ وهي تضحك:
_ما أنا وثقت فيك وأنت خنت الثقة
قهقه برجولية جذابة ثم تمتم بحنو جميل:
_طيب غلطة ومش هتتكرر افتحي عاد يلا
تنهدت الصعداء مغلوبة وفتحت له وهي ترمقه بغيظ وسط ابتسامتها الناعمة، فوجدته يبسط لها ذراعيه يحسها على الانضمام لحضنه ففعلت على استحياء وعانقته بعشق وهو بدوره ضمها إليه أكثر وسط قبلاته الدافئة لرأسها وجبينها، وبعد دقائق قصيرة أكملوا تجولهم بالمنزل بمحادثات جادة بينهم لكن لا تخلو من المرح وجرأة بلال التي باتت تعتاد عليها مع الوقت!.
***
بمنزل ابراهيم الصاوي.. انتهت آسيا من ارتداء ملابسها والاستعداد للذهاب وزيارة شقيقها في منزله الجديد، وكان عمران ينتظرها بالأسفل بالصالون حتى اطلت أخيرًا وهي ترتدي رداء اخضر فضفاض وفوقه حجابها من اللون الأبيض، فاستقام واقفًا وهو يبتسم لها ويشير لها بعينه أن يتحركوا ليذهبوا، لكن اوقفهم صوت إخلاص وهي تسأل ابنها بفضول:
_على وين إكده ياولدي من الصبح؟!!
أجاب عمران بنبرة جادة على أمه:
_رايحين مشوار ياما.. أنتي عاوزة حاچة؟
زمت إخلاص شفتيها وهي تحاول إظهار الود لزوجته متمتمة:
_لا ياولدي هعوز إيه.. عاوزة سلامتكم بس
التقطت عين آسيا ” منى” وهي تنزل الدرج ودون أي مقدمات التصقت بعمران وتعلقت بذراعه بكل تملك وحب وردت على إخلاص بنظرة كلها لؤم وهي تتحسس بيدها فوق بطنها:
_أصل أنا والمعلم رايحين نشتري هدوم العيل
اكتفت إخلاص ببسمتها المتكلفة أما منى فكانت تتطلع في آسيا بغل وعمران يرمق زوجته بقلة حيلة، لكن آسيا نظرت لمنى وسألتها بسخرية:
_أخبار رجلك إيه دلوك يامنى؟
ردت بمضض وخنق:
_زينة الحمدلله
انحنى عمران على أذن آسيا وقال بهدوء:
_مش كفاية إكده ولا إيه ياغزال يلا بينا عشان انا ورايا شغل هروح اخلصه بعد ما اوصلك عند أخوكي
نظرت له وهمست بوعيد وغل:
_قريب قوي هرمي السحلية دي برا البيت أنا سيباها بس بمزاچي
ضحك بصمت على عبارتها، ثم اتسعت عيناها بدهشة عندما وجدته ينحني عليها ويقبلها من وجنتها بكل حب غير مكترثًا لوجود أمه وتلك السحلية الحقودة، وكأنه يجيب عليها بتلك القبلة أنه لا يرى سواها ولا يهمه أحدًا غيرها.
فنظرت له مندهشة وهي تبتسم بفرحة غامرة ثم التفتت نحو إخلاص ومنى ترمقهم بنظرات كيد وعنجهية وتبتسم متعمدة أثارت نيران الغيرة في صدرهم، ثم عادت بنظرها لعمران وقالت له بكل دلال و عشق:
_يلا يامعلم عشان منتأخرش على مشوارنا
أشار لها عمران بأن تسبقه هي بخطواتها وهو سيلحق بها وبعد ابتعادها عنه اقترب من أمه وانحنى عليها ليمسك بكفها ويرفعه لشفتيه يقبل ظاهره بحنان فتبتسم له إخلاص بحب أمومي وهي تربت فوق كتفه متمتمة:
_ربنا يحفظك ياحبيبي ويوقفلك ولاد الحلال
انتصب في وقفته ثم ألقى نظرة جافة على منى قبل أن يستدير ويلحق بزوجته التي تنتظره بالخارج…
***
داخل منزل جلال وفريال…
استمعت فريال لحديث جلال بالهاتف وهو منفعل وكان يبدو أنه يتحدث مع عمه مجددًا، فلوت فمها بضيق وانزعاج شديد واستمرت في سماع محادثته التي اتضح من خلالها أنه ينوي الانتقال من مكانه ليختبيء بمكان آخر بعدما أصبح مكانه صعب العثور عليه فيه.
انتظرت حتى انتهى من مكالمته تمامًا حتى دخلت له وهي تقول بابتسامة باهتة:
_الفطار چهز.. يلا
جلال بتعبيرات وجه كلها امتعاض:
_افطروا انتوا أنا مش عاوز مستعجل وطالع ورايا مشوار
أخذت نفسًا عميقًا بتبرم واضح ثم تقدمت نحوه حتى وقفت أمامه وقالت بجدية:
_مينفعش تطلع من غير فطار ياچلال وبعدين أختك چاية في الطريف وهتزعل لو چات وملقتكش هي عاوزة تشوفك اصبر شوية وافطر معانا لغاية ما تاچي آسيا وبعدين روح مشوارك
صمت لبرهة من الوقت قبل أن يقول لها باستسلام:
_ماشي يافريال روحي وأنا چاي وراكي
ابتسمت له بلين ومالت عليه تقبله من وجنته وهي تهمس:
_متتأخرش عشان الوكل ميبردش والعيال مستنينك برا مش عاوزين ياكلوا غير لما تاچي
ظهر شبح ابتسامته على ثغره وهو يضمها لصدره ويسير معها للخارج هامسًا:
_يلا بينا.. بقولك إيه يافريالي إيه رأيك نودي العيال في بيت أبوي وناخدلنا احنا يومين وحدينا إكده نستمتع مع بعض من غير ازعاج ولاد الـ*** دول اللي مبيخلونيش اتهنى معاكي بعشر دقابق على بعض
قهقهت بصوت أنثوي مثير وردت بغنج رقيق مثلها:
_وهو ده وقته الكلام ده دلوك بعدين نبقى نتكلم في الموضوع ده يا أبو العيال
انحنى عليها ولثم شعرها بغرام وهو يجيب بمرح:
_حلوة أبو العيال دي أول مرة اسمعها منك
رمثته بطرف عيناها في ابتسامة دافئة وابتعدت عنه بعدما وصلوا لطاولة الطعام وبدأوا في الأكل وهي قد عزمت النية على التدخل والتصرف بأمر عمه، فلن تترك زوجها فريسة له وللشرطة يكفي أنها خسرت والدها بسببه فلن تتركه يؤذي زوجها وشقيقها أيضًا…
***
خرج مروان من المصعد الكهربائي بالطابق الأرضي وكان بطريقه لخارج البناية ليستقل بسيارته ويتجه لعمله، لكن أوقفه صوت بكاء بسيط منبعث من أحد الأركان المخيفة بمدخل البناية،فتوقفت وهو يعقد حاجبيه باستغراب وتحرك بكل بطء وتريث يتبع ذلك الصوت حتى وصل له أخيرًا وإذا به يتسمر مكانه مندهشًا عندما وجد الصوت لنفس الفتاة التي اصطدمت بسيارته بالأمس، وهي الآن تختبيء بمدخل بنايته وتبكي.
وقف أمامها وقال بعدم تصديق وذهول:
_انتي بتعملي إيه هنا؟!!
انتفضت خلود واقفة بفزع وراحت تحدق في وجه مروان بصدمة مماثلة له، وبعقلها تطرح سؤال واحد كيف عثر عليها؟!.
***
بعدما خرجت آسيا من سيارة زوجها وقادت خطواتها لداخل البناية لتصعد لمنزل شقيقها، ظل عمران واقفًا يراقبها بنظراته حتى يطمئن أنها وصلت سالمة، لكن رنين هاتفه المستمر جعله يجيب مجبرًا بضيق وصوت غليظ:
_إيه يابشار إيه اللي حُصل في إيه؟!
هتف بشار بصوت رجولي صارم:
_عرفت مكان منصور صفوان ياعمران
انتصب في جلسته بدهشة وأظلمت عيناه بلحظة ليهتف بصوت جهوري ومريب:
_مستخبي وين؟!
بشار بنبرة منذرة:
_هقولم بس متروحش غير لما اچيلك ونروح مع بعض
صاح عمران منفعلًا:
_اخلص يابشار قول وين مكانه!
تنهد الصعداء بعدم حيلة واملى عليه العنوان بالتفصيل ودون أي انتظار انهي عمران الاتصال واندفع بسيارته يشق الطرقات قاصدًا ذلك العنوان حيث يختبيء منصور.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى